تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان - ج ٦

نظام الدين الحسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري

تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان - ج ٦

المؤلف:

نظام الدين الحسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٦

كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) [يونس: ٣٠] ومثله قول ابن عمر: يبدي الله يوم القيامة كل سرّ منها فيكون زينا في الوجوه وشينا في الوجوه. يعني من أدّاها كان وجهه مشرقا ومن ضيعها كان وجهه مغبرا. ثم نفى القوة الذاتية والقوة العرضية الخارجية عن الإنسان يومئذ بقوله (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) ثم أكد حقية القرآن الذي فيه هذه البيانات الشافية والمواعظ الوافية فقال (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) أي المطر لأن الله يرجعه وقتا فوقتا أو على سبيل التفاؤل أو زعما منهم أن السحاب يحمل الماء من البحار ثم يرجعها إليها. والصدع ما تتصدع عنه الأرض من النبات. وقيل: الرجع الشمس والقمر يرجعان بعد مغيبهما ، والصدع الجبلان بينهما شق وطريق. والضمير في (إِنَّهُ) للقرآن والفصل الفاصل بين الحق والباطل كما قيل له «فرقان». وقال القفال: أراد إن هذا الذي أخبرتكم به من قدرتي على الرجع كقدرتي على الإبداء قول حق. ثم أكد حقيته بقوله (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) لأن البيان الفصل لا يذكر إلا على سبيل الجد والاهتمام بشأنه وأعلاها أن يكون خاشعا باكيا كقوله (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) [مريم: ٥٨] ثم سلى نبيه وحثه على الصبر الجميل فقال (إِنَّهُمْ) يعنى أشراف مكة (يَكِيدُونَ كَيْداً) في إطفاء نور الحق وذلك بإلقاء الشبهات والطعن في النبوّة والتشاور في قتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كقوله (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال: ٣٠] (وَأَكِيدُ كَيْداً) سمي جزاء الكيد بالاستدراج والإمهال المؤدي إلى زيادة الإثم الموجبة لشدّة العذاب كيدا. ثم أنتج من ذلك قوله (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) أي لا تدع بهلاكهم ولا تستعجل به. ثم كرر ذلك المعنى للمبالغة ووصف الإمهال بقوله (رُوَيْداً) أي سهلا يسيرا. والتركيب يدل على الرفق والتأني ومنه قولهم في باب أسماء الأفعال «رويد زيدا» أي أروده إروادا وأرفق به فكأنه سبحانه قال: مهل مهل مهل ثلاث مرات بثلاث عبارات وهذه نهاية الإعجاز. وأجل الإمهال يوم بدر أو يوم القيامة وهذا أولى ليعم التحذير عن مثل سيرتهم ويتم الترغيب في خلاف طريقهم والله المستعان على ما تصفون.

٤٨١

(سورة الأعلى وهي مكية

حروفها مائتان واحد وتسعون

كلمها اثنتان وسبعون

آياتها تسع عشرة)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩))

القراآت: (فَسَوَّى) وجميع آياتها مثل «طه» وكذلك في سورة و «الشمس» و «الليل» و «الضحى» و «اقرأ باسم ربك» من قوله (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى) إلى آخر السورة. قدر بالتخفيف: علي بل يؤثرون على الغيبة: قتيبة وأبو عمرو ويعقوب.

الوقوف: (الْأَعْلَى) ه لا (فَسَوَّى) ه ص (فَهَدى) ه كـ (الْمَرْعى) ه كـ (أَحْوى) ه ط (فَلا تَنْسى) ه لا (اللهُ) ط (يَخْفى) ج ه للعدول. وقيل: قوله (وَنُيَسِّرُكَ) معطوف على (سَنُقْرِئُكَ) وقوله (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) اعتراض فلا وقف (لِلْيُسْرى) ه كـ والوصل أليق (الذِّكْرى) ه ج (يَخْشى) ه لا (الْأَشْقَى) ه لا (الْكُبْرى) ج ه لأن «ثم» لترتيب الأخبار (وَلا يَحْيى) ه ط لأن ما بعده مستأنف (تَزَكَّى) ه لا (فَصَلَّى) ه ط لأن «بل» للإضراب (الدُّنْيا) ه بناء على أن الواو للاستئناف أو الحال أوجه (وَأَبْقى) ه ط (الْأُولى) ه لا (وَمُوسى) ه.

التفسير: روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يحب هذه السورة ، وأكثر السلف كانوا يواظبون على قراءتها في التهجد ويتعرفون بركتها. وعن عقبة بن عامر أنه قال: لما نزل قوله (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة: ٧٤] قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم: اجعلوها في ركوعكم. ولما نزل قوله (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال: اجعلوها في سجودكم. ومن الناس من تمسك بالآية في أن الاسم نفس

٤٨٢

المسمى لأن التسبيح أي التنزيه إنما يكون للمسمى لا للاسم. وأجاب المحققون عنه بأن الاسم صلة كقوله: «ثم اسم السلام عليكما». سلمنا أنه غير صلة ولكن تسبيح اسمه تنزيهه عما لا يليق معناه بذاته تعالى أو صفاته أو بأفعاله أو بأحكامه ، فإن العقائد الباطلة والمذاهب الفاسدة لم تنشأ إلا من هذه ، ومن جملة ذلك أن يصان اسمه عن الابتذال والذكر لا على وجه الخشوع والتعظيم ، وأن لا يسمى غيره بأسمائه الحسنى ، وأن لا يطلق عليه من الأسامي إلا ما ورد به الإذن الشرعي. قال بعض العلماء: لعل الذين نقل عنهم أن الاسم نفس المسمى أرادوا به أن الاسم الذي حدّوه بأنه ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بزمان هو نفس مدلول هذا الحد. قال الفراء: لا فرق بين (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ) وبين «سبح باسم ربك». واعترض عليه بأن الفرق هو أن الأول معناه نزه الاسم من السوء ، والثاني معناه سبح الله أي نزهه بسبب ذكر أسمائه العظام ، أو متلبسا بذكره إلا أن تجعل الباء صلة في الثاني نحو (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ) [البقرة: ١٩٥] أو مضمرة في الأول مثل (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) [الأعراف: ١٥٥] أي من قومه. نعم لو زعم الفراء أن المعنيين متلازمان جاز. ومن الملاحدة من طعن في القرآن بأنه يقتضي أن يكون للعالم ربان أحدهما عظيم وهو في قوله (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة: ٩٦] والآخر أعلى منه وهو (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) والجواب أنه عظيم في نفسه وأعلى وأجل من جميع الممكنات ، والصفة كاشفة لا مميزة ونظيره وصفه بالكبير تارة وبالأكبر أخرى. والمراد بالعظم والعلو عظم الشرف وعلو القدر فلا استدلال فيه للمشبهة. ثم شرع في بعض أوصافه الكمالية فقال (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) وقد مر نظيره في «الانفطار» أي خلق الإنسان فجعله منتصب القامة في أحسن تقويم ، أو خلق كل حيوان بل كل ممكن فجعله مستعدّا للكمال اللائق بحاله. (وَالَّذِي قَدَّرَ) لكل مخلوق ما يصلح له فهداه إليه وعرّفه وجه الانتفاع به كما يحكى أن الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت وقد ألهمها الله أن تمسح العين بورق الرازيانج الرطب فتطلبه إلى أن تجده فيعود بصرها ، وإلهامات البهائم والطيور مشروحة مكتوبة في كتب العجائب. وقال الحكيم: كل مزاج فإنه مستعدّ لقوة خاصة ، وكل قوة فإنها لا تصلح إلا لفعل معين فالتقدير عبارة عن التصرف في الأجزاء الجسمية ، وتركيبها على وجه خاص لأجله يستعدّ لقبول تلك القوى ، والهداية عبارة عن خلق تلك القوى في تلك الأعضاء بحيث تكون كل قوّة مصدرا لفعل معين ، ويحصل من مجموعها إتمام المصلحة. وقد خصه بعض المفسرين فقال مقاتل: هدى الذكر للأنثى كيف يأتيها. وقال غيره: هداه لمعيشته ومرعاه. وقيل: هداه لسبيل الخير والشر. وقال السدّي: قدر مدة مكث الجنين في الرحم

