مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٠

.................................................................................................

______________________________________________________

اعتكاف عند عارض ان عرض لك من علّة ينزل بك من أمر الله (١).

والتشبيه أيضا يدل على ذلك ، وهو موجود في صحيحة أبي بصير أيضا ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : ينبغي للمعتكف ان يشترط كما يشترط الذي يحرم (٢).

وكأنّه فهم الاشتراط المطلق من صحيحة أبي ولّاد الحناط ـ الثقة ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن المرأة كان زوجها غائبا فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد الى بيتها تهيّأت لزوجها حتى واقعها ، فقال : ان كانت خرجت من المسجد قبل ان يمضي ثلاثة أيّام ولم يكن اشترط في اعتكافها ، فان عليها ما على المظاهر (٣).

لان فيها (٤) مطلق الشرط ، وظاهرها سقوط الكفارة مع الشرط الذي لا يكون مقيّدا بالعارض ، إذ الظاهر أن في المرأة ما حصل العارض بالمعنى المتقدم ، بل مجرد مجي‌ء الزوج كما يظهر منها ويمكن جعل القدوم عارضا باعتبار أنها قد تكون خائفة من قبلها إيّاه.

ويمكن تجويز شرط الخروج متى شاء وأراد الخروج في المندوب ، لا الواجب فيكون فيه مسقطا للكفارة المندوبة ان لم نقل بالوجوب بالشروع ،

__________________

(١) أورد قطعة منه في باب ٢ حديث ٩ وقطعة منه في باب ٤ حديث ٥ وقطعة منه في باب ٩ حديث ٢ من كتاب الاعتكاف من الوسائل

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ١ من كتاب الاعتكاف

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ٦ من كتاب الاعتكاف

(٤) يعني في صحيحة أبي ولاد حيث قال عليه السّلام : ولم يكن اشترط إلخ من تقييد بكون الاشتراط بعارض

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

والواجب (١) أيضا مع القول به أو مضى اليومين في المندوب بالأصل ، إذ لا منافاة بين هذا الوجوب والشرط لعدم بعد تقييده بعدمه ولا يمكن ذلك في الواجب بالنذر لان الخروج متى شاء ينافي هذا الوجوب ويبعد تقييده بعدم المشية نعم يمكن ذلك في الواجب بعد الشروع على بعد الّا ان يشترط فيه أيضا عارض في الجملة ويجعل العارض من أعم ممّا يشتمل مثل قدوم الزوج فتأمّل

على انها مشتملة على وجوبها (٢) مطلقا ولو قبل الثالث ، وقد مرّ ما يدل على عدمه ، وعلى كون كفارته مثل كفارة الظهار.

والمشهور انها مثل كفارة شهر رمضان ، فالحمل على الاستحباب غير بعيد.

ويمكن حملها على الشروع في اليوم الثالث ، وعلى كون كفارتها كفارة الظهار لعدم قوّة دليل غيرها ، وحمل الشروط من جعل القدوم مانعا للخوف مثلا.

والظاهر عدم وجوب الاعتكاف المندوب الّا اليوم الثالث وجواز الخروج عن الاعتكاف الواجب ، وعدم الكفارة مع الشرط ، وعروض العارض المانع وبدون الشرط معه ، ومع عدم كونه مانعا في مندوب الأصل على الظاهر ، وحمل الخبر المذكور عليه لا في الواجب المنذور.

فقد تكون الفائدة جواز الخروج في الجملة وعدم الكفارة أيضا كذلك.

وظاهر كلام الشيخ ـ حيث ما جوّز الخروج بدون الشرط في الثالث وجوّزه معه وكذا كلام البعض أيضا ـ يشعر بعدم لزوم كون العارض مانعا عن الاعتكاف فيمكن كون تسويغ الخروج كما قلناه واما جعل العذر مانعا من غير اختيار كالمرض وجعل الفائدة مع ذلك تسويغ الخروج معه ، كما فعل في شرح الشرائع ،

__________________

(١) عطف على قوله قده : في المندوب

(٢) يعنى وجوب الكفّارة

٣٦٢

ولو لم يشترط وجب استينافه مع قطعه.

______________________________________________________

فغير ظاهر ، فتأمّل.

ولعل قول المصنف ـ (كان له ذلك ولا قضاء) اى لمن شرط في النذر الرجوع عن الاعتكاف ، الرجوع ، عنه ولا يجب عليه استينافه ثانيا ـ إشارة ، إلى فائدة الاشتراط

ويؤيّد التفسير (١) والفائدة قوله : (ولو لم يشترط وجب استينافه مع قطعه)

ثم اعلم ان الاعتكاف ينقسم إلى ثمانية أقسام.

لأنه ـ اما ـ ان يكون متعينا بزمان أم لا ، وعلى التقديرين ـ اما ـ مع عروض العارض أم لا وعلى التقادير الأربعة ، شرط الخروج والرجوع ان عرض له عارض أم لا.

والظاهر جواز الخروج وعدم الكفّارة مع الأربعة التي فيها عروض العارض مطلقا.

وعدم وجوب الاستيناف مع التعيين والشرط ، والاستيناف مع عدمه.

والوجوب بالنذر وشبهه الا ان اعتكف ثلاثا.

