مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي خبر جرّاح المدائني ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : ان الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ثم قال : قالت مريم (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) (١) ـ (اى صوما وصمتا وفي نسخة اخرى أي صمتا ـ خ ئل) ، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضّوا أبصاركم ، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ، قال : وسمع رسول الله صلّى الله عليه وآله امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله بطعام ، فقال لها : كلى ، فقالت : إني صائمة ، فقال : كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك ، ان الصوم ليس من الطعام والشّراب فقط (٢).

وصحيحة محمد بن مسلم ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : إذا صمت فليصم معك بصرك وشعرك وجلدك وعدّ أشياء غير هذا ، قال : ولا يكون يوم صومك كيوم فطرك (٣).

وصحيحة حماد بن عثمان وغيره ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : لا تنشد (٤) الشعر بليل ، ولا تنشد في شهر رمضان بليل ولا نهار ، فقال له إسماعيل : يا أبتاه ، فإنه فينا ، قال : فقال : وان كان فينا (٥).

وهذه تدل على كراهة الشعر في شهر رمضان مطلقا ، ويحتمل اختصاصه بالصائم ، وتعديته الى مطلق الصائم.

وصحيحة الفضيل بن يسار ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : إذا صام أحدكم الثلاثة الأيام في الشهر فلا يجادلنّ أحدا ، ولا يجهل ، ولا يسرع الى الأيمان

__________________

(١) مريم ـ ٢٦

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ٣ من أبواب آداب الصائم

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب آداب الصائم

(٤) وانشد الشعر إنشادا ، وهو النشيد فعيل بمعنى مفعول ونشيد الشعر قرائته (مجمع البحرين)

(٥) الوسائل باب ١٣ حديث ٢ من أبواب آداب الصائم

٣٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

والحلف بالله ، وان حمل عليه أحد فليتحمل (فليحتمل خ) (١)

وصحيحة حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : يكره رواية الشعر للصائم والمحرم ، وفي الحرم ، ويوم الجمعة ، وان يروى بالليل ، قال : قلت : وان كان شعر حق؟ قال : وان كان شعر حق (٢).

وفي رواية إسحاق بن عمار ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ الله كره لي ست خصال وكرهتهن للأوصياء من ولدي واتباعهم ، الرفث في الصوم (٣) وفي رواية مسعدة بن صدقة ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ما من عبد صالح يشتم ، فيقول : انى صائم سلام عليك لا أشتمك كما تشتمني إلا قال الرب تبارك وتعالى : استجار عبدي بالصوم من شرّ عبدي ، قد أجرته من النار (٤).

وفي رواية أبي بصير ولا تنازعوا ، ولا تحاسدوا ، فان الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب (٥).

وقد علم ان الاجتناب عن المحرّمات والمكروهات في الصوم آكد حتى الكذب كما مرّ ، والحسد ونقل عن الشيخ كراهته (٦) في الصوم ، وردّه المصنف في المختلف بأنه حرام ، وقال في الدروس : يحتمل (٧) ، عمّا يقع في الخاطر.

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب آداب الصائم

(٢) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب آداب الصائم

(٣) الوسائل باب ١٤ حديث ١ من أبواب آداب الصائم

(٤) الوسائل باب ١٢ حديث ٢ من أبواب آداب الصائم

(٥) الوسائل باب ١١ ذيل حديث ٤ من أبواب آداب الصائم

(٦) يعني كراهة الحسد

(٧) يعنى يحتمل حمل حكم الشيخ بكراهة الحسد على ارادة ما يقع في الخاطر لا إبرازه وإظهاره

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر (١) انّ ذلك ليس باختياري ، فكأن المراد ، التوجه اليه بعده ويمكن ان يكون مراده بالكراهة ، من حيث الصوم يعنى ان عدمه للصوم أولى وأفضل من وجوده ، ووجوده لا يضرّ به فتأمّل.

ويمكن ان يكون إظهار الحسد والعمل بمقتضاه حراما ، ومجرد وجوده في النفس يكون مكروها ، ويشعر به بعض العبارات مثل ، يضرّ بالعدالة إظهار الحسد ، وان إظهاره حرام فتأمّل.

«ينبغي أيضا»

اشتغاله بالعبادات أكثر من يوم الفطر ، لما مرّ.