٤٨٣

ثم هداه للخروج. وقال الفراء: قدّر فهدى وأضل فاكتفى بذكر أحدهما كقوله (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل: ٨١] وقيل: الهداية بمعنى الدعاء إلى الإيمان أي قدّر دعاء الكل إلى الإيمان فدعاهم إليه كقوله (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى: ٥٢] وقيل: دلهم بأفعاله على توحيده وكبريائه «ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد» ومن جملة ذلك إخراج المرعى وهو الكلأ الأخضر ، ثم جعله غثاء وهو ما يبس من النبات فحملته الأهوية وطيرته الرياح. والظاهر أن أحوى صفة للغثاء. والحوّة السواد ، فالعشب إذا يبس واستولى البرد عليه جعل يضرب إلى السواد ، وقد يحتمله السيل فيلصق به أجزاء كدرة. وقال الفراء وأبو عبيدة: الأحوى هو الأسود لشدّة خضرته وعلى هذا يكون حالا من ضمير (الْمَرْعى) أي صيره في حال حوّته غثاء. وقال جار الله: هو حال من (الْمَرْعى) أي أخرجه أسود من الخضرة والري فجعله غثاء وحين أمره بالتسبيح بشره وشرفه بإيتاء آية باهرة وهي أن يقرأ عليه جبرائيل ما يقرأ من الوحي الذي هو أشرف أنواع الذكر فيحفظه لا ينساه إلا ما شاء الله أن ينساه وهو أحد طريقي النسخ. فقال مجاهد ومقاتل والكلبي: كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا نزل عليه القرآن كثر تحريك لسانه مخافة أن ينسى فقيل له: لا تعجل بالقراءة فإن جبرائيل مأمور بأن يكرر عليك إلى أن تحفظه نظيره (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) [طه: ١١٤] وعلى هذا يجوز أن يراد بالتعليم والإقراء شرح الصدر وتقوية الحفظ بحيث يبقى القرآن محفوظا له من غير دراسة ، ومع أنه أمي فيكون إعجازا. وعن بعضهم أن قوله (فَلا تَنْسى) نهي لا خبر ، والألف مزيدة للفاصلة نحو (الظُّنُونَا) [الأحزاب: ١٠] و (السَّبِيلَا) [الأحزاب: ٦٧] وضعف بأن الزيادة خلاف الأصل فلا يصار إليها إلا لدليل ظاهر. وأما إذا جعلناه خبرا كان معنى الآية البشارة بأنا جعلناك بحيث لا تنسى ، وإن جعلناه نهيا كان أمرا بالمواظبة على الأسباب المانعة من النسيان وهي الدراسة والقراءة والبحث فلا يكون من البشارة في شيء. وأيضا النسيان لا يتعلق بقدرة العبد فيلزم أن يحمل النهي عنه على الأمر بالأسباب المانعة منه وهو خلاف الظاهر ، أما الاستثناء ففيه قولان: الأول أنه ليس على حقيقته ، فقد روي عن الكلبي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم ينس بعد نزول هذه الآية شيئا. وعلى هذا فالمقصود من الاستثناء إما نفي النسيان رأسا كما تستعمل القلة في معنى العدم ، وإما التبرك بذكر هذه الكلمة وتعليم العباد أن لا يتركوها في كل ما يخبرون عنه ، وفيه أنه تعالى قادر على إنسائه إلا أنه لا ينسيه بفضله وإحسانه ، وفيه لطف للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكون متيقظا مبالغا دراسة ما ينزل عليه من الوحي قليلا كان أو كثيرا ، فإن كل جزء من أجزائه يحتمل أن يكون هو المستثنى. الثاني أنه حقيقة. ثم حمله مقاتل على النسخ كما مر. وقال الزجاج: أراد إلا أن يشاء الله فتنساه ثم تذكره بعد النسيان كما روي أنه أسقط في

٤٨٤

قراءته آية في الصلاة فحسب أبيّ أنها نسخت فسأله فقال: نسيتها. وقيل: أريد القلة والندرة لا في الواجبات فإنه يورث الخلل في الشرع ولكن في غيرها. ثم علل حسن النسخ بقوله (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) وإذا كان كذلك كان وضع الحكم ورفعه واقعا بحسب مصالح المكلفين. وقيل: أراد أنك تجهر بقراءتك مع قراءة جبرائيل مخافة النسيان والله يعلم ما في نفسك من الحرص على تحفظ الوحي ، فلا تفعل فأنا أكفيك ما تخافه. ثم بشره ببشارة أخرى وهو تيسيره أي توفيقه للطريقة التي هي أيسر وهي حفظ القرآن والشريعة السهلة السمحة. وعن ابن مسعود: هي الجنة يعني العمل المؤدي إليها. والعبارة المشهورة أن يقال: جعل الفعل الفلاني ميسرا لفلان وإنما عكس الترتيب في الآية لدقيقة هي أن الفاعل ما لم يوجد فيه قابلية لصدور الفعل عنه امتنع حصوله منه وهذا معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كل ميسر لما خلق له». وفي الآية دلالة على أنه سبحانه فتح عليه من أبواب قبول الفيض ما لم يفتحه على غيره حتى صار يتيم أبي طالب قدوة للعالمين وهاديا للخلائق أجمعين كما قال (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) وإن لم تنفع فحذفت إحدى القرينتين للعلم بها كقوله (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل: ٨١] وهو بناء على الأغلب فإن التذكير إنما يكون غالبا إذا كان رجاء التذكر حاصلا كقوله (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) [النور: ٣٣] وفيه حث على الانتفاع بالذكرى كما يقول المرء لغيره إذا بين له الحق: قد أوضحت لك إن كنت تسمع وتقبل ، ويكون مراده البعث على السماع والقبول. أو تنبيه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن الذكرى لا تنفعهم كما يقال للرجل: أدع فلانا إن أجابك. والمعنى ما أراه يجيبك. ووجه آخر وهو أن تذكير العالم واجب في أوّل الأمر. وأما التكرير فالضابط فيه هو العرف فلعله إنما يجب عند رجاء حصول المقصود فلهذا أردفه بالشرط. قيل: التعليق بالشرط إنما يحسن في حق من يكون جاهلا بعواقب الأمور. والجواب أن أمر الدعوة والبعثة مبنيّ على الظواهر لا على الخفيات. وروي في الكتب أنه تعالى كان يقول لموسى (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [طه: ٤٤] وأنا أشهد أنه لا يتذكر أو يخشى. وإنما سمى الوعظ بالتذكير لأن حسن هذا الدين مركوز في العقول (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [الروم: ٣٠] فكأن هذا العلم كان حاصلا في نفسه بالقوّة ثم زال عنها بالعوائق والغواشي ، وعند بعض العقلاء أن النفوس قبل تعلقها بالأبدان عالمة بما لها أن تعلم إلا أنها نسيتها لاشتغالها بتدبير البدن ، ومن هنا قال أفلاطون: لست أعلمكم ما كنتم تجهلون ولكن أذكركم ما كنتم تعلمون. ثم إنه تعالى بين أن المنتفع بالتذكير من هو فقال (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) قال في التفسير الكبير: إن الناس في أمر المعاد ثلاثة أقسام: القاطع بصحته ، والمتردد فيه ، والجاحد له. والفريقان

