المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

له الألف أقرضني ألفا ، على ان أرهنك به ، وبالألف الذي لك عندي بغير رهن هذه الدار ، ففعل ذلك كان جائزا لأنه لا مانع يمنع من ذلك.

وإذا شرط المرتهن شرطا لنفسه فاما أن يكون شرط نماء الرهن ومنفعته لنفسه ، أو شرط ان يكون نماؤه داخلا في الرهن ، فان شرط لنفسه ذلك ، فاما ان يكون ذلك في دين مستقر في ذمته ، أو في دين مستأنف ، فإن كان في دين مستقر في ذمته فرهنه به رهنا وشرط له نماؤه ، كان الشرط باطلا والرهن صحيح ، وان كان في دين مستأنف فاما ان يكون في قرض أو بيع ، فان كان في قرض مثل ان يقول أقرضتك هذا الالف على أن ترهن دارك به وتكون منفعتها لي أو دابتك ويكون نتاجها لى ، لم يجز ذلك ، لأنه قرض يجر منفعة ، ويكون القرض باطلا والرهن صحيحا (١)

فان كان في بيع فاما أن يكون المنافع معلومة أو مجهولة ، فإن كانت معلومة مثل أن يقول بعتك هذا العبد بألف على ان ترهن دارك به ويكون منفعتها لى سنة كان هذا بيعا واجارة ، وذلك صحيح ، ويكون منافع الدار للمرتهن سنة ويكون كأنه اشترى عبدا بألف ومنافع الدار سنة ، وان كان المنافع مجهولة كان البيع فاسدا لان الثمن مجهول ، وإذا بطل البيع بطل الرهن ، لأنه فرع عليه.

هذا إذا شرط منفعة الرهن للمرتهن ، فاما ان شرط ان يدخل بها في الرهن ، فان كان ذلك في دين مستقر في ذمته بطل الشرط ولم يدخل في الرهن.

وإذا رهن نخلا على أن ما أثمرت يكون رهنا مع النخل أو رهن ماشية على ان ما نتجت يكون النتاج داخلا في الرهن ، كان ذلك جائزا (٢) وإذا قال رهنتك هذا

__________________

(١) كذا في المتن والمبسوط ولا أراه الا من الغفلة أو سهو القلم لما تقدم آنفا من ان الرهن أيضا باطل لأنه تابع للقرض ويأتي انه إذا بطل البيع بطل الرهن لأنه فرع عليه.

(٢) لا بد ان يكون المراد به غير الدين المستقر لئلا ينافي ما قبله.

٨١

الحق (١) بما فيه ، لم يصح الرهن بما فيه للجهل به ، ويصح في الحق ، وإذا قال رهنتك الحق ، دون ما فيه صح ذلك بغير خلاف ، والحكم في الجراب والصندوق والخريطة مثل ما ذكرناه في الحق على حد واحد.

وإذا شرط على المرتهن ان يكون الرهن مضمونا كان الشرط باطلا وإذا تلف الرهن ، كان للمرتهن الرجوع بدينه على الراهن ، سواء كان دينه أكثر من قيمة الرهن أو أقل ، لأنه امانة ، وسواء كان هلاكه بأمر ظاهر مثل الحريق أو النهب أو الغرق أو بأمر خفي مثل السرقة والتلصص الخفية أو الضياع ، فان اتهم المرتهن كان القول : قوله مع يمينه إذا لم يثبت بينة على بطلان قوله ، فان فرط في حفظه أو استعمله كان ضامنا له.

وإذا قضى الراهن دين المرتهن وطالبه به والرهن عليه (٢) فأخره ثم تلف ، فان كان تأخيره لغير عذر كان ضامنا له ، وان كان لعذر لا يتمكن معه من دفعه إليه في الحال بشي‌ء من الموانع مثل درب مغلق أو تضيق وقت صلاة فريضة ، أو طريق مخوف أو جوع شديد يخشى منه على نفسه فإذا أخره لشي‌ء من هذه الأعذار أو ما جرى مجراها لم يلزمه الضمان.

وإذا ادعى المرتهن رد الرهن على الراهن لم يقبل قوله الا ببينة، وكذلك المستأجر إذا ادعى رد العين المستأجرة على صاحبها لم يقبل قوله الا ببينة ، ويخالف الوديعة لأن المودع (٣) إذا ادعى رد الوديعة على صاحبها قبل قوله مع يمينه ، لأنه أخذها لمنفعة المودع.

والوكيل إذا ادعى الرد على الموكل فان لم يكن له جعل ، كان بمنزلة المودع ، وان كان له جعل أو كان العامل في القراض إذا ادعى الرد ، وكذلك

__________________

(١) بضم الحاء المهملة وعاء المال.

(٢) الصواب : وطالبه برد الرهن عليه كما في المبسوط.

(٣) بفتح الدال اى المستودع وفي التالي بكسرها.

٨٢

الأجير المشترك لا يقبل قوله الا ببينة.

وإذا أسلم إنسان إلى غيره في طعام وأخذ به رهنا صح الرهن ، فان تقايلا وفسخا عقد السلم سقط الطعام عنه ، وبرئت ذمته منه وانفك الرهن ، لأنه تابع للدين ، فاذا سقط بطل الرهن.

