المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

الولد حيا ستة أشهر كما قدمناه لأن النطفة تبقى في الرحم أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما ، ثم تصير عظاما أربعين يوما ثم تكتسي لحما ويتصور وتلجها الزوج الى عشرين يوما ، فذلك ستة أشهر ، وأكثر الحمل تسعة أشهر ولا يكون حمل على التمام لأقل من ستة أشهر قال الله تعالى « حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (١) والفصال من الرضاع في أربعة وعشرين شهرا فيكون الحمل الباقي من ثلاثين شهرا وهو ستة أشهر ، ولا يكون مدة الحمل على ما ذكرناه أكثر من تسعة أشهر.

وإذا افتقر الحاكم في الحكم إلى القرعة فيمن تقدم ذكره من الولد الذي يحكم بين الرجلين فيه بذلك ، فينبغي ان يقصد الى سهم أو قرطاس فيكتب عليه ، اسم الرجل الواحد واسم الولد ، ويكتب على سهم أو قرطاس اسم الرجل الأخر واسم الولد ويخلط ذلك في سهام أو قرأ طيس متشابهة ثم يقول المقرع :

اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، بين لنا أمر هذا المولود لنقضى فيه بحكمك.

ثم يخلط السهام بيده ويأخذ منها واحدا واحدا فمن خرج اسمه لحق به الولد.

« باب النفقات »

قال الله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلّا تَعُولُوا ) (٢).

اى لا يكثر من تمونونه. (٣) وقيل : معنى « الا تعولوا » : « لا تجوروا » فلو

__________________

(١) الأحقاف ـ ١٥

(٢) النساء ـ ٣.

(٣) في نسخة ( ب ) : اى لا تكثروا من تمونونه والأول أصح قال في المبسوط يقال عال يعول : إذا جار وأعال : إذا كثر عياله وقيل ان عال يعول مشترك بين جار

٣٤١

لم تكن النفقة واجبة والمؤنة لازمة ما حذر من كثرتها.

وقال تعالى ( الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ) (١).

وقال ( قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ ) (٢) يريد النفقة.

وقال الله تعالى ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (٣) والمولود له هو الزوج ، فاذا كان في ذلك دليل على وجوب النفقة فوجب ان ينفق الزوج على زوجته وعلى ولده على ما تضمنته لآية.

واعلم : انه يجوز للرجل ان يتزوج من النساء أربعا ، ويستحب له الاقتصار على واحدة (٤) ، وقد نقدم القول بان على الزوج ، النفقة على زوجته فاما ان يخدمها خادما وينفق عليه فالقول فيه انه ان كان مثلها مخدوما فعليه ذلك وعليه نفقة خادمها وان كانت ممن لا تخدم مثلها لم يجب عليه إخدامها. والمرجع فيمن يخدم ومن لا يخدم الى العرف والعادة ، فإن كانت من أهل بيت كبير ولها نسب وشرف ومال وثروة ومثلها لا تخدم منزله في طبخ ولا عجين ولا غسل ثياب ولا كنس المنزل وما أشبه ذلك ، كان عليه إخدامها.

__________________

وبين كثر عياله ذكره الفراء وعال يعيل إذا افتقر ومنه قوله تعالى ( وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى ) انتهى ولا يخفى ان قول المصنف : فلو لم تكن النفقة إلخ راجع الى قوله لا يكثر من تمونونه كما ذكره في المبسوط بعده ويمكن إرجاعه اليه والى ما بعده بتكلف

(١) النساء ـ ٣٤.

(٢) الأحزاب ـ ٥٠.

(٣) البقرة ٢٣٣.

(٤) لعله للاحتياط وصعوبة العدل بين الزوجين والتحرز عن الشقاق الحاصل بينهما غالبا والا فالمستفاد من ظواهر الآيات والنصوص الواردة في الترغيب للنكاح وذكر فوائده ، خلافه كما هو شأن النبي وأهل بينه عليهما‌السلام وغيرهم.

٣٤٢

وان كانت من إدناء ( افناء ـ خ ) الناس مثلا نساء الحمالين والأكارين ومن جرى مجراهم لم يجب عليه إخدامها. وإذا كان المرجع في ذلك الى العرف فإنما يرجع إليه في مثلها ولا يرجع الى ما ترتب به (١) نفسها ، فاذا كانت من ذوي الأقدار فتواضعت وانبسطت في الخدمة كان عليه إخدامها ، فان لم تكن كذلك وتعظمت وتكبرت وترفعت عن الخدمة لم تستحق الخدمة بذلك لان المرجع فيه الى قدرها لا الى الموجود منها في الحال. هذا إذا كانت صحيحة ، فإن مرضت واحتاجت الى من يخدمها لزمه إخدامها وان كان مثلها لا يخدم في حال الصحة ، لأن المعتبر في ذلك بالعرف ومن العرف ان تحتاج الى خادم كما ان العرف في الجليلة يقتضي أن تفتقر الى خادم ، فصارت في حال المرض مثل الجليلة في حال الصحة.

وإذا كان على الزوج كما قلناه ان يخدم زوجته فليس يجب عليه أكثر من خادم واحد ولو كانت أجل الناس ، لأن الذي عليه من الخدمة ، الكفاية ، والكفاية تحصل بواحدة

وان كان للزوجة رباع ومال وجهاز تحتاج فيه الى خدمة ومراعاة ، لم يلزم زوجها غير الخادم الواحد. وإذا كان ليس يلزمه الا الخادم الواحد فهو مخير بين ان يبتاع خادما ، أو يستأجره أو يكون لها خادم ينفق عليها بأمرها ، أو يخدمها بنفسه فيكفيها ما يكفى فيه الخادم ، لان الواجب عليه تحصيل الخدمة لها وليس لها ان ان تتخير عليه الوجوه التي يحصل منها ذلك.

