المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

بالشلاء ، لا يقطع بها. فان قطع أغلف ، ذكر مختون ، قطع ذكر الأغلف بالمختون.

وإذا قطع خصيتى رجل ، كان على القاطع القود. فان قطع واحدة منهما ، سئل أهل الخبرة عن الباقية (١) فإن قالوا : لا يخاف عليها في هذا الموضع ، قطعنا بها وان قالوا : انها لا يؤمن عليها من ذهاب منافعها ، لم يكن من ذلك قود هاهنا ، لان ذلك يؤدى الى أخذ عضوين بعضو واحد. فان عفى على مال ، كان له نصف الدية ان كانت المقطوعة هي اليمنى ، وان كانت هي اليسرى ، كان فيها ثلثا الدية ، لأن منها يكون الولد (٢).

ويقتص من الأنف بالأنف والاعتبار في ذلك لا بصغر ولا كبر ، ولا بغلظ ولا دقة ، ولا بأنه أفطس أو أقنى. لتساويهما في الاسم ، وهو المراعى في هذا الموضع وما أشبهه. فإن قطع رجل أنف مجذوم ، ولم يكن سقط منه شي‌ء بالجذام. قطع الأنف الصحيح به ، لأنه يجوز عندنا أخذ الصحيح بالعليل. وان كان قد ذهب بعضه وتناثر الجذام ، كان المجني عليه مخيرا بين ان يأخذ بقدره من الدية فيما بقي ، وبين ان يقتص فيما بقي ، ان كان الذي ذهب مما يمكن القصاص فيه ، وهو ان يكون ذهب جانبه بالجذام. فان كان الذاهب منه طرفه ، لم يكن فيه الا الدية فيما بقي.

ويؤخذ الأنف الشام ( السالم خ ل ) بالأنف الأخشم. (٣) والذي يؤخذ قودا ، وتجب فيه دية كاملة ، من الأنف ، هو المارن والمارن ، هو ما لان منه ، وهو ما نزل من قصبة الخياشم ـ التي هي العظم ـ لان له حدا ينتهى اليه ، فهو من قصبة الأنف ، وهو

__________________

(١) أي التي تبقى من القاطع لو اقتص منه بالواحدة.

(٢) ورد ذلك في الخبر كما في الوسائل الباب ١ و ١٨ من ديات الأعضاء وفي الثاني ان في اليمنى ثلث الدية لكن في سنده ضعف.

(٣) الأخشم : الذي لا يشم به.

٤٨١

مثل (١) اليد من الساعد ، والرجل من الساق فان قطع جميعه ، كان المجني عليه مخيرا بين القود والدية بكمالها ، لأن في الأنف الدية. فإن قطعه مع قصبة الأنف كان كقطع اليد من الساعد ـ المجني عليه مخير بين العفو وتكون له دية كاملة في المارن وحكومة في القصبة ـ كما لو قطع يده من نصف الساعد ، فان له العفو ويأخذ دية كاملة ، ويكون كحكومة في الساعد ـ وان أراد أخذ القصاص في المارن ، وحكومة في القصب ، مثل الساعد ، سواء.

فان قطع بعض المارن ، رجع الى قدر ذلك بالأجزاء ، فإن كان ثلثا أو عشرا عرف ذلك وأخذ بحسابه من أنف القاطع. ولا يؤخذ بالمساحة (٢). لأنه قد يكون نصف المقطوع مثل جميع أنف القاطع ، فيفضي ذلك الى ان يأخذ أنفا بنصف ، وذلك لا يجوز.

فان قطع واحدا من المنخرين ، كان له القصاص في ذلك ، لان له حدا ينتهى اليه هو ، مثل احدى الاصبعين. لان بينهما حاجزا.

وإذا قطع رجل اذن رجل، كان في ذلك القصاص ، ولا اعتبار في ذلك بصغر ولا كبر ، ولا بسمن ولا دقة ، ولا بسميعة ولا صماء ، ولا بما جرى مجرى ذلك لان الاسم يتناول ذلك ، ولا اعتبار هاهنا به (٣) فان قطع الاذن كلها ، كان مخيرا بين قطع أذن الجاني ، وبين أخذ كمال دية اذن.

( وان قطع بعض الاذن ، علم هل ذلك ربع أو ثلث أو عشر؟ فيؤخذ هذا الطرف من اذن الجاني ، ويقطع الأذن التي لا ثقب فيها بالمثقوبة. ) (٤)

__________________

(١) الظاهر زيادة « وهو » وما بعده خبر لقوله فهو من قصبة الأنف.

(٢) ذكر في شج الرأس مما تقدم انه يؤخذ بالمساحة وكأنه لصدق المماثلة بها دون المقام لمكان القطع.

(٣) الظاهر ان الصواب « والاعتبار هاهنا به » اى بالاسم.

(٤) ما بين القوسين ساقط من نسخة الأصل إلا كلمات يسيرة في اوله وآخره

٤٨٢

وإذا قطع يدا لا أظافير لها جملة ، لم يكن في ذلك قود ، لأنه نقصان خلقة ، وليس يؤخذ الكامل بالناقص. وله دية كاملة.

وفي الأسنان ، القصاص. فان قلع سنا وكان سن متغير (١) ، لم يكن فيها قصاص في الحال ، ولا دية لأنها مما يرجى رجوعه. وينبغي للمجنى عليه ان يصبر حتى يسقط أسنانه التي هي إنسان اللبن ويعود ، فاذا سقطت وعادت ولم تعد المقلوعة سئل أهل الخبرة ، فإن ذكروا انها لا يؤيس من رجوعها الى وقت كذا وكذا ، فينبغي ان يصبر الى ذلك الوقت ، فان لم تعد ، علم انه قد أعدم إنباتها ، وآيس من عودها وكان المجني عليه حينئذ مخيرا بين القصاص وبين العفو على مال ، ويأخذ دية سن كما لو قلع سن مثغر (٢) والمثغر هو الذي قد سقطت وأسنان اللبن متى ثغرة (٣) ونبت موضعها غيرها ـ فان عادت السن في الوقت الذي ذكره أهل الخبرة أو مع عودة الإنسان ، وكانت متغيرة ، سوداء أو خضراء أو صفراء فالظاهر انه من فعله ، فيكون عليه حكومة. وان رجعت كما كانت سالمة من التغير والنقصان ، لم يكن فيها قصاص ولا دية. (٤).