٤٨٥

الأوّلان ينتفعان بالتذكير والتخويف ، وكثير من المعاندين إنما يجحدون باللسان فقط ، فتبين أن أكثر الخلق ينتفعون بالوعظ والمعرض نادر وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير فلهذا وجب تعميم التذكير. قلت: هذا خلاف القرآن حيث قال (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف: ١٠٣] وقال (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: ١٣] (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) [الأعراف: ١٧] وخلاف الحديث حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعث النار «من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون». وخلاف المعقول فإنه لو سلم أن قسمين من الأقسام الثلاثة ينتفعان بالتذكير وينضم إليه من القسم الثالث بعض آخر فقد لا يلزم أن يكون الثاني أقل من المجموع المفروض لجواز اختلاف الأقسام ، بل السبب في تعميم التذكير انتفاع المنتفعين به وهم أهل الخشية أعني العلماء بالله وإلزام الحجة لغيرهم. والسين في (سَيَذَّكَّرُ) إما لمجرّد الإطماع فإن «سوف» من الله واجب ، وإما لأن التذكير متراخ عن التذكير غالبا لتخلل زمان النظر والتأمل بينهما غالبا. قيل: نزلت الآية في عثمان بن عفان. وقيل: في ابن أم مكتوم. ونزل في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة قوله (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) أي السفلى من أطباق النار. وعن الحسن: النار الكبرى نار جهنم والصغرى نار الدنيا. فالأشقى هو الكافر على الإطلاق ، وذلك أن الكافر أشقى من الفاسق. ولا يلزم من تخصيص ذكر الكافر بدخول النار أن لا يدخلها الفاسق ، وسبب تخصيص الكافر بالذكر أن الفاسق لم يتجنب التذكير بالكلية فيكون القرآن مسكوتا عن الشقي الذي هو أهل الفسق ، ويحتمل أن يكون الأشقى بمعنى الشقي كقوله (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم: ٢٧] أي هين فيدخل فيه الفاسق لأنه يجتنب بوجه من الوجوه. وقوله (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) قد مر تفسيره في «طه». ومعنى «ثم» تراخى الرتبة لأن هذا النوع من الحياة أفظع من نفس الدخول في النار. ثم ذكر وعد السعداء بعد وعيد الأشقياء. ومعنى (تَزَكَّى) تطهر من أدناس الشرك والمعاصي والعقائد الفاسدة (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ) بالتوحيد والإخلاص (فَصَلَّى) أي اشتغل بالخدمة والطاعة حتى يكون كاملا بحسب قوّته النظرية والعملية بعد تخليته لوح الضمير عن النقوش الفاسدة. وقال الزجاج: تزكى أي تكثر من التقوى وأصله من الزكاء النماء فيكون تفصيله قوله (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون: ١] إلى آخر الآيات. وفي أوّل البقرة إلى قوله (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الآيات: ١ ، ٥] وقال مقاتل: تزكى من الزكاة كتصدّق من الصدقة والمعنى: قد أفلح من تصدّق من ماله وذكر ربه بالتوحيد والصلاة فصلى له. وخصه قوم بصلاة العيد وصدقة الفطر أي أفلح من تصدّق قبل خروجه إلى المصلى ، وذكر اسم ربه في طريق المصلى أو عند تكبيرة الافتتاح فصلى العيد وهذا قول عكرمة وأبي العالية وابن

٤٨٦

سيرين وابن عمرو وعلي. وقد روي مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وضعف بأنه خلاف ما ورد في مواضع أخر من القرآن من تقديم الصلاة على الزكاة. والجواب إنما ورد هكذا لأن زكاة الفطر مقدّمة على صلاته. واعترض الثعلبي بأن السورة مكية بالإجماع ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر. وأجاب الواحدي بأنه لا يمتنع أن يقال لما كان في معلوم الله تعالى أن يكون ذلك أثنى على من فعل ذلك. استدل بعض الفقهاء بالآية على وجوب تكبيرة الافتتاح ، واحتج بعض أصحاب أبي حنيفة بها على أن التكبيرة الأولى ليست من صلب الصلاة لعطف الصلاة عليها ، وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه. وأجيب بما روي عن ابن عباس أن المراد ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه فصلى له وبأنه قد يقال «أكرمتني فزرتني» وبالعكس من غير فرق. وقد يزيف هذا الجواب الثاني بأنه خلاف الظاهر وبأن خصوصية المادة ملغاة فلا يلزم من عدم الفرق في المثال المضروب عدم الفرق فيما يتعلق به حكم شرعي. ثم وبخهم بقوله (بَلْ تُؤْثِرُونَ) إلى آخره. ثم بين أن ما في السورة من التوحيد والنبوّة والوعيد والوعد كانت ثابتة في صحف الأنبياء الأقدمين لأنها قواعد كلية لا تتغير بتغير الأزمان فهو كقوله (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء: ١٩٦] وقيل: المشار إليه بهذا هو قوله (بَلْ تُؤْثِرُونَ) الآية لأنه أقرب المذكورات ، ولأن حاصل جميع الكتب السماوية الزجر عن الدنيا والإقبال على الآخرة. قال في الكشاف: روي عن أبي ذر أنه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم: كم أنزل الله من كتاب؟ قال «مائة وأربعة كتب منها على آدم عشر صحف ، وعلى شيث خمسون صحيفة ، وعلى أخنوخ وهو إدريس ثلاثون صحيفة ، وعلى إبراهيم عشر صحائف ، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان» فتقدير الآية إن هذا لفي الصحف الأولى التي منها صحف إبراهيم وموسى. قالوا: في صحف إبراهيم ينبغي للعاقل أن يكون حافظا للسانه عارفا بزمانه مقبلا على شأنه الله تعالى حسبي.

٤٨٧

(سورة الغاشية مكية حروفها ثلاثمائة وأحد وثمانون

كلمها اثنتان وتسعون آياتها ست وعشرون)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣) تَصْلى ناراً حامِيَةً (٤) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦))

القراآت: (تَصْلى) بضم التاء من الإصلاء: أبو عمرو ويعقوب وأبو بكر وحماد. الباقون: بالفتح لا يسمع بضم الياء التحتانية لاغية بالرفع: ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب. وقرأ نافع بتاء التأنيث والرفع. الآخرون: بفتح تاء التأنيث أو الخطاب لكل سامع (لاغِيَةً) بالنصب. (بِمُصَيْطِرٍ) بالصاد: أبو جعفر ونافع وعاصم وعلي وخلف. وقرأ حمزة في رواية بإشمام الزاي. الباقون: بالسين. إيابهم بالتشديد: يزيد.