وفي الكافي بإسناده ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء ، فامّا الدعاء فيدفع عنكم البلاء ، واما الاستغفار فيمحى ذنوبكم (٢) وبالإسناد ، كان على بن الحسين عليهما السّلام إذا كان شهر رمضان لم يتكلم الّا بالدعاء والتسبيح ، والاستغفار ، والتّكبير ، فإذا أفطر قال : اللهم ان شئت ان تفعل فعلت ويعلم ذلك من كتب عمل السّنة (٣)

ينبغي الدعاء عند الإفطار قبله خصوصا بالمأثور مثل ما نقل في كتاب ابن طاوس عن النبي صلى الله عليه وآله ، قال : ما من عبد يصوم فيقول عند الإفطار : يا عظيم يا عظيم أنت إلهي لا إله لي غيرك اغفر لي الذنب العظيم انه لا يغفر الذنب

__________________

(١) يعنى ان حمل الدروس غير سديد لان ما يقع في الخاطر أمر غير اختياري فلا يتعلّق به الحكم التكليفي تحريما وتنزيها

(٢) الوسائل باب ١٨ حديث ١١ من أبواب أحكام شهر رمضان

(٣) يعنى يعلم باقي الآداب من الكتب التي دوّنت لإعمال السنة

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

العظيم الا العظيم ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه (١).

وأيضا قوله : بسم الله يا واسع المغفرة اغفر لي (٢).

بسم الله الرّحمن الرّحيم ، يا واسع المغفرة اغفر لي ، فإن من قالها عند إفطاره غفر له (٣).

وعنه عليه السّلام انه قال : من أكل طعاما وقال : الحمد لله الذي أطعمني هذا من رزقه من غير حول منّى وقوّة ، غفر ما تقدّم من ذنبه (٤).

وهذا يحتمل كونه قبل الأكل وبعده ، وينبغي فيهما معا.

ينبغي الإفطار بالحلو كما يدل عليه الرواية في الكافي من كتاب ابن طاوس عن النبي صلّى الله عليه وآله انه قال : من أفطر على تمر حلال زيد في صلاته اربعمأة صلاة (٥).

وعن الصادق عليه السّلام : الإفطار على الماء يغسل ذنوب القلب (٦) ـ كأنه من الصدوق والكافي أيضا وفي بعض الروايات : قيّد بالفاتر (٧) ، وينبغي اختياره

وروى تقديم الإفطار في عيد الفطر على الصّلاة وتأخيره حتى يرجع عن الصّلاة في الأضحى (٨).

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٦ من أبواب آداب الصائم

(٢) الوسائل باب ٦ ذيل حديث ٨ من أبواب آداب الصائم

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ٩ من أبواب آداب الصائم

(٤) الوسائل ذيل باب ٥٩ من أبواب آداب المائدة

(٥) الوسائل باب ١٠ حديث ٢٠ من أبواب آداب الصائم

(٦) الوسائل باب ١٠ حديث ٥ من أبواب آداب الصائم

(٧) الوسائل باب ١٠ حديث ٣ من أبواب آداب الصائم

(٨) لا حظ الوسائل باب ١٢ من أبواب صلاة العيد من كتاب الصلاة

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قالوا : يستحب تقديم الصلاة على الإفطار الّا ان يكون هناك من ينتظر ، وحينئذ تقديم الإفطار أفضل جبرا لخاطره ، وتخليصه عن الانتظار.

ولحسنة الحلبي ، عن ابى عبد الله عليه السّلام انّه سأل عن الإفطار أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال : ان كان معه قوم يخشى ان يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم ، وان كان غير ذلك فليصلّ ثم ليفطر (١).

وهذه تدل على وسعة وقت المغرب ، فافهم.

ونقل في المنتهى عن الجمهور ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يقول الله تعالى : أحبّ عبادي إليّ اسرعهم فطرأ (٢).

وهذه تدل على جواز التأخير ، بل أفضليّة تقديم الإفطار مطلقا.

وذلك غير ظاهر ، لأنه إذا اجتمع الفرضان ينبغي تقديم الأفضل ، ولا شك في أفضليّة صلاة المغرب من الإفطار.

ولأن الصلاة في أوّل الوقت أفضل بالإجماع خصوصا المغرب ، فان وقت فضيلته قليل ، بل مضيّق عند البعض ، وما يفيد أولويّة أوّل الوقت يفيد تقديمها.

ولان الدعاء في الفريضة وبعدها أفضل مع ورود استجابة دعاء الصائم (٣)

وللحسنة المتقدمة (٤).

ولا يبعد تأخيره عن العشاء أيضا ، بل عن جميع أو راده من الأدعية لذلك

ولان التوجه في حال الجوع أكثر من حال الشبع وذلك مجرّب.

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب آداب الصائم

(٢) المنتهى ص ٦٢٤ للعلامة فصل يستحب تعجيل الإفطار

(٣) الوسائل باب ٦ من أبواب آداب الصّائم حديث ٤ : محمد بن على بن الحسين قال : قال عليه السّلام : يستجاب دعاء الصائم عند الإفطار

(٤) يعني حسنة الحلبي المتقدمة آنفا

٣٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولانه قد يغلب بعده النوم فيفوت الأوراد ، والتلاوة ، والأدعية أو يقع من غير توجه ، وهذا مجرّب عندي وقد جرّبته مرارا ، ولهذا اختبرت التأخير عن الجميع غالبا.

ولان فيه كسر الشهوة النفسانية وعدم إعطاء النفس هواها ومنعها عنها الموجب لدخول الجنّة.

