المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

فقال لإحداهما أنت على كظهر أمي ، ثم قال للأخرى شركتك معها ، لم يكن قوله للثانية ظهارا ، وإذا قال لزوجته أنت على كظهر أمي ان شاء زيد ، لم يكن ظهارا ، وقد ذكر بعض أصحابنا ان ذلك ظهار ، والظاهر من المذهب الأول.

وإذا قال لها أنت على كظهر أمي ان شاء الله لم ينعقد بذلك ظهار.

وإذا قال لها أنت على كظهر أمي يوما أو يومين ، أو شهرا أو شهرين ، أو سنة أو سنتين ، لم يكن بذلك مظاهرا.

« باب الإيلاء »

قال الله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) (١) الاية.

والإيلاء معلوم من دين الإسلام ، وهو في اللغة عبارة عن اليمين عن كل شي‌ء (٢) ، فاما في الشرع فمخصوص بيمين الرجل على ان لا يطأ زوجته ، ومذهبنا ان يحلف على ان لا يطأها أكثر من أربعة أشهر ، فإن حلف على أربعة أو ما دونها ، لم يكن موليا وانما قلنا ذلك لقوله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) (٣).

فأضاف إليهم بلفظ الملك (٤) مدة الأربعة ، فثبت ان ما بعدها ليس له ، وأيضا فلو لا انه نزلت (٥) بالفئة ما يقتضي الغفران لما أخبر عن الغفران عنه.

__________________

(١) البقرة ـ ٢٢٦.

(٢) الصواب « على كل شي‌ء » أو هو من قبيل ما تقدم في الظهار من ان الحروف يقوم بعضها مقام بعض.

(٣) البقرة ـ ٢٢٦.

(٤) اى اللام في قوله تعالى ( لِلَّذِينَ ) وهذا الدليل يتم إذا كان المراد بالاية التربص من أول وقوع الإيلاء كما هو الأظهر منها واما بناءا على كونه بعد الرفع الى الحاكم كما يأتي هنا ففي دلالته على ما ذكر في طرف الأكثر مطلقا نظر.

(٥) في المبسوط « فلو لا انه يريد » وهو أصح فالمراد ان الله تعالى قال ( فَإِنْ

٣٠١

وصفته ، ان يحلف الرجل بالله تعالى ، ان لا يجامع زوجته ، ويقيم على يمينه فان فعل ذلك كانت الزوجة مخيرة بين المقام معه ، والصبر عليه؟ وبين مخاصمته ، ومرافعته الى الحاكم ، فان استعدت عليه أنظره الحاكم بعد مرافعتها إليه أربعة أشهر ليراجع نفسه ويرتئى في امره ، فإن كفر عن يمينه وراجع زوجته ، فلا حق لها عليه وان أقام على الامتناع من مجامعتها خيره الحاكم بين ان يكفر ، ويرجع الى زوجته أو يطلقها ، فان امتنع من الرجوع إليها ، والطلاق جميعا ، وثبت على الإضرار بها ضيق الحاكم عليه في المطعم والمشرب ، وذكر (١) انه يحبسه في حظيرة من قصب حتى يفي‌ء إلى أمر الله تعالى ، ويراجع زوجته ، أو يطلق ، فان طلقها فهو أملك بردها ما لم تخرج من عدتها ، فان خرجت من عدتها لم يكن له عليها سبيل ، ولا يقع الإيلاء بالزوجة إلا بعد الدخول بها ، فان آلى الرجل قبل الدخول بها لم يلزمه الإيلاء ولا يكون الإيلاء إلا باسم الله تعالى ، فان آلى بغير اسم الله أو حلف بالطلاق أو العتاق لم يكن بذلك إيلاء ، ويراجع زوجته ، ولا شي‌ء عليه.

وإذا ادعت الزوجة على الرجل انه لا يقربها وأنكر هو ذلك ، وذكر انه يقربها ، كان عليه اليمين : بان الأمر على ما ادعاه ، ولم يكن عليه شي‌ء ،

وإذا كانت المرأة متمتعا بها ، لم يقع بها إيلاء ، وإذا حلف ان لا يجامع زوجته وهي مرضعة ، خوفا من انقطاع لبنها ، فيستضر بذلك ولدها ، لم يكن عليه

__________________

فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ومفاده أن الفئة اى رجوع الزوج عن إيلائه بوطئها مقرونة بالمغفرة ومقتضاه ان يكون معها عصيان فلا تكون الا بعد أربعة أشهر لأن للزوج ان لا يطأ زوجته في مدة الأربعة بدون الإيلاء ويرد عليه ان المغفرة هنا لعدم إلزامه بحلفه على ترك الوطأ في الأربعة أو بعدها وقد استدل في كتاب الخلاف بنحو ذلك لمسئلة اخرى فراجع.

(١) ذكره الشيخ في النهاية قال حبسه الحاكم في حظيرة من قصب وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يفيى‌ء إلى أمر الله ونحوه في مقنعه المفيد بدون ذكر الحظيرة من قصب والأول مروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام كما في الوسائل الباب ١١ من الإيلاء.

٣٠٢

شي‌ء لأنه حلف في صلاح.

وإذا هجر الرجل زوجته سنة ، أو أكثر ، أو أقل ، لم يكن ذلك إيلاء ، ويراجع زوجته. وليس عليه شي‌ء.

فاما ألفاظ الإيلاء ، فمثل قوله : والله لا أتيك (١) والله لا أدخل ذكري في فرجك ، والله لا أغيب ذكري في فرجك ، والله لا أوطئك ، لا أصبتك ، لا باشرتك لا جامعتك ، لا لامستك ، لا باضعتك ، وما جرى مجرى ذلك ، فجميعه محتمل عندنا (٢) فان نوى به الجماع في الفرج ، كان إيلاء ، وان لم ينو ذلك لم يكن إيلاء ولا يثبت به حكم الإيلاء جملة.

فاذا قال : ان وطأتك فأنت طالق ثلاثا ، كان ذلك باطلا ، ولا حكم له عندنا.

وإذا قال لها : أنت على حرام ، لم يتعلق بذلك حكم عندنا ، لا طلاق ، ولا ظهار ، ولا عتاق ، (٣) ولا يمين في إيلاء ، ولا غيره ، نوى ذلك أو لم ينو.