الوقوف: (الْغاشِيَةِ) ه ط (خاشِعَةٌ) ه (ناصِبَةٌ) ه كـ (حامِيَةً) ه كـ (آنِيَةٍ) ه ط لتمام الأوصاف (ضَرِيعٍ) ه ط (جُوعٍ) ه ج للابتداء بعده (ناعِمَةٌ) ه لا (راضِيَةٌ) ه لا (عالِيَةٍ) ه ج (لاغِيَةً) ه ط (جارِيَةٌ) ه م لئلا يتوهم أن ما بعدها صفة لعين فيكون في الحارية سرور ليس كذلك (مَرْفُوعَةٌ) ه لا (مَوْضُوعَةٌ) ه لا (مَصْفُوفَةٌ) ه لا (مَبْثُوثَةٌ) ه ط (خُلِقَتْ) ه (رُفِعَتْ) ه كـ (نُصِبَتْ) ه ط (سُطِحَتْ) ه وقد يوقف على الآيات الأربع لأجل مهلة النظر وإلا فلكل متسقة (مُذَكِّرٌ) ه ط (بِمُصَيْطِرٍ) ه لا (وَكَفَرَ) ه كـ (الْأَكْبَرَ) ه ط (إِيابَهُمْ) ه لا (حِسابَهُمْ) ه.

٤٨٨

التفسير: لما انجر الكلام في السورة المتقدّمة إلى ذكر الآخرة ، شرح في هذه السورة بعض أحوال المكلفين فيها. والغاشية القيامة لأنها تغشى الناس بشدائدها ، وكل ما أحاط بالشيء من جميع الجهات فهو غاش له قال الله تعالى (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [العنكبوت: ٥٥] وقال (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) [إبراهيم: ٥٠] أي لم يأتك حديث هذه الداهية وقد أتاك الآن فاستمع. وقدّم وصف الأشقياء لأن مبنى السورة على التخويف كما ينبئ عنه لفظ الغاشية. والمراد بالوجه الذات ووجه حسن هذا المجاز أن الخشوع والانكسار والذل وأضدادها يتبين أكثرها في الوجه كقوله (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) [الشوري: ٤٥] والعمل والنصب أي التعب. قيل: كلاهما في الآخرة وهو الأظهر لقوله (يَوْمَئِذٍ) أي تعمل في النار عملا تتعب فيه وهو جرها السلاسل والأغلال وخوضها في النار خوض الدابة في الوحل وتردّدها في صعود من نار وحدور منها. قال الحسن: كان يجب عليها أن تعمل لله في الدنيا خاشعة ناصبة فلما قصر في ذلك وقع في مثله بعد المفارقة إلى أن يشاء الله ليكون معارضا بنقيض مقصوده. وقيل: كلاهما في الدنيا وهم أصحاب الصوامع خشعت وجوههم لله وعملت ونصبت في أعمالها من غير نفع لهم في الآخرة ، لأن أعمالهم مبنية على غير أساس من الدين الحنيفي. وقيل: عملت في الدنيا أعمال السوء فهي في نصب منها في الآخرة. ثم شرح مكانهم وهو النار الشديدة الحر ، ومشروبهم وهو من عين آنية أي متناهية في الحرارة ، ومطعومهم وهو الضريع. وإنما قدّم المشروب على الضريع المطعوم لأن الماء يناسب النار مناسبة الضدين أو الشبيهين من حيث بساطتهما ، أو لأنهم إذا أثر فيهم حر النار غلب عليهم العطش وكان الماء عندهم أهم ، ثم إذا أثرت فيهم الحرارتان أرادوا أن يدفعوا ألم الإحساس بها بما يزيد العذاب على البدن ، هذا مع أن الواو ليست للترتيب. قال الحسن: لا أدري ما الضريع ولم أسمع فيه من الصحابة شيئا وقد يروى عنه أيضا أنه «فعيل» بمعنى «مفعل» كالأليم بمعنى المؤلم. والبديع بمعنى المبدع ومعناه إلا من طعام يحملهم على الضراعة والذل عند تناوله لما فيه من الخشونة والمرارة والحرارة. وعن سعيد بن جبير أنه شجرة ذات شوك. قال أبو الجوزاء: كيف يسمن من يأكل الشوك. وفي الخبر «الضريع شيء يكون في النار يشبه الشوك أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأشدّ حرا من النار» قال العلماء: إن للنار دركات وأهلها على طبقات: فمنهم من طعامه الزقوم ، ومنهم من طعامه غسلين ، ومنهم من طعامه ضريع ، ومنهم من شرابه الحميم ، ومنهم من شرابه الصديد (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) [الحجر: ٤٤] ووجود النبت في النار ليس ببدع من قدرة الله كوجود

٤٨٩

بدن الإنسان والعقارب والحيات فيها. قوله (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) صفة للطعام أو للضريع ، وفيه أن طعامهم ليس من جنس طعام الإنس لكن من جنس الشوك الذي ترعاه الإبل ما دام رطبا فإذا يبس نفرت عنه لأنه سم قاتل. ويحتمل أن يراد لا طعام لهم أصلا لأن الضريع يبيس هذا الشوك والإبل تنفر عنه كما قلنا فهو كقوله «ليس لفلان ظل إلا الشمس» يريد نفي الظل على التوكيد. وروي أن كفار قريش قالوا على سبيل التعنت حين سمعوا الآية: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) أي ليس فيه منفعة الغذاء ولا الاسمان ودفع الجوع كذبهم الله في قولهم يسمن الضريع ، أو نبههم الله بعد تسليم أن ضريعهم مسمن على أن ضريع النار ليس كذلك أي كل ما في النار يجب أن يكون خاليا عن النفع. ثم أخذ في وصف السعداء فقال (وُجُوهٌ) وإنما فقد العاطف خلاف ما في سورة القيامة لأنه أراد هاهنا تفصيل ما أجمل في قوله (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) ومعنى ناعمة ذات نعومة أو تنعم. وقوله (لِسَعْيِها راضِيَةٌ) أي رضيت بما عملت في الدنيا وأثنت عليه نحو قولها «ما أحسن ما عملت» وذلك إذا رأت محلها ومنزلتها في الكرامة والثواب أو رضيت لجزاء سعيها حين رأت ما لا مزيد عليه. واللاغية اللغو مصدر كالعافية والباقية ، ويجوز أن تكون صفة لمحذوف أي كلمة ذات لغو. قوله (عَيْنٌ جارِيَةٌ) قال جار الله: يريد عيونا في غاية الكثرة كقوله (عَلِمَتْ نَفْسٌ) [الانفطار: ٥] قال الكلبي: لا أدري جرت بماء أو غيره. قال القفال: عين شراب جارية على وجه الأرض في غير أخدود وتجري لهم كما أرادوا. (مَرْفُوعَةٌ) في الرتبة أو مرتفعة عن الأرض ليرى المؤمن بجلوسه عليها جميع ما آتاه الله من الخدم والملك ، فإذا جاء وليّ الله ليجلس عليها تطأطأت له ، فإذا استوى عليها ارتفعت إلى حيث أراد الله. وقد وصفها ابن عباس بأن ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت. وقيل: مرفوعة أي مخبوءة لهم من رفع الشيء إذا خبأه. والأكواب الكيزان التي لا عرى لها كلما أرادوها وجدوها موضوعة بين أيديهم حاضرة أو موضوعة على حافات العيون ليشرب بها. وجوّز في الكشاف أن يراد موضوعة من حدّ الكبر إلى التوسط والاعتدال. والنمارق الوسائد واحدها نمرقة بضم النون. وروى الفراء بكسرها أيضا (مَصْفُوفَةٌ) بعضها بجنب بعض أينما أراد أن يجلس جلس على واحدة وأسند إلى أخرى. والزرابيّ البسط العراض الفاخرة واحدها زربية بكسر الزاي. وقيل: هي الطنافس التي لها خمل رقيق. و (مَبْثُوثَةٌ) أي مبسوطة أو مفرقة في المجلس. وحين ذكر أحوال المعاد عاد إلى الاستدلال على المبدأ فإن من عادة كتاب الله الكريم أنه يرجع إلى تذكير الأصول عودا إلى بداية. وللمحققين في نسق الآية وفي تناسب هذه الأمور وجوه منها: قول أكثر أهل

