تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان - ج ٦

نظام الدين الحسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري

تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان - ج ٦

المؤلف:

نظام الدين الحسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٦

(بَلْ يُرِيدُ) أن يكذب بما أمامه من البعث والحساب لئلا تنتقص عنه اللذات العاجلة (يَسْئَلُ) سؤال تنعت (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) ثم ذكر من أمارات الساعة أمورا أولها (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) أي تحير فزعا وأصله من برق الرجل بالكسر إذا تأثر ناظره من تأمل البرق ، ثم استعمل في كل حيرة. ومن قرأ بفتح الراء فهو من البريق أي لمع من شدة شخوصه كقوله (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) [إبراهيم: ٤٢] وثانيها (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) أي ذهب ضوءه كما يشاهد في الدنيا وقت خسوفه ، أو ذهب بنفسه من قوله (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) [القصص: ٨١] وهذا التفسير عندي لا يلائم ما بعده لأن الجمع بينه وبين الشمس بعد انعدامه غير معقول ظاهرا. وثالثها (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) قيل: أي في اطلاعهما من المغرب. وقيل: في ذهاب الضوء. وقيل: يجتمعان أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران كما جاء في الحديث ، ولعل ذلك لأنهما عبدا من دون الله ، والثور مثل في الذل والبلادة فإذا كان عقيرا أي جريحا كان أبلغ في ذلك. وقيل: يجمعان ثم يقذفان في البحر فيكون نار الله الكبرى. طعن الملاحدة في الآية بأن خسوف القمر لا يحصل باجتماع الشمس والقمر. وأجيب بأنه تعالى قادر على خسف القمر في غير حالة المقابلة وحيلولة الأرض. والأولى عندي أن يجاب بأن اجتماعهما بمعنى آخر غير ما هو المعهود بين أهل التنجيم كما مر من الأقوال. ولئن سلمنا أن المراد هو الاجتماع المعهود فالقمر حينئذ في المحاق وهو خسفه ، أو لعل القمر خسف في وسط الشهر والاجتماع يكون في آخره فإن اتحاد الزمان في هذه الأمور غير مذكور. ومنهم من جعل هذه الأمور من علامات الموت ، أما شخوص البصر تحيره حين الموت فظاهر ، وأما خسوف القمر فمعناه ذهاب ضوء البصر بعد الحيرة: يقال: عين خاسفة إذا فقئت فغارت حدقتها في الرأس. وأما جمع الشمس والقمر فكناية عن اتصال الروح بعالم الآخرة ، فالروح كالقمر وعالم الآخرة وهو عالم الأنوار والكشوف كالشمس وكما أن القمر يقبل النور من الشمس فالروح تقبل نور المعارف من ذلك العالم وهذا التفسير بالتأويل أشبه. قال الفراء: إنما قال (جُمِعَ) ولم يقل «جمعت» مع أن التأنيث أحسن لأن المراد أنه جمع بينهما في زوال النور. وقال الكسائي: المعنى جمع النوران والضياءان. وقال أبو عبيدة: القمر شارك الشمس في الجمع فغلب جانب التذكير (يَقُولُ الْإِنْسانُ) المنكر للقيامة (أَيْنَ الْمَفَرُّ) والاستفهام على أصله وهو إقرار منه بأنه لا مفر كما إذا أيس من وجدان زيد فيقول: أين زيد (كَلَّا) ردع عن طلب مكان الفرار وهذا أصح عند أهل اللغة. قال الأخفش والزجاج: المصدر من يفعل بكسر العين مفتوح العين ، وبالكسر المكان. وجوز بعضهم أن يكون المفتوح موضعا. وأصل الوزر المحل المنيع ثم استعمل

٤٠١

لكل ما التجأت إليه وتحصنت به ، والمعنى أنه لا شيء يعتصم به وقتئذ من أمر الله إلا الله فلذلك قال (إِلى رَبِّكَ) خاصة دون غيره (يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) أي استقرار العباد ولا بد من تقدير مضاف أي إلى حكم ربك أو إلى جنته أو ناره. (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ) من عمل (وَأَخَّرَ) فلم يعلمه ، أو بما قدم من ماله وتصدق به وما أخر فخلف أو بما قدم من عمل الخير والشر وما أخر من سنة حسنة أو سيئة. وعن مجاهد بأول عمله وآخره أي بجميع أعماله. والأظهر أن هذا الإنباء إنما هو في يوم القيامة. وجوز أن يكون عند الموت حين رأى مقعده من الجنة والنار. ثم بين أن الإنسان لأعماله بصير وإن لم ينبأ فقال (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) أي حجة بينة. وقال أبو عبيدة: التاء للمبالغة كعلامة. قال الأخفش: جعله في نفسه بصيرة كما يقال «فلان جود وكرم» وذلك أنه يعلم بالضرورة متى رجع إلى عقله أن طاعة خالقه واجبة وعصيانه منكر فهو حجة على نفسه بعقله السليم. قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومقاتل: إن المراد شهادة جوارحه عليه. قوله (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) تأكيد أي ولو جاء بكل معذرة يحاج بها عن نفسه فإنها لا تنفعه لأنه لا يخفى شيئا من أفعاله فإن نفسه وأعضاءه تشهد عليه. قال الواحدي والزمخشري: المعاذير اسم جمع للمعذرة كالمناكير للمنكر ، ولو كان جمعا لقيل معاذر بغير ياء. وعن الضحاك والسدي أن المعاذير جمع معذار وهو الستر ، والمعنى إنه إن أسبل الستور لن يخفى شيء من عمله قال جار الله: إن صح هذا النقل فالسبب في التسمية أن الستر يمنع رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب. فمدار التركيب على الحجب والمنع ومنه العذران قال الإمام فخر الدين الرازي: زعم قوم من قدماء الشيعة أن هذا القرآن مغير بالزيادة والنقصان ، ومن جملة استدلالاتهم أنه لا مناسبة بين هذه الآية وبين قوله عقيبها (لا تُحَرِّكْ بِهِ) أي بالقرآن الذي نتلوه عليك (لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) أي بأخذه. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يشتد عليه حفظ التنزيل فكان إذا نزل عليه الوحي حرك لسانه وشفتيه قبل فراغ جبرائيل مخافة النسيان فنهاه الله تعالى عن ذلك ، نظيره ما مر في «طه» (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) [الآية: ١١٤] وهذا من قبيل ترك الأولى ، أو لعل هذا كان مأذونا فيه أولا ثم ورد النهي ناسخا له (إِنَّ عَلَيْنا) بحكم الوعد أو بالنظر إلى الحكمة (جَمْعَهُ) في صدرك (وَقُرْآنَهُ) سيعيده عليك جبرائيل أو توقيفك لدراسته وحفظه لقوله (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) [الأعلى: ٦] فالقارىء على الأول جبرائيل ، وعلى الثاني محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقيل: أراد بالجمع ترتيبه على ما هو عليه في الخارج وبالقرآن جمعه في ذهنه ، والتركيب يدل على الضم ومنه القرء (فَإِذا قَرَأْناهُ) بقراءة جبرائيل (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) قال قتادة: أي حلاله وحرامه