وإذا قال لها : ان أصبتك فعبدي حر عن ظهاري إن تظاهرت (٤) لم يتعلق

__________________

(١) الصواب « لا انيكك » كما في المبسوط ويظهر مما يأتي.

(٢) الحق ان بعض هذه الألفاظ صريح كالنيك وما بعده وبعضها ظاهر كالوطي والجماع لكنها بالنظر الى وقوع الإيلاء بحكم المحتمل فإنه ان كان معها نية كان ايلاء والا لم يكن سواءأ كان اللفظ صريحا أو كناية وكان هذا مراد المصنف الا ان يكون في الكلام سقط فراجع المبسوط والدليل على اعتبار النية فيه مطلقا قوله تعالى « لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ » خلافا لما عن الشافعي من انه في الصريح يحكم عليه بالإيلاء ظاهرا وان لم ينوه في نفسه كما في الطلاق ونحوه.

(٣) يعنى ان كانت امة لا تنعتق بهذا القول.

(٤) اى ظاهرت يقال ظاهر من امرأته وتظاهر وتظهر وبها جميعا ثم ان المراد بهذا القول تعليق العتق على الإصابة والظهار معا عند العامة يقع العتق إذا وجد الشرطان ويكون إيلاء عندهم ان تقدم الظهار إذ ليس من شرطه عندهم الحلف بالله تعالى.

٣٠٣

بذلك حكم ، لا عتاق ، ولا ظهار لأنه مشروط ، وهما لا يتعلقان بشروط ، ولا يتعلق به إيلاء لأنه ليس بيمين بالله تعالى ، وإذا قال لها : والله لا أصبتك ، ثم قال لزوجة له اخرى ، قد أشركتك معها في الإيلاء ، لم تكن شريكتها في ذلك ، وكان موليا في الأولى ، دون الثانية ، لأن اليمين بالله تعالى ينعقد لأجل حرمة اللفظ ، وهو ان يحلف بالله تعالى ، أو بشي‌ء من صفات ذاته ، وقوله قد أشركتك معها في الإيلاء لفظ ، لا حرمة له ، واليمين بالله بالكنايات ، لا ينعقد ، فسقط ذلك في حق الزوجة الثانية ، وثبت في الاولى.

وإذا آلى منها بالطلاق ، فقال لها أنت طالق إن أصبتك ، ثم قال لأخرى قد أشركتك معها ، لم يكن موليا من واحدة منهما ، لأنه لم يحلف بالله تعالى.

وإذا آلى من امرأته تربص أربعة أشهر ، ثم وقف لها ، فان اختلفا في المدة ، فقالت قد انقضت ، وقال الرجل ما انقضت ، كان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل انها ما انقضت ، فان اختلفا في ابتداء المدة ، كان القول أيضا قول الرجل مع يمينه ، لأن الأصل ان لا يمين.

وإذا آلى من الرجعية صح الإيلاء ، لأنها في حكم الزوجات ، فاذا كان كذلك فإن المدة تحسب عليه ما دامت في العدة من وقت اليمين ، (١) لأنها مباحة الوطأ

وإذا ادعى الإصابة ، وأنكرت المرأة ذلك كان القول قوله مع يمينه (٢) فإن

__________________

(١) أي فمتى راجعها ضرب له المدة من وقت اليمين ومقتضاه ان مدة التربص من هذا الوقت خلافا لما مر منه من انها بعد المرافعة وربما يظهر منه ان له مدتين كلتيهما أربعة أشهر إحداهما بعد اليمين والأخرى بعد المرافعة وهو بعيد وبالجملة كلمات المصنف والشيخ في ذلك مضطربة والأظهر كونها من اليمين فقط لما أشرنا إليه في أول الباب.

(٢) الأصل عدم الإصابة فمقتضاه ان يكون القول قولها مع اليمين لكن قد يعارض ذلك بأصل آخر كبقاء العقد كما في المبسوط فتقديم قوله لذلك لكنه محل اشكال

٣٠٤

كانت بكرا لم يجر الحكم فيها بمثل ذلك لان الإيلاء لا يصح الا بعد الدخول وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم.

وإذا آلى من زوجته ، ثم ارتدا ، أو أحدهما ، لم تحسب المدة عليه ، لأنها انما تحسب إذا كان المانع من الجماع ، اليمين ، وهاهنا المانع اختلاف الدين ، وأيضا فإنه لا يمكنه الفئة بعد التربص ، ولا الطلاق. (١)

وإذا آلى من زوجته وهو صحيح ثم جن ، فالمدة محسوبة عليه ، لان العذر من جهته في زوجته تامة (٢) فإذا انقضت المدة وهو مجنون ، لم يكن عليه مطالبة لأنه غير مكلف :

وإذا آلى منها ثم جنت هي ، فإن فرت منه ولم تقم في يده ، لم تحسب المدة عليه. لان العذر من جهتها ، فان كانت في يده كانت المدة محسوبة عليه ، لأنه متمكن من وطأها ، فإن انقضت المدة وهي مجنونة لم يوقف ولا مطالبة عليه في حقها لأن الحق يختص بها وليست من أهل المطالبة به لكن يقال له اتق الله ووفها حقها بطلاق أو وطأ ، فإن طلق فلا كلام ، وان وفاها حقها بالوطى‌ء حنث هاهنا ، لأنه عاقل قاصد إلى المخالفة.

الذمي يصح منه الإيلاء كما يصح من المسلم ، فاذا ترافعا ذميان الى حاكم المسلمين في ذلك ، كان مخيرا بين ان يحكم بينهما أو يعرض عنهما ويتركهما مع أهل ملتهما في ذلك.

__________________

(١) قال في المبسوط : فان اجتمعا على الإسلام قبل انقضاء العدة فقد عاد الى ما كانا عليه ويستأنف المدة من حين العود وان كان الرجوع بعد انقضاء العدة فقد وقع الفسخ بانقضاء العدة وله ان يتزوج بها.

(٢) الصواب « في زوجية تامة » كما في نسخة المبسوط هنا وفي أمثاله.

٣٠٥

« كتاب اللعان والارتداد »

قال الله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ ) (١) الآيات فبين في ذلك اللعان ، وترتيبه ، وكيفيته.

وروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « انه أتاه عويم العجلاني ، فقال : يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا ، أيقتله فيقتلونه ، أم كيف يصنع ، فقال : عليه‌السلام قد انزل الله فيك وفي صاحبتك فأت بها فجاء بها فتلاعنا. (٢)

واللعان معلوم من دين الإسلام بغير اشكال ، وصفته : ان يجلس الحاكم مستدبر القبلة ويقف الرجل بين يديه ، والمرية عن يمينه ، ولا يقعدهما ، ثم يقول الرجل : اشهد بالله اننى لمن الصادقين فيما ذكرت عن هذه المرية من الفجور ، فاذا قال ذلك مرة ، قالا له اشهد بالله ثانية ، فإذا شهد ثانية قال له أشهد ثالثة ، فاذا شهد ثالثة ، قال اشهد رابعة ، فإذا شهد اربع مرات ، انه لمن الصادقين ، قال له اتق الله تعالى ، واعلم ان لعنة الله شديدة ، وعقابه اليم ، فان كان حملك على ما قلت غيرة ، أو سبب من الأسباب ، فراجع التوبة ، فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة ، فان رجع عن قوله جلده حد المفتري ثمانين جلدة ، ورد عليه زوجته وان لم يرجع عن ذلك ، واقام على ما ادعاه ، قال له : قل ان لعنة الله على ان كنت من الكاذبين.

فاذا قال ذلك ، قال للمرأة. ما تقولين فيما رماك به هذا الرجل ، فان اعترفت به رجمها حتى تموت ، فان لم تعترف وأنكرته ، قال لها اشهدي بالله انه لمن الكاذبين فيما قذفك به من الفجور ، فاذا شهدت مرة وقالت اشهد بالله انه لمن الكاذبين فيما قذفني به ، طالبها بان تشهد ثانية ، فإذا شهدت بذلك طالبها بها ثالثة ، فاذا شهدت طالبها بها رابعة ، فإذا شهدت ذلك ، وعظها كما وعظ الرجل ، ثم قال لها : اتقى الله فان غضب الله شديد ، فان كنت قد افتريت ما قذفك به ، فتوبى الى الله ، فان عقاب

__________________

(١) النور ـ ٦

(٢) الوسائل الباب ١ من كتاب اللعان رواه عن رسالة المحكم والمتشابه نقلا من تفسير النعماني وفيه عويمر بن الحارث مع تفصيل في القضية وكيفية اللعان.

٣٠٦

الدنيا أهون من عقاب الآخرة فان اعترفت بالفجور رجمها ، وان أقامت على تكذيب الرجل ، قال لها : قولي ان غضب الله على ان كان من الصادقين ، فاذا قالت ذلك فرق بينهما ، ولم تحل له ابدا (١) وقضت العدة منه منذ لعانها له ، فان نكل الرجل أو المرية عن اللعان قبل ان تكمل الشهادات ، كان على الذي نكل منهما الحد ، ان كان الرجل ، وان كانت المرأة عليها الرجم.

وإذا كان له زوجة حرة ، فقذفها بالفجور ، وادعى عليها المشاهدة لرجل يطأها في الفرج ، وكان له بينة تشهد بذلك وشهدت به البينة ، ثبت اللعان بينهما (٢) لأن البينة إنما أسقطت الحد دون اللعان.

وإذا أنكر الرجل ولد زوجته ، وهي في حباله ، أو بعد فراقها بمدة الحمل (٣) ان لم تكن نكحت زوجا غيره ، وأنكر (٤) ولدها لأقل من ستة أشهر من فراقه لها فان كانت (٥) قد نكحت زوجا غيره ولم يدعه الثاني

__________________

(١) واعلم انه يظهر من كلمات عدة من الأصحاب في هذا الباب كبعض النصوص ان اللعان بالقذف كما انه يوجب سقوط الحد عن الزوجين والحرمة الأبدية يوجب أيضا انتفاء الولد من الزوج قهرا من غير حاجة الى نفيه بلعان آخر أو في ضمن الأول وان لم يعلم الزوج بانتفائه لأجل الفراش فهذا من أحكامه التعبدية لكن يظهر أيضا من كلماتهم بل صرح به في بعضها انه انما ينتفي الولد إذا علم الزوج بانتفائه ولا عن له ولم أجد المسئلة محررة في كلامهم.

(٢) اى يجوز اللعان بينهما بعد شهادة البينة والظاهر ان المراد الملاعنة بنفي الولد حيث انه لا ينتفي بهذه الشهادة لأجل الفراش فيقتصر في جوازها بما إذا كان بينهما ولد كما في المبسوط.

(٣) وهي ستة أشهر إلى تسعة أو عشرة أشهر من وطئه لها قبل الفراق.

(٤) الصواب « أو أنكر » كما في المقنعة والنهاية.

(٥) الصواب « وان كانت » كما فيهما فالجملة وصلية وقوله : « ولم يدعه الثاني » مشعر بجواز ادعائه له في هذا الفرض وليس كذلك لعدم مضى ستة أشهر من نكاحه وكأنه

٣٠٧

لاعنها (١) بدعوى مشاهدته بفجورها ، فان كان قذفها بغير نفى الولد ، بغير (٢) طلاقه لها وبعد انقضاء عدتها ، لم يكن بينه وبينها لعان ، وجلد حد المفتري.

وإذا أكذب الرجل نفسه بعد اللعان ، لم يكن عليه شي‌ء ، ولا ترجع زوجته اليه ، وقد روى ان عليه الحد ، (٣) والظاهر انه ليس عليه ذلك ، وإذا اعترف بالولد قبل انقضاء اللعان ، الحق به وتوارثا وكان عليه الحد ، وان اعترف به بعد اللعان الحق به ، ولم يرث الابن ، والابن يرثه ، ويكون ميراث الابن لامه ، ولمن يتقرب اليه منها ، دون أبيه ومن يتقرب اليه به ، وان اعترفت المرأة بالفجور بعد تقضى اللعان ، لم يكن عليها شي‌ء الا ان تقر على نفسها بالفجور اربع مرات ، فإن أقرت كذلك بأنها زنت ، وهي محصنة ، كان عليها الرجم ، وان كانت غير محصنة ، كان عليها الحد ، مأة جلدة.

