المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

حد في شي‌ء من ذلك و (١) كانا قد زنيا أكثر من ثماني مرات ، فإنه لا يجب على كل واحد منهما (٢) أكثر من خمسين جلدة.

وزنا الحر والحرة. والمسلم والأمة المسلمة (٣) التي لغيره سواء كانت لزوجته أو لوالده أو لغيرهما من الأجنبيين على حد واحد لا يختلف فيه الحكم.

وكذلك المرأة لا فرق بين ان تزني بحر ، أو عبد مملوك لها ، أو لغيرها ، فان الحكم أيضا لا يختلف في ذلك.

وإذا زنى بصبية لم تبلغ فليس مثلها قد بلغ (٤) فليس عليه الا الجلد ، ولا رجم عليه في ذلك. فإن أفضاها أو عابها ، كان عليه ضمان عيبها ، وقد سلف ذكر ذلك.

وإذا زنت امرأة بصبي لم يبلغ ، لم يكن عليها غير جلد مأة ، ولا رجم عليها ، والصبي والصبية عليهما تأديب.

فإن زنى رجل بمجنونة ، كان عليه الحد جلد مأة وليس عليه رجم ، وليس على المجنونة شي‌ء. وإذا زنى مجنون بامرئة ، كان عليها جلد مأة أو الرجم.

وإذا زنى إنسان ، وتاب قبل قيام البينة عليه بالزنا ، ادرأت التوبة عنه الحد. فان تاب بعد قيام البينة عليه ، كان عليه الحد ، ولم يجز للإمام عليه‌السلام ان يعفو عنه فان كان أقر على نفسه عند الامام عليه‌السلام ، ثم أظهر التوبة ، كان الامام بالخيار في إقامة الحد عليه أو العفو عنه ، بحسب ما يراه من المصلحة في ذلك ، وان لم يتب لم يجز للإمام العفو عنه.

__________________

(١) في جميع النسخ « أو » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما في المتن.

(٢) في النسخ « منهم » والظاهر انها تصحيف.

(٣) الظاهر ان في العبارة تشويش واضطراب ولعلها تصحيف والمراد : ان زنا الحر مع الحرة المسلمة أو الأمة المسلمة على حد واحد.

(٤) لعل المراد : ان مثلها في الجسم لم تبلغ وهذا القيد للاحتراز عن صبية لم تبلغ ولكن أمثالها في الجسم قد بلغن.

٥٢١

وإذا زنى نصراني أو يهودي بمن هو من أهل ملته ، فالإمام مخير بين اقامة الحد عليه بما يقتضيه شرع الإسلام ، وبين تسليمه الى أهل ملته وأهل ملة المرأة ليقيموا عليه (١) الحد بحسب ما يعتقدونه في ملتهم.

وإذا عقد رجل على امرأة في عدتها ، ودخل بها وهو عالم بذلك ، كان عليه الحد. فان كانت عدتها عدة طلاق رجعي ، كان عليه الرجم. وان كانت عدة طلاق بائن ، أو متوفى عنها زوجها ، كان عليه مأة جلدة فقط. فان ادعيا انهما لم يعلما ان ذلك لا يجوز في شريعة الإسلام ، لم يصدقا فيه ، وأقيم عليهما الحد.

وإذا زنى مكاتب مشروط عليه ، وقد ادى من مكاتبته شيئا ، كان حده حد المماليك ، وقد تقدم ذكر ذلك. فان كان غير مشروط عليه ، وقد ادى من مكاتبته شيئا جلد بحساب ما ادى حد الحر ـ من مأة جلدة ـ وبحساب ما بقي من حد المملوك من خمسين جلدة ـ ولم يجب عليه رجم على حال ولا على وجه ، الا بعد ان ينقضي مكاتبته ويطأ زوجته بعد ذلك وهو حر ، فاذا زنى بعد ذلك كان عليه الرجم. وكذلك المملوك المحض.

وإذا أعتق وزنى ، فان كان قد وطأ امرأة بعد العتق وقبل الزنا ، كان عليه الرجم. وان كان لم يطأها بعد العتق ، كان عليه مأة جلدة ، لأنه في حكم من لم يدخل بزوجته.

وإذا وطأ رجل جارية من المغنم قبل القسمة ، قومت عليه وأسقط عنه من قيمتها بمقدار ما يصيبه منها ، والباقي بين المسلمين ، ويقام عليه الحد ويدرأ عنه بمقدار ما كان له منها.

وإذا كان لرجل مملوكة ، له فيها شريك ، فوطأها ، كان عليه من الحد بحساب ما لا يملك منها ويدرأ عنه بحساب ما يملكه منها.

وإذا زنت امرأة وحملت من الزنا ، وشربت دواء فألقت الجنين سقطا ، كان

__________________

(١) في بعض النسخ « عليها » والظاهر تصحيفها.

٥٢٢

عليها الحد للزنا والتعزير لفعلها.

وإذا زنى إنسان في شهر رمضان نهارا ، أقيم عليه الحد وعوقب زائدا على ذلك ، لانتهاكه حرمة الشهر ، وكان عليه الكفارة للإفطار. فإن كان زنى بالليل ، كان عليه الحد والتعزير ، ولم يجب عليه كفارة.

وإذا زنى في حرم الله أو حرم رسوله أو أحد الأئمة عليهم‌السلام ، كان عليه الحد للزنا ، والتعزير لانتهاكه حرمة حرم الله وحرم رسوله وحرم الأئمة عليهم‌السلام وكذلك ان فعل ما يوجب الحد أو التعزير في مسجد أو موضع عبادة ، فإنه يجب عليه مع الحد ، التعزير ، وفيما يوجب التعزير العقوبة مغلظة.

