المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

يكن تاما لم يجز اكله

وكل جنين كان قد أشعر وأوبر وولجته الروح وأدرك كذلك لم يكن بد من ذكاته؟ فان لم يدرك لم يجز اكله على كل حال.

والذبح في الليل مكروه إلا لضرورة أو للخوف من فوت الذبيحة ويكره أيضا الذبح في نهار يوم الجمعة قبل الصلاة إلا لضرورة.

وكل ما كان من الإبل أو البقر أو الغنم مذكى أو غير ذلك مما يجوز أكله فإنه يحرم منه الطحال ـ والمشيمة ، والفرث ، والقضيب ، والمرارة ، والنخاع (١) والأنثيان والفرج ظاهره وباطنه والعلباء (٢) والغدد ، وذوات الأشاجع ، (٣) والحدق ، والخزرة (٤) تكون في الدماغ ويكره الكليتان.

ويحل من الميتة الشعر والوبر والصوف والريش إذا جز وما لا يجز من ذلك ويقلع منها ليس بحلال ويحل منها أيضا السن والظفر والظلف والعظم والقرن والناب والانفحة واللبن والبيض إذا كان قد اكتسى الجلد الفوقاني؟ فان لم يكن اكتسى ذلك فلا يحل أكله.

فإذا اختلط لحم ذكي بميتة ولم يمكن تمييزه لم يحل أكل شي‌ء منه وقد قيل (٥)

__________________

تساق الى البدن شيئا فشيئا وفي بعض النسخ لم تنشر وفي بعض آخر لم تنش والكل متقارب المعنى

(١) خيط أبيض ضخم في فقار الظهر الى العنق وما مر آنفا من انه عظم في العنق فلعله مصحف وصوابه عرق

(٢) بالعين المهملة المكسورة والباء الموحدة ممدودا ويقال أيضا علباوان وان اى عصبتان عريضتان صفراوان من الرقبة إلى الذنب

(٣) في جواهر الكلام المراد بها غير معلوم والنصوص خالية عن ذكرها

(٤) بالخاء المعجمة والراء المهملة حبة صغيرة

(٥) قاله في النهاية للنص كما في الوسائل الباب ٧ مما يكتسب به من كتاب التجارة.

٤٤١

انه يجوز بيعه على مستحلي الميتة والأحوط ترك بيعه.

وإذا جعل طحال في سفود (١) مع لحم وجعل في تنور فان كان اللحم تحته لم يجز أكل ذلك اللحم وما تحته ان كان تحته شي‌ء فان كان الطحال تحت اللحم أكل اللحم ، ولم يؤكل ما تحته من لحم أو غيره.

ولا يحل أكل شي‌ء من الميتة إلا عند الضرورة التي يخاف معها من تلف النفس فإنه يجوز ان يؤكل منها عند ذلك ما يمسك الرمق ، ما لم يكن هذا المضطر عاديا وهو الذي يخرج لقطع الطريق ولا باغيا وهو الذي يبغى الصيد على وجه اللهو والبطر فإن هؤلاء لا يجوز لهم ان يأكلوا منها شيئا على حال.

ويجوز ان يؤكل من البيض ما كان مما يؤكل لحمه فان وجد بيض ولا يعرف هل هو بيض ما يؤكل لحمه أو غير ذلك ، فإنه يعتبر باختلاف طرفيه فما كان مختلف الطرفين جاز أكله لأنه من بيض ما يؤكل لحمه؟ وما استوى طرفاه فلا يجوز اكله

واما الجلود فان كان مما يؤكل لحمه وكان مذكى فإنه يجوز استعماله في اللباس والصلاة وغير ذلك قبل الدباغ وبعده إذا لم يكن عليه نجاسة ولا اثردم؟فان كان ميتة ولم يكن مذكى لم يجز استعماله على وجه من الوجوه لا قبل الدباغ ولا بعده.