فإن أرادت منه ان تخدم نفسها وتأخذ ما يأخذ الخادم من النفقة ، لم يكن لها ذلك لان الخدمة للدعة والترفه ، فاذا لم تختر ذلك وأراد الخدمة لم يلزمه دفع عوض إليها عن ذلك.

وإذا كاتب (٢) إنسان عبده كان له ان يبتاع الرقيق لان له تنمية المال. فان

__________________

(١) لعل الصواب « تزيت به » من الزي كما في المبسوط.

(٢) هذه المسئلة بطولها من فروع نفقة الولد أدرجها المصنف والشيخ في المبسوط بين مسائل الإنفاق على الزوجات استطرادا لعلة غير ظاهرة والله العالم.

٣٤٣

اشترى جارية لم يجز له وطؤها لأن في ذلك تعزيرا بمال سيده ، فان اذن له في ذلك كان جائزا فإن وطأها بإذن سيده أو بغير اذنه فليس فيه حد لان هناك شبهة ، والنسب لاحق لأنه وطؤ سقط فيه الحد عن الواطء فان الحق نسبه فإنه مملوك لأنه من بين مملوكين ، ويكون مملوكا لأبيه لأنه ولد مملوكته ولا يعتق عليه لأنه ناقص الملك ولا يجوز له بيعه لان الشرع منع من بيع الإباء والأولاد (١) ولا يملك عتقه لان فيه إتلاف مال سيده. وعليه النفقة على ولده. فاما نفقة ولده من زوجته فغير واجبة عليه سواء كانت حرة أو مملوكة أو أم ولد لغيره أو مكاتبة ، لأنها ان كانت حرة فلا نفقة عليه لأنها تجب باليسار وهو غير موسر لان ما في يده لسيده.

وان كانت مملوكة لم تجب عليه نفقة لأنه مملوك لسيد المملوكة ، وليس يجب عليه نفقة مملوك غيره ، ويفارق ولده من أمته لأنه مملوكه فلهذا أنفق عليه كسائر مماليكه. وان كانت أم ولد للغير فلا نفقة عليها (٢) لما تقدم ذكره وان كانت مكاتبة للغير فكذلك.

فاذا كان لا نفقة عليه كما ذكرنا ، وقيل لنا : فعلى من تكون نفقته؟ قلنا : إذا كانت زوجته حرة كانت النفقة عليها ، لأنه إذا لم يكن الأب من أهل الإنفاق ، أنفقت الأم. وان كانت امة للغير ، كان على سيدها نفقة هذا الولد لأنه مملوكه وان كانت مكاتبة كان موقوفا مع امه يعتق بعضها (٣) وعلى هذا نفقته على امه كما تنفق على نفسها مما في يدها

__________________

(١) يمكن ان يقال ان الشرع انما منع ذلك لأجل انعتاقهم عليه والمفروض في المقام عدمه لنص ملكه.

(٢) الصواب « عليه » لان الكلام صدرا وذيلا في نفقة ولده من زوجته.

(٣) الصواب « يعتق بعتقها » كما في المبسوط قوله : وعلى هذا إلخ أي بناءا على كون الولد كأمه في العتق يكون نفقته على امه واعلم ان في عدة من كلمات المتن هنا في النسختين غلطا أو تحريفا فراعيت تصحيحها بمناسبة المقام وبعضها صحيحة لكن كتب عليها في نسخة ( ب ) كلمة أخرى بعلامة النسخة وهي غير مناسبة ولذا أعرضت عن نقلها

٣٤٤

وان كانت زوجته مكاتبة لسيده فلا نفقة عليه (١) ، والنفقة على ما قدمناه تفصيله ، فإن أراد هذا المكاتب ان ينفق على ولده منها كان جائزا لأنه ليس في ذلك تغرير بمال السيد ، فان عجز (٢) وعاد الى الرق فالنفقة كانت على مال سيده. فإن أدى وعتق فقد أنفق على مال سيده.

واما ولد العبد (٣) من زوجته فالحكم فيه كالحكم في ولد المكاتب من زوجته لا يجب عليه (٤) الإنفاق لما تقدم ذكره.

واعلم ان نفقات الزوجات تعتبر بحال الزوج ولا تعتبر بحال الزوجة ، وقد ذكر في ذلك انه ان كان موسرا ، كان عليه في كل يوم مدان ، وان كان متوسطا متجملا فمد ونصف ، وان كان معسرا فقدر المد. ويعتبر الغالب في قوت أهل البلد والغالب من قوته ، وليس عليه ان يدفع إليها إلا الحب ، فان طلبت منه غيره لم يلزمه لأنها تكون مطالبة بغير حقها وغير ما يجب لها عليه. فان أراد هو ان يدفع إليها غير ذلك لم يلزمها قبوله لأنه يكون دافعا إليها غير حقها وغير ما يجب لها. فان اصطلحا على أخذ البدل من ذلك ، دنانير أو دراهم كان ذلك جائزا.

فاما الخادمة فقد ذكرنا فيما تقدم ان نفقتها تجب عليه إذا كانت ممن يخدم مثلها ، فان كان موسرا كان عليه لها مد وثلث ، لأنه أقل من نفقة الموسر والمتوسط وارفع من نفقة المعسر ، وان كان معسرا الزم نفقة مد لأنه ليس يمكن أقل منه من حيث ان البدن لا يقوم بأقل منه. ومذهبنا يقتضي الرجوع الى اعتبار العادة في ذلك.

واما الأدم فعليه ان يدفع الى الزوجة مع الطعام أدما والمرجع في جنسه الى

__________________

(١) اى على العبد المكاتب.

(٢) تعليل وبيان لعدم التغرير بمال السيد وفيه الفرق بين كونها مكاتبة لسيده أو لغيره.

(٣) اى العبد الخالص غير المكاتب.

(٤) بل لا يجوز له كما في المبسوط.

