مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد أوّلهما (١) الشيخ بالتأويل المتقدم ، ويمكن ان يقال : ليسا بصريحين في الإفطار والصوم ، إذ قد يكون للّيلة المتقدّمة مع عدم كون التكليف به الّا مع العلم به في الليل أو بالشهود في النهار.

فتأمّل فيه ، وان الظاهر من الرؤية هي المتعارفة ، وانما يكون في الليل فلا يشمل اخبارها لرؤية النهار ، ولهذا يعدّ الزوال غير داخل فيها.

ويؤيده مكاتبة محمد بن عيسى قال : كتبت اليه : جعلت فداك ربما غمّ علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأيناه ، بعد الزوال فترى ان نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ وكيف تأمر في ذلك؟ فكتب عليه السّلام : تتم الى الليل ، فإنه ان كان تامّا رئي قبل الزوال (٢)

كأنه أراد بهلال شهر رمضان الهلال بعد شهر رمضان.

ولا يضرّ عدم صحّة سند هذه (٣) لأنها مؤيّدة ،

ولعلّ (٤) يضر القول في الحسن في الثاني منهما ، وكذا وجود إبراهيم بن هاشم في الأول (٥) وان كانا مقبولين في مثل هذا المطلب فتأمل.

وكذا لا يضرّ خبر جرّاح المدائني ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : من رآى هلال شوّال بنهار في شهر رمضان فليتمّ صيامه (٦)

__________________

(١) يعنى الخبرين المتقدمين وهما خبر عبيد بن زرارة وعبد الله بن بكير وحسنة حماد بن عثمان

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ٤ من أبواب أحكام شهر رمضان

(٣) يعنى المكاتبة

(٤) هذا شروع في المناقشة في مدرك القول باعتبار الرؤية قبل الزوال لإثبات كونه للّيلة الماضية

(٥) وقد نقلنا سند الاولى واما الثانية فهي كما في التهذيب هكذا : محمد بن يعقوب ، عن على بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن ابى عمير ، عن حماد بن عثمان.

(٦) الوسائل باب ٨ حديث ٢ من أبواب أحكام شهر رمضان

٣٠١

والمحبوس يتوخّى ، فان وافق أو تأخر أجزء والّا أعاد.

______________________________________________________

لأنه مؤيّد ، وكذا عدم صراحته في قبل الزوال لأنه عام ، واحتط وتأمّل فإن المسألة من المشكلات

قوله : «والمحبوس إلخ» الذي حبس في موضع بحيث لم يعرف الشهر ولم يقدر على تحقيقه يجتهد في تحقيقه بمقدوره ، ثم يختار شهرا للصوم ، فان وافق شهر رمضان أو تأخر عنه كله أو بعضه فذلك صحيح ومجز عن الشهر إذا علم بعد مضى الشهر كلّه.

وان تقدم ـ ولو كان البعض ـ يقضى ذلك.

دليل الاجتهاد والاختيار والصحّة مع الموافقة واضح ، وكذا الصحّة بعده ، لانه يكون قضاء وترك نيّته عفو مع عدم القدرة.

واما القضاء في التقديم ، فلانه ما صام الشهر فيجب العدّة من أيام أخر ، ولأدلّة وجوب قضاء ما فات مع احتمال الاجزاء ، لأنّه كان مأمورا بالفعل ، والأمر للإجزاء الّا أنّ ذلك انما هو مع عدم ظهور الفساد ويفهم من المنتهى الإجماع على ذلك وعلى الإجزاء على تقدير بقاء الاشتباه.

والظاهر انه لا يجب عليه التفتيش.

ويدلّ عليه أيضا خبر عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت له : الرجل (رجل ـ خ) أسرته الروم ولم يصحّ (لم يصم ـ خ) شهر رمضان ولم يدر أىّ شهر هو؟ قال : يصوم شهرا فيتوخّاه (يتوخى ـ خ ل) ، ويحسب فان كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزه ، وان كان بعد شهر رمضان أجزأه (١) وينبغي ترك نيّة الأداء.

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب أحكام شهر رمضان

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فرع

ينبغي الترائي للهلال ليلة ثلاثين من شعبان ، لاحتمال كونه من الشهر فلا يفوته اليوم الشريف العظيم ، مع ما فيه من العبادات ، وقال في المنتهى : يستحب ، ولكن (١) أرى دليله الذي هو : ولان الصوم واجب ، وكذا الإفطار في العيد ، فيجب التوصل إلى معرفة وقتهما ليقع التكليف على وجهه (انتهى) الى الوجوب.

والظاهر عدمه كما صرّح به في أوّل كلامه (٢) ، وانه يريد المبالغة في الاستحباب.