الا ان يكون الأمر بالعكس في ذلك ، فينبغي تقديم الإفطار ، للضعف أو عدم التوجه أو هواء النفس في التأخير.

ولو أمكن الإفطار في الجملة ثم الاشتغال بالاوراد الى ان يخلص ثم الأكل بحيث يشبع ، ليمكن كونه أولى للعمل بالخبر (١) وأكثر ما مرّ الا انه يفوت وقت استجابة الدعاء وقد يئول بعد الشروع ، الى الشبع كما جرّبناه أيضا مرارا ، وقد يحصل الإدخال (٢).

ويدل على استحباب تقديم الصلاة أيضا مرسلة عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : يستحب للصائم ان قوى على ذلك أن يصلى قبل ان يفطر (٣)

ورواية زرارة وفضيل ، عن ابى جعفر عليه السّلام في رمضان ، تصلّى ثم تفطر الا ان تكون مع قوم ينتظرون الإفطار ، فإن كنت تفطر معهم فلا تخالف عليهم ، فأفطر ثم صل والا فابدء بالصلاة ، قلت ولم ذلك؟ قال : لانه قد حضرك فرضان ، الإفطار والصلاة فابدء بأفضلهما ، وأفضلهما الصلاة ثم قال : تصلى وأنت

__________________

(١) يعنى الخبر المنقول من طرق العامة ، عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وآله كما تقدم

(٢) يحتمل إرادة إدخال السرور بتقديم الإفطار ليرتفع الانتظار كما سيصرح قده بذلك بعد أسطر

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ٣ من أبواب آداب الصائم

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

صائم فتكتب صلاتك فتختم بالصوم أحبّ الى (١)

وهذه تدل على التأخير عن جميع الصلوات ، مع أنّه لا بأس بسندها ، فرواية العامّة ضعيفة أو مأوّلة.

وعلى كل حال ، إجابة الدعوة ، وجبر خاطر المؤمن ، وإدخال السرور في قلبه ، وقضاء حاجته إذا كان في تقديم الإفطار ، مقدم على الكلّ ان لم يمكن الجمع ، وهو ظاهر

وينبغي التسحّر أيضا في جميع الصيام خصوصا في شهر رمضان ، واما أفضليته في سائر الواجبة (٢) ، من التسحّر في المندوب ، فغير ظاهر.

ويدل عليه ما في رواية سماعة ، قال : سألته عن السحور ، لمن أراد الصوم ، فقال : اما في شهر رمضان ، فان الفضل في السحور ولو بشربة من ماء ، واما في التطوع في غير رمضان ، فمن أحبّ ان يتسحّر فليفعل ومن لم يفعل فلا بأس (٣).

ويدل على الاستحباب مطلقا ما روى بالإسناد ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، عن أبيه عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : السحور بركة (٤).

قال : وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا تدع أمّتي السحور ولو على حشفة (٥) وفي الفقيه : روى ، عن أمير المؤمنين عليه السّلام عن النبي صلّى الله عليه

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب آداب الصائم

(٢) يعني الصيام الواجبة

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ٥ من أبواب آداب الصائم

(٤) الوسائل باب ٤ حديث ٣ من أبواب آداب الصائم

(٥) الوسائل باب ٤ حديث ٤ من أبواب آداب الصائم ـ قوله عليه السّلام : ولو على حشفة قال في مجمع البحرين : والحشفة بالتحريك أردى التمر الذي لا لحم فيه ، والضعيف الذي لا نوى له (انتهى) وفي المنتهى ٦٢٤ :

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وآله أنه قال : إنّ الله تبارك وتعالى وملائكته يصلّون على المتسحّرين والمستغفرين بالأسحار فليتسحّر أحدكم ولو بشربة من ماء (١).

ولعله في الصائم أيضا تأمّل.

وفي رواية عنه عليه السّلام : يفطر على الأسودين ، قلت : يرحمك الله وما الأسودان؟ قال : التمر والماء ، والزبيب والماء ، ويتسحّر بهما (٢).

وعنه عليه السّلام : تعاونوا بأكل السحور على صيام النهار ، وبالنوم عند القيلولة على قيام الليل (٣).

وفي أخرى : نعم المعين ، السحور على الصوم ، والقيلولة على السهر ، وهي النوم قبل الزوال قريبا اليه (٤).

وفي مرفوعة ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : لو أن الناس تسحّروا ولم يفطروا على ماء ما قدروا والله على ان يصوموا الدهر (٥).

وروى عن أمير المؤمنين عليه السّلام : الإفطار باللبن (٦).