وإذا زنى في يوم عيد فطر أو أضحى ، أو في غير ذلك من الليالي الشريفة مثل ليلة الجمعة ، أو ليلة النصف من شعبان ، أو ليلة أحد العيدين ، أو في يوم السابع والعشرين من رجب ، أو ليلة سبع عشر من شهر ربيع الأول ، أو خمسة وعشرين من ذي القعدة ، أو ليلة عاشورا أو يومه ، أو يوم الغدير أو ليلته ، فإنه يغلظ العقوبة.

وإذا أقر على نفسه بالزنا ، كان عليه الحد ، وسيأتي ذكر ذلك الإقرار الذي يوجب الحد « بمشيئة الله ».

فإن أقر أنه زنى بامرئة معينة ، كان عليه حدان ، أحدهما حد الزنا ، والأخر حد القذف وهكذا حكم المرأة إذا قالت زنى بي فلان ، سواء.

وإذا افتض إنسان بكرا بإصبعه ، كان عليه عشر قيمتها ، وجلد ـ من ثلاثين سوطا إلى تسعة وسبعين سوطا ـ عقوبة على جنايته. فان كانت البكر المجني عليه حرة ، كان عليه أيضا مهر مثل نسائها بغير نقص فيه. فان كان قد زنى بها فذهب بعذرتها ، لم يكن لها عليه مهر على حال (١).

وإذا زوج رجل جارية (٢) لرجل ، ثم وطأها بعد ذلك ، كان عليه الحد.

__________________

(١) ظاهر الفرض مطاوعة البكر.

(٢) كذا في أكثر النسخ وفي نسخة « جاريته ».

٥٢٣

وإذا زنى إنسان وهو سكران ، عليه حدان حد للزنا وحد للسكر ولم يسقط عنه الحد لسكره وزوال عقله. وإذا زنى وهو أعمى وجب الحد عليه كما يكون على البصير ، ولم يسقط الحد عنه لعماه فان ادعى ان الأمر اشتبه عليه : وظن ان الامرأة التي وطأها كانت زوجته أو جاريته ، لم يصدق في ذلك ، ووجب ان يقام عليه الحد ، وإذا ادعى الزوجية لم يحد الا ان تقوم البينة عليه بخلاف ما ادعاه. ولأحد أيضا مع إكراه وإلجاء ، ولا يصح الا مع الاختيار.

وإذا تشابهت امرأة لرجل (١) بجاريته ونامت على مرقده ليلا ، فظن انها جاريته فوطأها من غير تحرز ، كان عليه الحد سرا وعلى المرية جهرا.

« باب ما به يثبت حكم الزنا »

« ويوجب اقامة الحد على الزاني »

الذي يثبت به الزنا ويجب معه اقامة الحدود على الزنا شيئان ، أحدهما ، الإقرار ، والأخر البينة.

فأما الإقرار ، فهو إقرار الإنسان الكامل العقل ، المختار على نفسه اربع مرات دفعة بعد اخرى بالوطأ في الفرج على وجه الزنا ، فإنه يحكم عليه بذلك ، ويجب عليه ما يجب على فاعله. فإن أقر أقل من اربع مرات ، أو أقر أربع مرات بالوطأ فيما دون الفرج. لم يحكم عليه بالزنا ، وكان عليه التعزير حسب ما يراه الإمام.

فأما البينة ، فهي شهادة أربعة من العدول على الرجل بأنه وطأ امرأة ـ ليس بينه وبينها عقد ولا شبهة عقد ـ في الفرج. فاذا شهدوا بذلك ، فادعوا المشاهدة للفعل كالميل في المكحلة ، قبلت شهادتهم ، وحكم عليه بالزنا ، ووجب على المشهود عليه الحد.

__________________

(١) في النسخ « الرجل » بدل « لرجل » والظاهر انها تصحيف.

٥٢٤

فان شهد هؤلاء الأربعة بالزنا ، ولم يشهدوا بالمعاينة على الوجه الذي قدمناه كان على كل واحد منهم حد القذف. فان شهد أقل من أربعة ، واحدا كان أو اثنين أو ثلاثة ، وادعى مشاهدة الوطأ في الفرج كان على جميعهم حد الفرية.

فإن شهد الأربعة واختلفوا في شهاداتهم فشهد بعضهم بالمعاينة وشهد البعض الأخر بغير ذلك كان عليهم أيضا حد الفرية.

فإن شهد الأربعة باجتماع الرجل والمرية في إزار (١) واحد مجردين من ثيابهما ، أو شهدوا بالوطأ فيما دون الفرج ، ولم يشهدوا بالزنا ، سمعت شهادتهم وكان على الفاعل لذلك التعزير. فان شهدوا بالوطأ في الدبر ، كان حكمه حكم الوطأ في القبل سواء. وكذلك الحكم في الإقرار بذلك ، سواء.

فان شهد الشهود على امرأة بالزنا ، وادعت المرية أنها بكر ، نظرت إليها النساء فان وجدتها بكرا لم يجب عليها حد ، وان لم يكن كذلك وجب الحد عليها.

وإذا شهد أربعة نفر على أمرية بالزنا ، وأحد هؤلاء الشهود زوج المرية ، كان عليها الحد ، وقد ذكرنا ان الثلاثة يحدون حد المفتري ، ويلاعنها زوجها.

وذكر بعض أصحابنا ان هذه الرواية (٢) محمولة على انه إذا لم يعدل الشهود و (٣) اختلفوا في إقامة الشهادة ، وقد ذكرت في كتابي « الكامل » ان الأقوى في نفسي في ذلك : انهم يحدون ، ولا يجب على المرأة حد. لان زوجها في حكم الخصم لها ، وشهادة الخصم على خصمه في الأمر الذي هو خصمه فيه ليست بمقبولة ، وإذا كان الأمر على ذلك. لم يبق غير ثلاثة ، فيجب عليهم حد الفرية.

ومن شرط صحة شهادة الشهود بالزنا ، ان يوقعوا شهاداتهم بذلك في وقت واحد ، ومكان واحد ، في مجلس واحد ومقام واحد. فان شهد بعضهم من غير حضور

__________________

(١) في بعض النسخ : في دار واحد.

