مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٠

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا ونحن نجد الأمر بالعكس وهو اعلم.

ويؤيده ما في حسنة معاوية (١) المتقدمة ، فإن الظاهر ان قوله : (من شهر رمضان) صلة (يصوم) إذ لو كان صلة (يشك) لاحتاج الى تقدير مثل (لا يدرى هل هو من شهر رمضان أو من شعبان (أو بحذف مضاف فيه اى كونه) (٢).

ويؤيده قوله : (فيكون كذلك) لان التشبيه انما هو للنيّة وبهذا (٣) بعينه استدل في المنتهى على كون النيّة وقع عن شهر رمضان في صحيحة محمد بن مسلم (٤) الّا انه قال : (رواه هشام بن سالم) ورأيته في الطريق (٥).

وحمل (٦) عدم الجواز وعدم الاجزاء والقضاء على العالم.

__________________

مصنّف هذا الكتاب فيريد الشارح قده أن هذا القول كان عقيب الحديث الأوّل لا الثاني وأمّا وجه الغرابة التي ذكرها الصدوق رحمه الله فقال المجلسي الأوّل في شرح من لا يحضره الفقيه المسمى ب (روضة المتقين) ج ٣ ص ٣٥٦ ما هذا لفظه : والغرابة باعتبار الطريق ، فان الطرق الكثيرة الواردة في ذلك الباب لم يكن في خبر منها هذه العبارة ـ ولكن ذلك غرابة غريبة انتهى كلامه رفع مقامه وقال المحدّث الخبير المولى محسن الفيض الكاشاني ره في الوافي : أقول : كأنه (يعني الصدوق) طاب ثراه أراد بالغرابة ما ذكره بقوله : لا أعرفه الا من طريق عبد العظيم (انتهى) فقول الشارح قده : (ونحن نجد الأمر بالعكس) كأنه اعتراض على الصدوق زعما منه ان الصدوق ره أراد الغرابة من حيث الحكم ـ لا من حيث الطريق ، والا فلو كان المراد كما فهمه المحدثان الخبيران المذكوران لم يرد عليه اعتراض أصلا ـ والله العالم

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٥ من أبواب وجوب الصوم

(٢) يعنى لفظة (كونه)

(٣) اى بالبيان الذي ذكرناه

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب وجوب الصوم ونيته

(٥) طريق الحديث كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن محمد بن ابى عمير ، عن هشام بن سالم وابى أيوب عن محمد بن سالم (مسلم ـ خ ـ صا) وكذا في روضة المتقين ج ٣ ص ٣٥١

(٦) يعنى حمل الشيخ عدم الجواز المستفاد من صحيحة محمد بن مسلم على من كان قد صام بنيّة رمضان عالما بأنه من شعبان قال في التهذيب بعد نقل هذا الخبر : فليس بمناف للخبر الأول (يعني خبر سعيد الأعرج) لأن

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن الحمل على التقيّة أيضا كما حمل على ذلك في الاستبصار (١) صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ونحوها ممّا يدل على عدم الجواز والقضاء يوم الشك ، فتأمّل.

ويفهم تجويز الشيخ ذلك من المنتهى حيث قال : لو نوى أنه من رمضان فقد بيّنا أنّه لا يجزى ، وتردّد الشيخ في الخلاف ، (انتهى).

فليس بخلاف الإجماع.

واعلم أن في هذه المسألة والاخبار دلالة على اجزاء نيّة الندب عن الوجوب مع عدم العلم به ، وكان في الواقع واجبا.

وقد ذكرنا في أوائل الكتاب (٢) جواز العكس في نيّة الوضوء والغسل ، وذكره في الذكرى أيضا وان كان دليلها (٣) ليس بجيد.

وعلى (٤) إمكان القول التقدم (٥) يكون فيها دلالة على اجزاء نية الوجوب عنه مع عدم علمه به ووجوبه في نفس الأمر ، وعلى اجزائها أيضا عن الندب ، فتأمّل.

__________________

المراد بهذا الخبر من صام يوم الشك ولا ينوى أنه من شعبان بل ينوي انه من شهر رمضان فإنه متى كان الأمر على ما ذكرناه يكون قد صام ما لا يحلّ له صومه فحينئذ يجب عليه القضاء (انتهى)

(١) في الاستبصار بعد نقل الصحيحة : فالوجه في هذا الخبر أحد شيئين أحدهما ان نحمله على ضرب من التقية لأنه موافق لمذهب بعض العامة إلخ

(٢) راجع المجلد الأوّل ص ٩٨ من هذا الكتاب

(٣) راجع الذكرى من قوله رحمه الله الفصل الرابع في الاستعمال (الى قوله قده) الشرط الثاني أن يكون من إناء إلخ ص ٧٩ ـ ٨٠ فإنه قدّس سرّه قد أتى في بحث النيّة بما فوق المراد

(٤) عطف على قوله قده : على إجزاء نيّة الوجوب

(٥) وهو القول بالجواز والاجزاء عن شهر رمضان ـ كذا في هامش بعض النسخ المخطوطة

١٦٢

ولا يجوز صوم يوم الشك بنيّة رمضان.

______________________________________________________

ولا يتوهم (١) فهم عدم جواز نيّة الوجوب واجزائها عن الندب مطلقا حتى مع الجهل والنسيان أيضا ، من النهي عن صومه وعن رمضان.

لاحتمال كون ذلك باعتبار القصد عن الشهر مع عدم العلم أو العلم كما هو الظاهر ، لا من جهة الوجوب بدل الندب.