وإذا قال الرجل : للمرأة يا زانية ، أو قد زنيت ، ولم يقم لم بينة بذلك أربعة شهود ، كان عليه حد المفتري ، وان قذفها ولم يدع المشاهدة مثل الميل في المكحلة لم يكن بينهما لعان ، وكان عليه أيضا حد المفتري وإذا قال : وجدت معها رجلا في إزار ، ولم اعلم ما كان بينهما ، عزر ولم يفرق بينهما.

وإذا قذفها بما يجب فيه اللعان ، وكانت صماء أو خرساء فرق بينهما ، ولم يكن بينهما لعان ، لان اللعان انما يكون باللسان ، ولم تحل له ابدا ، وعليه حد المفتري

__________________

لذا أسقطه في النهاية لعدم مدخليته

(١) الصواب « لا عنها كما يلاعنها » كما في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا وفي المقنعة فالمراد انه كما يجوز ملاعنتها بدعوى مشاهدة الفجور منها فيترتب عليها ما تقدم ، تجوز بإنكار ولدها منه من دون مشاهدة لفجورها لما يعلم من نفسه معها وهذا في مورد يلحق الولد به شرعا لو لا إنكاره كهذه الموارد وكيفيتها كالأول إلا في نسبتها الى الفجور.

(٢) الصواب « بعد طلاقه » والمراد بالطلاق هنا الرجعي كما يأتي.

(٣) الوسائل الباب ٦ من كتاب اللعان الحديث ٦.

٣٠٨

ان قامت بينة القذف عليه ، وان لم يقم عليه بذلك بينة لم يكن عليه شي‌ء. (١)

وإذا قذفها قبل الدخول بها لم يكن لعان لان اللعان انما يثبت بعد الدخول (٢) وكان عليه الحد.

ولا لعان بين الرجل ومملوكته ولا بينه وبين زوجته المتمتع بها وان كانت له امرأة يهودية ، أو نصرانية ثبت اللعان بينهما ، وقد ذكر (٣) انه لا لعان بينهما ، والصحيح ثبوته بينهما.

وإذا انتفى من ولد أمرية وهي حامل ، صحت الملاعنة بينهما ، فان نكلت عن ذلك قبل استكمال الشهادات ، لم يقم عليها الحد حتى تضع حملها ، وإذا ولدت زوجة الرجل توأمين ، وأنكر واحدا منهما ، واعترف بالآخر ، لم يجز له ذلك لان الحمل واحد.

وإذا طلق زوجته قبل الدخول بها ، وادعت انها حامل منه ، وأنكر الولد ، فان قامت لها بينة بذلك بأنه خلا بها وارخى الستر ثبت اللعان بينهما ، وكان عليه المهر على كماله ، وان لم تقم بينة بذلك ، كان عليه نصف المهر. وكان عليها الحد (٤) بعد ان يحلف بالله تعالى انه لم يدخل بها.

__________________

(١) اى من الحد لعدم ثبوته واما الحرمة الأبدية فهي ثابتة عليه واقعا بنفس القذف كما في النهاية ويدل عليه النص كما في الوسائل الباب ٨ من كتاب اللعان.

(٢) صرح به في النصوص كما في الوسائل الباب ٢ مما ذكر لكن حكى الخلاف فيه عن بعض الأصحاب وعن بعض آخر التفصيل بين القذف ونفى الولد فأثبته في الأول دون الثاني والله العالم.

(٣) نسبه في جواهر الكلام إلى المحكى عن جماعة منهم ابن الجنيد ومنشأ الخلاف اختلاف النصوص.

(٤) اى مأة سوط كما في النهاية وذكر في جواهر الكلام ان النص خال عن الحد ولا وجه له لأن إنكار الدخول والولد من الزوج وان كان موافقا للأصل وكان القول فيه قوله لكنه لا يثبت زناها الموجب لهذا الحد عليها.

٣٠٩

وإذا قذف زوجته وادعى المشاهدة مثل الميل في المكحلة ، وهي في عصمته أو يكون قد طلقها طلاقا يملك فيه رجعتها ، ثبت اللعان بينهما ، وان قذفها بعد انقضاء عدتها ، أو في عدة لا رجعة له عليها فيها لم يكن بينهما لعان (١) ، وكان عليه حد الفرية.

وإذا قذف زوجته وترافعا الى الحاكم ، وماتت الزوجة قبل الملاعنة ، وقام من أهلها رجل مقامها ولا عنها (٢) لم يكن له منها ميراث ، وان لم يقم من أوليائها أحد مقامها في الملاعنة ، كان للزوج ميراثه منها ، وعليه الحد ثمانون جلدة ، وإذا قذف زوجته بعد اللعان ، كان ، عليه حد القاذف ثمانون جلدة.

فإن قال لها لم أجدك عذراء كان عليه التعزير ، ولم يجب حدا كاملا.

وإذا قذفت (٣) الأمة ووجب بقذفها التعزير. ثم ماتت كان لسيدها المطالبة به ، لأنها كانت ملكه ، وهو اولى الناس بها.

وإذا ادعت الزوجة عليه انه قال يا زانية ، فأنكر ذلك ، وقال ليست بزانية ، ثم قامت البينة ـ عليه بأنه قال لها ذلك ، وانه يكذب نفسه يلزمه الحد لقيام البينة ، وليس له ان يلاعن ، لأنه قد تقدم الإقرار منه بأنها ليست بزانية ، فليس له ان يحقق كونها زانية بلعانها مع تقدم إنكاره (٤).

وإذا قال الصبي لزوجته : يا زانية ، لم يكن ذلك قذفا ، ولا يلزمه به الحد بغير خلاف ، لان القلم مرفوع عن الصبي حتى يبلغ فاذا بلغ وأراد ان يلاعن ، لم

__________________

(١) وان كان القذف بالإضافة الى حال الزوجية كما يأتي.

(٢) الصواب « لاعنه » كما في النص أو « لاعن عنها »

(٣) بصيغة المجهول.

(٤) بخلاف ما إذا أنكر ولم يقل ليست بزانية فإنه يجوز له اللعان بالقذف المجدد لأنه ليس تكذيبا لقوله الأول وهل عليه الحد حينئذ بالأول كما في المبسوط أولا فيه وجهان.