(٢) الوسائل ، ج ١٥ ، الباب ١٢ من أبواب اللعان ، الحديث ٢ و ٣.

(٣) في النسخ « أو » بدل « الواو » والظاهر تصحيفها.

٥٢٥

الباقي من الشهود وقال : الساعة يحضرون ، كان عليه حد الفرية لأنه لا تأخير في ذلك ولا يجوز شهادة النساء على الانفراد في الزنا ، ووجب على كل واحدة منهن حد الفرية.

فإن شهد أربعة نفر ـ ثلاثة رجال. وامرأتان ـ قبلت شهادتهم في ذلك ، ووجب بشهادتهم ، الرجم. فان شهد رجلان واربع نساء ، لم يجب الرجم بهذه الشهادة ، ويجب بها الحد الذي هو الجلد. فان شهد رجل وست نساء أو أقل أو أكثر ، لم تقبل هذه الشهادة في الزنا ، ووجب على كل واحد منهم حد الفرية.

فإن شهد أربعة نفر بالزنا على رجلين وامرأتين ، أو أكثر من ذلك ، قبلت شهادتهم ووجب اقامة الحد على المشهود عليهم ، ويجوز تفريق الشهود ، إذا رأى الامام في ذلك صلاحا.

وإذا وجد رجل وامرأة على حال الزنا وادعى الزوجية ، درأ عنهما الحدود. وإذا شاهد الإمام إنسانا على حال الزنا أو شرب الخمر ، كان عليه اقامة الحد على من شاهده كذلك ، ولا ينتظر مع مشاهدته له على ذلك قيام البينة على ما شاهده عليه ولا إقراره بذلك أيضا ، وهذا مخصوص بالإمام دون غيره من سائر الناس ، لان غيره إذا شاهد ذلك فلا يجوز له اقامة الحد مع مشاهدته الا مع قيام البينة بذلك.

واما القتل ، والسرقة ، والقذف ، وما يجب فيه حق للمسلمين ، من حد أو تعزير فليس للإمام إقامة الحد على ذلك ، الا بعد مطالبة صاحب الحق بذلك ولا يكفى مشهادته له على هذه الحال. فاذا طلب صاحب الحق ذلك من الامام ، أقام الحد فيه ، ولا ينتظر أيضا مع علمه بذلك إقراره أو قيام البينة به.

وإذا أقر رجل بالزنا اربع مرات بأنه زنى بهذه المرية ، واكذبته المرأة ، أو قالت : أكرهني ، كان عليه الحد دونها. فإن أقرت المرأة أربع مرات بان هذا الرجل زنى بها ، وأكذبها الرجل ، كان عليها الحد دونه ، وكذلك الحكم لو صدقها مرة واحدة.

٥٢٦

« باب كيفية إقامة الحد في الزنا »

إذا كان الإنسان محصنا يجب عليه الجلد والرجم ، جلد أولا الحد ولم يرجم حتى يبرأ جلده ، فإذا برأ رجم.

وإذا أراد الامام ان يرجمه ، وكانت البينة قد قامت عليه بالزنا ، أمر بأن يحفر له حفيرة ويدفن فيها الى حقويه ، ثم يرجم بعد ذلك. وكذلك يفعل بالمرئة الا انها تقعد في الحفيرة إلى صدرها ثم يرجم.

فاذا فر واحد منهما من الحفيرة ، رد إليها حتى يستوفي منه الحد بالرجم.

فان كان الرجم وجب عليهما بإقرارهما على أنفسهما ، فعل بهما مثل ما تقدم ذكره ، الا انه إذا أصاب واحد منهما الرجم وفر من الحفيرة ، لم يرد إليها ، وترك حتى يمضى حيث شاء وأراد. فإن كان فراره قبل ان يصيبه شي‌ء من الرجم ، رد إلى الحفيرة على كل حال.

والذي يجب الرجم عليه ، إذا كانت البينة قد قامت عليه ، كان أول من يرجمه الشهود ، ثم الامام ، ثم الناس. وان كان الرجم وجب عليه ، بإقراره على نفسه ، كان أول من يرجمه ، الامام ، ثم الناس.

وينبغي ان تكون حجارة الرجم صغارا ، ولا تكون كبارا. ويكون الرجم من خلف المرجوم ، لئلا يصيب وجهه شي‌ء منه.

واما الذي يجب عليه الجلد دون الرجم ، يجب ان يجلد قائماً مأة جلدة من أشد ما يكون من الضرب ، ويجلد على الحال التي يوجد (١) عليها ، فان وجد عريانا جلد عريانا ، وان كان عليه ثياب جلد وهي عليه. ويضرب جميع جسده إلا رأسه ووجهه وفرجه ، فان مات لم يكن له قود ولا دية.

وإذا أريد جلد المرية جلدت كما يجلد الرجل ، وضربت كما يضرب ، الا انها

__________________

(١) في بعض النسخ « يؤخذ ».

٥٢٧

تكون جالسة ولا تكون قائمة في هذه الحال ، وتضرب وعليها ثيابها مربوطة ، لئلا يهتك عورتها.

وإذا فر من يقام الحد عليه بالجلد ، أعيد حتى ليستوفى الحد منه ، سواء كان ممن وجب عليه الحد بإقراره أو ببينة.

وإذا أريد إقامة الحد على الزاني بالجلد أو الرجم ، فينبغي ان يعلم الناس بالحضور ، ثم يحد بمحضر منهم لينزجروا من مثل ذلك. ولا يحضر عند اقامة الحد على الزاني الأخيار الناس ، وأقل من يحضر لذلك من الناس واحد فصاعدا ، ولا يرميه الا من ليس لله تعالى في جنبه حد.