وعدم الجواز في الأربعة الباقية (٢) مع وجوب الاعتكاف مطلقا ، والاستيناف مطلقا ، أداء مع الإطلاق ، وقضاء مع التعيين الّا مع إكمال الثلاثة.

مع احتمال جواز الخروج في غير المعيّن.

لكنهم ما يجوزون ، بل يقولون بوجوب الإتمام بعد الشروع.

ولعل دليلهم قوله تعالى (لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٣) وهو غير ظاهر.

__________________

(١) يعني يؤيد صحّة تفسير قول المصنف : (كان له ذلك) بما ذكرنا من كون المراد (من شرط له في النذر) لا مطلقا وكذا يؤيد الفائدة المذكورة من جواز الرجوع وعدم وجوب الاستئناف حينئذ

(٢) وهي صور عدم عروض عارض

(٣) سورة محمّد (ص) ـ ٢٣

٣٦٣

وانّما يصحّ من مكلّف ،

مسلم ،

يصح منه الصوم ،

______________________________________________________

فيحتمل جواز الخروج ، لعدم التعيين بالشروع كما مرّ في الصوم الواجب الغير المعيّن الّا قضاء الشهر بعد الزوال ، فتأمّل

قوله : «وانّما يصح من مكلّف مسلم إلخ» إشارة إلى شرائط صحّة الاعتكاف فهي في الفاعل ، التكليف ، فلا يصحّ من غير المكلّف كالمجنون ، لعدم الاعتبار بفعله ، ولا يجي‌ء منه النيّة ، ولا يكون موافقا للتكليف فلا تكون عبادة.

وكذا الصبي الغير المميّز ، واما المميّز ، فبناء على كون أفعاله تمرينيّة فقط فهو مثل سائر أفعاله ، وقد عرفت مرارا أنّ أفعاله صحيحة شرعيّة ، فلا يشترط حينئذ التكليف الّا ان يراد اعتكاف المكلفين.

والإسلام ، وهو ظاهر ، لعدم صحّة عبادة الكافر خصوصا الاعتكاف المشترط كونه في المسجد ، مع تحريم دخوله ولبثه فيه.

واما اشتراط كونه صائما الذي أشار إليه بقوله : (يصح منه الصوم) فكأنه إجماعيّ قال في المنتهى : وهو مذهب علماء أهل البيت عليهم السّلام.

ويدل عليه أيضا الأخبار الصحيحة الكثيرة ، مثل ما في صحيحة الحلبي ، ومحمد بن مسلم ، وغيرهما عن ابى عبد الله عليه السّلام انه قال : لا اعتكاف الّا بصوم (١).

والظاهر أنه يصحّ بمطلق الصوم ، ولا يحتاج الى ان لا يكون سببه الّا الاعتكاف.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢ حديث ٣ و ٤ و ٦ و ٨ وغيرها من كتاب الاعتكاف

٣٦٤

في مسجد مكة ، والمدينة ، والكوفة ، والبصرة.

______________________________________________________

ودليله ، العموم ، وصدق الصوم ، ووقوعه في شهر رمضان عنه صلّى الله عليه وآله ، ولا معارض له ، لا في عدم الصوم ، ولا في صوم مستأنف.

وامّا اشتراط المكان ، فالظاهر عدم صحته إلا في مسجد جامع صلى فيه امام عدل (عادل ـ خ) صلاة جماعة.

لصحيحة عمر بن يزيد ـ الثقة في الفقيه ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال : لا اعتكاف (لا يعتكف ـ خ فقيه) إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه امام عدل بصلاة جماعة ، ولا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة ، والبصرة ، ومسجد المدينة ، ومسجد مكّة (١).

ثم قال فيه : وقد روى في مسجد المدائن (٢).

وهذه (٣) مرويّة في الكافي والتهذيب والاستبصار بطريقين غير صحيحين ، ولا شك في انها صريحة في المنع عن الاعتكاف في سائر المساجد التي ما صلّى فيه امام عدل صلاة جماعة لدلالة الحصر على النهي ، ولا خلاف فيه في الأصول على انه يفهم نفيه من جواب السائل عن الاعتكاف في مساجد بغداد.

والظاهر ان المراد بالإمام العدل ، المعصوم عليه السّلام كما هو قول أكثر الأصحاب لأنه المتبادر ، ويشعر به ذكر المساجد الأربعة فقط ، ونفيه عن مساجد بغداد ، ولا اختصاص للحكم بالسائل ، ولو قرء : ـ لا تعتكف ـ (٤) بالخطاب.

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٨ من كتاب الاعتكاف

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٨ من كتاب الاعتكاف

(٣) يعني الرواية الأولى ، ففي الكافي : عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن عمر بن يزيد ورواها في التهذيبين عن محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا إلخ

(٤) يعني قرء ما في الفقيه من قوله عليه السّلام (لا يعتكف) بصيغة الخطاب

٣٦٥

ولا يصح في غيرها من المساجد على راى.

______________________________________________________

ويؤيّد الاختصاص بالمسجد المخصوص أنّ الأصل عدم مشروعيّة عبادة خاصة إلّا بدليل يفيد تلك ، وعدم تعلّق الأحكام المذكورة بالمعتكف ـ مثل وجوب الكفارات وغيره ـ الّا بالدليل.