ويفهم أيضا منها كون النيّة في الليل ، والاعتداد في الصوم بالنيّة في الجملة كما تقدم في أوائل كتاب الصوم من الإشعار بها.

فلعلّ كونه تركا واقعا لا يتمحّض كونه عبادة الّا بها ، ولأنّ الظاهر أنّه لا بد في العبادات والتكليف من فعل ، وليس هنا فعل ظاهرا فيجب النيّة حتى يظهر جواز التكليف وقد أشرنا إلى تحقيق الحال فيما تقدم ، فتذكّر.

وأيضا ان قول المصنف : (فلو نوى إلخ) لم يتفرّع على مجرّد قوله : (ولا يقع إلخ) والّا لم يقع فيه خلاف ، لعدم الخلاف في عدم وقوع الغير فيه مع العمد والعلم ، وهو المراد على الظاهر كما بيّناه ، بل تضم مقدّمة أخرى ظاهرة ، عنده وهي عدم إجزاء عبادة مع نيّة غيرها ، فتأمّل.

قوله : «ولا يجوز صوم يوم الشّك بنيّة رمضان» دليله عدم جواز التشريع والاخبار المتقدمة ، ورواية قتيبة الأعشى ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن صوم ستّة أيّام ، العيدين ، وأيّام التشريق ، واليوم الذي يشك فيه من رمضان (٢).

__________________

(١) حاصل التوهم ان النهي عن صوم يوم الشك وعن جعله من رمضان يدلّ على عدم جواز نيّة الوجوب بدلا عن نيّة الندب وعدم اجزائها عنه ، وحاصل الجواب ان النهي المذكور محمول على الوجه في النهي عدم علم المأمور بأن المأمور به هو شهر رمضان لا أنّ الوجه عدم إجزاء نيّة الوجوب عن الندب فإن الأحكام تابعة للحيثيّات

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٢ من أبواب وجوب الصوم ونيّته

١٦٣

ولا بنيّة الوجوب على تقديره ، والندب ان لم يكن (واجبا ـ خ).

______________________________________________________

وما روى في الصحيح ، عن عبد الكريم بن عمرو ـ الواقفي الثقة ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : إنّى جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم ، فقال : (صم وخ) لا تصم في السفر ، ولا العيدين ، ولا أيّام التشريق ، ولا اليوم الذي يشك فيه (١).

وقد حملها الشيخ على قصد شهر رمضان وهذا الحمل بعيد هنا مع بعد وقوع هذا النذر وتجويزه عليه السّلام إيّاه في زمانه الّا ان يريد ب «القائم» غير (الحجة عليه السّلام).

وفيها دلالة على تحريم صوم أيّام التشريق مطلقا ، وتحريم صوم النذر في السفر

قوله : «ولا بنيّة الوجوب إلخ» الظاهر أنّ مراده أنه لو نوى الوجوب (على تقدير كون الغد من شهر رمضان ، والندب على تقدير كونه من شعبان ، بأن ينوي أصوم غدا لوجوبه ان كان غدا من شهر رمضان ، وندبا ان كان من شعبان) لم يصحّ صومه ، لا عن شهر رمضان على تقديره ، ولا عن شعبان على تقديره.

لعدم الجزم بالنيّة ووجود الترديد والتردد ، وهو مذهب البعض (٢) ، وعند البعض أنه يصح ولا يجب القضاء لو ظهر كونه من شهر رمضان.

ولعلّه الأظهر ، لعدم التردد والترديد ، وحصول الجزم في الجملة ، ونقل الإجماع في الاكتفاء بالقربة في شهر رمضان ، فتأمّل.

والأصل عدم وجوب ما يزيد عليه ، والظاهر أنه قصد شيئا لو لم يقصده

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٣ من أبواب وجوب الصوم ونيّته

(٢) في المختلف ـ بعد عنوان المسألة كما هنا قال ـ : للشيخ قولان أحدهما الإجزاء ذكره في المبسوط والخلاف ، والثاني له ، لعدم ذكره في باقي كتبه واختاره ابن إدريس ، وابن حمزة الأول ، وهو الأقوى وهو مذهب ابن ابى عقيل (انتهى)

١٦٤

ولو نواه مندوبا أجزء عن رمضان إذا ظهر أنّه منه.

______________________________________________________

أيضا لكان كذلك ، إذ معلوم أنّ الوجوب على ذلك التقدير ، فلا يضرّ ، فتأمل فيه.

ويفهم من المنتهى التّوقف ، حيث نقل فتوى الشيخ بالإجزاء وعدمه من الشافعي ، ودخل في دليل الشيخ (١) الذي أشرنا اليه ، وهو الاكتفاء بالقربة.

والظاهر أنّه لو نوى (أصوم غدا إمّا واجبا أو ندبا) من غير قصد البناء المذكور لم يصحّ لعدم الجزم بوجه ، وهو ظاهر على تقدير اشتراط الوجه ، ولكن قد مرّ عدمه في شهر رمضان.

ويمكن أن يقال : القربة تكفي ولا يعتبر الوجه والتعيين إذا علم أنه من شهر رمضان و (اما ـ خ) إذا لم يعلم فلا نسلّم ذلك ، ذكره المصنف نقلا عن الشافعي في دليله ردا على دليل الشيخ على الاجزاء.

وقد مرّ أيضا الفرق بين عدم اعتبار شي‌ء واعتبار ما ينافيه فيضرّ في المتعيّن أيضا عمدا عالما لتجويزه أن يفعل غير ما عليه ، فما نوى ما عليه ـ مع القدرة ـ عمدا.

