تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان - ج ٦

نظام الدين الحسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري

تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان - ج ٦

المؤلف:

نظام الدين الحسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٦

ومطاوعة الأعصاب وسلامة الفقر. ثم خوفهم بنوع آخر قائلا (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) وفيه تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كأنه قال: حسبي مجازيا لمن يكذب بالقرآن فلا تشغل قلبك بشأنه. وقوله (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) إلى قوله (مَتِينٌ) قد مر في آخر «الأعراف». وقوله (أَمْ تَسْأَلُهُمْ) إلى (يَكْتُبُونَ) قد مر في «الطور». ثم أمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصبر ونهاه عن الضجر في أمر التبليغ كحال يونس عليه‌السلام وقد تقدم مرارا. قال بعض العلماء: معنى قوله (كَصاحِبِ الْحُوتِ) أنه كان في ذلك الوقت مكظوما أي مملوءا من الغيظ فكأنه قيل: لا تكن مكظوما أولا يوجد منك ما وجد منه من الضجر والمغاضبة. وقال جمع من المفسرين: أن الآية نزلت بأحد حين حل بالمؤمنين ما حل فأراد أن يدعو على من انهزم. وقيل: نزلت حين أراد أن يدعو على ثقيف والنعمة التي تداركت يونس أي التحقت به وسدت خلته هي النبوة أو عبادته السابقة ، أو قوله في بطن الحوت «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» ، وهذه النعمة التوبة بالحقيقة. وقد اعتمد في جواب لولا على الحال أعني قوله (وَهُوَ مَذْمُومٌ) والمعنى أن حاله كانت على خلاف الصبر حين نبذ بالعراء أي الفضاء كما مر في «الصافات». ولولا تسبيحه لكانت حاله على الذم. وقيل: أراد لو لا هذه النعمة لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة ، ثم نبذ بعراء القيامة أي بعرصتها مذموما (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) بقبول التوبة (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي من الأنبياء عن ابن عباس: رد الله إليه الوحي وشفعه في نفسه وقومه. ثم أخبر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن حسد قومه وحرصهم على إيقاع المكروه به بعد أن صبره وشجعه فقال (وَإِنْ يَكادُ) هي مخففة من الثقيلة واللام دليل عليها. زلقه وأزلقه بمعنى. يقال زلق الرأس وأزلقه أي حلقه. قال جار الله: يعني أنهم من شدة تخوفهم ونظرهم إليك سرا بعيون العداوة والبغضاء يكادون يزلون قدمك أو يهلكونك من قولهم «نظر إليّ نظرا يكاد يصرعني أو يكاد يأكلني» أي لو أمكنه بنظره الصرع أو الأكل لفعله. ثم بين بقوله (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) أن هذا النظر كان يشتد منهم في حال قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرآن حسدا على ما أوتي من النبوة. (وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) حيرة في أمره وتنفيرا عنه مع علمهم بأنه أعقلهم. ثم قال تعالى (وَما هُوَ) أي القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) وموعظة (لِلْعالَمِينَ) وفيه استجهال أن يجنن من جاء بمثله من الآداب والحكم وأصول كل العلوم والمعارف. واعلم أن للعقلاء خلافا في أن الإصابة بالعين هل لها في الجملة حقيقة أم لا؟ وبتقدير كونها حقيقة فهل الآية مفسرة بها أم لا؟ أما المقام الأول فقد شرحناه في أول «البقرة» في قوله (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) [الآية: ١٠٢] وفى يوسف في قوله (يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ) [الآية: ٦٧] والذي نقوله هاهنا: فمنهم من أنكر ذلك بناء على أن تأثير الجسم في الجسم لا يعقل

٣٤١

إلا بواسطة المماسة وهو ضعيف لأن النفوس والأمزجة لها تأثيرات خاصة. ويروى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر» وأما المقام الثاني فقد قال بعض المفسرين: كانت العين في بني أسد ، وكان الرجل منهم يتجوع ويرتاض وثلاثة أيام فلا يمر به شيء فيقول فيه: لم أر كاليوم مثله إلا عانه. فالتمس الكفار من بعض من كانت له هذه الصفة أن يقول في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال: لم أر كاليوم رجالا مثله. فعصمه الله تعالى. طعن الجبائي في هذا التأويل وقال: الإصابة بالعين مقرونة باستحسان الشيء ، والقوم كانوا يبغضون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأجيب بأنهم كانوا يبغضونه من حيث الدين إلا أنهم كانوا يستحسنون مصاحبته بإيراده الأعاجيب من الحجج والبيان وأنواع المعجزات. وعن الحسن: دواء الإصابة بالعين أن يقرأ هذه الآية وبالله التوفيق.

٣٤٢

(سورة الحاقة مكية

حروفها ألف وستة وخمسون

آياتها اثنتان وخمسون

وكلمها أربعمائة وثمانون)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧) فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢))

القراآت (وَما أَدْراكَ) بالإمالة حيث كان: حمزة وخلف والخراز عن هبيرة ،

٣٤٣

وأبو عمرو والنجاري عن ورش ، وابن مجاهد والنقاش عن ابن ذكوان (فَهَلْ تَرى) كما في الملك ومن قبله بكسر القاف وفتح الباء: أبو عمرو وسهل ويعقوب الآخرون: بفتح القاف وسكون الباء وتعيها بسكون العين تشبيها بخاء «فخذ»: القواس عن حمزة عن خلف وخلف لنفسه والهاشمي عن قنبل والخزاعي عن ابن فليح وأبو ربيعة عن أصحابه (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ) بالإدغام: شجاع وأبو شعيب لا يخفى على التذكير: حمزة وعلي وخلف كتابي وحسابي بغير هاء السكت في الوصل: سهل ويعقوب ما لي وسلطاني بدون الهاء في الوصل: حمزة وسهل ويعقوب يؤمنون ويذكرون على الغيبة: ابن كثير وسهل ويعقوب وابن عامر.

الوقوف: (الْحَاقَّةُ) ه لا لأن ما بعده خبرها (مَا الْحَاقَّةُ) ه لا لاحتمال الواو بعده الحال والاستئناف (الْحَاقَّةُ) ه م (بِالْقارِعَةِ) ه (بِالطَّاغِيَةِ) ه ط (عاتِيَةٍ) ط (أَيَّامٍ) لا لأن (حُسُوماً) صفة الثمانية (صَرْعى) لا لأن ما بعده صفة (خاوِيَةٍ) ه ج للاستفهام مع الفاء (باقِيَةٍ) ط (بِالْخاطِئَةِ) ه (رابِيَةً) ه (الْجارِيَةِ) ه ج (واعِيَةٌ) ه (واحِدَةٌ) ه لا (واحِدَةً) ه ط (الْواقِعَةُ) ه لا للعطف (واهِيَةٌ) ه لا لذلك رجاءها ط لاختلاف النظم (ثَمانِيَةٌ) ط (خافِيَةٌ) ه (كِتابِيَهْ) ه ج (حِسابِيَهْ) ه ج (راضِيَةٍ) ه لا (عالِيَةٍ) ه لا (دانِيَةٌ) ه (الْخالِيَةِ) ه (كِتابِيَهْ) ه ج (حِسابِيَهْ) ه ج (الْقاضِيَةَ) ه ج (مالِيَهْ) ه كلها جائزات وتفصيلا بين الندامات مع اتحاد المقولات (سُلْطانِيَهْ) ه (فَغُلُّوهُ) ط للعطف (صَلُّوهُ) ه لا لذلك (فَاسْلُكُوهُ) ه ط (الْعَظِيمِ) ه لا (الْمِسْكِينِ) ه ط (حَمِيمٌ) ه (غِسْلِينٍ) ه لا (الْخاطِؤُنَ) ه (تُبْصِرُونَ) ه لا (وَما لا تُبْصِرُونَ) ه لا (كَرِيمٍ) ه لا (شاعِرٍ) ط (تُؤْمِنُونَ) ه (كاهِنٍ) ط (تَذَكَّرُونَ) ه أي هو تنزيل (الْعالَمِينَ) ه (بِالْيَمِينِ) ه لا (الْوَتِينَ) ه والوصل أجوز لدخول الفاء واتحاد الكلام (حاجِزِينَ) ه (لِلْمُتَّقِينَ) ه (مُكَذِّبِينَ) ه لا (الْكافِرِينَ) ه (الْيَقِينِ) ه (الْعَظِيمِ) ه

