مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٠

.................................................................................................

______________________________________________________

فروع

الأوّل يشترط في وجوب الإفطار والسفر العلم به وبالشهر ، للإجماع ـ على الظاهر ـ ولكون التكليف مشروطا بالعلم ، فلو صام جاهلا صحّ صومه ، ولا قضاء عليه لكونه مأمورا به ، والأمر يدل على الاجزاء وعدم القضاء.

ولصحيحة عيص بن القاسم ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : من صام في السفر بجهالة لم يقضه (١).

وصحيحة ليث المرادي ، عن ابى عبد الله عليه السّلام : إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر وان صام بجهالة لم يقضه (٢).

وحسنة الحلبي ـ لإبراهيم ـ عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت له : رجل صام في السفر ، فقال : ان كان بلغه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله نهى عن ذلك فعليه القضاء وان لم يكن بلغه فلا شي‌ء عليه (٣).

الثاني الظاهر عدم الفرق بين صوم شهر رمضان وغيره ، فلو صام صوما غير صوم شهر رمضان حصل له ثواب ذلك ولا يقضى ذلك ، واجبا كان ـ مثل النذر المطلق وشبهه على تقدير عدم صحته في السفر وقضاء (٤) واجب أو كفارة أو غيرها ـ أو ندبا لكون الجهل عذرا ، لما مرّ ، ولعدم الفرق.

بل تحريم صوم الشهر (٥) كان آكد للتصريح به سفرا في الآية والاخبار

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ٥ من أبواب من يصح منه الصوم

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٦ من أبواب من يصح منه الصوم

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من أبواب من يصح منه الصوم

(٤) عطف على قوله قده : النذر المطلق يعنى مثل قضاء واجب

(٥) يعنى شهر رمضان

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

والإجماع بخلاف غيره ومع ذلك كان الجاهل فيه (١) معذورا ، ففي غيره بالطّريق الأولى ، ولعموم بعض الأخبار مثل صحيحة العيص (٢) المتقدّمة.

الثالث عدم اختصاص التحريم بصوم الشهر ، بل بالواجب أيضا ، فإن الدليل عام ، فلو خصّ ، فإمّا بشهر رمضان للتقييد به في بعض الأخبار (٣) والآية (٤) ، وذلك غير موجب ، وإمّا بالواجب فقط فما ارى له وجها ظاهرا ، فتأمل.

نعم قد استثنى بعض الصيام لدليل وسيجي‌ء.

الرابع عدم الفرق في الصوم سفرا بين كونه بنيّة ما كان (٥) أو بنية غيره (٦) ـ ندبا أو واجبا ، بنذر وشبهه ـ لما مر من عموم الأدلّة.

ولان الظاهر من النهي عن صوم الشهر ـ مثلا ـ في الآية والاخبار مطلق وعام من غير تقييد بنيّة الوجوب ولا نيّة الشهر.

ولانه لو صلح هذه الأيام للصوم لكان صومه عن نفس الشهر أولى ولم يجب قضائه وقد دلّت الأدلّة على خلافه.

فلو صام فيه بنيّة الغير عالما لم يقع عن الشهر ، ولا عن الغير ، ندبا كان أو واجبا ، ونقل في المنتهى ذلك عن أصحابنا ، وعن الشافعي وأكثر الفقهاء.

وعن أبي حنيفة أنه يصح عما نواه وان كان واجبا ، ونقل التردّد عن الشيخ

__________________

(١) يعنى الجاهل بحرمة صوم شهر رمضان

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٥ من أبواب من يصح منه الصوم

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ٨ من أبواب من يصح منه الصوم ، عن الحسين بن المختار ، عن ابى عبد الله (ع) قال : لا تخرج في رمضان الّا للحج أو العمرة أو مال تخاف عليه الفوت أو لزرع يحين حصاده

(٤) البقرة ١٨٧

(٥) يعنى اى صوم كان

(٦) يعنى غير شهر رمضان

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

في المبسوط بين قول أصحابنا وبين جواز إيقاع صوم الواجب غير الشهر والندب فيه (١) ، وهو بعيد ، لما مرّ.

الخامس معلوم اشتراط القصر فيه بالشرائط التي تقدّمت في الصلاة حتى انه لم يفطر الا بعد الوصول الى محلّ الترخّص ، فلو أفطر أثم وعليه القضاء.

ويحتمل عدم الكفارة لما مرّ وان قال المصنف في القواعد بوجوبها ، ومنها (٢) كون السفر سائغا ، قال في المنتهى : وعليه علمائنا اجمع.

ويدل عليه أيضا ما تقدم خصوصا رواية عمار (محمد ـ كا) بن مروان (٣) وقد تقدمت في تحريم صوم النافلة سفرا.

ورواية أبي سعيد الخراساني ، قال : دخل رجلان على ابى الحسن الرضا عليه السّلام بخراسان فسئلاه عن التقصير ، فقال لأحدهما : وجب عليك التّقصير لأنك قصدتني ، وقال للآخر : وجب عليك التمام ، لأنك السلطان (٤).

واعلم ان المانع هو مطلق المعصية كما مرّ ، وهاتان الروايتان خصوصا الاولى كالصريح فيه حيث قال عليه السّلام : (اوفى معصية الله أو رسولا لمن يعصى الله) (٥).