ويمكن ان يقال : أنه بالحقيقة يرجع الى التقدير (الترديد ـ خ) الأول (٢) فيصحّ الّا ان يقصد غيره ، مثل ان يقصد كونه من شهر رمضان وجوبا أو ندبا (٣) فتأمّل

قوله : «ولو نواه مندوبا إلخ» قد مرّ تحقيقه عن قريب ، والظاهر أنه لو صامه عن غير رمضان وجوبا كان أو ندبا أجزء عنه إذا ظهر انه منه ، ولعل المراد

__________________

(١) ففي المنتهى ص ٥٦١ بعد الاستدلال للشيخ بأن نية القربة كافية ـ قال : والثاني لا يجزيه وبه قال الشافعي لأن نيته مترددة والجزم شرطها ، والتعيين ليس بشرط إذا علم انه من شهر رمضان امّا فيما لا يعلم فلا نسلم ذلك (انتهى)

(٢) التقدير الأول هو ان ينوي الصوم الواجب ان كان الغد رمضان والمندوب ان كان شعبان وهو في مقابل التقدير الثاني وهو انه يصوم غدا اما واجبا أو مندوبا

(٣) فحينئذ لا يصحّ لعدم اتصاف صوم شهر رمضان بالندب

١٦٥

ولو ظهر في أثناء النهار (انه منه ـ خ) جدّد نيّة الوجوب ولو كان قبل الغروب.

ولو أصبح بنيّة الإفطار فظهر أنّه من الشهر ولم يكن تناول جدّد نيّة الصوم وأجزء.

ولو زالت الشمس أمسك واجبا وقضى.

______________________________________________________

من قولهم (مندوبا) مثلا (١)

قوله : «ولو ظهر في أثناء النهار إلخ» وجهه ظاهر ممّا تقدم (٢) ، ولكن إذا لم نقل بالاكتفاء في المتعيّن ، أظهر ، فتأمّل.

ولا فرق في الوجوب ـ على تقديره ـ بين الظهور قبل الزوال وبعده حتى قبل الغروب بقليل

قوله : «ولو أصبح إلخ» قد مرّ تحقيقه في أوّل بحث النيّة ، ووجوب الإمساك بعد العلم بكونه من الشهر بعد الزوال ، ليس من جهة كونه صوما ، بل لتحريم الأكل والشرب في الشهر من غير عذر.

والظاهر أن ذلك غير مقيد بعدم التناول ، وانما يقيّد الاجزاء (٣) وعدم القضاء وأنّ الاجزاء مقيد بالظهور قبل الزوال بقرينة قوله : (ولو زالت الشمس) وهو عطف (٤) على قوله : (ولم يكن تناول)

__________________

(١) يعنى ذكر لفظة (المندوب) من باب المثال ، والا فلا خصوصيّة في ند بيته للاجزاء بل يجزى عن شهر رمضان مطلقا

(٢) من الفرق بين عدم اعتبار شي‌ء واعتبار ما ينافيه

(٣) يعنى اجزائه عن الصوم الواجب عليه وعدم القضاء مقيّد بعدم التناول لا وجوب الإمساك

(٤) لم نجد لهذا العطف معنى محصلا وقائله اعرف والله العالم

١٦٦

ولا بدّ من استمرار النيّة حكما ، فلو جدّد في أثناء النهار نيّة الإفساد (الإفطار خ ل) بطل صومه على رأى.

______________________________________________________

قوله : «ولا بدّ من استمرار النيّة حكما إلخ» كأنه يريد بقوله : (ولا بد) الاشتراط ، والّا فلا يتفرع عليه قوله : (فلو جدّد في أثناء النهار نيّة الإفساد بطل صومه على رأى) يريد أنه لو نوى في وقتها المعتبر يجب أن يستديم حكمها الى الفراغ من الصوم ، وأنّ ذلك شرط لصحته بمعنى أنه لما كان لا بد لصحته من النيّة مقارنة لامساك كل جزء جزء من النهار ، ولما سقط ذلك لتعذره تعيّن بقائه على حكمها إلخ.

أي عدم الخروج بالنيّة عما نوى ، بان لا يحدث ضدّ ما نوى أوّلا ، بأن ينوي عدم الإمساك (أو) عدم القربة (أو) عدم شهر رمضان (أو) عدم الوجوب (أو) عدم الأداء لو كانت ، واجبة كما ذكروه في سائر العبادات.

فالحكم حينئذ واضح بعد تسليم الشرطيّة ، والّا يلزم صحّة المشروط بدون شرطه ، ومرجعه الى حصول جزء من الصوم في النهار بلا نيّة وبلا حكمها ، وذلك لا يصحّ ، فلا يصح الصوم لانتفاء الكل بانتفاء الجزء.

ولكن الاشتراط ما نعرف له دليلا سوى ما مرّ ، وليس بتامّ ، لان امتناع وقوع جزء عبادة بدونهما (١) ـ بعد وجود النيّة لأصل العبادة الشاملة للأجزاء مع حصول جميع شرائطها وعدم حصول ما يفسدها ـ غير ظاهر عقلا (٢) لتجويزه التكليف بعبادة بمجرد ما قلناه من النيّة بدون حصول حكمه من غير لزوم محال ، بل بدون النيّة مطلقا ، ولا نقل (٣) يدل عليه فينتفى.