٤٠٢

وضعف بأن هذا ليس موضع الأمر باتباع الحلال والحرام بل المراد أنه لا ينبغي أن تكون قراءتك مقارنة لقراءة جبرائيل عليه‌السلام لكن يجب أن تسكت حتى يتم جبرائيل القراءة ثم تأخذ أنت في القراءة. قال ابن عباس: فكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك إذا نزل عليه جبرائيل أطرق واستمع فإذا ذهب قرأ. ثم إنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما كان حريصا على القراءة حتى لا ينسى لفظه كان حريصا على فهم المعنى ، وكان يسأل جبرائيل في أثناء الوحي عن المعاني المشكلة فنهي عن هذا أيضا بوعد البيان وهو قوله (إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) قال بعضهم: وفيه دليل على أن تأخير البيان عن وقت الخطاب جائز. إذا عرفت تفسير الآية فاعلم أن العلماء استنبطوا للنظم وجوها منها: أن هذا الاستعجال لعله اتفق للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند نزول هذه الآيات فلا جرم نهي عن ذلك في الوقت كما أن المدرس إذا كان يلقي على تلميذه شيئا من العلم وأخذ التلميذ يلتفت يمينا وشمالا فيقول المدرس في أثناء درسه: لا تلتفت يمينا وشمالا ، ثم يعود إلى الدرس مع هذا الكلام في أثنائه اشتبه وجه المناسبة على من لم يعرف الواقعة. ومنها أنه علت كلمته أخبر عن الإنسان أنه يحب السعادة العاجلة فيفجر لذلك أمامه ، فبين بين ذلك أن التعجل مذموم مطلقا ولو في أمور الدين فقال (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) ورتب على ذم الاستعجال قوله (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) ومنها أنه لما قال (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يظهر التعجيل في القراءة خوف النسيان قيل له: إنك وإن أتيت بهذه المعذرة لكنك يجب أن تعلم أن الحفظ لا يحصل إلا بتوفيق الله وإعانته فاترك هذا التعجيل واعتمد على هدايتنا ، ولا تستعن في طلب الحفظ بالتكرار ، وفيه أن الكافر كان يفر من الله إلى غيره حين قال (أَيْنَ الْمَفَرُّ) فعلى المؤمن أن يضاده ويفر من غير الله إلى الله ولا يستعين في كل أموره إلا به. ومنها أنه تعالى كأنه قال: يا محمد إن غرضك من هذا هو التبليغ لكنه لا حاجة إليه فإن الإنسان على نفسه بصيرة يعرف قبح الكفر مهما رجع إلى نفسه. وقال القفال: يجوز أن يكون المخاطب بهذا هو الإنسان المذكور في قوله (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) كأنه حين عرض كتابه يقال له (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) [الإسراء: ١٤] فإذا أخذ في القراءة ينبأ بقبح أعماله فيتلجلج لسانه من الفزع ويسرع له القراءة فيقال له (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) فإنه يجب علينا بحكم الوعد والحكمة أن نجمع أعمالك عليك وأن نقرأها عليك ، فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالاعتراف والإقرار ، ثم أن علينا بيان أمره وشرح مراتب عقوبته. قوله سبحانه. (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ) قال بعضهم: هو بمعنى حقا. وقال جار الله: هو ردع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عادة العجلة وحث له على الأناة والتؤدة وقد بالغ في ذلك باتباعه قوله (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) كأنه قيل: بل أنتم يا بني آدم خلقتم من عجل

٤٠٣

تعجلون في كل شيء ، ومن ثم تحبون الدنيا وتتركون الأخرى. ثم وصف اليوم الآخر بقوله (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) ذات نضارة وبهاء. والوجه عبارة عن الجملة قاله في الكشاف: والأولى عندي تقليلا للمجاز أن يراد بالوجوه العيون فيكون من إطلاق الكل على الجزء لا عكسه (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) شديدة العبوس (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) فعل هو في شدته وفظاعته فاقرة أي داهية تقصم فقار الظهر كما توقعت الوجوه الناضرة أن يفعل بها كل خير. قال الأصمعي: الفقر أن يحز أنف البعير حتى يخلص إلى العظم أو يقرب منه ثم يجعل فيه خشبة يجر بها البعير ، ومنه قيل: عملت به الفاقرة. وقال الكلبي: هي أن تحجب عن رؤية ربها فلا تنظر إليه. وأعلم أن أهل السنة استدلوا بالآية على إمكان رؤية الله تعالى في الآخرة بل على وجوبها بحكم الوعد وحاصل كلامهم أن النظر إن كان بمعنى الرؤية فهو المطلوب ، وإن كان بمعنى تقليب الحدقة نحو المرئي فهذا في حقه تعالى محال لأنه منزه عن الجهة والمكان فوجب حمله على مسببه وهو الرؤية وهذا مجاز مشهور وأما المعتزلة فزعموا أن النظر المقرون بـ «إلى» إنما يراد به تقليب الحدقة نحو المرئي التماسا للرؤية فقد تحصل الرؤية وقد لا تحصل كما قال سبحانه (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ويقال: دور فلان متناظرة أي متقابلة ولا ريب أن تقليب الحدقة نحو الشيء يستدعي جهة لذلك الشيء وهذا في حق الله تعالى محال فوجب حمل النظر على الانتظار أي منتظرة ثواب ربها كقولك: أنا ناظر إلى فلان ما يصنع فيّ. والانتظار إذا كان في شيء متيقن الوقوع لا يوجب الغم والحزن بل يزيد اللذة والفرح. واعترض بأن النظر إذا كان بمعنى الانتظار لا يعدّى بـ «إلى» كقوله (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [الحديد: ١٣] (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) [الأعراف: ٥٣] وأجيب بأن ذلك إنما يكون إذا كان منتظرا للشخص ، أما إذا كان منتظرا لرفده ومعونته فإنه يستعمل مقرونا بإلى كقول الرجل: إنما نظري إلى الله ثم إليك. وقد يقول الأعمى: عيني ناظرة إليك. سلمنا لكن لم لا يجوز أن يكون «إلى» واحد الآلاء أي نعمة ربها منتظرة ، وتقديم المفعول لأجل الفاصلة أو للاختصاص أي لا ينتظرون إلا إلى نعمة الله ورحمته ، قال في الكشاف: وهذا المعنى أعني إفادة الاختصاص أحد الدلائل الدالة ، على أن النظر هاهنا ليس بمعنى تقليب الحدقة ولا بمعنى الرؤية لأنهم ينظرون إلى أشياء ويرون أشياء لا تدخل تحت الحصر فلا بد من حمل النظر على معنى يصح معه الإختصاص وهو التوقع والرجاء. وحين وصف القيامة الكبرى أتبعه نعت القيامة الصغرى فروّعهم عن إيثار العاجلة على الآجلة ، وذكرهم حالة الموت التي هي أول منزلة من منازل الآخرة. والضمير في (بَلَغَتِ) للنفس لدلالة قرينة الحال والمقال كما في قوله