فان مات قبل الإياس من رجوعها ، لم يكن فيها قصاص ، لان الحدود تدرء

__________________

لا تفيد معنى وثابت في هامش نسخة ( ب ) لكن بتصحيف في بعض موارده فراعيت صوابه وقوله : علم بصيغة المجهول وتخفيف اللام أو تشديدها اى يجعل العلامة

(١) في النسخ بالتاء والغين والياء اى الزائل والأظهر ان الصواب « غير مثغر » كما في المبسوط لذكر المثغر فيما بعد وعلى كل فالمراد سن الصبي قبل ان يسقط

(٢) دية الأسنان وغيرها مذكورة في المبسوط والشرائع وغيرهما في باب مستقل وكأنه سقط عن قلم المصنف أو الناسخ.

(٣) الصواب « قد سقطت أسنان اللبن من ثغرة » والثغر ما تقدم في الفم من الأسنان يقال اثغر الصبي أي سقط ثغرة ونبت.

(٤) ظاهره نفى الحكومة أيضا وفيه كلام فراجع جواهر الكلام.

٤٨٣

بالشبهات ، والشبهة هاهنا : انا لا نعلم رجوعها. فاما الدية فلازمة ، لان القلع قد علم والقود متوهم ، ولا يسقط حقه بأمر متوهم.

وإذا قلع سن مثغر ، سئل أهل الخبرة ، فإن ذكروا : انها لا تعود ابدا ، كان المجني عليه مخيرا بين القصاص والعفو. فان قالوا : لا يرجى (١) رجوعها الى كذا وكذا. فان عادت ، والا فلا يعود ، لم يكن فيها قصاص ولا دية إلى الحد الذي ذكره أهل الخبرة. فإذا كان ذلك ولم يعد ، كان المجني عليه مخيرا بين القصاص أو الدية ، وان عادت وكان عودها قبل الإياس من عودها. فهي مثل سن المثغر (٢) وقد تقدم ذكر ذلك. وان كان عودها بعد الإياس من ذلك ـ اما بعد المدة المحدودة أو قبلها وقد ذكروا انها لا تعود ابدا ـ فان كان المجني عليه قد أخذ الدية كان عليه ردها ، لان السن التي أخذ الدية عنها قد عادت وان كان قد اقتص ، كان عليه دية سن الجاني التي أخذها قصاصا وليس عليه قصاص في ذلك. وقد ذكر (٣) خلاف قولنا هذا ، والاحتياط يتناول ما ذكرناه.

والسن الزائدة ـ هي التي تكون خارجة من صف الأسنان ، وعن سمتها. اما من خارج أو داخل الفم ـ فاذا جنى إنسان على ما هذه صفته ، ولم يكن له سن زائد ، فليس في ذلك قصاص ، وعليه ثلث الدية للسن الأعلى (٤) فإن كان له سن زائدة في غير محل المقلوعة ، فليس في ذلك أيضا قصاص ، لأنا لا نأخذ عضوا في محل بعوض في محل آخر. ولا نأخذ الإصبع السبابة بالإصبع الوسطى. وعليه ثلث دية

__________________

(١) الظاهر « يرجى رجوعها ».

(٢) الصواب « غير المثغر » كما في المبسوط وقد مر حكمه آنفا.

(٣) حكاه في المبسوط عن قوم وكأنهم من العامة بدعوى ان العائدة لما كانت على خلاف العادة فهي هبة جديدة من الله تعالى كما ورد في أخبارنا في دية العين التي لا يبصر صاحبها شيئا.

(٤) الصواب « الأصلي » كما في العبارة التالية.

٤٨٤

السن الأصلي كما قدمناه فان كان للجاني سن زائدة في محلها ، كان المجني عليه مخيرا بين القصاص وبين العفو على مال ، فإن أراد القصاص ، فلا فرق بين ان يكونا سواء وبين ان يكون الواحد منهما أكثر (١) من الأخرى.

وإذا وجب لإنسان على غيره قود ، في طرف أو نفس ، لم يجز ان يستوفيه بنفسه، لان ذلك من فروض الأئمة عليهم‌السلام ، وعليه التعزير.

وإذا وجب قصاص على رجل في يمينه ، فقال له المجني عليه : اخرج يمينك لأقتصها ، فأخرج يساره فقطعها. فان كان المقتص جاهل بأنها يساره ، لم يكن عليه قود ، لأنه قطعها معتقدا أنه يستوفي حقه بها ، وكان شبهة ( شبهته ـ خ ل ) في سقوط القود فيها ، ولأنه قطعها ببذل مالكها ، فلا قود عليه في ذلك. فاما ديتها فلازمة له (٢) لأنه بذلها عن يمينه ، وكان البذل على سبيل المعاوضة ، فإذا لم يصح كان على القابض الرد ، فاذا عدمت ، كان عليه بدلها. وان كان المقتص عالما بأنها يساره ، فقطعها. فان هذا القطع مضمون ، لأنه إنما بذلها بعوض ، فلم يسلم له ، فكان على القابض الضمان ، فاذا كان ذلك مضمونا فالضمان في اليد بالدية ، لأنه بذلها للقطع ، فكان شبهة في سقوط القود عنه ، وسقوط القود (٣) انما يثبت ، لأنه مضمون بالدية.

وإذا كان الأمر في اليسار على ما ذكرناه ، فالقصاص باق في يمينه وله دية يساره. وليس للمقتص قطع اليمين ، حتى ينظر ما يكون من قطع اليسار ، فاما ان تندمل

__________________

(١) الصواب بالباء الموحدة.

(٢) ظاهره عدم الفرق بين ان يكون الجاني عالما بلزوم إخراج يمينه وعدم اجزاء اليسار عنها أم لا خلافا للمبسوط وظاهر الشرائع فنفيا الدية في الأول ولا يبعد نفيها مطلقا كما في جواهر الكلام لان ظاهر النصوص في ضمان النفس أو الطرف أو المال ما إذا كان التلف مستندا عرفا الى المباشر بخلاف مثل المقام.

(٣) في نسخة ( ب ) « وثبوت القود » وكأنه خطأ وعلى كل فالمقصود من هذه الجملة وتعليلها غير متضح فتأمل.