__________________

(١) الاولى نقل عبارة المنتهى بعينها ليتضح الحال قال في ص ٥٥٧ ژ : ليس للمسافر ان يصوم رمضان بنيّة انه منه إذا كان سفر التقصير ، لأنّ الصوم عندنا في السفر محرّم على ما يأتي ، وان نواه عن غير رمضان فرضا كان أو نقلا لم يصح ، وبه قال الشافعي وأكثر الفقهاء ، وقال أبو حنيفة يقع عما نواه وان كان واجبا ، وقال محمد وأبو يوسف : يقع عن رمضان ، وتردد الشيخ في المبسوط بين قولنا وبين جواز إيقاع الصومين فيه (انتهى)

(٢) يعنى من الشرائط

(٣) الوسائل باب ٨ حديث ٣ من أبواب صلاة المسافر

(٤) الوسائل باب ٨ حديث ٦ من أبواب صلاة المسافر

(٥) الوسائل باب ٨ حديث ٣ من أبواب صلاة المسافر ، وتمامه : أو في طلب عدوّ أو شحناء أو سعاية أو

٢٢٣

الّا النذر المقيّد به

______________________________________________________

فإنهما تدلّان على المنع من الترخص بمجرد كونه عاصيا بذلك السفر مطلقا وان لم يكن القصد هو المعصية ، إذ الغالب أن الرسول لمن يعصى الله انما يقصد نفعه بمال ونحوه لا تلك المعصية ، الّتي أرسلت فيها ، وكذا الذي يقصد السلطان.

وبالجملة هذا واضح ، وكلام الأصحاب مصرّح به ، وقد مرّ تحقيقه.

فالتقييد (١) الّذي نجده في كلام الشهيد الثاني ، ومن تابعه (٢) في ذلك ـ بكون قصده المعصية ، فالنّاشزة إذا سافرت وقصدت به النّشوز لا تترخّص ، وان لم تقصد ذلك تترخّص وان كان سفرها معصية وهي عاصية ، وكذا الآبق ، لعدم وجود نص في ذلك ، مع تسليمهم التصريح بالعموم في كلام الأصحاب ، وللزوم عدم الترخّص الّا نادرا ـ بعيد ، وقد مرّ تضعيفه ، فتذكر.

وامّا الصوم الواجب الّذي استثنى عن الصوم المحرّم سفرا فهو أربعة

الأوّل صوم النذر المقيّد بالسفر ، قال في المنتهى : وهو مذهب الشيخين

__________________

ضرر على قوم من المسلمين

(١) قال في بحث صلاة المسافر من روض الجنان الذي هو شرح الإرشاد عند قول المصنّف ره : (فلا يترخّص العاصي) : ما هذا لفظه ومنه (يعنى من العاصي) العبد المسافر لأجل الإباق ، والزوجة الخارجة لأجل النشوز (انتهى موضع الحاجة)

(٢) في حاشية نسخة مخطوطة : هو السيد على الصائغ (انتهى) وهو السيد على بن الحسين الصائغ الحسيني العاملي الجزيني كان فاضلا عابدا فقيها محدّثا محقّقا ، من تلامذة الشهيد الثاني وله به خصاصة تامة ، يحكى انّ الشهيد الثاني كان له اعتقاد تامّ فيه وكان يرجوا من فضل الله تعالى ان رزقه الله تعالى ولدا ان يكون مربّيه ومعلّمه السيد على بن الصائغ فحقّق الله رجائه وتولّى السيد المذكور والسيد على بن ابى الحسن رحمهما الله تربية ابنه الشيخ حسن الى ان كبر ، وقرء عليهما خصوصا على ابن الصائغ هو والسيد محمد صاحب المدارك أكثر العلوم التي استفاداه من والده الشهيد من معقول ومنقول وفروع وأصول وغير ذلك وللسيد ابن الصائغ كتاب شرح الشرائع وشرح الإرشاد وغير ذلك (الكنى ج ١ ص ٣٢٤)

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأتباعهما ، ولا نعلم لهما فيه مخالفا من علمائنا فوجب المصير اليه (١).

لعل فيه إشارة إلى ضعف دليله وعدم تحقّق الإجماع كيف وقد ذهب البعض الى تحريم الصوم سفرا ندبا فيلزم عدم انعقاد نذره ، سواء كان منفردا أو منضما الى الحضر ، وقد دلت الأخبار المتقدمة (٢) على النهي عن الصوم في السفر مطلقا.

ويدل على خصوص النهي عن النذر ، ما في رواية كرّام ـ المجهول ـ : ولا تصم في السفر (٣) ، وقد تقدمت ، وهي عامة تشمل المقيّد بالسفر.

ورواية على بن أبي حمزة ، عن أبي إبراهيم عليه السّلام ، قال : سألته عن رجل جعل على نفسه صوم شهر بالكوفة ، وشهر بالمدينة ، وشهر بمكة من بلاء ابتلى به فقضى له أنه صام بالكوفة شهرا ، ودخل المدينة فصام بها ثمانية عشر يوما ولم يقم عليه الجمّال؟ فقال : يصوم ما بقي عليه إذا انتهى الى بلده ولا يصومه في سفر (٤) ،

وهذه تدل على انعقاد النذر في المكان لو قيّد به.