وإذا باع العدل بإذن الراهن والمرتهن وسلم الثمن الى المرتهن ثم وجد المشترى بالرهن عيبا فأراد رده لم يكن له رده على المرتهن ، ولم يكن له مطالبته بالثمن الذي قبضه ، لان المرتهن ملكه بتصرف حادث بعد البيع ، كما ان من باع ثوبا بعبد وقبض العبد وباعه ثم وجد المشترى بالثوب عيبا ، كان له رده على البائع ولم يكن له مطالبة المشتري بالعبد الذي ملكه بالشراء من البائع وكذلك إذا رهنه أو أعتقه.

فإذا كان كذلك فان كان العدل قرر في حال البيع ان المبيع للراهن وانه وكيل فيه ، لم يتعلق به من أحكامه شي‌ء ، ولم يكن للمشتري رده عليه ، ومطالبته بالثمن ، وكانت الخصومة بينه وبين الموكل في البيع ، وهو الراهن وينظر فيه ، فان صدقه على ان العيب كان في يده ، رده عليه ، وكان عليه مثل الثمن الذي قبضه منه وكيله ، فان لم يبين العدل حين باعه انه وكيل ، تعلق حكم العقد به في حق المشترى ، فان أقر العدل والراهن بان العيب كان قبل قبض المشترى رده على العدل ورجع عليه بالثمن ، ورجع العدل على الراهن ، وان لم يقرا بذلك ، وكان للمشتري بينة فهو كذلك. وان لم يكن له بينة ، كان القول قول العدل مع يمينه ، فان نكل عن اليمين ، ردت على المشترى ، فان حلف رد المبيع على العدل ، واسترجع منه مثل الثمن الذي دفعه ، ولا يرجع العدل هاهنا على الراهن ، لأنه مقربان العيب حادث في يد المشترى ، وانه لا يستحق الرد ، وانه ظالم بما رجع عليه من الثمن فلم يجز ان يرجع الظلم الأعلى ظالم.

فاما إذا استحق الرهن من يد المشترى ، وجب على المشترى رده على

٨٣

مستحقه ، وكان له الرجوع على المرتهن بما قبضه من الثمن ، لان ذلك عين ماله لم يملكه الراهن ولا المرتهن ، لان البيع وقع ثابتا (١) في الأصل.

فإن كان الرهن قد تلف في يد المشترى ، كان للمستحق ان يرجع بقيمته على من شاء من المشترى أو الراهن ، أو العدل.

أما المشتري فلأنه قبض ماله بغير اذنه ، وكذلك العدل.

واما الراهن فلانة غاصب ، ويستقر الضمان على المشترى ، لأنه تلف في يده ويرجع هو بما دفع من الثمن على المرتهن ، ان كان باقيا في يده وان شاء رجع على العدل ، وان كان قد مات ، وخلف تركة ووارثا وعليه دين ، يستغرق جميع التركة ، فرهن الوارث بعضها ، أو باعه ، لم يصح ذلك ، لتعلق الضمان بالتركة.

« تم كتاب الرهن »

__________________

(١) الصواب « فاسدا » كما في المبسوط ونسخة ( ب ) بعلامة البدل.

٨٤

كتاب

الوقوف والصدقات والعطايا والهبات

« باب الترغيب في فعل المعروف »

روى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، انه قال : تصدقت يوما بدينار ، فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا على اما علمت ان صدقة المؤمن لا تخرج من يده حتى يفك عنها لحى سبعين شيطانا (١).

وعنه ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ان صدقة السر تطفئ غضب الرب ، فاذا تصدق أحدكم بيمينه فليخفها من شماله. (٢).

__________________

(١) الوسائل ج ٦ ص ٢٥٧ وزاد بعده : كلهم يأمره بان لا يفعل وروى في الكافي باب فضل الصدقة من كتاب الزكاة عن الصادق عليه‌السلام قال واستنزلوا الرزق بالصدقة فإنها تفك من بين لحى سبع مأة شيطان.

قلت اللحى بفتح اللام منبت شعر اللحية وتثنيته لحيان وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان كما في التاج فالمراد ان الشيطان كثير المنع للصدقة بحيث كأنها تخلص من بين لحى كذا شيطانا.

(٢) مستدرك الوسائل ج ١ باب استحباب الصدقة في السر من كتاب الزكاة قلت إخفائها عن شماله كناية عن شدة الأسرار بها اى لا يبسط يمينه بإعطائها فيتقدم على شماله والنصوص في فضل صدقة السر وأنها تطفئ غضب الرب وتكفر الخطيئة وغير ذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام كثيرة جدا مبثوثة في أبواب آداب الصدقة زكاة البحار والوسائل ومستدركه وكنز العمال ج ٦ كما ورد نحوها أيضا في فضل الصدقة بالليل.

٨٥

وعن الباقر ـ عليه‌السلام ـ انه قال : اصطناع المعروف يدفع مصارع السوء وكل معروف صدقة ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف. (١)

وعن الصادق ـ عليه‌السلام ـ ارغبوا في الصدقة ، وبكروا فيها ، فما من مؤمن ولا مؤمنة يتصدق بصدقة حين يصبح ، يريد بها ما عند الله ، الا دفع الله بها عنه من شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم. (٢)

وعن الباقر عليه‌السلام : ان الصدقة يضاعف في يوم الجمعة. (٣)

وعن على عليه‌السلام : الصدقة والحبس ذخيرتان ، فدعوهما ليومهما. (٤)

« باب الوقوف والصدقات »

« الوقف في الأصل ، صدقة » ويثبت صحته بأمرين : أحدهما : صحة التصرف فيما يقفه الإنسان ، إما بملك ، أو اذن ، والأخر : ان يقبضه ، ويخرجه عن يده الى من هو وقف عليه ، أو لمن يتولى عنه ذلك ، أو يقوم مقامه في قبضه ، فاذا وقف على خلاف ذلك ، كان باطلا ، فان مات الواقف والحال فيما وقفه وحبسه على ما ذكرناه ، كان ميراثا لورثته ، وليس يجوز الوقف الا فيما يحصل به الانتفاع على الاستمرار

__________________

(١) الوسائل ج ١١ الباب ١ من فعل المعروف والبحار ج ٧٤ باب فضل الإحسان والمعروف وقد ورد فيهما عن الأئمة عليهم‌السلام أخبار كثيرة مثل ما في هذا الخبر.

