مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٠

.................................................................................................

______________________________________________________

تطوعا (وأمره إلينا) باعتبار الأصل وما كان عليه ، وان يكون له ذلك بسبب خاص ما نعرفه فلا يتأسى (يلتبسا ـ خ).

وبالجملة هذه (١) ما تصلح للعدول عن تلك الاخبار ، مع الاعتراف بأنّه لو لا هذه لكان الحكم تحريما وهو ظاهر وان أيّد بالأخبار العامّة الدالّة على الترغيب والتحريص على الصوم لوجوب تقديم الخاص (٢) ، وحملها عليه كما فعل بالنسبة إلى صوم شهر رمضان وسائر الواجبات.

ولهذا قال في المنتهى ص ٥٨٦ : قال الشيخ (أي في المبسوط) (٣) هذان خبران مرسلان فالعمل بما تقدم أولى ، وقول الشيخ جيد.

ولعل احتجاج القائلين بالجواز هذان الحديثان ، وقد ضعّفهما الشيخ على ما ترى ، والتمسك بالأصل وهو الإباحة ضعيف ، لأنا قد بيّنا وجود النّهى عنهم عليهم السّلام عن ذلك ، فلا أقل من الكراهة (انتهى).

قلت : الذي يستفاد من كلام الشيخ في المبسوط وكلامه (٤) ، هو التحريم كما هو مقتضى الدليل كما تقدم ، وما نعرف وجه الكراهة.

ولا ينبغي الجمع بحمل الخاصّ على الكراهة ، لما ثبت من تقديم التخصيص على المجاز ووجوب حمل العامّ على غير محلّ الخاصّ.

على ان الكراهة بالمعنى الذي ورد النهي به لا يمكن هنا ، إذ لا معنى لفعله عليه السّلام الصوم مع المشقة في السفر مع عدم الثواب.

__________________

(١) يعنى هذه الرواية على الجواز لا تصلح سببا للعدول عن الاخبار الدالة على المنع

(٢) اى الاخبار الدالة على عدم الصوم في السفر وحمل الأخبار العامّة المرغبة عليه

(٣) وبهذا المضمون صرّح في الاستبصار في مقام الجمع فلفظة (المبسوط) لعلّه سهو من النساخ وكذا في قوله قده فيما يأتي : (من كلام الشيخ في المبسوط)

(٤) يعنى كلام المصنف ره في المنتهى

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولهذا قال الأصحاب : ليس الكراهيّة بالمعنى الأصولي ، بل بمعنى أقلّ ثوابا من الحضر

وأنّ هذا التأويل يخرج الاخبار العامّة أيضا عن ظاهرها بالنسبة إلى السفر ، لعدم بقاء الثواب الموعود فيها في السفر ، فان الظاهر ان ذلك في الحضر فيكون في السفر أنقص منه ، ولو كان المراد بها السفر والحضر لاحتاج إلى التأويل.

وأنه يخرج الاخبار الخاصّة المشتملة على النهي أيضا عن ظاهرها من وجوه.

(الأوّل) خروجه عن التحريم.

و (الثاني) خروجه عن الكراهة ، وكونه بالمعنى الذي غير معلوم الورود.

و (الثالث) لزوم النهي عن العبادة التي تفوت عن الإنسان ولا يدركها في زمان أصلا باعتبار قلّة ثوابها بالنسبة إلى الوقت الآخر الذي محال كونه فيه وارتكاب أمثال هذه الأشياء لهذين الخبرين مشكل.

نعم يمكن حمل ما دلّ على النهي على الواجب (١) والرد فيما أمكن ، ولكن لا يمكن في الكلّ لصحيحة أحمد بن محمّد ، المتقدمة (٢) وعدم القول بالكراهة رأسا ، لا بمعنى أقل ثوابا كما قالوا : ولا بالمعنى المتعارف ، كما قاله الشيخ إبراهيم بن سليمان في صوميته (٣).

__________________

(١) يعنى حمل ما دل على النهي عن الصوم على الصوم الواجب يعنى ان الصوم الواجب منهي في السفر

(٢) الوسائل باب ١٢ حديث ٢ من أبواب من يصحّ منه الصوم

(٣) هو الشيخ إبراهيم بن سليمان البحراني المجاور حيّا وميّتا بالغري السرّي كان عالما فاضلا ورعا صالحا من كبار المجتهدين واعلام الفقهاء والمحدثين كان في غاية الفضل معاصرا للشيخ نور الدين المحقق الكركي (الى ان قال) : له مصنفات منها السراج الوهاج والهادي إلى سبيل الرشاد (الى ان قال) ورسالة في الصوم إلخ الكنى والألقاب للمحدث القمي ج ٣ ص ٦١

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم يمكن الأخير لو كان العدول عن التحريم إلى الكراهة دليل آخر غير الخبرين (١) ، واما لأجلهما فلا كما مرّ

والحاصل الّذي يظهر من الأدلة التي رأيناها غير ما يقول به أكثر الأصحاب لأنه اما التحريم ان عمل بالدالة على التحريم ولم تأوّل أصلا ، وان أوّلت بالكراهة فهي المعنى المشهور والّا فعدم الكراهة أصلا سواء ردّت أو حملت على الواجب.