التفسير: (الْحَاقَّةُ) وهي القيامة بالاتفاق إلا أنهم اختلفوا في سبب التسمية فقال أبو مسلم: هي الفاعلة من حقت كلمة ربك أي الساعة واجبة الوقوع لا ريب في مجيئها ، وقريب منه قول الليث أنها النازلة التي حقت فلا كاذبة لها. وقيل: إنها التي تحق فيها الأمور أي تعرف على الحقيقة من قولك لا أحق هذا أي لا أعرف حقيقته ، جعل الفعل لها وهو لأهلها. وقيل: هي التي يوجد فيها حواق الأمور وهي الواجبة الحصول من الثواب والعقاب وغيرهما من أحوال القيامة. وهذا الوجه والذي تقدمه يشتركان في الإسناد المجازي إلا أن الفاعل في الأول بمعنى المفعول والثاني على أصله ، وقريب منه قول

٣٤٤

الزجاج أنها تحق أي يكون فيها جميع آثار أعمال المكلفين ويخرج عن حد الانتظار. قال الأزهري: سميت بذلك لأنها تحق كل محاق في دين الله بالباطل أي تخاصم كل مخاصم وتغلبه. وأورد في التفسير الكبير وجوها أخر إلى تمام العشرة فهي في التحقيق مكررة فلذلك حذفناها. قوله (مَا الْحَاقَّةُ) مبتدأ وخبره والمجموع خبر الحاقة. والأصل ما هي يعني وأي شيء هي؟ وفي هذا الاستفهام تعظيم وتفخيم لشأنها ، وفي وضع الظاهر موضع المضمر تهويل فوق تهويل وفي قوله (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) مبالغة أخرى والمعنى أي شيء أعلمك ما الحاقة؟ وفيه أن مدى عظمها بحيث لا يبلغه وصف واصف ولا نعت مخبر. قال جار الله: ما يعني في ما الحاقة الثانية في موضع الرفع على الابتداء. و (أَدْراكَ) معلق عنه لتضمنه معنى الاستفهام. قلت: ولولا ذلك لنصب الجزأين على أنهما مفعول ثان وثالث كقولك «أعلمتك زيدا فاضلا». وحين ذكر الحاقة على أبلغ وجوه التعظيم أتبعها ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب تخويفا لأهل مكة فقال (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) والأصل بها أي بالحاقة إلا أنه وضع القارعة موضع الضمير ليدل بذلك على معنى الروع في الحاقة زيادة في وصف شدتها. ولا ريب أنها تفزع الناس بالأفزاع والأهوال ، والسماء بالانشقاق ، والأرض بالدك ، والنجوم بالطمس إلى غير ذلك. وكانت عادة القرآن جارية بتقديم قصة عاد على ثمود إلا أنه قلب هاهنا لأن قصة ثمود بنيت على غاية الاختصار ومن عادتهم تقديم ما هو أخصر. قوله (بِالطَّاغِيَةِ) أي بالواقعة المجاوزة للحد وهي الرجفة أو الصاعقة أو الصيحة ، وقيل: الطاغية مصدر أي بسبب طغيانهم. واعترض بأنه لا يطابق قصة عاد فأهلكوا بريح. ويمكن أن يجاب بأن السبب الفاعلي والسبب الآلي كلاهما يشتركان في مطلق السببية ، وهذا القدر من المناسبة كاف في الطباق وعلى هذا القول يحتمل أن تكون الطاغية صفة موصوف أي بشؤم الفرقة الطاغية التي تواطأت على عقر الناقة. ويجوز أن يراد بها عاقر الناقة وحده والتاء للمبالغة. الصرصر الشديد الصوت أو الكثير سميت عاتية بشدة عصوفها. قال جار الله: العتو استعارة قلت: لأنه مستعمل في مجاوزة الإنسان حد الطاعة والانقياد. قال عطاء عن ابن عباس: يريد أن الريح عتت على عاد فما قدروا على ردها بحيلة من استتار ببيت واستناد إلى جبل ، فإنها كانت تزعجهم من مكانهم. قال الكلبي: عتت على خزانها كما جاء في الحديث «ما أرسل الله من ريح إلا بمكيال ولا قطرة من مطر إلا بمكيال إلا يوم نوح ويوم عاد ، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان والريح يوم عاد عتت على الخزان فلم يكن لهم عليها سبيل.» وقيل: العاتية من عتا النبت أي بلغ منتهاه وجف قال تعالى (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) [مريم: ٨] أي ريح بالغة منتهاها في الشدة والقوة