وإذا وجب اقامة الحد على الزاني بالرجم ، أقيم بذلك عليه صحيحا كان أو مريضا. والذي يجب عليه الجلد إذا كان مريضا ، لم يقم الحد عليه حتى يبرأ ، وإذا برأ أقيم الحد عليه ، فاذا اقتضت المصلحة تقديم الحد ، أخذ العرجون فيه مأة شمراخ أو ما يقوم مقامه ، ويضرب به ضربة واحدة.

وإذا زنت امرأة وهي حامل ، لم يقم عليها حد بجلد ولا رجم وهي كذلك ، فاذا وضعت ولدها ، وخرجت من نفاسها ، وأرضعتها ، جلدت أو رجمت.

فاذا اجتمع على إنسان حدود منها قتل ، ابتدأ أولا بحده بما لا يكون قتلا ، ثم يقتل بعد ذلك مثال ما ذكرناه ، ان يقتل ويسرق ويزني وهو غير محصن ، فإنه يجلد أولا للزنا ، ثم يقطع للسرقة ، ثم يقتل.

وإذا وجب على رجل ، الحد وهو صحيح العقل ، ثم اختلط عقله بعد ذلك ، وكانت البينة قد قامت عليه بذلك ، أقيم الحد عليه على كل حال.

ومن يجب عليه النفي بالزنا ، يجب نفيه عن البلد الذي زنا فيه الى بلد آخر سنة.

وإذا أقر على نفسه بحد. ثم أنكر ذلك ، لم يلتفت الى إنكاره. إلا الرجم ، فإنه إذا أقر على نفسه بما يوجب الحد (١) ثم جحد بعد ذلك قبل ان يرجم خلي

__________________

(١) اى الرجم.

٥٢٨

سبيله. وإذا أقر على نفسه بحد ولم يبينه ، ضرب حتى يبينه (١) هو عن نفسه الحد.

وإذا كانت المرأة مستحاضة ، لم يقم عليها الحد حتى ينقطع الدم عنه ، وقد تقدم ذكر ذلك.

وإذا وجب على إنسان حد ، لم يقم عليه في الأوقات الشديدة الحر ، ولا الشديدة البرد ، بل يقام عليه ذلك في الأوقات المعتدلة.

وإذا فرق من رجم المرجوم ، دفن في الحال ، ولم يترك على وجه الأرض. ولا يقام الحد أيضا في أرض العدو ، لئلا يحمل المحدود الحمية والغضب ، على اللحوق بأعداء الدين. وإذا التجأ إلى حرم الله أو حرم رسوله أو أحد الأئمة عليهم‌السلام ، لم يقم الحد عليه فيه ، بل يضيق عليه في المطعم والمشرب ، ويمنع من المعاملة ببيع أو شراء حتى يخرج منه ، فاذا خرج أقيم عليه الحد. وإذا أحدث وهو في الحرم ما يوجب اقامة الحد عليه ، أقيم ذلك عليه ، وقد تقدم ذكر ذلك أيضا.

« باب الحد في اللواط ، والسحق »

« ووطأ البهائم والميتة ، والاستمناء باليد »

اللواط هو الفجور بالذكران ، وهو ضربان ، أحدهما إيقاع الفعل في الدبر بالإيقاب ، كالميل في المكحلة. والأخر بإيقاع الفعل فيما عدا ذلك من الفخذين ، أو ما لا يكون بالإيقاب في الدبر. ويثبت ذلك على فاعله بأمرين.

أحدهما : إقراره على نفسه بذاك اربع مرات كما قدمناه في باب حد الزنا ـ سواء كان فاعلا أو مفعولا. فان اقر دون ذلك ، لم يجب عليه الحد ، وكان على الحاكم تعزيره ، لإقراره على نفسه بالفسق.

والثاني : البينة وهي أربعة شهود يشهدون بذلك ـ كما ذكرناه في شهادتهم

__________________

(١) كذا في أكثر النسخ وفي نسخة ما يشبه « ينته » ولعل الصحيح « ينهى ».

٥٢٩

بالزنا ـ ويذكرون المشاهدة للفعل كالميل في المكحلة. فان لم يشهدوا كذلك ، كان عليهم حد الفرية ، الا ان يشهدوا بإيقاع الفعل فيما دون الدبر ، فيقبل شهادتهم ويجب الحد بها. وإذا شاهد الامام بعض الناس على هذا الفعل ، كان له اقامة الحد عليه به.

وإذا ثبت على اللائط حكم اللواط بالإيقاب ، كان حده ان يرمى من حائط عال ، أو يرمي عليه جدار ، أو يدهده (١) من جبل ، أو يضرب عنقه ، أو يرجمه الامام والناس أو يحرق بالنار. والامام مخير في ذلك أي شي‌ء إذا أراد فعله منه ، كان ذلك له بحسب ما يراه صلاحا. فإن أقام عليه حدا بغير النار ، كان له إحراقه بعد ذلك.

والفاعل (٢) لما يخالف الإيقاب فاعلا كان أو مفعولا به على ضربين ، أحدهما ، ان يكون محصنا. والأخر ، غير محصن. فان كان محصنا ، كان عليه الرجم. وان كان غير محصن ، كان عليه الحد ـ مأة جلدة ـ سواء كان فاعلا أو مفعولا ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا.

وإذا تلوط رجل بصبي لم يبلغ ، كان عليه الحد كاملا وعلى الصبي التعزير لأجل تمكينه من نفسه وإذا كان الصبي هو الفاعل بالرجل كان على الصبي التعزير وعلى الرجل المفعول به ، الحد كاملا.

وإذا تلوط صبي بصبي مثله ، أدبا جميعا ، ولم يجب على واحد منهما حد وإذا كان لرجل عبد ولاطه ، كان عليه وعلى العبد جميعا الحد. فان ادعى العبد على سيده :أنه أكرهه على ذلك ، درأ عنه الحد ، وأقيم الحد على سيده.