٣١٠

يجز له ذلك ، لان اللعان انما يكون لتحقيق (١) القذف وقد ذكرنا انه لا قذف له.

والمطلقة طلاقا رجعيا إذا قذفها زوجها في حال عدتها ، كان عليه الحد ، وله إسقاطه باللعان ، لأنها في حكم الزوجات فلو أبانها أو خلع أو فسخ ثم قذفها بزنا اضافه الى حال الزوجية ، كان الحد لازما. فان كان هناك نسب ، كان له إسقاطه باللعان وان لم يكن هناك نسب ، لم يكن له ان يلاعن ، وإذا كان له ان يلاعن وينفى النسب وكان الولد قد انفصل ، كان له ان يلاعن لنفسه (٢) وان لم يكن انفصل وكان حملا وأراد تأخير اللعان الى ان ينفصل ، كان له ذلك ، وان أراد اللعان في الحال ، كان له ذلك أيضا.

وإذا قذف زوجته بإصابة رجل لها في دبرها ، كان عليه الحد ، وله إسقاطه باللعان ، فان قذف أجنبيا أو أجنبية بذلك ، كان عليه حد القذف.

وإذا قال لزوجته : يا زانية بنت الزانية ، كان قاذفا لها ولأمها بالزنا ، وعليه الحد ، لكل واحدة منها حد كامل ، وله إسقاط حد الأم بالبينة حسب ، لأنها أجنبية ، وله إسقاط حد البنت بالبينة وباللعان ، لأنها زوجة ، وإذا أعفى واحدة منهما عن حقه لم يسقط حق الأخر ، ومن طالب منهما بذلك قبل صاحبه ، كان له ذلك ، فان اتفقا في حال المطالبة ، كان ذلك من باب التخيير ، وقد بينا فيما سلف كيفية اللعان.

فاما مكانه : فينبغي ان يلاعن بينهما في أشرف المواضع ، فان كان بمكة فبين الركن والمقام ، وان كان بمدينة ففي مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند المنبر : وان كانت ببيت المقدس ففي المسجد عند الصخرة ، وان كان في غير ذلك من البلاد ففي المسجد الجامع.

واما وقت ذلك : فبعد العصر ، واما الجمع : فيعتبر لقوله تعالى :

__________________

(١) لعل الصواب « لتحقق » كما في نسخة ( ب ) قلت المرفوع في حق الصبي حكم القذف وهو الحد دون مفهومه ومقتضى إطلاق النصوص عدم اختصاص اللعان عند القذف بثبوت الحد فيجوز مع ارتفاعه أيضا.

(٢) الصواب « لنفيه » كما في المبسوط.

٣١١

( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ). (١)

ومن شرط صحة اللعان الترتيب ، فيبدأ بلعان الزوج ، وبعده لعان المرية ، فإن خالف الحاكم ذلك وبدأ بلعان المرأة ، لم يعتد به ، وان حكم لم ينفذ حكم به

وإذا كانت المرأة حائضا وأرادت اللعان ، لم تدخل المسجد لذلك بل يلاعن على بابه ، ويخرج الحاكم إليها يستوفي (٢) اللعان عليها.

وإذا قذف الرجل زوجته ومات أحدهما فإن كان الميت هي الزوجة ، وكان موتها قبل اللعان ، فقد ماتت على حكم الزوجية ، يرثها الزوج (٣) وليس له ان يلاعن لنفي الزوجية ، لأنها قد زالت بالموت ، وان كان موتها بعد اللعان ، فقد ماتت بعد ثبوت أحكام اللعان ، ولا يؤثر موتها شيئا أكثر من سقوط الحد عنها بلعان الزوج لا بموتها ، فان مات الزوج قبل اللعان ، فقد مات على حكم الزوجية ، وورثته المرأة لبقاء الزوجية.

وإذا قال لزوجته : أنت أزنى الناس ، لم يكن قاذفا بظاهره ، لأنه يتحقق انها لا تكون ازنى الناس كلهم ، لان الناس لا يكون كلهم زناة فإن قال أردت أنها أزنى من الناس كلهم ، قيل له قد فسرت كلامك بمحال ، ويسقط حكمه. وان قال : أردت أنها أزنى الناس من زناة الناس كان قاذفا لها ولجماعة غير معينين (٤) وإذا لم يعين المقذوف ، لم يكن عليه شي‌ء.

وإذا قال لزوجته زنيت وأنت صغيرة ، فان فسر ذلك بما لا يحتمل القذف ،

__________________

(١) النور ـ ٢ ـ وفي دلالة الآية على الاجتماع للعان نظر واضح.

(٢) في المبسوط « من يستوفي »

(٣) لكن تقدم ان عليه الحد للقذف وانه ان قام أحد من أهلها مقامها فلا عنه سقط الحد ولا ميراث وقد ورد ذلك في الوسائل الباب ١٥ من اللعان.

(٤) زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح « وكان عليه الحد لزوجته وله إسقاط باللعان ولم يكن عليه شي‌ء لقذفه الباقي من الناس لأنه قذف جماعة غير معينين » ونحوه في المبسوط.

٣١٢

مثل ان يقول زنيت ولك سنتان أو ثلاث سنين ، علم كذبه لان ذلك لا يتأتى فيها ، ولا يجب عليه حد ، ولا تعزير قذف ، بل تعزير سب وشتم ، ولا يكون له إسقاط ذلك باللعان ، وان فسر ذلك بما يحتمل القذف مثل ان يقول زنيت ولك تسع سنين أو عشر سنين ، فهذه يتأتى فيها الزنا ، وقد قذفها به الا انه لا حد عليه ، لأن الصغيرة ناقصة ، لا يجب الحد برميها ، لكن تعزير قذف ، وله إسقاطه باللعان.

وإذا قذف زوجته وهي أمة عمرو ، فله إسقاطه باللعان.

وإذا قال رجل لزوجته : يا زانية ، فقالت بل أنت زان ، كان كل واحد منهما قاذفا للآخر ، ولا حد على واحد منهما وعليهما التعزير.