٣٤٥

(سَخَّرَها) أي سلطها بدليل (عَلَيْهِمْ) وقال الزجاج: أقامها وقيل: أرسلها. قوله (حُسُوماً) جمع حاسم كشهود جمع شاهد. والتركيب يدور على القطع والاستئصال ومنه الحسام لأنه يحسم العدو عما يريد من بلوغ أمله ، وذلك أن تلك الريح حسمت كل خير واستأصلت كل بركة. وقيل: إنها تتابعت من غير فتور ولا انقطاع حتى أتت عليهم ، فمثل تتابعها بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء مرة بعد أخرى إلى أن ينحسم. ويجوز أن يكون (حُسُوماً) مصدرا كالدخول والخروج وعلى هذا انتصب بفعل مضمر أي يستأصل استئصالا ، أو يكون وصفا بالمصدر أي ذات حسوم ، أو مفعولا له ، وقيل: هي أيام العجوز وذلك أن عجوزا من عاد توارت في سرب فانتزعتها الريح في اليوم الثامن فأهلكتها. والصحيح أنها أيام العجز وهي آخر الشتاء وأساميها. الصن والصنبر والوبر والآمر والمؤتمر والمعلل ومطفىء الجمر. وقيل: ومكفىء الظعن. والضمير في (فِيها) للجهات أو الليالي والأيام الخاوية الساقطة. وقيل: الخاوية لأن الريح كانت تدخل أجوافهم فتصرعهم ، وعلى هذا يحتمل أن تكون الخاوية بمعنى البالية لأن النخل إذا بليت خلت أجوافها والباقية مصدر. وقيل: من نفس باقية: قال ابن جريج: كانوا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في عذاب الله ، فلما كان اليوم الثامن ماتوا فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر فذلك قوله (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) وقوله فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم [الأحقاف: ٢٥] ومن قرأ (وَمَنْ قَبْلَهُ) بالفتح والسكون فظاهر أي ومن تقدمه من رؤساء الكفر والضلال كنمرود ونحوه. ومن قرأ بالكسر والفتح أراد ومن عنده من أتباعه وجنوده. والخاطئة مصدر أي بالخطأ أو صفة أي بالفعلة أو الأفعال ذوات الخطأ العظيم (رابِيَةً) من ربا الشيء يربو إذا زاد أي زائدة في الشدة كما كانت فعلاتهم زائدة في القبح. وقيل: معنى الزيادة اتصال عذابهم في الدنيا بعذاب الآخرة. (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً). ولا ريب أن عذاب الآخرة أشد وكان عقابهم ينمو ويزيد إلى حد ليس فوقه عذاب. قال الواحدي: الوجه في قوله (رَسُولَ رَبِّهِمْ) أن يكون رسول الأمم الماضية كلهم أعني موسى ولوطا وغيرهما من رسل من تقدم فرعون كقوله (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء: ١٦] ولو جعل عبارة عن موسى عليه‌السلام لزم التخصيص من غير مخصص. ثم ذكر قصة بعض من تقدم فرعون فقال (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) وطغيان الماء كعتو الريح وقد سبق في عدة سور. ومعنى (حَمَلْناكُمْ) حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم (فِي الْجارِيَةِ) في السفينة وهي سفينة نوح (لِنَجْعَلَها) قال الفراء: أي الجارية لأنها المذكور. والأظهر عوده إلى الواقعة والحالة وهي نجاة المؤمنين وإغراق الكافرين فإنها هي التذكرة والعبرة ولقوله (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) من شأنها حفظ كل ما تسمع لتعمل به. قال أهل اللغة:

٣٤٦

كل ما حفظته في نفسك فقد وعيته وما تعيه في غير نفسك فقد أوعيته. يقال: أو عيت المتاع في البيت.

والشر أخبث ما أوعيت من زاد

قال جار الله: إنما قيل (أُذُنٌ واعِيَةٌ) على التوحيد والتنكير للإيذان بأن الوعاة فيهم قلة ، ولتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم ، وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت فهي عند الله بمكان وما سواها لا يلتفت إليه وإن ملأ العالم. عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لعلي رضي‌الله‌عنه عند نزول هذه الآية: سألت الله يجعلها أذنك يا علي. قال علي رضي‌الله‌عنه: فما نسيت شيئا بعد ذلك وما كان لي أن أنسى. وحين فرغ من بيان القدرة والحكمة عاد إلى ما انجر منه الكلام وهو حديث الحاقة ، والنفخة الواحدة عن ابن عباس أنها الأولى التي عندها خراب العالم ، وفي رواية عنه أنها الثانية لقوله بعد ذلك (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) والعرض عند الثانية. ولناصر الرواية الأولى أن يقول: اليوم اسم للحين الواسع الذي يقع فيه النفخات والصعقة والنشور والوقوف والحساب كما تقول «جئته عام كذا» وإنما جئت في وقت واحد من أوقاتها. قوله (واحِدَةٌ) صفة مؤكدة قوله (وَحُمِلَتِ) أي رفعت من جهاتها بريح شديدة أو بملك أو بقدرة الله من غير واسطة. والضمير في (فَدُكَّتا) لجماعتي الأرض والجبال والمراد أن هاتين الجملتين يضرب بعضها ببعض حتى يندك ويرجع كثيبا مهيلا منثورا. والدك أبلغ من الدق. وقيل: فبسطتا بسطة واحدة فصارتا قاعا صفصفا من قولك «اندك السنام» إذا افترش «وبعير أدك» «وناقة دكاء». قوله (فَيَوْمَئِذٍ) جواب (فَإِذا نُفِخَ) والواقعة النازلة وهي القيامة (واهِيَةٌ) مسترخية بعد أن كانت مستمسكة (وَالْمَلَكُ) جنس ولهذا كان أعم من الملائكة لشموله الواحد والاثنين دونها. والأرجاء الجوانب جمع رجا مقصورا. والمعنى أن السماء إذا انشقت عدلت الملائكة عن مواضع الشق إلى جوانب السماء.

سؤال: الملائكة يموتون في الصعقة الأولى فكيف يقفون على أرجاء السماء؟ الجواب أنهم يقفون لحظة ثم يموتون أو هم المستثنون بقوله إلا ما شاء الله ، والضمير في (فَوْقَهُمْ) عائد إلى الملك على المعنى لأن التقدير الخلق الذي يقال له الملك ، والمقصود التمييز بينهم وبين الملائكة الذين هم حملة العرش ، وقال مقاتل: الضمير للحملة أي فوق رؤسهم والإضمار قبل الذكر جائز لأنه بعده حكما كقوله «في بيته يؤتى الحكم» وعن الحسن: لا أدري ثمانية أشخاص أو ثمانية آلاف أو ثمانية صفوف. وعن الضحاك: ثمانية صفوف ولا يعلم عددهم إلا الله. قال المفسرون: الحمل على الأشخاص أولى لأن هذا أقل ما يصدق

٣٤٧

اللفظ عليه والزائد لا دليل له ، وكيف لا والمقام مقام تهويل وتعظيم؟ فلو كان المراد ثمانية آلاف لوجب ذكره ليزداد التعظيم والتهويل ويؤيده ما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة أخرى» وروي «ثمانية أملاك أرجلهم في تخوم الأرض السابعة والعرش فوق رؤسهم وهم مطرقون يسبحون» وقيل: بعضهم على صورة الإنسان ، وبعضهم على صورة الأسد ، وبعضهم على صورة الثور ، وبعضهم على صورة النسر. وروي «ثمانية أملاك في خلق الأوعال ما بين أظلافها إلى ركبها مسيرة سبعين عاما» (١) وعن شهر بن حوشب: أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك. وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك. ولولا هذه الروايات لجاز أن يكون الثمانية من الروح أو من خلق آخر. قالت المشبهة: لو لم يكن الله على العرش لم يكن لحمله فائدة وأكدوا شبهتهم بقوله (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) للمحاسبة والمساءلة فلو لم يكن الإله حاضرا لم يكن للعرض معنى. وأجيب بأن الدليل على أن حمل الإله محال ثابت فلا بد من التأويل وهو أنه تعالى خاطبهم بما يتعارفونه فخلق لنفسه بيتا يزورونه ليس ليسكن فيه ، وجعل في ذلك البيت حجرا هو يمينه في الأرض إذ كان من شأنهم أن يعظموا رؤساءهم بتقبيل أيمانهم ، وجعل على العباد حفظة لا لأن النسيان يجوز عليه بل لأنه المتعارف. فكذلك لما كان من شأن الملك إذا أراد محاسبة عماله أن يجلس لهم على سرير ويقف الأعوان حواليه صور الله تعالى تلك الصورة المهيبة لا لأنّه يقعد على السرير. روي أن في القيامة ثلاث عرضات. فأما عرضتان فاعتذار واحتجاج وتوبيخ ، وأما الثالثة ففيها تنشر الكتب. قوله (لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) أي تعرضون على من لا يخفى عليه شيء أصلا وقيل: أراد لا يخفى منكم يوم القيامة ما كان مخفيا في الدنيا على غير الله وذلك ليتكامل سرور المؤمنين ويعظم توبيخ المذنبين. ثم أخذ في تفصيل عرض الكتب. «وهاء» صوت بصوت به فيفهم منه «خذ» وله لغات واستعمالات مذكورة في اللغة منها ما ورد به الكتاب الكريم وهو «هاء» مثل باع للواحد المذكور «وهاؤما» بضم الهمزة وإلحاق الميم بعدها ألف للتثنية. (هاؤُمُ) بضم الهمزة بعده ميم ساكنة لجمع المذكر. «هاء» بالكسر للمؤنثة «هاؤن» لجمعها (كِتابِيَهْ) مفعول (هاؤُمُ) عند الكوفيين و (اقْرَؤُا) عند البصريين لأنه أقرب أصله هاؤم كتابي اقرأوا كتابي فحذف لدلالة الثاني عليه. قال البصريون : ولو كان العامل الأول لقيل اقرأه إذ المختار إضمار المفعول ليكون دليلا على المحذوف. وأجاب الكوفيون بأن

