المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

ولا يجوز شهادة على شهادة في شي‌ء من الأشياء على حال.

وإذا شهد إنسان على شهادة أخر ، وأنكر الشهادة الشاهد الأول ، قبلت شهادة أعدلهما ، فإن تساووا في العدالة طرحت شهادة الثاني. ويجوز الشهادة على شهادة وان كان الشاهد الأول حاضرا غير غائب ، إذا منعه مانع من إقامته الشهادة من مرض أو غيره.

ويجوز شهادة الإنسان على مبيع لم يعرفه ولا يعرف حدوده ولا مكانه إذا عرف بايعه ومشتريه وإذا رأى إنسان في يد غيره شيئا وهو متصرف فيه تصرف الملاك جاز ان يشهد بأنه ملكه ، كما يجوز ان يشتريه على انه ملكه.

وروى انه يكره للمؤمن ان يشهد لمخالف له في الاعتقاد ، لئلا يلزمه إقامتها وربما ردت شهادته فيكون ممن قد أذل نفسه ، فمن عمل بذلك كان جائزا.

وإذا أراد إقامة شهادة ، لم يجز له إقامتها الأعلى ما يعلم ، ولا يعتمد على خطه ان (١) لم يكن ذاكرا للشهادة ، فان لم يذكرها وشهد معه أخر ، جاز ان يقيمها ، والأحوط الأول. وإذا علم شيئا ولم يكن قد اشهد عليه ثم دعي إلى الشهادة بذلك ، كان مخيرا بين ان يقيمها وبين ان لا يقيمها ، فان علم انه متى لم يقمها بطل حق مؤمن وجب عليه إقامتها.

ولا يجوز لإنسان ان يشهد قبل ان يسأل عن الشهادة ، كما لا يجوز له كتمانها وقد دعي إلى إقامتها ، الا ان يكون في شهادته إبطال حق قد علمه فيما بينه وبين الله تعالى ، أو يكون مؤدية الى ضرر على المشهود عليه لا يستحقه ، فإنه لا يجوز له ان يقيم الشهادة التي دعي إلى إقامتها.

والشهادة من فروض الكفايات إذا كان هناك خلق قد عرفوا الحق وصاروا به شاهدين. فاذا قام به اثنان سقط الفرض عن الباقين. وقد يتعين الفرض فيه ، وهو إذا لم يتحمل الشهادة إلا اثنان ، أو يتحملها خلق ولم يبق منهم غير اثنين.

__________________

(١) في بعض النسخ مع « الواو »

٥٦١

« باب الحكم بالشاهد الواحد مع اليمين »

الحكم بالشاهد الواحد مع يمين المدعى صحيح ، والترتيب في ذلك مراعى بان يشهد للمدعي شاهده ثم يحلف. فليس يصح ان يحلف ، ثم يشهد له شاهده بعد ذلك.

فاذا كان ذلك صحيحا ، فالشاهد واليمين انما يحكم بهما فيما يكون ما لا أو ما يكون المقصود به المال. فاما المال فالقرض ، والغصب ، والدين ، وقضاء الدين ، وأداء مال الكتابة. واما المقصود منه المال فعقود المعاوضات اجمع كالبيع ، والسلم ، والصرف ، والإجارة ، والصلح ، والقراض ، والمساقاة ، والهبة ، والوصية ، والجناية الموجبة للمال ، كالخطاء وعمد الخطاء ، وعمد يوجب المال ـ كما لو قتل ولده ، أو عبد غيره.

واما الوقف فيصح فيه ذلك بشاهد ويمين ، لأنه عندنا ينتفل الى الموقوف عليه. واما اليمين التي هي القسامة فليست تثبت إلا في الدماء خاصة ، وقد بينا ما يتعلق بها في باب الديات فيما سلف.

« باب شهادة الزور »

قال الله تعالى « وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ، حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ » (١) فقرن الله تعالى شهادة الزور بالشرك.

وروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : يبعث شاهد الزور يوم القيامة ، يولغ (٢) لسانه في النار كما يولغ الكلب لسانه في الإناء (٣) وقد تقدم هذا ونحوه.

__________________

(١) الحج الآية ٣٢

(٢) في بعض النسخ « يدلغ » مكان « يولغ » في الموضعين.

(٣) دعائم الإسلام ، ج ٢ ، ص ٥٠٧

٥٦٢

وعن الصادق عليه‌السلام قال : شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يجب له النار (١).

فليس يجوز لأحد ان يشهد بشهادة زور على أحد من سائر الناس موافقا كان أو مخالفا ، فلا يشهد بما لا يعلمه ، ولا ينكر بما يعلمه مما استشهد فيه. فان علم شيئا ولم يستشهد فيه ، كان مخيرا بين اقامة شهادته وبين ان لا يقيمها ، الا ان يكون في تركه لذلك تضيع حق لبعض المؤمنين أو خوف (٢) على أحد منهم ، فإنه لا يجوز له التوقف عن إقامة الشهادة ، وقد تقدم ذكر طرف من ذلك.