وإذا قال لزوجته ولأجنبية : زنيتما أو أنتما زانيتان ، كان قاذفا لهما ، ووجب عليه الحد ، ويخرج عن حد الأجنبية بالبينة حسب ، وعن حد الزوجة بالبينة ، أو باللعان.

وإذا قذف اربع زوجات ، كان عليه الحد ، وله إسقاطه باللعان ، وينبغي ان يلاعن كل واحدة لعانا منفردا ، لأنه يمين واليمين لا يتداخل في حق الجماعة بغير خلاف ، فان تراضين باللعان بمن يبدء بلعانها بدء بها ، وان تشاححن في ذلك ، أقرع بينهن ، وبدء بمن خرجت لها القرعة.

وإذا قذف زوجته ، وادعى عليها أنها أقرت بالزنا ، وأنكرت واقام شاهدين فشهدا عليها أنها أقرت بالزنا ، لم يثبت ذلك عليها الا ان يشهد عليها بذلك أربعة شهود عدول (١).

وإذا قذف امرأة ، ثم اختلفا ، فقال : قذفتها وهي صغيرة ، فعلى الرجل التعزير ،

__________________

(١) الظاهر ان المراد ان تشهد الأربعة بإقرارها أربع مرات والا فلا يثبت عليها أيضا نعم يسقط الحد عن الزوج بناءا على ما قيل من سقوطه عنه بإقرارها مرة وكان اعتبار الأربعة هنا لفحوى اعتبارها في نفس الزنا وفي الإقرار به وفيه اشكال كما في الشرائع ثم انه ذكر في المبسوط ان هذه الشهادة لا يوجب الحد عليها لأن إنكارها بمنزلة الرجوع عن الإقرار الثابت والله العالم.

٣١٣

وقالت بل قذفني وانا كبيرة ، فعليه الحد ، ولم يكن لأحدهما بينة ، كان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل الصغر ، فاذا حلف عزر ، ولم يجب عليه حد.

والمرتد عن دين الإسلام على ضربين : أحدهما : ان يكون مولودا على فطرة الإسلام ، والأخر يكون قد أسلم بعد كفر ثم ارتد بعد هذا الإسلام ، فإن كان مسلما مولودا على فطرة الإسلام ، ثم ارتد فقد بانت منه زوجته في الحال ، وقسم ماله بين ورثته وقتل من غير ان يستتاب ، وكان على زوجته ان تعتد عدة المتوفى عنها زوجها.

وان كان ممن أسلم بعد كفر ، ثم ارتد استنيب ، فان عاد إلى الإسلام كان العقد بينه وبين زوجته ثابتا ، وان لم يعد إلى الإسلام قتل ، فان لحق بدار الحرب ، ثم عاد إلى الإسلام قبل خروج زوجته من عدتها (١) لم يكن له عليها سبيل ، فاذا مات المرتد قبل انقضاء العدة ، ورثته الزوجة ، واعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها ، وان ماتت الزوجة وهو مرتد لم يرث منها شيئا على حال.

« باب العدد والاستبراء »

قال الله تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) الآية (٢).

وقال تعالى ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (٣).

وقال ( ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها ) (٤)

وقال ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (٥).

وقال ( وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ ) الاية (٦).

__________________

(١) في هامش نسخة ( ب ) هنا « وهي ثلاثة أشهر كان أملك بها وان رجع بعد خروجها من عدتها » قلت وقد تقدم نحوه في النكاح.

(٢) البقرة ـ ٢٣٤.

(٣) البقرة ـ ٢٢٨.

(٤) الأحزاب ـ ٤٩.

(٥) الطلاق ٤ ـ ١.

(٦) الطلاق ٤ ـ ١.

٣١٤

والعدة ضربان : أحدهما : عدة طلاق ، والأخر : عدة وفاة.

فعدة الطلاق ضربان : عدة طلاق الحرة ، وعدة طلاق الأمة ، فعدة طلاق الحرة ضربان : طلاق التي ترى المحيض ، وطلاق اليائسة من المحيض وفي سنها من تحيض.

فاما عدة التي ترى الحيض فثلاثة أقراء ، وهي الأطهار سواء كان الذي طلقها حرا أو عبدا واما عدة اليائسة من المحيض وفي سنها من تحيض فثلاثة أشهر ، سواء كان الذي طلقها حرا أو عبدا أيضا.

واما عدة طلاق الأمة فضربان : عدة التي ترى المحيض ، وعدة اليائسة من المحيض وفي سنها من تحيض ، فاما عدة التي ترى المحيض فهي قرءان ، سواء كان الذي طلقها حرا أو عبدا ، واما عدة اليائسة من المحيض وفي سنها من تحيض فخمسة وأربعون يوما.

وعدة المتمتع بها إذا انقضى أجلها وكان الرجل حيا ، مثل عدة الأمة المطلقة سواء.

واما عدة الوفاة فضربان : عدة الحرة المتوفى عنها زوجها ، وعدة الأمة المتوفى عنها زوجها وليست أم ولد.

فاما عدة الحرة المتوفى عنها زوجها : فأربعة أشهر وعشرة أيام سواء كانت زوجة دوام أو متمتعا بها ، وسواء كان الزوج حرا أو عبدا واما عدة الأمة من وفاة زوجها وليست أم ولد ، فهي شهران وخمسة أيام سواء كان زوجها حرا أو عبدا ، وسواء كانت زوجة دوام أو متعة.

وإذا طلق الرجل زوجته ولم يكن دخل بها ، فلا عدة عليها ، وان كان دخل بها ولم تبلغ المحيض ولا في سنها من تحيض فلا عدة عليها ولها (١) ان تعقد النكاح

__________________

(١) لعل الصواب « وليس لها » أو المراد به عدم المنع عن ذلك من جهة الدخول وان كان يجب فيه اذن الولي والمولى من جهة الصغر والمملوكية.

٣١٥

على نفسها في الحال سواء كانت حرة أو امة.

وإذا طلق الرجل زوجته وهي آيسة من المحيض وليس في سنها من تحيض وقد تقدم (١) ذكر حد ذلك فلا عدة أيضا عليها ، ولها ان تعقد النكاح على نفسها في الحال سواء كانت أيضا حرة أو امة.