__________________

(١) رواه أبو داود في السنّة باب ١٨. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١٣ أحمد في مسنده (١ / ٢٠٦) بلفظ «.... ما بين أظلافها إلى ركبها كما بين السماء والأرض ...».

٣٤٨

الظاهر قد أغنى عن الضمير كما في قوله (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) [الأحزاب: ٣٥] والهاء في (كِتابِيَهْ) وغيره هاء السكت ومن هاهنا تثبت في الوقف وتسقط في الوصل لكنه استحب التلفظ بها في الوصل عند جماعة اتباعا لوجودها في المصحف ، وإنما قال (مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) ابتهاجا وفرحا. وقيل: يقول ذلك لأهل بيته وقرابته.

وفي قوله (إِنِّي ظَنَنْتُ) وجوه كما مر في قوله (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) [البقرة: ٤٦] ومما يختص بالمقام قول بعضهم أنه أراد الظن في الدنيا لأن أهل الدنيا لا يوقنون بنيل الدرجات ، وفي هذا الوجه نظر لأنهم كانوا غير قاطعين بالجنة إلا أنهم يجب أن يقطعوا بالحساب والجزاء. وعن أبي هريرة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إن الرجل يؤتى به يوم القيامة ويؤتى بكتابه فتكتب حسناته في ظهر كفه وتكتب سيئاته في بطن كفه فينظر إلى سيئاته فيحزن فيقال له: اقلب كفك فيرى حسناته فيفرح ثم يقول (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ) عند النظر الأولى (أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) على سبيل الشدة ، وأما الآن فقد فرج الله عني ذلك الغم ، وأما في حق الأشقياء فيكون ذلك على الضد مما ذكرنا. ثم بين عاقبة أمره قائلا (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ) فعلة من العيش للنوع (راضِيَةٍ) منسوبة إلى الرضا كالدارع والنابل للمنسوب إلى الدرع والنبل ، وهذا من النسبة بالصيغة كما أن قولك «بصري» أو «هاشمي» من النسبة بالحروف ، ويجوز أن يكون من الإسناد المجازي كقولك «نهاره صائم» جعل الصوم للنهار وهو لصاحبه كذلك هاهنا جعل الرضا للعيشة وهو لصاحبها (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) درجاتها لأنها فوق السموات على تفاوت الطبقات أو في جنة رفيعة المباني والقصور والأشجار (قُطُوفُها دانِيَةٌ) ثمارها قريبة التناول. والقطوف جمع قطف بالكسر وهو المقطوف كالطحن بمعنى المطحون. يروى أن ثمارها يقرب تناولها للقائم والجالس والمضطجع وإن أحب أن تدنو دنت (كُلُوا) على إرادة القول و (هَنِيئاً) مصدر أو صفة كما مر في «الطور». جمع الخطاب في (كُلُوا) مع أنه وحد الضمير في قوله (أُوتِيَ) وغيره حملا على لفظ من ثم على معناه. والغرض من هذا الأمر التوقير والعرض لا التكليف. ومن قال بالإباحة ليس بتكليف فلا إشكال. وقوله (بِما أَسْلَفْتُمْ) كقوله في «الطور» (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الآية: ١٩] والإسلاف في اللغة تقديم ما ترجو أن يعود عليك بخير فهو كالافتراض ومنه يقال «أسلف في كذا» إذا قدم فيه ماله. والمعنى بسبب ما عملتم من الأعمال الصالحة في أيام الدنيا الماضية. وعن مجاهد والكلبي: هي أيام الصيام فيكون الأكل والشرب في الجنة بدل الإمساك عنهما في الدنيا. ثم أخذ في قصة الأشقياء. وإنما تمنى أنه لم يدر أي شيء حسابه لأنه كله عليه لا يعود منه إليه سوى الضر. والضمير في (يا لَيْتَها) عائد إلى الموتة الأولى يدل عليها سياق الكلام. ولعل

٣٤٩

في قوله (وَلَمْ أَدْرِ) إشارة إليها لأنها حالة العدم المستلزمة لعدم الإدراك أي الموتة التي متها يا ليتها (كانَتِ الْقاضِيَةَ) لأمري أو للحياة فلم أبعث بعدها. وقيل: هاء الضمير للحال أي ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت عليّ. قال القفال: تمنى الموت حين رأى من الخجل وسوء المنقلب ما هو أشد وأشنع من الموت. قوله (ما أَغْنى) نفي. ويجوز أن يكون استفهاما على سبيل الإنكار ومعناه أي شيء أغنى (عَنِّي) ما كان لي من اليسار فإنه لم يبق منه إلا الوبال (هَلَكَ عَنِّي) تسلطي على الناس وزال عني ما كنت أتصوره حجة وبرهانا. قال ابن عباس: ضلت عني حجتي التي كنت أحتج بها على محمد في الدنيا. وقال مقاتل: إنما يقول هذا حين شهدت عليه الجوارح بالشرك. يحكى عن عضد الدولة أنه قال قصيدة مطلعها هذا البيت:

ليس شرب الكأس إلا في المطر

وغناء من جوار في السحر

غانيات سالبات للنهى

ناعمات في تضاعيف الوتر

مبرزات الكأس من مطلعها

ساقيات الراح من فاق البشر

عضد الدولة وابن ركنها

ملك الأملاك غلاب القدر

يروى بضم القاف جمع القدرة وبفتحها وهو ما قدر الله على عباده وقضى. ولا ريب أن المصراع الأخير فيه سوء الأدب والجراءة على الله من وجهين: أحدهما أنه سمى نفسه ملك الأملاك ولا يصلح هذا الاسم إلا لله سبحانه ولهذا جاء في الحديث «أفظع الأسماء عند الله رجل تسمى ملك الأملاك» (١) ويقال لها بالفارسية شاهنشاه والثاني أنه زعم الغلبة على القدر وهذا أيضا من أوصاف الله جل وعلا لا يصلح لغيره. وإن زعم أنه قال ذلك بالنسبة إلى ملوك دونه فذلك قيد لا يدل عليه الإطلاق فسوء الأدب باق فمن هاهنا روي أن الله تعالى ابتلاه عقيب ذلك بالجهل وفساد الذهن وخور القوى ، وكان لا ينطلق لسانه إلا بتلاوة (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ خُذُوهُ) على إرادة القول أي يقال لهم خذوه أيها الخزنة يروى أنهم مائة ألف ملك تجمع يده إلى عنقه. والتصلية في الجحيم وهي النار العظمى ، إشارة إلى أنه كان سلطانا يتعظم على الناس. والسلسلة حلق منتظمة كل حلقة

__________________

(١) رواه البخاري في كتاب الأدب باب ١١٤. مسلم في كتاب الأدب حديث ٢٠ ، ٢١. أبو داود في كتاب الأدب باب ٦٢. الترمذي في كتاب الأدب باب ٦٥. أحمد في مسنده (٢ / ٢٤٤ ، ٣١٥) بلفظ «أخنع الأسماء ...».