ولا شك ولا خلاف في وجوده في المساجد مع الشرط ، وفي غيرها خلاف ، ودليله محتمل للتخصيص ، ويؤيّده الشهرة ، فيحمل ما ورد في مطلق المسجد أو الجامع ، على الجامع المذكور ، لوجوب حمل (١) المطلق على المقيّد ، مثل قوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) (٢).

على انه لا شك أنها مخصوصة بالجامعة ـ للأخبار الآتية ـ فإنها غير صريحة ، لانه قد يقال انه لا يقال : المعتكف شرعا الّا على من كان في المساجد المخصوصة فليست بصريحة في جواز الاعتكاف في أيّ مسجد كان.

ولانه قد يكون المراد تحريم المباشرة على من في المسجد فقط لا المعتكف المصطلح عندهم مطلقا ، نعم لو كان ـ اعتكفوا في المساجد ـ (٣) لكان صريحا.

وقد يشعر بعدم صدق الاعتكاف إلّا في المساجد المخصوصة ، تعريف

__________________

(١) وملخص ما ذكره الشارح قده من الاستدلال على عدم كفاية مطلق المسجد أمور (أحدها) الشهرة بين الفقهاء خصوصا القدماء (ثانيها) عدم صراحة الدليل على كفاية مطلق المساجد (ثالثها) على تقدير الظهور يرفع اليد عنه للأخبار المصرحة باعتبار الجامعيّة (رابعها) عدم صدق المعتكف شرعا (بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية في خصوص الاعتكاف أيضا) على من اعتكف في غير المساجد المخصوصة (خامسها) احتمال حمل آية تحريم المباشرة على التحريم المطلق الذي هو عبارة عن تحريم إجناب النفس في المساجد

(٢) البقرة ـ ١٨٧

(٣) يعني لو كان بدل قوله تعالى (عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) لفظة (اعتكفوا في المسجد) بصيغة الأمر لكان صريحا في إرادة الاعتكاف المصطلح

٣٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الفقهاء ، والاخبار مثل ما في صحيحة داود بن سرحان ـ في الفقيه ـ عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : ان عليّا عليه السّلام كان يقول : لا ارى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله) أو مسجد جامع الحديث (١) ، ومثله ـ في الكافي ـ عن أمير المؤمنين عليه السّلام ، لكنه غير صحيح.

وحسنة الحلبي ـ لإبراهيم ، في الكافي وهي صحيحة في الفقيه ـ : لا اعتكاف الا بصوم في مسجد الجامع (٢).

وحسنة أخرى للحلبي ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : سئل عن الاعتكاف ، قال : لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله) أو مسجد الكوفة أو مسجد جماعة ، وتصوم ما دمت معتكفا (٣)

وما في خبر على بن عمران ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، عن أبيه عليه السّلام ، قال : المعتكف يعتكف في المسجد الجامع (٤).

ورواية يحيى بن العلاء الرازي ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يكون اعتكاف إلا في مسجد جماعة (٥) ، وهما ضعيفان.

ويحتمل ان يراد بالإمام ، إمام الجماعة فيكون الاعتكاف صحيحا في كل مسجد جامع فيه جماعة مشروعة.

ويؤيّده قلّة التخصيص في ظاهر الآية ، والاخبار الكثيرة ، وينبغي كونه مذهب بعض المتأخرين القائلين بصحته في كل مسجد جامع.

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ١٠ من كتاب الاعتكاف

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ١ من كتاب الاعتكاف

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ٧ من كتاب الاعتكاف

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ٤ من كتاب الاعتكاف

(٥) الوسائل باب ٣ حديث ٦ من كتاب الاعتكاف

٣٦٧

واللبث ثلاثة أيّام فصاعدا ، لا أقل ،

______________________________________________________

ويمكن أيضا حمل الاولى مع ارادة المعصوم عليه السّلام على الأفضليّة.

وأيضا يمكن حمل الاخبار كلّها على الأفضليّة لظاهر الآية.

وكأنه دليل ابن ابى عقيل القائل بصحته في كل مسجد ، ويؤيده ما يدل على الكفارة لمن جامع في الاعتكاف مطلقا ، والعمومات في تحريم الشي‌ء على المعتكف ، والوجوب عليه فتأمّل.

واما اشتراط كونه في مسجد جامع كما يظهر من بعض المتأخرين فليس بواضح دليله فتأمل.

واما اشتراط ثلاثة أيام ـ لا أقل ـ فكأنه إجماعيّ أيضا ويدل عليه أيضا صحيحة أبي بصير ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام (١).

وصحيحتا محمد بن مسلم ، وابى عبيدة المتقدمتان (٢).

وصحيحة أبي ولّاد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد الى بيته (بيتها خ ل) فتهيّأت لزوجها ، حتى واقعها ، فقال : ان كانت خرجت من المسجد قبل ان تقضى ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت في اعتكافها ، فان عليها ، ما على المظاهر (٣) ـ وقد تقدمت.