فان شهد أربعة رجال على رجل بالزنا وكان محصنا ، فرجم ورجع واحد منهم بعد رجمه عما كان شهد به ، فاما ان يقول : تعمدت ، أو يقول : غلطت أو توهمت قال في رجوعه عن ذلك : تعمدت ، كان عليه القتل ويؤدى الى ورثته ثلاثة أرباع الدية. وان قال : غلطت أو توهمت كان عليه ربع الدية وان رجع بعد رجمه منهم اثنان فاما ان يقولا : بالعمد أو بالغلط والتوهم. فان قالا بالعمد وأراد أولياء المقتول بالرجم ، قتلهما قتلوهما ، وأدوا إلى ورثتهما دية كاملة يتقاسمونها بالسوية ، ويؤدى الشاهدان الآخران الى ورثتهما أيضا نصف الدية يتقاسمونها بالسوية. وان اختار أولياء المقتول قتل واحد منهما ادى (٣) الأخر مع الباقي من الشهود إلى ورثة المقتول الثاني ثلاثة أرباع ديته فان قالا بالغلط والتوهم ، كان عليهما نصف الدية. وان رجع الجميع عن شهادتهم ، كان حكمهم حكم الاثنين سواء.

وإذا شهد اثنان على إنسان بطلاق زوجته ، ثم اعتدت وتزوجت ودخل الزوج بها ، ثم رجعا عن شهادتهما بذلك وجب الحد عليهما ، وضمان المهر للزوج الثاني وتعاد المرأة إلى زوجها الأول بعد الاستبراء من الثاني.

وإذا شهد رجلان على رجل بسرقة ، فقطع المشهود عليه ، ثم رجعا عن الشهادة ،

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ٩ من أبواب الشهادات ، الحديث ١

(٢) في بعض النسخ « جور »

(٣) في بعض النسخ بزيادة « الواو »

٥٦٣

فاما ان يكونا قالا تعمدنا أو غلطنا أو توهمنا ، فان قالا : تعمدنا قطعت يد واحد منهما وادى الأخر نصف دية اليد. وان أراد المقطوع الأول (١) قطعهما ، كان له ذلك ، ويؤدى إليهما دية واحدة يتقاسمانها بينهما بالسوية. وان قالا : غلطنا أو وهمنا ، وجب عليهما دية يد المقطوع الأول. فإن رجع الواحد منهما ، كان عليه نصف دية اليد. وان شهد رجلان على رجل بدين ، ثم رجعا ، كان عليهما مقدار ما شهدا به. فان رجح أحدهما دون الأخر ، كان عليه ما يصيبه ، وهو النصف.

وإذا شهد اثنان على رجل ، ثم رجعا عن ذلك قبل ان يحكم الحاكم فيما شهدا به ، طرحت شهادتهما ولم يلتفت إليها ، ولا يجب عليهما في ذلك شي‌ء. فإن رجعا عن ذلك بعد ان حكم الحاكم بشهادتهما ، وكان ما شهدا به قائم العين ، وجب رده على صاحبه ، ولم يكن عليهما شي‌ء وان لم يكن قائم العين ، كان عليهما غرم ذلك

فان شهد اثنان على إنسان بسرقة فقطع ، ثم أحضرا بعد ذلك رجلا غيره وقالا هذا هو السارق ، وانما غلطنا وتوهمنا ، كان عليهما دية اليد ، ولم يقبل شهادتهما على الرجل الذي احضراه.

وعلى الامام تعزيز الشهود بالزور ، ويشهرهم في محالهم ليرتدع غيرهم بذلك

( باب التغليظ في اليمين )

التغليظ في اليمين يكون بالمكان الذي يستحلف فيه ، وكذلك الزمان ، والعدد واللفظ. فاذا كان كذلك ، فإنها يغلظ في كل بلد في أشرف موضع فيه. فان كان بمكة فبين الركن والمقام ، فان كان عليه يمين ثان لا يحلف الأبين ذلك أو في الحجر فان كان عليه يمين في ان لا يحلف فيه حلف بالقرب من البيت في غير الحجر.

فان كان بمدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعلى منبره وان كان ببيت المقدس فعند الصخرة

__________________

(١) اى المشهود عليه

٥٦٤

وان كان بغير هذه المواضع من البلاد ، ففي أشرف بقعة فيه. وأشرف بقاع البلاد :الجوامع والمشاهد.

واما التغليظ بالزمان ، فبعد صلاة الظهر وقبل صلاة العصر.

فاذا صح تغليظها بالمكان والزمان ، وكان الحق مالا أو ما يقصد به المال ، لم يغلظ الا بالقدر الذي يجب الزكاة فيه. فان كان الحق غير مال ولا ما يقصد به المال فإنها تغلظ فيه قليلا أو كثيرا.

واما التغليظ بالعدد ، وفي القسامة يحلف خمسين يمينا ، ويغلظ بالعدد في اللعان. فاما اللفظ فيغلظ بان يقول : « والله الذي لا إله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية » أو ما جرى مجرى ذلك.

فان كان الحالف رجلا مسلما كانت اليمين في ما ذكرناه. وان كانت امرأة وهي مخدرة استخلف الحاكم من يحكم بينها وبين خصمها في بيتها ، فاذا توجهت اليمين عليها ، حلفها كالبارزة في التغليظ بالمكان ، ان كانت طاهرا استحلفها فيه ، وان كانت حائضا في باب المسجد.

وان لم تكن مخدرة وهي التي تبرز في حوائجها ، فإن كانت طاهرا استحلفها في المكان الشريف كالرجل ، وان كانت حائضا فعلى باب المسجد ، فإنه لا يجوز للحائض دخول المسجد.