وعدة الحامل المطلقة. ان تضع حملها ولو كان بعد الطلاق بغير فصل وتحل للأزواج ، سواء كان ما وضعته تاما أو غير تام ، سقطا أو غير سقط ، فان كانت حاملا باثنين فوضعت أحدهما ، فقد ملكت نفسها الا انه لا يجوز لها العقد على نفسها لرجل حتى تضع ما في بطنها ، وقد تقدم (٢) ذكر ذلك ، وإذا وضعت جميع ما في بطنها ، جاز لها العقد على نفسها ، فان ارتابت بالحمل بعد الطلاق أو ادعت ذلك ، صبر عليها تسعة أشهر ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر ، فإذا فعلت ذلك ، بانت من الزوج.

وإذا كانت لرجل زوجة مملوكة وهي أم ولد منه(٣) ومات عنها ، كان عليها ان تعتد منه مثل عدة الحرة أربعة أشهر وعشرا ، وان لم تكن أم ولد ، كانت عدتها شهرين وخمسة أيام كما قدمناه ، فان طلقها طلاقا رجعيا وكانت أم ولد لسيدها ثم مات عنها كانت عدتها أربعة أشهر وعشرا كما تقدم ذكره ، وان لم تكن أم ولد ، كانت عدتها شهرين وخمسة أيام. وان لم يكن الطلاق رجعيا ، كانت عدتها عدة الطلاق (٤)

__________________

(١) في باب طلاق اليائسة.

(٢) في باب طلاق الحامل المستبين حملها.

(٣) مقتضاه اعتبار كون الولد من الزوج ويدل عليه ما رواه في الفقيه كما في الوسائل الباب ٢٠ من موانع الإرث لكن المسألة محررة في كتب الأصحاب والمذكور فيها كما في النهاية والشرائع والمختلف وغيرها كون الولد من المولى لتشبه امه بالحرية ولعله المراد بالمتن أو يكون لفظة « منه » من سهو القلم للتصريح بالسيد في الفرع الذي بعده مع الإشارة فيه الى ما ذكر هنا واما الخبر المذكور فغير معمول به

(٤) وهي قرءان أو خمسة وأربعون يوما ومبدء هذه العدة من وقوع الطلاق واما إذا كان رجعيا فهو من الوفاة لأنها بحكم الزوجة.

٣١٦

وإذا كان للحر زوجة مملوكة وطلقها طلقة رجعية، ثم أعتقت ، كان عليها مثل عدة الحرة ، وان كانت الطلقة بائنة ، كانت عدتها عدة الأمة. فإن طلقها ومات عنها ثم أعتقت ، كانت عدتها مثل عدة الحرة (١) وكذلك ان كانت مملوكة له وهو يطأها بملك اليمين وأعتقها بعد موته. فإن أعتقها في حال حياته اعتدت بثلاثة أقراء ، أو بثلاثة أشهر على ما تقدم ذكره.

وإذا طلق زوجة له حرة طلاقا يملك فيه الرجعة، ومات عنها ، كانت (٢) عدتها أبعد الأجلين أيضا ، فإن وضعت حملها قبل انقضاء أربعة أشهر ، وعشرة أيام كان عليها ان تكمل ذلك ، وان قضت أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع حملها ، كانت عدتها ان تضع حملها.

وان كان غائبا عن زوجته وطلقها ، اعتدت بثلاثة أشهر من يوم يبلغها الخبر بذلك ، فان ثبت لها بينة مقبولة بتعيين اليوم الذي كان طلقها فيه ، كان لها ان تبنى عدتها عليه ، فان كانت المدة قد انقضت قبل وصول الخبر إليها بالطلاق ، جاز لها العقد على نفسها ، وان لم تقم لها بينة بذلك ، وجب عليها ان تعتد من يوم وصول الخبر إليها بالطلاق على كل حال.

__________________

(١) اى ان كان الطلاق رجعيا لما مر آنفا من ان الموت والإعتاق لا يبدلان عدة البائن ويحتمل كون لفظة « طلقها » زيادة والصواب « فان مات عنها ثم أعتقت » فهي مسئلة اخرى كما في النهاية وغيرها ويدل عليها ظاهر النص في الوسائل الباب ٥٠ من العدد.

(٢) الصواب « كانت عدتها أبعد الأجلين وان كان طلاقا لا يملك رجتها كانت عدتها عدة المطلقة وان مات الرجل عن زوجته وهي حامل كانت عدتها أبعد الأجلين أيضا » كذا في هامش نسخة ( ب ) بعلامة ( ظ ) ونحوه في النهاية والمراد بأبعد الأجلين في الأول إما أربعة أشهر وعشرا كما في النهاية حيث انها أبعد من عدة الطلاق واما ان عدة الطلاق قد تكون أبعد كما تقدم ويأتي في المسترابة ونحوها فاللازم عليها حينئذ ان تأخذ بالأبعد.

٣١٧

وإذا طلق زوجته وهي مستحاضة، وكانت عارفة بأيام حيضها ، كان عليها ان تعتد بالأقراء ، فان لم تكن عارفة بذلك ، اعتبرت صفات الدم على ما قدمناه في باب الحيض ، واعتدت أيضا بالأقراء ، فان لم يتميز لها ذلك والتبس عليها دم الحيض بدم الاستحاضة ، اعتبرت عادة نسائها في الحيض ، واعتدت على عادتهن بالأقراء. وان كانت نسائها مختلفات العادة ، أو لم تكن لها نساء ، كان عليها ان تعتد بالشهور.

وإذا طلق زوجته طلاقا رجعيا، لم يجز له ان يخرجها من بيته ، ولا تخرج هي أيضا ، الا بان تأتي بفاحشة مبينة ، والفاحشة ان تفعل ما يجب عليها به الحد ، فاذا فعلت ذلك أخرجت وأقيم عليها الحد ، وقد روى (١) ان أقل ما يجوز إخراجها معه ان تؤذي أهل زوجها ، فان فعلت ذلك جاز إخراجها.

وإذا ادعت المرأة الضرورة إلى الخروج، أو أرادت قضاء حق ، فلتخرج بعد ان يمضي نصف الليل وتعود الى بيتها قبل الفجر وإذا أرادت الحج وكان ما تريده من ذلك حجة الإسلام ، جاز لها الخروج فيها من غير اذن زوجها ، فان كانت حجة التطوع ، لم يجر لها ان تخرج الا بعد ان تنقضي عدتها ، أو يأذن لها الزوج في ذلك.