٣٤٥

غالب أدم البلد من زيت أو شيرج أو سمن. ومقداره يرجع الى العادة فما كان أدما للمد في العادة أوجب ذلك عليه ، ويفرض لخادمها الأدم أيضا ، ويفرض لها عليه اللحم في كل أسبوع دفعة واحدة. ويكون ذلك في يوم الجمعة لأنه عرف عام ، ويرجع الى العرف في مقداره وكذلك القول في الخادم.

ولا يجب لها عليه اجرة الحجام ، ولا فاصد ، ولا ثمن دواء. واما الدهن الذي تدهن شعرها به وترجله والمشط فإنه على الزوج لأنه من كمال النفقة.

ويجب عليه كسوتها. والمرجع في قدر ذلك (١) وجنسه الى عرف العادة واما العدد فللزوجة أربعة أشياء : قميص ومقنعة (٢) وخف ، هذه كسوة الصيف. فاما في الشتاء فإنه يزيده جبة محشوة بالقطن ، وكذلك الخادم. وعليه أيضا لها الفراش والوسادة واللحاف وما ينام عليه بحسب العرف والعادة فيه.

وإذا دفع إليها الكسوة لمدة يلبس في مثلها ستة أشهر تقديرا فاخلقت وبليت فان لحقها ذلك في وقتها (٣) كان عليه عوضها ، وان كان ذلك قبل وقتها لشهرين أو ثلاثة أشهر لم يلزمه العوض عنها. وان كان بعد وقتها كان عليها عوضها (٤).

فأما البدوية فإنها في وجوب النفقة لها على زوجها تجري مجرى ما قدمناه في الحضرية ، وتفترقان في غير وجوب ذلك على الزوج ، وذلك ان قوت البادية بخلاف قوت الحاضرة لأنهم يقتاتون بالأقط والبلوط ، فعلى زوجها نفقتها من غالب قوت

__________________

(١) اى الكبر والصغر.

(٢) في هامش نسخة ( ب ) هنا « وسراويل وشي‌ء يلبسه في رجلها من نعل أو غيره واما خادمها فثلاثة أشياء : قميص ومقنعة وخف ».

(٣) اى خلقت في رأس ستة أشهر مثلا أو حواليها.

(٤) أي في رأس المدة التي يخلق فيها الثوب عادة وان لم يحصل ذلك لهذا الثوب لأجل انها لم تلبسه أو جهدت كثيرا في حفظه قال في المبسوط : وكذلك إذا أعطاها قوت يومها فلم تأكله إلى الغد وجب عليه القوت في الغد بلا خلاف ولكن حكى فيه عن بعض انه ليس عليه في الثوب عوضه في ذاك المدة قبل خلقه.

٣٤٦

البادية كما قدمناه في غالب قوت البلد.

وليس يجب على الزوج ان يضحى عنها ، ولا ان يؤدى عنها كفارة اليمين ، وعليه زكاة الفطرة عنها.

فاما السبب الذي تجب النفقة على الزوج عنده فهو التمكين المستحق إذا كانا كبيرين. والتمكين الناقص هو التخلية والتمكين الكامل هو تسليم نفسها اليه وتمكينه منها على الإطلاق ومن غير اعتراض عليه في موضع مسكنها ونقلها اليه ، فاذا حصل التمكين على ما ذكرناه وجب تسليم النفقة في كل يوم من أوله ، فإن توانى في ذلك حتى مضت مدة استقرت عليه النفقة. فان لم تسلم نفسها اليه ولا تمكنه التمكين الكامل مثل ان تقول له : أسلم نفسي إليك في بيت أبي أو بيتي أو بيت الفلاني أو المحلة الفلانية ، فلا نفقة لها لان التمكين الكامل ما وجد ، فان حصل التمكين الكامل وكان الزوج حاضرا كان عليه النفقة لأن سبب الاستحقاق لها قد حصل.

وان كان غائبا فحضرت عند الحاكم وأعلمته أنها مسلمة نفسها الى زوجها على الإطلاق لم يحكم لها بالنفقة حتى يكتب الى حاكم البلد الذي الزوج مقيم فيه ويعرفه ذلك من حالها ، ثم يحضره ذلك الحاكم ويعلمه بما ذكرته زوجته ، فان سار لوقته أو وكل من ينوب عنه في القبض والتسليم ، وحضر وقبض كان ذلك الوقت هو وقت ابتداء النفقة. وان لم يسر ولا وكل ضرب المدة التي لو سافر فيها يوصل إليها ثم يكون عليه نفقتها عند آخر هذه المدة ، لأن التمكين الكامل وجد منها وقدر على القبض فلم يفعل. وكذلك الحكم إذا كان الزوج كبير أو الزوجة مراهقة تصلح للوطء.

وإذا كان الزوج كبيرا والزوجة صغيرة لا يجامع مثلها فليس لها نفقة. وان كان الزوج صغيرا والزوجة كبيرة لم يكن لها أيضا النفقة. فإن كانا صغيرين فلا نفقة لها أيضا. وإذا مرضت الزوجة لم تسقط نفقتها لأجل مرضها ، لأنها من أهل الاستمتاع بها ، ولأنه يألفها ويسكن إليها وتفارق الصغيرة بهذين الوجهين.

وان كان بها عيب في الفرج يمنع من الوطأ ويوجب الرد ، فان اختار إمساكها

٣٤٧

لزمته النفقة ، وله ان يستمتع بها فيما دون الفرج ، وان اختار ردها كان ذلك له.

وإذا أعسر الزوج ولا يقدر على النفقة على زوجته بوجه من الوجوه ، كان عليها الصبر الى ان يوسع الله عليه ولا يفسخ عليه الحاكم وان طالبته المرأة بذلك.

وإذا كان موسرا بالنفقة فمنعها مع القدرة ، ألزمه الحاكم لا إنفاق عليها. فان لم يفعل أجبره على ذلك فان ابى ذلك حبسه ابدا حتى ينفق عليها.