وإذا ادعى المملوك على سيده العتق ، كان القول قول سيده مع يمينه. فان كانت قيمة العبد القدر الذي تغلظ بالمكان ، غلظ به. وان كانت أقل ، لم تغلظ ، لأنه استحلاف على مال ، لأنه يحلف على استيفاء ملكه بالرق ، وذلك مال بغير إشكال فإن حلف السيد سقطت دعوى المملوك. وان نكل عن اليمين ، ردت على العبد ، فيغلظ عليه في المكان ، قلت قيمته أو كثرت ، لأنه حلف على العتق والحرية ، وتلك يمين على غير مال ولا المقصود به المال.

وإذا توجهت اليمين على كافر ، وكان يهوديا. غلظ باللفظ فيقول : « والله

٥٦٥

الذي أنزل التوراة على موسى بن عمران » ويغلظ عليه بالمكان فيستحلف في المكان الشريف عنده وهو الكنيسة ، لأنه يعظمها كما يعظم المسلم المسجد ، وان كان نصرانيا حلف وقال : « والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى » فاذا قلت (١) الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، لم يمكنه من الاعتقاد ما ذكرناه. واما المكان ، فالبيعة ، لأنه يعظمها. وان كان مجوسيا ، حلف فقال : « والذي خلقني ورزقني » لئلا يشارك الله وحده « النور » ، فإنه يعتقد النور إلها ، فإذا قال خلقني ورزقني ، ارتفع الاحتمال والإبهام فيما ذكرناه ، فاما المكان ، فان المجوس يعظم النار ، فان كانوا يعظمون بيتها حلف فيه.

فان كان الحالف وثنيا معطلا أو ملحدا لا يقر بالتوحيد ، لم يغلظ عليه باللفظ ويقتصر معه على قول « والله » لأنه وان لم يكن معتقدا فإنه يزداد إثما ويستحق العقوبة ان كذب في ذلك.

« تم كتاب الشهادة »

__________________

(١) أي في استحلافه.

٥٦٦

« كتاب اللقطة والضوال ، واللقيط والآبق »

اللقطة ضربان : أحدهما يجوز التقاطه ولا يجب تعريفه ولا ضمانه على الملتقط له وتركه أفضل. والأخر لا يجوز التقاطه فان التقطه ملتقط وجب عليه حفظه وتعريفه.

فاما ما يجوز التقاطه ولا يجب تعريفه ولا ضمانه على المتلقط له فهو كل ما كان أقل من درهم ، أو يكون وجده في مكان خرب ، قد دثر (١) وباد اهله.

واما مالا يجوز التقاطه ، فان التقطه ملتقط وجب عليه حفظه وتعريفه ، فهو ضربان :

أحدهما ، ما يوجد في الحرم ، فإنه يجب على ملتقطة حفظه وتعريفه سنة في المواقف والمواسم ، فان حضر صاحبه أعاده اليه. وان لم يحضر بعد السنة تصدق به عنه ، ولا يلزم منه بعد ذلك شي‌ء. فان حضر صاحبه بعد ذلك ، لم يجز له المطالبة به. فإن أراد الملتقط ان يخيره في ان يغرمه له ويكون ثواب الصدقة له دونه ، وان اختار صاحب المال ذلك كان جائزا ، وليس ذلك مما يجب على واحد منهما ، بل موقوف على اختياره ان شاء فعل ذلك ، وان شاء لم يفعل.

فاما ما يوجد في غير الحرم ، فإنه يجب على ملتقطة حفظه وتعريفه سنة. فان حضر صاحبه دفعه اليه. وان لم يحضره ، كان له التصرف فيه ، وعليه ضمانه ، ان حضر صاحبه كان عليه دفعه اليه. وان كان قد تصدق به عنه ، كان عليه الضمان لقيمته

__________________

(١) دثر : اى درس وبلى ، وباد : اى هلك

٥٦٧

يوم تصدق به. أو دفعه الى صاحبه ان حضر بعد ذلك ، فان اختار صاحبها ان لا يأخذ ذلك ويكون له الأجر كان جائزا.

وإذا هلكت اللقطة من عند الملتقط لها في زمان التعريف بتفريط منه كان عليه قيمتها يوم هلكت ، وكذلك يجب عليه ان يتصرف فيها في زمان التعريف ، وان كان ذلك بغير تفريط ، لم يلزم الملتقط منها شي‌ء.

وإذا تصرف إنسان في مال اللقطة وربح فيه ربحا قبل كمال السنة ، كان الربح لصاحبها دونه ، وان كان ذلك بعد السنة ، كان الربح له ، وعليه ضمان مال اللقطة لصاحبها.

وإذا التقط مالا ، واشترى به جارية ، وحضر بعد ذلك صاحب المال فوجد الجارية ابنته ، فإن أجاز له ابتياعها ، انعتقت في الحال ، ولم يكن له مطالبة الملتقط بشي‌ء من ذلك. وان لم يجز البيع ، كان له مطالبته بالمال ، وكان على الملتقط إعادته ، ولا يجب على صاحب المال إدخال ابنته في ملكه من غير اختياره لذلك لأنها تنعتق عليه ويذهب ماله.