٤٩٠

المعاني إن القرآن إنما نزل بلغة العرب فيجب أن يخاطبوا بحسب ما هو مركوز في خزانة خيالهم ، ولا ريب أن جل هممهم مصروفة بشأن الإبل فمنها يأكلون ويشربون ، ومن أصوافها وأوبارها ينتفعون ، وعليها في متاجرهم ومسافراتهم يحملون ، فحيث أراد الله سبحانه أن ينصب لهم دليلا من مصنوعاته يمكنهم أن يستدلوا به على كمال حكمة الصانع ونهاية قدرته لم يكن شيء أحضر صورة في متخيلهم من الإبل فنصبها لهم. ولا ريب أنها من أعاجيب مصنوعات الله تعالى صورة وسيرة لما ركب فيها من التحمل على دوام السير مع كثرة الأثقال ، ومن البروك حتى تحمل ، ثم النهوض بما حملت ، ومن الصبر على العطش ، وعلى العلف القليل أياما ، ثم شرب الماء الكثير إذا وجدت ، ومن تذللها لصبي أو ضعيف. قال الإمام فخر الدين الرازي: كنت مع جماعة في مفازة فضللنا الطريق فقدّموا جملا وتبعوه وكان ذلك الجمل يمشي ينعطف من تل إلى تل ومن جانب إلى جانب حتى وصل الطريق فتعجبنا من قوّة تخيله. وعن بعض أهل الفراسة أنه حدّث عن البعير وبديع خلقه في بروكه ثم نهوضه مثقلا وقد نشأ في بلاد لا إبل بها ففكر ثم قال: يوشك أن تكون طوال الأعناق ، وذلك أن طول العنق يسهل عليه النهوض. ثم إن أصحاب المواشي لاحتياجهم الشديد إلى الماء المستعقب للكلأ صار جل نظرهم إلى السماء التي منها ينزل المطر ، ثم إلى الجبال التي هي أقرب إلى السماء وأسرع لوقوع المطر عليها وحفظ الثلج الذي منه مادة العيون والآبار عند إقلاع الأمطار على أنها مأمنهم ومسكنهم في الأغلب.

لنا جبل يحتله من نجيره

منيع يرد الطرف وهو كليل

ثم إلى الأرض التي فيها ينبت العشب وعليها متقلبهم ومرعاهم ، فثبت أن الآية كيف وردت منظمة حسب ما انتظم في خزانة خيال العرب بحسب الأغلب. ومنها أن جميع المخلوقات متساوية في دلالة التوحيد وذكر جميعها غير ممكن فكل طائفة منها تخص بالذكر. ورد هذا السؤال فوجب الحكم بسقوطه ، ولعل في ذكر هذه الأشياء التي لا تناسب في الظاهر تنبيها على أن هذا الوجه من الاستدلال غير مختص بنوع دون نوع بل هو عام في الكل. ومنها أن المراد بالإبل السحاب على طريق التشبيه والمجازفان العرب كثيرا تشبه السحاب بالإبل في أشعارهم. ومنها أن تخصيص الإنسان بالاستدلال منه على التوحيد يستتبّع الوقوع في الشهوة والفتنة ، وكذا الفكر في البساتين النزهة والصور الحسنة فخص الإبل بالذكر لأن التفكير فيها متمحض لداعية الحكمة وليس للشهوة فيها نصيب ، على أن إلف العرب بها أكثر كما مر ، وكذا السماء والأرض والجبال دلائل الحدوث فيها ظاهرة وليس فيها نصيب للشهوة. والمراد بالنظر إلى هذه الأشياء هو النظر المؤدّي إلى الاستدلال

٤٩١

بدليل قوله (كَيْفَ خُلِقَتْ كَيْفَ رُفِعَتْ كَيْفَ نُصِبَتْ كَيْفَ سُطِحَتْ) وليس في السطح دلالة على عدم كرية الأرض لأنها في النظر مسطحة وقد تكون في الحقيقة كرة إلا أنها لعظمها لا تدرك كريتها. ثم أمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتذكير الأمة بهذه الأدلة وأمثالها لأن أمره مقصور على كونه مذكرا لا منحطا إلى كونه مسيطرا أي مسلطا عليهم فإن أراد بالتسليط القهر أو بالإكراه بمعنى خلق الهداية فيهم فالآية ثابتة لأن ذلك لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى ، وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا. وإن أراد القتال معهم إن لم يؤمنوا فالآية منسوخة وهذا قول كثير من المفسرين ، وعلى هذا فالأظهر أن يكون الاستثناء في قوله (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) متصلا لا باعتبار الحال فإن السورة مكية ولكن بالنظر إلى الاستقبال أي إلا المصرين على الإعراض والكفر فإنك تصير مأمورا بقتالهم مستوليا عليهم بالغلبة والقهر. وقيل: هو استثناء منقطع أي لست بمستول عليهم ولكن من تولى وكفر فإن لله الولاية والقهر فهو يعذبه العذاب الأكبر الذي هو القتل والسبي أو عذاب الدرك الأسفل. وقيل: هو استثناء من قوله (فَذَكِّرْ) أي فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى فاستحق العذاب الأكبر وما بينهما اعتراض. ويرد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا ينقطع طمعه من إيمان الكفرة ما داموا أحياء إلا أن يعلمه الله بذلك ، وعلى تقدير الإعلام أيضا لا يجوز أن يقطع التذكير لأن الدعوة عامة في الأصل ولو جعلت خاصة لم تبق مضبوطة كرخصة المسافر مثلا. ثم ختم السورة بما يصلح للوعد والوعيد والترغيب والترهيب. ومن قرأ (إِيابَهُمْ) بالتشديد فإما أن يكون «فيعالا» مصدر «فيعل» من الإياب ، وأما أن يكون أصله «أوّابا» فعالا من «أوّب» ثم قلبت إحدى الواوين ياء كما في «ديوان» ثم الأخرى كما في «سيد». قال جار الله: فائدة تقديم الظرف في الموضعين الحصر أي ليس ينبغي أن يكون مرجعهم إلا إلى الجبار المقتدر على توفية جزاء كل طائفة ولا أن يكون حسابهم واجبا إلا على حكمة من هو أحكم الحاكمين ورب العالمين.

٤٩٢

(سورة الفجر مكية حروفها خمسمائة وستة وستون

كلمها مائة وست وثلاثون آياتها ثلاثون)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤) فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠))

القراآت: روى ابن مهران وابن الاسكندراني عن أبي عمرو أنه كان يقف على (وَالْفَجْرِ) وأشباهها من ذوات الراء بنقل حركة الراء إلى ما قبله و (الْوَتْرِ) بكسر الواو: حمزة وعلي وخلف والمفضل. الباقون: بالفتح يسري و (بِالْوادِ) أكرمني وأهانني بالياء في الحالين: يعقوب والهاشمي عن البزي والقواس وأبو ربيعة عن أصحابه. وقرأ أبو جعفر ونافع وأبو عمرو وسهل أكرمني وأهانني بالياء في الوصل وبغير ياء في الوقف (بِالْوادِ) بالياء في الوصل: ورش وسهل وعباس. الباقون: كلها بغير ياء فقدر بالتشديد: ابن عباس ويزيد ربي بالفتح: أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو. يكرمون ولا يحضون ويأكلون ويحبون كلها على الغيبة: أبو عمرو وسهل ويعقوب. الآخرون: بتاء الخطاب (تَحَاضُّونَ) بفتح التاء الفوقانية والألف

٤٩٣

من التفاعل: عاصم وحمزة وعلي ويزيد لا يعذب ولا يوثق بفتح الذال والثاء: عليّ والمفضل وسهل ويعقوب. الآخرون: بكسرهما.