والظاهر عدم الاحتياج إلى الفضيلة لتقريره عليه السّلام القيد (المقيد ـ خ) بالكوفة. وتدل على جواز تركه في البلد الذي نذره فيه وصومه في غيره لعدم اقامة

__________________

(١) عبارة المنتهى ص ٥٨٦ هكذا : من نذر صوم يوم معيّن وشرط في نذر صومه سفرا وحضرا فإنه يجب عليه صومه وان كان مسافرا اختاره الشيخان وأتباعهما لعموم قوله تعالى (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) وقوله تعالى (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) ، ولأن الأصل صحّة النذر وإذا صح لزم (الى ان قال) : ولا نعلم مخالفا لهما من غير علمائنا فوجب المصير اليه (انتهى)

(٢) راجع الوسائل باب ١ و ٢ من أبواب من يصح منه الصوم

(٣) الوسائل باب ١٠ حديث ٩ من أبواب من يصح منه الصوم ، عن كرّام قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : انى جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم فقال : صم ولا تصم في السفر

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٤ من أبواب من يصح منه الصوم

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الجمّال.

ولكن غير صحيح لاحتمال كون على بن أبي حمزة هو البطائني الضعيف ، وكون القسم بن محمد الجوهري الواقفي في الطريق (١) ـ وفي دلالته أيضا تأمّل.

وما في رواية زرارة في نذر أمّه الصوم ، وسئل عليه السّلام عن صومها سفرا ، قال : لا تصوم قد وضع الله عنها حقه (٢) ـ وقد تقدمت.

ومكاتبة القاسم بن ابى القاسم الصيقل قال : كتبت (كتب ـ يب) : يا سيّدي رجل نذر أن يصوم كل جمعة (٣) دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام التشريق أو سفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك أو قضائه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب عليه السّلام اليه : قد وضع (الله ـ يب) عنك الصيام في هذه الأيّام كلّها وتصوم يوما بدل يوم ان شاء الله. (٤)

ولكن هذه مكاتبة مع عدم صحّة الإسناد ، ومشتملة على تحريم أيّام التشريق ، وهو مطلقا غير ظاهر ووجوب قضاء يوم العيد وهو خلاف الأصول والأكثر.

نعم نقله في باب النذر من التهذيب (٥) عن على بن مهزيار مكاتبة (٦) ، فاذن صحيحة.

__________________

(١) وطريقه كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن احمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن على بن أبي حمزة

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٣ من أبواب من يصح منه الصوم ، والحديث طويل فلاحظ

(٣) كل يوم جمعة ـ خ ل ئل ـ يوم فطر أو يوم جمعة ، الإستبصار

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب من يصح منه الصوم

(٥) ونقلها في باب النذر من الكافي حديث ١١ فلاحظ

(٦) لاحظ الوسائل باب ١٠ حديث ١ من كتاب النذر والعهد

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي بعض النسخ (أو يوم جمعة) (١) فيدلّ على تحريمه أيضا ، ولعل الأصحّ عدمه ، وكأنه يريد كل أسبوع (٢)

ولعلّ دليل الشيخين (٣) عموم الوفاء بالنذر وخرج صوم غير المنويّ سفرا بالاخبار وبقي هذا

ولا يخفى أنّ الاخبار تخرجه أيضا الّا أن يقال : انه لم يخرج ، بالإجماع.

وصحيحة إبراهيم بن عبد الحميد ، عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام قال : سألته عن الرجل يجعل لله عز وجلّ عليه صوم يوم مسمّى ، قال : يصومه ابدا في السفر والحضر (٤).

وسند هذه في الكافي إلى إبراهيم (٥) جيّد ، وان لم يكن في التهذيب كذلك الا ان في إبراهيم خلافا ، قيل : انّه واقفي ثقة.

ودلالتها على أعم من مدعى الشيخين (٦) ، وكأنّه دليل من قال بصحّة مطلق صوم النذر سفرا كما نقل عن السيد.

__________________

(١) يعني في بعض نسخ التهذيب (يوم جمعة) بدل (يوما من كل جمعة)

(٢) يعنى يريد السائل من قوله في السؤال في مكاتبة القاسم بن ابى القاسم : (من كل جمعة) كل أسبوع (لا) خصوص يوم الجمعة وحاصله يوما من أيّام الأسبوع أيّ يوم كان

(٣) القائلين باستثناء الصوم المنذور سفرا من عموم المنع في السفر

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٧ من أبواب من يصح منه الصوم

(٥) وسنده كما في الكافي هكذا : محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن ابى عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، وفي التهذيب هكذا : على بن الحسن بن فضال ، عن جعفر بن محمد بن ابى الصباح ، عن إبراهيم بن عبد الحميد.

(٦) فان مدعاهما صحة الصوم في السفر إذا قيد في نذره سفرا وحضرا ، وهذا تدل على صحّة الصوم النذري في السفر مطلقا أعم من ان قيّده بالسفر أم لا

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وعن الشيخ المفيد جواز مطلق الصوم الواجب ، ويضعّفه صحيحة عمار المتقدمة (١).