__________________

ولو على شقة من تمر ـ ولعله أظهر

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٩ من أبواب آداب الصائم

(٢) الوسائل باب ٥ حديث ٢ من أبواب آداب الصائم ، وصدره جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يفطر على الأسودين

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ٧ من أبواب آداب الصائم

(٤) لم نعثر الى الآن على موضعه

(٥) الوسائل باب ٤ حديث ٨ من أبواب آداب الصائم ـ وسنده هكذا : محمد بن الحسن بإسناده ، عن الحسين بن سعيد ، عن بعض أصحابنا رفعه عن ابى عبد الله عليه السّلام هكذا في التهذيب وفي الفقيه : لو أن الناس تسحروا ثم لم يفطروا الّا على ماء قد روا والله على ان يصوموا الدهر

(٦) الوسائل باب ١٠ حديث ١٠ من أبواب آداب الصائم نقل بالمعنى ولاحظ الباب حديث ٧ و ١٢ و ١٩ كلّها بهذا المضمون

٣٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

واعلم ان ظاهر الروايات عدم جواز صوم التطوّع لمن عليه فريضة ، فالظاهر عدم الجواز

ويؤيده انه لا يظهر قائل بالجواز الا السيد مع قوله بالتضييق التام في الصلاة مع معارضته الأدلة هناك ، وعدم التعارض هنا ، فإنه ليس شي‌ء إلّا العمومات ، فيحمل على الخاصّ.

روى في الصحيح ، عن ابى الصباح الكناني ـ في الكافي ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل عليه من شهر رمضان أيّام أيتطوّع؟ فقال لا حتى يقضى ما عليه من شهر رمضان (١).

وفي الحسن ـ لإبراهيم ـ عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أيتطوّع؟ فقال : لا حتى يقضى ما عليه من شهر رمضان (٢)

ويترتب عليه فروع كثيرة فتأمّل.

واعلم أنّ في صحّة خبر ابى الصباح تأمّلا لاشتراك محمد بن الفضيل (٣) ، والأصل والعمومات يقتضي الجواز ، فلو صحّ المنع فهو مخصوص بقضاء شهر رمضان لاختصاص النهي به وبطلان الشك.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٨ حديث ٦ من أبواب أحكام شهر رمضان

(٢) الوسائل باب ٢٨ حديث ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان

(٣) وسنده كما في الكافي هكذا : محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن الفضيل ، عن ابى الصباح الكناني

٣٤٩

«المطلب الثاني في الاعتكاف»

وهو بأصل الشرع مندوب.

______________________________________________________

المطلب الثاني في الاعتكاف

قوله : «وهو بأصل الشرع مندوب ويجب بالنذر وشبهه» قال في المنتهى : الاعتكاف في اللغة هو اللبث الطويل ، ولزوم الشي‌ء ، وحبس النفس عليه برّا كان أو غيره ، قال الله تعالى (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) (١) ، وقال (يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) (٢) ، وهو في الشرع عبارة عن لبث مخصوص للعبادة (انتهى).

الظاهر من هذا التعريف لزوم عبادة أخرى يكون الغرض من اللبث تلك

__________________

(١) الأنبياء ـ ٥٢

(٢) الأعراف ـ ١٣٨

٣٥٠

ويجب بالنذر وشبهه

______________________________________________________

فلا يتحقق بدونها.

والظاهر عدم اللزوم الّا ان يريد ما يعم الصوم والعبادات الواجبة مثل الصلوات الخمس.

ويحتمل معنى كونه (١) (للعبادة) إنه لبث مخصوص يفعل ذلك اللبث لكونه عبادة وهذا أيضا بعيد ، فتأمّل.

واما التصرف في التعريف باعتبار الإجمال ، أو الجامعيّة والمانعيّة ، فتركناه ، لما تقدم واما دليل مندوبيته فهو الإجماع ، قال في المنتهى : وقد اتفق المسلمون على مشروعيّة الاعتكاف وانه سنّة ، قال الله تعالى (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ ، وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (٢) ، وقال الله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) (٣).

يفهم منه انه اشارة الى ان سند الإجماع هو الكتاب ، ولا شك في استفادة كونه عبادة من الاخبار أيضا كما ستسمع ، ومن وجوبه بالنذر أيضا ، فافهم.

واما وجوبه بالنذر ونحوه فهو أيضا إجماعيّ ، قال في المنتهى : وقد أجمع أهل العلم على انه ليس بفرض في ابتداء الشرع ، وانما يجب بالنذر وشبهه (انتهى).

وأدلة الإيفاء بالنذر دليله أيضا ، وهو ظاهر ، وينبغي عدم تركه ، لانه عمل صالح فيدخل فاعله بفعله فيمن عمل صالحا ، ولو فعل غيره أيضا معه يدخل فيمن عمل الصالحات الموجب للفوز والنجاة.

ولما روى من مداومته صلّى الله عليه وآله في ذلك.

__________________

(١) هكذا في النسخ ، والصواب معنى قوله : للعبادة

(٢) البقرة ـ ١٢٥

(٣) البقرة ـ ١٨٧

٣٥١

وقيل : لو اعتكف يومين وجب الثالث.