الوقوف: (وَالْفَجْرِ) ه لا (عَشْرٍ) ه كـ (وَالْوَتْرِ) ه كـ (يَسْرِ) ه كـ لجواز أن يكون جواب القسم المحذوف وهو ليبعثن أو ليعذبن مقدرا قبل «هل» أو بعده. (حِجْرٍ) ه ط ثم الوقف المطلق على (لَبِالْمِرْصادِ) وما قبله وقف ضرورة (بِعادٍ) ه لا (الْعِمادِ) ه لا (الْبِلادِ) ه ص (بِالْوادِ) كـ (الْأَوْتادِ) ه كـ (الْبِلادِ) ه كـ (الْفَسادَ) ه كـ (عَذابٍ) ه ج لاحتمال التعليل ولما قيل: إن جواب القسم قوله (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) وما بينهما اعتراض. (لَبِالْمِرْصادِ) ه ج (أَكْرَمَنِ) ه ج لابتداء شرط (أَهانَنِ) ه ج لأن «كلا» يحتمل معنى «إلا» وحقا ومعنى الردع. (الْيَتِيمَ) ه لا (الْمِسْكِينِ) ه ط (لَمًّا) ه ط (جَمًّا) ه كـ (دَكًّا) ه لا (دَكًّا) ه كـ (صَفًّا) ه لا (صَفًّا) ه كـ (بِجَهَنَّمَ) ه (الذِّكْرى) ه ج لأن ما بعده مستأنف كأنه قيل: كيف يتذكر (لِحَياتِي) ه ج (أَحَدٌ) ه لا (أَحَدٌ) ه ط (الْمُطْمَئِنَّةُ) ه ط (مَرْضِيَّةً) ه (عِبادِي) ه (جَنَّتِي) ه.

التفسير: إقسام الله تعالى بهذه الأمور ينبئ عن شرفها وأن فيها فوائد دينية ودنيوية. أما الفجر فعن بعضهم أنه الغيران التي تتفجر منها المياه ، والأظهر ما روي عن ابن عباس أنه الصبح الصادق ويوافقه قوله في المدّثر (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) [الآية: ٣٤] وفي «كورت» (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) [الآية: ١٨] وذلك أن فيه عبرة للمتأمل لما يحصل من انفجار الضوء فيما بين الظلام ، وانتشار الحيوان من أوكارها لطلب المعاش كما في نشور الموتى من قبورهم. وقيل: المضاف محذوف أي ورب الفجر أو أقسم بصلاة الفجر. وخصه بعضهم بفجر النحر لأنه يوم الضحايا والقرابين ، وبعضهم بفجر المحرّم لأنه أوّل يوم السنة ، وبعضهم بفجر ذي الحجة لقوله (وَلَيالٍ عَشْرٍ) والتنكير لأنها ليال معدودة من ليالي السنة أو لأنها مخصوصة بفضائل كما جاء في الخبر «ما من أيام العمل الصالح فيهن أفضل من عشر ذي الحجة» (١) قال أهل المعاني: ولو عرّفت بناء على أنها ليال معلومة جاز إلا أن التعظيم المستفاد من التنكير يفوت التناسب بين اللامات إذ ذاك فعدم اللام خير من وجوده مخالفا للباقية. وقيل: إنها عشر المحرم. وقيل: العشر الأخيرة من رمضان ولهذا سن فيها الاعتكاف وفيها ليلة القدر ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا دخل العشر الأخير شدّ المئزر وأيقظ أهله أي كف

__________________

(١) رواه الترمذي في كتاب الصوم باب ٥١. ابن ماجه في كتاب الصيام باب ٣٩. أحمد في مسنده (١ / ٢٢٤ ، ٣٣٨) (٢ / ٧٥).

٤٩٤

عن الجماع وأمر أهله بالتهجد. وأما الشفع والوتر فمعناهما الزوج والفرد. والوتر بالفتح لغة أهل العالية ، وبالكسر لغة تميم. واختلف المفسرون فيهما اختلافا عظيما فمنهم من حملهما على الأشياء كلها لأن الموجودات لا تخلو من هذين القسمين فتكون كقوله (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ) [الحاقة: ٣٨ ، ٣٩] وقيل: الشفع صفات الخلق كالعلم والقدرة والحياة ، ونقائضها الجهل والعجز والموت. والوتر صفات الحق وجود بلا عدم وقدرة بلا عجز وعلم بلا جهل وحياة بلا موت. وقيل الشفع والوتر: نفس العدد وكأنه تعالى أقسم بالحساب الذي لا بد للخلق منه فهو في معرض الامتنان بمنزلة العلم والبيان في قوله (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: ٤ ، ٥] الرابع الشفع الممكنات (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) [الذاريات: ٤٩] والوتر الواجب تعالى وتقدّس. الخامس الشفع الصلوات الثنائية والرباعية والوتر الثلاثية ، عن عمران بن حصين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إن الصلاة منها شفع ومنها وتر». (١) السادس الشفع درجات الجنة وأبوابها وهي ثمانية ، والوتر دركات النار وأبوابها وهي سبعة. السابع الشفع البروج الاثنا عشر ، والوتر الكواكب السبعة. الثامن الشفع الشهر الذي يكون ثلاثين والوتر تسعة وعشرون. التاسع الشفع السجدتان والوتر الركوع. العاشر الشفع العيون الاثنا عشر لموسى (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [البقرة: ٦٠] والوتر معجزاته (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) [الإسراء: ١٠١] وأظهر الأقوال ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة لأنه تاسع أيام الليالي المذكورة. وحين أقسم بالليالي المخصوصة أقسم على العموم بالليل إذا يسري أي إذا يمضي كقوله والليل إذا أدبر [المدثر: ٣٣] وعن مقاتل: هو ليلة المزدلفة. وعلى هذا جوّز أن يراد بالسري الإسناد المجازي لأن الساري فيه هو الحاج. يروى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقدّم ضعفة أهله في هذه الليلة. والحجر بالكسر العقل سمي بذلك لأنه يمنع من الوقوع فيما لا ينبغي كما سمي عقلا ، ونهي لأنه يعقل وينهى ، وحصاة لأنه يحصى أي يضبط. قال الفراء: يقال إنه لذو حجر إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها. والمراد بالاستفهام تقرير أن هذه المذكورات لشرفها وعظم شأنها يحق أن يؤكد بمثلها المقسم عليه كمن ذكر حجة باهرة ثم قال: هل فيما ذكرته حجة يريد أنه لا حجة فوق هذا ومن هنا قال بعضهم: فيه دليل على أنه تعالى أراد رب هذه الأشياء ليكون غاية في القسم. ولقائل أن يقول: المقنع والكفاية غير الغاية والنهاية. ثم إنه تعالى ذكر للعبرة ولتسلية نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قصة ثلاث فرق على سبيل الإجمال لأنهم أعلام في القوة

__________________

(١) رواه الترمذي في كتاب تفسير سورة ٨٩. أحمد في مسنده (٤ / ٤٣٧ ، ٤٣٨ ، ٤٤٢).