وإذا كانت الزوجة مطلقة طلاقا رجعيا كان لها النفقة لأنها في معنى الزوجات وان كان طلاقا بائنا لم تكن لها نفقة. فإن أبانها وكانت حاملا وجبت النفقة للحمل فلما وجب ذلك بوجوده وسقط بعدمه ، ثبت ان النفقة له ، (١) ولأنه إذا كان للحمل مال أنفق عليها فيه فدل ذلك على انه لا يجب لها ، فاذا لم تكن النفقة لها لأجل الحمل وكان للحمل على ما بيناه ، فعلى ذلك ينبغي ان يقال في الحر إذا تزوج بامة وأبانها وهي حامل ، فإن النفقة على سيد الأمة (٢) فإن تزوج عبد بامة وأبانها وهي حامل كانت النفقة على سيد الولد دون والده ، لان العبد لا يجب عليه نفقة أقاربه (٣)

فإن تزوج عبد بحرة فأبانها وهي حامل كانت النفقة على الزوجة ، لأنه ولد حرة وأبوه مملوك. وان كان النكاح فاسدا (٤) وكان الزوج حرا كانت النفقة عليه لأنها

__________________

(١) أي للحمل لا للحامل لأجل الحمل قلت ظاهر الآية والنصوص هو الثاني كما عن بعض الأصحاب والمخالفين ولا ينافيه الدليلان المذكوران في المتن كما ان بعض الفروع التالية وغيرها أعم فراجع جواهر الكلام.

(٢) هذا إذا شرط مولاها على الزوج رق الولد وقلنا بصحة هذا الشرط كما صرح بذلك في الشرائع وأشار إليه في المبسوط بقوله تجب نفقة الولد على سيده وهو سيد الأمة.

(٣) اى ولو كانت النفقة لها وجبت على العبد في كسبه وهكذا في الفرع التالي

(٤) اى شبهة إذ الولد والنسب منتف في غيرها وبالجملة فهذه أربعة فروع ذكرها المصنف تبعا للمبسوط لكون النفقة للحمل لكن يمكن منع كونها من فروعه خصوصا في الأول والأخير

٣٤٨

نفقة ولده ، ولا فرق في باب لحوق النسب وثبوته بين النكاح الصحيح والفاسد.

ويستحق الولد النفقة على والده إذا كان الولد على صفة ووالده على صفة (١) فاما صفة الولد الذي يستحق النفقة وصفة الوالد الذي يستحق عليه ذلك فهي ان يكون الولد معسرا ثم ناقص الخلقة أو ناقص الأحكام ، أو ناقص الخلقة والأحكام. فناقص الخلقة : الضرير والزمن ، وناقص الأحكام : الولد الصغير لأنه لا حكم لكلامه والقلم لا يجرى عليه ، واما ناقص الخلقة والأحكام : فالكبير الضرير المجنون فإنه ناقص الأمرين معا.

واما صفة والده الذي يستحق عليه النفقة فهو القادر على النفقة على ولده في الفاضل عن قوت يومه ، فاذا قدر على ذلك لمال في يده أو قدرة على كسب كان عليه الإنفاق. فإذا كان الأمر في الولد والوالد على ما ذكرناه.

فاما الترتيب في ذلك فجملته ان نفقة الولد على والده ان كان موسرا كما ذكرناه ، فان لم يكن له والد أو كان له والد الا انه معسر فعلى جده. فان لم يكن له جد ، أو كان له وكان معسرا فعلى والد الجد ثم على هذا الترتيب ابدا.

فان لم يكن له أب ولا جد أو كانا إلا أنهما معسران فنفقته على امه وكل جدة ، وان علت فهي كالأم إذا لم تكن دونها جدة أو كانت لكنها معسرة مثل ما ذكرناه في الأب هذا إذا لم يكن من شق الأم إلا هؤلاء ، فإن كان في شق الام غير هؤلاء وهو أب الأم وأم أب الأم ومن جرى هذا المجرى فهم من أهل الإنفاق في الجملة ، لأن النفقة تلزم بالقرابة على من يقع عليه اسم الأب حقيقة أو مجازا ، أو على من وقع عليه اسم الجد حقيقة أو مجازا.

وإذا كان له أب وأم فالنفقة على الأب دون الأم فإن كان له أم وجد أبو أب وان علا فالنفقة على الجد دون الأم. فإن اجتمع أبو أم وأم أم فهما سواء لتساويهما في الدرجة

__________________

(١) زاد في هامش نسخة ( ب ) « ويستحق الوالد النفقة على ولده إذا كان الوالد على صفة وولده على صفة »

٣٤٩

أيضا (١).

فإما النفقة على الوالد فعلى الولد ان ينفق على والده في الجملة وعلى جده وان علا ، وينفق على امه وأمهاتها وان علون. والذي تجب النفقة عليه فإنها تجب في الفاضل عن قوت يومه وليلته. وصفة من تجب له فان يكون فقيرا ناقص الأحكام أو الخلقة أو هما ، وناقص الأحكام : المجنون ، والخلقة الزمانة ، وهما : ان يكون مجنونا زمنا ، فمن كان على هذه الصفة لزمت ولده النفقة عليه. وان كان كامل الخلقة والأحكام الا انه فقير فعلى ولده الإنفاق عليه ، وإذا كان الولد كامل الخلقة والأحكام وكان معسرا وجب نفقته عليه (٢).

وإذا كان موسرا وكان أبواه معسرين ، فان كان معه ما ينفق عليهما فعليه ذلك وان لم يفضل عن كفايته الا نفقة أحدهما كان هذا الفاضل بينهما.