٤٠٤

(فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) [الواقعة: ٨٣] والتراقي العظام المكتنفة ثغرة النحر من الجانبين واحدها ترقوة ، والمراد زهوق الروح لأن متعلق النفس هو الروح الحيواني الذي منبعه القلب فإذا فارق المنبع لم يبق من آثاره في حواليه إلا قليل كما لو غارت العين لم يبق في نواحيها إلا أثر قليل من النداوة فيزول عن قرب. قوله (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) إن كان من الرقية يقال رقاه يرقيه إذا عوذه بما يشفيه ومنه «بسم الله أرقيك من كل ما يؤذيك» (١) فالقائل هم بعض أصحاب الميت وأقاربه ، والاستفهام إما على أصله لأن العادة جارية على طلب الطبيب والراقي في وقت ما يشتد المرض ، وإما بمعنى الإنكار أي من الذي يقدر أن يرقي هذا الإنسان المشرف على الموت ، وإن كان اشتقاقه من الرقي الصعود ومنه المرقاة قال الله تعالى (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ) [الإسراء: ٩٣] فالقائل بعض الملائكة يعني أيكم يرقي بروح هذا المحتضر ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب. وعن ابن عباس: إن الملائكة يكرهون القرب من الكافرين فيقول ملك الموت: من يرقى بروح هذا الكافر؟ وقال الكلبي: يحضر العبد عند الموت سبعة أملاك من ملائكة العذاب مع ملك الموت فإذا بلغت نفس العبد التراقي نظر بعضهم إلى بعض أيهم يعرج بروحه إلى السماء (وَظَنَ) المحتضر أي تيقن (أَنَّهُ) وقت (الْفِراقُ) عن الدنيا وأوان الفطام عن مألوفاتها. وفي التعبير عن اليقين هاهنا بالظن تهكم بالميت وإشارة إلى أن الإنسان لتهالكه على الدنيا وحرصه على الحياة العاجلة لا يكاد يقطع بحلول الأجل وإن لم يبق منه إلا حشاشة يسيرة ، غايته أنه يغلب على ظنه الموت مع رجاء الحياة العاجلة لا يكاد يقطع بالموت. واستدل بهذه الآية على أن النفس باق بعد خراب البدن لأن الله سمى الموت فراقا والفراق والوصال صفة والصفة تستدعي وجود الموصوف. (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) فيه وجهان أحدهما: أنه كناية عن الشدّة كما مر في قوله (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) [القلم: ٤٢] أي اتصلت شدة فراق الدنيا وترك الأهل والولد والجاه وشماتة الأعداء وحزن الأولياء وغير ذلك بشدّة الإقبال على أحوال الآخرة وأهوالها. الثاني أن الساق هي العضو المخصوص. قال الشعبي: أما رأيته في النزع كيف يضرب بإحدى رجليه عى الأخرى؟ قال الحسن وسعيد بن المسيب: هما ساقاه التفتا في أكفانه. وقيل: التفاف ساقيه وهو أنه إذا مات يبست ساقاه ولصقت إحداهما بالأخرى.

__________________

(١) رواه البخاري في كتاب الطب باب ٣٨. مسلم في كتاب السلام حديث ٤٠. أبو داود في كتاب الطب باب ١٩. الترمذي في كتاب الجنائز باب ٤. ابن ماجه في كتاب الطب باب ٣٦ ، ٣٧. أحمد في مسنده (٦ / ٣٣٢).

٤٠٥

وقريب منه قول قتادة ماتت رجلاه فلا يحملانه وقد كان عليهما جوالا (إِلى رَبِّكَ) أي حكمة خاصة (يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) أي السوق. وقيل: أراد أن سوقه وقتئذ يفوض إلى الله دون غيره ، والفرق أن الرب أي حكمه في الأول هو المسوق إليه وهو في الثاني سائق يسوقه إلى الجنة أو إلى النار. قوله (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) الضمير فيه عائد إلى الإنسان المذكور في قوله (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) وقد سبق أن تعينه صنفيّ أو شخصي أخبر الله سبحانه عن اختلال حال أعماله فيما يتعلق بأصول الدين وفروعه قائلا (فَلا صَدَّقَ) أي فلا صدّق بالرسول أو بالقرآن أو بالبعث (وَلا صَلَّى وَلكِنْ كَذَّبَ) بالحق (وَتَوَلَّى) عن الطاعة (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) متبخترا مفتخرا بذلك وأصله يتمطط أي يتمدد لأن المتبختر يمد خطاه ، قلبت الطاء الأخيرة ياء كما في «تقضى البازي». ويحتمل أن يكون من مطا الظهر لأن المتبختر يلوي ظهره. قال أهل العربية «لا» هاهنا بمعنى «لم» وقلما تقع لا الداخلة على الماضي إلا مكررة ومنه الحديث «لا أكل ولا شرب ولا استهل» (١) أما قوله عز من قائل (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) [البلد: ١١] فسيجيء قال قتادة والكلبي ومقاتل: أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيد أبي جهل ثم قال له (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) يوعده ويدعو عليه بالهلاك والبعد عن الخير والقرب من المكاره ، وقد مر في قوله (فَأَوْلى لَهُمْ) [محمد: ٢٠] وذلك في سورة القتال. فقال أبو جهل: بأي شيء تهددني؟ لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا فيّ شيئا وأني لأعز أهل هذا الوادي ثم سل يده ذاهبا فأنزل الله كما قال الرسول. قال القفال: هذا محتمل ، ويحتمل أن يكون أيضا وعيدا مبتدأ من الله للكافر على طريقة الالتفات. ويحتمل أن يكون أمرا من الله لنبيه بأن يقوله لعدو الله فيكون القول مقدرا أي فقلنا لك يا محمد قل له هذا. ثم قال دليلين على صحة الخبر الأول (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) أي هملا لا يكلف ولا يحاسب بعمله وهذا خلاف الحكمة نظيره (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون: ١١٥] الثاني الاستدلال بالخلق الأول على الإعادة و (مَنِيٍّ يُمْنى) يراق في الرحم. من ذكّر فللمني ، ومن أنّث فللنطفة. والنطفة اسم لما ينطف كالقبضة لما يقبض والغرفة لما يغرف إلا أنها غلبت على الماء المخصوص الذي هو للحيوان بمنزلة البذر للنبات. والمني «فعيل» بمعنى «مفعول» من المني بالسكون وهو الدفق غلب أيضا على الماء المخصوص فقوله (مِنْ مَنِيٍ) أي من هذا الجنس كالتأكيد لها. وقوله

__________________

(١) رواه مسلم في كتاب القسامة حديث ٣٦ ـ ٣٨. أبو داود في كتاب الديات باب ١٩. الترمذي في كتاب الديات باب ١٥. النسائي في كتاب القسامة باب ٣٩ ، ٤٠. ابن ماجه في كتاب الديات باب ١١. الدارمي في كتاب المقدمة باب ٥٤. أحمد في مسنده (٢ / ٢٧٤ ، ٤٩٨) (٤ / ٢٤٥).

٤٠٦

(يُمْنى) تأكيد على تأكيد وفيه إشارة إلى حقارة الإنسان في ذاته وأنه لا يليق به التمطي والفخر والاستكبار عن طاعة خالقه فإنه مخلوق من المني الذي جرى على مجرى النجاسة نظيره في عيسى وأمه (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) [المائدة: ٧٥] والمراد به قضاء الحاجة. قوله (فَخَلَقَ فَسَوَّى) أي قدّر فعدّل أركانه. وقيل: خلق فيه الروح فصير أعضاءه متناسبة (فَجَعَلَ مِنْهُ) أي من الإنسان (الزَّوْجَيْنِ) الصنفين (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان إذا قرأ خاتمة السورة قال عقيبها: سبحانك بلى. والله الموفق وإليه المصير والمآب.