وان كان مما لا يؤكل لحمه ، فان كان كلبا أو خنزيرا فلا يجوز استعماله لا قبل الذكاة ولا بعدها ، دبغ أو لم يدبغ على كل حال وان كان جلد فهد أو نمر أو ذئب أو أرنب أو سبع أو ثعلب أو سنجاب أو سمور أو غير ذلك من السباع والبهائم ، فإنه يجوز استعماله إذا كان مذكى ودبغ إلا في الصلاة فإنه لا يجوز استعماله فيها فان استعمله (١)

__________________

(١) بفتح السين وضمها وتشديد الفاء : حديدة ذات شعب معقفة معروف يشوى به اللحم وجمعه سفافيد ( لسان العرب )

(٢) الظاهر ان المراد ان يستعمله قبل الذكاة كما صرح به الشيخ في النهاية وانه مقتضى المقابلة لما قبله.

٤٤٢

إنسان نجست يده وما يصيبه من بدنه ويجب عليه غسل ذلك.

وشعر الخنزير لا يجوز استعماله مع الاختيار ، فان اضطر إنسان إلى استعماله فلا يستعمل منه الا مالا يكون قد بقي فيه شي‌ء من الدسم؟ وإذا حضر وقت الصلاة وجب عليه غسل يديه منه

ومن ربي شيئا من الغنم فأراد ذبحه فإنه يكره له ان يتولى ذلك بنفسه وليس ذلك بمحظور والأفضل ان يجعل غيره يتولى ذلك. ولا يجوز عمل دلو من جلود الميتة ولا استعماله في الماء. وقد ذكر (١) جواز ذلك فيما عدا الشرب والطهارة والأحوط ترك استعماله في ذلك وفي غيره.

وإذا قطع إنسان شيئا من أليات الغنم وهي أحياء لم يجز أكل شي‌ء منها ولا ان يستصبح بشي‌ء من دهن ذلك؟ لأنه ميتة وذلك مما لا يجوز استعماله على حال

__________________

(١) ذكره في النهاية

٤٤٣

« كتاب الطب والاستشفاء بالبر وفعل الخير »

قد ورد الأمر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتداوي فقال تداووا فما انزل الله داء الا انزل معه دواء الا السام ، فإنه لا دواء له يعنى الموت.

ويجب على الطبيب ان يتقى الله فيما يفعله بالمريض وينصح فيه ، ولا بأس بمداواة اليهودي والنصراني للمسلمين؟ وإذا أصاب المرأة علة في جسدها واضطرت إلى مداواة الرجل كان جائزا وإذا كان بالإنسان رمد كره له أكل التمر ، فإن اكله وكان الرمد بعينه اليسرى اكله بضرسه الأيمن وان كان الرمد بعينه اليمنى ، اكله بضرسه الأيسر.

ومن كان يستضر جسده بترك العشاء فالأفضل له ان لا يتركه ولا يبيت الا وجوفه مملوء من الطعام. وإذا كان لإنسان مرض فلا ينبغي ان يكره على تناول الطعام والشراب بل يلطف به ( له ـ خ ل ) في ذلك فان امتنع لم يكره عليه.

وأكل اللحم واللبن ينبت اللحم ويشد العظم واللحم يزيد في السمع والبصر ، وأكل اللحم بالبيض يزيد في الباه.

وماء الكماة فيه شفاء العين ، ووصف زيد بن على بن الحسين (ع) ذلك وقال ينبغي ان يؤخذ الكماة فيغسل حتى ينقى ويعصر بخرقة ويؤخذ ماؤها فيرفع على النار حتى ينعقد ويلقى فيه قيراط من المسك ثم يجعل في قارورة ويكتحل به لاوجاع العين كلها ، فاذا جف سحق بماء السماء أو غيره ويكتحل منه لاوجاع العين.

٤٤٤

ويكره ان يحتجم الإنسان في يوم أربعاء أو سبت فإنه ذكر انه يحدث منه الوضح (١) والحجامة في الرأس فيه شفاء من كل داء وأفضل الدواء في أربعة أشياء الحجامة والحقنة والنورة والقي‌ء. فان نبع الدم (٢) بإنسان فينبغي ان يحتجم في أي الأيام كان ويقرء آية الكرسي ويستخير الله ويصلى على النبي وآله.