ولعل الأوّل أولى ، وترك الصوم في السفر أحوط ، والمسئلة من المشكلات كغيرها بناء على النظر في الدليل ، ومختار الأكثر ، فتأمّل.

ويؤيد التحريم صحيحة العيص بن القاسم ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : من صام في السفر بجهالة لم يقضه (٢).

ورواية عذافر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : أصوم هذه الثلاثة الأيام في الشهر ، فربما سافرت ، وربّما أصابتني علّة فيجب علىّ قضائها؟ قال : فقال لي : انما يجب الفرض فاما (واما ـ خ) غير الفرض فأنت فيه بالخيار ، قلت : بالخيار في السفر والمرض؟ قال فقال : المرض قد وضعه الله عز وجل عنك ، والسفر ان شئت فاقضه وان لم تقضه فلا جناح عليك (٣).

وصحيحة سعد بن سعد الأشعري ، عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام ، قال : سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر هل فيه قضاء على المسافر؟ قال : لا وفي الصحيح عن المرزبان بن عمران ـ الممدوح ـ قال : قلت للرضا عليه السّلام أريد

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ٥ من أبواب من يصحّ منه الصوم

(٢) الوسائل باب ٢١ حديث ٥ من أبواب من يصحّ منه الصوم

(٣) الوسائل باب ٢١ حديث ٣ من أبواب من يصحّ منه الصوم

٢٠٣

والمدعوّ الى طعام ،

______________________________________________________

السفر فأصوم لشهري الّذي أسافر فيه؟ قال : لا ، قلت : فإذا قدمت اقضيه؟ قال : لا كما لا تصوم ، كذلك لا تقضى (١).

والدلالة مفهومة ، فافهم.

قوله : «والمدعوّ الى طعام» لعلّ المراد هنا قلّة الثواب بالنسبة إلى ترك الصوم ، ويدل عليه الاخبار ، مثل رواية نجم بن حطيم ، عن ابى جعفر عليه السّلام قال : من نوى الصوم ثم دخل على أخيه فسأله أن يفطر عنده فليفطر وليدخل عليه السرور ، فإنه يحتسب له بذلك اليوم عشرة أيام ، وهو قول الله عز وجل (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٢)

ولا يبعد حصول ثواب إدخال السرور على المؤمن ، وقضاء حاجته أيضا ، ويكون هذا غير ما ذكر ، فتأمّل.

وما في رواية جميل بن درّاج قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمنّ عليه كتب الله له صوم سنة (٣) هذه صحيحة في الفقيه.

ورواية أخرى له قريبة من الاولى عنه عليه السّلام ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : أيّما رجل مؤمن دخل على أخيه وهو صائم فسأله الأكل فلم يخبره بصيامه فيمنّ عليه بإفطاره كتب الله جلّ ثنائه له بذلك اليوم صيام سنة (٤).

__________________

(١) الوسائل باب ٢١ حديث ٤ من أبواب من يصحّ منه الصوم

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب آداب الصائم والآية في سورة الانعام ـ ١٦٠

(٣) الوسائل باب ٨ حديث ٤ من أبواب آداب الصائم

(٤) الوسائل باب ٨ حديث ٥ من أبواب آداب الصائم

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر أنّه لو أخبره ، ولكن لا ليمنّ عليه ، يحصل له هذا الثواب.

ويمكن كون الترك (١) أولى لئلّا يشعر به ، ولحسن كتم العبادة خصوصا الصوم للرواية (٢) ورواية على بن حديد (٣) قال : قلت لأبي الحسن الماضي عليه السّلام : ادخل على القوم وهم يأكلون وقد صليت العصر وانا صائم فيقولون : أفطر ، فقال عليه السّلام أفطر فإنه أفضل (٤).

ورواية داود الرقى قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : لإفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفا وتسعين ضعفا (٥).

الظاهر منها ، الإفطار نهارا ، ويحتمل العموم في الأكثر.

وانه لا يضر عدم صحة السند في أمثالها.

وأنه يتحقق الاستحباب بمجرد الطلب إلى الإفطار في المنزل والأكل عنده اىّ وقت كان ، سواء كان طعاما أو فاكهة أو غيرهما ، وسواء كان مقصودا بالضيافة أم لا ويحصل لصاحبه انزجار بعدمه والسرور بفعله أم لا ، وسواء كان الداعي قريبا أم بعيدا والظاهر اشتراط الايمان ، ولعلّه المراد بالمسلم لقرينة (أخيك) مع احتمال العموم لغرض مّا.