وإذا تلوط رجل بمجنون ، أقيم الحد عليه ، ولم يكن على المجنون شي‌ء.

فان لاط المجنون بغيره كان عليه الحد كاملا.

وإذا لاط كافر بمسلم قتل على كل حال. وان لاط بكافر مثله ، كان الامام مخيرا

__________________

(١) دهده الشي‌ء : دحرجه.

(٢) اى من نسب اليه الفعل.

٥٣٠

بين ان يقيم الحد عليه بما يوجبه شرع الإسلام ، وبين تسليمه الى أهل ملته ، ليقيموا الحد عليه بما يقتضيه دينهم.

وإذا وجد رجلان ، أو رجل وغلام في إزار واحد ، مجردين من ثيابهما ، أو قامت بينة بذلك ، أو اقرا به ، كان على كل واحد منهما التعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين (١) سوطا بحسب ما يراه الإمام. فإن عادا الى ذلك ضربا مثل ذلك ، فان عادا أقيم عليهما الحد كاملا ، مأة جلدة.

وإذا قبل إنسان غلاما ليس بمحرم منه ، كان عليه التعزير. فان قبل وهو محرم ، غلظ التأديب لينزجر عن مثله.

وإذا لاط إنسان ثلاث مرات ويقام عليه الحد في كل مرة ، قتل في الرابعة.

وإذا لاط رجل ثم تاب قبل قيام البينة عليه بذلك لم يجب عليه حد. فان قامت البينة عليه بعد ذلك لم يكن للإمام ان يقيم عليه الحد. فان تاب بعد قيام البينة عليه بالفعل ، كان للإمام إقامته عليه ، ولم يسقط عنه الحد ، ولا يجوز للإمام العفو عنه.

وان كان الرجل اللائط أقر على نفسه ثم تاب ، وعلم منه الامام ذلك ، كان له العفو عنه ، أو إقامة الحد عليه بحسب ما يراه. فان لم يظهر منه التوبة ، لم يجز له العفو عنه على حال.

وإذا تلوط رجل بميت ، كان الحكم فيه حكم التلوط بالحي سواء. ويغلظ عقوبته لانتهاكه (٢) حرمة الموتى.

« المساحقة »

وإذا تساحقت امرأة لامرأة اخرى ، وقامت عليهما البينة بذلك ، وكانتا محصنتين كان على كل واحدة منهما الرجم. وان كانتا غير محصنتين ، كان على كل واحدة منهما

__________________

(١) في نسخة « إلى تسعة وسبعين ».

(٢) انتهك الشي‌ء : اذهب حرمته ، وانتهك فلانا : نقض عرضه.

٥٣١

الحد ـ مأة جلدة ـ ويثبت ذلك بالبينة أو الإقرار.

فأما البينة : فهي شهادة أربعة عدول ، كما قدمناه. واما الإقرار. فإقرار المرية على نفسها اربع مرات بذلك ، كما سلف ذكره في الزنا.

وإذا كان لامرأة جارية فساحقتها ، وجب على كل واحدة منهما الحد. فان ادعت الجارية : أن سيدتها أكرهتها على ذلك ، درأ الحد عنها ، وأقيم ذلك على سيدتها كاملا.

وإذا تساحقت المسلمة كافرة ، أقيم الحد على كل واحدة منهما ، وكان الإمام في الكافرة بالخيار بين أن يقيم الحد عليها ، وبين أن يسلمها الى أهل ملتها ليقيموا عليها ذلك بحسب ما يقتضيه دينهم.

فان ساحقت امرأة صبية لم تبلغ ، كان على المرأة الحد ، وأدبت الصبية. فان تساحقت صبيتان ، أدبتا ، ولم يقم على كل واحدة منهما الحد كاملا.

وإذا وطأ رجل زوجته ، وقامت الزوجة فساحقت جارية بكرا ، وألقت ماء الرجل في رحمها وحملت الجارية ، كان على المرية الرجم ، وعلى الجارية إذا وضعت ما في بطنها مأة جلدة ، والحق الولد بالرجل ، وكان على المرية المهر للجارية ، لأجل ذهاب عذرتها بالولد. وهذه قضاء سيدنا أبى محمد الحسن بن على عليهما‌السلام (١).

وإذا تابت المتساحقة قبل رفع خبرها الى الامام ، لم يلزمها حد. فان قامت عليها بينة بعد ذلك لم يقم عليها حد. فان قامت البينة عليها قبل توبتها ، ثم تابت بعد ذلك ، أقيم الحد عليها. فان كانت أقرت بالفعل عند الإمام أو من ينوب عنه ، ثم أظهرت التوبة ، كان للإمام العفو عنها ، واقامة الحد عليها بحسب ما يراه صلاحا في ذلك.

وإذا افتضت امرأة جارية بإصبعها فذهبت بعذرتها ، كان عليها مهرها والتعزير مغلظا.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ٣ من أبواب حد السحق ، الحديث ١ و ٣.

٥٣٢

وإذا وجدت امرأتان في إزار واحد مجردتين من ثيابهما وليس بينهما رحم ، ولا دعتهما ضرورة من برد وما أشبهه الى ذلك ، كان على كل واحدة منهما التعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا بحسب ما يراه الإمام أو النائب عنه. فان عادتا الى ذلك ، نهيتا وأدبتا. فإن عادتا ثالثة ، أقيم الحد عليهما مأة جلدة. فان عادتا الى ذلك رابعة ، قتلتا.

« نكاح البهائم »

وإذا وطأ رجل بهيمة ، كان عليه التعزير. فان كانت ملكه ، لم يكن عليها أكثر من ذلك ، وان كانت ملكا لغيره ، كان عليه أن يغرم ثمنها لصاحبها ، فان كانت مما يصح الذكاة عليه ، ذبحت وأحرقت ، لان لحمها قد حرم ، وكذلك جميع ما يكون من نسلها.