ولا يمكن القول بها (٢) لعدم ثبوت عدالة إبراهيم ، مع المعارضة بما تقدم ، وخلاف الشهرة والعجب من السيد العمل به مع قوله : بعدم قبول خبر الواحد ، لعلّه عمل بعموم أوامر إيفاء النذر والعقود وما تواتر عنده ، المانع من ذلك ، ولأنّه ليس فيها الا منع صوم الشهر لو تمّ.

وحملها الشيخ على قصده في نذر الصوم سفرا أيضا لما مرّ ، ولرواية على بن مهزيار ، قال : كتب بندار (٣) مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت ، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب عليه السّلام وقرأته : لا تتركه الّا من علّة وليس عليك صومه في سفر ولا مرض الّا ان تكون نويت ذلك ، وان كنت أفطرت منه من غير علّة فتصدق بقدر كل يوم على سبعة مساكين نسأل الله التوفيق لما يحبّ ويرضى (٤).

والظاهر أنها صحيحة ، ولا يضرّ مجهوليّة بندار.

وان المكاتب هو الامام عليه السلام لقوله : (فكتب عليه السّلام)

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ٧ من أبواب من يصح منه الصوم

(٢) يعنى لا يمكن القول بجواز مطلق الصوم في السفر على ما اختاره المفيد ره لعدم ثبوت عدالة إبراهيم بن عبد الحميد لما سمعت من كونه رميا بالوقف مضافا الى معارضتها بالأخبار المتقدمة الدالة على النهي عن الصوم في السفر وكون هذا القول خلاف المشهور

(٣) بضم الباء الموحدة وسكون النون وفتح الدال المهملة بعدها ألف ودال مهملة لقب جمع من محدثي العامة وغيرهم ، وقيل : ان معناه الحافظ ، ولعله استعارة ، فان بندار في الأصل من يخزن البضائع للغلاء وكان الحافظ خازنا للمطالب المحفوظة لوقت الحاجة والاضطرار (تنقيح المقال في علم الرجال للمامقانى ج ١ ص ٢٨٤)

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب من يصح منه الصوم وباب ٧ حديث ٤ من أبواب بقية الصوم الواجب

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

و (يا سيدي) إذ لا يتعارف ذلك في غيره عليه السّلام.

وكذا كونها مكاتبة ، لأنها بعد الصحّة مثل المشافهة.

ولكن فيها دلالة على جواز الصوم المنذور في المرض إذا قيّد به وكون كفارة النذر ، التصدق على سبعة مساكين ، وهما خلاف المشهور ، بل لا يعلم القائل بهما.

ويمكن جعل الاستثناء عن سفر فقط وان بعد للضرورة وحملها (١) على عدم القدرة على أكثر من ذلك كما حملها الشيخ ، وذلك غير منطبق بما ذكروه في كفارة النذر ، فتأمّل.

ويمكن حملها على نيّة الصوم والخروج الى السفر ، ولكنه بعيد.

وبالجملة الخروج عن المشهور بما تقدّم مع عدم القائل مشكل ، وكذا القول به بمجرد هذه الأدلّة ، وقول بعضهم كما قال في المنتهى.

واعلم ان فيها دلالة على عدم بطلان النذر بتعمّد الخلف (٢) كما هو المشهور بين المتفقهة وينقلون عن الفقهاء (٣) وأشار إليه الشهيد في القواعد.

وذلك لا يخلو عن بعد ، لعدم ابطال عبادة منذورة بواسطة ابطال أخرى ، لأن صوم كل يوم عبادة على حده كما مضى إليه الإشارة في أوّل كتاب الصوم ، وهو ظاهر ، فإنه يجب بواسطة النذر صوم كل يوم ، فيصير الأمر بصوم كل يوم يوم كصوم شهر رمضان

فكما لا يبطل ذلك بإبطال يوم فكذلك غيره ، وهو مصرّح في المتون في

__________________

(١) أي الصدقة على سبعة مساكين

(٢) حيث قال عليه السّلام : فيتصدق بقدر كل يوم ، فلو بطل بالخلف لقال : فيتصدق عن يوم واحد ، كذا بخطه

(٣) كالشيخ علي المحقق الثاني والشيخ زين الدين الشهيد الثاني رحمهما الله ـ كذا في حاشية بعض النسخ

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مواضع ولا بد من التنبيه فتنبه.

نعم ان كان المنذور بحيث يصدق عليه ان يكون عبادة واحدة ، ولا يعد كل جزء منه عبادة على حدة ، يبطل بتعمد إبطاله ، فلا يلزمه العود ، وانما يكون ذلك حراما فلا بد من التوبة ولا ينبغي أمر شخص (١) بذلك كما نقل عن البعض وسيجي‌ء له زيادة.

ويدل عليه أيضا مكاتبة إبراهيم بن محمد ، قال : كتب (٢) رجل الى الفقيه عليه السّلام : يا مولاي نذرت أن أكون متى فاتتني صلاة الليل أصوم (صمت خ) في صبيحتها ففاته ذلك كيف يصنع؟ وهل له من ذلك من مخرج وكم تجب عليه من الكفارة في صوم كل يوم تركه أن كفّر إن أراد ذلك؟ فكتب عليه السّلام : يفرق عن كل يوم بمدّ (مدا خ) من طعام كفارة (٣).