وإذا كان الابن موسرا وله أب وجد أبو الأب وهما معسران ، وابن وابن ابن معسران أيضا ، فإن فضل ما يكفى الكل أنفق عليهم ، وان فضل ما يكفى واحدا منهم

__________________

(١) لفظة « أيضا » هنا غير مناسبة وزاد في هامش نسخة ( ب ) بعدها بعلامة بعض النسخ « فان اجتمع أم أم وأم أب أو أبو أم وأم أب كانا أمهما أمهاتها وان علون » والظاهر ان ذيله تصحيف من السطر التالي في المتن والصواب « كانا سواء » كما في المبسوط فيحتمل ان تكون لفظة « أيضا » بعد هذه الجملة أو انه كان قبلها فرع آخر نحوه سقط من المتن.

(٢) يعلم من ذلك انه لا عبرة في الولد أو الوالد بنقص الخلقة أو الأحكام وانما العبرة بفقره وان كان كاملا خلافا لبعض العامة فما ذكره أولا من اعتبار نقصهما مع الفقر لأنه متفق عليه بين الخاصة والعامة كما انه مع نقصهما انما يجب الإنفاق عليه إذا لم يكن له مال أو نحوه والظاهر انه يعتبر في الفقر في كل من الوالد والولد وغيرهما ممن تجب نفقته على غيره ، عجزه عن التكسب اللائق بحاله كما في الشرائع وغيره نظير ما تقدم هنا آنفا من وجوب نفقة غيره عليه بل قد يقال بأن المرأة القادرة على التزويج اللائق بحالها بحكم الغنى وفيه تأمل.

٣٥٠

كان الابن اولى ، وكذلك الأب مع الجد (١) فان كان معسرا وله أب وابن موسران كان نفقته عليهما سواء تساويهما في القرابة والتعصيب (٢) والرحم.

وان كان موسرا وله زوجة ومن ذوي الأرحام من تجب عليه نفقته. فان فضل ما يكفى الكل أنفق على الكل. وان فضل ما يكفي أحدهم كانت الزوجة أحق بها ، لان نفقتها على سبيل المعاوضة ونفقة ذوي الأرحام مواساة ، والمعاوضة أقوى لأنها تستحق مع إعسارها ويسارها ، والوالد إذا كان موسرا لا نفقة له ، وتستحق مع يسار الزوج وإعساره. والولد لا نفقة له على أب معسر.

وتستحق المطلقة المرضعة النفقة وهي الأجر على الرضاع لقوله تعالى :

( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (٣).

فإن طلبت اجرة مثلها وليس هناك غيرها أو يوجد غيرها بهذه الأجرة فهي أحق ، وان طلبت أكثر من ذلك (٤) والزوج يجد بأجرة المثل كان له نقله عنها لقوله تعالى :

( وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ) (٥) ولقوله تعالى.

( وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) (٦)

__________________

(١) اى ان فضل من الابن ما يكفى لواحد فالأب أولى من الجد ويظهر من ذلك حكم ما إذا كان له أب وابن معسران وفضل منه ما يكفي أحدهما فالابن اولى من الأب وهذا تعرض له في المبسوط على حدة وقوى فيه انهما سواء ويحتمل ان يكون المراد بالمتن أولوية الابن بالنسبة الى ابن الابن لا الأب ويؤيده التعليل المذكور في التالي أو المراد ما إذا كان له أب وجد أو ابن وابن ابن كما في المبسوط

(٢) التعصيب قرابة خاصة للذكور مذكور في كتاب الميراث وباب العاقلة من كتاب الديات.

(٣) الطلاق ـ ٦

(٤) ظاهره انه إذا طلبت اجرة المثل والزوج يجد بأقل منها ليس له النقل.

(٥) الطلاق ـ ٦

(٦) البقرة ٢٣٣

٣٥١

واما نفقة المملوك فتجب على سيده وهو على ضربين : مكتسب ، وغير مكتسب فان كان غير مكتسب لصغر أو كبر أو زمانة أو مرض فان نفقته على سيده ، وان كان مكتسبا كان سيده مخيرا بين ان يجعلها في كسبه وبين ان ينفق عليه من عنده لان كسبه وماله له. فإن أنفق عليه من ماله كان جميع كسبه له ، وان جعل نفقته في كسبه وكان وفقا لنفقته لم يكن من سيده غير ذلك ، وان زاد كسبه على ذلك كان الفاضل لسيده. وان كان نقص من ذلك كان على سيده تمامه. والمراعى في مقدار نفقته ما يكفيه لقوته وغير ما (١) يكفيه بحسب العادة.

وإذا بانت المرأة من زوجها بطلاق أو خلع أو غير ذلك وله معها ( منها ـ خ ل ) ولد طفل لا يعقل ولا يميز ، كانت هي أولى بحضانته من أبيه. وان كان بالغا عاقلا كان مخيرا بين ان يكون مع أبيه أو امه. وان كان صغيرا وقد ميز ولم يبلغ وكان ذكرا كان (٢) اولى به الى سبع سنين من عمره ، وان كان أنثى كانت الأم أولى بها الى تسع سنين ، وقيل الى بلوغها (٣) ما لم تتزوج فان تزوجت كان الأب أحق

__________________

(١) لعل الصواب « وغيره » اى غير القوت كالسكنى.

(٢) في نسخة ( ب ) « كانت امه » وكذا في المختلف عن المصنف في هذا الكتاب لكن الغالب ان الولد قبل سبع سنين بحكم غير المميز ولذا ذكر في المبسوط هنا ان حد التميز ان يبلغ سبع أو ثماني سنين فلعل مراد المصنف غير الغالب.

(٣) لعل المراد بلوغها عرفا مبلغ النساء للتزويج ونحوه إذا البلوغ الشرعي يكون بتسع سنين لكن لم أجد هذا القول لأحد فإن المذكور في المبسوط وغيره هو البلوغ المراد به الشرعي نعم حكى عن بعض تحديده بتزويج البنت فلعله المراد هنا وعلى كل فعن الشيخ في النهاية ان الأم أولى بحضانة الذكر مدة الحولين وبالأنثى سبع سنين واختاره كثير من الأصحاب وحكاه في المختلف عن المصنف في الكامل.