__________________

(١) يعنى ترك الإعلام بأنه صائم

(٢) راجع الوسائل باب ١ من أبواب آداب الصائم ففي خبر السكوني المروي في الكافي ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : من كتم صوما قال الله عز وجل : عبدي استجار من عذابي فأجيروه ووكل الله عز وجل ملائكته بالدعاء للصائمين ولم يأمرهم بالدعاء لأحد إلّا استجاب لهم فيه ـ وعن التهذيب نقلا من الكافي (من كثر صوما) بدل (من كتم صوما)

(٣) هكذا في الكافي ولكن في الوسائل نقلا من على بن حديد ، عن عبد الله بن جندب

(٤) الوسائل باب ٨ حديث ٧ من أبواب آداب الصائم

(٥) الوسائل باب ٨ حديث ٦ من أبواب آداب الصائم

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مع أنّ هذا الخبر ليس بصريح في الإفطار نهارا.

وينبغي قصد القربة للداعي بالطلب ، فيكون له أيضا ثواب إطعام المسلم الذي بمنزلة صوم شهر كامل لما مرّ (١) وغيره.

ولا شك في توقف ثوابه على مثل ذلك القصد ، وأنه يكفى للمدعو طلبه ما لم يعلم غرضا فاسدا وقالوا : يكره أيضا صوم الضيف بدون اذن المضيف وبالعكس.

لعلّه لما رواه ـ في الفقيه والكافي ـ عن الفضيل بن يسار ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم ، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلّا بإذنهم لئلّا يعملوا له الشي‌ء فيفسد عليهم ، ولا ينبغي لهم ان يصوموا إلا بإذن الضيف لئلّا يحشمهم فيشتهي الطعام فيتركه لهم (لمكانهم ـ خ) (٢).

ويؤيّده ما في رواية الزهري ـ الطويلة ـ والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه (٣).

والظاهر أن الاذن ليس بشرط للصحّة ، فيصحّ بدونه ، بل الذي يفهم من الاولى أنه يستحبّ الاذن (٤) ثم الصوم ، فلا يفهم كراهيّة الصوم وقلّة الثواب بالنسبة الى تركه.

__________________

(١) لا يخفى ان ما مرّ من الاخبار قد اشتمل على ذكر ثواب الإفطار على قدر عشرة أيام أو سنة أو سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا ولم يكن في واحد منها ذكر ثواب (شهر) والشارح قده اعرف بما قال

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

(٣) الوسائل باب ١٠ قطعة من حديث ١ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

(٤) فان قوله عليه السّلام : ولا ينبغي إلخ ظاهره ولا يستحب للضيف ان يصوم إلا بإذنهم يعني يستحب الاستيذان منهم

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيها بيان لحدّ زمان الضيافة والمضيف والضيف (١).

والظاهر أن المراد من ينزل عليه من أهل البلد من المسلمين لا كل من في البلد (٢) ، ولا يشترط الايمان مع الاحتمال ، لظاهر الخبر (٣).

ويكون ذلك (٤) شرطا للضيف هنا ـ بمعنى استحباب الإذن ـ لا في مطلق الضيف حتّى في الفطرة والترغيب في إكرامه (٥).

والظاهر أيضا أنه لا يشترط وجود العلّة المذكورة في الرواية (٦) ، بل ينبغي الاذن وان علم انتفاء العلّة المذكورة لعلّة اخرى فيكون (ويكون ـ خ) الذكر للمثال والغالب ، مع احتمال الاختصار ، فتأمل.

واعلم أنّ ظاهر الرّوايات في المسئلتين في مطلق الصّيام واجبا كان أو ندبا ، لكن بشرط سعة الوقت وجواز الإفطار ، فالتخصيص بالمندوب كما هو في أكثر العبارات محلّ التأمّل.

ويحتمل تخصيصها بالتطوع كما قيّد في صوم الضيف به في الخبر الآتي.

وفيه اشعار ما أيضا بعدم صحّة صوم الضيف بدون اذن المضيف تطوّعا ،

__________________

(١) اما الضيافة فحدّها ارتحال الضيف واما حدّ المضيف فحده أهل البلد واما حد الضيف فهو كل رجل مسلما كان أم غيره

(٢) حيث قال : ضيف على من بها من أهل دينه

(٣) يعنى خبر الفضيل بن يسار المتقدم

(٤) يعني الايمان

(٥) لعل المراد بل الظاهر أن للضيف أحكاما (منها) كون صومه باذن المضيف ، و (منها) لزوم فطرته على المضيف ان بقي الى ان يرى الهلال و (منها) استحباب إكرامه ، واشتراط الاستيذان مقصور في الحكم الأول دون الأخيرين

(٦) وفيها قوله عليه السّلام : لئلا يعملوا له الشي‌ء إلخ وحاصلها الإفساد والاحتشام

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فتأمّل.

وحكم المصنف وغيره بعدم صحّة صوم الضيف ـ وبالعكس ـ (١) الا مع الاذن ، لعل لهم دليلا آخر غير هذه.