٤٩٥

والشدّة والتجبر. والمعنى ألم ينته علمك إليهم علما يقرب المشاهدة لتعاضده بالوحي أو التواتر ، والخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو لكل راء. والمراد بعاد هو عاد الأولى القديمة ولهذا ابنه لزم لأنهم أولاد عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوع فسموا باسم جدهم. وقيل: إرم بلدتهم وأرضهم التي كانوا فيها. ولم ينصرف قبيلة أو أرضا للعلمية والتأنيث. وقيل: الإرم العلم لأنهم كانوا يبنون أعلاما كهيئة المنارة كقوله (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً) [الشعراء: ١٢٨] وعلى هذين الوجهين يكون المضاف محذوفا أي أهل البلدة أو الأعلام ، وعلى الوجه الأخير لا يكون لمنع الصرف وجه ظاهر لكونه اسم جنس. والعماد بمعنى العمود لأنه ما يعمد أو جمع عمد. ثم إن كانت صفة للقبيلة فالمعنى أنهم كانوا بدويين أهل عمد أو كانوا طوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالأعمدة ، أو كانت ذات البناء الرفيع. وإن كانت صفة للبلدة فالمعنى أنها ذات أساطين. ثم قيل: هذه المدينة اسكندرية. وقيل: دمشق. واعترض بأن بلاد عاد كانت فيما بين عمان إلى حضر موت وهي بلاد الرمال المسماة بالأحقاف. وروي أنه كان لعاد ابنان: شدّاد وشديد ، فملكا وقهرا البلاد وأخذا عنوة وملكا ، ثم مات شديد وخلص الأمر لشدّاد فملك الدنيا ودانت له ملوكها فسمع بذكر الجنة فقال: أبني مثلها فبنى إرم في بعض صحاري عدن في ثلاثمائة سنة وكان عمره تسعمائة سنة ، وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وفيها أصناف الأشجار والأنهار. ولما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا. ويروى أنه وضع إحدى قدميه فيها فأمر ملك الموت بقبض روحه. ويروى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى ملك الموت حين عرج به إلى السماء فسأله: هل رققت لأحد من الخلائق الذين قبضت أرواحهم؟ فقال: نعم اثنان أحدهما طفل ولد بالمفازة ثم أمرت بقبض روح أمه ولم يكن هناك إنسان يتعهد الطفل ، والثاني ملك اجتهد في بناء مدينة لم يخلق مثلها ثم لم يرزق رؤيتها بعد أن وضع رجله فيها يعني شدادا ، فدعا الله نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخبره بذلك فأوحى إليه أن ذلك الملك هو ذلك الطفل الذي ربيناه وآتيناه مملكة الدنيا. وحين قابل النعمة والملك بالكفران وبنى الجنان التي هي من مقدورات الله الرحمن جزيناه بالخيبة والحرمان. هكذا وجدت الحكاية في بعض التفاسير. وعن عبد الله بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له فوقع على تلك المدينة فحمل ما قدر عليه مما هناك ، فبلغ خبره معاوية فاستحضره فقص عليه ، فبعث إلى كعب الأحبار فسأله فقال: هي إرم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عقبه خال يخرج في طلب إبل له. ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال: هذا والله ذلك

٤٩٦

الرجل. والضمير في (مِثْلُها) لإرم لأنهم أطول الناس قدودا وأشدّهم بناء ، أو للمدينة أو للأعلام على اختلاف الأقوال. وجاب الصخرة أي الحجر العظيم قطعه كقوله (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) [الشعراء: ١٤٩] والوادي وادي القرى قاله مقاتل. وقد قيل: لفرعون ذي الأوتاد لكثرة جنوده أو لتعذيبه للناس بالأوتاد الأربعة وقد مرّ في «ص». وصب السوط كناية عن التعذيب المتواتر ، وفيه إشارة إلى أن عذاب الدنيا بالنسبة إلى عذاب الآخرة كالسوط بالنسبة إلى القتل مثلا وقد أشار إلى عذاب الآخرة أو إليه مع عذاب الدنيا بقوله (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) أي يمهل ولكنه لا يهمل. والمرصاد المكان الذي يرقب فيه الرصد ، والباء بمعنى «في» وهو مثل لعدم الإهمال. وقيل لبعض العرب: أين ربك؟ فقال: بالمرصاد. وعن عمرو بن عبيد أنه قرأ السورة عند المنصور حتى بلغ الآية فقال (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) يا أبا جعفر عرض له في هذا بأنه من الجبابرة الذين وعدوا بها. وقال الفراء: معناه إليه المصير فيكون وعدا ووعيدا للمؤمن والكافر. قال أهل النظم: لما ذكر أنه تعالى بمرصد من أعمال بني آدم عقبه بتوبيخ الإنسان على قلة اهتمامه بأمر الآخرة وفرط تماديه في إصلاح المعاش كأنه قيل: نحن مترقبون لمجازاة الإنسان على ما سعى ، فأما هو فإنه لا يهمه إلا الدنيا وطيباتها فإن وجد راحة فرح بها وإن مسه ضرّ كند. والظاهر أن الإنسان للجنس. وعن ابن عباس أنه عتبة بن ربيعة. وعن الكلبي هو أمية بن خلف. ومعنى الابتلاء في البسط والضيق هو أنه سبحانه يعامل المكلف معاملة المختبر ليظهر أنه هل يتلقى النعمة بالشكر والضيق بالصبر أم لا كقوله (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء: ٣٥] وتقدير الكلام فأما الإنسان فيقول ربي أكرمن إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه (وَأَمَّا) هو فيقول ربي أهانن (إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ) أي ضيق (عَلَيْهِ رِزْقَهُ) فقوله (فَيَقُولُ) خبر المبتدأ في الموضعين (إِذا مَا ابْتَلاهُ) ظرف لـ (فَيَقُولُ) وإنما قال في جانب البسط (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) أي جعله ذا نعمة وثروة ولم يقل في طرف القبض «فأهانه وقدر عليه» لأن رحمته سبقت غضبه فلم يرد أن يصرح بإهانة عبده ، ولئلا يكون الكلام نصا في أن القبض دليل الإهانة من الله ، فقد يكون سببا لصلاح معاش العبد ومعاده. وأما البسط فهو إكرام في الظاهر الغالب ، والبسط لأجل الاستدراج قليل وعلى قلته فهو خير من خسران الدنيا والآخرة جميعا. وعلام توجه الإنكار والذّم؟ فيه وجهان: أحدهما على قوله (رَبِّي أَهانَنِ) فقط لأنه سمي ترك التفضل إهانة وقد لا يكون كذلك. والثاني على مجموع الأمرين لا من حيث مجموعهما بل على كل منهما. أما على دعوى الإهانة فكما قلنا ، وأما على دعوى الإكرام فلأنه اعتقد حصول الاستحقاق في ذلك الإكرام كقوله (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) [القصص: ٧٨] وكان عليه أن يرى ذلك