______________________________________________________

قال في الفقيه : قال أبو عبد الله عليه السّلام كانت بدرا في شهر رمضان ولم يعتكف رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فلما أن كان من قابل اعتكف عشرين عشرا لعامه ، وعشرا قضاء لما فاته (١).

وهذه مذكورة في الكافي ، عن الحلبي بسند حسن ، لوجود إبراهيم بن هاشم (٢) يفهم منه ان الأفضل كونه في شهر رمضان ، وكونه عشرا ، ومداومته ، ومشروعيّة القضاء واختاره في المنتهى أيضا.

لعلّه يريد بالقضاء المعنى المصطلح ، وينبغي اختيار العشر الأخيرة للشهرة ، ولما روى في الكافي والفقيه بالإسناد ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : اعتكف رسول الله صلّى الله عليه وآله في شهر رمضان في العشر الأوّل ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى ، ثم اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر ، ثم لم يزل يعتكف في العشر الأواخر (٣).

وقال فيه أيضا : وفي رواية السكوني بإسناده قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجّتين وعمرتين (٤).

وثوابهما معلوم ، وستسمع ، ولا يضرّ ضعف السند ، لما عرفت من إجماع المسلمين ، والاخبار على وصول الثواب المنقول وان كان النقل لم يكن كما نقل (٥)

قوله : «وقيل : لو اعتكف يومين وجب الثالث» نقل فيه ثلاثة

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٢ من كتاب الاعتكاف

(٢) وسنده كما في الكافي هكذا : على بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن ابى عمير ، عن حماد عن الحلبي

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٤ من كتاب الاعتكاف

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٣ من كتاب الاعتكاف

(٥) إشارة إلى أحاديث من بلغ فراجع باب ١٨ من أبواب مقدمات العبادات من الوسائل

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أقوال : الوجوب مطلقا بالشروع كالحج.

وما اعرف له دليلا غير ذلك ، وهو ليس بشي‌ء وما يدل (١) على وجوب الكفارة بإبطال الاعتكاف مطلقا ، ويحمل على الواجب ، منه كما هو الظاهر للأصل ونقل الإجماع في عدم وجوب مندوبه بالشروع الا الحجّ ، وللرواية التي ستسمع مع عدم صراحة الدليل الموجب للكفارة.

وعدم الوجوب مطلقا الّا بالنذر وشبهه ، لما مرّ من الأصل وغيره

والوجوب بعد مضىّ يومين وهو أظهر ، لصحيحة محمد بن مسلم ، عن ابى جعفر عليه السّلام ، قال : إذا اعتكف (الرجل ـ فقيه) يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ، وان يفسخ الاعتكاف ، وان أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له ان يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام (٢) وما في صحيحة أبي عبيدة ـ الثقة ـ عن ابى جعفر عليه السّلام (في حديث) قال : ومن اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار ان شاء زاد ثلاثة أيام أخر ، وان شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيّام أخر (٣).

والظاهر ان الاولى في المندوب ، إذ لا يجوز الخروج عن الواجب بعد الشروع ويحتمل جواز ذلك في الواجب الغير المعيّن أيضا كما في الصوم الواجب الغير المعيّن ، فإنه قال في شرح الشرائع : بجواز ذلك مطلقا حتى الكفارات ، على انه قال بوجوب المبادرة إلى الصوم بعد الإفطار لعذر مع زواله.

فتأمل ، فإنه يمكن التأويل إلا في قضاء شهر رمضان بعد الزوال ، وقال :

__________________

(١) عطف على قوله قده : غير ذلك يعنى من أدلة الوجوب ما دل على وجوب الكفارة بإبطال الاعتكاف

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ١ من كتاب الاعتكاف

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ٣ من كتاب الاعتكاف

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

خالف أبو الصلاح وأوجب المضيّ بعد الشروع في الصوم ويظهر عدم قائل غيره فيكون المراد أعمّ منه ، ومن الواجب الغير المعيّن ، إذ صرفه إلى الأخير فقط موجب للإجمال والإغراء.

ويؤيّده عموم الثانية ، قال في شرح الشرائع به ، وأسنده إلى الروايات الدالة عليه ، لكنه قال : انها غير نقيّة في طريقها مع أنه قال : هو الأجود (١).

وما رأيت فيه الّا النقيّتين الصحيحتين في الكافي والفقيه ، نعم انهما غير صحيحتين في التهذيب والاستبصار.

فكأنه (٢) اشتبه عليه (أبو أيوب) الواقع في طريقهما.

وهو بعيد (٣) لان الظاهر أنه إبراهيم بن عيسى الثقة ، لأن الظاهر انه اثنان (أحدهما) اسم خالد بن يزيد (٤) الأنصاري ، قال في الخلاصة : مشكور ، وقال في كتاب ابن داود : عظيم الشأن ، وانه صحابي ، والظاهر انه ليس هو (٥).