وإذا وجد كنزا في دار ، وكانت الدار منتقلة إليه بميراث عن اهله كان ما وجده من الكنز بينه وبين شركائه في الميراث ان كان له شركاء ، وان لم يكن له شركاء كان ذلك له دون كل أحد وان كانت الدار انتقلت اليه بابتياع كان عليه ان يعرف البائع لها ، فان عرف ذلك رده اليه ، وان لم يعرفه كان ذلك له دون بائعها ، وكان عليه إخراج الخمس منه ويتصرف في الباقي ان شاء.

وإذ وجد شيئا في دار أو صندوق ، وكان غيره يتصرف في الدار والصندوق ، كان الحكم فيه على الوجه الذي يوجد ذلك الشي‌ء عليه كالحكم في اللقطة التي يجري مجراه. وان كان لا يتصرف في ذلك غيره ، كان ذلك له.

وإذا ابتاع شيئا من الإبل أو البقر أو الغنم ، فذبحه فوجد في جوفه مالا أو ماله قيمة ، فعليه ان يعرفه للبائع ، فإن عرفه دفعه اليه ، وان لم يعرفه ، كان عليه إخراج الخمس منه

٥٦٨

ثم يتصرف في الباقي فهو له ، وإذا ابتاع سمكة فوجد في جوفها سبيكة أو صرة (١) أو ما أشبه ذلك ، اخرج من ذلك ، الخمس ، وكان الباقي له. وإذا وجد طعاما في مفازة فليأخذه وليقومه على نفسه ويأكله ، فإن حضر صاحبه دفع اليه ثمنه.

وإذا وجد لقيطا فهو حر ، وجب على من وجده ان يرفع خبره الى سلطان الإسلام لينفق عليه من بيت المال ، فان لم يتمكن من السلطان لينفق عليه استعان على ذلك بالمسلمين. فان لم يعنه أحد أنفق هو عليه ، فاذا بلغ كان له مطالبته بما أنفقه عليه ان كان له مال ، اللهم الا ان يكون تبرع بالنفقة عليه ، فإنه لا يرجع عليه بها ، ولا يجوز له مطالبته بها على حال. وليس لمن وجد اللقيط عليه ولاء ، وكذلك ليس لأحد من الناس عليه ذلك ، الا ان يبلغ ، فاذا بلغ وتولى إنسانا كان ولاؤه لمن يتولاه ، ولا فرق في ذلك في ان يكون الذي يتولاه هو الذي وجده أو غيره من المسلمين وان لم يوال أحدا الى ان مات ، كان ولاؤه للمسلمين ، فان خلف تركة وكان له ولد كان ما خلفه لولده المسلم. وان لم يخلف ولدا مسلما ، كان ماله لبيت المال.

وإذا كان البعير في مكان يرعى فيه مطلقا ، ولم يكن معه من يحفظه ، لم يجز لأحد أخذه. فإن أخذه رده الى صاحبه. وسبيل الثور والجاموس والدابة إذا كانت مسرحة في أرض السواد بحيث يجد المرعى ، سبيل الإبل. فإن وجد هذه الدواب بعيدة عن السواد فان كانت غنما ، فينبغي ان يؤخذ ويحفظ بها لأصحابها.

وينفق على الضوال من البهائم بأمر الحاكم ، ويرجع على أربابها بذلك.

وإذا وجد إنسان ضالة ، فينبغي له ان يأتي بها الى امام المسلمين فيسلمها اليه وعلى الامام ان ينفق عليها من بيت المال ما رآه بعد ان يحفظ مبلغ النفقة. وإذا وجد ضالة وهو في زمان سلطان الجور ، حبس الضالة واحتسب بنفقتها على صاحبها ، وليس له من ذلك الأوسط (٢) من نفقة مثلها.

__________________

(١) الصرة بالضم : ما يجعل فيها الدراهم وغيرها

(٢) اى الحد المتوسط

٥٦٩

وإذا التقط لقطة أو وجد ضالة ، أو عبدا آبقا ، أو صبيا حرا ضالا فرده على اهله لم يكن له في شي‌ء من ذلك جعل ، فان عوضه صاحبه بشي‌ء على وجه البر ، كان جائزا

وإذا وجد شاة فينبغي ان يحبسها عنده ثلاثة أيام ، فإن حضر صاحبها سلمها اليه وان لم يحضر تصدق بها عنه. وإذا وجد ماله قيمة يسيرة مثل الحبل والوتد والشظاظ. (١)والعقال وما أشبه ذلك ، جاز له أخذه. والأفضل تركه في موضعه وان لا يأخذه.

وأخذ الجعل على ما يجده الإنسان جائز ، فإذا وجد شيئا من ذلك وكان مستأجرا فيه وقد جرت بينه وبين صاحب الضالة موافقة ، كان لمن يجد ذلك ما اتفقا عليه. فان لم يكن جرى بينهما في ذلك موافقة وكان ما وجده عبدا أو بعيرا وكان قد وجد ذلك في البلد ، كان جعله عليه دينارا واحدا قيمته عشرة دراهم جيادا ، فان كان ما وجده خارج البلد كان جعله أربعة دنانير قيمتها أربعون درهما جيادا ، وان كان غير عبد ولا بعير رجع فيه الى العادة في مثله ، فدفع اليه ذلك.