٤٠٧

(سورة الدهر وهي مكية حروفها ألف وثلاثة وخمسون

كلماتها مائتان وأربعون آياتها ٣١)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤) إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠) فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (٢٢) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦) إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٢٩) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٣١))

القراآت سلاسلا بالتنوين والوقف بالألف: أبو جعفر ونافع وعلي وأبو بكر وحماد وهشام (سَلاسِلَ) في الحالين: ابن كثير وحمزة وخلف وسهل ويعقوب يصلون بغير ألف

٤٠٨

ويقفون بالألف قوارير قوارير غير مصروفين في الحالين: حمزة ويعقوب كلاهما بالتنوين والوقف بالألف والثاني بغير الألف في الحالين. الباقون كلاهما بغير تنوين والوقف على الأول بالألف. (لُؤْلُؤاً) بالواو في الأول: شجاع ويزيد وأبو بكر وحماد. الآخرون: بهمزتين. عاليهم بسكون الياء وكسر الهاء: أبو جعفر ونافع وحمزة والمفضل الباقون: بفتح الياء وضم الهاء (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) بالرفع فيهما وإستبرق بالخفض: ابن كثير والمفضل وأبو بكر وحماد. الآخرون: بالخفض فيهما وما يشاؤن على الغيبة: ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو

الوقوف: (مَذْكُوراً) ه (أَمْشاجٍ) لا قد قيل يوقف عليه لئلا يوهم أن (نَبْتَلِيهِ) صفة له لأنه حال من (خَلَقْنَا) أي خلقناه مريدين ابتلاءه والوهم المذكور زائل لأن ضمير المفعول في (نَبْتَلِيهِ) واحد والأمشاج جمع. (بَصِيراً) ه (كَفُوراً) ه (سَعِيراً) ه (كافُوراً) ه ج لاحتمال أن يكون (عَيْناً) بدلا (تَفْجِيراً) ه (مُسْتَطِيراً) ه (شُكُوراً) ه (قَمْطَرِيراً) ه (سُرُوراً) ه ج (عَلَى الْأَرائِكِ) ط لاحتمال ما بعده الحال والاستئناف (زَمْهَرِيراً) ه ج لما يعرف في التفسير (تَذْلِيلاً) ه كانت قوارير ه لا وقيل: بوقف عليه وليس به لأن الثانية بدل من الأولى (تَقْدِيراً) ه (زَنْجَبِيلاً) ه ج لما مر في (كافُوراً سَلْسَبِيلاً) ه ج (مُخَلَّدُونَ) ه بناء على أن (حَسِبْتَهُمْ) صفة الولدان والظرف عارض (مَنْثُوراً) ه (كَبِيراً) ه (وَإِسْتَبْرَقٌ) كـ لاختلاف الجملتين مع أن وجه الحال في الواو واضح أي وقد حلوا (فِضَّةٍ) ج لأن الواو يحتمل الحال والاستئناف وهذا أولى لإفراد هذه النعمة العظيمة عن سائر النعم (طَهُوراً) ه ط (مَشْكُوراً) ه (تَنْزِيلاً) ه ج للآية مع الفاء (أَوْ كَفُوراً) ه (أَصِيلاً) ه ج لما ذكرنا (طَوِيلاً) ه (ثَقِيلاً) ه (أَسْرَهُمْ) ج (تَبْدِيلاً) ه (تَذْكِرَةٌ) ج (سَبِيلاً) ه (أَنْ يَشاءَ اللهُ) ط (حَكِيماً) ه والوصل أوجه بناء على أن الجملة صفة (فِي رَحْمَتِهِ) ط (أَلِيماً) ه

التفسير: اتفقوا على أن «هل» هاهنا وفي «الغاشية» بمعنى «قد» وهذا ما ذهب إليه سيبويه قال: وإنما تفيد معنى الاستفهام حيث تفيده لتقدير الهمزة ، وإنما حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال والدليل على تقدير الهمزة ، وإنما حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال والدليل على تقدير الهمزة ، جواز إظهارها مع «هل» كقوله:

سائل فوارس يربوع بشدتنا

أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم؟

ويربوع أبو حي من تميم ، ومعنى الآية أقد أتى. فالاستفهام يفيد التقرير وقد تفيد التقريب

٤٠٩

فيكون حاصله أنه (أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) قبل زمان قريب (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) وهو طائفة من الزمان غير محدودة. وعن ابن عباس وابن مسعود أن الإنسان هاهنا آدم والحين محدود وذلك أنه مكث أربعين سنة طينا إلى أن نفخ فيه الروح فصار شيئا مذكورا بعد أن كان كالمنسي وفي رواية عنه قال: أقام من طين أربعين سنة ، ومن صلصال أربعين. ثم من حمأ مسنون أربعين ، ثم خلقه بعد مائة وعشرين وإطلاق الإنسان عليه قبل نفخ الروح فيه من باب إطلاق الخمر على العصير. ويجوز أن يراد قد أتى على هذا الذي هو الآن إنسان بالفعل زمان لم يكن هو فيه إنسانا إلا بالقوّة وهذا صادق على آدم كما قلنا ، وعلى بنيه أيضا عند الأكثرين. ولعل هذه الآية كالتقدمة والتوطئة للتي تعقبها ، وكالتأكيد لخاتمة السورة المتقدمة. وقوله (لَمْ يَكُنْ) محله رفع على أنه نعت (حِينٌ) أو نصب على الحال من الإنسان لأنه في تقدير المفعول ويروى أن الصديق لما سمع هذه الآية قال: أيتها تمت أي ليت تلك الحالة تمت وهي كونه غير مذكور لم يخلق ولم يكلف. وقيل: الإنسان آدم كما ذكرنا ولكن الحين هو الستة الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض ثم فرغ لخلق آدم في عصر يوم الجمعة. وقيل: الإنسان عام والحين مدة فترة الرسل وقيل: الحين مدة لبثه في بطن أمه. قال ابن الأعرابي وطائفة من أهل اللغة: الأمشاج جمع مشيج وأمشاج فوصف المفرد بها جميعا نحو برمة أعشار للقدر المتكسرة قطعا ، وثوب أكياش للذي فتل غزله مرتين. يقال عليك بالثوب الأكياش فإنه من لباس الأكياس. والمعنى من نطفة قد امتزج فيها الماءان ماء الرجل. وهو أبيض غليظ ـ وماء المرأة ـ وهو أصفر رقيق ـ والأول يخرج من الصلب ، والثاني يخرج من الترائب ، فما كان من عصب وعظم فمن نطفة الرجل ، وما كان من لحم ودم فمن ماء المرأة. عن ابن مسعود: هي عروق النطفة. وقال الحسن: أي مزجت بدم الحيض الذي فيه غذاء الجنين ، وعن قتادة: هي أطوارها نطفة ثم علقة ثم مضغة وذهب إلى أنها العناصر وبالجملة فإنها عبارة عن انتقال النطفة من حال إلى حال ولهذا فسر الابتلاء بعضهم بهذا الانتقال ومنه قول ابن عباس (نَبْتَلِيهِ) أي نصرفه في بطن أمه نطفة ثم علقة. والأظهر أن حاصل المعنى خلقناه من أمشاج لا للعبث بل للإبتلاء والامتحان. ثم ذكر أنه أعطاه ما يصح معه الابتلاء وهو السمع والبصر اللذان هما أشرف الحواس ولهذا خصا بالذكر. وفيه إشارة إلى أن الحواس السليمة أسباب كلية لتحصيل الكمالات النفسية فمن فقد حسا فقد علما. وقيل: في الآية تقديم وتأخير ، ونبتليه معناه لنبتليه كقولك لرجل: جئتك أقضي حقك أي لأقضي حقك. والمعنى جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه. ثم أخبر أنه بعد أن ركبه وأعطاه الحواس الظاهرة والباطنة أوضح له بواسطة أن آتاه العقل السليم سبيل