وكأنّه لذلك اختار في المنتهى الصحّة ، وقال : لو نوى الصوم في رمضان ثم

__________________

(١) اى بلا نيّة فعليّة ولا حكمية

(٢) وحاصل مقصوده انه لا مانع من صحّة الصوم لا عقلا ولا نقلا

(٣) وحاصل مقصوده انه لا مانع من صحّة الصوم لا عقلا ولا نقلا

١٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

نوى الخروج منه بعد انعقاده لم يبطل صومه قاله الشيخ رحمه الله ، والشافعي في أحد قوليه ، وفي الآخر يبطل ، لأنّ النيّة شرط في صحته ، ولم يحصل لنا : انه صام بشرطه ، وهو النيّة فكان مجزيا ولا يبطل بعد انعقاده ، ونمنع كون استدامة النيّة شرطا.

ونقل عن المعتبر (١) منع اشتراطها بعد تسليم وجوبها.

وكأنه لذلك رجع السيد (٢) أيضا بعد الفتوى بعدم الصحّة.

ويؤيّد الصحّة وعدم صحّة دليل عدم الصحّة ما قال في المنتهى ص ٦٠٢ : الثاني لو ارتد بعد عقد الصوم صحيحا ، ثم عاد لم يفسد صومه ، وقال الشافعي يفسد (انتهى)

وكأنه لا خلاف عنده لغيره حيث ما نقل ـ الخلاف ـ الا عنه ، فتأمل.

وبالجملة المسألة لا تخلو عن اشكال ، ولهذا ترى اضطراب أقوال العلماء لعدم النّص واختلاف الانظار ولو من شخص واحد في الوقتين.

واختار المصنف في المختلف أيضا عدم الصحّة وطوّل البحث فيه مع نقل كلام السيد والصحّة ليست ببعيدة ، لما مرّ ، ولأصل الصحّة (٣) ، وعدم النيّة وحكمها (٤)

__________________

(١) قال في المعتبر : لو نوى الخروج لم يبطل صومه ، وقال الشافعي في أحد قوليه : يبطل ، لأن النيّة شرط في صحته ولم يحصل و (لنا) ان النيّة شرط انعقاده وقد حصل فلا يبطل بعد انعقاده ولا نسلّم ان دوام النيّة شرط (انتهى)

(٢) قال في المختلف ص ٤٦. مسألة قال السيّد المرتضى رحمه الله : كنت أمليت قديما مسألة أتصور فيها ان من عزم في نهار شهر رمضان على أكل وشرب وجماع ، يفسد بهذا العزم صومه ونصرت ذلك بغاية التمكن وقوّيته ثم رجعت عنه في كتاب الصوم من المصباح وأفتيت فيه بان العازم على شي‌ء ممّا ذكرناه في نهار شهر رمضان بعد تقدم نيته وانعقاد صومه لا يفطر به وهو الصحيح يقتضيه الأصول ، وهو مذهب جميع الفقهاء. ونحن قد قدمنا الخلاف عن ابى الصلاح وأنه أوجب به القضاء والكفارة واخترنا نحن إيجاب القضاء خاصّة وبينا وجه ذلك وضعف احتجاج الشيخ هناك على ما ذهب اليه السيد المرتضى (انتهى موضع الحاجة)

(٣) في نسختين مخطوطتين : (والأصل الصحّة)

(٤) لعل المراد أن الأصل عدم لزوم النية وحكمها بمعنى ان النيّة فقط كافية من غير حاجة الى الاستمرار الحكمي

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وعدم نصّ فيما نحن فيه لا عموما ولا خصوصا مع عدم الإجماع.

ولصدق فعل الصوم عرفا ، بل شرعا أيضا لأنه الإمساك مع النيّة على ما قالوا فتأمل ، فخرج عن عهدة الأمر به.

ولعدم عدّ قصد المفطر في المفطرات في كلام الأصحاب ، والاخبار مع ذكر المكروهات ، وما فيه الخلاف ومندوبات الصوم ، ولو كان مفسدا لزم التأخير ، بل الإغراء بالجهل ، وليس بظاهر حتى يقال : إنّه ترك للظهور ، ولا شك انه يبعد إهمال مثله في الشرع مع ذكر المندوبات والأمور الغير الضروريّة ، وكذا عدم نقله ونقل ما سواه.

ولقوله عليه السّلام ، في الصحيح : (لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال) (١).

ولان ذلك لا يضرّ قبل النيّة في الصوم واجبا كان أو مندوبا لجواز النيّة بعد قصد المفطر ، ما لم يفطر الى الزوال في الأوّل ، والى الغروب في الثاني ، بل في الأول أيضا الى العصر على الاحتمال كما مرّ على ما هو الظاهر من كلامهم ، والاخبار.

وقد مرّ ما يدل عليه من عموم الاخبار وترك التفصيل ، فيكون بعدها أيضا كذلك لعدم الفرق ، بل بعدها أولى بعدم البطلان لوجود النيّة مع حكمها في الجملة.

وإذا لم يكن في الأول له تأثير وحكم الإفطار (٢) ، ففي الثاني بالطريق

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم

(٢) الظاهر ان قوله قده : (وحكم الإفطار) عطف على قوله : (تأثير) يعني إذا لم يكن في الأول تأثير ولم يكن له حكم الإفطار ففي الثاني بالطريق الاولى والمراد بالأول عدم نيّة الصوم من طلوع الفجر وبالثاني نيّة المفطر بعد كونه ناويا للصوم

١٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الأولى.