٤٨٥

أو يسري ، فإن اندملت فقد استقر على المقتص دية اليسار ، وله قطع اليمين. فان استوفاها قصاصا كان عليه دفع دية اليسار. وان عدل (١) عن اليمين وجبت له دية اليمين ، وكان عليه دية اليسار ، فليتقاصان ، فان سرى قطع اليسار الى النفس ، كان عليه ضمان النفس ، لأنه سراية عن قطع مضمون سرى الى النفس. وهي مضمونة ، فكانت ديتها عليه ، فعليه دية نفس بغير زيادة على ذلك.

وإذا قطع يدي رجل ورجليه ، كان عليه ديتان ، دية في اليدين ، ودية في الرجلين. فان مات بعد الاندمال ، استقرت الديتان على الجاني. وان سرى القطع الى النفس ، كان عليه دية واحدة ، لأن أرش الجناية يدخل في بدل النفس.

وإذا قطع يد عبد ، كان عليه نصف قيمته. ويمسكه سيده. فان قطع يدي عبد أو رجليه ، كان عليه قيمته كاملة يتسلم العبد. (٢)

وإذا قطع رجل ، يد عبد ، وآخر يده الأخرى ، كان عليهما قيمة كاملة ، على كل واحد منهما نصفها ، ويمسكه سيده.

ودية الكافر ، ثمان مأة درهم. فاذا جنى عليه جناية لها أرش مقدر ، كان التقدير في ديته ، ففي يده اربع مأة درهم ، وفي موضحته أربعون درهما ، وفي إصبعه ثمانون درهما. والمرأة الكافرة على النصف من ذلك.

ودية المسلم مأة من الإبل ، وقد ذكرنا ذلك مفصلا فيما تقدم ، وفي يده خمسون من الإبل ، وفي إصبعه عشرون ، وفي موضحته نصف عشر الدية ـ خمس من الإبل. والمسلمة خمسون من الإبل ، وفي يدها خمس وعشرون. وتعادل الرجل الى ثلث الدية ، فيكون في إصبعها عشر من الإبل ، وفي ثلاث أصابع

__________________

(١) اى عدل عن القصاص فيها الى مال ولعل الصواب « وان عفى » كما في المبسوط.

(٢) الصواب « ويتسلم » اى يأخذه الجاني لنفسه بدفع تمام قيمته بخلاف ما إذا دفع نصفها.

٤٨٦

ثلاثون ، وفي أربع ، عشرون.

وكل جناية لها في الحر أرش مقدر من ديته ، لها من العبد مقدر من قيمته ، ففي أنف الحر ولسانه وذكره ، ديته. وفي كل واحد منها في العبد ، قيمته. في يده نصف قيمته ، وفي إصبعه عشر قيمته ، وفي موضحته نصف عشر قيمته. فاذا كان كذلك ، وكان قدر الجناية في العبد قيمته ، مثل الأنف ، واللسان ، والذكر ، واليدين ، والرجلين ، وجب ذلك على الجاني ويسلم العبد.

وإذا قتل حر عبدا ، وجبت قيمته في ذمته، وكذلك ان قطع (١) أو قتله عمد الخطاء فان قتله خطأ محضا. فالقيمة على عاقلته. وكذلك في أطرافه.

وإذا كان إنسان على جانب حائطه أو خافة نهر، أو شفير بئر ، فصاح به غيره صحيحة شديدة ، فسقط فمات ، فان كان رجلا عاقلا لم يكن على الصائح شي‌ء ، لأنه ما سقط من صيحته ، وانما وافق وقوعه صيحته. وان كان الذي سقط صبيا أو مجنونا ، كان على الصائح الدية والكفارة ، لأن مثل هذا يسقط من الصيحة الشديدة والدية على عاقلته. وكذلك لو كان جالسا في غفلة واغتفله الصائح ، فصاح به مفزعا له ، فسقط فمات ، كانت الدية على عاقلته ، والكفارة في ماله.

وإذا شهر رجل سيفه ، وطلب رجلا، ففر المطلوب من بين يديه ، والقى نفسه في نار أو بئر ، أو من سطح ، أو جبل ، فمات ، لم يكن على طالبه ضمان لأنه إنما ألجأه إلى الهرب ، ولم يلجئه إلى الوقوع ، بل المطلوب القى نفسه باختياره في مهلكة ، فالطالب صاحب سبب ، والواقع مباشر ، وإذا اجتمعت مباشرة مع سبب غير ملجى‌ء ، لم يكن على صاحب السبب ـ مثل الدافع ، والحافر ـ فان الضمان على الدافع وليس على الحافر ضمان. فان كان المطلوب أعمى ، فوقع كذلك ، كان ضمانه على الطالب ، لأنه سبب ملجى‌ء ، فإن الأعمى لم يعلم ذلك ، ولا أراد ان يلقى نفسه في مهلكة ، والسبب إذا كان ملجئا ، كان الضمان على صاحب السبب.

__________________

(١) أي أطرافه كما أشير إليه في آخر العبارة.

٤٨٧

مثل ان يحفر بئرا ، فيقع فيها أعمى ، فإن ضمانه على حافر البئر ، لأنه ألجأه إلى الوقوع فيها. ويفارق إذا كان بصيرا ، لأنه ما ألجأه إلى الوقوع.

وإذا طلب بصيرا فهرب بين يديه ، فاعترضه أسد ، فقتله ، لم يلزم الطالب ضمانه ، سواء كان المطلوب أعمى أو بصيرا ، لان الأسد له قصد واختيار ، وكان من الطالب سبب غير ملجى‌ء ، ومن الأسد المباشرة ، فلا ضمان عليه مثل الدافع والحافر فان اضطره مع الأسد إلى مضيق فقتله الأسد ، كان عليه الضمان ، لأن الأسد يفترس في المضيق غالبا.

وإذا جنت أم الولد جناية ، كان على سيدها أرش جنايتها.

وإذا اصطدم فارسان فهلكا ، كان على عاقلة كل واحد منهما ، ونصف دية الأخر ، ويكون الباقي هدرا.