نعم تدل على توقف صوم المرأة ، والعبد ، والولد ، على إذن الزوج والسيد والوالدين ، رواية هشام بن الحكم ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلّا باذنه وأمره ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصيحته (نصحه ـ خ ل كا) لمولاه ان لا يصوم تطوعا إلّا بإذن مولاه وامره ، ومن برّ الولد (بابويه ـ خ) ان لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما ، والّا كان الضيف جاهلا ، وكانت المرأة عاصية ، وكان العبد فاسقا (فاسدا خ ل) عاصيا ، وكان الولد عاقا (٢).

والدلالة على عدم الجواز إلّا في الاذن في هذه (٣) غير بعيدة في غير الضيف كعدمها (٤) فيه.

ولكن السند غير صحيح في الكافي بأحمد بن هلال وغيره (٥) ، وغير واضح في الفقيه كأنّه لا يضرّ للتأييد بالشهرة.

__________________

(١) في غير هذا الكتاب والّا فلم يذكر المصنف هنا فرض العكس

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

(٣) أي في هذه المذكورات في رواية هشام بن الحكم المذكورة وقوله قده : (في الاذن) (يعني مع الإذن)

(٤) يعنى كعدم الدلالة في الضيف

(٥) فان السند كما في الكافي هكذا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن احمد ، عن احمد بن هلال ، عن مروك بن عبيد ، عن نشيط بن صالح ، عن هشام بن الحكم ، عن ابى عبد الله عليه السّلام

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وبمثل (١) صحيحة محمد بن مسلم ، عن ابى جعفر عليه السّلام ، قال : قال النبي صلّى الله عليه وآله : ليس للمرأة ان تصوم تطوّعا إلّا بإذن زوجها (٢).

واخرى عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : جائت امرأة إلى النبي صلّى الله عليه وآله فقالت : يا رسول الله ما حقّ الزوج على المرأة؟ فقال : هو أكثر من ذلك فقالت : أخبرني بشي‌ء من ذلك فقال : ليس لها أن تصوم إلّا باذنه (٣).

ولا يضرّ عدم صحّة سند هذه أيضا ،

وكأنه لا قائل بالفصل (٤) ، ويؤيده (٥) وجوب اطاعة الولد لهما ووجوب اطاعة العبد للمولى ، وذلك من جملته ، فتأمل ، والمرأة للزوج.

وأيضا رواية الزهري (٦) الطويلة.

والظاهر عدم الصحّة والانعقاد بدون الاذن لا الإبطال بالنهي فقط ، مع احتمال الصحّة قريبا في الولد والعبد إذا لم يمنعه عن العمل للمولى ما لم ينهوا عنه ، لعدم صحّة الدليل ،

وعموم أدلّة الصوم ، والأصل وعدم المنع من سائر العبادات ، مثل الزيارات والصلوات المندوبات.

ويفهم من المنتهى عدم الخلاف في عدم جواز صوم التطوع للعبد بدون اذن المولى وعدم اشتراطه في الواجب ، وما ذكر في صوم الولد كذلك ، بل قال :

__________________

(١) عطف على قوله قده : بالشهرة

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

(٣) الوسائل باب ٨ حديث ٤ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

(٤) يعنى لا قائل بالفصل من حيث الصحّة وعدمها بين الزوجة وغيرها من المذكورات

(٥) يعنى عدم الفصل

(٦) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لا ينبغي للولد أن يتطوّع بالصوم إلا بإذن والده وان كان المفهوم من دليله عدم الفرق بين الوالد والوالدة والولد والعبد.

قال في الدروس : واما الولد والزوجة والعبد فالأقرب اشتراط الاذن في صحته ، وفي المعتبر لا يلزم استيذان الوالد ، بل يستحب (انتهى).

فينبغي الاستحباب في الولد ، والعبد أيضا لو لا دعوى الإجماع (١) ، فتأمل.

والظاهر عدم الفرق بين الأمة والعبد ، وكون المولى ذكرا وأنثى ، وكذا في الولد (٢) ، وانه موقوف على اذن الوالدين معا لا الوالد فقط كما هو في بعض العبارات مثل المتن (٣)

ويمكن التعميم في ولد الولد أيضا وان كان من الأنثى.

مع احتمال (٤) الكراهة في غير المرأة ، لعدم صحّة الدليل ، وعدم ثبوت الطاعة الى هذه المرتبة ، نعم يمكن عدم الجواز وعدم الصحّة مع المنع.

وعموم الترغيب في الصّحة دليل (٥) مع الأصل حتى يثبت الناقل.

لكن الخروج عن كلامهم من غير قائل (٦) مشكل كسائرها وان كان

__________________

(١) يعنى دعوى الإجماع على جواز صوم التطوع للعبد بدون اذن المولى كما تقدم من المنتهى

(٢) يعنى لا فرق فيه بين الذكر والأنثى وفي الوالد بين كونه أبا أو أمّا

(٣) فإنه رحمه الله قال : ـ كما يأتي ـ والولد بدون اذن والده ، فلا يشمل الوالدة

(٤) رجوع إلى أصل المسألة يعني يحتمل عدم الحكم بالبطلان بمجرد عدم الاذن في المذكورات إلا المرأة مع زوجها

(٥) يعنى دليل على الاحتمال الذي ذكرناه بقولنا : مع احتمال الكراهة في غير المرأة

(٦) يعنى من غير قائل بالتفصيل بين عدم الاذن وبين المنع بالصحّة في الثاني والبطلان في الأول وان كان مقتضى القاعدة عدم توقف الصحّة على الاذن في المذكورات غير المرأة

٢١٠

وعرفة مع ضعفه عن الدعاء أو شك.