٣٥٠

منها في حلقة. وكل شيء مستمر بعد شيء على الولاء والنظام فهو مسلسل. والذرع في اللغة التقدير بالذراع من اليد.

وقوله (سَبْعُونَ ذِراعاً) يجوز أن يكون محمولا على الظاهر وأن يراد المبالغة على عادة العرب. وتقديم الجحيم على التصلية والسلسلة على السلك للحصر أي لا تصلوه إلا في الجحيم ولا تسلكوه إلا في هذه السلسلة الطويلة لأنها إذا طالت كانت الكلفة أشد. قالوا: كل ذراع سبعون باعا أبعد مما بين مكة والكوفة. قال الحسن: الله أعلم بأي ذراع هو قال ابن عباس: تدخل السلسلة في دبره وتخرج من حلقه ثم يجمع بين ناصيته وقدميه قال الكلبي: كما يسلك الخيط في اللؤلؤ يجعل في عنقه سلوكها. عن بعضهم أن جمعا من الكفار يقرن في هذه السلسلة الطويلة ليكون العذاب عليهم أشد وإنما لم يقل فاسلكوا السلسلة فيه لأنه أراد أن السلسلة تكون ملتفة على جسده بحيث لا يقدر على حركة. وقيل: هو كقولهم «أدخلت القلنسوة في رأسي» او «الخاتم في أصبعي». ومعنى «ثم» التراخي في الرتبة. ثم ذكر سبب هذا الوعيد الشديد وهو عدم الإيمان بالله العظيم وعدم بذل المال للمساكين ولعل الأول إشارة إلى فساد القوة النظرية ، والثاني إلى فساد القوة العملية. قال جار الله: وعطف حرمان المساكين على الكفر تغليظ ، وفي ذكر الحض دون الفعل تغليظ دون تغليظ ليعلم أن ترك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل؟ وعن أبي الدرداء أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين وكان يقول: خلعنا نصف السلسلة بالإيمان فلا نخلع نصفها الآخر إلا بالإطعام. والطعام اسم بمعنى الإطعام كالعطاء اسم بمعنى الإعطاء. وفي الآية دلالة على أن الكفار مخاطبون بالفروع. والحميم القريب النافع وقوله (هاهُنا) إشارة إلى مكان عذابهم أو إلى مقام الوصول إلى هذا الحد من العذاب. يروى أن ابن عباس سئل عن الغسلين فقال: لا أدري. وقال الكلبي: هو ما يسأل من أهل النار. فغسلين من الغسالة والطعام ما يهيأ للأكل. ويجوز أن يكون إطلاق الطعام عليه من باب التهكم أو مثل عقابك السيف. قال ابن عباس: الخاطئون في الآية هم المشركون. ثم عظم شأن القرآن بالإقسام بكل الأشياء لأنها إما مبصر أو غير مبصر. وقيل: الدنيا والآخرة والأجسام والأرواح والإنس والجن والخلق والخالق والنعم الظاهرة والباطنة. والأكثرون على أن الرسول الكريم هاهنا هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه ذكر بعده أنه ليس بقول شاعر ولا كاهن ، والقوم ما كانوا يصفون جبرائيل بالشعر والكهانة وإنما يصفون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأما في سورة التكوير فالأكثرون على أنه جبرائيل عليه‌السلام لأن الأوصاف التي بعده تناسبه كما يجيء. وفي ذكر الرسول إشارة إلى أن هذا القرآن ليس قوله من تلقاء نفسه وإنما هو قوله المؤدي عن الله

٣٥١

بطريق الرسالة ، وهكذا لو كان المراد جبرائيل. وفي وصفه بالكرم إشارة إلى أمانته وأنه ليس ممن يغير الرسالة طمعا في أغراض الدنيا الخسيسة. وأيضا من كرمه أنه أتى بأفضل أنواع المزايا والعطايا وهو المعرفة والإرشاد والهداية. وإنما قال عند نفي الشعر عنه (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) وعند نفي الكهانة (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) لأن انتفاء الشعرية عن القرآن أمر كالبين المحسوس. أما من حيث اللفظ فظاهر لأن الشعر كلام موزون مقفى وألفاظ القرآن ليست كذلك إلا ما هو في غاية الندرة بطريق الاتفاق من غير تعمد ، وأما من جهة التخيل فلأن القرآن فيه أصول كل المعارف والحقائق والبراهين والدلائل المفيدة للتصديق إذا كان المكلف ممن يصدق ولا يعاند. وانتفاء الكهانة عنه أمر يفتقر إلى أدنى تأمل يوقف. على أن كلام الكهان أسجاع لا معاني تحتها وأوضاع تنبو الطباع عنها. وأيضا في القرآن سب الشياطين وذم سيرتهم والكهان إخوان الشياطين فكيف رضوا بإظهار قبائحهم. ثم صرح بالمقصود فقال (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي هو تنزيل ثم بين أن المفتري لا يفلح وإن قرض أنه نبي فقال (وَلَوْ تَقَوَّلَ) وهو تكلف القول من غير أن يكون له حقيقة و (الْأَقاوِيلِ) جمع أقوال. وقال جار الله: في اللفظ تصغير وتحقير كالأعاجيب والأضاحيك كأنه جمع «أفعولة» من القول. ومعنى الآية لو نسب إلينا قولا لم نقله لقتلناه أشنع قتل وهو أن يؤخذ بيمينه وتضرب رقبته وهو ينظر إلى السيف ، وهذه فائدة تخصيص اليمين لأن القتال إذا أخذ بيسار المقتول وقع الضرب في قفاه. ومعنى (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) لأخذنا بيمينه ، وكذا قوله (لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) لقطعنا وتينه وهذا تفسير منقول عن الحسن البصري. والوتين العرق المتصل من القلب بالرأس فإذا انقطع مات الحيوان: قال ابن قتيبة: لم يرد أنا نقطعه بعينه بل المراد أنه لو كذب لأمتناه كما يفعل الملوك فكان كمن أخذ بيمينه فقطع وتينه ونظيره «ما زالت أكلة خبير تعاودني ، فهذا أوان اقطع أبهري». والأبهر عرق متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه فكأنه قال: هذا أوان يقتلني السم. وعن الفراء والمبرد والزجاج أن اليمين القوة وقوة كل شيء في ميامنه والباء زائدة ومعنى الأخذ السلب أي سلبنا عنه القدرة على التكلم بذلك القول وهذا كالجواب في حكمة الله تعالى كيلا يشتبه الصادق بالكاذب. وقال مقاتل: اليمين الحق كقوله (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) [الصافات: ٢٨] أي من قبل الحق. والمعنى منعناه بواسطة إقامة الحجة وقضينا له من يعارضه فيه فيظهر للناس كذبه (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ) أي عن الرسول أو عن القتل ، والخطاب للناس وأحد في معنى الجمع لأنه في سياق النفي فلذلك قال (حاجِزِينَ) أي مانعين. وحين بين أن القرآن تنزيل من عند الله بواسطة جبرائيل على محمد الذي صفته أنه ليس بشاعر ولا كذاب ، بين أن