ثم ان الظاهر ان ثلاثة أيام ، يشترط فيها التتابع ، فتكون ثلاثة أيام مع الليلتين عند الأصحاب إلّا فيما نقل في موضع من خلاف الشيخ أنه قال : ان اشترط

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من كتاب الاعتكاف

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ١ و ٣ من كتاب الاعتكاف

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ٦ من الكتاب الاعتكاف

٣٦٨

صائما (وخ) ناويا له على وجهه متقرّبا.

ولو أطلق النذر وجب ثلاثة أيّام ،

______________________________________________________

التتابع فهو كذلك ، والّا فيجب ثلاثة أيّام بلا لياليهن (١).

وقالوا انه متروك ، وظاهر الاخبار ، التتالي خصوصا صحيحة أبي ولّاد الحنّاط (٢)

ويدل عليه أيضا ، وعلى دخول الليل في الاعتكاف ما يدل على وجوب الكفارة في الليل لو أفسده بجماع ، كما سيجي‌ء ، فافهم

واما كونه صائما فقد مضى ، وكذا النيّة ان كان ندبا ، فينوي ندبا وواجبا فواجبا متقربا الى الله

قوله : «ولو أطلق النذر إلخ» وجوب ثلاثة بالنذر المطلق مبنىّ على ما تقدم من اشتراطها فيه ، فكما يجب كونه في المساجد المتقدمة صائما ، فكذلك يجب في ثلاثة أيّام للشرطيّة ، فإن وجوب المشروط والموقوف مستلزم لوجوب الشرط والموقوف عليه ، وهو ظاهر ، وكأنّه لا خلاف هنا.

وهذا يدل على حقيّة القاعدة (٣) وبطلان دليل المخالف على عدم حقيّتها ، بأنه يأمر المكلف بالموقوف ، ويكون غافلا عن الموقوف عليه بالكلّيّة ، فكيف عن الأمر به.

وكذا قيل في استلزام الأمر بالشي‌ء ، النهي عن الضّد وغير ذلك.

__________________

(١) قال في الخلاف ص ١٥٥ الطبع الأوّل : مسألة ٢٥ إذا قال لله علىّ ان اعتكف ثلاثة أيام لزمه ذلك ، فان قال : متتابعة لزم بينها ليلتان ، وان لم يشرط المتابعة جاز له ان يعتكف نهارا ثلاثة أيّام ، لا لياليهن (انتهى موضع الحاجة)

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٦ من كتاب الاعتكاف

(٣) وهي قوله قده : فانّ وجوب المشروط والموقوف إلخ

٣٦٩

أين شاء ، وفي أيّ وقت شاء.

ولو عيّنهما تعيّنا.

ولو نذر أزيد وجب.

______________________________________________________

على (١) ان الغفلة في الواجب تعالى غير معقول ، ولا متصوّر

واما قوله : «اين شاء» فظاهر أن مراده اين شاء من الأمكنة المتقدمة ، وكذا «في أيّ زمان ووقت» يصلح للصوم ثلاثة أيّام متوالية ، وترك التقييد ، للظهور ودليل (٢) العموم عدم التقييد فيصحّ في كل زمان ومكان يصحّ الاعتكاف فيهما.

ودليل تعيين الوقت والزمان بالنذر هو وجوب الإيفاء به إجماعا وكتابا وسنّة مع اتصافهما بصلاحيّة وقوعه فيهما ، فلو خالف ، فالظاهر عدم الصحّة وان أوقع في الأفضل ، لما مرّ

وهذا مؤيّد لعدم اشتراط المزيّة والفضيلة في النذر لا زمانا ولا مكانا.

والظاهر أنه مختار المصنف هنا فالفرق بينهما غير جيّد ، وكذا تجويز الإيقاع في الأفضل.

قوله : «ولو نذر أزيد وجب» اى لو نذر أزيد من ثلاثة أيّام وجب اعتكاف ذلك الزمان المنذور كلّه وهو واضح ،

واما وجوب الزيادة عليه ـ حتى تصير ثلاثة أخرى لو كان ما فوق الثلاثة ناقصا عنها ـ فكأنه مبنىّ على المسألة المتقدمة من وجوب الاعتكاف بالشروع.

ولكن لما ثبت عدم الوجوب إلّا في الثالث ، فلو كان الزائد واحدا لم يجب

__________________

(١) جواب آخر عن الإيراد على القاعدة بقول المورد : بأنه يأمر المكلّف بالموقوف إلخ

(٢) يعني عموم قوله قده : اين شاء وفي أي وقت شاء

٣٧٠

فان شرط التتابع لفظا أو معنى وجب ، فإن أخلّ بالمشروط لفظا استأنفه (نف خ ـ ل) متتابعا وكفّر ، وبالمشروط معنى يبنى ، ويكفّر ، وان لم يشترطهما جاز التفريق ثلاثة ، ثلاثة.

______________________________________________________

لما مرّ ويدلّ عليه أيضا كون اعتكافه صلّى الله عليه وآله عشرا.

واما لو كان يومين فلا يبعد الوجوب ، لما مرّ فتذكّر.

واما لو نذر أقلّ مثل يوم أو يومين أو قال : من ثلاثة أيام فقيل : يجب الثلاثة ، لما مرّ من توقفه على ما يكمله.