ومكاتبة الحسين بن عبيدة ، قال : كتبت إليه (يعني أبا الحسن الثالث عليه السّلام) : يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما لله فوقع في ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة؟ فأجابه عليه السّلام يصوم يوما مكان (بدل خ) يوم وتحرير رقبة (٤) فتأمل.

ونقل في باب النذر من التهذيب ، عن على بن مهزيار مكاتبة (٥) أيضا ،

__________________

(١) يعني لو كان المراد العموم المجموعي بحيث كان المجموع عبادة واحدة لما ينبغي أن يأمر عليه السّلام هذا ـ الشخص بوجوب التصدق عن كلّ يوم ، بل يأمر للمجموع بتصدق واحد فقوله عليه السّلام : فتصدّق عن كل يوم قرينة إرادة العموم الأفرادي وعدم الانحلال بمجرد مخالفة يوم واحد

(٢) في الوسائل قال : كتبت الى الفقيه عليه السّلام

(٣) الوسائل باب ٢٣ حديث ٨ من أبواب الكفّارات

(٤) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

(٥) الوسائل باب ٢٢ حديث ١ من أبواب الكفّارات ، وباب ٧ حديث ١ من أبواب بقيّة الصوم الواجب

٢٣٠

وبدل الهدى

والبدنة للمفيض عمدا قبل غروب شمس عرفة

ومن هو بحكم الحاضر

والواجب في المرض مع التضرر به

______________________________________________________

فاذن الخبر صحيح وسيجي‌ء تحقيق هذه المسألة ان شاء الله.

الثاني صوم ثلاثة أيّام بدل دم المتعة ، لقوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ) (١) ، وعليه بعض الاخبار (٢) أيضا وسيجي‌ء تحقيقه.

الثالث وهو صوم ثمانية عشر يوما لمن أفاض من عرفات عامدا وعالما وعجز عن الفداء وهو البدنة.

الرابع صوم من هو بحكم الحاضر ، وهو الذي لم يجز له التقصير ، وهو كثير السفر الذي يجب عليه الإتمام وهو المكاري ونحوه وقد مرّ تحقيقه والمسافر مع المعصية بالسفر ، وبالجملة من يتم الصلاة في السفر ، وقد مرّ افراده وتفصيله ودليله.

ومن المحرّم أيضا الصوم الواجب للمريض المتضرر به والمرجع في التضرر وهو ظنه الحاصل من التجربة أو غيرها.

وقد مرّ أن المراد بالضرر في هذا ، العرفي الذي لا يتحمّل مثله عادة.

واما الدليل عليه فهو العقل والنقل من الإجماع المفهوم من ظاهر المنتهى من حيث ما نقل الخلاف في عدم الاجزاء والنهي إلّا عن بعض المخالفين ، وظاهر الآية (٣).

__________________

(١) البقرة ١٩٦

(٢) راجع الوسائل باب ٤٦ من أبواب الذبح من كتاب الحج

(٣) وهي قوله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) ـ البقرة ـ ١٨٤

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

وخبر سماعة ، قال : سألته ما حدّ المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار كما يجب عليه في السفر من كان مريضا أو على سفر؟ قال : هو مؤتمن عليه مفوّض إليه ، فإن وجد ضعفا فليفطر ، وان وجد قوّة فليصمه ، كان المرض ما كان (١).

وحسنة حريز عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر (٢)

وفي الصحيح ، عن بكار بن ابى بكر ـ كأنه عبد الله الحضرمي ـ عن (٣) ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : سأله ابى وانا اسمع ما حدّ المرض الذي يترك منه الصوم؟ قال : إذا لم يستطع ان يتسحر (٤).

وفي موثقة عمار بن موسى ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، في الرجل يجد في رأسه وجعا من صداع شديد هل يجوز له الإفطار؟ فقال : إذا صدع صداعا شديدا وإذا حمّ حمى شديدة ، وإذا رمدت عيناه رمدا شديدا ، فقد حلّ له الإفطار (٥).

وفي حديث سليمان ابن عمر عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : اشتكت أم سلمة رحمة الله عليها عينها في شهر رمضان ، فأمرها رسول الله صلّى الله عليه وآله أن تفطر ، وقال : عشاء الليل لعينك ردىّ (٦).

وصحيحة محمد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ما حدّ

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ حديث ٤ من أبواب من يصح منه الصوم

(٢) الوسائل باب ١٩ حديث ١ من أبواب من يصح منه الصوم

(٣) في الكافي : سأله أبي يعني أبا عبد الله عليه السّلام

(٤) الوسائل باب ٢٠ حديث ٨ من أبواب من يصح منه الصوم

(٥) الوسائل باب ٢٠ حديث ٦ من أبواب من يصح منه الصوم

(٦) الوسائل باب ١٩ حديث ٢ من أبواب من يصح منه الصوم

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المرض إذا نقه (١) في الصيام؟ قال : ذلك اليه ، هو أعلم بنفسه ، إذا قوي فليصم (٢).