ومحرّم : وهو العيدان ،

______________________________________________________

مقتضى الدليل عدم التوقف.

ويؤيّده عدم توقف سائر الطاعات مثل الصلاة المندوبة وغيرها على ذلك ،

ويمكن الحمل على الاستحباب.

قوله : «وعرفة إلخ» قد مرّ بيانه ودليله

قوله : «ومحرّم وهو العيدان إلخ» قال في المنتهى : وهو مذهب العلماء كافّة ودلّت عليه الاخبار.

وكأنّ تحريم صوم يومي العيدين في الجملة معلوم لا يحتاج الى الدليل ، وما مرّ يكفي الّا انه نقل عن الشيخ في المنتهى أنه ذهب الى جواز صوم العيدين لكفارة القتل في الشهر الحرام.

لرواية زرارة ، عن ابى جعفر عليه السّلام قال : سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام ، قال : تغلّظ عليه الدية (العقوبة ـ خ يب) وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، قلت : فإنه يدخل في هذا شي‌ء ، قال : ما هو؟ قلت يوم العيد وأيام التشريق ، قال : يصومه ، فإنه حق يلزمه (لزمه ـ يب) (١).

ثم قال : والصواب عندي خلاف ذلك ، فان الاتفاق بين فقهاء الإسلام قد وقع على تحريم صوم العيدين ، وإخراج هذه الصورة من حكم مجمع عليه بهذا الحديث ـ مع أن في طريقة سهل بن زياد (٢) وهو ضعيف ـ لا يجوز ، فالأولى البقاء

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب بقيّة الصوم الواجب ، وأورد نحوه في باب ٣ حديث ٤ من أبواب ديات النفس من كتاب الديات

(٢) وطريق الحديث كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن على بن رئاب عن زرارة

٢١١

وأيام التشريق لمن كان بمنى ناسكا

______________________________________________________

على التحريم (انتهى).

على انّ الرواية ليست إلّا في العيد الأضحى (١) ، ولا يناسب تغليظ الدية أيضا لكون القتل خطأ ، وأنّه ترك فيها الإطعام إلّا انه روى مثله زرارة ـ في الحسن لإبراهيم ـ قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام : رجل قتل رجلا في الحرم ، قال : عليه دية وثلث ويصوم شهرين متتابعين من شهر الحرام ، ويعتق رقبة ويطعم ستين مسكينا ، قال : قلت : يدخل في هذا شي‌ء قال : وما يدخل؟ قلت : العيدان وأيام التشريق ، قال : يصومه ، فإنه حق لزمه (٢).

فلا يبعد العمل بمضمونها ، وتخصيص الإجماع والاخبار العامّين بها ، فتأمّل.

واما تحريم صوم أيّام التشريق ، فقال المصنف في المنتهى : وصوم أيام التشريق لمن كان بمنى ، حرام ، ذهب إليه علمائنا اجمع (انتهى).

ونقل الجواز في كفارة القتل عن الشيخ ، لما مرّ في العيدين ، وأشار الى الجواب المتقدم.

واعلم أنّه قد يطلق أيام التشريق على العيد ، واليومين بعده ، وهو موجود في الأخبار ، وسيجي‌ء.

وأنّ المشهور أنّها الثلاثة بعد الأضحى ، وأنّ الأخبار الدالة على تحريم صومها ، بعضها مطلقة ، مثل صحيحة أبي أيوب ، عن ابى عبد الله عليه السّلام في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار ، فصام ذا القعدة ودخل ذو الحجّة كيف يصنع؟ قال : يصوم ذا الحجّة كلّه إلّا أيّام التشريق في منى ، ثم يقضيها في

__________________

(١) بقرينة عطف أيام التشريق عليه

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ٢ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أوّل يوم من المحرّم حتّى يتم ثلاثة أيّام فيكون قد صام شهرين متتابعين (١)

ولكنّها غير صريحة في التحريم لجواز كون النهي عن صومها عن الكفارة لغير التحريم وان كان بعيدا.

وأيضا أطلق على العيد يوم التشريق (٢) وجعل الحرام يومين فقط الّا ان تأوّل

ويدل على وجوب صوم تتمّة الشهرين في أوّل المحرّم مع حصول التتابع بالشهر واليوم ، وعلى جواز اختيار صوم التتابع في زمان لا يتم فيه ذلك ، فتأمّل.