ويمكن ان يكون (١) بمعنى انه يجب ـ لصحّة هذا الاعتكاف ـ من وجود اعتكاف في ثلاثة أيّام وان كان الزائد الغير المنذور واقعا بطريق الندب ، فلو قدّمه يكون مندوبا ثم ينوى الوجوب في المنذور ، ويصير واجبا لو أخّره ، ويكون ثالثا بناء على ما مرّ.

ويمكن كونه واجبا مع كونه أوّلا وثانيا أيضا للتوقف.

ويحتمل عدم الوجوب وبطلان النذر ، لانه نذر غير مشروع ، والاولى منه بالبطلان إذا قيّد بدون الثلاثة فقط ، مع احتمال الوجوب هنا في ضمن المندوب مثلا كما تقدم فتأمّل

قوله : «فان شرط التتابع لفظا» بان يقول اعتكف ستّة أيّام متتابعات أو متواليات ونحوها «أو معنى» بان يقول : اعتكف ستّة أيّام من أوّل الشهر مثلا «وجب» فعله متتابعا من غير فصل بمقتضى النذر.

فلو أخلّ بالمشروط ـ وهو التتابع ـ (فان) كان لفظا ، قال المصنف يستأنفه متتابعا كما هو الشرط ويكفّر لخلف النذر ، والظاهر أنّه كفّارة خلف النذر (وان)

__________________

(١) يعنى يمكن ان يكون مراد المصنف من قوله : وجب

٣٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

كان معنى صحّ ما فعله وتمم ما بقي والظاهر انه على تقدير كون ما فعله ثلاثا ، والا يستأنف هنا أيضا.

وجه الاستيناف في الأول عدم الإتيان بالمأمور به فبقي في العهدة ، فيجب فعله.

هذا مع عدم تعيين الزمان واضح ، ومعه اشكال ، والبناء والإتيان بما بقي محتمل ، والاستيناف والقضاء أحوط.

واعلم ان المسألة خالية عن النصّ ، فيمكن ان يقال : بالبناء والإتمام مطلقا مع التقدير المذكور وان أثم بترك التتابع ، لصحّة وقوع ما فعله اعتكافا ، والأصل عدم اشتراط صحته بفعل الباقي ، ولا يقتضيه شرطيّة التتابع ، بل انما يقتضي الوجوب فقط وهو دليل البناء في التتابع معنى.

وبالجملة يحتمل عدم الفرق بينهما في البناء والاستيناف.

ووجه الفرق ان شرط التتابع لفظا يقتضي كون المنذور هو التتابع فلا يخرج عن العهدة إلّا به ، بخلاف التتابع ، معنى ، فإنه انّما يقتضي وجوب جميع المتتابع فكل ما وقع منه صحيحا يخرج عن العهدة ، فإن (نيّة خ) صوم شهر معيّن مثلا لا يستلزم عدم صحته الّا متتابعا ، بل كل ما وقع منه صح كوجوب شهر رمضان.

واما الكفارة فيمكن وجوبها ـ مع تعيين الزمان ، وعدمه مع عدمه ـ في الأوّل بحيث يمكن الاستدراك ، بل يجب الاستئناف حينئذ (رأسا ـ خ) وامّا مطلقا ، لان الظاهر من المشروط كونه عبادة واحدة بالشرط ، فالإخلال به يستلزم البطلان وعدم الإتيان بالمأمور به مع وجود زمانه فيفعله فيه.

ويحتمل عدم الإثم أيضا لاحتمال عدم التعيين (التعيّن ـ ظ) بالشروع.

٣٧٢

ولو أطلق الأربعة جاز ان يعتكفها متوالية ، وان يفرّق الثلاثة عن اليوم ، لكن يضمّ اليه آخرين ينوى بهما الوجوب أيضا.

______________________________________________________

ويمكن ان يقال أيضا بعدم قضاء ما خرج وقته في الباقي ، لأنه فات وقته ، والقضاء لا بد له من أمر جديد ، وليس.

ولكن الظاهر القضاء ، لما ورد في الخبرين الصحيحين (١) كما سيأتي من وجوب الإعادة على الحائض والمريض بعد رفع المانع فهنا بالطريق الاولى.

ويؤيّده وجوب القضاء في سائر المتعيّنات ، وأنه على تقدير بقاء زمان يسع اعتكافا يجب فعل ذلك ثم الإتمام ممّا بقي وممّا فات من الأوّل.

وانه يجب كفارة الاعتكاف لو فعل ما يوجبها ، مثل الوقاع ، ولو كان بعد الخروج لما مرّ في الصحيح (٢) من وجوبها على المرأة المعتكفة بإذن زوجها وخرجت قبل الثلاثة وواقعها زوجها

ويحتمل العدم بعد الحكم ببطلان الاعتكاف للخروج ونحوه ممّا لا يوجبها فتأمّل.

واما جواز التفريق ثلاثا ثلاثا مع عدم اشتراط التتابع مطلقا فهو ظاهر لصدق الاعتكاف المشروط مع وجود الشرائط المتقدّمة

قوله : «ولو أطلق الأربعة إلخ» قد يفهم تحقيق هذا ممّا سبق ، فتذكّر.