٤١٠

الهدى والضلالة. فقوله (شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) حالان من مفعول (هَدَيْناهُ) أي مكناه وأقدرناه في هاتين الحالتين وقيل: تقديره هديناه السبيل فيكون إما شاكرا أو كفورا. وفيه جهة الوعيد أي فإن شاء فليكفر وإن شاء فليشكر فإنا أعتدنا للكافرين كذا وللشاكرين كذا. وجوز أهل العربية أن يكونا حالين من السبيل على الإسناد المجازي لأن وصف السبيل بالشكر والكفر مجاز ، وهذه الأقاويل تناسب أصول المعتزلة. أما الذي اختاره الفراء وهو مطابق لمذهب أهل السنة أن تكون «إما» في هذه الآية كما في قوله (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) [التوبة: ١٠٦] والمعنى هديناه السبيل ثم جعلناه تارة شاكرا تارة كفورا. والمراد بالشكر الإقرار بالله وبالكفر إنكاره حتى لا يكون بين الفريقين واسطة. ويجوز أن يريد بالشاكر المطيع وبأهل الكفر كل من سواه كان كفرانه مطلقا وهو الكافر بالله ، أو ببعض المعاصي وهو الفاسق. قوله (سَلاسِلَ) من قرأه بالتنوين فإنه صرفه لمناسبة. قال الأخفش: سمعنا من العرب صرف جميع مالا يصرف وهذه لغة الشعراء اضطروا إليه في الشعر فجرت ألسنتهم بذلك في النثر أيضا. وقيل: إنه مختص بهذه الجموع لأنها أشبهت الآحاد ولهذا جاز «صواحبات يوسف». وجوز في الكشاف أن يكون هذا التنوين بدلا من حرف الإطلاق ويجري الوصل مجرى الوقف ، ومثله (قَوارِيرَ) فيمن قرأ بالتنوين ، والاعتاد الإعداد ، والسلاسل للأرجل والأغلال للأيدي والأبرار جمع برّ وبار. عن الحسن: هم الذين لا يؤذون الذّر (مِنْ كَأْسٍ) أي إناء فيه الشراب. وقال ابن عباس ومقاتل: هو الخمر بعينها ، والمزاج ما يمزج به ، والكافور اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده ولكن لا يكون فيه طعم الكافور ولا مضرته ، والمضاف محذوف ماء كافور. والحاصل أن ذلك الشراب يكون ممزوجا بماء هذا العين قيل: «كان» زائدة والأظهر أنها مفيدة ولكنها مسلوبة الدلالة على المضي كقوله (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء: ١٧] عن قتادة: يمزج لهم بالكافور ويختم لهم بالمسك. وقيل: يخلق فيه رائحة الكافور وبياضه وبرده فكأنها مزجت بالكافور. قال جار الله: فقوله (عَيْناً) على هذين القولين بدل من محل (كَأْسٍ) على تقدير حذف مضاف كأنه قال: يشربون خمرا خمر عين ، أو نصب على الإختصاص. ولا خلاف بين العلماء أن عباد الله في الآية مختص بالمؤمنين الأبرار فغلب على ظنهم أن العباد المضاف إلى اسم الله سبحانه مخصوص في اصطلاح القرآن بالأخيار ، وعلى هذا يسقط استدلال المعتزلة بقوله (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر: ٧] كما مر في أول الزمر. وإنما قال أولا (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) وآخرا (يَشْرَبُ بِها) لأن الكأس هي مبدأ شربهم وأما العين فإنما يمزجون بها شرابهم فالباء بمعنى «مع» مثل «شربت الماء بالعسل»

٤١١

(يُفَجِّرُونَها) يجرونها حيث شاؤا من منازلهم (تَفْجِيراً) سهلا «قال مؤلف الكتاب»: لا يبعد أن يكون الخمر عبارة عن العلوم اللدنية الحاصلة بالذوق والمكاشفة. والكافور عبارة عن المعارف الحاصلة بواسطة البدنية ، ومزاجها تركيبها على الوجه الموصل إلى تحصيل لذات وكمالات أخر ، وتفجرها إشارة إلى اتصالها إلى أهلها من النفوس المستعدة لذلك. قال أهل النظم: حين وصف سعادة الأبرار كان لسائل أن يسأل: ما لهم يرزقون ذلك؟ فأجاب بقوله (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) وفيه أن الذي وفى بما أوجبه على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه الله عليه أوفى. ذكر الواحدي في البسيط والزمخشري في الكشاف وكذا الإمامية أطبقوا على أن السورة نزلت في أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا سيما في هذه الآي. يروى عن ابن عباس أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ناس معه فقال: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن أبرأهما الله يصوموا ثلاثة أيام فشفيا وما معهما شيء ، فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع من شعير فطحنت فاطمة منها صاعا واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم يا أهل محمد ، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما. فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه. ووقف عليهم في الثالثة أسير ففعلوا مثل ذلك. فلما أصبحوا أخذ علي رضي‌الله‌عنه بيد الحسن والحسين إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال: ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم. وقام وانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد لصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبرائيل وقال: خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك فاقرأه السورة. ويروى أن السائل في الليالي جبرائيل أراد بذلك ابتلاءهم بإذن الله سبحانه. ووصفهم الله سبحانه بالخوف من أهوال القيامة في موضعين أولا في قوله (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) أي مكروهه مستطيرا فاشيا منتشرا من استطار الحريق ، ومنه الفجر المستطير وأصله من طار. والغرض أنه تسع مكاره ذلك اليوم جميع المكلفين حتى الأنبياء يقولون: نفسي إلا نبينا محمد فإنه يقول «أمتي أمتي» والسموات يتفطرن والكواكب ينتثرن إلى غير ذلك من المكاره والأهوال. ولا ينافي هذا أمن المسلمين في الآخرة على ما قال (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) [الأنبياء: ١٠٣] وثانيا في قوله (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً) وإذا كان حال أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو حال الأبرار على العموم في الخوف من الله إلى هذه الغاية فغيرهم أولى بالخوف. وأما الضمير في (حُبِّهِ) فللطعام أي مع اشتهائه والحاجة إليه كقوله (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا

٤١٢

مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران: ٩٢] (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) [الحشر: ٩] وقال الفضيل بن عياض: أي على حب الله عزوجل نظير الآية قوله (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) [البقرة: ١٧٧] ومعنى المسكين واليتيم قد عرف مرارا ، وأما الأسير فعن سعيد بن جبير وعطاء: هو الأسير من أهل القبلة. وعن أبي سعيد الخدري: هو المملوك والمسجون. وسمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الغريم أسيرا فقال «غريمك أسيرك فأحسن أسيرك» وقد سمى الزوجة أسيرا أيضا فقال «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم» أي أسراء. عن الحس: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يؤتى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول: أحسن إليه فيكون عنده اليومين والثلاثة فيؤثره على نفسه. وعند عامة العلماء يجوز الإحسان إلى الكفار في دار الإسلام ولا تصرف إليهم الواجبات. والإحسان إليهم في الحال إلى أن يرى الإمام فيهم ما يرى من قتل أو من أو فداء أو استرقاق ، لا ينافي احتمال حكم الإمام عليهم بالقتل في المآل لأن سد خلتهم بالإطعام واجب على الفور وذلك يحتمل التراخي كما في حق من يلزمه القصاص ولم يكن له مال. ثم هذا الإطعام يجب أولا على الإمام فإن لم يفعله وجب على المسلمين. قال قتادة: كان أسيرهم يومئذ المشرك فأخوك المسلم أحق أن تطعمه. ثم الإطعام ليس بواجب على التعيين ولكن الواجب مواساتهم بأي وجه كان. وإنما عبر عن ذلك بالإطعام لأن سبب النزول كان كذلك ، ولأن المقصود الأعظم من أنواع الإحسان الطعام الذي به قوام البدن. يقال: أكل فلان مال فلان إذا أتلفه بأي وجه كان ، وإن لم يكن بالأكل نفسه. قوله (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) لرضاه خاصة. ولا بد من إضمار القول. ثم إن هذا القول يجوز أن يكون منهم باللسان منعا للسائل عن المجازاة بمثله ، أو بالشكر ليقع إطعامهم خالصا لله. ويجوز أن يكون بنطق الحال. قال مجاهد: إما إنهم ما تكلموا بذلك ولكن الله علم ذلك منهم فكشف عن نيتهم وأثنى عليهم. وفيه تنبيه على ما ينبغي أن يكون عليه المطعم بل كل عامل من إخلاص عمله لله. عن عائشة رضي‌الله‌عنها أنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت ثم تسأل الرسول ما قالوا فإن ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصا. والشكور مصدر كالكفور ولو فتحت أولهما عاد المعنى مبالغة في شاكر وكافر. قوله (إِنَّا نَخافُ) ظاهره أنه تعليل للإطعام ويجوز أن يكون تعليلا لعدم إرادة المجازاة. ووصف اليوم بالعبوس مجاز وذلك بطريقين أحدهما: أن يشبه في ضرره وشدته بالأسد العبوس أو بالشجاع الباسل. والثاني أن يوصف بصفة أهله من الأشقياء. يروى أن الكافر يعبس يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران. والقمطرير أشد ما يكون من الأيام وأطوله بلاء وأصله الشديد العبوس الذي يجمع ما بين عينيه.

٤١٣

والتركيب يدل على الجمع ومنه القمطر خريطة يجمع فيه الكتب ، واقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها وزمت بأنفها قاله الزجاج: فأصله من القطر وجعل الميم زائدة والظاهر أنها أصلية. وحين أخبر عن أعمال الأبرار وإخلاصهم ذكر ما سيجزيهم على ذلك وأكد تحقيق الوعد بأن عبر عنه بصيغة الماضي قائلا (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) أي مكروهه فإن كل ما يشق على النفس وتكرهه فهو شر بالإضافة إليها ، وإن كان خيرا في نفس الأمر مشتملا على الحكم والفوائد كالقصاص وسائر الحدود (وَلَقَّاهُمْ) أعطاهم (نَضْرَةً) في الوجوه (سُرُوراً) في القلوب بدل عبوس الكفرة وحزنهم (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) على التكاليف أو الإيثار المؤدي إلى إفناء المال المستتبع للجزع (جَنَّةً وَحَرِيراً) أي بستانا فيه مأكل هنيّ ولباسا له منظر بهيّ قال الأخفش والزجاج (مُتَّكِئِينَ) نصب على الحال من مفعول (جَزاهُمْ) وقيل: على المدح. وقيل: حال من الجنة. وضعف لأنه يستدعي إبراز الضمير بأن يقال: متكئين فيها هم. والزمهرير شدة البرد. والأظهر أن الميم والهاء أصليتان لعدم النظير لو جعل أحدهما زائدا ، والمعنى أن هواءها معتدل. وفي الحديث «هواء الجنة سجسج لا حر ولا قر». وعن ثعلب أن الزمهرير هو القمر بلغة طي واشتقاقه من الزهر ، والمراد أن الجنة لضيائها لا تحتاج إلى شمس ولا قمر. قوله (وَدانِيَةً) ذكر الأخفش والكسائي والفراء والزجاج أنه معطوف على (مُتَّكِئِينَ) كما تقول في الدار عبد الله متكئا ومرسلة عليه الحجال ، وإن جعلنا قوله (لا يَرَوْنَ) حالا صارت الأحوال ثلاثا والتقدير. وجزاهم متكئين فيها على الأرائك غير رائين فيها هواء مؤذيا ودانية عليهم الظلال. ودخلت الواو في الثالثة للدلالة على الاجتماع كأنه قيل: وجزاهم جنة متكئين فيها على الأرائك جامعين فيها بين البعد عن الحر والبرد وبين الدنو من الظلال. ويجوز أن يكون (دانِيَةً) معطوفا على (جَنَّةً) لأنهم وصفوا بالخوف. وقد قال سبحانه (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) [الرحمن: ٤٦] والتقدير: وجزاهم جنة أخرى دانية عليهم ظلالها. وقوله (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) من باب «علفتها تبنا وماء باردا» وذلك لأن الزمهرير لا يرى أي ولا ينالون زمهريرا وإن أريد بالشمس نكاية شعاعها وحرها فمعنى لا يرون لا ينالون ، ولا يخفى أن هذا الظل ليس بالمعنى المصطلح في الدنيا وهو الضوء النوراني فإنه لا شمس هناك ، فمعنى دنو الظلال أن أشجار الجنة خلقت بحيث لو كان هناك شمس لكانت تلك الأشجار قريبة الظلال على أهل الجنة وقد أكد هذا المعنى بقوله (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) أي لا تمتنع على قطافها كيف شاؤا. وقال ابن قتيبة: ذللت أي أدنيت من قولهم «حائط ذليل» إذا كان قصيرا قال البراء ابن عازب: من أكل قائما لم يؤذه ، ومن أكل جالسا ومضجعا أمكنه. وحين وصف طعامهم

٤١٤

ولباسهم ومسكنهم واعتدال هوائه وكيفية جلوسهم فيه أخبر عن شرابهم وقد ذكر الأواني. ومعنى قوارير من فضة أن جنس الآنية من الفضة إلا أن تلك الفضة في صفاء القوارير وشفافتها حتى يرى باطنها من ظاهرها ، وإذا كانت قوارير الدنيا وأصلها من الحجر في غاية الصفاء والرقة بحيث تحكي ما في جوفها فما ظنك بقوارير الجنة وأصلها من الفضة؟ ومعنى كانت كما مر في قوله (كانَ مِزاجُها كافُوراً) وقال في الكشاف: هو من قوله (كُنْ فَيَكُونُ) [يس: ٨٢] أي تكونت قوارير بتكوين الله والمراد تفخيم تلك الخلقة العجيبة الجامعة بين صفتي الجوهرين المتباينين. والضمير في (قَدَّرُوها) إما لأهل الجنّة أي إنها جاءت كما قدروا في أنفسهم حسب شهوتهم وحاجتهم ، وإما للطائفين أي قدروا شرابها على مقدار ري كل أحد من غير زيادة ونقصان. وقريب منه قول مجاهد: لا تنقص ولا تفيض. وقال الربيع بن أنس: إن تلك الأواني تكون مقدار ملء الكف لم تعظم فيثقل حملها. قوله (وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً) أي في الجنة إناء مملوأ من الخمر ، ويجوز أن يكون الضمير للأواني ، والكأس الخمر نفسها والعرب تحب طعم الزنجبيل في المشروب وتستلذه ولذلك وصف الله مشروبهم في الآخرة بذلك. قال ابن عباس: وكل ما ذكر الله في القرآن مما في الجنة فليس منه في الدنيا إلا الاسم. أما السلسبيل فقد قال ابن الأعرابي: لم أسمعه إلا في القرآن. وقال الأكثرون اشتقاقه من السلاسة. يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل أي عذب سهل المساغ فكأن الباء واللام زيدتا للمبالغة حتى صارت الكلمة خماسية. ويرد عليه أن الباء ليست من حروف الزيادة. قال الزجاج: السلسبيل في اللغة صفة لما كان في غاية السلاسة. والفائدة في تسميتها بالسلسبيل بعد تسميتها بالزنجبيل هي أنها في طعم الزنجبيل ولذته ولكن ليس فيها اللذاع الذي هو مناف للسلاسة. وقد نسب إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام أن معناه سل سبيلا إليها. ووجه أن صحت الرواية بأنها حينئذ جملة سميت بها مثل «تأبط شرا» وسبب التسمية في الأصل أنه لا يشرب منها إلا من سأل إليها سبيلا بالإيمان والعمل الصالح. وفي بعض شعر المتأخرين:

سل سبيلا فيها إلى راحة النف

س براح كأنها سلسبيل

والظاهر منع صرفه للعملية والتأنيث ولكن لم يقرأ به إلا في الشواذ والمتواترة التنوين ، ووجهه ما مر في سلاسلا على أن رعاية المشاكلة أولى لكونه رأس آية. ثم وصف خدمهم بقوله (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) ويجوز أن يكون هذا بيانا للطائفين في قوله (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ) وقد صرح به في الواقعة وزاد هاهنا أن شبههم في حسنهم وصفائهم وبقائهم وتفرقهم في المجلس لأصناف الخدمة باللؤلؤ المنثور. يحكى أن المأمون ليلة زفت إليه بوران بنت الحسن بن سهل وهو على بساط منسوج من ذهب وقد نثرت عليه

٤١٥

نساء دار الخلافة اللؤلؤ ، فنظر إليه منثورا على ذلك البساط فاستحسن المنظر وقال: لله در أبي نواس كأنه شاهد مجلسنا هذا حيث قال البيت:

كأن صغرى وكبرى من فواقعها

حصباء در على أرض من الذهب

وقيل: شبهوا باللؤلؤ الرطب إذا نثر من صدفه لأنه أحسن وأكثر ماء ، ثم أجمل نعيمهم لأنه مما لا يحصر ولا يخطر ببال أحد ما دام في الدنيا فخاطب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو كل راء قائلا (وَإِذا رَأَيْتَ) قال الفراء: مفعوله وهو الموصول مضمر تقديره ما (ثَمَ) كقوله (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام: ٩٤] يريد ما بينكم. وأنكر الزجاج وغيره حذف الموصول والاكتفاء بالصلة. والذي اختاره أصحاب المعاني أن يكون المفعول متروكا ليشيع ويعم. والمعنى أن الرائي أينما وجد الرؤية لم يتعلق إدراكه إلا بنعيم (وَمُلْكاً كَبِيراً) أي واسعا هنيئا. و «ثم» ظرف مكان أشير به إلى الجنة. روي أن أدنى أهل الجنة منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام. وقيل: الملك الكبير هو الذي لا زوال له. وقيل: هو أنه إذا أراد شيئا كان. ومنهم من حمله على التعظيم وهو أن يأتي الرسول بكرامة من الكسوة والطعام والشراب والتحف إلى ولي الله وهو في منزله فيستأذن عليه ولا يدخل عليه رسول رب العزة وإن كان من الملائكة المقربين إلا بعد الاستئذان قاله الكلبي: وقال أهل العرفان: الملك الكبير هو اللذات الحقيقية والمعارف الإلهية والأسرار الربانية التي تستحقر عندها اللذات البدنية. وعن علي أنه قرأ (مُلْكاً كَبِيراً) بفتح الميم وكسر اللام هو الله. من قرأ (عالِيَهُمْ) بسكون الياء فعلى أنه مبتدأ و (ثِيابُ سُندُسٍ) خبر أي ما يعلوهم من لباسهم ثياب سندس. ومن قرأ بالنصب فعلى أنه ظرف بمعنى فوق فيكون خبرا مقدما. ويجوز أن يكون نصبا على الحال من ضمير الأبرار أي ولقاهم نضرة وسرورا. حال ما يكون عاليهم ثياب سندس. أو يطوف عليهم أي على الأبرار ولدان حال ما يكون عاليهم ثياب سندس. ويحتمل أن يكون العامل (رَأَيْتَ) والمضاف محذوف والتقدير رأيت أهل نعيم وملك عاليهم ثياب سندس. من قرأ (خُضْرٌ) بالرفع فظاهر ، ومن قرأ بالجر فعلى الجوار أو على أنه صفة سندس بالاستقلال لأنه جنس فكان في معنى الجمع كما يقال: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض. وأما الرفع في (إِسْتَبْرَقٌ) فللعطف على ثياب ، والجر للعطف على سندس. وكلاهما ظاهر. قوله (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) إن كان الضمير للولدان فلا إشكال لأن أساور المخدومين تكون من ذهب كما قال سبحانه في مواضع (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) [الكهف: ٣١] وأساور الخدام تكون من فضة. وإن كان الضمير للأبرار فلا إشكال

٤١٦

أيضا فلعلهم يسورون بالجنسين إما على المعاقبة وإما على الجمع. وما أحسن بالمعصم أن يكون فيه سواران سوار من ذهب وسوار من فضة. وأيضا فالطباع مختلفة فرب إنسان يكون استحسانه لبياض الفضة ، ورب إنسان يكون استحسانه لصفرة الذهب فالله تعالى يعطي كل أحد بفضله ما تكون رغبته فيه أتم. وقال بعض أهل التأويل: أساور اليد أعمالها وأكسابها التي صارت ملكات نورانية بها يتوسل إلى جوار الحضرة الصمدية كما أن الذهب والفضة في الدنيا وسائل إلى تحصيل المطالب العاجلة. ثم ختم جزاء الأبرار بقوله (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) هو إما مبالغة طاهر والمراد أنها ليست بنجسة كخمور الدنيا ولا مستقذرة طبعا لمساس الأيدي الوضرة والأقدام النجسة والدنسة ، ولا تؤل إلى النجاسة ولكنها ترشح عرقا من أبدانهم له ريح كريح المسك. وإما مبالغة مطهر. قال أبو قلابة: يؤتون بالطعام والشراب ممزوجا بالكافور والزنجبيل فإذا كان ذلك سقوا هذا الشراب فتظهر بذلك بطونهم ويفيض عرق من جلودهم كريح المسك. وذكر أصحاب التأويل أن الأنوار الفائضة من العالم العلوي متفاوتة في الصفاء والقوة والتأثير فبعضها كافورية طبعها البرد واليبس ويكون صاحبها في الدنيا في مقام الخوف والبكاء والقبض ، وبعضها زنجبيليا على طبع الحر واليبس ويكون صاحبها قليل الالتفات إلى ما سوى الله قليل المبالاة بالجسمانيات ، ثم لا يزال الروح الإنساني ينتقل من نوع إلى نوع ومن مقام إلى مقام إلى أن ينتهي إلى حضرة نور الأنوار فيضمحل في نور تجليه سائر الأنوار ، وهذا آخر سير الصديقين ومنتهى درجاتهم في الارتقاء إلى مدارج الكمال ، فلهذا أضاف السقي إلى ذاته قائلا (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ) ثم ختم وعدهم بقوله (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً) عن ابن عباس أن هذا المعنى إنما يقال لهم بعد دخولهم الجنة ، فالقول مقدر والغرض إعلامهم أن كل ما تقدم من أصناف العطاء إنما هو جزاء أعمالهم والغرض إذاقة لذة الآخرة فإن سرورهم يزيد بذلك. وقال آخرون: إنه ابتداء خبر من الله تعالى لعباده في الدنيا ليعلموا في دار التكليف أن هذه الأشياء معدة في الآخرة لمن بر وأطاع. واعلم أنه سبحانه بين في أول السورة أن الإنسان وجد بعد العدم ، ثم ذكر أنه خلقه من أمشاج وهي العناصر والأخلاط والماءان ماء الرجل وماء المرأة ، والأطوار المتعاقبة على النطفة أو النفس أو البدن ، وعلى جميع التقادير فلذلك يدل على كونه فاعلا مختارا صانعا حكيما. ثم أخبر أنه ما خلقه لأجل العبث ماطلا باطلا ولكنه خلقه للابتلاء والامتحان وأعطاه كل ما هو محتاج إليه من العقل والحواس ثم إن مآل أمره بالجبر أو بالقدر إلى الشكر أو الكفر ، أما الكافر فله السلاسل والأغلال ، وأما الشاكر فله النعيم والظلال. واختصر في العقاب وأطنب في ذكر الثواب إشارة إلى أن رحمته سبقت غضبه.