ولما ثبت في شرعنا من عدم ثبوت حكم القبيح بقصده وان كان ذلك أيضا قبيحا (١)

ولصحّة قول القائل : (نويت إفساد الصوم وإفطاره وما فعلت بحمد الله) ولو فرض اشتراطهما في الصوم لما صحّ

ولان اشتراطها في سائر العبادات ، مثل الصلاة ، والوضوء ، والغسل ، لكونها أفعالا ، فلو فعل بعض اجزائها كالركوع مثلا مع قصده به عدم العبادة ، فهو كفعل عبادة ابتدأ مع قصد كونها غير عبادة فتبطل تلك وببطلانه ـ إذا لم يكن ممّا يمكن استدراكه أو صار فعلا كثيرا خارج الصلاة مثلا ، أو كان كلاما ثبت كونه مبطلا ـ يبطل الكلّ كما أشرنا إليه فيما سبق ، ومثله في الوضوء والغسل في البعض ، ولا يوجد أمثالها ويؤيّد قول السيد أنّ عدم الإفساد قول جميع الفقهاء في الصوم ، فإنه مجرد الترك فتأمّل

ولانّه مثل الإحرام فكما لم يجعل قصد المحلل محلّلا ، فكذا قصد المفطر. (٢)

ثم ان الظاهر أنه لو قصد الرياء في بعض النهار يضرّ بصومه لعدم

__________________

(١) يعنى ان حكم القبيح لا يترتب على قصد القبيح وان كان نفس هذا القصد أيضا قبيحا ، والظاهر انه مأخوذ من علم الهدى رحمه الله في ذهابه الى عدم فساد الصوم بنيّة الإفطار على ما نقله عنه العلامة ره في المختلف ص ٤٧ فإنه قال في المحكي : ما هذا لفظه : وكيف يكون العزم مفسدا للصوم كما يفسده الفعل المعزوم عليه ، وقد علمنا انه ليس في الشريعة عزم ، له مثل حكم المعزوم عليه الشرعي ، فليس من عزم على الصلاة له حظ فعلها ، وانما شرطنا الحكم الشرعي لأنّ العزم في الثواب واستحقاق المدح حكم المعزوم عليه ، وكذا العزم في القبيح يستحق عليه الذمّ كما يستحق على فعل القبيح وان وقع اختلاف في تساويه أو قصوره عنه (انتهى موضع الحاجة)

(٢) لا يخفى ان مجموع الأدلة التي أقامها الشارح للقول بصحة صوم من قصد المفطر ولم يأت به اثنى عشر دليلا

١٧٠

ولو نوى الإفساد ثم جدّد نيّة الصوم قبل الزوال لم يجزه على رأى.

______________________________________________________

الإخلاص في الجزء ، وهو بعينه عدم الكلّ فيبطل ، مثل ان حضر طعاما وكلف بالأكل وأظهر أنه صائم وقصد بذلك الإمساك في ذلك الزمان ، الرياء.

وكذا باقي اجزاء النيّة ، فإنه لو قصد في أثناء النهار صوم شهر رمضان أو النذر أو القضاء بعد أن لم يكن في الأوّل كذلك ينقلب في الجميع قبل الزوال ، وفي البعض بعده أيضا لأنه قد علم ما تعيّنه (يعيّنه ـ خ) لقصده ، فلو قصد في الأثناء عدم شهر رمضان ينبغي القلب.

وكذا الأداء أو القضاء أو بدّل الإمساك بعدمه ، وذلك علامة وجوب حكم النيّة واشتراطه وسيجي‌ء الفرق بينهما.

فاستفهم الله ، فإن المسألة من المشكلات ، والله المفهم لدفع الشكوك والشبهات

قوله : «ولو نوى الإفساد إلخ» الظاهر أنّ مراده هنا أنه أصبح بنيّة الإفطار أو قصده قبل النيّة ، ثم نوى الصوم بخلاف الأولى ، فإنه أراد هناك قصد الإفطار والإفساد بعد النيّة المعتبرة كما أشرنا اليه.

وان المراد بالتجديد فيها (١) مجرد إحداث نيّة الإفساد والصوم ، لا حصولها مرّة أخرى ، لا في الاولى ، ولا في الثانية.

فقول الشهيد : ـ أمّا الأولى فنيّة الإفساد مسبوقة بنيّة الصوم ، وأشار إليه بقوله : (جدد) ـ محلّ التأمل.

والبحث فيها كالبحث في الأولى أيضا ، وقد علم ما يدلّ على صحته على

__________________

(١) الضمير في لفظة (فيها) راجع الى ما عنونه المصنف رحمه الله من قوله أوّلا : فلو جدّد في أثناء النهار بنيّة الإفطار إلخ وقوله : ولو نوى الإفساد ثم جدّد نيّة الصوم

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

تقدير القول بالبطلان في الأولى أيضا ، لعموم الروايات (١) الدالة على صحّة صوم النافلة الى قبل الغروب من غير تفصيل.

وكذا الواجب الغير المعيّن مثل قضاء شهر رمضان الى الزوال ، بل الى العصر ، فانّ كلامهم (٢) أيضا هناك خال عن التقييد ، ونحن أشرنا إليه هناك فتذكر والظاهر ان هذه (٣) ليست بمتفرّعة على الأولى.

نعم ، انما الخلاف فيها بعد القول بالفساد في الاولى ، ولا يلزم من القول بالفساد فيها ، القول بالفساد هنا ، بل يمكن القول بالصحّة هنا لعموم الأدلة.

وإن قلنا بالفساد في الاولى.