وصحيحة زياد بن ابى حلال ـ الثقة ـ قال : قال لنا أبو عبد الله عليه السّلام : لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيّام ، ولا بعد الفطر ثلاثة أيّام ، إنها أيّام أكل وشرب (٣).

وهذه أيضا غير صريحة في التحريم ، لعدم صريح النهي وذكر الأيّام بعد الفطر مع عدم القول بتحريم صومها على الظاهر.

وما في رواية الزهري ـ في عدّ المحرّم من الصيام ـ ثلاثة أيّام من أيّام التشريق (٤) ومضمرة سماعة ، قال : سألته عن صيام الفطر ، فقال : لا ينبغي صيامه ولا صيام أيام التشريق (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٨ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

(٢) بقرينة قوله عليه السّلام : (حتى يتم ثلاثة أيام) فإنّه ظاهر في انّ مجموع ما أفطره مع يوم الأضحى سمّاها عليه السّلام أيّام التشريق

(٣) أورد صدره في الوسائل في باب ٢ حديث ٩ وذيله في باب ٣ حديث ١ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

(٤) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

(٥) الوسائل باب ١ حديث ٥ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وما في رواية كرام : ولا تصم في السفر ، ولا العيدين ، ولا أيام التشريق (١)

وبعضها (٢) مقيّدة بمن كان بمنى ، مثل صحيحة معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن صيام أيّام التشريق فقال : أمّا بالأمصار فلا بأس به وامّا بمنى فلا (٣) فيجب حمل المجمل على المفصل.

ويمكن الكراهة في الأمصار فتخلّى على عمومها ، ويؤيّده (لا بأس) وعدم صراحة الأوّل في التحريم ، وما يدل على كراهة الأيّام بعد الفطر (٤).

ولا يدل على عدم الكراهة ما في رواية الزهري ـ بالنسبة إلى الأيام بعد الفطر ـ من عدّ الصيام الذي صاحبه بالخيار.

لعدم الصحّة والصراحة وان كانت ظاهرة ، وقال في الدروس : وهو يشعر بعدم التأكيد وقد استدل به (٥) المصنف في المنتهى على استحباب المذكورات فيه (من الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار ، وهو صوم الجمعة ، والخميس ، والاثنين ، وصوم البيض ، وعرفة ، وعاشوراء ، والستة بعد الفطر).

ويدل عليها (٦) أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن (عبد الله ـ خ ئل) عليه السّلام عن اليومين اللذين بعد الفطر أيصامان أم لا؟ فقال : اكره لك ان تصومهما (٧).

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٨ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

(٢) عطف على قوله قده : بعضها مطلقة

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

(٤) تقدم آنفا قوله عليه السّلام في صحيحة زياد بن ابى حلال قوله عليه السّلام ولا بعد الفطر ثلاثة أيام

(٥) أي بخبر الزهري عن على بن الحسين عليهما السّلام

(٦) اى على كراهة الأيام بعد الفطر

(٧) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يبعد القول بكراهة هذه الثلاثة الأيام للروايتين الصحيحتين ، الأولى (١) في الثلاث ، والأخيرة في الاثنين.

وقال في الدروس : وروى ـ صحيحا (٢) كراهة صيام ثلاثة أيام بعد الفطر بطريقين ، وما رأيت إلا طريقا واحدا (٣).

نعم رواية أخرى ـ في الثلاثة غير الصحيحة ـ وهي رواية حريز عنهم عليهم السّلام ، قال : إذا أفطرت من رمضان فلا تصوم من بعد الفطر تطوّعا الا بعد ثلاثة يمضين (٤) لوجود على بن الحسن (٥) وهو معلوم ، مع عدم صحّة الطريق اليه (٦) ، وهو اعلم.

ولا يبعد عدم كراهة صوم القضاء ونحوه من الواجبات فيها ، ويؤيّده المسارعة إلى الخيرات ، مع الاحتمال (الاخبار خ ل) القوى ، للعموم المعلّل (٧).

واما تقييد تحريمه على (بمن خ) كان بمنى ، لكونه ناسكا كما في المتن ـ مع خلو بعض كتب المصنف عنه ـ فما رأيت له دليلا.

__________________

(١) يعنى بالأولى صحيحة زياد وبالأخيرة صحيحة عبد الرحمن

(٢) في النسخة التي عندنا من الدروس ليس فيه لفظة (صحيحا) فراجع

(٣) الظاهر ان المراد طريقا الكليني ، والشيخ فإنهما مختلفان وكلاهما صحيحان فلاحظ الوسائل باب ٢ وباب ٣ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

(٥) وسند الحديث كما في التهذيب هكذا : على بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عنهم عليهم السّلام

(٦) طريق الشيخ اليه كما في مشيخة التهذيب هكذا : وما ذكرته في هذا الكتاب ، عن على بن الحسن بن فضال فقد أخبرني به احمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعا منه واجازة ، عن على بن محمد بن الزبير ، عن على بن الحسن بن فضال

(٧) وهو قوله عليه السّلام : وانها أيام أكل وشرب كما تقدم

٢١٥

ويوم الشّك من رمضان ،

ونذر المعصية ،

والصمت ، والوصال وهو تأخير العشاء الى السحر

______________________________________________________

وقال في الدروس : والمحظور صوم العيدين و (أيام ـ خ) التشريق. وأطلق ، فكأنه نظر الى العمومات وقد عرفت انه ليس بجيّد الا ان يريد التقييد بمنى ، نعم لا شك انه أحوط لما سمعت من عموم بعض الأخبار والعبارات.