وحسنة عمر بن أذينة ، قال : كتبت الى ابى عبد الله عليه السّلام أسأله ما حدّ المرض الذي يفطر فيه صاحبه؟ والمرض الذي يدع صاحبه الصلاة (٣)؟ قال : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) ، فقال : ذاك اليه هو اعلم بنفسه (٤).

ولعله يريد بقوله (يدع صاحبه الصلاة) أي يدع كيفيتها المعتبرة في حال الصحّة ، مثل القيام ونحوه وهو ظاهر.

ويؤيّده حسنة وليد بن صبيح ـ الثقة ـ قال : حممت بالمدينة يوما في شهر رمضان فبعث إلى أبو عبد الله عليه السّلام بقصعة فيها خلّ وزيت وقال : أفطر وصلّ وأنت قاعد (٥).

واعلم ان ظاهر الآية (٦) تدل على كون مطلق المرض موجبا للإفطار ، وقيّد ـ بالمرض المضر بالإجماع المفهوم من المنتهى ، والاخبار التي تقدمت فافهم ـ كتقييد السفر بقيوده وتقييد المرض الذي يوجب التيمّم.

ويدل عليه صحيحة ابن ابى عمير ، عن بعض أصحابه ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : سمعته يقول : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ان الله عز وجل تصدّق على مرضى أمتي ومسافريها بالتقصير والإفطار أيسرّ أحدكم إذا تصدّق

__________________

(١) اى صحّ بعد علّته

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ٣ من أبواب من يصح منه الصوم

(٣) هكذا في النسخ مخطوطة ومطبوعة ، ولكن في الفقيه زيادة (من قيام) وفي بعض نسخ الكافي (قائما) بدل (من قيام) فعلى هذا لا حاجة الى التوجيه المذكور في الشرح

(٤) الوسائل باب ٢٠ حديث ٥ من أبواب من يصح منه الصوم

(٥) الوسائل باب ١٨ حديث ٢ من أبواب من يصح منه الصوم

(٦) البقرة ـ ١٨٤

٢٣٣

ولا ينعقد صوم العبد (مطلقا ـ خ) تطوّعا بدون اذن مولاه ، والولد

______________________________________________________

بصدقة أن تردّ عليه (١).

ولا يضرّ إرسالها لما مرّ ، وهذه تدل على ذم رد الصدقة كالهدية ، والآية ظاهرة في تحريم الصوم فافهم ويدل عليه أيضا ظاهر بعض الاخبار (٢) ، وكونه مثل صوم المسافر ، فلو صام لم يجز ويجب القضاء لعدم الامتثال ، ولقوله تعالى (فَعِدَّةٌ ، مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (٣) وللنهى المفهوم ، الدال على الفساد فافهم.

ولكن في بعض الاخبار ما يدل على عدم وجوب القضاء ، وكون الإفطار رخصة.

مثل خبر عقبة بن خالد قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل صام وهو مريض؟ قال : تمّ صومه ولا يعيد يجزيه (٤) ولكن الخبر غير صحيح الإسناد ، (ومع (٥) ذلك مخالف لظاهر ما تقدم) ، وعدم وجود القائل به وان كان حمله على مرض لا يتضرّر به أو التقيّة أو غير ذلك.

وأيضا ، الظاهر عدم الفرق بين الصيام كلّه ، رمضانا وغيره لعدم الفرق ظاهرا وعدم القائل بالفرق على الظاهر وعموم بعض الاخبار فتأمل.

قوله : «ولا ينعقد صوم العبد تطوّعا (الى قوله): والنافلة في السفر إلّا أيّام الحاجة بالمدينة».

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٤ من أبواب من يصحّ منه الصوم

(٢) راجع الوسائل باب ٢٢ حديث ١ من أبواب من يصحّ منه الصوم

(٣) البقرة ١٨٤

(٤) الوسائل باب ٢٢ حديث ٢ من أبواب من يصحّ منه الصوم

(٥) في نسختين مخطوطتين : (مع مخالفته لظاهر ما تقدم)

٢٣٤

بدون اذن والده ، والزوجة بدون اذن الزوج ، والضيف بدون اذن المضيف ، والنافلة في السفر إلّا أيّام الحاجة بالمدينة

______________________________________________________

قد مرّ تحقيق القول فيه الّا أنّ ظاهر العبارة يفيد عدم انعقاد النافلة سفرا فهو مشعر الى ما قلناه من كون المكروه في صوم النافلة سفرا بمعناه الحقيقي ، لا ما ذكره بعض الأصحاب من قلّة الثواب.

أو يكون حراما ورجوعا عن الكراهة ، وهو بعيد خصوصا في الضيف والمضيف.

وأبعد منه تأويله الى عدم انعقاده انعقادا تامّا ، فتأمل.

و (الّا) (١) في الاستثناء هو استحباب الثلاثة الأيّام للحاجة في المدينة المشرّفة مع كونه مسافرا.

ولعلّ دليله إجماع الفرقة بعد ما تقدّم من عموم النهي خصوصا في صحيحة البزنطي قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصيام في المدينة ونحن في سفر ، قال : فريضة؟ فقلت : لا ، ولكنّه تطوّع كما يتطوع في الصلاة ، فقال : يقول : اليوم وغدا؟ قلت : نعم ، فقال : لا تصم (٢).