وإذا اختلطت بهيمة موطوئة بغيرها من البهائم ، ولم يتميز من غيرها ، فيجب أن يقسم القطيع الذي فيه تلك البهيمة ، نصفين ويقرع بينهما ، فمهما وقعت القرعة عليه قسم أيضا نصفين وأقرع بينهما ، ولا يزال يفعل ذلك حتى لا يبقى إلا واحدة ، فإذا بقيت واحدة ذبحت وأحرقت.

وان كانت مما لا يصح الذكاة عليه ، أخرجت من البلد الذي فعل بها ذلك الى بلد آخر وبيعت هناك ، لئلا تعرف فيعير بها صاحبها.

وإذا تكرر من واطئ البهيمة هذا الفعل وكان قد أدب وحد ، كان عليه القتل في الرابعة. ويثبت الحكم الذي ذكرناه في وطء البهيمة بشهادة شاهدين عدلين مرضيين ، أو إقرار الفاعل على نفسه بذلك مرتين.

وإذا وطأ ميتة ، كان حكمه حكم من وطأها حية. فان كانت زوجته ، كان عليه التعزير بحسب ما يراه الإمام. فان لم تكن زوجته وكان محصنا ، كان عليه الرجم وان كان غير محصن ، كان عليه الحد.

٥٣٣

ويثبت الحكم بذلك ، بشهادة شاهدين عدلين ، وإقرار الفاعل لذلك على نفسه مرتين.

« حد الاستمناء »

وإذا استمنى بيده وانزل ، كان عليه التعزير ، وليس عليه حد في ذلك. والتعزير والتأديب في ذلك هو بحسب ما يراه الامام. وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، انه ضرب يد من فعل ذلك حتى احمرت ، واستتابه وزوجه من بيت المال (١).

« باب الحد في القيادة وشرب الخمر »

« وكل مسكر من الشراب والفقاع وغير ذلك من الأشربة والمئاكل المحظورة »

إذا جمع إنسان بين الرجال والنساء ، أو الرجال والغلمان للفجور ، كان عليه خمس وسبعون جلدة ـ وذلك ثلاثة أرباع حد الزاني ـ ويحلق رأسه ، ويشهر في البلد الذي يفعل ذلك فيه ، وينفى منه الى بلد أخر.

ويثبت الحكم بذلك بشهادة شاهدين عدلين ، أو إقرار الفاعل على نفسه بذلك مرتين. وإذا فعلت امرأة ذلك ، كان عليها مثل ما ذكرنا انه يفعل بالرجل ، الا حلق الرأس والإشهار والنفي ، فإنه لا يفعل بها شي‌ء من ذلك.

وإذا رمى إنسان غيره بالفساد ، كان عليه التعزير بما دون حد الفرية ، حتى لا يعود إلى أذى المسلمين بذلك.

وإذا شرب إنسان خمرا ، ونبيذا أو مزرا (٢) أو نقيعا ، أو غير ذلك ـ من الأشربة التي

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ٣ من أبواب نكاح البهائم ووطء الأموات والاستمناء ، الحديث ١ و ٢ ،

(٢) المزر : نبيذ الشعير والحنطة والحبوب ، والنقيع : شراب يتخذ من زبيب.

٥٣٤

يسكر ـ قليلها أو كثيرها ، وجب الحد ثمانون جلدة ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ، الا ان المسلم يقام عليه ذلك على كل حال شربه عليها ، والكافر لا يحد الإبان يظهر شرب ذلك بين المسلمين ، أو يخرج بينهم سكران. فان استتر بذلك ـ فشربه في بيته ، أو كنيسته أو بيعته ـ لم يجز ان يحد.

والحد يقام على شارب الخمر ، وكل مسكر من الشراب ، قليلا كان أو كثيرا ، لان القليل منه يوجب الحد كما يوجبه الكثير ، لا يختلف الحكم في ذلك.

ويثبت الحكم في ما ذكرناه بشهادة شاهدين عدلين : أو بالإقرار بذلك. فان شهد أحد الشاهدين بالشرب ، والأخر بالقي‌ء ، قبلت شهادتهما ، ووجب بها الحد. أو يقر على نفسه بشرب ذلك مرتين.

ولا يجوز ان يقبل شهادة على شهادة في الحدود. ولا يجوز أيضا ان يكفل من وجب عليه الحد ، بل يجب ان يقام ذلك عليه على الفور والبدار. ولا يجوز أيضا الشفاعة في إسقاط شي‌ء من الحدود ، لا عند الامام ولا عند غيره من جميع الناس.

وإذا استحل إنسان شرب شي‌ء من الخمر ، حل دمه. وكان على الامام عليه‌السلام ان يستتيبه ، فان تاب ، اقام عليه الحد ان كان شربه ، وان لم يتب قتله. وإذا استحل شرب شي‌ء من المسكر المخالف للخمر لم يحل دمه ، وللإمام ان يعزره ، ان رأى ذلك ويجلد شارب الخمر وغيره من الأشربة المسكرة على ظهره وكتفه عريانا ، ولا يضرب على وجهه وفرجه.

وإذا أكل إنسان شيئا من الأطعمة وفيه شي‌ء من الخمر ، أو اصطنع به ، أو استعمل دواء فيه منه ، وهو عالم به ، كان عليه الحد ـ ثمانون جلدة ـ فان لم يكن عالما به ، لم يكن عليه شي‌ء.

ولا يجوز مجالسة شراب الخمر وكل مسكر ، ولا الجلوس على مائدة يشرب عليها شي‌ء من ذلك خمرا كان أو غيره ، وكذلك حكم الفقاع. ومن فعل ذلك وجب عليه التأديب بحسب ما يراه الامام.

٥٣٥

وإذا كان شارب المسكر سكران ، لم يقم الحد عليه حتى يفيق ، ثم يقام عليه ذلك وإذا أقيم عليه الحد مرتين وعاد الى شربه بالثالثة ، كان عليه القتل.