وان في نيّة الوجوب ـ خصوصا إذا قدّم غير الرابع ـ تأمّلا ، وانه يجب نيّة الندب فيهما مطلقا الّا ما وقع ثالثا على الاحتمال ، وكذا يمكن جواز تفريق كلّ الأربعة مثل الرّابع

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ١١ حديث ١ و ٣ من كتاب الاعتكاف

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٦ من كتاب الاعتكاف

٣٧٣

ولو نذر اعتكاف النهار وجب الليل أيضا.

ولو شرط عدم اعتكافه أو اعتكاف يوم لا أزيد بطل النذر ، ولو نذر اعتكاف يوم وجب وأضاف يومين.

ويشترط في المندوب اذن الزوج والمولى.

ولو هاياه مولاه جاز ان يعتكف في أيّامه الّا ان ينهاه المولى.

______________________________________________________

قوله : «ولو نذر اعتكاف النهار وجب الليل أيضا» قد مرّ دليله أيضا ولو قيّد ب (فقط) يحتمل البطلان.

وكذا دليل قوله : «ولو شرط عدم اعتكافه إلخ» أي اعتكاف الليل.

قوله : «ويشترط في المندوب اذن الزوج والمولى» اشتراط اذن الزوج مع إيقاعها بالصوم ندبا ظاهر ممّا سبق في الصوم ، وكذا المملوك على ذلك التقدير.

واما مع الصوم الواجب فلان الظاهر ان منفعتهما لهما ، فصرفها في شي‌ء ومنعهما عنها (١) يحتاج الى الاذن وهو في المملوك أظهر ، وفي صحيحة أبي ولاد المتقدمة إشارة إلى اشتراط اذن الزوج حيث قال فيها : (وهي معتكفة بإذن زوجها) (٢) فتأمل.

ثم الظاهر جواز الرجوع بعد الاذن ما لم يجب ، فإنه لو كان واجبا بالاذن لا يجوز الإخراج.

والظاهر انه في الولد كذلك إذا كان في صوم مندوب مع القول بالاشتراط وأيضا الظاهر وجوب الإتمام لو زال التسلط بعد الوجوب.

قوله : (ولو هاياه مولاه إلخ) أي لو ناوبه مولاه الأيام واعتكف العبد في

__________________

(١) ومنعها عنهما ـ خ

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٦ من كتاب الاعتكاف

٣٧٤

ولا يجوز الخروج من موضعه فيبطل لو خرج وان كان كرها ناسيا

______________________________________________________

نوبته جاز له ذلك ما لم ينه مولاه عنه ، فلا يجوز ، ويخرج لو شرع ، هذا مع الضرر ـ بالمولى في نوبته ضررا زائدا على ما يحصل له بالاشتغال بغيره ممّا له العادة في الكسب ـ ظاهر.

واما مع عدمه فليس بواضح لانه يجوز له صرف هذا اليوم بأيّ شي‌ء أراد ، وهذا من جملته ومنه علم انه لا يجوز له صرف نوبته فيما يحصل الضرر بالمولى في نوبته إذا لم يكن عادة ولم يشتغل للمولى بمثله ، فتأمّل ، وأيضا هذا على تقدير كون صومه مشروعا.

قوله : «ولا يجوز الخروج إلخ» إشارة الى عدم جواز الخروج من المسجد الّا فيما استثنى على ما سيجي‌ء وحينئذ يبطل وان كان الإخراج بغير اختياره ، الا انه لا اثم مع الإكراه ، ولا يبطل نسيانا لانه عذر هكذا ظاهر كلامهم.

وفيه تأمّل ، إذ الإكراه والنسيان كلاهما عذر ومرفوع عن العبد فلا معنى للإبطال بأحدهما دون الآخر من غير دليل فارق.

والظاهر عدم البطلان مطلقا الّا مع طول الخروج المنافي للاعتكاف عادة بحيث لا يقال : انه معتكف ، قال في المنتهى : لو خرج مع النسيان وتطاول بطل الاعتكاف (١) فتأمل.

واما دليل عدم جواز الخروج فهو الإجماع ، قال في المنتهى : وهو قول العلماء كافة (انتهى).

والأخبار ، مثل صحيحة داود بن سرحان ـ الثقة ـ قال : كنت بالمدينة في

__________________

(١) الذي وجدناه في المنتهى في هذه المسألة ما هذا لفظه : مسألة ولو خرج سهوا لم يبطل اعتكافه ، بل يرجع مع الذكر ، فان استمر مع الذكر بطل الاعتكاف مع المكنة (انتهى)

٣٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

شهر رمضان ، فقلت : لأبي عبد الله عليه السّلام : انى أريد أن اعتكف فما ذا أقول؟ وماذا افرض على نفسي؟ فقال : لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ، ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود الى مجلسك (١).

وهذه صحيحة في الفقيه ، وان لم تكن صحيحة في غيره.

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : ليس للمعتكف ان يخرج الا الى الجمعة أو جنازة أو غائط (٢).

وصحيحة الحلبي ـ في الفقيه وهي حسنة في الكافي ـ عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ثم لا يجلس حتى يرجع ، ولا يخرج في شي‌ء إلا لجنازة أو يعود مريضا ، ولا يجلس حتى يرجع ، وقال : اعتكاف المرأة مثل ذلك (٣).