(٢) الوسائل ج ٦ باب استحباب التبكير بالصدقة ص ٢٦٧

(٣) الوسائل ج ٥ باب استحباب الصدقة يوم الجمعة من أبواب صلاة الجمعة الحديث ٢ و ٣ وفي معناه أخبار أخر كما في الباب ٤٠ من المذكور و ٢١ من زكاة البحار ج ٩٦ ص ١٨٠

(٤) مستدرك الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، الباب الأول ، الحديث الثالث.

٨٦

وعينه قائمة ، أو فيما يكون له أصل ثابت ، وان لم يستمر الانتفاع به الا في أوقات مخصوصة ، فاما الأول : فهو كالدور ، والمساكن ، والضياع ، والأراضي ، والرقيق والحلي ، وكتب العلوم ، والمصاحف ، وما جرى مجرى ذلك ، وآلات الحرب. إذا وقف ذلك في الجهاد ، مثل السيوف ، والدروع ، والخيل ، وما جرى هذا المجرى.

واما الثاني : فهو كالنخل ، لأنه يصح وقف ثمرته (١) ، والأصل ثابت ، وكذلك جميع ما جرى هذا المجرى ، ولا يجوز وقف ما لا ينتفع به ، الا باستهلاك عينه ، كالدنانير والدراهم ، وما يؤكل ، ويشرب ، وما أشبه ذلك.

والصدقة ضربان : مطلقة وغير مطلقة ، فالمطلقة : هي كل صدقة حصلت عارية من جميع الشروط ، والذي ليس بمطلق منها ضربان : مشروط ومؤبد ، والمشروط : كل صدقة علق الانتفاع بها بشرط لا يفيد التأبيد ، واما المؤبد : فهو كل صدقة شرط إيصال (٢) الانتفاع بها الى ان يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، والصدقة المطلقة يقتضي التمليك لرقبة الملك المتصدق به ، ويصح من المتصدق عليه به التصرف في ذلك بالبيع ، والهبة وغير ذلك من وجوه التصرف.

واما الصدقة المشروطة : فإنها إذا وقعت كذلك ، اقتضت تمليك الانتفاع بمنافعها دون رقبة الملك ، ولا يصح تصرف المتصدق عليه بها في رقبة الملك ، بل له التصرف في المنافع بحسب ما يقتضيه الشرط الحاصل فيها.

واما المؤبد ، فإذا وقعت الصدقة عليه كانت وقفا وحبسا ، واقتضت صحة التصرف في منافعها من الموقوف عليه الى حين انقراضه ، ثم ينتقل ذلك الى من شرط رجوع ذلك اليه من بعده.

فان وقف إنسان وقفا ، فيجب ان يذكر الموقوف عليه ، ويقصد به وجه الله تعالى ، فان وقفه ولم يذكر الموقوف عليه ، ولا قصد به وجه الله ، لم يصح الوقف ، وليس

__________________

(١) كأنه من سهو قلم الناسخ وصوابه يصح الانتفاع بثمرته.

(٢) في هامش نسخة ( ب ) عن نسخة اخرى « اتصال الانتفاع ».

٨٧

يجوز ان يقف الا ما يملكه ، فان وقف ما لا يملكه ، كان باطلا.

وإذا وقف وقفا ، ولم يخرجه من يده ، ولم يقبضه الموقوف عليه أو من يتولى عنه ذلك ، كان باطلا أيضا ، فان مات المالك والحال فيما وقفه على ما ذكرناه ، كان ميراثا.

وإذا كان لإنسان أولاد صغار ، أو كبار ووقف على الكبار ، لم يكن بد من ان يقبضهم ما وقفه عليهم ، وان لم يقبضهم ذلك لم يصح الوقف ، وجروا في ذلك مجرى الأجنبي ، في انه إذا وقف عليه ولم يقبضه ، كان الوقف باطلا ، فان وقف على الصغار ، كان وقفه صحيحا ، وان لم يصح منهم القبض لذلك في حال صغرهم ، لأنه هو الذي يتولى عنهم ذلك ، وتوليه لهم يقوم مقام قبضهم له (١).

وإذا وقف الإنسان شيئا ، ثم أخرجه من يده وملكه ، لم يجز له تغيير شي‌ء من شروطه ، ولا الرجوع فيه ، ولا في شي‌ء منه ، ولا نقله عن وجوهه ولا عن شي‌ء منها وإذا وقف شيئا ، فينبغي ان ينوي به وجه الله ، فان لم يفعل ذلك كان باطلا ، كما قدمناه ، وإذا لم يقصد بالصدقة التي ليست وقفا ذلك أيضا لم تصح الصدقة.