وإذا باع إنسان الخمر أو غيره من الشراب المسكر ، أو اشتراه ، كان عليه التأديب فان فعل ذلك وهو مستحل له ، استتيب ، فان تاب ، والأوجب عليه القتل مثل ما يجب على المرتد.

والحكم في شرب الفقاع في وجوب الحد عليه ، وتأديب من يتجر فيه ، وتعزير من يستعمله ، حكم الخمر سواء.

وإذا شرب إنسان خمرا أو غيرها ، مما يوجب الحد والتأديب ، ثم تاب قبل قيام البينة عليه بذلك ، سقط الحد عنه. وان تاب بعد قيام البينة عليه به ، أقيم الحد عليه فان أقر على نفسه وتاب بعد الإقرار ، جاز للإمام عليه‌السلام ان يعفو عنه ، وكان مخيرا بين ذلك وبين اقامة الحد عليه.

فان شرب المسكر في شهر رمضان ، أو في مكان شريف ، مثل حرم الله تعالى وحرم رسوله أو أحد الأئمة عليهم‌السلام ، أقيم عليه الحد ، وأدب زائدا على ذلك ، لانتهاكه حرمة الحرم الذي ذكرناه.

وإذا كان الإنسان مولودا على فطرة الإسلام ، واستحل شيئا من الدم والميتة ، أو لحم الخنزير ، كان مرتدا ، ووجب عليه القتل. وإذا تناول منه شيئا وهو محرم له ، كان عليه التعزير ، فان عاد الى ذلك أدب وغلظت عقوبته ، وان تكرر منه ذلك دفعات وجب عليه القتل.

وإذا قامت البينة على الإنسان بتحريم الربا واكله عوقب حتى يتوب ، فان استحل ذلك ، وجب عليه القتل ، فإن أدب مرتين وعاد الى ذلك ثالثة ، كان عليه القتل وإذا اتجر إنسان في السموم القاتلة ، كان عليه العقاب والتأديب ، وان استمر على ذلك ولم ينته عنه ، وجب عليه القتل.

وإذا أكل لحم السمك المحرم كالمارماهي ، والجري ، ومسوخ السمك كلها

٥٣٦

ومسوخ البر ، والطحال ، وسباع الطير ، وما جرى مجرى ذلك من المحرمات ، وجب عليه التعزير ، فاذا عاد أدب ثانية. فان استحل شيئا مما ذكرناه ، وجب القتل عليه.

« باب الحد في السرقة »

الحد الذي يقطع يد السارق فيه ، ربع دينار أو أكثر منه أو ما قيمته ذلك ، من اى جنس فان كان من ذهب مضروب منقوش ، قطع به. وان كان تبرأ (١) من ذهب المعادن وتحتاج الى سك وعلاج ، لم يجب القطع به. وان كان ذهبا خالصا غير مضروب ، جاز القطع به.

والقطع انما يجب بما ذكرنا ذلك ، إذا سرق من حرز ، والحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف الدخول فيه واليه الا بإذنه ، أو يكون مقفلا عليه ، أو مدفونا وكل موضع يطرقه الناس اجمع ، ولا يختص واحدا منهم ، فليس ذلك بحرز وهو مثل الخانات ، والحمامات ، والأرحية ، والمساجد ، وما أشبه ذلك.

فاذا سرق بالغ كامل العقل ، وكانت الشبهة غير (٢) مرتفعة ، وجب عليه القطع ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا.

فان سرق من غير حرز ، لم يجب عليه قطع. وإذا كان الشي‌ء في الخانات ونحوها مما ليس بحرز ، مدفونا أو مقفلا عليه ، فسرقه إنسان ، كان عليه القطع ، لان صاحبه قد أحرزه بالدفن والقفل ، وقد ذكرنا ان الحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف فيه ، الدخول اليه الا بإذنه.

فإن كان هذا الموضع مفتوحا غير مغلق ولا مقفل ، كالدار وما أشبهها ، وفيها بيوت مغلقة ، وفي قاعتها (٣) شي‌ء ، لم يكن ذلك في حرز ، وما يكون داخل البيوت

__________________

(١) اى قطعة.

(٢) كذا في النسخ والظاهر زيادة كلمة « غير ».

(٣) القاعة : ساحة الدار.

٥٣٧

المغلقة ، في حرز. فان سرق سارق مما في هذه الدار المفتوح بابها مما هو في قاعتها وخارج عن بيوتها المقفلة ، لم يكن سارقا من حرز. فان كان بابها مغلقا عليها ، كان ما في قاعتها وبيوتها في حرز ولو كانت أبواب بيوتها وخزائنها مفتوحة ، فإن كان بابها مفتوحا وأبواب بيوتها وخزائنها مفتوحة : لم يكن ذلك حرزا. وان كان صاحبها فيها وكانت أبوابها مفتوحة ، فليس شي‌ء منها بحرز. الا ما كان يراعيه ببصره دون غيره ، وكذلك ما جرى مجرى الدار من المنازل وما أشبهها.

واما باب الدار ، فاذا نصب ودار في مكانه ، كان في حرز ، سواء كان مغلقا أو مفتوحا. واما أبواب البيوت والخزائن التي دخلها ، فهي كالمتاع في الدار ، فان كانت هذه الأبواب مغلقة ، فهي في حرز ، وان كان باب الدار مغلقا فهي في حرز.

واما حلقة الدار ان كانت قد سمرت (١) فيه ، فهي في حرز ، لأن العادة جارية في الاحتراز عليها بسمرها في الباب ، فان قلعها إنسان وكانت قيمتها نصابا ، كان عليه القطع. واما حائط الدار والذي فيه مبني (٢) ، من آجر أو حجر أو خشب ، فهو في حرز ، لان ما كان حرزا لغيره في نفسه حرز. فان هدم إنسان شيئا من الحائط وأخذ منه ما قيمته النصاب ، كان عليه القطع.