وكأنّ الشهيد يريد بالتفرع مجرّد توقف الخلاف فيها على القول بالفساد في الاولى ودليل الفساد قد علم ممّا سبق فلا يحتاج إلى الإعادة فتذكر ، وأنّ الصحّة هنا أولى فاستفهم الله يفهمك.

ثم ان الظاهر تحقق الفرق بين قصد أضداد ما يعتبر في النيّة ، فإن قصد الرياء الذي هو ضدّ القربة بمنزلة الأكل.

وكذا يمكن ذلك في الوجوب والندب ، والأداء وغيرها.

ولا كذلك قصد الإمساك عن المفطرات مثل الأكل والجماع وغيرهما ،

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٣ من أبواب وجوب الصوم وقد عنونه صاحب الوسائل هكذا : باب تجديد النيّة في الصوم المندوب الى قرب الغروب.

(٢) يعنى قولهم باجزاء نيّة القضاء ونيّة النافلة قبل الغروب وصحّة الصوم حينئذ غير مقيّد بعدم مسبوقيّتها بنيّة الإفساد (منه ره)

(٣) يعنى ان الحكم بعدم إجزاء نيّة الصوم في فرض مسبوقيّة نيّة الإفساد ليس متفرعا على بطلان الصوم بنيّة الإفساد في أثناء النهار لعدم الملازمة ، وللفرق

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فان قصد المفطر ليس هو بمنزلة المفطر وفعله ، فلا يلزم من البطلان بالأوّل ، البطلان بالثاني

ولعل اللهم في ذلك أنّ الوجوب مثلا على تقدير اعتباره في النيّة لتعيّن المكلّف به ، الواجب لم يتحقق الّا بالتعقل والقصد وهو عين المقصود ، فيحصل بتعلّق القصد به فيتحقّق ، وكذا ضدّه.

فكما كان اشتمال النيّة على ضدّه في الابتداء مبطلا ، فكذلك في الأثناء لعدم الفرق واحتياج كلّ الاجزاء اليه كالكل وانّه بمنزلة الأكل المضرّ ابتدأ وانتهاء.

بخلاف المفطر (١) ، فانّ له وجودا في الخارج غير محض القصد ، فقصده (٢) لا يضرّ لعدم تحقق المقصود (٣) هنا بمجرد القصد.

ولهذا صور والمسألة في نيّة الإفساد وترك الصوم أو العزم على المفطر لا في غيرها من ضد أجزاء النيّة ، مثل الرياء وغيره ، فتأمل ، فإن هذا جيّد دقيق.

وكلامهم ـ حيث جعلوا مبنى المسألة على اشتراط بقاء حكم النيّة وعدمه ـ يدلّ على عدم الفرق بينهما (٤).

وكذا اجمالهم ذلك فتأمل (٥) ، فجعل مدار النزاع على اشتراط الاستدامة

__________________

(١) الأولى التعبير بقوله قده : (بخلاف الإمساك إلخ) فإن له تحققا وتحصّلا من دون التعقل والقصد فهو لم يكن عين المقصود ولم يكن رفعه رفعة (سمع منه ره)

(٢) اى قصده المفطر في الأثناء

(٣) وهو المفطر الذي هو ضد الإمساك ، بل تحقق المفطر بالأكل ، وبالجملة ضد الإمساك هو نفس الأكل لا قصده

(٤) وقد بيّنا الفرق بينهما ، فتذكر (منه ره)

(٥) فان الفرق في الأجزاء ، فجعلهم ذلك مطلقا غير جيّد (منه ره)

١٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وعدمه غير جيّد.

وكذا على كون التضاد بين ارادة الضدين وعدمه (١).

والجواب ـ بان ذلك لو سلّم في العقليّات كما فعله الشهيد ـ محل التأمل لما فهمته (٢).

ولانه لا نزاع في عدم بقاء نيّة الصوم بعد نيّة الإفطار ، فلا اجتماع للارادتين ، بل لا معنى لتجويز اجتماع الإرادتين.

ولعدم الفرق بين العقلي والشرعيّ.

وأيضا ، الظاهر عدم الفرق بين ان ينوي الصوم بعد نيّة الإفساد في المسألة الأولى ، وبين أن يتم على ذلك الترك ، كما هو مقتضى الدليل.

نعم يمكن ان يقال : إذا عاد إلى نيّة الصوم في الحال بحيث لا يتخلّل زمان يعتد به ، لا يضرّ وكذا في الثانية (٣) ما مضى منه ما يعتدّ به.

كما يمكن القول بالبطلان مع الإصرار (٤) إلى آخر النهار من غير اشكال كما فهمته من بعض المواضع

والظاهر ان الثانية (٥) في غير الصوم المتعيّن وجوب نيته ليلا عمدا.

وكأنه ترك في المتن للظهور ، والاولى (٦) في مطلق الصوم.

__________________

(١) انه أيضا غير جيّد

(٢) من التفرقة بين اجزاء النيّة

(٣) يعني كذا يمكن ان يقال : بعدم الضرر في المسألة الثانية إذا اتى بالنية قبل ان يمضي زمان يعتد به بقصد الإفطار و (ما) في قوله قده : (ما مضى إلخ) نافية

(٤) في النسخة المطبوعة وبعض النسخ المخطوطة (الاجزاء) بدل (الإصرار)

(٥) يعني بها قول المصنف قده : ولو نوى الإفساد إلخ

(٦) يعني بها قول المصنف قده : فلو جدّد في أثناء النهار إلخ

١٧٤

ولو ارتد في أثناء النهار بعد عقد النيّة بطل وان عاد فيه.