وإذا عرضت الحمى لإنسان فينبغي ان يداويها بصب الماء عليه فان لم يسهل عليه فليحضر له إناء فيه ماء بارد ويدخل يده فيه؟ وروى ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يفعل ذلك والاكتحال بالإثمد عند النوم يذهب بالقذى ويصفي البصر. فاذا لدغت العقرب إنسانا فليأخذ شيئا من الملح ويضعه على موضع اللدغة ثم يعصر بإبهامه حتى يذوب وأكل العجوة يشفي من السم. وصفة ذلك ان يؤخذ تمر العجوة فينزع نواه ثم يدق دقا جيدا ويعجن بسمن بقر عتيق ويرفع ، فاذا احتيج إليه أكل للسم ، هكذا وصفه زيد بن على بن الحسين عليهما‌السلام.

وأفضل ما استشفت به النفساء أكل الرطب ومن اشتد وجعه فينبغي ان يستدعي بقدح فيه ماء ويقرأ عليه الحمد أربعين مرة ثم يصبه على نفسه ، (٣) وأكل الزبيب المنزوع العجم على الريق ، فيه منافع عظيمة فمن أكل منه كل يوم على الريق احدى وعشرين زبيبة منزوعة العجم قل مرضه؟ وقيل انه لا يمرض الا المرض الذي يموت فيه

__________________

(١) اى البياض والمراد به هنا البرص وقد ورد في بعض الاخبار الإنكار على من ذكر ذلك فراجع له ولغيره من وقت الحجامة وآدابها الى الوسائل الباب ١١ و ١٣ من أبواب ما يكتسب به

(٢) الصواب « تبيغ الدم » قال ابن إدريس في السرائر : هو بالتاء المنقطة بنقطتين من فوق والباء المنقطة من تحتها بنقطة واحدة والياء المنقطة من تحتها بنقطتين وتشديدها والغين المعجمة أي هاج به.

(٣) رواه في دعائم الإسلام ج ٢ فصل ذكر العلاج بتفصيل في اعتلال الحسين عليه‌السلام وذكر فيه ان جبرئيل قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان الله تعالى لم ينزل عليك سورة من القرآن الا وفيها فاء وكل فاء آفة ما خلا سورة الحمد.

٤٤٥

ومن أكل عند نومه سبع تمرات عوفي من القولنج وقتل دود البطن ، وأكل الحبة السوداء فيه شفاء من كل داء الا الموت؟ وأكل التفاح يكفى الحرارة (١) ويبرد الجوف وينفع من الحمى.

وفي شراب العسل منافع كثيرة فمن استعمله انتفع به ما لم يكن به مرض حار. ومن اشتد به مرض فيسأل امرأته ان تهب له من مهرها درهما ويشترى به عسلا ويشربه بماء السماء فإنه ينتفع بذلك.

وفي شرب لبن البقر منافع فمن تمكن منه فليشربه وفي الحبة السوداء شفاء من كثير من الأمراض وأكل السمن نافع للأحشاء وهو في الصيف خير منه في الشتاء

ومن وطأ برجله على رمضاء فأحرقته ، فيطأ على بقلة البصلة (٢) فان ذلك يزول بوطأه لها؟ وأكل القرع يزيد في العقل وينفع الدماغ؟ ويستحب أكل الهندباء وذكر انه ليس فيه ورقة الا وفيها من ماء الجنة.

وعن الصادق عليه‌السلام قال : إذا دخلتم أرضا فكلوا من بصلها فإنه يذهب عنكم وبائها.

وعنه (ع) ان رجلا من أصحابه شكى اليه اختلاف البطن فأمره أن يتخذ من الأرز سويقا ويشربه ففعل فعوفي له وقال : مرضت سنتين أو أكثر فألهمني الله تعالى الأرز ، فأمرت به فغسل وجفف ثم مس النار وطحن وجعلت بعضه سويقا وبعضه حساء واستعملته فبرأت.