وقف المفتوحة عنوة

ولا يجوز ان يقف شيئا مما افتتحه المسلمون عنوة ، الا ان يصطفي الإمام شيئا منه لنفسه ، ثم يملكه ذلك ، أو يقطعه إياه ، وليس يجوز ان يقف الإنسان شيئا على من لم يوجد بعد ، وليس معه موجود ، فان فعل ذلك كان الوقف باطلا ولا يجوز لمسلم ان يقف وقفا على أحد من الكفار ، فان وقف ذلك كان باطلا ، وقد ذكر جواز ذلك في الأبوين ، إذا كانا كافرين ، والظاهر ما ذكرناه.

والوقف يجب ان يجرى على ما يقفه الواقف ، ويشترط فيه ، ولا يجوز لأحد

__________________

(١) لما في صحيح محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام قال في الرجل يتصدق على ولد له قد أدركوا إذا لم يقبضوا فهو ميراث وان تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لأن والده هو الذي يلي أمره اه وهذا الخبر من أقوى ما دل على ولاية الأب لولده الصغير.

٨٨

تغيير شي‌ء من سائر شروطه ، اللهم الا ان يكون شرطا يتعلق بوجه قبح ، فإنه يجب تغييره لذلك.

وإذا وقف إنسان على ولد له موجود ، وهو صغير ، ثم ولد له بعده غيره ، وأراد ان يدخله في الوقف مع الأول ، كان جائزا ، (١) الا ان يكون قد خص الولد الموجود بذلك وقصره عليه ، وشرط انه له دون غيره ممن عسى ان يرزقه الله من الأولاد ، فإنه لا يجوز ان يدخل غيره في ذلك.

وإذا وقف إنسان على ولده ، وكان منهم ذكور وإناث وشرط تفضيل البعض منهم على البعض ، كان جائزا ، واجرى على حسب ما شرطه ، وان لم يشترط ذلك كان الذكر والأنثى فيه سواء من ولده وولد ولده ، لان الاسم يتناول جميعهم.

وان شرط ان يكون الوقف بينهم على كتاب الله ، أو قال على فرائض الله ، كان بينهم ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) ، وان وقف شيئا على أبويه ، كان الحكم فيهما أيضا على مثل ما قدمناه ، وإذا وقف إنسان شيئا على المسلمين كان ذلك لجميع من أقر بالشهادتين ، وأركان الشريعة ، من الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد.

فان وقفه على المؤمنين ، كان ذلك لمجتنبي الكبائر من أهل الحق والمعرفة بالإمامة دون غيرهم ، ودون الفساق منهم ، فان وقفه على الشيعة ، ولم يعين منهم فرقة دون اخرى ، ولا قوما دون قوم ، كان ذلك جاريا على الشيعة الإمامية ، والجارودية وجميع فرق الشيعة ، من الكيسانية ، والناووسية ، والفطحية ، والواقفية ، والاثني

__________________

(١) يعني يجوز تغيير الوقف في هذا الفرض ونحوه في نهاية الشيخ بدون الاستثناء المذكور هنا ووجهه ما ورد انه إذا جعل شيئا لولده الصغير ثم بدا له ان يدخل معه غيره جاز لكن المشهور على خلافه وحملوا الخبر على غير ذلك نعم لو شرط في الوقف ان يدخله معه ان أراد فالمعروف هو الجواز كما يجوز ان يقف أولا على ولده الموجود ومن يولد له ولعل هذا مراد المصنف وان كان خلاف الظاهر من كلامه ولذا لم يذكره الفقهاء المتعرضون له الا انه انسب بالاستثناء المذكور

٨٩

عشرية ، الا البترية (١) ، فإنهم لا يدخلون معهم جملة.

فإن وقفه على الإمامية ، كان جاريا على القائلين بإمامة الاثني عشر ، فان وقفه على الزيدية ، كان جاريا على القائلين بإمامة زيد بن على ، وامامة كل من خرج بالسيف من ولد فاطمة عليها‌السلام.

« تقسيم الوقف حسب الموقوف عليه »

وان وقفه على الهاشميين ، كان جاريا على ولد هاشم ابن عبد مناف ، وولد ولده الذكور منهم والإناث.

فإن وقفه على الطالبيين ، كان جاريا على أولاد أبي طالب ، وولد ولده من الذكور والإناث.

فإن وقفه على العلويين ، كان جاريا على ولد على عليه‌السلام من الحسنيين ، والحسينيين ، والعباسيين ، والمحمديين ، والعمريين ، وولد ولدهم الذكور والإناث.

فإن وقفه على ولد فاطمة ، كان جاريا على ولد الحسن ، والحسين عليهما‌السلام : الذكور والإناث.

فإن وقفه على الحسنيين ، لم يكن للحسينيين معهم في ذلك شي‌ء ، وكان

__________________

(١) بضم الباء الموحدة وسكون التاء أو بتقديم التاء المفتوحة على الباء فرقة من الزيدية دعوا إلى ولاية على عليه‌السلام وخلطوها بولاية أبي بكر وعمر واثبتوا لهما الإمامة فخروجهم من الشيعة في ذلك لان هذا العنوان عند الفقهاء الإمامية اسم لمن قدم عليا عليه‌السلام على غيره في الإمامة كما ذكره العلامة في القواعد في هذا المقام وما في كتب العامة من عد هذه الفرقة من الشيعة كما في الملل والنحل أو عد رجالها منهم كما في تهذيب التهذيب في كثير بن إسماعيل النواء فهو على اصطلاحهم في التشيع وهو القول بتقديم على عليه‌السلام على عثمان ومعاوية أو تقديم أهل البيت عليهم‌السلام على غيرهم في الكرامة وامامة المذهب كما يظهر ذلك بمراجعة تراجمهم.