والأخر إبراهيم المذكور ، لانه ينقل احمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب

__________________

(١) قال في الشرائع : (وإذا مضى يومان وجب الثالث) انتهى. وفي المسالك بعد نقل هذه العبارة قال : ما اختاره المصنف هو الأجود وهو القول الوسط ، وله طرفان أحدهما وجوبه بالشروع فيه كالحج وهو قول الشيخ في المبسوط والثاني عدم الوجوب مطلقا واستند الأوّل إلى الروايات الدالة عليه لكنها ليست نقيّة في طريقها ، والثاني إلى إطلاق وجوب الكفارة بفعل موجبها فيه وحمل على الواجب جمعا ، والثالث إلى أصالة عدم الوجوب والقدح في الاخبار الدالة عليه (انتهى)

(٢) هذا توجيه الحكم صاحب شرح الشرائع بكونهما غير نقيين

(٣) يعنى كون أبي أيوب مشتبها بعيد ، لظهور كونه إبراهيم بن عيسى دون خالد بن يزيد (زيد ـ ظ)

(٤) هكذا في النسخ ، والصواب خالد بن زيد ، راجع تنقيح المقال في علم الرجال للممقاني ص ٣٩٠ ج ١ تحت رقم ٢٥٦٢

(٥) يعنى ان أبا أيوب المذكور في صحيحتي محمد بن مسلم وابى عبيدة ليس هو الأنصاري الصحابي

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عنه ، وصرّح به النجاشي عند ذكر اسمه ، وهو هكذا في الكافي (١).

وما سمّاهما في المنتهى والمختلف أيضا (٢) بالصحّة ومنع من صحتهما فيهما ، كأنهما ما نظرا إلا في كتاب الشيخ.

قال في المنتهى (٣) في بيان الضعف : فان في الطريق على بن فضال (٤) وهو ضعيف وقال في الإيضاح (٥) أيضا كذلك ، ثم قال : وهو الأقوى عندي وان كان في طريقها على بن فضال ، لكن لم يردها الأصحاب.

والواقع (٦) هو على بن الحسن بن فضال مع عدم صحّة طريقه إليه في الكتابين (٧) على ما فهمناه من التصريح بالطريق فيهما بعض الأوقات.

__________________

(١) فإن سند الصحيحتين المذكورتين كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن احمد بن محمّد عن أبي أيوب فلاحظ الكافي باب أقل ما يكون الاعتكاف حديث ٣ و ٤

(٢) يعنى كما انه لم يسمّهما في شرح الشرائع بصحيحتين كذلك في المنتهى والمختلف

(٣) عبارة المنتهى ص ٦٣٧ هكذا : ان الرواية ضعيفة السند إذ في طريقها على بن فضال (انتهى)

(٤) سنده كما في التهذيب هكذا : على بن الحسن بن فضال ، عن الحسن ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم

(٥) يعنى ولد العلامة فخر المحققين في إيضاح الفوائد ، فإنه بعد نقل قول الشيخ وابن الجنيد وابن حمزة على وجوب اليوم الثالث واستدلاله برواية محمد بن مسلم نقل عن المصنف والمرتضى وابن إدريس منع الوجوب ثم قال : والجواب عن الرواية بضعف السند ، فان في طريقها على بن فضال وهو ضعيف ، والأقوى عندي قول الشيخ رحمه الله ، والرواية وان كان في طريقها على بن فضال لكن لم يردها الأصحاب (انتهى) (إيضاح الفوائد ج ١ ص ٢٥٣ طبع قم).

(٦) اى الواقع في السند

(٧) طريق الشيخ الى ابن فضال كما في مشيخة الكتابين هكذا : وما ذكرته في هذا الكتاب ، عن على بن الحسن بن فضال ، فقد أخبرني به احمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعا منه واجازة ، عن على بن محمد بن الزبير ، عن على بن الحسن بن فضال (انتهى)

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي كلام الإيضاح أيضا تأمّل ، كما في تجويد (١) شارح الشّرائع بعد الحكم بعدم النقاء كأنه (٢) نظر الى ما قاله في الإيضاح ورآى الصحّة مع تأمّل فيها.

وكأنه (٣) أطلق الروايات والاخبار على الثنتين ، وما رأيت غيرهما وهما صحيحتان ظاهرتان في المطلوب ، وبالجملة هم اعرف بما قالوا.

واعلم ان الصحيحتين تدلّان على وجوب كل ثالث بعد اليومين لا بعد اليوم خصوصا صحيحة ابى عبيدة.

ويشعر بعدم الوجوب بعده ما نقل عنه عليه السّلام من الاعتكاف في العشر مطلقا (٤) فافهم وانهم (٥) قالوا : بوجوب النيّة وشرطيتها فيه كسائر العبادات.

وان وقتها أول وقته ، قال في الدروس ويشترط النية في ابتدائه وهو قبل طلوع الفجر ، فيكون في الأيام الثلاثة ، ليلتان (انتهى) الا (٦) ان عين زمانه كرجب ، فالأقرب حينئذ وجوب البدئة في أول ليله ، وحينئذ تكون النيّة قبل الغروب.