٣٥٢

بولده ذكرا كان أو أنثى ، طفلا غير مميز ولا عاقل أو طفلا مميزا.

فان كان لم يبلغ سبع سنين أو أكثر منها فان تزوجت وكان لها أم ، كانت أمها أحق به ان لم يكن لها زوج وهو جد الطفل (١). وان كان غير جده كان الأب أحق له. فان كان لجد الطفل (٢) كانت اولى به من الأب وكذلك الحكم فيما زاد على ما ذكرناه من الإباء والأمهات.

فان لم تكن أمهات الأم على ما ذكرناه كان الأب أحق به من كل أحد ثم أمهاته وآباؤه ، ويجرون في كونهم أحق به مجرى أحقهم بميراثه ، فمن كان منهم أحق بميراثه كان أحق بحضانته. وان كان من يستحق ميراثه أكثر من واحد ، وتنازعوا في حضانته ، أقرع بينهم فمن خرج اسمه كان اولى به. وكذلك القول في اخوته وأخواته إذا لم يكن أب ولا أم ولا أحد ممن تقدم ذكره.

وإذا كان له ولد من كافرة وهو مسلم كان المسلم أحق بولده على كل حال.

فإن أسلمت الكافرة كان كما لو كانت في الأصل مسلمة. وكذلك لو كانت مسلمة وزوجها كافر كانت أحق به من الكافر فلو أسلم الكافر كما كان لو كان في الأصل مسلما.

وإذا كان أحد أبوي الطفل مملوكا لم يكن له حق في الحضانة فإن أعتق ثبت حقه ، وتكون أمة أحق به الى سبع سنين من عمره ثم يكون أبوه أحق به من ذلك وان كان الولد أنثى كانت امه أحق بها الى ان تبلغ.

__________________

(١) الصواب « ان لم يكن لها زوج أو كان لها زوج وهو جدا الطفل » كما في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح.

(٢) في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح « فان كان لجد الطفل أم ولا زوج لها كانت أحق به من الأب فإن كان لها زوج وهو أبو جد الطفل » وهذا الترتيب غير وارد في النصوص ولعله لصدق أم الولد على أمهات أمه فيكون اولى من الأب وفيه منع واضح مضافا الى ان المستفاد من النصوص وغيرها كما في جواهر الكلام ان الأصل كون حضانة الولد ذكرا كان أو أنثى لأبيه وانما خرجت عنه الام فيما ذكر

٣٥٣

وإذا تزوجت الأم أو فسقت سقط حقها من الحضانة. فإن كان لها أم كانت أحق به على ما قدمناه.

وإذا ملك إنسان بهيمة كانت مما يؤكل لحمه أولا يؤكل ، طيرا كان أو غير ذلك ، مما يؤكل لحمه أيضا أولا يؤكل ، كان على مالكه النفقة عليه. وان كانت البهيمة في البلد كانت نفقته عليه بالقيام بها بالعلف وبما يصلح حالها ، وان كانت في البادية أطلقها للرعي ، فان لم يكن لها ما يرعاه فالعلف.

والمالك لما يؤكل لحمه من ذلك مخير فيه بين البيع والذبح والعلف.

وان كانت مما لا يؤكل لحمه كان مخيرا بين علفها وبين بيعها ولا يجوز له حبس شي‌ء من ذلك من غير ان يعلفه ولا يقوم به ولا يطلقه للرعي وما أشبه ذلك. فان فعل ذلك أجبره الحاكم على أحد ما ذكرنا انه مخير فيه.

٣٥٤

« كتاب العتق والتدبير والمكاتبة وما يتعلق بذلك »

قال الله تعالى « فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ » (١) الاية.

وعن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال : من أعتق رقبة مؤمنة أو مسلمة في الله ، أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار.

وعن زين العابدين ـ عليه‌السلام قال ، ما من مؤمن يعتق نسمة مؤمنة ، إلا أعتق الله تعالى بكل عضو منها عضوا من النار حتى الفرج بالفرج.

وعن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : اربع من أراد الله بواحدة منهن وجبت له الجنة ، من سقى هامة صادئة ( صادمة ـ خ ل ) ، أو أطعم كبدا جائعة ، أو كسا جلدا عاريا ، أو أعتق رقبة مؤمنة (٢).

وإذا كان العتق لا يصح الا فيما يملك ، فينبغي ان يذكر ما يصح تملكه ، وما لا يصح

« باب ذكر من يصح تملكه ومن لا يصح ».

إذا كان الإنسان بالغا كامل العقل ، وأقر على نفسه بالعبودية ، كان رقا ، وكذلك

__________________

(١) البلد ـ ١١ ـ ١٣

(٢) هذه الاخبار الثلاثة أوردها كذلك في دعائم الإسلام وأورد نحوها في الوسائل الباب الأول من العتق وهامة صادئة : اى العطشان فان الصدى العطش أو شدته وهامة بتخفيف الميم وسط فوق الرأس وبتشديدها ذات السموم القاتلة كالحية وكلاهما غير مناسب هنا فلعلها من الهيام بمعنى شدة العطش اى نفسا هائمة

٣٥٥

ان لم يكن بالغا فيثبت عليه بينة بذلك ، كان رقا كذلك ، وإذا ثبت رق من ذكرناه ، صح التصرف فيه بالعتق وغيره ، من هبة أو بيع أو ما أشبهه ، وذلك (١) مما يجوز في شرع الإسلام ، ومن لا يثبت عليه ما ذكرناه من الإقرار أو البينة فإنه لا يجوز استرقاقه. والكفار على ضربين :

أحدهما يسترق ، والأخر لا يسترق والذي يسترق هو جميع من خالف اليهود والنصارى والمجوس من الكفار ، وكل يهودي ونصراني ومجوسي امتنع من إعطاء الجزية. واما الذي لا يسترق منهم فهو كل من اعطى الجزية ، من يهودي أو نصراني أو مجوسي ، وهؤلاء إذا أعطوا الجزية لم يسترقوا وأقروا على أديانهم وأحكامهم ، وكل من عداهم من الكفار لا يجوز أخذ الجزية منهم كما قدمناه ، بل يعرض الإسلام عليهم فإن أسلموا والا قوتلوا وغنمت أموالهم ، وسبيت ذراريهم ، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم مفصلا.