ويؤيده (٣) ، الأصل ، وعدم الوجوب الّا مع العلم كما في العيدين ، وعدم وجوب تعلّم سورة السجدة وحفظها بحيث يعلم كلّ كلمة منها حتى لا يقرء في وقت عدم جواز قرائتها ، ولا حفظ محلّ السجدة حتى لا يترك الوجوب عند قرائتها ، ولا معرفة كل القرآن حتى لا يمسّه وقت عدم الجواز ، وأمثالها كثيرة فتأمّل فيها. والظاهر ان الوجوب في أمثالها مشروط بالعلم ، والأصل دليل قوى حتى

__________________

(١) حاصله ان دليل المنتهى وهو قوله ره : ولان الصوم إلخ ينتهي إلى الوجوب ويدل عليه

(٢) حيث قال : ص ٥٩٠ : مسألة ويستحب الترائي للهلال ليلة الثلثين من شعبان ويطلبه ليحتاطوا بذلك بصيامهم ويسلموا من الاختلاف (الى ان قال) : ولان الصوم إلخ

(٣) حاصل هذه المؤيّدات وتوضيحها ترجع إلى أمور (أحدها) أصالة عدم الوجوب عند الشك في التكليف (ثانيها) أصالة عدم وجوب المقدمة ما لم يعلم وجوب ذي المقدمة فعلا والمفروض عدم العلم بفعليّة وجوب الصوم وله أمثلة (أحدها) صوم العيدين فإنه حرام مع عدم وجوب تركه عند عدم العلم (ثانيها) عدم وجوب تعلّم سورة السجدة كي لا يقرأها حال الجنابة ونحوها ممّا يحرم قرائتها في تلك الحال (ثالثها) عدم وجوب معرفة آي القرآن وكلماته وحروفه مقدّمة لعدم مسّها الحرام واقعا ، وأمثالها ممّا يجب فيها ذو المقدمة ولا يجب مقدّماتها ـ والله العالم

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يعلم الناقل ، وليس بواضح ، ولكن الاحتياط حسن.

وينبغي الترائي في أوّل شوّال أيضا ، بل في كلّ الشهور للاطلاع على الأيام الشريفة ، وما فيها ، ولانه يتحفظ به شهر رمضان وغيره سيّما رجب ، وشعبان ، وذي الحجّة.

وقراءة الدعاء المنقول في رؤية كل شهر والخصوص في شهر رمضان.

والتصدق في أوّل يوم من كل شهر.

وصلاة ركعتين بالفاتحة وثلاثين مرّة قل هو الله أحد في الأولى ، وبالفاتحة وثلاثين مرّة إنا أنزلناه في الثانية على ما ذكره في المصباح.

ويؤيّد عدم الوجوب أيضا عدم وجوب النظر هل طلع الفجر أم لا ، لجواز التسحّر على ما هو ظاهر بعض الأدلّة (١) وكلامهم ، وقد مرّ.

وكذا عدم وجوب النظر ليعلم دخول وقت الإفطار ليفطر ، لأنّ الإفطار واجب.

ولكن فيه انه (٢) موسع ولو قلنا به ، لاحتمال ان يقال : يبطل الصوم بمجرّد دخول اللّيل فلا يجب شي‌ء آخر ، وقد صرّح به في المنتهى ، نعم يجب عدم نيّة الصوم بحيث يصير وصالا وقد مرّ.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤ و ٥ من أبواب آداب الصائم

(٢) أي الإفطار على تقدير وجوبه من الواجبات الموسعة فلا يتعيّن أوّل الوقت كي يجب معرفة الوقت مقدمة

٣٠٤

«النظر الثالث في اللواحق وفيه مطلبان»

«الأول في أحكام متفرقة»

كلّ الصوم يجب فيه التتابع الّا النذر المجرّد عنه وشبهه ، والقضاء وجزاء الصيد ، وسبعة الهدي.

______________________________________________________

النظر الثالث في اللواحق وفيه مطلبان

المطلب الأوّل في أحكام متفرقة

قوله : «كل الصوم إلخ» يريد بالصوم : الواجب وهو ظاهر ، وبالنذر المجرد : الصوم الواجب بالنذر الخالي عمّا يفيد التتابع لفظا ، مثل قوله : متتابعا أو معنى (١) ، ومثل هذا العشر ، أو هذا الشهر ، أو الشهر الفلاني.

ويشبهه ، العهد ، واليمين الخالية عنه. والتحمّل عن الغير قضاء لا يجب فيه

__________________

(١) قوله قده : (أو معنى) عطف على قوله : (لفظا) وب (شبهه) عطف على قوله : بالعموم

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

التتابع تبرعا ، وبالأجرة والولاية ،

ويمكن إدخال الأخير في القضاء بإرادة مطلق القضاء من كلامه.

ولا يبعد عدم وجوب التتابع في القضاء ولو كان عن نذر وجب فيه ذلك للأصل وعدم الدليل ، وعدم صحّة القياس على الأداء كقضاء شهر رمضان ، قال في الدروس : في تتابع قضاء النذر المقيّد بالتتابع وجهان أقربهما وجوبه (انتهى) وهو اعرف.

وفي عدم وجوبه في صوم كفارة الصيد في الإحرام تأمّل خصوصا في النعامة والبقرة والظبي وسيأتي وفي رواية وجوب التتابع في سبعة ، بدل الهدي كثلاثة (١) وسيجي‌ء في موضعه ان شاء الله.