وإذا اجلس إنسان في طريق ، فعثر به غيره عثرة يقتل مثلها ، فهلكا معا ، كان على عاقلة كل واحد منهما كمال الدية. والفرق بينهما (١) ان كل واحد منهما هلك بسبب انفرد به صاحبه ، لان العاثر قتل الجالس مباشرة ، والعاثر مات بسبب كان من الجالس. فذلك [ فلذلك : ظ ] على عاقلة كل واحد منهما كمال دية الأخر. كما لو حفر بئرا ، في غير ملكه ، ثم جاء رجل ، فخرج الحافر (٢) وسقط الخارج في البئر. فإن الخارج قتل الحافر بمباشرة ، والحافر قتل الخارج بسبب

وكذلك لو نصب سكينا في غير ملكه ، وحفر آخر بئرا في غير ملكه ، فوقع الحافر على السكين فمات ووقع الناصب في البئر فمات ، فان على عاقلة كل واحد منهما كمال دية الأخر ، لأنه مات بفعل انفرد به صاحبه ، وليس كذلك مسئلة الصدمة ، لأن كل واحد من المتصادمين مات بفعل اشتركا فيه ، فلم يلزم عاقلة كل واحد بصير منهما كمال دية الأخر. ولا فرق بين ان يكونا بصيرين ، أو ضريرين ، أو أحدهما

__________________

(١) أي بين هذا وما قبله :

(٢) الصواب « فجرح الحافر وسقط الجارح » وكذا فيما بعده كما في المبسوط

٤٨٨

بصير والأخر ضرير ، لأنه ان كانا ضريرين كان القتل خطأ من كل واحد منهما ، فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف دية الأخر مخففة. وان كانا بصيرين وكان ذلك خطأ كانا كالضريرين. وان كان كل واحد منهما على وجه العمد والقصد ، كان عمدا محضا ، يوجب القود ، فيكون في تركة كل واحد منهما نصف دية الأخر حالة مغلظة.

وإذا مات ما تحت المصطدمين من المركوب ، كان على كل واحد منهما نصف قيمة دابة الأخر. فإن كان قيمتهما متساويين تقاصا. وان كانت مختلفين ، فإنهما يتقاصان ويترادان الفضل. ولا يكون ضمان القيمة على العاقلة. لأن العاقلة لا يعقل البهائم. ولا فرق بين ان يكون مركوبهما فرسين ، أو حمارين ، أو بغلين ، أو جملين ، أو أحدهما مخالف للآخر ، لأنهما اشتركا في الجنايتين ، فكانا متساويين في الضمان كما لو جرح ، أحدهما غيره مأة جرح وجرح نفسه أو غيره جرحا واحدا كانا متساويين في الضمان ، وان اختلفا. هذا حكم المصطدمين إذا كانا حرين كبيرين.

فان كانا صغيرين ، وكان المركوب (١) منهما ، كان على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الأخر. فإن كان ولياهما ، اللذان اركباهما ، كان الحكم فيهما كما لو كانا بأنفسهما ، لان على وليهما تعليمهما ، لأنه من الأدب. وان كان أركبهما أجنبيان ، كان على عاقلة كل واحد من المركبين لهما نصف دية الصغيرين معا ، لأنه فعل ما ليس له فعله ، ولا يهدر شي‌ء من دمهما. ولا فرق بين ان يكون الصغيران مسلمين أو كافرين ، أو أحدهما مسلما والأخر كافرا ، لأنه ان كانت الديتان كاملتين أو ناقصتين ، فان على عاقلة كل واحد منهما نصف الديتين ، وان كانت إحداهما ناقصة والأخرى كاملة فكذلك أيضا ، لأن عاقلة كل واحد منهما يعقل نصف دية كاملة ونصف دية ناقصة.

فإن كان المصطدمان امرأتين ، غير حاملتين ، فالحكم فيهما كالحكم في

__________________

(١) الصواب « وكان الركوب ».

٤٨٩

الرجلين. وان كانتا حاملتين ، فأسقطت كل واحدة منهما جنينا ميتا ، كان دية الجنين عليهما خاصة ، فعلى هذا يجبر ( يجب على ـ خ ل ) كل واحدة منهما نصف دية الجنين في مالها.

فان كانا المصطدمان عبدين ، كانت قيمة كل واحد منهما هدرا ، لأنه مات من فعله وفعل الأخر ، فما قابل فعله هدر. وما قابل فعل غيره مضمون ـ وهو نصف القيمة ـ غير ان محل تعلق نصف القيمة رقبة الجاني ، والرقبة قد هلكت ، فبطل محل تعلق القيمة. كما لو قتل العبد عبدا تعلقت قيمته برقبته ، فان هلكت سقطت القيمة لفوت محلها.

فان كان أحدهما حرا والأخر عبدا وماتا جميعا ، وجب نصف قيمة العبد في تركة الحر ، ووجب بموت الحر نصف ديته ، وكان من حقها ان تكون متعلقة بتركته (١) برقبة العبد ، الا انها تحولت الى قيمته. لان العبد إذا جنى تعلق أرش الجناية برقبته ، فان قتله قاتل تحول الأرش إلى قيمته ، فكذلك هاهنا : قد قتل الحر فوجب ان يتعلق نصف الدية بنصف قيمته لورثة الحر ، فوجب لسيد العبد نصف قيمة عبده ، ووجب لورثة الحر ، نصف الدية المتعلقة بنصف قيمة العبد : فان تساويا تقاصا. وان كان نصف القيمة أقل من نصف الدية ، كان القدر الذي يقابل من ذلك نصف قيمة العبد ، الحكم فيه كما لو كان نصف القيمة ونصف الدية سواء. والفاضل من نصف الدية على نصف القيمة ، يكون هدرا ، لأنه لم يبق محل يتعلق به. وان كان نصف القيمة أكثر من نصف الدية ،لم يكن بالزيادة اعتبار(٢).

فان مات العبد أولا ، وجب نصف قيمته ، لأنه هلك من فعله وفعل غيره ، فكان

__________________

(١) الظاهر ان « بتركته » زائدة لأن جناية العبد متعلقة برقبته فقط كما مر هنا وسابقا أو الصواب « لورثته » أو نحو ذلك.

(٢) لما مر سابقا من ان قيمة العبد المقتول إذا زادت عن مقدار دية الحر يسقط الزائد فحاصل الفرع انه ليس لوارث الحر ولا لمولى العبد شي‌ء على كل حال فذكر هذه الشقوق لاختلاف وجوهها ومخالفة العامة في بعضها.