ويجوز استرقاق الكفار وان سباهم أهل الضلال والفسق.

ويجوز ان يبتاع الإنسان ما يسبيه بعض الكفار من بعض ، ما لم يكن المسبي مسلما ، وإذا كان للكافر أولاد وزوجة ، أو غير ذلك من أقاربه ، فأراد بيع شي‌ء منهم ، جاز ابتياعه منه واسترقاقه ، ويصح التصرف فيه بالبيع وما جرى مجراه من وجوه التصرف.

وإذا كان المملوك من أهل الإيمان ، فإنه يستحب لسيده عتقه ، وإذا بقي في ملكه سبع سنين فلا يسترقه أكثر من ذلك.

وإذا ملك إنسان أحد أبويه ، أو بعض من يحرم عليه نكاحه من أقاربه ، انعتق عليه في الحال الذي يملكه فيه ، ولا يثبت له استرقاق ، وكذلك ان ملك مثل المحرمات عليه من الرضاع ، فإنه ينعتق عليه أيضا في الحال.

__________________

(١) في نسخة ( ب ) « أو ما أشبه ذلك مما يجوز ».

٣٥٦

ويجوز للإنسان أن يملك من عدا أبويه (١) من ذوي أرحامه ، والأفضل لمن ملك ذلك ان لا يسترقه بل يعتقه.

وإذا عمى المملوك ، أو أجذم ، أو أقعد أو مثل به سيده ، أو نكل به ، (٢) انعتق في الحال ، وإذا كان العبد يباع في السوق المسلمين ، جاز ابتياعه ، وان ادعى الحرية ، لم يقبل قوله الا ببينة عادلة ، فإن ثبت له ذلك خلي سبيله ، فان لم يثبت ذلك فهو عبد يصح بيعه كما قد مناه.

« باب العتق وأحكامه

صحة العتق تفتقر الى شروط :

وهي ان يكون المعتق كامل العقل ، وبنوى العتق ، ويقصد اليه دون غيره ، ويكون مالكا لما يعتقه ، ويتلفظ فيه بالحرية ، وهو ان يقول : « فلان عبدي ، أو فلانة أمتي ، أو يشير الى ذلك فيقول : أنت أو هذه حر أو حرة لوجه الله تعالى » ، ويكون متقربا بذلك اليه تعالى.

فإذا أعتق عبدا ، وهو غير كامل العقل ، أو لا يتلفظ باللفظ الذي قدمنا ذكره ، أو لا يتقرب بالعتق اليه تعالى ، لم يقع عتقه ، وكان باطلا.

ويستحب عتق من كان من أهل الحق ، ويجوز عتق المستضعف ، ويكره عتق من خالف الحق ، وإذا قال : « كل عبد أملكه في المستقبل فهو حر لم يقع العتق وان ملك في المستقبل عبدا أو عبيدا ، الا ان يكون نذر ذلك ، فيلزمه العتق لأجل النذر دون غيره.

وإذا أعتق مملوكا لغير الله ، أو لم يرد به وجه الله تعالى ، أو أعتقه وهو مكره ،

__________________

(١) اى من الذكور واما الإناث فقد مر انه ينعتق عليه من يحرم عليه نكاحه من أقاربه كالأخت وبنتها والعمة والخالة نسبا أو رضاعا.

(٢) التنكيل هو التمثيل وهو قطع ما يزيله عن هيئته كالأنف والاذن وقد ورد في النص كل منهما فلعل مراد المصنف به مطلق التعذيب.

٣٥٧

أو ناقص العقل ، أو سكران ، أو ساه ، أو غضبان ، أو حلف بالعتق ، لم يقع العتق.

وإذا كان المعتق أخرس فكتب العتق بيده ، أو أشار اليه ، وفهم من قصده ذلك ، كان عتقه ماضيا.

ومن أعتق مملوكا لا يقدر على الاكتساب ، أو يكون (١) فيه ما يغني نفسه ، كان جائزا ، الا أن الأفضل ان لا يعتق الا من يكون قادرا على اكتساب ما يحتاج اليه أو يغني نفسه ومن أعتق من هذه صفته ، أو كان صبيا ، أو عاجزا عن النهضة فيما يحتاج اليه ويقوم بأوده (٢) ، فالأفضل أن يجعل له شيئا من ماله يستعين به على معيشته.

وإذا كان عبد بين شريكين ، وأعتق أحدهما نصيبه إضرارا بشريكه الأخر ، وكان موسرا كان عليه ان يبتاع ما بقي من العبد ، ويعتقه ، وان كان معسرا لا يملك الا ما أعتقه ، كان العتق باطلا ، وان لم يكن قصده بما أعتقه من نصيبه ، الإضرار بشريكه ، وانما قصد بذلك وجه الله ، لم يجب عليه ابتياع نصيب شريكه ولا عتقه ، بل يستحب له ذلك ، فان لم يفعله استسعى العبد في الباقي من ثمنه ، ولم يكن لصاحبه الذي يملك منه ، ولا عليه ضرر به (٣) ، بل له ان يستسعيه في الباقي من ثمنه ، فان امتنع العبد من السعي في فك رقبته ، كان له من نفسه قدر ما أعتق ولمولاه الباقي.

__________________

(١) الصواب « أو لا يكون ».