٩٠

جاريا على أولاد الحسن الذكور منهم والإناث.

فإن وقفه على الحسينية ، لم يكن للحسنية معهم شي‌ء على حال. فان وقفه على الموسويين ، كان جاريا على أولاد موسى بن جعفر عليهما‌السلام : الذكور والإناث.

فإن وقفه على جيرانه ، ولم يذكرهم بأسمائهم ، ولا عينهم بصفاتهم ، كان جاريا على من بين داره وبين دارهم أربعون ذراعا ، من اربع جوانبها ، ولم يكن لمن خرج عن هذا التحديد من الجيران في ذلك شي‌ء. فان وقف ذلك على قومه ، ولم يذكر أسمائهم ، كان ذلك جاريا على أهل لغتهم من الذكور دون الإناث فإن وقفه على عشيرته ، كان جار يا على الخاص من قومه الذين هم أقرب إليه في نفسه.

وان وقفه على مستحق الخمس ، كان جاريا على ولد أمير المؤمنين عليه‌السلام وولد جعفر ، وعقيل ، والعباس.

فان وقفه على مستحق الزكاة ، كان جاريا على الثمانية الأصناف الذين تقدم ذكرهم في باب الزكاة.

فإن وقفه على أحد الأجناس الذين ذكرناهم وكانوا كثيرين في البلاد ومتفرقين فيها : كان ذلك جاريا على من يكون حاضرا في البلد الذي فيه الوقف ، دون ما عداه من البلد.

فان وقفه على وجه من الوجوه في البر ، أو على (١) قوم معينين ولم يشرط رجوعه على شي‌ء معين بعد انقراض من ذكره ، ثم انقرض الموقوف عليه ، كان راجعا إلى ذرية الواقف.

فان وقفه على المساجد ، أو الكعبة ، أو المشاهدة ، أو ما جرى مجرى ذلك من مواضع العبادات التي يتقرب فيها المسلمون الى الله تعالى ، أو وقفه على شي‌ء

__________________

(١) لفظة « أو » ليست في نسخة ( ب ) وهي موجودة في نسخة الأصل ونهاية الشيخ وهذا أصح من جهة العبارة والا فليس لذكر وجه من وجوه البرهان فائدة لكن ينافيه ما يأتي قريبا من انه إذا وقف على مصلحة فانقرضت جعل منافعه في وجه البر

٩١

من مصالحها ، أو سكانها والمقيمين بها ، أو أحوالهم وأحوالها (١) كان جاريا على ذلك

« تقسيم الوقف حسب الواقف »

فان وقف المسلم شيئا على البيع ، والكنائس ، أو شي‌ء من بيوت عبادات الكفار على اختلافهم ، كان باطلا.

فان وقفها الكافر على ذلك ، كان ماضيا صحيحا. فان وقف الكافر أيضا شيئا على الفقراء ، كان جاريا على فقراء أهل ملته ، دون من عداهم من فقراء الملل المخالفة لملته.

وإذا كان الشي‌ء وقفا على قوم ، ومن بعدهم على غيرهم ، وكان الواقف قد اشترط رجوعه الى غير ذلك ، الى ان يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، لم يجز بيعه على وجه من الوجوه.

وان كان وقفا على قوم مخصوصين ، وليس فيه شرط يقتضي رجوعه الى غيرهم حسب ما قدمناه ، وحصل الخوف من هلاكه وإفساده ، أو كان بأربابه حاجة ضرورية يكون بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم ، أو يخاف من وقوع خلاف ، بينهم ، يؤدى الى فساد ، فإنه يجوز حينئذ بيعه ، وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم فان لم يحصل شي‌ء من ذلك لم يجز بيعه أيضا على وجه من الوجوه.

ولا يجوز هبة الوقف ، ولا الصدقة به أيضا.

وإذ وقف إنسان شيئا على مصلحة ، فانقرضت ، أو بطل رسمها جعلت منافعها

__________________

فإن المصلحة أيضا من وجوه البر كما يأتي الا ان يكون المراد بما هنا العناوين العامة كالفقراء والقوم معين الأشخاص والجهات الراجعة إلى مصالح المسلمين كالمشاهد ولعل وجه الفرق ان الوقف في الأخير ملك لله تعالى كما قيل وقد ورد ان ما كان لله فلا يرد وفي الأولين ملك للأشخاص وذكر المحقق رحمه‌الله في نكت النهاية وجها آخر حاصله انه في الأخير وقف وفي الأولين حبس فراجع كلامه فيها.

(١) اى على مراعاة أحوالها وكأنه عبارة أخرى عن المصالح.

٩٢

على وجه من وجوه البر ، وإذا ذكر شيئا على وجه من وجوه البر ، ولم يذكره على التعيين ، كان جاريا على الفقراء ، والمساكين ، ومصالح المسلمين.