وان كان من وجد العبد أو الضالة غير مستأجر لم يكن له شي‌ء ، لأن المسلم يرد على المسلم (٢). وان وجد إنسان عبدا آبقا فأخذه ليرده على صاحبه ، فأبق منه ، لم يكن عليه شي‌ء.

وإذا كان له عبدان آبقان ، فقال للآخر : ان جئتني بعبدي الفلاني فلك كذا ، فجاء بأحد العبدين ، فاختلفا ، فقال الجاعل : ما شارطتك في هذا بل شارطتك على الأخر ، وقال المجعول له : بل شارطتني على هذا ، كان القول ، قول الجاعل مع يمينه ، لان المجعول له يدعي احداث شرط. والأصل ان لا شرط.

وإذا قال : ان جئتني بعبدي الآبق كان لك كذا فجاء به ثم اختلفا ، فقال المجعول له : شارطتني على دينار ، وقال الجاعل : شارطتك على نصف دينار. كان ذلك خلافا في قدر الأجرة ، فتكون له اجرة المثل مع يمين الجاعل لأنه المدعى عليه.

__________________

(١) الشظاظ : خشبة تدخل في عروتي الجوالق

(٢) اى ماله ، ولعله تعليل لعدم جواز أخذ الأجرة من المال

٥٧٠

وإذا قال : من جاء بعبدي الآبق كان له دينار ، فجاء به واحد ، فإنه يستحق دينارا ، فان جاء به اثنان استحقا الدينار ، فان جاء ثلاثة أو أكثر كان لكل واحد ما يصيبه وإذا قال : من دخل داري كان له دينار ، فدخلها اثنان أو أكثر ، كان لكل واحد منهما دينار. والفرق بين المسألتين ، ان من قال : من دخل داري فله كذا. علق الاستحقاق بالدخول ، وقد وجد من كل واحد منهم ذلك فاستحقه ، فليس كذلك الرد ، لأنه علق الاستحقاق برده ولم يكن يرده كل واحد منهم ، وانما جاء به جميعهم ، فبجميعهم حصل المفقود ، فلهم كلهم الأجرة ، لأن السبب وجد من جميعهم ولم يوجد من كل واحد منهم على انفراده.

وإذا قال : من جاء بعبدي الآبق كان له ثوب أو دابة ، فجاء به اثنان ، كانا مستحقين لاجرة المثل ، لان العقد فاسد ، لأن الأجرة مجهولة ، فإن جاء به ثلاثة ، كان لكل واحد منهم ثلث اجرة المثل.

وإذا قال لواحد : ان جئتني بعبدي الآبق فلك ثلاثون ، فجاؤا به ، كان لكل واحد منهم ثلث ما سماه به.

وإذا قال : من جائني بعبد آبق من البصرة كان له دينار ، فجاء به من واسط ، فإنه يستحق نصف دينار ، لأنه عمل نصف العمل. وإذا قال : ان جئتني بعبدي فلك كذا ، فجاء به الى باب البلد ثم هرب ، فإنه لا يستحق شيئا ، لأنه ما جاء به ، لان المقصود من المجي‌ء به التسليم ، ولم يحصل.

وإذا أقر ببعض اللقطة وأنكر بعضها ، كان القول قوله مع يمينه فيما أقربه ، وما أنكره.

إذا اتهمه بلقطة وأنكرها ، كان القول قوله مع يمينه ، وعلى المدعى عليه ذلك ، البينة.

وإذا مات اللقيط وترك مالا ، وادعى إنسان أنه ابنه ، لم يصدق في ذلك إلا ببينة. وإذا بلغ اللقيط وتزوج بامرأة ودخل بها ، وادعت انه ابنها لم تصدق إلا ببينة

٥٧١

وإذا التقط عبد لقيطا ولم يعرف ذلك الا بقوله ، وقال سيد العبد : كذب بل هو عبدي ، كان القول قول السيد مع يمينه (١).

وإذا التقط إنسان لقيطا ، فجاء آخر فأخذه من يده ، واختصما ، وجب رده الى الأول. وإذا وجد طعاما رطبا لا يبقى ، كان مخيرا بين ان يقومه على نفسه ، ويضمن ثمنه لصاحبه إذا جاء وطلبه ، وبين ان يبيعه ويحفظه على صاحبه ، أو يتصدق به على ما قدمناه من شرط الضمان.

« تم كتاب اللقطة »

__________________

(١) وفي نسخة زيادة « وإذا كان العبد مهجورا عليه فان كان مأذونا له كان القول قول العبد » والظاهر ان معناه : على القول بان العبد ليس له ان يأخذ اللقطة فإن كان.

٥٧٢

« كتاب القسمة والبنيان »

روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : لا ضرر ولا ضرار(١) فكل ما كان مشتركا وهو مما يصح قسمته من غير ضرر يتعلق بأحد الشراك فطلب بعضهم أو جميعهم القسمة قسم ذلك بينهم وأخذ كل واحد منهم بحقه منه وكل مالا يتجزى بانصباء الشركاء فلا قسمة فيه.

وإذا كانت دار بين شريكين ، فاقتسماها ، فصار السفل لأحدهما ، والعلو للآخر كان ذلك جائزا إذا لم يكن في ذلك ظلم ولا غبن ، فان كان فيها ذلك وكان الشريكان قد علما ذلك ورضيا به ، كانت القسمة ماضية ، وان كانا لم يعلما ذلك ولا رضيا ، كانت القسمة باطلة ووجب فسخها.