______________________________________________________

فتخصيص الاشكال فيها (١) بما إذا جدّد نيّة الإفطار بعد نيّة الصوم لاعتقاده جواز العدول عن الصوم لظنه أنّه غير رمضان ثمّ جدّد نيّة الصوم ، غير ظاهر.

كالحكم (٢) بعدمه (٣) ، وظهور البطلان مع العلم بكونه من شهر رمضان كما يوجد في المنسوبة (٤) إلى المحقق الشيخ علىّ.

لعدم (٥) الفرق في الدليل على ما عرفت مع لزوم حذف القيود في هذا المتن وغيره ، والتخصيص (٦) بما قبل الزوال أيضا ، وما عرفت له وجها وهو اعرف.

قوله : «ولو ارتدّ إلخ» يعني لو فعل الصائم ما يوجب الحكم بكفره حال الصوم يبطل صومه وان أسلم بعد ذلك بلا فصل ، سواء كان ممن يقبل إسلامه أم لا والظاهر وجوب القضاء فقط ، دليله يفهم ممّا قال في المنتهى : لو ارتد عن الإسلام أفطر بلا خلاف بين أهل العلم ، وعليه قضائه ، ولكن مشروط بإسلامه كالأداء ، وظاهر الأصحاب انه (٧) لا يسقط هنا ، بل الكفر الأصلي فقط.

__________________

(١) يعني في المسألة الأولى

(٢) يعنى ان هذا الحكم أيضا غير ظاهر

(٣) يعنى بعدم الإشكال

(٤) يعني في الرسالة المنسوبة إليه رحمه الله

(٥) تعليل لقوله قده : غير ظاهر

(٦) يعنى مع لزوم التخصيص إلخ

(٧) يعني الإسلام بعد الارتداد لا يكون مشمولا لقوله صلّى الله عليه وآله : ان الإسلام يجب ما قبله ، بل ما هو المسقط هو الإسلام عن الكفر الأصلي

١٧٥

«النظر الثاني في أقسامه»

«وفيه مطالب»

الأول ، الصوم أربعة ، واجب وهو (صوم ـ خ) رمضان ، والكفارات ، وبدل الهدى ، والنذر وشبهه ، والاعتكاف الواجب ،

______________________________________________________

«النظر الثاني في أقسامه»

قوله : «الصوم أربعة إلخ» هذا هو المشهور ، لعدم جواز كون العبادة متساوية الطرفين.

ولو نظر الى محض الصوم وقطع النظر عن النيّة يمكن وجود القسم الخامس وهو المباح ولكن ما وجد بالاستقراء.

وليست الإباحة التي في رواية الزهري (١) ـ الطويلة ـ بالمعنى المتعارف

__________________

(١) ففيها : يا زهري الصوم على أربعين وجها (الى أن قال) : وصوم الإباحة (الى أن قال) واما صوم الإباحة لمن أكل أو شرب ناسيا أو قاء من غير تعمد فقد أباح الله له ذلك واجزء عنه صومه ـ الوسائل ـ باب ١

١٧٦

وقضاء الواجب.

ومندوب ، وهو أيّام السنة إلّا ما يستثنى.

______________________________________________________

الذي كلامنا فيه واما الأربعة الباقية فهي موجودة فيها وفي غيرها.

ودليل وجوبه الكتاب في البعض ، مثل شهر رمضان (١) ، والكفارات في الجملة ، وبدل الهدى ، والسنة أيضا دليله.

ودليل الباقي من الموجبات كالإجماع ، وهما دليلا المندوب والمكروه في الجملة ، والكلّ دليل التحريم في الجملة ، مثل التحريم في السفر (٢)

قوله : «ومندوب وهو أيام السنة» لعلّ دليل استحباب الصوم في جميع الأيّام ، العمومات الدالة على فضيلة الصوم والترغيب فيه ، مثل قوله صلّى الله عليه وآله ، على ما روى في المنتهى وغيره : الصوم جنّة من النار (٣).

وقال تعالى : الصوم لي وانا اجازى به (٤).

__________________

حديث ١ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

(١) اما شهر رمضان فقال تعالى (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ـ البقرة ـ ١٨٥ واما بدل الهدى ـ فقال عز وجل (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ) (الى قوله تعالى) (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ) ـ البقرة ـ ١٩٦ وقال عزّ من قائل في كفّارة قتل الخطأ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) ـ النساء ـ ٩٢ وقال تعالى في كفّارة حنث اليمين (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ) ـ المائدة ـ ٨٩ وقال جل وعلا في كفارة الظهار (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا) ـ المجادلة ـ ٤ وقال جل جلاله في كفارة قتل الصيد في الحرم (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) ـ المائدة ـ ٩٥ وقال في مطلق الصوم (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) (الى قوله) (وَالصّائِمِينَ وَالصّائِماتِ) إلخ ـ الأحزاب ـ ٣٥ وقال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

(٢) قال الله عز وجل (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) إلخ ـ البقرة ـ ١٨٥

(٣) الوسائل باب ١ ذيل حديث ١ من أبواب الصوم المندوب

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٧ من أبواب الصوم المندوب وفيه وانا أجزي عليه

١٧٧

ولا يجب بالشروع ،

______________________________________________________

وقال صلّى الله عليه وآله : الصائم في عبادة وان كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما (١).

وفيها دلالة على تحريم غيبة المسلم مطلقا كغيرها ، مثل الآية (٢) ، وأنّه مانع عن العبادة فافهم.