ومن وقف شيئا لم يجز له ان يأكل منه ولا ان يسكن فيه فان أكل منه شيئا كان عليه قيمته ، وان سكن كان عليه أجرته ، هذا إذا كان قد وقفه على قوم معينين من ولده ، أو غيرهم ، فان لم يكن وقفه على قوم مخصوصين ، بل وقفه عاما ، وكان ذلك مسجدا ، أو ساقية ، كان له الصلاة في المسجد ، والشرب من الساقية ، وكذلك لجميع الفقراء ، والأغنياء ، وان كان ثمرة ملك ، أو غلة ، وافتقر حتى احتاج الى ذلك ، وكان الوقف عاما ، كان حكمه كحكم غيره من الفقراء والمساكين ، وان لم يكن عاما ، وكان مخصوصا بقوم معينين لم يجز له ذلك ، وان كان ما وقفه دارا ، أو منزلا ، وكان وقفه كذلك عاما في سائر الناس ، مثل الدور التي ينزلها الحاج ، والخانات جاز له النزول فيها ، وان لم يكن كذلك ، لم يجز له ، ومن وقف شيئا ، وشرط انه متى احتاج اليه كان له بيعه ، أو كان أحق به ، كان ذلك ما شرطه ، فان مات كان ميراثا لورثته ، ولم يثبت كونه وقفا ساريا بعد موته.

« في الوقف المشاع »

والوقف والصدقة التي ليست وقفا ، يصحان في المشاع ، كما يصحان فيما ليس بمشاع ، كما ذكرناه وإذا كان المشاع بين شريكين ، أو أكثر جاز لكل واحد ان يقف بما يملكه منه ، أو يتصدق به على من شاء على اى وجه اختاره.

ومن تصدق بصدقة لم يجز له استرجاعها ببيع ، ولا غيره ، فان رجعت اليه بالميراث ، كان جائزا ، وصح التصرف فيها بالملك.

وإذا حبس إنسان مملوكه في خدمة البيت ، أو معونة الحاج ، والزوار ، أو فرسه في الجهاد ، أو دابته في سبيل الله ، وعجز المملوك عن ذلك ، لمرض ، أو غيره ، أو عجزت الدابة ، أو دبرت ، أو مرضت ، سقط عن المملوك فرض القيام بما حبس فيه ، فان عاد كل واحد من ذلك الى الصحة كان الشرط فيه قائماً الى

٩٣

ان يموت المملوك ، أو ينفق الدابة.

وإذا كان على رجل مهر لزوجته ، لها أولاد صغار ، وله أولاد ، فتصدق بجميع ما يملكه على أولاده فرارا من المهر ، كانت الصدقة ماضية ، والمهر في ذمته يجب عليه الوفاء به ، والمطالبة حتى يبرأ ذمته ، وإذا تصدقت الزوجة على زوجها بصداقها ، أو ببعضه ، كان ذلك جائزا.

وإذا وقف إنسان حصته من ارض ، كان صحيحا ، كما قدمناه ولم يثبت لشريكه في ذلك شفعة ، لأن الوقف ليس ببيع ، والشفعة انما تثبت في البيع.

فان وقف حصته من عبد ، كان جائزا ، فإن أعتقه الواقف بعد ذلك لم يصح عتقه ، لان ملكه بالوقف قد زال عنه وإذا جنى العبد الموقوف جناية عمد ، وكانت قتلا ، قتل ، وبطل الوقف ، وان كان قطعا قطع ، وبقي الباقي وقفا كما كان ، فان كانت الجناية خطأ ، يوجب المال كان ذلك في ماله ، ولم يتعلق المال برقبته ، لأنه انما يتعلق برقبة من يباع فيه ، وهذا لا يصح بيعه ، فان جنى عليه فقتل ، وجبت قيمته ، لأنه يضمن بالغصب.

وإذا وقف جارية ، صح تزويجها ، لان ذلك عقد معاوضة على منفعتها ، وجرى ذلك مجرى إجارتها في الصحة ، لما ذكرناه وعلى هذا يكون المهر لمن هو وقف عليه ، لأنه من كسبها ، فإن أتت بولد كان حرا ، إذا زوجت بحر ، وان كان مملوكا كان بينهما.

« باب النحلة والهبة »

الهبة ضربان : أحدهما يجوز للواهب الرجوع فيه ، والأخر لا يجوز له الرجوع فيه ، والذي يجوز له الرجوع فيه هو كل هبة وهبها الإنسان لا جنبي ، وكانت قائمة العين ، ولم يتعوض عنها عوضا ، وان كانت قد قبضت ، فان كان قد تعوض عنها شي‌ء قليلا كان أو كثيرا ، لم يجز له الرجوع في شي‌ء منها ، وكل هبة كانت لذي رحم منه ، ولم يقبضها الموهوب له ، والذي لا يجوز له الرجوع

٩٤

فيه من ذلك كل هبة وهبها لأولاده الأصاغر ، لأن قبضه قبضهم ، فلا يجوز له الرجوع في ذلك ، وكل هبة كانت لذي رحمه أولادا كانوا أو غير أولاد ، وكانت قد قبضت ، فان لم يكن قبضت. كان الرجوع فيها جائزا ، والأفضل له ان لا يرجع فيها ، وان مات قبل قبضها كان ميراثا.

وإذا وهب الإنسان لصغير من ذوي أرحامه الذي ليسوا بولد له ، وقبضه وليه ، لم يجز له الرجوع فيه ، وإذا لم يتعوض الواهب من الهبة وهلك ، أو تصرف الموهوب له فيها ، لم يجز للواهب الرجوع فيها ، ولا في شي‌ء منها.

« الهبة عقد جائز »

وإذ وهب الإنسان هبة صحيحة ، وباعها قبل القبض ، كان البيع ماضيا ، وانفسخت الهبة ، وان كان بعد القبض ، كان البيع باطلا : فان كانت الهبة فاسدة ، وباعها قبل القبض كان البيع صحيحا ، وان كان البيع بعد القبض ، وكان يعتقد انها صحيحة ، وان الموهوب له قد ملكها صحت (١) ولم يصح بيعها لان ذلك صار ملكه.