ودليل وجوبه فيما يستفاد تتابعه ظاهر ، مثل صوم شهر رمضان والنذر المقيّد به ، وكذا شبهه والكفارات المقيّدة به مثل كفارة الشهر وخلف اليمين كعدمه في غيره ، مثل ما تقدم ولو كان بالأجرة للأصل وعدم إفادة الأمر ، الفوريّة حتى يضيّق.

ولكن ينبغي المسارعة وعدم القطع إلّا لضرورة للاحتياط ، واحتمال الموت في كل زمان فلا يكون مشغول الذمّة خصوصا بحق الغير ، ولان يصل النفع الى الميّت معاجلة.

وتبرّء ذمته بمجرد الوصيّة كما ادعاه الشيخ المحقق أبو على الطبرسي قدس الله سره في تفسيره الكبير في تفسير قوله تعالى (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ، فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) ـ غير ظاهر (٢).

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١٠ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

(٢) قوله قده : غير خبر لقوله قده : وتبرء ذمته ، والآية في البقرة ـ ١٨١

٣٠٦

وكلّ مشروط بالتتابع لو أفطر في أثنائه لعذر بنى ، ولغيره يستأنف ،

______________________________________________________

وكذا ذمّة الوصيّ والوليّ بمجرد عقد الأجرة ،

وينبغي عدم الترك بحيث يقال : غير مشتغل بالصوم للغير ، وكذا باقي الإجارات ،

وكذا المعالجة في الخيرات كلّها خصوصا العمل بالوصايا ، لما مرّ ، فان وجوب المسارعة فيه وبالعمل المتحمل عن الميّت ، غير بعيد ، لان الظاهر أن مقصود الموصى ذلك وان لم يصرّح لتخلص ذمته سريعا وينتفع بالوصيّة ولئلّا يصير مثل ما صار منه بأن يوصيه الى غيره كما نراه في زماننا هذا.

لما روى عن الصادق عليه السّلام ، قال : لمن قال : أوصني : أعدّ جهازك وقدّم زادك ، وكن وصيّ نفسك ، ولا تقل لغيرك : يبعث إليك بما يصلحك (١).

قوله : «وكل مشروط بالتتابع إلخ» أي ما وجب فيه التتابع ظاهرا شرط في اجزائه عنه اختيارا لا مطلقا الّا ما يستثنى ، فلو أفسد يوما مثلا في الأثناء لغير عذر استأنف لتحصيل التتابع الذي هو المأمور به ، ولعذر بنى.

ولعل دليله ، الأصل ، ولزوم الحرج والضيق المنفيين عقلا ونقلا لو أراد مطلقا ، وان أكثر أحكام الشرع والتكليفات ، محمولة على الاختيار ، وهو المناسب للشريعة السمحة السهلة ، وعدم التصريح بالشّرطيّة مطلقا في دليله ، وكأنه إجماعيّ أيضا في بعض الافراد.

وقد استثنى من هذه الكلّية ثلاثة ، ثلاثة كفّارة اليمين ، وثلاثة كفّارة إفطار قضاء الشهر بعد الزوال على تقدير وجوبها ، وثلاثة الاعتكاف ،

فكأنه قيل : يجب الاستيناف مطلقا ، لعذر أفسد أم لا.

ودليله بعد ما مرّ غير ظاهر الّا ان يقال : أن التتابع موجود في دليل هذه ،

__________________

(١) الوسائل باب ٩٨ خبر ١ من كتاب الوصيّة

٣٠٧

الّا من صام شهرا ويوما من المتتابعين ،

______________________________________________________

فالمأمور به هو التتابع فلو لم يأت به لم يخرج عن العهدة ، سواء ترك اختيارا أو اضطرارا غاية الأمر انه لا يكون معاقبا على تقدير الاضطرار ، فلا ضيق ولا حرج ولا ينافي السمحة.

وهذا دليل لا يخلو عن قوّة الا انه يفيد ثبوت الحكم في جميع الصور التي ذكر التتابع في دليله فيمكن ان يقال به : الا ما أخرجه دليل من إجماع وخبر ، وهو الثلاثة الأخرى التي استثناها المصنف عن وجوب الاستيناف للإفطار لغير عذر.

(الأول) الإفطار بعد صوم شهر ويوم متتابعا في الشهرين المتتابعين مطلقا (الثاني) الإفطار بعد صوم خمسة عشر يوما من الشهر المتتابع (الثالث) الإفطار بالعيد الأضحى بعد صوم يومين قبله في الثلاثة التي بدل الهدى ، وقيده البعض بعدم العلم بوقوع العيد ، فاتفق العيد بالشهود ونحوه ، ولعل ظاهر الدليل هو العموم وسيجي‌ء في الحج.

وقد عرفت ان استثناء هذه عمّا اشترط فيه التتابع مسامحة ، وانه باعتبار الظاهر ، إذ ليست بشرط لا اختيارا ، ولا اضطرارا فلا تكون داخلة في المستثنى منه.