٣٥٢

القرآن ما هو وإلى أي صنف يعود نفعه فقال (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) ثم أوعد على التكذيب قائلا (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) ثم بين أن تكذيب القرآن سبب حسرة الكافرين في القيامة إذا رأوا ثواب المصدقين أو في الدنيا إذا رأوا دولة المؤمنين ، لأن القرآن حق اليقين أي حق يقين لا ريب فيه ، فأضيف أحد الوصفين إلى الآخر للتأكيد كقوله «هو حق العالم». ثم أمر بالتسبيح شكرا له على الإيحاء إليه ، أو على أن عصمه من الافتراء عليه.

٣٥٣

(سورة المعارج وهي مكية

حروفها ثمانمائة وأحد وستون

كلماتها مائتان وست عشرة

آياتها أربع وأربعون)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (٥) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعى (١٨) إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥) فَما لـ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤))

القراآت: (سَأَلَ) بغير همز مثل باع: أبو جعفر ونافع وابن عامر وحمزة في الوقف وإن شاء لين الهمزة على التذكير: علي ولا يسئل بضم الياء: البزي من طريق الهاشمي والبرجمي يومئذ بالفتح على البناء: أبو جعفر ونافع غير إسماعيل وعباس وعلي

٣٥٤

والشموني والبرجمي توويه بغير همز: يزيد والأعشى وحمزة في الوقف (نَزَّاعَةً) بالنصب: حفص والمفضل يخرجون من الإخراج: الأعشى وحمزة في الوقف (إِلى نُصُبٍ) بضمتين: ابن عامر وسهل وحفص نصب بالضم فالسكون: المفضل الباقون: بالفتح فالسكون.

الوقوف: (واقِعٍ) ه لا (دافِعٌ) ه لا (الْمَعارِجِ) ه لا (سَنَةٍ) ج (جَمِيلاً) ه (بَعِيداً) ه لا (قَرِيباً) ه ط (كَالْمُهْلِ) ه لا (كَالْعِهْنِ) ه لا (حَمِيماً) ه ج لأن ما بعده منقطع عنه مستأنف ولكن أصلحوا الوقف على (يُبَصَّرُونَهُمْ بِبَنِيهِ) ه لا (وَأَخِيهِ) ه (تُؤْوِيهِ) ه لا (جَمِيعاً) ه لا للعطف (يُنْجِيهِ) ه لا (كَلَّا) ط (لَظى) ه ج لأن من قرأ (نَزَّاعَةً) بالرفع جاز أن يكون بدلا أو خبر (لَظى) والضمير في (إِنَّها) للقصة أو خبر مبتدأ محذوف. ومن نصب فعلى الحال المؤكدة أو على الإختصاص. (لِلشَّوى) ه ص لأن يدعوا يصلح مستأنفا وبدلا من (نَزَّاعَةً وَتَوَلَّى) ه لا (فَأَوْعى) ه (هَلُوعاً) ه لا (جَزُوعاً) ه لا (مَنُوعاً) ه لا (الْمُصَلِّينَ) ه لا (دائِمُونَ) ه لا (مَعْلُومٌ) ه لا (وَالْمَحْرُومِ) ه ص (الدِّينِ) ه (مُشْفِقُونَ) ه ج (مَأْمُونٍ) ه (حافِظُونَ) ه لا (مَلُومِينَ) ه ج (العادُونَ) ه ج (راعُونَ) ه لا (قائِمُونَ) ه كـ (يُحافِظُونَ) ه لا (مُكْرَمُونَ) ه ط لانقطاع المعنى (مُهْطِعِينَ) ه لا (عِزِينَ) ه (نَعِيمٍ) ه (كَلَّا) ط (يَعْلَمُونَ) ه (لَقادِرُونَ) ه ج (مِنْهُمْ) ج بناء على أن الواو للحال (بِمَسْبُوقِينَ) ه (يُوعَدُونَ) ه ج لأن ما بعد بءدل يوقضون ه ج لأن ما بعد حال من الضمير (ذِلَّةٌ) ط (يُوعَدُونَ) ه.

التفسير: من قرأ (سَأَلَ) بالهمزة ففيه وجهان: الأول عن ابن عباس أن النضر بن الحرث قال (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً) [الأنفال: ٣٢] الآية فأنزل الله تعالى (سَأَلَ سائِلٌ) أي دعا داع ولهذا عدي بالباء. يقال: دعاه بكذا إذا استدعاه وطلبه. وقال ابن الأنباري: الباء للتأكيد والتقدير: سأل سائل عذابا لا دافع له البتة. إما في الآخرة وإما في الدنيا كيوم بدر. الثاني قال الحسن وقتادة: هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استعجل بعذاب الكافرين ، أو سأل عن عذاب. والباء بمعنى «عن». قال ابن الأنباري: أو عنى واهتم بعذاب أنه على من ينزل وبمن يقع ، فبين الله تعالى أن هذا واقع بهم فلا دافع له. والذي يدل على صحة هذا الوجه قوله في آخر الآية (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) ومن قرأ بغير همز فله وجهان أيضا: الأول أنه مخفف «سأل» وهي لغة قريش والمعاني كما مرت ، والآخر أن يكون من السيلان ويعضده قراءة ابن عباس «سال سيل» وهو مصدر في معنى سائل كالفوز بمعنى الفائز. والمعنى اندفع عليهم وأدى عذاب فذهب بهم وأهلكهم أما (سائِلٌ)