وإذا كانت الهبة انما يلزم بالقبض ، وقبضها الموهوب له بإذن الواهب صحت ، وثبت له الملك من حين القبض ، فان قبضها بغير اذن الواهب له في قبضها كان القبض فاسدا ، ووجب عليه ردها.

وإذا وهب شيئا ، وقبل الموهوب له الهبة ومات الواهب قبل القبض لم يبطل العقد بموته ، وقام الوارث مقامه في ذلك.

وإذا وهب لغيره هبة ، وقبل الموهوب له ذلك واذن الواهب له في قبضها ، ثم رجع عن ذلك قبل القبض ، لم يجز للموهوب له قبضها ، فان قبضها بعد الرجوع ،

__________________

(١) وجهه غير ظاهر فإنه إذا كانت الهبة فاسدة فاعتقاد صحتها من الواهب لا يصيرها صحيحة ويمكن ان يكون في العبارة تصحيف وصوابها كما في المبسوط صح بيعها لان ذلك صادف ملكه.

٩٥

لم يكن قبضه لها صحيحا ، وان رجع الواهب بعد القبض كان الهبة صحيحة ، ولزم العقد ، ولم ينفعه رجوعه بعد ذلك.

وإذا قال وهبت لك هذا الشي‌ء ، وقبل الهبة وأقبضته إياها ، كان العقد صحيحا ولزم بإقراره ، ولا فرق في ذلك بين ان تكون الهبة في يد الواهب ، أو في يد الموهوب له ، لان كونه في يد الواهب لا يدل على انه ما أقبضه ، من حيث انه يجوز ان يكون أقبضه ، ثم رجع اليه بسبب آخر ، فان قال بعد ذلك ما كنت أقبضته إياها ، وانما كنت ، وعدته بالقبض ، لم يقبل رجوعه عن إقراره. لأنه يكذب نفسه فيما تقدم من إقراره ، فإن أراد يمينه على انه كان أقبضه كان له ذلك.

وإذا قال وهبت له هذا الشي‌ء وخرجت اليه منه ، لم يكن ذلك صريحا في القبض ، فان كان في يد الموهوب له ، كان ذلك جائزا : وإقرارا بالقبض ، ويكون ذلك امارة على انه أراد به القبض ، وان كان في يد الواهب لم يلزمه الإقرار بالقبض ، ويكون معنى قوله « خرجت اليه منه » انه اذن له في القبض ، ولم يقبض ذلك بعد ، وإذا قال الموهوب له « وهبت لي هذا الشي‌ء وأقبضتنيه وملكته » فقال له الواهب « نعم » كان ذلك إقرارا بلزوم الهبة ، فكأنه قال وهبت لك ، واقبضتكه ، وملكته ، لان لفظة نعم يرجع الى جميع ذلك على وجه التصديق ، ولهذا لو قال إنسان « لي عليك الف درهم » فقال « نعم » يلزمه الف درهم.

وإذا وهب إنسان شيئا لاثنين فقبلا ذلك ، وقبضاه تمت الهبة في الجميع ، وان قبل أحدهما وقبض ، تمت الهبة في حقه دون صاحبه ، لأنه بمنزلة العقدين ، لان العقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين والصفقتين إذا انفردتا.

« ما هي النحلة »

واما النحلة فهي العطية وهي للولد وذوي الرحم والقرابة أفضل ، ويستحب إذا اعطى الإنسان ولده ان يقسم بينهم ، ويسوى بين جميعهم ، ولا يفضل بعضهم على بعض ، سواء كانوا ذكورا أو إناثا أو ذكورا وإناثا ، فإن خالف ذلك وفضل

٩٦

بعضهم على بعض ، أو اعطى بعضا منهم وحرم بعضا ، كان جائرا (١) ويكون تاركا للأفضل ، وصدقة التطوع عندنا بمنزلة الهبة في جميع الأحكام ، ومن شرطها القبول والإيجاب ، ولا يلزم الا بالقبض ومن له الرجوع في الهبة له الرجوع في الصدقة (٢).

« باب الهدية »

من السنة ومكارم الأخلاق ، الهدية وقبولها (٣).

__________________

(١) كتب في هامش النسخة تحت هذه الكلمة : اى ظالما لنفسه ولغيره كذا في النهاية قلت فعليه تكون بالراء المهملة لكن الظاهر انها بالزاء المعجمة كما في نسخة ( ب ) لقوله بعد ذلك ويكون تاركا للأفضل كما ورد في النصوص التصريح بجوازه وصرح به الشيخ أيضا في النهاية.

(٢) مقتضاه جواز الرجوع في الصدقة على غير ذي الرحم بعد القبض ونحوه في المبسوط وهذا مع كونه مخالفا للنصوص الكثيرة الدالة على عدم جواز الرجوع في الصدقة مطلقا وعن جماعة دعوى الإجماع عليه ، مناف لما تقدم في الوقف وذكره الشيخ في النهاية في باب الهبة من ان من تصدق بصدقة لم يجز له استرجاعها ببيع وغيره فلعل المراد بما هنا قبل القبض أو غير ذلك كما في مفتاح الكرامة ج ٩ ص ١٥٠ فصل الصدقة.