ويحتمل جوازه مع النيّة من قبل الغروب في غير المتعين أيضا لأنه زمان صالح لذلك فيكون ثلاثة أيّام وثلاثة ليال.

__________________

(١) المفهوم من قوله رحمه الله آنفا : وهو الأجود

(٢) توجيه لما قاله صاحب شرح الشرائع وهو بمنزلة الاعتذار عنه

(٣) وكأنه إيراد آخر على صاحب شرح الشرائع حيث عبّر بقوله ره : واستند الأول إلى الروايات إلخ كما نقلناه

(٤) يعنى اعتكافه صلّى الله عليه وآله عشرا يشعر بعدم وجوب الإتمام بالشروع بعد اليوم والا ليلزم ان يعتكف صلّى الله عليه وآله اثنى عشر يوما بإضافة يومين بعد العاشر

(٥) عطف على قوله قده : ان الصحيحتين

(٦) استثناء من قوله قده : (أوّل وقته)

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وجه تقديم النيّة على الوقت ـ مع انه ما وجب عليه شي‌ء على تقدير وجوب الاعتكاف وعدم حصول الوقت في غيره ـ أنّه لا بد من النيّة مع (في خ) أوّل الفعل بحيث لا يقع جزء منه بغيرها فلا يمكن بعد الدخول.

ويمكن جوازها ، بل وجوبها قبل الشروع في الزمان ليحصل اليقين بكون الكلّ مع النيّة فيكون ذلك الجزء المقدم من باب المقدمة ، فكأنه صار جزءا من الأصل فلم تكن المقارنة الا بالأصل لا بغيره.

ولكن تعيين ذلك المقدار متعسّر ، بل متعذر كمقارنتها لأوّل الفعل ، فليس ببعيد عدم القدح لو تخلّل زمان مّا (من النيّة ـ خ) ونفى الحرج والضيق ـ عقلا ونقلا والشريعة السمحة ـ تقتضيه ، مع المساهلة من الشرع في أمرها لخلو أكثر العبادات خصوصا الاعتكاف عنها.

ولعله يكفي في مثل ذا (لك ـ خ) قصد الفعل لله ، بل لا يبعد حينئذ تجويز وقوع النيّة بعد تحقق أوّل الوقت ، لعدم تحقّق التكليف الا بعد ذلك ، ولا يكون خروج ذلك الجزء باعتبار عدم نيّته مضرّا ، ويكفى القصد السابق.

وانه ليس بداخل حقيقة في زمان الفعل المكلف به ، فان الواجب ، بعد دخول الوقت وفعل النيّة ، وهذا بعينه ، مثل نية التبييت بمنى والوقوفين.

ثمّ ان الظاهر أنه يكفى النيّة الاولى فلا يحتاج إلى نية أخرى بعد مضى اليومين وان صار واجبا ، لدخوله بالتبع في النيّة الاولى وان كانت مستحبّة باعتبار الأصل والشروع ، فان الظاهر أنّ مثل ذلك يكفى.

فلا اشكال (١) بمثل أنّه يلزم اجتماع الوجوب والندب في الثالث ، كما في الصلاة الواجبة المشتملة على المندوبات مع نيّة الوجوب ، وكإحرام الحج المندوب

__________________

(١) هكذا في النسخ ، والصواب فلا يستشكل إلخ

٣٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث يجب بعد ذلك ، فان مآل النيّة حينئذ أنه يفعل هذا الأمر المندوب المشروع فيه ، الذي يجب بعد ذلك ، بعضه لله تعالى (١) ، ولا محذور فيه ولا احتياج إلى نيّة أخرى.

ولو قصد في الأوّل ، التفصيل لكان أولى كما قلنا مثلها في الصلاة بأنه يفعل الواجبات لوجوبها ، والمندوبات لندبها ، لله تعالى ، بل سائر العبادات المشتملة عليها.

والأحوط ان ينوي اخرى لليوم الثالث فيحتمل وجوبها من أوّل الليل ، لانه على تقدير القول بوجوب الثالث فالظاهر وجوب الليل السابق على الثالث ، لعدم جواز الفصل عندهم بين الثلاثة ، بعدم الاعتكاف ، فينوي وجوب اعتكافه مع النهار وصوم النهار أيضا كما مرّ.

والأحوط ان ينوي في أوّل النهار أيضا ، لاحتمال دخول الليل في اليومين السابقين فلا يكون الاعتكاف بعد واجبا (أو) أنه لا يجب الّا الاعتكاف مع الصوم ، وليس إلا في النهار ، والليل تابع ، ولا تصحّ النيّة في التابع بل ينبغي ، النيّة مقدما ومؤخرا في كل وقت النيّة ، وتجديدها بعد دخول الوقت (الواجب خ ل) مطلقا.