وإذا اقتسم قوم دارا أو أرضا وشرطوا ان لا يكون لواحد منهم طريق الى ذلك كان الشرط باطلا. فان اقتسموا ذلك وله طريق ، فجعلوا الطريق في نصيب أحدهم وللباقين المرور بأرجلهم في تلك الطريق وتراضوا بذلك. كان صحيحا ماضيا.

وإذا اقتسموا دارا فرضي أحدهم بشي‌ء منها أقل من حقه وترك الباقي لمن بقي يقتسمونه وتراضوا به ، كان ذلك جائزا. وان كان بين جماعة من الناس دور ، فقال أحدهم : أريد أن آخذ حقي في ذلك في كل دار (٢) وقال بعض آخر منهم بجمع

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ ، الباب ٧ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٢ ، ص ٣٣٣.

(٢) في النسخ « داره » ولعلها تصحيف

٥٧٣

كل واحد نصيبه في موضع واحد وكانت الدور معتدلة في بقاعها وأحوالها ورغبة الناس فيها ، قسم لكل إنسان حقه في مكان واحد. وان كانت مختلفة اختلافا بينا ، قسمت لكل دار منها ناحية ، وأخذ كل واحد منهم حقه منها.

وإذا كان قوم شركاء في حوائط أرض في نواح متفرقة ، وبعض ذلك قريب من بعض ، وأراد كل واحد منهم أخذ نصيبه في ناحية واحدة بقيمة عادلة كان ذلك جائزا. فإن كان كل شي‌ء من ذلك لا ينقسم على الأنصباء ـ وإذا قسم كان فيه ضرر يلحق بعض الشركاء ، وكان حقه منه ما لا يكاد ينتفع به على الانفراد ـ وجب ان يجمع حصة كل واحد منهم في ناحية بقيمة عادلة.

وإذا كان النخل بين قوم وأرادوا قسمته ، لم يصح ذلك الا ببيعه وقسمة ثمنه بينهم ، أو بان يقلع من الأرض ويقسمونه كما قسم مثله ، أو يكون مما يمكن قسمته بالعدل فيقسم.

وإذا كانت أرض موروثة بين قوم ولها شرب ، وأرادوا قسمتها ، قسموها وكان لكل ذي حظ منها من الشرب بقدر حصته.

وإذا كان بين قوم دار وهي غائبة عنهم وقد عرفها جميعهم ، جاز ان يقسموها على الصفة التي عرفوها ، ويصير لكل واحد منهم حقه منها بحسب ما عرفه. فان لم يعرفها جميعهم أو عرفها بعضهم ولم يعرفها بعض آخر ، لم يصح قسمتها الا بعد ان يحضروها ويحضروا قسمتها ، أو يحضر ذلك من يقوم مقامهم وينوب منابهم فيه. وكذلك الشجر والأرض.

وإذا كانت بين قوم ساحة وبيوت جاز ان يقسموا البيوت بالقيمة ، والساحة بالذراع ويترك من الساحة طريق لأصحاب البيوت.

وإذا قسم العلو والسفل قوم ، كان سقف السفل على صاحب السفل ، ويكون كالأرض لصاحب العلو. ولا يجوز لصاحب السفل هدمه وإلزام صاحب العلو تسقيفه بل إذا استهدمه ولم يكن صاحب العلو قد جنى عليه ، كان عمله لازما لصاحب السفل.

٥٧٤

« باب البنيان »

إذا كان الحائط بين دارين وكان ملكا لصاحب الدار الواحدة ، فانهدم وامتنع مالكه من بنائه وطلبه مالك الدار الأخرى بنيانه وقال له : قد كشفت أهلي فاستر بيني وبينك ، كان عليه ان يستر بينهما اما ببناء أو غيره مما لا يتم معه كشف أهل صاحب الدار الأخرى. فان لم يكن الحائط بينهما ، ولم يكن ملكا لأحدهما (١) ، وطلب أحدهما من الأخر ان يبنيه وامتنع من ذلك ، فان كان مما ينقسم ، قسم بينهما وبنى كل واحد منهما ما يختص به منه ، أو تركه ان لم يكن في ذلك ضرر على الأخر. فإن كان مما لا ينقسم ، لزم البناء أو البيع أو تسليمه الى الأخر ليبنيه ، ويكون له دونه ان رضي بذلك ، فان تراضيا على ان يبنيه الطالب (٢) وينتفع به ، فإن أراد الأخر الانتفاع به معه دفع اليه نصف نفقته ، كان ذلك جائزا.

وإذا أراد إنسان رفع داره ان يعلى بناها حتى يمنع جارها الشمس ، كان له رفعها ما أراد ان لم يكن فيها منظر ينظر اليه منه.

وإذا كانت له دار وأراد ان يفتح كوة (٣) من حائط ، فإن كان ينظر منها داخل دار جاره ، لم يجز له ذلك. وان كان يفتحها للضوء جاز له فتحها ، إذا كانت بحيث لا ينظر منها داخل دار جاره.

وإذا كانت له دار وأراد تحويل بابها عن المكان الذي هو فيه ، أو أراد فتح باب أخر مع بابها في شارك مسلوك نافذ ، كان ذلك له جائزا الا ان يكون له ضرر وان كان في رائعة (٤) غير نافذة ، لم يكن له فتح باب منها ولا تحويل بابها عن مكانه الا بعد ان يرضى أهل تلك الرائعة.