(٣) النصوص في ذلك كثيرة أورد جملة منها في الوسائل ومستدركه في باب استحباب الإهداء إلى المسلم وقبول هديته من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة مضافا الى ما ورد في فضل البر وصلة الاخوان واصطناع المعروف إليهم ومكافأة المعروف وهي لا تحصى كثرة مذكورة في البحار في أبواب كتاب العشرة ج ٧٤ و ٧٥ ففي الوسائل في أبواب فعل المعروف ج ١١ والاخبار الأربعة المذكورة في المتن موجودة في دعائم الإسلام ج ٢ فصل التباذل والتواصل وأوردها إلا الثاني منها في المستدرك في الباب المذكور عن الدعائم وبعضها عن غيره أيضا واما النصوص الراجعة إلى أحكام الهدية فقد أوردها في الوسائل في كتاب الهبات ج ١٣ من طبعة المكتبة الإسلامية بطهران.

٩٧

وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : تصافحوا وتهادوا فإن المصافحة تزيد في المودة والهدية تذهب الغل.

وعن على (ع) انه قال : خصوا بالطافكم خواصكم وإخوانكم.

وقال : إذا أكرم أحدكم أخاه بالكرامة ، فليقبلها ، فان كان ذا حاجة ، صرفها في حاجته ، وان لم يكن محتاجا وضعها في موضع حاجة صاحبها ، ومن كان عنده جزاء فليجزه ، ومن لم يكن عنده جزاء فثناء حسن.

وعنه (ع) : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لو دعيت الى ذراع شاة لأجبت ولو دعيت الى كراع (١) لقبلت.

« أقسام الهدية »

والهدية ثلاثة أضرب أولها : ان يكون السبب الداعي إليها الولاية. والدين فيقصد بها ذلك قربة الى الله تعالى ، فاذا فعلت لذلك وجب قبولها ، ولم يجز الرجوع منها ، ولا التعويض عنها ، وبالقبول لها يخرج من ملك المهدى ، وإذا لم يقبلها من أهديت اليه ، كان مخالفا للسنة ، وجاز لصاحبها التصرف فيها ، وليست تجري مجرى الصدقة.

وثانيها : ان يكون السبب الذي دعا إليها ، المودة في الدنيا ، والتكرم ، فاذا فعل ذلك ، وكانت عارية من وجوه القبح ، حسن قبولها ، وإذا قبلت ، خرجت بذلك

__________________

(١) الصواب « ولو اهدى الى كراع » كما في الاخبار المشار إليها وغيرها وهو المناسب للباب والكراع بضم الكاف من البقر والغنم ما دون الركبة من مستدق الساق العاري عن اللحم أو ما دونه سواء كان من اليد أو الرجل والذراع في اليد وهو ما فوق الكراع كما في اللسان وغيره وظاهر الصحاح اختصاص الكراع بالرجل وفي رواية الفقيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لو دعيت الى كراع لأجبت ولو اهدى الى كراع لقبلت فقيل المراد بالكراع الأول أيضا ما ذكر وقيل كراع الغميم موضع بين مكة والمدينة والمراد به المبالغة في البعد.

٩٨

من ملك المهدى أيضا ، وله الرجوع فيها ما لم يكن المهدى اليه قد تصرف فيها ، والأفضل ترك الرجوع فيها ، والمكافاة عليها غير واجبة وان كافأ عنها من أهديت اليه كان أفضل.

وثالثها : ان يكون السبب الداعي إليها الإيثار للتعويض عنها ، وإذا فعلت لذلك كان المهدى اليه مخيرا بين قبولها وردها ، فان قبلها كان عليها العوض عنها مثلها والزيادة على ذلك أفضل ، ولا يجوز للمهدي إليه التصرف فيها إذا كانت هدية على هذا الوجه الا بعد ان يعوض عنها أو يعزم على ذلك ، وإذا عوض عنها ، وقبل المهدى العوض ، سواء كان أقل منها أو أكثر ، لم يجز له الرجوع فيها ، وإذا لم يقبل ذلك المهدى العوض ، وكانت عين الهدية قائمة ، كان له الرجوع فيها ، وان دفع إليه أكثر منها ، فان تصرف فيها المهدى اليه والحال هذه كان عليه القيمة.

« تم كتاب الوقوف والصدقات والعطايا والهبات »

٩٩

باب السكنى والعمرى والرقبى

هذه الثلاثة بمنزلة واحدة ، وانما يتميز بعضها من بعض بشروط نذكرها ليفهم معناها.

اما السكنى : فهي إسكان الإنسان غيره داره ، أو ما يجرى مجراها ، أو ضيعته ، أو عقاره مدة معينة ، اباحة بغير عوض.

واما العمرى : فهي أن يقول الإنسان لغيره : أعمرتك هذه الدار ، أو جعلتها لك عمرك ، أو هي لك ، ما حييت ، أو بقيت ، أو عشت ، وما أشبه بذلك مما يكون هذا معناه.

واما الرقبى فهو ان يقول الإنسان لغيره : « أرقبتك هذه الدار مدة حياتك أو مدة حياتي » وذهب بعض أصحابنا في الرقبى إلى انها هي قول الإنسان لغيره « جعلت لك خدمة هذا العبد مدة حياتك ، أو مدة حياتي » وذلك مأخوذ من رقبة العبد ، والأول مأخوذ من رقبة الملك ، والذي ذكرناه أولا هو الظاهر من المذهب ، والمعول عليه.

والعمرى يفتقر صحتها إلى الإيجاب والقبول ، ولزومها يفتقر الى القبض كغيره من الهبات ، وذلك عقد جائز ، فإذا قال لغيره : هذه الدار لك عمرك ولعقبك من بعدك ، كان جائزا ، لما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : أيما رجل أعمر عمرى له

١٠٠