وفي الفقيه ، قال علىّ عليه السّلام : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من صام يوما تطوعا أدخله الله عز وجل الجنّة (٣).

وروى عن جابر ، عن ابى جعفر عليه السّلام قال : من ختم له بصيام يوم دخل الجنّة (٤)

ولكن قال في الفقيه : سأل زرارة أبا عبد الله عليه السّلام عن صوم الدهر فقال : لم يزل مكروها (٥)

والطريق اليه صحيح ، وكأنّه لذلك ، قال في القواعد : مكروه.

وفي رواية الزهري انه حرام (٦).

لعلّه يريد به ما يدخل فيه العيدان وغيرهما من المحرّم لو كان ، وستعلم جميع الواجبات والمحرّمات والمكروهات التي استثناها بقوله : (الّا ما يستثنى).

قوله : «ولا يجب بالشروع» دليله ، الأصل والاستصحاب ، وما تقدم من

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ١٢ من أبواب الصوم المندوب

(٢) قال الله عز وجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) الآية ـ الحجرات ٧

(٣) الوسائل باب ١ حديث ١٨ من أبواب الصوم المندوب

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٢٠ من أبواب الصوم المندوب

(٥) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

(٦) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب الصوم المحرم والمكروه

١٧٨

وآكده أول خميس من كل شهر وآخر خميس منه ، وأول أربعاء في

______________________________________________________

ـ الأخبار الدالّة على الخيار في الصوم المندوب الى العصر أو الغروب فتذكّر (١)

قوله : «وآكده أوّل خميس إلخ» معناه أن جميع هذه المذكورات آكد ممّا سواه بمعنى كون الثواب فيه أكثر ، والشارع الى فعله ارغب ، وحث على فعلها بخصوصها وان كان بينها أيضا تفاوت يعلم من أدلتها.

فامّا تأكيد الثلاث ، فيدل عليه أخبار كثيرة جدّا.

وكذا على تعيينها ، مثل حسنة محمد بن مسلم ـ لإبراهيم ـ عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله أوّل ما بعث يصوم حتى يقال : ما يفطر ، ويفطر حتى يقال : ما يصوم ، ثم ترك ذلك وصام يوما وأفطر يوما وهو صوم داود (على نبيّنا وآله وعليه السلام) ثم ترك ذلك وصام الثلاثة الأيام الغرّ ثم ترك ذلك وفرّقها في كل عشرة ، يوما ، خميسين بينهما أربعاء ، فقبض صلّى الله عليه وآله وهو يعمل ذلك (٢).

وما في رواية حماد بن عثمان ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ـ بعد ما مرّ ـ (٣) : ثم قبض صلّى الله عليه وآله على صيام ثلاثة أيّام في الشهر ، وقال : (انهن ـ خ كا) يعد لن صوم الدهر (الشهر ـ خ كا) ويذهبن بوحر الصدر : الوحر الوسوسة ، قال حماد : فقلت : وأيّ الأيام هي؟ فقال : هي أوّل خميس في الشهر ، وأوّل أربعاء بعد العشر منه وآخر خميس الحديث (٤).

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٣ من أبواب وجوب الصوم ونيته

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ١٦ من أبواب الصوم المندوب

(٣) يعنى ذكر نظير ما مر في حسنة محمد بن مسلم المتقدمة من بيان كيفيّة صوم رسول الله صلى الله عليه وآله في أول الأمر

(٤) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب الصوم المندوب

١٧٩

العشر الثاني.

______________________________________________________

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، انه سئل عن الصوم في الحضر؟ فقال : ثلاثة أيّام في كلّ شهر ، الخميس من جمعة ، والأربعاء من جمعة ، والخميس من جمعة اخرى ، وقال : قال : أمير المؤمنين عليه السّلام : صيام شهر الصبر وثلاثة أيّام من كل شهر ، يذهبن ببلابل الصدر ، وصيام ثلاثة من كل شهر ، صيام الدهر ، إنّ الله عز وجل يقول : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها (١).

وفي رواية البزنطي ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصيام في الشهر كيف هو؟ قال : ثلاث في الشهر في كلّ عشر يوم ، إنّ الله تبارك وتعالى يقول (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٢) وموثقة زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن أفضل ما جرت به السنّة في التطوع؟ فقال : ثلاثة أيّام في كلّ شهر ، الخميس في أوّل الشهر ، والأربعاء في وسط الشهر ، والخميس في آخر الشهر ، قال : قلت له : هذا جميع ما جرت به السنة في الصوم؟ فقال : نعم (٣).

الظاهر أنّ المراد الأفضل كما يشعر به أوّل الخبر.

وممّا يؤيّد تأكيد صوم هذه الثلاثة ، صحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألته عمن لم يصم الثلاثة الأيام من كلّ شهر وهو يشتدّ عليه الصيام ، هل فيه فداء؟ قال : مدّ من طعام في كل يوم (٤).

والظاهر ان المسؤول عنه هو الامام عليه السّلام.

ورواية عقبة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : جعلت فداك انى قد

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ١٨ ـ ١٩ من أبواب الصوم المندوب والآية في سورة الانعام ـ ١٦٠

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٢١ من أبواب الصوم المندوب

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ٦ من أبواب الصوم المندوب لكنه نقله من الفقيه مع اختلاف في ألفاظ الحديث ، والشارح قده نقله من الكافي ، فلاحظ

(٤) الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب الصوم المندوب.

١٨٠