__________________

(١) بل مشتركا بينهما.

(٢) في أكثر النسخ « للطالب » والظاهر ان الصحيح ما في المتن.

(٣) الكوة بفتح الكاف وضمها الخرق في الحائط.

(٤) أي طريق.

٥٧٥

والطريق السابل لا يجوز لا حد تغييره عما هو عليه. وان كان لقوم معينين واتفقوا على نقله الى مكان وليس فيه ضرر على أحد ، كان جائزا. وكذلك ان أرادوا أن يحفروا الطريق ويجعلوا لها علقا (١) كان ذلك لهم إذا تراضوا به. ولا يجوز لأحد ان يفعل ذلك بالسابلة.

وإذا كان لإنسان طريق في بستان لآخر وأراد ان يجعل عليه بابا لم يجز له ذلك الا ان يأذن له فيه صاحب الطريق.

وإذا اختصم اثنان في خص (٢) كان للذي إليه القمط منه. والقمط هو الحبل ، والخص هو الطي الذي يكون بين الدور في السواد ، فكان الذي إليه الحبل اولى من الأخر.

« تم كتاب القسمة والبنيان »

__________________

(١) في بعض النسخ « علوا » بدل « علقا ».

(٢) ما يصنع من قصب أو شجر.

٥٧٦

« كتاب الدعوى والبينات »

يجب على المدعى البينة في الأموال ، ويجب على المنكر اليمين. فإن أراد الحاكم الاحتياط في قبول الشهادة ، كان له تفريق الشهود واستدعائهم واحدا بعد واحد ، ويسمع شهادته ويثبتها ثم يقيمها ويحضر أخر ويفعل به مثل ما فعل أولا ويقابل بين الشهادات ، فان وجدها متفقة كان عليه الحكم بها ، وان وجدها مختلفة أبطلها ولم يحكم بشي‌ء منها.

والحكم بتفريق الشهود على الوجه الذي ذكرناه جائز في جميع الأحكام والديون والعقود والاملاك والدماء والفروج والقصاص والشجاج وسائر الحقوق.

فان لم يفرق الحاكم الشهود وشهدوا مجتمعين في مقام واحد ، جاز سماع شهاداتهم ، وان كان تفريقهم أقوى في الاحتياط لسماع شهاداتهم.

فان شهد عند الحاكم شاهدان عدلان في مقام واحد على وجه واحد ووافقت شهادتهما الدعوى ، كان عليه الحكم بشهادتهما.

فان شهد عنده اثنان لا يعرفهما بعدالة ولا جرح ، سمع شهادتهما وأثبتهما عنده.ثم كشف عن أحوالهما فإن وجدهما ممن يرضى قوله ويجوز شهادته حكم بشهادتهما وان وجدهما بخلاف ذلك طرح شهادتهما ولم يلتفت إليهما.

وإذا شهد عنده من يتعتع (١) في شهادته ، لم يجز له ان يسدده ولا يمكن أحدا

__________________

(١) اى يتردد.

٥٧٧

من تلقينه بل يتمهل عليه حتى يفرغ ثم ينظر في شهادته ، فان كانت توافق الدعوى سمعها وقبلها ، وان كانت لا توافقها طرحها ولم يلتفت إليها.

وإذا شهد عنده شاهدان على ان الحق لزيد ، وشهد شاهدان غيرهما على ان الحق لغير المشهود له أولا ، فإن كان أيديهما خارجتين من ذلك الشي‌ء ، كان على الحاكم ان يحكم لأعدلهما شهودا فان تساووا في العدالة ، حكم لأكثرهما في العدد مع يمينه بالله تعالى بأن الحق له. فان تساووا في العدد ، أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه استحلف وكان الحكم له ، فان امتنع من خرج اسمه في القرعة من اليمين استحلف الأخر. فإن حلف كان الحكم له ، فان امتنعا من اليمين قسم الحق بينهما نصفين. فان كان مع أحدهما يد متصرفة نظر في ذلك ، فان كانت البينة تشهد بأن الحق ملك له فقط ، وتشهد بالملك الأخر أيضا ، أخذ الحق من اليد المتصرفة وسلم إلى الذي يده خارجة عنه. فان شهدت البينة لليد المتصرفة بسبب الملك من مفاوضة أو بيع أو هبة أو ما جرى مجرى ذلك كانت الاولى من اليد الخارجة.

وإذا شهد شاهدان على امرأة بأنها زوجة لزيد ، وشهد شاهدان غيرهما بأنها زوجة عمرو ، حكم لأعدلهما شهودا ، فان تساووا في العدالة أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه حكم بأن المرأة زوجته دون الأخر.

وإذا هلك إنسان وترك أولادا ، وحضر إنسان وادعى عليه بأنه ابتاع منه موضعا معينا ، وحضر آخر وادعى عليه انه ابتاع منه ذلك الموضع بعينه ، وأظهر كل واحد منهما كتابا بذلك ، وتساوت بينة الكاتبين في العدالة والعدد ، أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه استحلف مع ذلك وكان الحكم له.