ولو (فلو ـ خ) خرج لغير عذر مجوّز قال في المنتهى : يبطل اعتكافه (٤) وان قصر الزمان ونقل الخلاف عن بعض العامّة ، فكأنه لا خلاف عندنا

ويؤيده فهم المنافاة بين الخروج والاعتكاف من مفهوم الروايات ، وتفسير الاعتكاف ثم قال : يجوز أن يخرج رأسه ليرجّل شعره ويخرج يده وبعض جوارحه لما يعرض من حاجة الى ذلك ، لان المنافي للاعتكاف ، خروجه بجملته ، لا خروج بعضه ، وحديث عائشة دل عليه (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٣ من كتاب الاعتكاف

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٦ من كتاب الاعتكاف

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من كتاب الاعتكاف

(٤) عبارة المنتهى ص ٦٦٣ هكذا : لو خرج بغير عذر أبطل اعتكافه لأن الاعتكاف اللبث في المسجد للعبادة فالخروج مناف له (انتهى)

(٥) سنن ابى داود ج ٢ ص ٣٣٢ باب المعتكف يدخل البيت لحاجته ، عن عائشة قالت كان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إذا اعتكف يدنى الى رأسه فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان

٣٧٦

فإن مضت ثلاثة صحّ الى وقت خروجه وإلّا فلا ،

إلّا في الضرورة كقضاء الحاجة ، والاغتسال ،

______________________________________________________

والظاهر عدم النزاع في إخراج البعض ، بل الكلّ أيضا مع الحاجة ، واما مع عدمها فظاهر التعليل بقوله : (لان المنافاة إلخ) جواز إخراج البعض اختيارا أيضا والأصل يؤيّده وصرّح به في المنتهى.

والظاهر عدم النزاع في إخراج الرّأس ليغسل ، لما فعله صلّى الله عليه وآله على ما نقل (١) ومنعه في الدروس إلّا الرأس ، ليغسل ، وكأنه نظر الى وجوب الكون في المسجد ، وذلك لا يصدق مع إخراج البعض ، لان المتبادر هو الكون بكلّه في المسجد.

فتأمل فيمكن اتباع العرف فلا يضر مثل إخراج اليد ، على ان الكون غير مصرح في الاخبار فتأمّل

قوله : «فان مضت ثلاثة صحّ الى وقت خروجه والّا فلا» اى لو خرج فيما لا يجوز له الخروج قبل مضىّ الثلاثة ، يبطل الاعتكاف بالكليّة ، فلا يصحّ شي‌ء منه ، وان خرج بعده يصحّ ما فعله ان كان بالشرائط

قوله : «الا في الضرورة» مستثنى من قوله «ولا يجوز الخروج» اى لا يجوز ذلك إلّا لضرورة فيجوز ، ولعل المراد بالضرورة المحتاج إليها في الجملة وما ورد عليه النص (كقضاء الحاجة) كأنه كناية عن الخروج الى الخلاء.

ودليله ظاهر مع ما تقدم في الرواية خصوصا قوله (أو غائط) ويمكن ارادة

__________________

(١) سنن ابى داود ج ٢ ص ٣٣٣ باب المعتكف يدخل البيت لحاجته حديث ٣ مسندا عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يكون معتكفا في المسجد فليناولني رأسه من خلل الحجرة فاغسل رأسه ، وقال : مسدّد : فارجله وانا حائض

٣٧٧

وشهادة الجنازة ، وعيادة المرضى (عود المريض ـ خ) ،

______________________________________________________

التعميم.

وكذا للغسل الرافع للحدث كما لو احتلم ، فيجب ان يبادر الى الخروج بالتيمم إذا كان في المسجدين ، ويخرج ويغتسل ويرجع.

وينبغي الاقتصار على الواجبات واختيار أقرب الطرق ذاهبا وجائيا وأقرب المواضع للخلاء والغسل ولو كان في غير منزله.

قال في المنتهى : لو كان الى جانب المسجد سقاية خرج إليها الا ان يجد غضاضة (١) بأن يكون من أهل الاحتشام (٢) فيجد المشقة بدخولهما لأجل الناس ، فعندي هنا يجوز ان يعدل عنها إلى منزله وان كان أبعد (انتهى).

وقال أيضا : ولو بذل له صديق منزلا وهو قريب من المسجد لقضاء حاجة لم يلزمه الإجابة من المشقة بالاحتشام ، بل يمضي إلى منزله (انتهى).

وقال أيضا : لا فرق بين ان يكون منزله بعيدا متفاحشا أو غير متفاحش في ذلك ما لم يخرج عن مسمى الاعتكاف ، بان يكون منزله خارج البلد مثلا (انتهى).

وفيه تأمّل ، إذ قيّد جواز الخروج ، بالضرورة ، ولا ضرورة فيما ذكره خصوصا في منزل الصديق الذي يجوز الأكل في بيته من غير اذنه (٣) ويحصل له السرور واىّ احتشام في ذلك؟ واى منة؟

الا ان يقال : انه إذا جاز الخروج لضرورة ، فله ان يخرج إلى أين يريد.

وفيه بعد ، لان الظاهر انه منوط بقدر الضرورة والمتعارف ، فتأمّل.