٤٩٠

ما قابل فعل نفسه هدرا. فان مات الحر أولا ، وجب بموته نصف ديته كما ذكرناه ، وكان هذا النصف متعلقا برقبة العبد ، يباع فيها : فان كانت قيمة العبد متساوية لنصف الدية استوفى ذلك من ثمنه ، فان كانت أقل من نصف الدية لم يكن لمن وجب له نصف الدية إلا قيمة العبد ، والزائد على ذلك يكون هدرا. وان كانت قيمة العبد أكثر من نصف الدية ، بيع منه بقدر نصف الدية ، وكان الفاضل لسيده.

فان مات العبد حتف انفه ، سقط ما كان متعلقا برقبته الى غير بدل ، فان كان قد قتله قاتل ، كانت قيمته واجبة على القاتل ، ويحول ما كان متعلقا برقبته الى قيمته يستوفي من الذي يجب القيمة عليه.

وإذا رمى عشرة بحجر منجنيق، وأصاب واحدا منهم فمات ، كان موته بجنايته على نفسه ، وجناية التسعة عليه ، فما قابل جنايته على نفسه كان هدرا ، وما قابل جناية التسعة ، كان مضمونا ، فيكون على عاقلة كل واحد من التسعة عشر ديته ، فيكون لوارثه تسعة أعشار الدية. فإن قتل الحجر واحدا من غيرهم ، فقد اشتركوا في قتله فان كان الرمي خطأ ، كان على كل واحد (١) منهم عشر الدية مخففة ، فإن كان عمدا كان في ذلك القود. وما ذكرناه من هذا الضمان لازم لمن جر الحبال (٢) ورمى بالحجر. فإن أمسك الخشب إنسان ، أو وضع الحجر في كفة المنجنيق غير ما ذكرناه لم يلزمه ذلك ، لان المباشرة في الرمي منهم دون غيرهم. فاما من أمسك الخشب أو وضع الحجر في الكفة إذا كان غير الذي يجر السهم (٣) ويرمى عنه ، فلا يلزمه ذلك

__________________

(١) الظاهر ان المراد على عاقلتهم كما في المبسوط.

(٢) اى حبال المنجنيق التي يكون جرها سببا للرمي وكأنه كان للمنجنيق خشب لا يمكن الرمي أو لا يكمل إلا بإمساكه لكنه لا ينسب القتل إلى ممسكه ولا الى واضع الحجر فيها وبهذا يقاس حال الرمي والقتل بالاسلحة والآلات الحادثة في الأعصار الأخيرة بأنواعها المختلفة من الدبابات والرشاشات وغيرها.

(٣) لعل الصواب « يجر الحبل » أو المراد بالسهم هنا موضع الحجر من المنجنيق

٤٩١

وإذا تصادمت سفينتان ـ من غير قصد ممن فيهما الى ذلك ، ولا تفريط ـ وهلك بعض ما في إحداهما ، لم يكن عليهم شي‌ء. وان كان بقصد منهما الى ذلك ، كان على ملاحى السفينة التي لم يهلك منها شي‌ء ، ضمان ما هلك من الأخرى.

وإذا كانت سفينة مشدودة على شاطئ البحر غير سائرة ، فوافقت سفينة سائرة فصدمتها وكسرتها وهلك ما فيها فان كان القيم الذي بها غير مفرط فليس عليه ضمان واما السفينة الصادمة فان كان القيم الذي بها مفرطا ، كان عليه الضمان ، وان لم يكن مفرطا لم يلزمه ضمان.

وان كان في السفينة جماعة ، فثقلت وخافوا الهلاك والغرق ، فالقى بعضهم متاع نفسه ، لم يكن على أحد ممن فيها ضمان لشي‌ء من ذلك ، سلموا أو لم يسلموا لأنه اختار إتلاف ماله لغرض. فإن أخذ مال غيره فألقاه في البحر بغير اذن صاحبه كان عليه ضمان ذلك ، سلموا أو لم يسلموا ، لأنه أتلف مال غيره بغير اذنه. فان قال واحد منهم لبعض أصحاب المال : الق متاعك في البحر ليخفف عنا ما نحن فيه ، فقبل منه ، فلا ضمان عليه من ماله ، سلموا أو هلكوا ( أو لم يسلموا خ ل ) فان قال : الق متاعك في البحر وعلى ضمانه ، فألقاه ، كان عليه ضمانه. فان لم يخافوا الغرق ، وقال لغيره الق متاعك في البحر ، ففعل ، لم يلزمه ضمان. وإذا قال : الق متاعك في البحر على انى وركاب السفينة ضامنون ذلك (١)

« والضمان ضربان : ضمان اشتراك ، وضمان اشتراك وانفراد، فاما ضمان الاشتراك ، فمثل ان يقول جماعة لغيرهم : ضمنا لك الألف الذي لك على زيد ، فيكون جميعهم ضامنون لذلك ، وكل واحد منهم ضامن لعشر الالف (٢) ، فله ان يطالبهم معا

__________________

حيث يجذبه الرامي إلى جهة نفسه بحبل ونحوه ثم يدفعه وعلى كل فالعبارة تكرار لما قبله وذكر في المبسوط مكانها : « انه مثل من جعل سهما في قوس رجل فنزع صاحب القوس ورمى به فالضمان على الرامي دون من وضع السهم ».

(١) يأتي جوابه فيما بعد فقوله هنا : « والضمان ضربان الى قوله : وانما يضمن الحصة » مقدمة وتمهيد للجواب.

(٢) أي إذا كانت الجماعة عشرة أنفس كما في المبسوط.

٤٩٢

بالألف ، ويطالب كل واحد منهم بعشر الالف.

واما ضمان الاشتراك والانفراد ، فمثل ان يقولوا : ضمنا لك وكل واحد منا الألف الذي لك على زيد ، فيكون الجميع ضامنين لكله ، وكل واحد ضامن لكله فان قال واحد منهم : ضمنت لك انا وأصحابي مالك على زيد. وسكت أصحابه ولم يكونوا وكلوه في ذلك كان عليه ضمان العشر من الألف ، لأنه لم يضمن الكل وانما يضمن بالحصة.