وكذا ترك صوم الثلاثة بعد الفطر ، لما مرّ.

وقد مرّ تحريم صوم يوم الشك بنيّة شهر رمضان ، ويدل عليه رواية الزهري (١) حيث عدّه في (من خ ل) المحرّم ولا يبعد كون ذلك مع العمد ، والعلم ، وكذا جميع الأيام ، فتأمّل.

فمعنى قوله : (ويوم الشك من رمضان) تحريم صوم يوم الشك بقصد انه من رمضان

وكذا صوم نذر المعصية مذكور في رواية الزهري ، ومعناه نذره شكرا لحصول معصيته ولا يبعد تحريم النذر أيضا مع العمد والعلم ، وكذا الصوم ليحصل له معصية

وكذا صوم الصمت يفهم تحريمه من رواية الزهري ، ويؤيّد الكلّ التشريع المحرّم على ما يظهر منهم.

وكذا صوم الوصال المذكور تحريمه في رواية الزهري وادّعى الإجماع في المنتهى عليه.

واما حقيقته فهي المفهومة من صحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه السّلام

__________________

(١) أورده والقطعات الثلاث التي بعده في الوسائل باب ٤ حديث ٧ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : الوصال في الصيام ان يجعل عشاءه سحوره (١) (فذلك محرّم خ).

وفي رواية محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن ابى عبد الله عليه السّلام انه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا وصال في صيام ، يعنى لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار (٢).

قال في المنتهى : هذه مذهب ابن إدريس والجمهور ، فيمكن حملها على التقيّة ، وإرادتها أيضا ، إذ لا منافاة ، بل الثانية مشتملة على الاولى في الجملة ، فافهم.

والظاهر عدم النزاع في التحريم مع النيّة عندهم في الكلّ ، بل مع إدخال جزء من الليل معها أيضا.

وانما تظهر فائدة الخلاف لو قيل بالتحريم من غير نيّة الإفطار ، قال في المنتهى : لو أمسك عن الطعام يومين لا بنيّة الصيام ، بل بنيّة الإفطار فالأقوى فيه عدم التحريم (انتهى).

يمكن ان يقال : ظاهر آية (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (٣) يدل على وجوب الإفطار وتحريم الصوم في الليل مطلقا بمجرد دخول الليل نوى القطع أم لا فهو مؤيّد للمعنى الأوّل ، فإن الظاهر من إتمامه نقضه بحيث يتحقق ، وقد مرّ انه لم يتحقق بالنيّة ، فإن نيّة المفطر ليست بمفطرة على ما مرّ.

ولا يبعد حصول القطع والابطال هنا بنيته ، بل مع عدمها أيضا ، لعدم

__________________

(١) الوسائل باب ٤ خبر ٧ من أبواب الصوم المحرّم ، والمكروه ، وقوله : (فذلك محرم) ليس جزء من الحديث في الكافي والتهذيب

(٢) الوسائل باب ٤ قطعة من حديث ١٠ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه

(٣) البقرة ـ ١٨٧

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

سبق النيّة وحصول شي‌ء حتى لا يرتفع بخلاف نيّة قطعه في النهار ، فإن إبطال عبادة منعقدة شرعا لم يكن الّا بدليل وقد مرّ البحث فيه.

ويؤيّده أيضا أنّ الصوم لا بد له من نيّة ، والجزء الذي في الليل لا نيّة له أصلا ، لا حقيقة ، ولا حكما ، فيكفيه أدنى شي‌ء يخرجه عن دخوله في الصوم.

وأيضا الظاهر انه ما أوجب أحد الإفطار بأوّل الليل الذي هو نهاية الصوم ، بل يستحب تأخيره عن الصلاة كما قالوه ، ويدل عليه الخبر (١) ، ويؤيّده استجابة دعاء الصائم (٢) ، فتأخيره عن جميع التعقيبات والأدعية لا يبعد.

فلو كانت الآية (٣) دالة على وجوب الإفطار لزم ذلك ، وخروجه بالإجماع ونحوه بعيد وان كان محتملا ، فمعنى الآية وجوب الصوم في تمام النهار وعدم جوازه في الليل لا وجوب الإفطار وعدم الإمساك فيه فتأمّل.

وبالجملة الظاهر عدم تحقق التحريم بعدم الإفطار ما لم يتحقق وقت السحور سواء نوى الإفطار أم لا ، للأصل ، وعدم ما يدل على التحريم إلّا الآية وقد عرفت معناها وعدم دلالتها.