وكذا يجوز الخروج لشهادة الجنازة ، لعل المراد الخروج لاحكام الجنازة

__________________

(١) اى مذلة ومنقصة ، ومثله عليه في دينه غضاضة ، وما علىّ من غضاضة (مجمع البحرين)

(٢) وهو افتعال من الحشمة بالكسر بمعنى الانقباض والاستحياء (مجمع البحرين)

(٣) إشارة إلى قوله تعالى (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ) (إلى قوله تعالى) (أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) الآية النور ـ ٦١

٣٧٨

وتشييع المؤمن ،

واقامة الشهادة.

______________________________________________________

مثل التشييع والصلاة ، لا مجرّد المشاهدة.

ودليله ما في الصحيحتين المتقدّمتين (أو جنازة) (١) و (الا لجنازة أو يعود مريضا) (٢) وما في الأخيرة دليل عيادة المريض أيضا مع العموم الوارد في ذلك.

ولعلّ تشييع المؤمن الحيّ (٣) مأخوذ من تشييع الجنازة.

فتأمّل ، إذ قد يكون مخصوصا بها (٤) ويؤيّده عدم حصوله لها أصلا ، بخلاف تشييع المؤمن الحيّ ، إذ قد يحصل.

وكذا إقامة الشهادة ، ولا شك في الجواز على تقدير انحصار الشاهد في المعتكف وعدم إمكان الأداء إلّا بالخروج ، واما في غيره ، فمحل التأمل ، فكأنه أخذ من جواز العيادة وتشييع الجنازة ، فتأمل.

قال في المنتهى ص ٦٢٤ : ويجوز الخروج لإقامة الشهادة سواء كان الاعتكاف ، واجبا أو ندبا ، متتابعا أو غير متتابع ، تعيّن عليه التحمل والأداء أو لم يتعيّن عليه أحدهما إذا دعي إليها (انتهى).

وقال أيضا ص ٦٢٥ ـ بعد أسطر ـ : ويجوز ان يخرج لزيارة الوالدين ، لأنه طاعة فلا يكون الاعتكاف مانعا منها (انتهى).

وفيه تأمّل للمنع في الاخبار ولا يقتضيه كونه عبادة ، والّا لآل الى

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٦ من كتاب الاعتكاف

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من كتاب الاعتكاف

(٣) يعنى لا نص بالخصوص لتشييع المؤمن الحي ، فلعلّ دليله مأخوذ ممّا ورد من جواز تشييع جنازته

(٤) لعل المراد ان ظاهر الدليل الاختصاص بالجنازة فلا يتعدى الى تشييع المؤمن الحي ، واما قوله قده : ويؤيده عدم حصوله لها إلخ فهو غير ظاهر المراد فتأمل في معناه

٣٧٩

           

______________________________________________________

عدمه (١) أو زيارة (٢) الاخوان وسائر الأقارب واجابة المؤمن وغير ذلك عبادة

فلو كان لهم فيها نص أو إجماع ، فبها ، والا فالظاهر المنع ، والأحوط العدم وقد نقل في الفقيه ـ ما يدل على الخروج لقضاء حاجة المؤمن مرسلا (٣) ـ عن ميمون بن مهران ، قال كنت جالسا عند الحسن بن على عليهما السّلام ، إذ أتاه رجل ، فقال له : يا ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إنّ فلانا له علىّ مال ويريد ان يحبسني فقال عليه السّلام : والله ما عندي فأقضي عنك فقال : فكلّمه قال : فلبس عليه السّلام نعله ، فقلت له : يا ابن رسول الله أنسيت اعتكافك؟ فقال له : لم أنس ، ولكني سمعت ابى عليه السّلام يحدّث عن جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله انه قال : من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله عز وجل تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله (٤).

وهذا يشعر بجواز الخروج لقضاء حاجة كل مسلم ، ولكلّ ما يكون ثوابه كثيرا وعظيما أعظم من الاعتكاف ، ولكنه غير ظاهر في الاعتكاف الواجب مع الإرسال وعدم العلم ب (ميمون) الّا انه نقله الصدوق في كتابه الذي ضمن صحّة ما فيه ، وكونه حجّة بينه وبين الله وهو أعرف.

وقال في المنتهى ص ٦٢٥ : قال الشيخ رحمه الله يجوز ان يخرج ليؤذن في

__________________

(١) لعل المراد انه مع فرض حرمة الخروج ينقلب الخروج لأجل زيارة الوالدين الى عدم كونه عبادة

(٢) الظاهر ان المراد انه يتعدى حينئذ إلى زيارة هؤلاء لأنها أيضا عبادة فلا اختصاص بزيارة الوالدين فقط

(٣) قوله قده : مرسلا ليس كما ينبغي ، فإن سند الصدوق ره في الفقيه كما في مشيخة الفقيه يكون مسندا الى ميمون وان كان في بعض رجاله كلام ففي المشيخة هكذا : وما كان فيه عن ميمون بن مهران ، فقد رويته ، عن احمد بن محمد بن يحيى العكار رضى الله عنه ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد بن مالك ، عن أبي يحيى الأهوازي ، عن محمد بن جمهور ، عن الحسين بن المختار ، بيّاع الأكفان عن ميمون بن مهران

(٤) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من كتاب الاعتكاف

٣٨٠