وإذا كان رجل وامرأة مجتمعين ومعهما جارية. فادعى الرجل انها مملوكته وادعت المرأة أنها بنتها وانها حرة ، وأنكرت الجارية الدعويين جميعا ، كان على الرجل البينة بأنها مملوكة لم يبعها ولم يعتقها ، وإذا أثبت بينة بذلك سلمت اليه. وان لم يثبت ذلك ، ولا تكون هي بالغة أو تكون بالغة الا انها لا تقر ، أخذت من يده

٥٧٨

فإن أقامت المرأة البينة بأنها بنتها دفعت إليها. فان لم تكن لها بينة أطلقت الجارية لتمضي حيث شاءت ، ولم يكن لواحد منهما عليها سبيل.

وإذا كان في موضع جماعة من الناس جلوسا ، وفي وسطهم كيس فيه مال ، فادعاه واحد منهم ، وسئل الباقون عنه فقالوا : ليس هو لنا ، كان الكيس للذي ادعاه

وإذا طلق رجل زوجته وفي بيتها ما للرجال وما للنساء ، ولم يكن لأحدهما بينة على شي‌ء منه كان بينهما نصفين فان طلقها وادعى ان متاع البيت له وادعت المرأة أنه لها دونه حكم للرجل بما للرجال وللمرأة بما للنساء.

وإذا دخل إنسان الحمام ، وادعى ان ثيابه ضاعت في الحمام ، لم يلزم الحمامي شي‌ء وان ذكر المدعى ان الحمامي أخذ الجعل لأنه انما يأخذ ذلك على الحمام لا على ضمان الثياب. وقد استوفينا ما يتعلق بالتالف في الحمام فيما تقدم.

وإذا كان قوم مشتركين في جارية فوطأها جميعهم في طهر واحد وحملت وولدت وادعى كل واحد منهم ان الولد له أقرع بينهم فمن خرج اسمه كان الولد لاحقا به دون غيره ، وغرم لمن يبقى قيمة الولد بحسب ما لهم من الجارية ، وكان عليه ان يرد مع ذلك أيضا ثمن الجارية (١) يكون بينهم على قدر حصصهم.

وإذا نذر إنسان ان أول مملوك يملكه فهو حر ، وملك اثنين أو أكثر منهما في وقت واحد أقرع بينهما فمن خرج اسمه كان حرا.

وإذا سقط موضع على جماعة فماتوا ، وبقي منهم صبيان ، أحدهما حر والأخر مملوك وهذا المملوك عبد لهذا الحر ولم يتميز أحدهما من الأخر أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه كان حرا ، وكان الأخر مملوكا له.

وإذا اوصى بعتق ثلث عبيده ولم يعينهم ولا ميزهم بذكر ولا صفة ، أقرع بينهم فمن خرج اسمه أعتق.

وإذا ولد مولود له ما للرجال وما للنساء أقرع بينهم ، فان خرج سهم رجل ،

__________________

(١) لأنها صارت أم ولد فتكون في معرض العتق.

٥٧٩

الحق بالرجال ، وان خرج سهم امرأة ورث بحسب ذلك.

وكل أمر مشكل فاستعمال القرعة فيه هو الواجب.

« باب فيما على الحاكم في الخصوم والشهود »

إذا حضر عند الحاكم خصمان ، كان عليه ان يسوى بينهما في الدخول عليه ، والجلوس بين يديه والنظر إليهما ، والاستماع لما يذكر انه ، والإنصات الى ذلك والعدل بينهما حتى في لحظة وإشارته ومقعده ولا يرفع صوته على أحدهما كمالا يرفع على الأخر ، ويساوى بينهما في الأفعال الظاهرة ولا يميل بقلبه إلى أحدهما دون الأخر هذا كله إذا كانا متساويين في الدين مسلمين كانا أو كافرين فان كان أحدهما مسلما والأخر كافرا فلا ينبغي ان يساوي بينهما في المجلس.

وإذا جلس الخصمان بين يديه لم يجز له تلقين واحد منهما بما فيه ضرر على الأخر ، ولا يهديه اليه مثل ان يقصد إلى الإقرار فيلقنه الإنكار أو يقصد اليمين ولا يجعل أحدهما أقرب إليه في الجلوس من الأخر وهكذا في الشهادة ، ان أحس من الشاهد التوقف فيها لم يكن له ان يشير عليه بالاقدام عليها وان أحس منه الاقدام عليها لم يلقنه التوقف عنها فاذا لقن واحدا منهما فقد ظلم الأخر وأفضى إلى إيقاف حقه هذا فيما يتعلق بحقوق الآدميين فاما ما يتعلق بحقوق الله تعالى فإنه يجوز التلقين فيها والتنبيه على ما يسقطها.

وإذا جلسا بين يديه جاز ان يقول : تكلما ، يريد بذلك يتكلم المدعى منكما أو يصرح بهذا ، يقول يتكلم المدعى منكما أو يسكت الحاكم ليقول القائم على رأسه لهما ذلك ، لأنهما قد نهانا به (١) عن الابتداء بالكلام حتى يأذن لهما وان سكت ولم يقل لهما شيئا الى ان يبتدء بالكلام كان جائزا.

__________________

(١) كذا في بعض النسخ والظاهر انها تصحيف والصحيح « لأنهما قد نهيا عن الابتداء بالكلام » كما في المبسوط.

٥٨٠