واما عدم الإفطار إلى وقت السحور فالظاهر التحريم مع النيّة ، وعدمه مع نيّة الإفطار أو عدم الصوم.

واما مع عدم نيّة شي‌ء فيمكن التحريم مع ترك الابطال عمدا لظاهر الخبر

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ٧ من أبواب آداب الصائم

(٢) الوسائل باب ٤٤ حديث ٢ من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة ، عن عبد الله بن طلحة ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : اربع لا ترد لهم دعوة حتى تفتح لها أبواب السماء وتصير الى العرش ، الوالد لولده ، والمظلوم على من ظلمه ، والمعتمر حين يرجع ، والصائم حين يفطر

(٣) يعنى قوله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) ـ البقرة ١٨٦

٢١٨

والواجب في السفر

______________________________________________________

الصحيح (١) لانه لا شك في انه يصدق على المؤخر إفطاره عمدا الى السحر انه جعل عشاءه سحوره وهو مضمون الخبر من غير قيد نيّة وعدمها وقد حكم فيه بالتحريم ، وقاله بعض الأصحاب أيضا وان قال البعض بعدم التحريم.

بل ظاهره التحريم مع نيّة الإفطار أيضا الا انه قد يمكن إخراجه بعدم القول بوجوب الأكل والشرب على الظاهر مع كون الاعمال عندهم بالنيات ، فكما يحصل الصوم بها وسائر العبادات فكذا وجوب الإفطار وعدم الوصال.

فتأمل فإن الظاهر هو العموم ولا شك انه أحوط مع عدم ما يصلح معارضا الا انه مستبعد ولا استبعاد بعد ورود النص الصحيح الظاهر بل الصريح.

والظاهر ان المراد بالسحر ما هو المشهور في العرف ، إذ الظاهر عدم نقله ، ويمكن تحقيقه في الثلث الأخير من الليل ، بل النصف الأخير لتحقق الاستغفار في السحر الممدوح في القرآن عن الشرع بقوله تعالى (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) (٢) في الوتر (٣) وفيه ان وقع في أول وقته على ما يظهر فتأمل.

قوله : «والواجب في السفر إلخ» الظاهر إنه لا خلاف عندنا في تحريم الصوم الواجب على المسافر مع تحقق شرائط القصر المتقدمة في الصلاة فلو صام لم يجز ، قال في المنتهى : ذهب إليه علمائنا اجمع.

والأدلة عليه الكتاب (٤) في الجملة ، والسنة ، والإجماع ، وقد تقدم بعض

__________________

(١) يعنى صحيح الحلبي المتقدم فراجع الوسائل باب ٤ حديث ٧ من أبواب الصوم المحرم والمكروه

(٢) آل عمران ـ ١٧ وكذا قوله تعالى (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ـ الذاريات ـ ١٨

(٣) عطف على قوله ره : في السحر ، والضمير في قوله : (فيه) راجع الى السحر

(٤) وهو قوله تعالى (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) إلخ ـ البقرة ١٨٥

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

السنة ، وهي كثيرة مثل صحيحة عيص بن القاسم ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافرا أفطر ، قال : ان رسول الله صلّى الله عليه وآله خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة ، فلما انتهى الى كراع (١) الغميم دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر والعصر فشربه وأفطر ثم أفطر الناس معه وتم ناس على صومهم فسمّاهم العصاة ، وانما يؤخذ بآخر أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله (٢).

وحسنة زرارة ـ لإبراهيم ـ عن ابى جعفر عليه السّلام قال : سمّى رسول الله صلّى الله عليه وآله قوما صاموا حين أفطر وقصّر عصاة ، فقال : هم العصاة إلى يوم القيامة ، وانّا لنعرف أبنائهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا (٣)

ومرفوعة (٤) محمد بن احمد بن يحيى ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : من صلّى في سفر اربع ركعات فأنا الى الله منه بري‌ء (٥) وغيرها من الاخبار فلا شك في عدم الإجزاء للنهى الدال على الفساد فيجب القضاء والبدل ، للإجماع على وجوب قضاء الصوم الواجب ، على تقدير عدم الأداء.

__________________

(١) الكراع كغراب (الى ان قال) وكراع الغميم بالغين المعجمة وزان كريم واد بينه وبين المدينة نحو من مأة وسبعين ميلا ، وبينه وبين مكة ثلاثين ، ومن عسفان إليه ثلاثة أميال (مجمع البحرين)

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٧ من أبواب من يصح منه الصوم

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من أبواب من يصح منه الصوم وباب ٢٢ حديث ٤ من أبواب الصلاة في السفر

(٤) والسند هكذا محمد بن احمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا رفعه عن ابى عبد الله عليه السّلام إلخ

(٥) الوسائل باب ٢٢ حديث ٨ من أبواب الصلاة في السفر ونقله في هذا الباب حديثا مرسلا من الفقيه وزاد بعد قوله عليه السّلام : بري‌ء قوله : يعنى متعمدا

٢٢٠