وإذا أخرج السارق متاعا من بيت في الدار الى صحنها ، وكان باب البيت مفتوحا ، وكذلك باب الدار ، لم يكن عليه قطع ، لأنه لم يخرجه من حرز. فان كان باب الدار مفتوحا وباب البيت مغلقا على المتاع ، كان عليه القطع ، لأنه قد أخرجه من حرز الى غير حرز ، لان باب الدار إذا كان مفتوحا ، لم يكن صحنها حرزا. وان كان باب الدار مغلقا ، وباب البيت مفتوحا ، واخرج المتاع منه الى الصحن ، لم يجب عليه القطع ، لان البيت إذا كان مفتوحا لم يكن حرزا ، فإذا أخرجه إلى الصحن ، كان قد أخرجه من غير حرز الى ما هو حرز ، فلا قطع عليه. وان كان

__________________

(١) بمسمار.

(٢) اى ما يستعمل في بناء الحائط.

٥٣٨

باب البيت مغلقا وباب الدار مغلقا ، واخرج المتاع من البيت الى الصحن لم يكن عليه القطع (١) ، لأنه أخرجه من حرز الى حرز.

فان كان الموضع من الخانات التي فيها بيوت ، ولكل إنسان بيت مقفل والصحن مشترك بين الجماعة التي فيه ، كان كل بيت مقفل فيه حرزا لما فيه. فان نقبه إنسان أو كسر قفله ، واخرج منه ما قيمته ، نصاب الى صحن الخان ، كان عليه القطع ، لأنه أخرج ذلك من حرز الى غير حرز. فان الخان يجرى مجرى الدرب الذي فيه حجرتان ، الحجرة حرز لما فيها.

فإذا أخرج السارق من الحجرة شيئا الى الدرب فقد أخرجه من حرز الى غير حرز ، وكذلك الخان مع بيوته ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون باب الخان مغلقا أو مفتوحا ، بخلاف ما ذكرناه في الدار ، لان صحنه مشترك بين الناس. وليس صحن الدار التي ينفرد بها واحد جاريا هذا المجرى.

وإذا نقب اثنان موضعا ، ودخل أحدهما ، فأخذ المتاع ووضعه في موضع النقب وأخذه الخارج منه ، لم يجب على واحد منهما ، لأنه لم يخرجه من كمال الحرز ، ويجرى مجرى ان يضعه في بعض البيت ، ويجتاز مجتاز فيأخذه من النقب ، فإنه لا قطع على واحد منها. وإذا نقب واحد منهما ودخل الأخر فاخرج نصابا ، لم يكن عليهما قطع.

وإذا كان في الحرز ماء يجرى ، فأخذ المتاع فوضعه على الماء ، فأخرجه الماء من الحرز ثم أخذه ، كان عليه القطع ، لأنه أخرج المتاع بآلة ، كما لو أخرجه بخشبة أو جرة بحبل أو ما أشبه ذلك. وكذلك لو وضعه على دابة وساقها فخرجت به الدابة ، كان عليه القطع ، لأنه خرج بفعله. وكذلك لو وضعه عليها ولم يسقها.

فان كان في الحرز ماء راكد ، فوضع المتاع فيه ، فانفجر وخرج المتاع معه ،

__________________

(١) وفي نسخة «. واخرج المتاع من البيت الى الصحن ، عليه القطع لأنه أخرجه من حرز الى غير حرز ».

٥٣٩

لم يكن عليه القطع لأنه خرج بغير قصد. فإن أخذ المتاع ورمى به خارج الحرز فطيرته الريح وإعانته على إخراجه ولو لا الريح لما خرج ، كان عليه القطع ، لان الاعتبار بابتداء فعله لا بمعاونة الريح على نقله ، ويجرى مجرى رميه منها في الغرض (١) فإنه إذا رماه وأطارته الريح فأصاب الغرض ، كان له اصابة في ان الاعتبار بابتداء فعله ، لا بمعاونة الريح له.

وإذا دخل حرزا فأخذ منه جوهرة فبلعها ، فخرج منها وهي باقية في جوفه ، كان عليه القطع ، لأنه أخرجها في وعاء ، كما لو جعلها في جراب (٢) أو ما أشبه ذلك وقد ذكر : انه لا قطع عليه. وما ذكرناه أظهر.

وإذا كان في الحرز شاة فذبحها ، وكانت قيمتها قبل الذبح ربع دينار ونقصت عن ذلك بعد الذبح ، وأخرجها بعد ذلك ، لم يجب عليه القطع ، لان ذلك انما يجب عليه إذا اخرج من الحرز نصابا كاملا ، وهذه الشاة بعد ذبحها ليست كذلك.

وإذا اشترك ثلاثة نفر في إخراج نصاب من الحرز ، قطع جميعهم ، وان كان أقل من نصاب لم يقطعوا.

وإذا نقب اثنان موضعا. ودخله الواحد منهما ، فأخذ السرقة واخرج يده من الحرز والسرقة فيها ، فأخذها الخارج من الحرز ، أو رمى بها الى خارج الحرز فأخذها الخارج ، كان له (٣) القطع على الذي أخرج يده وهو فيها والذي رمى بها ، وليس على الخارج من الحرز قطع.

وإذا نقبا موضعا فدخل الواحد منهما فحمل السرقة ووضعها قريبا من البيت ، فادخل الخارج يده الى الحرز فأخذها ، كان عليه القطع ، دون الذي هو داخل الحرز

وإذا نقب إنسان حرزا وهتكه ومضى عنه ولم يخرج منه شيئا ، واجتاز آخر

__________________

(١) إشارة الى ما ذكر في باب السبق والرماية.

(٢) الجراب : وعاء من إهاب الشاة.

(٣) اى لصاحب المال

٥٤٠