فإذا كان الضمان على ما بيناه ، كان إلقاء المتاع في البحر على ذلك ، فان كان الضمان فيه ضمان اشتراك وانفراد ، ضمن كل واحد منهم جميع المتاع. فان قال : ألقه على انى وركبان السفينة ضمناء ، فسكتوا ، ضمن بالحصة أيضا. فإن قال : على انى وكل واحد منهم ضامن ، ضمن الكل. فان قال : على انى وهم ضمناء ، وقد ضمنت بإذنهم ، فانكروه ، كان عليه الضمان (١) دونهم. فان قال : على أني أؤدي لك من مالهم ، كان عليه الضمان دونهم. فان قال : انا ألقيه ، ثم ألقاه كان عليه ضمان الجميع.

وإذا خرق السفينة ، فغرق ما فيها، وكان الذي فيها مالا ومتاعا وما جرى مجراه كان عليه ضمان جميعه ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون عمدا أو خطئا أو شبيه العمد فان كان فيها أحرارا ، وكان خرقه لها عمدا ـ مثل ان قلع منها لوحا ، وتكون في لجة البحر بعيدا من الشط ـ فهو عمد محض وعليه القود. وان كان خطأ محضا ـ مثل ان يكون في يده حجر أو فأس ، فسقط منها ، فخرقها ـ كان على عاقلته الدية ، والكفارة في ماله. وان كان عمد الخطاء ـ مثل ان قلع لوحا ، ليدخل غيره عوضا منه أو يصلح مسمارا ، فانخرقت ، فذلك عمد الخطاء ـ فعليه في ماله. الدية مغلظة ، والكفارة في ماله أيضا.

__________________

(١) هذا محتمل لضمان الكل أو بحصته ونحوه عبارة المبسوط وذكر في الشرائع انه يضمن الجميع وكأنه الأقوى إلزاما له بقوله كما عليه بناء العقلاء في أمثاله مضافا الى التغرير هذا إذا أنكر الباقون بعد الإلقاء واما قبله فلا يضمن الا بحصته.

٤٩٣

وإذا تجارح اثنان ، فجرح كل واحد منهما الأخر، وادعى واحد منهما انه جرح صاحبه دفعا عن نفسه. وأنكر الأخر ذلك ، كان القول قول المنكر مع يمينه ( لان الظاهر حصول الجناية ، وهو يدعي الإسقاط ، كان القول قوله مع يمينه ) (١) لما ذكرناه.

وإذا سلم ابنه الى السابح ، ليعلمه السباحة ، فغرق. فان كان كبيرا بالغا ، لم يكن على المعلم ضمان ، لان البالغ العاقل. إذا غرق في تعلم السباحة ، كان هو الذي ترك الاحتياط في حق نفسه ، فليس على غيره ضمان. وان كان المتعلم غير بالغ ، كان على معلمه السابح ضمانه ، لأنه أتلفه بالتعليم ، كما لو ضرب معلم صبيا على التعليم فمات ، ولأنه فرط فيه ، وكان يجب عليه الاحتياط في حفظه ، وملازمة رجليه فاذا لم يفعل ، كان مفرطا وجب الضمان عليه. وذلك عمد الخطأ ، فعليه الدية في ماله مغلظة مؤجلة ، على ما قدمناه.

وإذا غشيت الدابة إنسانا ، فزجرها لئلا تطأه، فجنت عند زجره لها جناية على راكبها أو على غيره ، ( لم يكن عليه شي‌ء ، فإذا نفرها إنسان فرمت راكبها أو جنت على غيره ) (١) كان ضمان ما أصاب راكبها أو غيره ، على الذي نفرها.

وإذا ركبها إنسان وساقها ، فوطأت إنسانا أو كسرت شيئا ، كان ضامنا لما يصيبه بيديها ، ولم يكن عليه شي‌ء فيما يصيبه برجليها.

وإذا ضربها فرمحت (٣) فأصابت شيئا ، كان عليه ضمان ما اصابته بيديها أو رجليها وإذا ساق دابة ، فوطأت شيئا بيديها ، أو رجليها ، كان عليه ضمان ذلك. فان

__________________

(١) ما بين القوسين في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا.

(٢) ما بين القوسين في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا وهو الصواب والا لم يناسب ما في آخره.

(٣) رمح الفرس والبغل والحمار وكل ذي حافر اى ضرب برجله وقيل ضرب برجليه جميعا ( لسان العرب ).

٤٩٤

كان يقودها ، كان عليه ضمان ما يصيبه بيديها ، دون ما يصيبه برجليها ، الا ان يضربها فترمح برجلها فتصيب شيئا ، فإنه يكون ضامنا له.

وإذا آجر إنسان دابته لغيره فركبها وساقها ، فوطأت شيئا، كان ضمانه على مالك الدابة دون راكبها. هذا إذا كان مالكها معها. فان لم يكن معها وكان الراكب هو الذي يدبرها ويراعيها ، لم يكن على مالك شي‌ء وكان على راكبها الضمان.

وإذا رمت الدابة راكبها لم يكن على الموجر لها شي‌ء كان معها أو لم يكن معها ، الا ان يكون نفرها ، فيكون ضامنا لما يحدث منها من الجناية.

وحكم الدابة في كل ما ذكرناه ، وحكم ما يركب من الدواب والجمال ، على حد واحد لا يختلف.

وإذا حمل إنسان على رأسه متاعا بأجرة ، فكسره ، أو أصاب به إنسان ، كان ضامنا له. فان دفعه دافع ، كان ضمان ذلك على الدافع له.

وإذا قال إنسان لغيره : أعطني أو أعرني ولدك يطلع لي نخلة ، فدفعه اليه ، فصعد الولد النخلة ، فسقط منها فهلك ، لم يكن عليه شي‌ء ، لأنه قد بين له انه يصعد النخلة ولو لم يكن بين له ، كان عليه ضمانه.

وإذا قتل إنسان مجنونا عمدا ، كان عليه ديته، ولم يكن فيه قود. فان كان المجنون اراده فدفعه عن نفسه ، فقتله ، لم يكن عليه شي‌ء ، ويكون دم المجنون هدرا وان كان قتله خطأ. كانت الدية على عاقلته. فان قتل المجنون إنسانا كان عمده وخطأه واحدا ، تجب الدية فيه على عاقلته ، فان لم يكن له عاقلة كانت على بيت المال وإذا قتل إنسان غيره ، وعقله سليم ، ثم جن ، قتل به.