٤٩٧

محض الفضل والعناية منه تعالى ، أو لأنه قال في ذلك كبرا وافتخارا وتكاثرا ، أو لأن هذا القول يشبه قول من لا يرى السعادة إلا في اللذات العاجلة ، أو قول من غفل عن الاستدراج والمكر. ويحتمل أن يتوجه الذم على مجموع الأمرين من حيث المجموع حتى لو قال في البسط «أكرمني» تحدثا بنعمة الله ، وفي القبض لم يقل «أهانني» بل قال «الحمد لله على كل حال» لم يكن مذموما. ثم ردع الإنسان عن تلك المقالة بقوله (كَلَّا) أي لم أبتله بالغنى لكرامته عليّ ولا بالفقر لهوانه لديّ ولكنهما من محض المشيئة ، أو على حسب المصالح. ثم نبه الإضراب في قوله (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) على أن هناك شرا من ذلك وهو أنه يكرمهم بكثرة المال ثم لا يؤدّون حق الله فيه. وعن مقاتل: كان قدامة بن مظعون يتيما في حجر أمية بن خلف وكان يدفعه عن حقه فنزلت. والتراث أصله الوراث نحو تجاه ووجاه. واللم الجمع الشديد ومنه كتيبة ملمومة مصدر جعل نعتا أي أكلا جامعا بجميع أجزائه كقوله (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً) [النساء: ٦] وقال الحسن: أي يجمعون نصيب اليتامى إلى نصيبهم كقوله (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) [البقرة: ٨٨] وقيل: جامعا بين حلال ما جمعه الميت وبين حرامه. وقيل: جامعا بين ألوان المشتهيات من الأطعمة والأشربة اللذيذة والملابس الفاخرة كما يفعل أهل البطالة من الورّاث. والجم الكثير جم الماء وغيره يجم جموما إذا كثر جامّ ، وجمّ نهي عن التهالك. والشره على جمع المال. وفي وصف الحب بالجم دلالة على أن حب المال وتعلق القلب بتحصيل ما يسدّ الخلة منه غير مكروه بل مندوب إليه لبقاء نظام العالم على أن كل السلامة وجل الفراغ في الترك كما هو دأب المتوكلين.

إن السلامة من ليلى وجارتها

أن لا تمر على حال بواديها

ولا ينبئك مثل خبير. ثم ردعهم عن الفعل المذكور وذكر تحسر المقصر في طاعة الله يوم القيامة. وجواب «إذا» محذوف بعد (صَفًّا) أو بعد قوله (بِجَهَنَّمَ) ليذهب الوهم كل مذهب أي كان ما كان من الأهوال. ثم استؤنف (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ) أو عطف على ما قبله ويوقف على هذا التقدير على قوله (بِجَهَنَّمَ) ويكون (يَوْمَئِذٍ) الثانية متعلقا بما بعده ، ويجوز أن يكون «إذا» منصوبا بـ (يَتَذَكَّرُ) و (يَوْمَئِذٍ) الثانية بدل منه. ومعنى (دَكًّا دَكًّا) دكا بعد دك كما قيل في «لبيك» أي كرر عليها الدك حتى صارت هباء منبثا. وقال المبرد: استوت في الانفراش فذهب دورها وقصورها وجبالها وقلاعها حتى تصير قاعا صفصفا ، ولعل هذا الذي بعد الزلزلة. قوله (وَجاءَ رَبُّكَ) أي أمره بالجزاء والحساب أو قهره أو

٤٩٨

دلائل قدرته. ويجوز أن يكون تمثيلا لهول ذلك اليوم كما إذا حضر الملك بنفسه وجنوده كان أهيب وتنزل ملائكة كل سماء (صَفًّا صَفًّا) أي مصطفين صفوفا مرتبة. يروى أنها لما نزلت تغير وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى اشتد على أصحابه فجاء علي رضي‌الله‌عنه فاحتضنه وقبل عاتقه ثم قال: يا نبي الله بأبي أنت وأمي ما الذي حدث اليوم حتى غيرك؟ فتلا عليه الآية. فقال له عليّ: كيف يجاء بجهنم؟ قال: يجيء بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام فتشرد شرارة لو تركت لأحرقت أهل الجمع. قال الأصوليون: معنى جيء بجهنم برزت وأظهرت فإن جهنم لا تنتقل من مكان إلى مكان. قوله (وَأَنَّى لَهُ) أي ومن أين له منفعة (الذِّكْرى) ثم فسر التذكر وإنما قدرنا المضاف احترازا من التنافي وإلا فلا وجه للإستفهام الإنكاري بعد إثبات التذكر بأنه يقول (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ) خيرا أو عملا صالحا (لِحَياتِي) هذه وهي الحياة الأخيرة ، أو اللام بمعنى الوقت أي وقت حياتي في الدنيا. وقد يرجح هذا الوجه لأن أهل النار لا حياة لهم في الحقيقة كما قال (لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) [الأعلى: ١٣] ويمكن أن يجاب بأن الحياة المضاهية للموت أو التي هي أشدّ من الموت حياة أيضا ، وبأن حياة الآخرة يراد بها البقاء المستمر الدائم وهذا المعنى شامل لأهل النار ولأهل الجنة جميعا. قالت المعتزلة: في هذا التمني دليل واضح على أن الاختيار كان زمامه بيده ، ويحتمل أن يجاب بأن استحالة متمناه قد تكون من جهة أن الأمر في الدنيا لم يكن إليه فيتحسر على ذلك. وقال في التفسير الكبير: فيه دليل على أن قبول التوبة لا يجب عقلا. ويرد عليه أنه لا يلزم من عدم قبولها في الآخرة عدم قبولها في دار التكليف كإيمان اليأس. من قرأ (لا يُعَذِّبُ وَلا يُوثِقُ) على البناء للفاعل فمعناه على ما قال مقاتل: لا يعذب عذاب الله أي عذابه أحد من الخلق. ضعف بأن يوم القيامة لا يعذب أحد سوى الله فلا يتصور لهذا النفي فائدة. وأجيب بأن المراد لا يتولى يوم القيامة عذاب الله أحد لأن الأمر يومئذ لله وحده ، أو لا يعذب أحد في الدنيا ولا يوثق مثل عذاب الله الكافر ومثل إيثاقه إياه في الشدّة والإيلام. وقال أبو علي الفارسي: تقديره لا يعذب أحد من الزبانية أحدا مثل عذاب هذا الإنسان وهو أمية بن خلف ، ولا يوثق بالسلاسل والأغلال مثل وثاقه لتناهيه في كفره وفساده. ومن قرأ بناء الفعل للمفعول فيهما فظاهر. والضمير في (عَذابَهُ) و (وَثاقَهُ) للإنسان. ويمكن أن يراد لا يحمل عذاب الإنسان أحد كقوله (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام: ١٦٤] قال الواحدي: وهذا أولى الأقوال. ثم ذكر بشارة الأبرار وهو أن يقول للمؤمن بذاته أو على لسان ملك (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) أي بذكر الله أو بتحصيل الأخلاق الفاضلة والعقائد الصحيحة التي تسكن النفس السليمة إليها (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) إلى حيث لا مالك سواه أو إلى ثوابه (راضِيَةً) بما حكم عليك وقدر لك (مَرْضِيَّةً) عند الله

٤٩٩

نظيره (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [البينة: ٨] وهذه صفة أرباب النفوس الكاملة وإن كانوا بعد في دار التكليف ولهذا رتب على هذه الصفة قوله (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) أي في جملة الصالحين (وَادْخُلِي جَنَّتِي) وهي في الدنيا مقام الرضا والتسليم. وإذا كانت النفس متحلية بالكمالات الحقيقية والمعارف اليقينية في حياته العاجلة كانت أهلا لهذه البشارة عند الموت وعند البعث وفي كل المواطن إلى دخول الجنة. وقيل: إنما يقال له هذا عند البعث والمعنى فادخلي في أجساد عبادي يؤيده قراءة ابن مسعود «في جسد عبدي» قالوا: أنزلت في حمزة بن عبد المطلب أو في خبيب بن عدي الذي صلبه أهله مكة وجعلوا وجهه إلى المدينة فقال: اللهم إن كان لي عندك خير فحوّل وجهي نحو قبلتك ، فحوّل الله وجهه نحوها فلم يستطع أحد أن يغيرها. والظاهر العموم ولو سلم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

٥٠٠