ويحتمل الانقطاع ، والأمر هيّن بعد تحقيق المسألة ، وانما الكلام فيه فنقول :

دليل الأوّل صحيحة الحلبي ـ في التهذيب ـ وحسنته ـ في الكافي ـ عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : صيام كفّارة اليمين (١) في الظهار شهران متتابعان ، والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من (الشهر ـ خ كا) الأخر شيئا أو أيّاما منه ، فان عرض له شي‌ء يفطر منه أفطر ثم قضى ما بقي عليه وان صام شهرا ثم عرض له شي‌ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتتابع فليعد الصوم كلّه ، وقال :

__________________

(١) كمن كان بعد ظهار امرأته ، حلف ان لا يطأها ثم وطئها ـ مجلسي هكذا في هامش الكافي المطبوع

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

صيام ثلاثة أيام في اليمين متتابع ولا يفصل بينهنّ (١)

وهذه غير موجودة في الكافي ، بل في التهذيب فقط ، وهي دليل وجوب التتابع في كفارة اليمين مع غيرها من الآية (٢) والاخبار (٣).

وصحيحة منصور بن حازم ، عن ابى عبد الله عليه السّلام انه قال في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان ، قال : يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم ، فان صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيّته (٤).

وصحيحة جميل ومحمد بن حمران وحسنتهما ، عن ابى عبد الله عليه السّلام في الرجل الحر يلزم صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ، ثم يمرض ، قال : يستقبل ، فان زاد على الشهر الآخر يوما أو يومين بنى عليه ما بقي (٥).

وصحيحة أبي مريم (٦) الآتية مع ما فيها ، وقد تقدمت أيضا.

ومضمرة سماعة بن مهران قال : سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أيفرق بين الأيام؟ فقال : إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس ، فإن كان أقل من شهر فعليه ان يعيد الصيام (٧).

وما في رواية أبي بصير ، عن ابى عبد الله عليه السّلام (في حديث) قال : ان

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٩ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

(٢) وهي قوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) إلخ ـ المائدة ـ ٨٩

(٣) لاحظ الوسائل باب ١٠ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

(٤) الوسائل باب ٤ حديث ١٠ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

(٥) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

(٦) والصحيح أبي أيوب لا (ابى مريم) كما يأتي من الوسائل باب ٣ حديث ٨ من أبواب بقيّة الصوم الواجب وكذا قوله قده : بعيد هذا : والعلة في رواية أبي مريم الآتية إلخ

(٧) الوسائل باب ٣ حديث ٥ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كان على رجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشهر الأوّل ، فإنّ عليه أن يعيد الصيام ، وان صام الشهر الأوّل وصام من الشهر الثاني شيئا ثم عرض له العذر ، فان عليه ان يقضى (١).

واعلم ان هذه الاخبار ليس بصريحة في جواز البناء على ما صام وعدم وجوب الاستيناف على تقدير الإفطار بعد صوم شهر ويوم مع عدم علّة وعارض ومانع في كل شهرين متتابعين بل ظاهرها مع المرض والعذر والعارض والعلّة في رواية أبي مريم الآتية إلّا أوّل (٢) صحيحة الحلبي حيث قال : التتابع إلخ (٣).

لكن الظاهر ان ما بعده يبيّن ان المراد أنه لا يضره الإفطار والإفساد لعارض الا انه لا يضرّه مطلقا.

وتحقيقه انه لما كان المتبادر من وجوب التتابع شرطيّته وعدم الاعتداد بالصوم مع عدمه ووجوب الاستيناف بالإفساد مطلقا لعذر كان أو غيره ، بيّن أنّ المراد اشتراط ذلك مطلقا قبل صوم شهر ويوم ، فإن الإفساد معه موجب للاستيناف مطلقا ، وامّا بعده فليس كذلك ، بل يضرّ الإفساد لغير عذر فقط ويؤيّده ما في الآية (٤) والاخبار وكلام الأصحاب من وجوب التتابع في الشهرين فإنه حينئذ يبقى معناه في الجملة.

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٦ من أبواب بقية الصوم الواجب وصدره هكذا : قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قطع صوم كفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة القتل فقال : ان كان إلخ

(٢) استثناء من قوله قده : ليست بصريحة إلخ وحاصله ان الاخبار المذكورة كلها إلا أول هذه الرواية واردة في جواز الاكتفاء بشهر ويوم عند العذر وهذه الصحيحة أيضا تدل بذيلها على صورة فرض العذر فراجع الوسائل باب ٣ حديث ٩ من أبواب بقية الصوم الواجب

(٣) إذ يفهم منه ان التتابع بمجرد الصوم شهرا ويوم

(٤) النساء ـ ٩٢ والمجادلة ـ ٤

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وامّا على ذلك فلا يجب التتابع في الشهرين أصلا ، بل بين شهر ويوم وحمل وجوب الشهرين المتتابعين مع وجوده في القرآن والاخبار الصحيحة الكثيرة المعتبرة على ذلك بعيد ، ولا يستلزم ما في أول الرواية الأولى ذلك أصلا لما عرفت.