وإذا قتل إنسان غيره وهو أعمى ، كان عمده وخطأه واحدا (١) تجب الدية فيه

__________________

(١) قال في الشرائع : وفي الأعمى تردد أظهره أنه كالمبصر في توجه القصاص بعمده قلت لعموم أدلته وما ورد في خلافه كالنص الوارد في الفرع التالي لا يبعد حمله على ضعف إثبات العمد في حقه في الجملة كما هو كذلك في مورد هذا النص.

٤٩٥

على عاقلته ، وقد تقدم طرف من ذلك.

وإذا ضرب إنسان غيره ضربة ، سالت عيناه منها ، فضرب المضروب الضارب فقتله ، كان على عاقلة القاتل دية المقتول ، ولم يكن عليه قود ، لأنه حين ضربه فقتله كان أعمى ، وقد قدمنا القول ، بان عمد الأعمى وخطأه سواء. فان لم يكن له عاقلة كانت الدية في ماله خاصة ، يؤديها في ثلاث سنين ، ويرجع بدية عينيه على وارث الذي ضربه ، فيأخذ ذلك من تركته.

وإذا وطأ رجل زوجته ، ولم تبلغ تسع سنين، فأفضاها ، كان عليه ديتها ، والنفقة عليها الى حين موتها ، لأنه قد جعلها بحيث لا يصلح للرجل (١) فإن وطأها بعد تسع سنين ، فأفضاها ، لم يكن عليه شي‌ء.

وإذا رمى إنسان نارا في دار غيره متعمدا، فاحترقت الدار وما فيها ، كان عليه ضمان جميع ما هلك بالنار من نفس ومتاع ، ويجب عليه القتل بعد ذلك (٢) فإن أشعل نارا في داره أو شي‌ء من ملكه ، وحملته الريح الى موضع آخر فاحترق ، لم يكن عليه شي‌ء.

وإذا أحدث إنسان حدثا في طريق المسلمين، ليس هو بحق ، أو أحدثه في ملك غيره بغير اذن المالك ، مثل حفر بئر ، أو بناء جدار ، أو نصب خشبة ،

__________________

(١) اى للرجال كما ورد في الخبر : انه عطلها على الأزواج وذلك لان الإفضاء عيب في النكاح لمنعه عن الولادة وظاهر المصنف وغيره عدم الفرق بين ان يمسكها أو يطلقها لكن المستفاد من بعض النصوص سقوط الدية بإمساكها وهو الأقوى ولعل مختار المصنف عدم جواز إمساكها لما مر في النكاح باب ما ينبغي فعله عند العقد.

(٢) اى بعد ضمان المتاع فالمراد بوجوب القتل بيان ضمان النفس وقيل في معنى العبارة غير ذلك فراجع جواهر الكلام في المسئلة الثامنة من موجبات الضمان بالأسباب من كتاب الديات وما ذكرناه أصح كما في نكت المحقق لموافقته للنص كما رواه الصدوق عليه الرحمة في ديات الفقيه.

٤٩٦

أو إخراج ميزاب ، أو كنيف ، أو ما أشبه ذلك ، فوقع فيه إنسان ، أو زلق به ، أو لحقه منه شي‌ء من هلاك ، أو تلف شي‌ء من الأعضاء ، أو كسر شي‌ء من الأمتعة ، كان عليه ضمان ما يصيبه. فإن أحدث في الطريق ، ما له احداثه ، لم يكن عليه شي‌ء.

وإذا اغتلم (١) البعير ، كان على صاحبه حبسه وحفظه. فان جنى جناية قبل ان يعلم به ، لم يلزمه شي‌ء. فان علم به وفرط في حفظه ، كان عليه ضمان جميع ما يصيبه من قتل نفس أو غير ذلك ، فان كان الذي جنى البعير عليه ، ضرب البعير ، فجرحه أو قتله ، كان عليه مقدار ما جنى عليه مما ينقص من ثمنه ، يطرح من دية ما كان جنى عليه البعير.

وإذا هجمت دابة على أخرى في موضعها ، فجرحتها أو قتلتها ، كان على مالكها ضمان ذلك. وان دخلت الدابة عليها في موضعها ، فأصابها شي‌ء لم يلزم فيها ضمان شي‌ء من ذلك.

فإذا أصاب إنسان خنزير ذمي ، فقتله ، كان عليه قيمته ، فان جرحه كان عليه ما نقص من ثمنه عند أصحابه.

وإذا ركب اثنان دابة فجنت جناية ، كان أرش ذلك عليهما بالسوية.

وإذا وطأ امرأة في دبرها ، فألح عليها ، فماتت من ذلك ، كان ضامنا لديتها.

وإذا انفلتت دابة ، فرمحت (٢) إنسانا فقتله ، أو أتلف شيئا ، أو كسرت عضو إنسان ، لم يكن على صاحبها شي‌ء.

وإذا دخل إنسان دار قوم بإذنهم ، فعقره كلبهم ، كان عليهم ضمان ذلك. فان دخل بغير إذنهم لم يجب عليهم شي‌ء.

وإذا أركب إنسان عبدا له دابة ، فجنت الدابة جناية ، كان ضمان ذلك على سيد العبد.

__________________

(١) اى هاج من شدة شهوة النكاح

(٢) اى ضربت برجلها كما مر.

٤٩٧

وإذا عبر الراعي بالغنم على قنطرة (١) أو جسر ، فازدحمت عليه ، فوقع منها شي‌ء فهلك. فان كان ضربها أو صرخ بها بخلاف العادة ، كان عليه ضمان ذلك. وان لم يكن فعل ذلك لم يكن عليه شي‌ء. هذا إذا كان ذلك طريقه ، فاما ان كان مضى بها فيما ليس هو طريقه ، وأصابها على القنطرة أو الجسر ذلك كان عليه الضمان

وإذا استأجر عبدا بغير اذن سيده ، أو صبيا بغير اذن والده أو وليه ، فأصابهما شي‌ء ، كان عليه الضمان.

وإذا استسقى رجل من قوم ، فلم يسقوه وهم متمكنون مما يسقونه منه ، وتركوه حتى مات ، كان عليهم ديته.