وصحيحة معاوية بن عمّار ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : ان كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيّام صمت أوّل يوم الأربعاء وتصلّى ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة (٣) ـ وهي أسطوانة التوبة الّتي كان ربط إليها نفسه حتى نزل عذره من

__________________

(١) يعني إلّا في قول المصنّف : (إلا أيّام الحاجة بالمدينة)

(٢) الوسائل باب ١٢ حديث ٢ من أبواب من يصحّ منه الصوم

(٣) بشير بن عبد المنذر ، وقيل : رفاعة بن عبد المنذر ، كان من الأنصار شهد بدرا والعقبة الأخيرة وهو الذي جرى منه في بني قريظة ما جرى فندم فربط نفسه بالأسطوانة فلم يزل كذلك حتّى نزلت توبته من السّماء ،

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

السماء ـ وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس التي يليها ممّا يلي مقام النبي صلّى الله عليه وآله ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس ، ثم تأتي الأسطوانة التي ـ تلي مقام النبي صلّى الله عليه وآله ومصلّاه ـ يوم الجمعة ، فتصلّي عندها ليلتك ويومك وتصوم يوم الجمعة ، وان استطعت أن لا تتكلّف ـ بشي‌ء في هذه الأيّام إلّا ما لا بد لك منه ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة ، ولا تنام في ليل ونهار ـ فافعل فانّ ذلك نقل فيه الفضل ثم احمد الله يوم الجمعة وأثن عليه وصلّ على النبي صلّى الله عليه وآله وسل حاجتك ولتكن فيما تقول : اللهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت انا في طلبها والتماسها أو لم أشرع ، سألتكها أو لم اسئلكها ، فإني أتوجه إليك بنبيّك محمّد نبي الرحمة صلّى الله عليه وآله في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها فإنك حريّ ان تقضى حاجتك ان شاء الله (١)

وقال في الكافي في حسنة الحلبي ، عن ابى عبد الله عليه السّلام : إذا دخلت المسجد ، فان استطعت أن تقيم ثلاثة أيام الأربعاء ، والخميس ، والجمعة ، فتصلي بين القبر والمنبر يوم الأربعاء عند الأسطوانة التي عند القبر فتدعو الله عندها وتسأله كل حاجة تريدها في آخرة أو دينا ، واليوم الثاني عند أسطوانة التوبة ، ويوم الجمعة عند مقام النبي صلّى الله عليه وآله مقابل الأسطوانة الكثيرة الخلوق فتدعو الله عندهن لكل حاجة وتصوم تلك الثلاثة الأيام (٢).

__________________

وهذه الأسطوانة في مسجد النبي صلّى الله عليه وآله يسمّى بأسطوانة التوبة ويستحب عندها الصلاة ، والدعاء والاعتكاف (الكنى والألقاب للمحدّث القمي ج ١ ص ١٤٢) ثم نقل حديثا طويلا من تفسير على بن إبراهيم في قصة بني قريظة وتوبته ونزول الآية فلاحظ

(١) أورد قطعة منه في الوسائل في باب ١٢ حديث ١ من أبواب من يصحّ منه الصوم وتمامه في باب ١١ حديث ١ من أبواب المزار من كتاب الحج

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ٣ من أبواب المزار من كتاب الحج

٢٣٦

ويستحب الإمساك تأديبا للمسافر إذا قدم بعد إفطاره ،

أو بعد الزوال

______________________________________________________

وفي رواية معاوية ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : صم الأربعاء ، والخميس ، والجمعة الحديث (١).

فيمكن حمل ما ورد من النهي فيما تقدّم على غير هذه الأيّام الثلاثة أو لغير الحاجة أو مع عدم علم بإقامة الثلاثة كما يشعر به قوله : يقول : (اليوم وغدا) (٢) للجمع فتأمّل ، فإن الظاهر عدم كراهة صوم هذه الأيّام فيها أصلا.

قوله : «ويستحبّ الإمساك إلخ» إشارة إلى استحباب مجرّد الإمساك تأديبا وتعظيما للصوم بحيث لا يصدر منه ظاهرا ما يفسده في مواضع

الأول المسافر إذا حصل له ما يوجب الإتمام بعد أن فعل ما يفسد الصوم حين عدم تحريمه عليه أو حصل ذلك (٣) بعد الزوال ولم يفسد (٤).

دليل عدم وجوب الإمساك عليه حينئذ واستحبابه ، ما قال في المنتهى : انّه ذهب إليه علمائنا

وهو إجماع ، ويؤيّده انه انما يجب الصوم أو الإمساك إذا كان الإفساد حراما وليس بمتحقق فيما نحن فيه ، لأن الإفساد في السفر مباح ، بل واجب فلا يمكن الصوم

وكذا بعد الزوال مع عدم الإفساد لعدم إمكان الصوم لفوات محلّ النيّة على وجه شرعيّ والتشبّه بالصائم في الحضر ، الظاهر أنه مطلوب.