وكذا صحيحة منصور بن حازم (١) ، فإنه قد يكون وجود شهر رمضان عذرا مقبولا مع صوم شهر ويوم لا بدونه ، ولا يكون ذلك مطردا فيما لا عذر فيه أصلا مع انهما في كفارة الظهار فقط الا ان ظاهر أوّل صحيحة الحلبي (٢) أنّ معنى تتابع الشهرين هو صوم شهر وشي‌ء من آخر مطلقا وان كان السبب خاصا وهو الظهار.

وليس قوله : (فان عرض) تتمّة معنى التتابع ، بل تفريع عليه ، ومعناه حصول عارض وباعث للإفطار ، سواء كان عذرا موجبا لذلك ، مثل المرض المانع لصحّة الصوم أم لا وهو المعنى غير بعيد ، وكأن الأصحاب فهموا ذلك حتى أفتوا بالمشهور.

لكن الخروج عن مقتضى ما ذكرناه من ظواهر القرآن والاخبار المعتبرة الكثيرة بمجرد ذلك لا يخلو عن اشكال ، ولعل لهم مستندا آخر من إجماع ونحوه فتأمّل وأيضا إنّه ليس في هذه الاخبار ما يدل على عدم وجوب الاستيناف لو أفسد وأفطر قبل صوم شهر ويوم لعذر بل ظاهر أكثرها وصريح بعضها يدل على وجوب ذلك مطلقا لصحيحة جميل (٣) وغيرها.

فقول الأصحاب : بعدم وجوبه لعذر قبل ذلك ومطلقا بعده ، غير واضح ،

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٩ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

(٣) الوسائل باب ٣ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

بل الواضح منها الوجوب مطلقا قبله وعدمه لعذر بعده.

نعم تدلّ ـ على عدم الاستيناف بعد صوم شهر إذا مرض أو حاضت المرأة مطلقا ـ صحيحة رفاعة قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا ومرض ، قال : يبنى عليه ، الله حبسه ، قلت : امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها ، قال : تقضيها ، قلت : فإنها قضتها ثم يئست من المحيض ، قال : لا تعيدها اجزئها ذلك (١)

وروى في التهذيب بإسناد صحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن ابى جعفر عليه السّلام مثل ذلك

وفي قوله عليه السّلام : (الله حبسه) إشارة الى عدم وجوب الاستيناف لكل عذر يكون من الله قبل الشهر أيضا كما في رواية سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة وعشرين يوما ثم مرض ، فإذا برء يبنى على صومه أم يعيد صومه كلّه؟ فقال : بل يبنى على ما كان ، ثم قال : هذا ممّا غلب الله عليه وليس على ما غلب الله عز وجلّ عليه شي‌ء (٢).

فهما متنافيتان للأخبار المتقدمة غير صحيحة منصور.

وقد حمل الشيخ الأوّل (٣) على الاستحباب ، أو العذر فيها على المرض الذي لا يمنعه من الصوم وان كان يشق عليه بعض المشقّة وما في هاتين (٤) على

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ١٠ من أبواب بقيّة الصوم الواجب وباب ٢٥ حديث ١ من أبواب الكفارات

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ١٢ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

(٣) يعني الأخبار الأولة الدالة على لزوم الإعادة على من عرض له عارض من مرض أو غيره في أثناء ما يعتبر فيه التتابع

(٤) يعني صحيحة رفاعة ورواية سليمان بن خالد

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي يمنعه منه ، وهو بعيد لعدم التفصيل ، ولأنه كان ينبغي أن يقول حينئذ : لا يفطر لا انه (يستقبل) ، و (ليعد) (١).

ولانه جعل امرا واحدا تارة موجبا للاستيناف ، واخرى غير موجب بانضمام يوم الى شهر وعدمه ، فهو كالصريح في عدم الفرق بين المرضين ، بل في الانضمام وعدمه ، على ان الأول أكثر.

ورواية رفاعة فيها اختلاف (٢) ففي الإستبصار بلفظ ، وفي التهذيب بلفظ ، وفي كفارة التهذيب مخالف لهما مع عدم ذكر (شهرا) (٣) بعد قوله : (صام).

ويمكن حملها على صوم شهر ويوم على تقدير وجوده أيضا بأن يحمل على ثلاثين يوما ، ويكون الشهر الأول ناقصا.

واما المرأة فينبغي كون الحكم فيها ذلك لانه لا يمكن لها التتابع غالبا بين الشهر واليوم أيضا لوجود الحيض في كل شهر فتكليفها غير معقول.

ورواية سليمان (٤) ليس بصحيحة السند فلا تعارض تلك ، وحملها على الاستحباب جيّد ، والأصل مؤيّد.

ولكن الاحتياط مع الأول ، وقد اضمحلّ الأصل بالقرآن وغيره ،

__________________

(١) الأول في صحيحة جميل ومحمد بن حمران والثاني في صحيحة الحلبي فلاحظ الوسائل باب ٣ حديث ٣ وحديث ٩ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

(٢) الذي رأيناه انه لا اختلاف في الحديث بين الكتب فلاحظ التهذيب باب قضاء شهر رمضان إلخ والاستبصار باب من وجب عليه صوم شهرين متتابعين ج ٢ ص ١٢٤ طبع الآخوندى ، ولعل الاختلاف بين النسخ التي كانت موجودة عنده قدّس سرّه

(٣) الذي رأيناه في التهذيب وجود (شهرا) فلاحظ باب النذور من التهذيب ص ٣٣٦ من الطبع القديم الحجري

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ١٢ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

٣١٣

ومن صام خمسة عشر يوما من شهر ،

______________________________________________________

وبالجملة ترك ظواهر القرآن في مثل كفارة الظهار والقتل وتخصيصه بالخبر مع عدم المعارض الذي فيه خلاف (١) في الأصول ، مشكل سيّما معه.