وإذا وقف جماعة على زبية (٢) أسد ، أو شفير واد، أو نهر جزار (٣) فزلت رجل أحدهم فسقط وتعلق بآخر ، وتعلق الثاني بثالث ، وتعلق الثالث برابع ، وهلك جميعهم ، كان على الأول ثلث دية الثاني ، وعلى الثاني ثلث (٤) دية الثالث ، وعلى الثالث دية الرابع كاملة ، وليس على الرابع شي‌ء ، لأنهم بمنزلة المشتركين في قتل الرابع ، والرابع لم يجن على واحد منهم. وكذلك الحكم لو كانوا أكثر من أربعة ، في انه يكون نقص دية الأخير (٥) منهم على جميعهم.

__________________

(١) في المصباح المنير : القنطرة ما يبنى على الماء للعبور والجسر أعم لأنه يكون بناءا وغير بناء.

(٢) بضم الزاء المعجمة حفيرة في مرتفع الأرض لصيد الأسد.

(٣) بالجيم والزاء المعجمة كما في نسخة ( ب ) اى منقطع الماء أو بالخاء والراء المهملة كما يحتمله سائر النسخ اى كثير الجريان.

(٤) الصواب « ثلثا » بالتثنية كما في النص وكتب الأصحاب.

(٥) الظاهر ان الصواب « غير الأخير » إذ مقتضى ما ذكر انه لو كانوا خمسة مثلا فالأول هدر وعليه ربع دية الثاني لاشتراكه أيضا في قتل من بعده فينقص من ديته بمقداره وعليه نصف دية الثالث وعليه ثلاثة أرباع دية الرابع وعليه دية الخامس كمالا وهذا الحكم انما ثبت بالنص ومورده افتراس الأسد وتعدى المصنف الى نحوه مما

٤٩٨

وإذا دخل ستة غلمان الماء ، فغرق واحد منهم ، فشهد اثنان منهم على الثلاثة بأنهم غرقوه ، وشهد الثلاثة على الاثنين : انهما غرقاه ، فيجب ان تفرض الدية أخماسا : على الاثنين ثلاثة أخماس الدية ، وعلى الثلاثة ، خمسا الدية.

وإذا شرب أربعة نفر خمرا ، فتباعجوا (١) بالسكاكين أو غيرها ، فمات منهم اثنان ، وجرح اثنان ، فالحكم فيهم ، ان يضرب المجروحان كل واحد منهما ثمانين جلدة ، ويكون عليهما دية المقتولين ، ثم تقاس جراحتهما وترفع من الدية. وان مات واحد من المجروحين ، لم يكن على أولياء المقتولين شي‌ء.

وإذا ركبت جارية جارية ، فنخستها اخرى ، فقمصت المركوبة ، فصرعت الراكبة ، فماتت ، كانت الدية على الناخسة ، والقامصة نصفين. وروى (٢) ان عليهما ثلثي الدية وسقط الثلث الباقي لركوب الميتة عليها ، والأول أظهر.

وإذا قطع الختان حشفة غلام ، كان عليه ضمان ذلك.

وإذا تطبب إنسان ، أو تبيطر ، فليأخذ البراءة ، والا كان ضامنا لما يحدثه من جناية.

باب « البينات على القتل والقسامة »

القتل يثبت بأمرين : بينة ، أو إقرار.

فاما البينة ، فهي شهادة شاهدين ، عدلين ، بان المدعى عليه قتل المقتول. واما الإقرار. فهو إقرار القاتل على نفسه بأنه قتل المقتول. ولا فصل في هذين الوجهين بين ان يكون القتل عمدا أو خطئا في ان الحكم يثبت بكل واحد منهما.

فان لم يكن لأولياء الدم شاهدان ، يشهدان لهم على القاتل بأنه قتل صاحبهم

__________________

كان الهلاك بغير أنفسهم واما لو هلكوا بوقوع بعضهم على بعض فله تفصيل آخر كما في المبسوط والشرائع.

(١) يقال : بعج بطنه إذا شقه بسكين.

(٢) الوسائل الباب ٧ من موجبات الضمان.

٤٩٩

كان عليهم القسامة ، وهي ضربان : أحدهما ، قسامة قتل العمد. والأخر ، قسامة قتل الخطاء.

وقسامة قتل العمد ، خمسون رجلا من أولياء المقتول ، يقسم كل واحد منهم بالله تعالى ، ان زيد المدعى عليه ، قتل عمرا صاحبهم. واما قتل الخطاء فقسامته ، خمسة وعشرون رجلا يحلفون كذلك. فاذا ثبتت البينة أو القسامة بالقتل ، وجب على المدعى عليه القود. ان كان القتل عمدا ، أو الدية إن رضي أولياء الدم بها. وان كان القتل خطأ محضا أو شبيه العمد ، وجب على المدعى عليه أو على عصبته الدية على ما تقدم ذكره.

وإذا قامت بينة بالقتل على ما بيناه ، فلا قسامة. والقسامة انما تكون مع التهمة الظاهرة ، مثل ان يكون الذي يسند القتل اليه أو قبيلته أعداء للمقتول ، بشر ( بسبب خ ل ) متقدم بينهم وبين المقتول ، أو بينه وبين بعض أهله ، أو يشهد على المدعى عليه بالقتل ، من لا تقبل شهادته ، كالنساء ، وغيرهن من ( ممن ـ ظ ) ليس هو من أهل العدالة. أو يشهد عدل واحد بذلك. أو قال المقتول (١) فلان هو القاتل. أو شي‌ء مما أشبه ذلك مع اللطخ (٢) فاذا كان الأمر على ما ذكرناه ، وكان المقتول مسلما ، وجبت القسامة على أولياء الدم ، فاذا وجبت عليهم ، فينبغي ان يقسم (٣) على ان فلانا قتل المقتول ، ان كان واحدا ، وان كان القاتل اثنين ، اقسموا على ان فلانا وفلانا قتلا صاحبنا فلانا ، وكذلك. ان كان أكثر من ذلك ، ذكروه في القسامة.

__________________

(١) أي قبل زهاق روحه.

(٢) بالخاء المعجمة كما في بعض النسخ اى اللوث يقال لطخه لطخا اى لوثه تلويثا والمعروف في سائر كتب الأصحاب هو التعبير باللوث في اعتبار القسامة وهو وجود امارة تفيد الظن بصدق المدعى في اسناد القتل الى أحد وله حدود ذكروها في كتبهم.

(٣) اى كل أحد من الأولياء والاولى ذكره بصيغة الجمع

٥٠٠