٣٥٥

فلا يجوز فيه إلا الهمز وفاقا لأنه إن كان من سأل المهموز فظاهر ، وإن كان من غير المهموز انقلبت الياء همزة كما في بائع. وقوله (لِلْكافِرينَ) صفة أخرى للعذاب أي بعذاب واقع ، لا محالة كائن للكافرين ، أو متعلق بواقع أي نازل لأجلهم ، أو كلام مستأنف جواب للسائل الذي سأل: إن العذاب على من ينزل أي هو للكافرين. والظاهر أن قوله (مِنَ اللهِ) يتعلق بـ (دافِعٌ) أي لا دافع له من جهة الله لأنه قضاء مبرم. وجوز أن يتصل بواقع أي نازل من عند (ذِي الْمَعارِجِ) المصاعد. روى الكلبي عن ابن عباس أنها السموات لأن الملائكة يعرجون فيها. وقال قتادة: ذي الفواضل والنعم بحسب الأرواح ومراتب الاستحقاق والاستعداد. وقيل: هي الجنة لأنها درجات. وقال في التفسير الكبير. وهي مراتب أرواح الملكية المختلفة بالشدة والضعف وبسببها يصل آثار فيض الله إلى العالم السفلي عادة ، أو غير عادة فتلك الأرواح كالمصاعد لمراتب الحاجات التي ترفع إليها ، وكالمنازل لآثار الرحمة من ذلك العالم إلينا. قوله (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) وفي مواضع أخرى يوم يقوم الروح والملائكة. قيل: إن الروح أعظم الملائكة قدرا وهو أول في درجة نزول الأنوار من جلال الله ، ومنه تتشعب إلى أرواح سائر الملائكة والبشر في آخر درجات منازل الأرواح. وبين الطرفين معارج مراتب أرواح الملائكة ومدارج منازل الأنوار القدسية ولا يعلم تفصيلها إلا الله. وأما المتكلمون فالجمهور منهم قالوا: إن الروح هو جبريل عليه‌السلام. ولا استدلال لأهل التشبيه في لفظ (الْمَعارِجِ) فإنا بينا أنها المراتب. وقوله (إِلَيْهِ) إلى عرشه أو حكمه أو إلى حيث تهبط أوامره أو إلى مواضع العز والكرامة. والأكثرون على أن قوله (فِي يَوْمٍ) من صلة (تَعْرُجُ) أي يحصل العروج في مثل هذا اليوم وهو يوم القيامة. قال الحسن: يعني من موقفهم للحساب إلى حين يقضي بين العباد خمسون ألف سنة من سني الدنيا ، ثم بعد ذلك يستقر أهل الجنة في الجنة إلى آخر الآية. والأصح أن هذا الطول إنما يكون للكافر لما روي عن أبي سعيد الخدري أنه قيل لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم: ما أطول هذا اليوم؟ فقال: والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة في الدنيا. ومنهم من قال: إن ذلك الموقف وإن طال فقد يكون سببا لمزيد السرور والراحة للمؤمن. ومنهم من قال: إن هذه المدة على سبيل التقدير لا على سبيل التحقيق. والمعنى أنه لو اشتغل بذلك القضاء والحكومة أعقل الناس وأدهاهم لبقي فيه خمسين ألف سنة. ثم إنه تعالى يتمم ذلك القضاء والحكومة في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا. وأيضا الملائكة يعرجون إلى مواضع لو أراد واحد من أهل الدنيا أن يصعد إليها لبقي في ذلك الصعود خمسين ألف سنة ثم إنهم يصعدون إليها في ساعة. قاله وهب وجماعة من أهل التفسير. وقال أبو مسلم: إن هذا

٣٥٦

اليوم الدنيا كلها من أول ما خلق العالم إلى القيامة وفيه يقع عروج الملائكة. ثم لا يلزم من هذا أن يصير وقت القيامة معلوما لأنا لا ندري كم مضى وكم بقي. ومر في «ألم السجدة». وقال جمع من المفسرين قوله (فِي يَوْمٍ) من صلة (واقِعٍ) أي يقع ذلك العذاب في يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة من سنيكم وهو يوم القيامة. وثم يحتمل أن يكون المراد منه استطالة ذلك اليوم لشدته على الكفار ، ويحتمل أن العذاب الذي سأله السائل يكون مقدرا بهذه المدة ثم ينقله الله تعالى إلى نوع آخر من العذاب. يروى عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس سئل عن هذه الآية وعن قوله (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) فقال: أيام سماها الله هو أعلم بها كيف تكون وأكره أن أقول فيها ما لا علم لي به. وقال وهب في الجواب: من أسفل العالم إلى أعلى شرف العرش مسيرة خمسين ألف سنة ، ومن أعلى السماء الدنيا إلى الأرض مسيرة ألف سنة ، لأن عرض كل سماء من السموات السبع مسيرة خمسمائة سنة ، وبين أسفل السماء إلى قرار الأرض خمسمائة أخرى ، فالمراد مقدار ألف سنة لو صعدوا إلى سماء الدنيا ومقدار خمسين ألف سنة لو صعدوا إلى العرش. وفي قوله (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كأنه قيل له: إن العذاب قرب وقوعه فاصبر فقد شارفت الانتقام. قال الكلبي: هذه الآية نزلت قبل أن يؤمر الرسول بالقتال إنهم يرون العذاب أو يوم القيامة بعيد الأمد بعيدا عن الإمكان (وَنَراهُ قَرِيباً) منه ثم قال (يَوْمَ) أي اذكر يوم (تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) كدرديّ الزيت. عن ابن مسعود: كالفضة المذابة. (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) أي الصوف المصبوغ ألوانا لقوله (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) [فاطر: ٢٧] وجوز جار الله أن ينتصب (يَوْمَ) بـ (قَرِيباً) أو بإضمار يقع لدلالة واقع عليه ، أو يراد به يوم تكون السماء كالمهل كان كيت وكيت ، أو هو بدل من يوم القيامة فيمن علقه بـ (واقِعٍ) قوله (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ) من قرأ بفتح الياء فظاهر أي لا يسأله بكيف حالك لاشتغال كل بنفسه ، ومن قرأ بالضم فالمعنى لا يسأل حميم عن حميم ليعرف شأنه من جهته كما يتعرف خبر الصديق من جهة صديقه فيكون على حذف الجار. وقال الفراء: لا يقال الحميم أين حميمك. ثم كان لسائل أن يقول: لعله لا يبصره فلهذا لا يسأل فقال (يُبَصَّرُونَهُمْ) ولكنهم لتشاغلهم لم يتمكنوا من تسائلهم ويجوز أن يكون صفة أي حميما مبصرين معرفين إياهم وإنما جمع ضمير الحميم لأنه في معنى الجمع حيث رفع في سياق النفي. وقيل: إن الجملة تتعلق بما بعده والمعنى إن المجرمين يبصرون المؤمنين حال ما يود أحدهم أن يفدي نفسه بكل ما يمكنه فإن الإنسان إذا كان في البلاء ثم رأى عدوه في الرخاء كان ذلك أشد عليه (وَفَصِيلَتِهِ) عشيرته الأدنون الذين فصل عنهم (تُؤْوِيهِ) تضمه