الا انه ادعى في المختلف الإجماع على جواز البناء بعد الإفطار لغير عذر إذا صام شهرا ويوما متتابعا ، ونقل الخلاف في الإثم وعدمه ، وهو بعيد ويدل (٢) على عدم كون هذه الاخبار دليلا والا لما اختلفوا في الإثم فتأمل ولا يترك الاحتياط وان ادعى الإجماع.

وحينئذ ، الاولى عدم التفريق في الباقي ، ويدل عليه ما في رواية أبي أيوب الآتية (٣) فتأمل ونقل فيه أيضا عن صاحب النهاية وجوب تتابع الشهرين اختيارا وقال : ان كلامه يعطى وجوب التتابع في الشهرين ، وان متابعة الشهر الثاني بيوم للاول انما يكون مع العجز ونقل كلامه.

وهو بعينه ما احتملناه من الأدلة فافهم فإنّ القول به هو الأحوط.

ولكن قال في النهاية بعد الكلام المعطى ذلك : فان صام شعبان ورمضان لم يجزه الا أن يكون قد صام من شعبان شيئا ممّا تقدم من الأيام فيكون قد زاد على الشهر فيجوز له البناء عليه ويتم شهرين.

وهذا يشعر بموافقته للمشهور الّا ان يكون دخول رمضان حينئذ عذرا فيكون حصول التتابع مخصوصا به على ما ذكرناه في رواية منصور.

(واما دليل الثاني) فهو خبر موسى بن بكر ، عن ابى عبد الله عليه السّلام في

__________________

(١) فإنهم اختلفوا في جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد مع عدم المعارض فضلا عن المعارض كما في المقام

(٢) يعنى ادعاء المختلف

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ٨ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر ، قال : ان كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضى ما بقي عليه ، وان كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجزه حتى يصوم شهرا (١)

واعلم أن توثيق موسى غير ظاهر ، قال في الخلاصة في الباب الثاني (٢) : انه واقفي ، وفي كتاب النجاشي والفهرست : له كتاب.

والخبر بالشهرة غير مسموع كما سمعت ، نعم ان ثبت إجماع فهو المتبع والّا فالخروج عن وجوب التتابع المعلوم من دليله مثل أن يكون منذورا بمثل هذه الرواية مع عدم ذكر التتابع في متنها ، في غاية الإشكال ، لأنه نذره متتابعا وهو ظاهر في الكل ، بل صريح سيّما إذا كان القصد ذلك كما هو الظاهر والغالب الا ان يكون عالما بهذه (٣) المسألة وقصد ذلك أو الرجوع الى المعنى الشرعي المشهور والا فالايفاء بالنذر معلوم الوجوب.

وكذا لو كان في قتل الخطاء أو الظهار من العبد سواء قلنا بشمول الرواية بحمل الجعل على ما يشمل الجعل بلا واسطة كالنذر أو بواسطة فعل سببه مثل الآخرين (٤) أو يحمل على الأوّل كما هو الظاهر ، ويحال عليه الثاني ، لعدم الفرق ، بل

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب بقيّة الصوم الواجب وفيه موسى بن بكر عن الفضيل بن يسار عن ابى عبد الله عليه السّلام ، وهو الحق لعدم نقل موسى بن بكر عن الصادق عليه السّلام بلا واسطة ، نعم هو في التهذيب عن موسى بن بكر عن الصادق عليه السّلام

(٢) قسّم العلامة قده تراجم الرجال على قسمين فإنه قال : ولم نطوّل الكتاب بذكر جميع الرواة ، بل اقتصرنا على قسمين منهم ، وهم الّذين اعتمدوا على روايتهم ، والذين اتوقف على العمل بنقلهم (انتهى) وعليه فالأولى للشارح قده تبديل الباب (بالقسم) والله العالم

(٣) يعني كفاية صوم خمسة عشر يوما في تتابع الشهر مثلا ـ كذا في هامش بعض النسخ

(٤) يعنى قتل الخطأ أو الظهار

٣١٥

ومن أفطر بالعيد خاصّة بعد يومين في بدل الهدى ،

______________________________________________________

بالطريق الأولى.

لأنه إذا لم يجب تمام التتابع باشتراطه على نفسه بنذر مع اقتضاء وجوب الإيفاء ذلك لم يجب في موضع ، ما علم ارادة الوجوب أصلا ، ولو علم فما يعلم في الكلّ يقينا لاحتمال كفاية النصف.

فتأمل فإن الظّاهر عدم التعدي على تقدير تحقق الإجماع في المنذور.