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ٤ من أبواب المزار من كتاب الحج

(٢) الوسائل باب ١٢ حديث ٢ من أبواب من يصحّ منه الصوم

(٣) اى حصل له ما يوجب الإتمام

(٤) اى ولو لم يأت ما يفسد الصوم

٢٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدل على الجواز أيضا في الجملة رواية محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يقدم من سفره بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض أيواقعها؟ قال : لا بأس به (١).

كأنه يريد بالعصر أوّل وقته وهو قريب من الزوال ، وان غيره يثبت ، لعدم القائل بالفرق ، وترك التفصيل يدل على العموم سواء أفطر أم لا.

ولا يضر وجود عثمان بن عيسى في الطريق (٢).

وعلى الاستحباب في الجملة يدلّ عليه صحيحة يونس ، قال : قال في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان وقد أكل قبل دخوله؟ قال : يكف عن الأكل بقيّة يومه وعليه القضاء الحديث (٣).

ولا يضرّ وجود محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن (٤).

ورواية سماعة ، قال : سألته ، عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس ، وقد أكل ، قال : لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا ، ولا يواقع في شهر رمضان ان كان له أهل (٥) ولا يضرّ ضعف السند (٦).

وكأن فيه إشارة الى ان الاجتناب عن المواقعة آكد ، ولهذا قيل : بمنعها في السفر المبيح للإفطار ، وقيل بالجواز مع الكراهة مع وجوب الإفطار ، وينبغي

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٤ من أبواب من يصح منه الصوم

(٢) وطريقها كما في التهذيب هكذا : سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب من يصح منه الصوم

(٤) وطريقها كما في الكافي هكذا : على بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس

(٥) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب من يصح منه الصوم

(٦) والسند كما في الكافي هكذا : محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الإفطار (١) في السفر بالأكل والشرب ، لا بعدم النية فقط ، بل ولا بنيّة الإفطار ليظهر الامتثال (٢) ويأمن عن التهمة ، ولا يكون مشبّها بالصائمين سفرا.

وينبغي تعجيله أيضا لذلك للمسارعة والنية أيضا ليحصّل الثواب مع عدم الشبع والرّي وملأ البطن من الأكل والشرب تعظيما للشهر.

وكذا ترك المواقعة مطلقا لما مرّ أيضا ، ولما سيجي‌ء.

واما إذا قدم قبل الزوال وعدم الإفساد ، فالظاهر وجوب الصوم عليه لإمكانه لعدم تحقّق المفسد وعدم فوت محلّ النيّة.

ويدل عليه آية الصوم وأخباره (٣) ، ويؤيده عموم منع الحاضر عن الأكل ونحوه في نهار شهر رمضان الا ما استثنى مع عدم كونه منه.

ويؤيّده رواية أبي بصير ، قال : سألته عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان فقال : ان قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به (٤) ،

ولا يضرّ ضعف السند والإضمار (٥)

ورواية أحمد بن محمد ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل قدم من سفره في شهر رمضان ولم يطعم شيئا قبل الزوال ، قال : يصوم (٦).

__________________

(١) وليس في النسخة المطبوعة الحجرية قوله ره : (وينبغي الإفطار)

(٢) ولعلّ المراد بالامتثال قوله تعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) الدال على وجوب الإفطار بالاستلزام

(٣) يعني الأخبار الدالة على وجوب الصوم في الجملة فإنها تدل كالآية على وجوبه مطلقا ما لم يأت بالمفسد

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ٦ من أبواب من يصح منه الصوم

(٥) سنده كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن الحسين بن عثمان عن سماعة عن ابى بصير

(٦) الوسائل باب ٦ حديث ٤ من أبواب من يصح منه الصوم

٢٣٩

وكذا المريض إذا برء ،

______________________________________________________

ولا يضرّ كون (عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد) في سندها.

وما في صحيحة يونس بن عبد الرحمن ، عن موسى بن جعفر عليهما السّلام في حديث ، قال في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه ان يتم صومه ولا قضاء عليه ، يعني إذا كان جنابته من احتلام (١) ـ لعله من كلام يونس ، ويحتمل الإمام عليه السّلام.

الثاني المريض حكمه حكم المسافر لبعض ما تقدم.

واعلم ان كلام الشيخ المفيد يدلّ على وجوب الإمساك على المسافر والمريض مطلقا بعد زوال الموجب ، فالاحتياط فيه وان كان هو كثيرا ما يعبّر عن المستحب بالوجوب ، وعن المكروه ـ ب (لا يجوز) كالصدوق ، وانما ظاهر كلامه وجوب الإمساك إذا علم الدخول في البلد قبل الزوال ، فكأنّه محمول على الاستحباب أيضا لما مرّ.

ولصحيحة رفاعة بن موسى ، قال سألت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن الرجل يقدم (يقبل) في شهر رمضان من سفر حتى يرى انه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار ، قال : إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل فهو بالخيار ان شاء صام وان شاء أفطر (٢).

ومثلها ما في صحيحة محمد بن مسلم ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتدّ به من شهر رمضان ، فإذا دخل الى بلد قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة (بها ـ خ) فعليه صوم ذلك اليوم ، فان دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه وان شاء

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٥ من أبواب من يصح منه الصوم

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٢ من أبواب من يصح منه الصوم

٢٤٠