٣٥٧

إليها للانتماء في النسب أو في إعداد النوائب. ومعنى (ثُمَ) استبعاد الإنجاء عن الافتداء. ثم أكد الاستبعاد بقوله (كَلَّا) وهو ردع للمجرم عن كونه بحيث يود افتداءه وتنبيه على أنه لا ينفعه ذلك. والضمير في (إِنَّها) للقصة كما ذكرنا أو للنار وإن لم يجر لها ذكر لدلالة العذاب عليها ، ويجوز أن يعود إلى العذاب والتأنيث باعتبار الخبر لأن (لَظى) علم لنار جهنم. واللظى اللهب الخالص. والشوى الأطراف وهي اليدان والرجلان ، والشوى أيضا جلد الرأس ، الواحدة شواة ، قال سعيد بن جبير: العصب والعقب ولحم الساقين واليدين تنزعها نزعا فتهلكها ثم يعيدها الله سبحانه. وفي قوله (تَدْعُوا) وجوه منها: أنها تدعوهم بلسان الحال كما قيل: سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك فإن لم تجبك جؤارا أجابتك اعتبارا. فههنا لما كان مرجع كل من الكفرة إلى دركة من دركات جهنم كأنها تدعوهم إلى نفسها. ومنها أن الله تعالى يخلق الكلام في جرم النار حتى تقول صريحا فصيحا: لى يا كافة الكفرة ثم تلتقطهم التقاط الحب. ومنها أن يكون على حذف المضاف أي تدعو زبانيتها. ومنها أن الدعاء بمعنى الإهلاك كقول العرب «دعاه الله» أي أهلكه (مَنْ أَدْبَرَ) أي عن الطاعة (وَتَوَلَّى) عن الإيمان (وَجَمَعَ) المال حرصا عليه (فَأَوْعى) جعله في وعاء وكنزه فلم يؤد حقوق الله فيه أصلا وهذه مجامع آفات النفس. ثم بين أن الإنسان بالطبع مائل إلى الأخلاق الذميمة فقال (إِنَّ الْإِنْسانَ) وهو الكافر عند بعضهم والأظهر العموم بدليل الاستثناء عقيبه (خُلِقَ هَلُوعاً) والهلع قلة الصبر وشدة الحرص كما فسره الله تعالى بقوله (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أي الفقر والمرض ونحوه من المضار كان (جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ) أضداد ذلك كان (مَنُوعاً) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «شر ما أعطي ابن آدم شح هالع وجبن خالع» (١) قال أهل السنة: الحالة النفسانية التي هي مصدر الأفعال الاختيارية كالجزع والمنع لا شك أنها بخلق الله تعالى. بل الجزع والمنع أيضا من خلقه ولا اعتراض لأحد عليه خلق بعض الناس هلوعا وخلق المستثنين منهم غير هلوع بل مشغولي القلب بأحوال الآخرة ، وكل ذلك تصرف منه في ملكه ، وقالت المعتزلة: ليس المراد أنه مخلوق على هذا الوصف لأنه تعالى ذكره في معرض الذم والله تعالى لا يذم فعله. ولأنه تعالى استثنى منهم جماعة جاهدوا أنفسهم وظلفوها عن الشهوات. ولو كانت ضرورية لم يقدروا على تركها. والجواب أن الذين خلقهم كذلك لم يقدروا على الترك والذين تركوها هم الذي خلقوا على هذا الوصف وهم أصناف ثمانية: الأول الذين يداومون على الصلوات والمراد منها أداؤها

__________________

(١) رواه أبو داود في كتاب الجهاد باب ٢١. أحد في مسنده (٣ / ٣٠٢).

٣٥٨

في أوقاتها ، وأما المحافظة عليها فترجع إلى الاهتمام بشأنها وذلك يحصل برعاية أمور سابقة على الصلاة كالوضوء وستر العورة وطلب القبلة وغيرها ، حتى إذا جاء وقت الصلاة لم يكن يتعلق القلب بشرائطها وأمور مقارنة للصلاة كالخشوع والاحتراز عن الرياء والإتيان بالنوافل والمكملات ، وأمور لاحقة بالصلاة كالاحتراز عن اللغو وما يضاد الطاعة لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فارتكابه المعصية بعد الصلاة دليل على أن تلك الصلاة لم تقع في حيز القبول. الثاني (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ) قال ابن عباس والحسن وابن سيرين: هو الزكاة المفروضة. قلت: الدليل عليه وصفه بأنه معلوم واقترانه بإدامة الصلاة ، وقال مجاهد وعطاء والنخعي: هو ما سوى الزكاة وإنه على طريق الندب والاستحباب. قلت: هذا التفسير بما في «الذاريات» أشبه لأنه لم يصف الحق هناك بأنه معلوم ولأنه مدح هناك قوما بالتزام ما لا يلزمهم كقلة الهجوع والاستغفار بالأسحار. الثالث (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) أي يؤمنون بالغيب والجزاء. الرابع (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) خائفون والمؤمن خائف من التقصير في الطاعة وبعض الفسقة لا يخافون من ارتكاب أنواع الظلم وأصناف المعصية. ثم أكد ذلك الخوف بقوله (إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) لأن الأمور بخواتيمها والخاتمة غير مقطوع بها. الخامس (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) إلى قوله (العادُونَ) وقد مر في «المؤمنين». والسادس (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) وقد مر أيضا. السابع (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) من أفرد فلانها مصدر ، ومن جمع فللنظر إلى اختلاف الشهادات وكثرة أنواعها. وأكثر المفسرين قالوا: هي الشهادات عند الحكام يقومون بها بالحق ولا يكتمونها ، وهذه من جملة الأمانات خصها بالذكر تنبيها على فضلها لأن في إقامتها إحياء للحقوق وفي تركها تضييع لها. وروى عطاء عن ابن عباس أنها الشهادة بالله أنه واحد لا شريك له. الثامن (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) وقد ذكرناه. ثم عين مكان هؤلاء بقوله تعالى (أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) قال المفسرون: كان المشركون يحتفون حول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرقا يستهزؤن به وبالمؤمنين ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم فنزلت. (فَما لـ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ) أي نحوك وفي مقابلتك (مُهْطِعِينَ) مسرعين مادين أعناقهم إليك (عِزِينَ) فرقا شتى جمع عزة محذوفة العجز وأصلها عزوة لأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى فهم مفترقون. وجمع بالواو والنون عوضا عن المحذوف كما مر في (عِضِينَ) قوله (كَلَّا) ردع لهم عن الطمع الفاسد وذلك من وجهين: أحدهما أنهم ينكرون البعث فمن أين لهم هذا الطمع. والثاني أنهم لم يعدوا لها زادا من الإيمان والعمل الصالح. وفي قوله (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) رد عليهم من

٣٥٩

الوجهين فإن من علم أن أوله نطفة لم ينكر البعث ، أو من علم أن أوله نطفة مذرة كسائر بني آدم لم يدع التقدم والشرف بلا توسل من الإيمان والعمل الصالح. ثم بين كمال قدرته على الإيجاد والإعدام مؤكدا بالأقسام وأنه لا يفوته شيء من الممكنات. ومعنى (الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) قد تقدم في أول «الصافات» و «الرحمن» وإن للشمس في كل يوم من نصف السنة مغربا ومشرقا. وقيل: مشرق كل كوكب ومغربه. وقيل: المراد أنواع الهدايات والخذلانات. واختلف فيما وصف الله نفسه بالقدرة عليه هل خرج إلى الفعل أم لا؟ قال بعضهم: بدل الله بهم الأنصار والمهاجرين. وقال آخرون: بدل الله كفرهم بالإيمان. وقيل: التبديل بمعنى الإهلاك الكلي لهم وإيجاد آخرين مكانهم ولكنه هددهم بذلك لكي يؤمنوا ، ثم زاد في التهديد بأن يخلوا وشأنهم إلى أوان لقاء الجزاء والأجداث القبور كما في «يس». ثم شبه إسراعهم إلى الداعي مستبقين بإسراعهم إلى أنصابهم وهي كل ما ينصب فيبعد من دون الله وقد مر في قوله (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) [المائدة: ٣] ومعنى (يُوفِضُونَ) يسرعون. (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) تغشاهم والباقي ظاهر والله أعلم.

٣٦٠