وان الحكم على تقدير ثبوته لا يتعدى الى التجاوز عن النصف في الجميع ، مثل أربعة أشهر وستة أشهر ، وسنة ، لما مرّ.

ويؤيّده الحكم في الثاني (١) حيث ما تجاوز عن النصف فتأمل (والثالث) الإفطار بالعيد ، وقد مرّ وسيجي‌ء تحقيقه ، وقد ادعى في المختلف الإجماع على كونه متتابعا وعدم ضرر الفصل بالعيد بعد صوم يومين.

واعلم أن الظاهر أنه يؤخّر حينئذ عن أيام التشريق أيضا إذا كان بمنى وجوبا لتحريم صومها كما مر ، وصرّح به في المختلف وغيره.

ويحتمل أولوية التخيير مطلقا ، فان الظاهر أن الاولى عدم صوم أيام التشريق ، لما مرّ من إطلاق بعض الاخبار في التحريم (٢).

الا ان يقال : هنا قد عارضه وجوب التتابع مهما أمكن ، وقد سقط بالعيد للنّص والتعذر ، ولا نصّ (تعذر خ ل) فيما سواه.

ويمكن (٣) الاستدلال بمثله (٤) على وجوب الشروع بلا تأخير ووجوب

__________________

(١) يعني الثاني في عبارة المصنف وهو نذر شهر

(٢) لاحظ الوسائل باب ١ أبواب الصوم المحرم والمكروه

(٣) رجع الكلام إلى أصل المطلب

(٤) يعنى بمثل دليل وجوب التتابع

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

التتابع بعد الإفطار والإفساد ، والظاهر ، العدم ، إذ الظاهر انه حينئذ يعلم ان المراد بالتتابع فيما قاله الشارع ، وهو تتابع المقدار المذكور لا غيره فيبقى أصل عدم وجوبه سالما عمّا يدفعه.

ويؤيّده ما في صحيحة الحلبي ـ الذي هو مدار الحكم ، وهو قوله : ـ (التتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه) (١).

وأيضا يعلم منه عدم وجوب فوريّة الكفارة في الجملة حيث جوّز الإفطار بعد شهر ويوم وخمسة عشر يوما ولم يوجب الشروع بعده فيهما فتأمل.

ولكن قد يشعر بوجوب الشروع فيما بقي صحيحة أبي مريم عن ابى عبد الله عليه السّلام في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار ، فصام ذا القعدة ، ودخل عليه ذو الحجة؟ قال : يصوم ذي الحجّة كلّه إلا أيام التشريق ثم يقضيها في أوّل أيّام من المحرّم حتى يتمّ ثلاثة أيام فيكون قد صام شهرين متتابعين ، قال : ولا ينبغي له أن يقرب أهله حتى يقضى ثلاثة أيام التشريق التي لم يصمها ، ولا بأس ان صام شهرا ثم صام من الشهر الذي يليه أياما ثم عرضت له علّة أن يقطعه ثم يقضى بعد تمام الشهرين (٢).

واعلم أنه قد مرّ انه أطلق يوم التشريق على العيد أيضا ، ولكن يلزم جواز صوم يوم ثالث عشر أو انه حذف العيد وحذف بدله أيضا بناء على الظهور.

وتدل الصحيحة على عدم جواز الإفطار بعد الشهر واليوم أيضا إلا لعذر ، ويشعر بوجوب التتابع والفورية بعده وان كان الظاهر عدمهما على ذلك التقدير

__________________

(١) الوسائل باب ٣ قطعة من حديث ٩ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٨ من أبواب بقيّة الصوم الواجب ، ولكن الراوي أبو أيوب لا أبو مريم كما مرت إليه الإشارة كرارا

٣١٧

وكلّ من وجب عليه شهران متتابعان فعجز صام ثمانية عشر يوما.

______________________________________________________

لما مرّ ، ويمكن حمل هذه على الاستحباب كما يشعر به لفظ (ينبغي) فتأمّل.

قوله : «وكل من وجب إلخ» قد مرّ البحث فيه ودليله ، وهو خبر غير صحيح (١) ومشتمل على العجز عن العتق والتصدق أيضا ، فكأنه مخصوص بالكبيرة المخيّرة ، وينبغي الإتيان بما أطاق.

واما دليل وجوب الاستغفار بعد العجز بمعنى الاكتفاء به ، لأنه واجب مع كلّ كفارة يكون سبب وجوبها حراما ، بل في كل المعاصي ، وجوب التوبة والندامة عن كل ذنب ، لان المراد به هو التوبة على ما يظهر من كلامهم حتّى اضطّر السيد المرتضى في التنزيه إلى التأويل ـ فيما عطف على التوبة ـ مع أنه لا يمكن ثمّ.

وانه لا يحتاج اليه ، لا مكان حمله بل ظهوره في طلب المغفرة وسؤال العفو وعدم العقاب ممّا وقع (يقع خ ل) من المعاصي.