قال في المنتهى : يجب استمرار النيّة حكما ، فلو خرج لقضاء حاجة أو لغيرها من الأعذار استأنف النيّة عند الدخول ان بطل الاعتكاف بالخروج ، والّا فلا.

ولعلّ مراده أنه لو كان الخروج بحيث لو كان لغير عذر وحاجة وغير مجوّز شرعا لبطل ويجب التجديد (أو) بطل في ذلك الزمان الخارج فقط ، مثل زمان

__________________

(١) قوله قده : (لله) متعلّق بقوله قده : (يفعل) فلا تغفل

٣٥٨

ولو شرط في النذر الرجوع إذا شاء كان له ذلك ، ولا قضاء.

______________________________________________________

الحيض والا فلو كان الاعتكاف باطلا رأسا كيف يجب استيناف النيّة فقط؟ الا ان يريد استيناف الاعتكاف مع وجوبه ، وكأنّه المقصود.

وقال في الدروس : ولا يجب تجديد النيّة إذا عاد بسرعة (انتهى).

وهو مشعر بوجوب نيّة الإعادة مع الطول ، مع بقائه معتكفا.

وقال فيه أيضا : ولو خرج لضرورة تحرّى أقرب الطرق (انتهى).

وفيهما (١) تأمّل.

ومثل (٢) الأخير ، وحال النيّة ، وبعض الاختلافات يمنع الإنسان عن ارتكاب مثل هذه العبادة العظيمة ، ولأنه حينئذ إذا خرج للخلاء مثلا أمكن وجوب السرعة على قدر الإمكان ، وأمكن عدم التعدي مثلا من موضع يمكن الطهارة فيه ، وفي تعيّنه بحيث لا يزيد ولا ينقص ما لا يخفى والظاهر ان هذه الأمور من الشيطان يريد المنع عن مثل هذه العبادة لمثلنا الضعفاء الله الموفق لدفع شرّه ، والعمل بنقيض مطلوبه من الإنسان ، والله المعين للطاعة والمستعان.

قوله : «ولو شرط في النذر إلخ» قال في المنتهى : ويستحب للمعتكف أن يشترط على ربّه في الاعتكاف انه ان عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف ولا نعرف فيه مخالفا الّا ما حكى عن مالك انه قال : لا يصح الاشتراط (انتهى).

الظاهر انه يكون في الاعتكاف المندوب عند نيّة الاعتكاف كما في الإحرام ، ويمكن عند نيّة اليوم الثالث.

وتظهر فائدته في اليوم الثالث ، وعلى القول بالوجوب بالشروع في الكل ،

__________________

(١) يعني في قوله : ولا يجب تجديد النيّة ، وقوله قده : تحرى إلخ

(٢) يعني أمثال هذه المسائل المبحوث عنها في الاعتكاف كوجوب تحرّى أقرب الطرق وكيفيّة النيّة ووقتها مانعة عن الاقدام في هذه العبادة الشريفة لكون أصلها مستحبا وملاحظة أمثال هذه المسائل واجبة

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الواجب انما يكون عند النذر وشبهه من الموجبات.

قال في المنتهى : تفريع ، الاشتراط انما يصح في عقد النذر ، اما إذا أطلقه من الاشتراط على ربّه فلا يصح له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف ، فإذا لم يشترط ثم عرض له مانع يمنع الصوم أو الكون في المسجد ، فإنه يخرج ثم يقضى الاعتكاف اى يفعله ثانيا ان كان واجبا فواجبا وندبا ان كان ندبا (انتهى).

ولم يظهر وجه حصره في النذر لجريانه في مطلق الواجب كما في الإحرام الواجب والظاهر ان المراد بالعارض ما يمنع من الاعتكاف فلا شك حينئذ في جواز الخروج والإبطال

ففائدة الاشتراط محض الاستحباب والثواب ، وكون الخروج ، رخصة أو عزيمة أو سقوط الكفارة على بعد كما قيل في الإحرام أو سقوط القضاء كما يشعر به عبارة المنتهى ، وسيجي‌ء لا التسويغ كما قال الشيخ زين الدين في شرح الشرائع (١) لأنه إنما يخرج على التقديرين عند العارض مع عموم ما يدل عليه نعم لو جوز الاشتراط مطلقا اى متى شاء خرج ولو من غير عارض ، فيمكن كون الفائدة التسويغ.

لكن عدم جواز هذا الاشتراط غير بعيد ، لأنّه ينافي مقتضى النذر والوجوب ، وقد جوز في الدروس ذلك كما هو في المتن ، ودليله غير واضح ، إذ الأصل عدم الاستحباب وعدم جواز الخروج بعد الوجوب ، والعمل بمقتضى الاعتكاف المنذور وغيره مع التصريح بالعارض في رواية عمر بن يزيد ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا اعتكف العبد فليصم ، وقال : لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيّام واشترط على ربك في اعتكافك كما يشترط في إحرامك انّ ذلك في

__________________

(١) يعني الشهيد الثاني في المسالك

٣٦٠