وإذا كان الطلاق لا يملك فيه الزوج الرجعة، فإنه يجوز له إخراج المرية في الحال ، ولا تكون لها عليه نفقة الا ان تكون حاملا وله عليها رجعة (٢) فإن النفقة تجب لها عليه ، فان انقطعت العصمة بينهما لم تكن لها نفقة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

(٢) لا وجه لهذا التقييد إذا الكلام في البائنة مع انه لو كان له رجعة تجب عليه النفقة سواء كانت حاملا أم لا وعبارة النهاية هكذا « الا ان تكون حاملا فتلزمه النفقة عليها حتى تضع ما في بطنها وإذا لم تكن حاملا لزمته النفقة عليها ما دام له عليها رجعة فإذا انقطعت العصمة سقطت عنه النفقة » والظاهر ان المتن كان كذلك فوقع فيه السقط كما ان الوارد في النصوص أيضا كذلك فراجع الوسائل الباب ٧ و ٨ من النفقات.

٣١٨

وإذا مات الرجل عن زوجته، اعتدت كما قدمناه ولم تكن لها نفقة من تركة زوجها ، فان كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ولدها التي هي حامل به ويجوز للمتوفى عنها زوجها. المبيت في غير الدار التي توفي فيها زوجها. وعليها الحداد ان كانت حرة فإن كانت مملوكة لم يكن عليها حداد. والحداد : هو ترك الزينة والطيب وأكل ما فيه الرائحة الطيبة. (١)

وإذا مات الرجل وهو غائب، اعتدت زوجته من يوم يبلغها الخبر ، لان عليها الحداد ولم يجر في العدة من اليوم الذي مات فيه مجرى المطلقة في أنها تعتد من يوم طلقها ، لأجل ما ذكرناه من الحداد ، وليس على المطلقة ذلك فجاز لها ما لا يجوز للمتوفى عنها زوجها.

ومن ذلك من قد تزوج بيهودية أو نصرانية ثم مات عنها ، كانت عدتها مثل عدة الحرة المسلمة : أربعة أشهر وعشرة أيام.

وقد ذكرنا ان المطلقة إذا كانت من ذوات الحيض كانت عدتها ثلاثة أقراء وهي الأطهار ، فإذا كان كذلك وطلقها في طهر ، فإنها تعتد ببقية ذلك الطهر وان بلحظة ، فإذا دخلت في الحيض حصل لها قرء ، فاذا طهرت دخلت في القرء الثاني فإذا حاضت حصل قرءان ، فاذا طهرت دخلت في القرء الثالث ، فاذا حصل لها ثلاثة أقراء ، انقضت عدتها ، وإذا طلقها في آخر طهر ، وبقي بعد التلفظ بالطلاق جزء ، وقع منه الطلاق ، وهو مباح ، وتعتد بالجزء الذي بقي طهرا ، إذا كان طهرا ، لا يجامعها فيها فيه.

__________________

(١) المعروف ان الحداد ترك الزينة والتطيب كما في النصوص واما ترك أكل ما فيه الرائحة الطيبة فلم أجده في نص ولا في كلام المتأخرين وذكره الشيخ أيضا في النهاية وزاد عليه شمه ولعله لإطلاق المنع من الطيب في بعض النصوص هنا نظير المنع عنه كذلك في نصوص الإحرام فتأمل ويأتي في هذا الباب تفصيل الحداد وذكر اقسامه.

٣١٩

وإذا اختلفا : فقالت المرأة طلقتني ، وقد بقي من الطهر جزء فاعتد بذلك قرءا ، وقال الرجل لم يبق شي‌ء تعتدين به كان القول قول المرأة ، لأن قولها مقبول في الحيض والطهر.

وإذا كانت المرأة معتدة بالشهور، فلا يحتاج ان يرجع الى قولها ، لان قدر الشهر معلوم ، وهو ثلاثة أشهر ان كانت مطلقة ، وأربعة أشهر وعشرا ، ان كان زوجها قد توفي عنها الا ان يختلفا في وقت الطلاق ، فيكون القول قول الزوج ، كما لو اختلفا في أصل الطلاق ، لأن الأصل ان لا طلاق.

وإذا كانت المرأة معتدة بوضع الحمل فادعت ان عدتها قد انقضت بإسقاط كان القول قولها وتبين بوضع أي شي‌ء وضعته.

وإذا كانت المرأة ممن تحيض وتطهر وتعتد بالأقراء، وانقطع ( إذا انقطع ـ خ ل ) عنها الدم لعارض من مرض أو رضاع ، لم تعتد بالشهور ، بل تتربص حتى تأتي بثلاثة أقراء ، وان طالت مدتها (١) وان انقطع لغير عارض ومضى لها ثلاثة أشهر بيض لم ترفيها دما ، فقد انقضت عدتها ، وان رأت الدم قبل ذلك ، ثم ارتفع حيضها لغير عذر (٢) أضافت إليها شهرين ، وان كان لعذر صبرت تمام تسعة أشهر ثم اعتدت بعدها بثلاثة أشهر ، فإن ارتفع الدم الثالث لعذر صبرت تمام سنة ، ثم اعتدت ثلاثة أشهر بعد ذلك (٣).

__________________

(١) اى وان كان بين الحيضتين ثلاثة أشهر وأكثر وذكر في جواهر الكلام بعد ان حكى ذلك عن المصنف ، ان الموافق للنص والفتوى كفاية مضى ثلاثة أشهر بيض مطلقا لا سيما في المرضعة حيث ورد فيها النص الخاص.

(٢) الظاهر ان المراد ما إذا بلغت بعد الحيضة سن اليأس وهو خمسون سنة أو ستون كما تقدم في باب طلاق اليائسة وذلك للنص الخاص كما في الوسائل الباب ٦ من العدد.

(٣) ذكره الشيخ أيضا في النهاية والمبسوط للنص المعتبر كما في الوسائل الباب ١٣ من العدد لشموله لهذا الفرض فيكون أطول العدة خمسة عشر شهرا وذكر في

٣٢٠