ورواية داود بن فرقد ، عن ابى عبد الله عليه السّلام في كفارة الوطي في الطمث أن (أنه خ ل) يتصدق إذا كان في أوّله بدينار ، وفي وسطه نصف دينار ، وفي آخره ربع دينار ، قلت : فان لم يكن عنده ما يكفّر؟ قال : فليتصدق على مسكين واحد ، والا استغفر الله ولا يعود ، فان الاستغفار توبة وكفارة لكلّ من لم يجد السبيل إلى شي‌ء من الكفارة (٢).

ورواية أبي بصير ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : كل من عجز عن

__________________

(١) وهو خبر ابى بصير ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ، ولم يقدر على الصدقة ، قال : فليصم ثمانية عشر يوما من كل عشرة مساكين ثلاثة أيام ـ الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب بقيّة الصوم الواجب وباب ٨ حديث ١ من أبواب الكفارات من كتاب الإيلاء والكفارات

(٢) الوسائل باب ٢٨ حديث ١ من أبواب الحيض من كتاب الطهارة وأورد قطعة منه في باب ٦ حديث ٣ من أبواب الكفارات من كتاب الإيلاء والكفارات

٣١٨

فان عجز عن الصوم أصلا استغفر الله تعالى.

______________________________________________________

الكفّارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار ، فإنه إذا لم يجد ما يكفّر به حرمت (حرم خ ل) عليه أن يجامعها ، وفرّق بينهما الّا أن ترضى المرأة ، أن يكون معها ولا يجامعها (١).

ورواية إسحاق بن عمار ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربّه ولينوي أن لا يعود قبل أن يواقع ثمّ ليواقع وقد أجزء ذلك عنه من الكفارة ، فإذا وجد السبيل الى ما يكفّر (به يب) يوما من الأيام فليكفّر (وان تصدق بكفّه أو أطعم نفسه) (٢) وعياله فإنه يجزيه إذا كان محتاجا والّا يجد (لم يجد خ يب) ذلك فليستغفر ربه وينوي ان لا يعود فحسبه ذلك والله كفارة (٣).

واعلم أنّ المفهوم من الاخبار أن الاستغفار بدل كلّ كفارة عجز عنها صاحبها فيكفي ذلك فلا يجب شي‌ء بعده إذا وجد ما يكفّر به كسائر الكفّارات المرتبة إلّا في كفارة الظهار ، فان خبر ابى بصير (٤) يدل على عدم وقوعه كفارة عنه (٥).

ولعل العمل بالخبرين الأخيرين (٦) أولى.

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب الكفارات

(٢) في التهذيب : وان تصدق بكفه أو أطعم نفسه

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ٤ من أبواب الكفارات

(٤) الوسائل باب ٢٨ حديث ١ من أبواب الحيض

(٥) لقوله عليه السّلام : فالاستغفار كفارة ما خلا يمين الظهار

(٦) الدالين على سقوط الكفارة إذا لم يجدها

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وحمل خبر ابى بصير (١) على الاستحباب أو رجاء حصول ما يكفّر به ظنا أو علما للجمع ، ولئلّا يلزم الضيق والحرج ، ولعدم الفرق.

وخبر إسحاق يدل على وجوب الكفارة فيه بعد الوجدان.

ويمكن حمله على الاستحباب لعدم الصحّة (٢) ولقوله عليه السّلام : (فحسبه إلخ) (٣) ولما مرّ والظاهر عدم الانسحاب (٤) على تقدير القول به في الظهار.

وأيضا الظاهر انه يحتاج إلى النيّة وقصد الكفارة وعدم العود الى ما يوجب الكفارة ، والى الظهار المحرّم ، وانه المراد بقوله : ولينوي في الرواية (٥)

وينبغي كونه (٦) باللفظ مع النيّة لأنه المتبادر منه ، مع احتمال الاكتفاء بها.

ويؤيّد اعتبار اللفظ ما نقل في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى (إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٧) ، عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام ، عن النبي صلّى الله عليه وآله : اربع من كن فيه كتبه الله من أهل الجنّة (الى ان قال) (٨) :

__________________

(١) الدال على بقاء حرمة الزوجة المظاهرة ما لم يكفر مطلقا ولو مع عدم القدرة

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٤ من أبواب الكفارات من كتاب الإيلاء

(٣) حيث قال عليه السّلام : فليستغفر ربه وينوي ان لا يعود فحسبه ذلك والله كفارة

(٤) اى انسحاب حكم الكفّارة بعد العجز إذا وجد السبيل الى ما يكفر به الى غير الظهار ـ كذا في هامش بعض النسخ المخطوطة

(٥) يعني رواية إسحاق بن عمار حيث قال عليه السّلام : وينوي ان لا يعود

(٦) يعنى الاستغفار

(٧) البقرة ـ ١٥٦

(٨) باقي الحديث كما في المجمع ج ١ ص ٢٣٨ بعد قوله عليه السّلام من أهل الجنة هكذا : من كانت عصمته شهادة ان لا إله إلا الله ، ومن إذا أنعم الله عليه النعمة قال الحمد لله ، ومن إذا أصاب ذنبا قال استغفر الله ، ومن إذا أصابته مصيبة قال (إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (انتهى)

٣٢٠