٤١٧

وحين فرغ من شرح أحوال الآخرة بدأ بكيفية صدور القرآن الذي منه تعليم هذه العلوم والحقائق فقال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) وفيه أنواع من المبالغة من قبل إيقاع الضمير اسما لأن «ثم» تكريره ومن جهة ذكر المصدر بعد الفعل ومن جهة لفظ التنزيل دون الإنزال لأن تنزيل القرآن منجما مفرقا أقرب إلى تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتثبيت فؤاده ، وحيث سلى قلبه أمره بالصبر على أذى الكفار إلى أوان تنزيل آية القتال ونهاه عن طاعة كل آثم منهم وخصوصا الكفور فإن الكفر أعظم الآثام قال النحويون: كلمة أو مفيدة لأحد الشيئين أو الأشياء ، فأورد عليه أنه يلزم في الآية أنه لا يجوز طاعة الآثم والكفور إذا تخالفا. أما إذا توافقا فإنه يجوز طاعتهما إذ لا يبعد أن يقول السيد لعبده إذا أمرك أحد هذين الرجلين فخالفه. أما إذا توافقا فلا تخالفهما. والجواب أنه لا ريب أن قولك «لا تضرب زيدا أو عمرا» معناه في الأظهر لا تضرب زيدا ولا عمرا. ويحتمل احتمالا مرجوحا «لا تضرب أحدهما واضرب الآخر» إلا أن هذا الاحتمال مدفوع في الآية لقرينة الإثم والكفر فإن أحدهما إذا كان منهيا عنه فكلاهما معا أولى لأن زيادة الشرّ شرّ. ولهذا قال الفراء: لا تطع واحدا منهما سواء كان آثما أو كفورا. ولو كان العطف بالواو كان نصا في النهي عن طاعتهما معا ، ولا يلزم منه النهي عن طاعة كل منهما على الانفراد. وقد خص بعض المفسرين فقال: الآثم هو عتبة لأنه كان متعاطيا لأنواع الفسوق. والكفور هو الوليد لأنه كان شديد الشكيمة في الكفر. يروى أن عتبة بن ربيعة قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم: ارجع عن هذا الأمر حتى أزوجك ولدي فإني من أجمل قريش ولدا. وقال الوليد: أنا أعطيك من المال حتى ترضى فإني من أكثرهم مالا. فقرأ عليهم رسول الله من أول «حم السجدة» إلى قوله (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) فانصرفا عنه. وقال أحدهما: ظننت أن الكعبة ستقع. وقال الحسن: الآثم هو المنافق ، والكفور مشركو العرب ، أمره بالصبر على التكاليف مطلقا. ثم قسمها إلى نهي وأمر على هذا الترتيب لأن التخلية مقدمة على التحلية. أما النهي فقد مر ، وأما الأمر فأوله ذكر الله ولا سيما في الصلاة أول النهار وآخره وهو المراد بقوله (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ويشمل صلوات الفجر والظهر والعصر وأول الليل وهو المراد بقوله (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) أي وفي بعض الليل فصل له يعني صلاة المغرب والعشاء وأوسطه وهو المعنى بقوله (وَسَبِّحْهُ) أي وتهجد له طويلا من الليل ثلثيه أو نصفه أو ثلثه كما مر في «المزمل». ثم شرع في توبيخ المتمردين عن طاعته مستحقرا إياهم قائلا (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ) الدار (الْعاجِلَةَ) ونعميها الزائل (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) أي شديدا كقوله (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف: ١٨٧] ثم بين كمال قدرته قائلا (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا

٤١٨

أَسْرَهُمْ) أي ربطهم وتوثيقهم ومنه أسر الرجل إذا أوثق بالقد وبه سمى القد أسرا. والمعنى ركبناهم تركيبا محكما وتقنا مفاصلهم بالأعصاب والربط والأوتار حسب ما يحتاجون إليه في التصرف لوجوه الحوائج (وَإِذا شِئْنا) أهلكناهم بالنفخة و (بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ) في شدة الأسر عند النفخة الثانية. وقال جار الله: قيل معناه بدلنا غيرهم ممن يطيع وحقه أن يجيء بأن لا بإذا كقوله (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) [محمد: ٣٨] ممن يطيع (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) [إبراهيم: ١٩] قال الإمام فخر الدين الرازي: هذا الكلام كأنه طعن في لفظ القرآن وهو ضعيف لأن كل واحد من «إذا» «وإن» حرف الشرط. قلت: ما ذكره جار الله ليس طعنا في القرآن وإنما هو طعن في نفس ذلك القول بناء على أن «إذا» لا تستعمل إلا فيما كان مقطوع الوقوع كالإماتة بالنفخة الأولى والإحياء في النشأة الأخرى. أما الإهلاك على سبيل الاستئصال فذلك غير مقطوع به فلهذا ألا يحسن تفسير اللفظ به وتعين التفسير الأول ، والمبادرة بالاعتراض قبل الفهم التام ليس من دأب العلماء المتقين فعجب من مثله ذلك. قوله (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ) قد مر في «المزمل» والمقصود من إعادته أن هذه السورة بما فيها من الترتيب الأنيق تبصرة للمتأملين المتخذين إلى كرامة الله سبيلا بالطاعة والانقياد ، وفيه دليل للقدري. وفي قوله (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) إلى آخر السورة دليل للجبري والتوفيق بينهما مفوض إلى فهم أهل التوفيق وقدمنا فيه التحقيق. وانتصب (الظَّالِمِينَ) بفعل يفسره معنى أعد أو وعدت ونحوهما أوعد ، وبالله التوفيق وإليه المصير والمآب.

٤١٩

(سورة المرسلات وهي مكية حروفها ثمانمائة وستة عشر

كلماتها مائة وإحدى وثمانون آياتها خمسون)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤) فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (٧) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩) وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ (٣١) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤) هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠))

القراآت فالملقيات ذكرا بتشديد الذال للإدغام: أبو عمرو وحمزة في رواية عنهما عذرا بضم الذال: الشموني والبرجمي (أَوْ نُذْراً) بالسكون: أبو عمرو وحمزة وعلي وخلف وعاصم غير أبي بكر وحماد: وقتت بالتشديد وبالواو: أبو عمرو ويعقوب. وبالتخفيف: ويزيد. وفي رواية بإبدال الواو همزة كقولهم «أجوه» في «وجوه». الباقون: بالإبدال

٤٢٠