(٢) الأود بفتحتين الاعوجاج يقال اقام أوده أي سوى امره وعد له وبسكون الواو بمعنى الجهد والمشقة ومنه قول أمير المؤمنين عليه‌السلام لطلحة والزبير : إنكما شريكان في القوة وعونان على العجز والأود.

(٣) الصواب كما في النسخة ( ب ) مع التصحيح وفي النهاية « ولم يكن لصاحبه الذي يملك منه ما بقي استخدامه ولا له عليه ضريبة » وظاهر المتن والنهاية عدم اشتراط قصد القربة في عتق الشريك مع يساره وهو الظاهر من النص الوارد فيه وهذا مناقض لما مر وما قيل في رده من عدم منافاة قصد الإضرار للتقرب خلاف الظاهر فالأولى عدم اشتراط القربة في هذا الفرض أو مطلقا فيحمل النصوص في اعتباره على نفى الكمال كما لا يبعد.

٣٥٨

وإذا كان لإنسان مملوك ، فأعتق منه بعضه ، نصفه أو ربعه أو أقل من ذلك أو أكثر ، انعتق جميعه عليه.

وإذا كان له مملوك فأعتقه وشرط عليه انه متى خالفه في فعل من الأفعال كان ردا في الرق ، أو كان عليه مال معلوم ، كان الشرط صحيحا ، وكذلك ان شرط عليه خدمته سنة أو أكثر من ذلك ، كان الشرط أيضا صحيحا ولزمه ذلك ، فان مات المعتق كانت خدمته لورثته ، وان أبق المملوك ولم تؤخذ ( ولم يوجد ـ خ ل ) حتى انقضت المدة المضروبة لخدمته ، لم يكن للوارث عليه سبيل.

وإذا كان له عبد فأعتقه وكان مع العبد مال ، وكان سيده عالما به كان ذلك المال للعبد المعتق دون سيده ، وان لم يكن السيد عالما به ، كان المال للسيد دون العبد

وإذا كان للعبد مال. وأراد سيده عتقه واستثنى المال ، جاز له ذلك الا انه لا يبتدئ بتحريره أولا بل يبتدئ فيقول : « مالك لي وأنت حر لوجه الله تعالى » فان بدأ بالحرية فقال : « أنت حر لوجه الله ولى مالك » مضى العتق ولم يكن لسيده سبيل على المال (١).

المملوك لا يملك من الأموال شيئا ما دام مملوكا ، فان ملكه سيده شيئا من ذلك ملك التصرف فيه ، وكذلك إذا جعل عليه ضريبة يؤديها اليه ، وما يبقى بعد ذلك يكون له فإنه إذا أدى الضريبة إلى سيده ، كان له التصرف فيه (٢) ، وليس له ان يملك رقبة المال. فان تزوج أو تسرى أو ابتاع مملوكا من هذا المال وأعتق المملوك كان جميع ذلك جائزا ، الا ان هذا المملوك الذي يعتقه ، كان سائبة (٣) لا ولاء

__________________

(١) تقدم نحوه في كتاب النكاح فيما لو أعتق جاريته وتزوجها وجعل مهرها عتقها.

(٢) في هامش نسخة ( ب ) « كان له التصرف في الباقي وكذلك إذا أصيب العبد بما يستحق به الأرش كان ذلك له وجاز له التصرف فيه » ونحوه في النهاية

(٣) السائبة المهملة والمراد هنا العبد الذي أعتق وليس لمن أعتقه ولاء عليه ويأتي بيانه في باب الولاء التالي وقوله « لان العبد لا يملك جريرة غيره » تعليل لكونه

٣٥٩

لأحد عليه ، ولا يجوز له ان يتوالى الى العبد الذي أعتقه ، لأن العبد لا يملك جريرة غيره فان توالى الى غيره كان جائزا.

وإذا كان لإنسان من العبد أكثر من ثلاثة ، فأعتق منهم ثلاثة ، وقيل له : « أعتقت مماليكك » فقال : « نعم » لم ينعتق منهم إلا الثلاثة الذين كان أعتقهم ، وان كان قد أجابهم بلفظ العموم بقوله « نعم » وكذلك لو أعتق أربعة أو خمسة أو أكثر من ذلك.

وإذا نذر عتق أول مملوك يملكه ، فملك جماعة من المماليك في حال واحدة أقرع بينهم ، فمن خرج اسمه انعتق (١) وإذا كانت له مملوكة فنذر انه ان وطأها كانت معتقة ، فوطأها قبل خروجها من ملكه ، انعتقت ، وان أخرجها من ملكه ثم اشتراها ووطأها بعد ذلك ، لم ينعتق بما كان نذره أولا.

وإذا نذر عتق مملوك معين ، كان عليه عتقه بعينه دون غيره ، فإن أعتق غيره ، لم يكن ذلك مجزيا له.

وإذا قال : « كل مملوك لي قديم فهو حر » ، انعتق من مماليكه كل من كان له في ملكه ستة أشهر.

وإذا زوج مملوكة له ، وشرط عتق أول ولده تلده فولدت توأما ، كانا جميعا معتقين (٢)

__________________

سائبة ولعدم جواز ان يتوالى إليه اى انه لا ولاء له عليه بأصل الشرع ولا بعقده بعد العتق لأنه متضمن لضمان الجريرة والعبد لا يملك ذلك.

(١) ظاهره انه بالنذر ينعتق قهرا إذا ملكه وهذا إذا كان المنذور نفس العتق من باب نذر النتيجة كما ذكر ذلك بعض الأصحاب فيما إذا أنذر عتق عبد معين لا يملكه لكنه مشكل لكونه مخالفا لعموم ما دل على عدم صحة العتق قبل ملك بل الأظهر من النصوص الواردة في مسئلة المتن بعد حملها على النذر ، اعتبار الإعتاق فيه أيضا كما لو كان المنذور هو الإعتاق.

(٢) الفرق بين هذا وما مر آنفا في أول ما يملكه مضافا الى النص ان مراد

٣٦٠