وقال أمير المؤمنين (ع) ما من شجرة حرمل (٣) الا ومعها ملائكة يحرسونها

__________________

(١) الصواب « يطفى الحرارة » كما في الوسائل الباب ٨٩ من الأطعمة المباحة

(٢) الصواب « بقلة الرجلة » كما في الكافي والمحاسن والوافي والوسائل وهي الفرفخ ويقال لها بالفارسية « خرفه » وقد ورد أنها بقلة فاطمة عليها‌السلام فسماها بنو أمية لعنهم الله بقلة الحمقاء بغضا لفاطمة عليها‌السلام

(٣) بالحاء والراء المهملتين كجعفر يقال له بالفارسية « سپندان » في القاموس هو حب نبات معروف يخرج السوداء والبلغم وهو غاية أي في النفع ويصفي الدم وينوم

٤٤٦

حتى تصل الى من وصلت وفي أصل الحرمل لشره (١) وفي فرعها شفاء من اثنين وسبعين داء.

قال النبي عليه‌السلام : إياكم والشبره (٢) فإنه حار بارد وعليكم بالسناء فتداووا به فلو دفع شي‌ء الموت لدفعه السناء ، وتداووا بالحلبة (٣) فلو يعلم أمتي مالها في الحلبة لتداووا بها ولو بوزنها ذهبا.

وقال الصادق (ع) : المحموم يغسل له السويق (٤) ثلاث مرات ويعطاه فإنه يذهب الحمى وينشف المرة والبلغم ويقوى الساقين.

وقال السويق ينبت اللحم ويشد العظم ، ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن شرب الماء الحميم وهو الشديد الحرارة.

وقال : إدمان أكل السمك الطري يذيب الجسد وقال الصادق (ع) أكل التمر بعد السمك الطري يذهب أذاه وقال : لرجل شكى اليه وجع الخاصرة : عليك بما يسقط من الحيوان (٥) فكله ففعل فبرأ

__________________

واستفاف مثقال ونصف منه غير مسحوق اثنتي عشر ليلة يبرئ من عرق النساء انتهى وذكر له في تاج العروس فوائد اخرى

(١) في نسخة ( ب ) « بسره » بالباء الموحدة والسين وهاء الضمير وفي دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٥٠ بالنون والشين المعجمة والتاء المؤنثة اى رقية وحرزا ويوجب الفرح والانبساط وفي طب الأئمة لابني بسطام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان في أصلها وفروعها لسرا وفي حبها الشفاء من اثنين وسبعين داء والله العالم

(٢) الصواب « الشبرم » كما في الدعائم والسرائر ففي القاموس نبات له حب كالعدس ثم ذكر خطره وخواصه

(٣) بالحاء المهملة المضمومة والباء الموحدة وعن بعض النسخ بالجيم وكلاهما نبت لكن الأول هنا أصح فإنه أورد في نهاية ابن الأثير وتاج العروس الخبر المذكور في المتن فيه وذكر لها في القاموس فوائد كثيرة وفي ترجمته انها شنبليله

(٤) في نسخة ( ب ) « يغسل بالسويق » والصواب هو الأول

(٥) الصواب « من الخوان »

٤٤٧

وقال : الريح الطيبة يشد العقل ويزيد في الباه ونهى النبي عليه‌السلام عن أكل الطفل والطين (١) والفحم وقال من أكل الطين أعان على نفسه ، ومن اكله فمات لم يصل عليه وأكل الطين يورث النفاق ، وقال (ع) : فضلنا أهل البيت على الناس كفضل دهن البنفسج على سائر الأدهان

وقال : أمير المؤمنين (ع) (٢) الخل يسكن المراء ويحيى القلوب ويقتل دود البطن ويشد الفم.

فهذه جملة مقنعة اختصرناها من جملة ما ورد عن الأئمة عليهم‌السلام (٣) في الاستشفاء بفعل الخير والبر والتعوذ والرقى فنحن نورد أيضا من جملة ما ورد عنهم في ذلك جملة مقنعة.

وقال الصادق (ع) ثلاثة يذهبن النسيان ويحددن (٤) الفكر قراءة القرآن والسواك والصيام وقال لبعض أهل بيته قد ذكر له انه عليل : ادع مكيلا (٥) فاجعل فيه برا واجعله بين يديه (٦) وأمر غلمانك إذا جاء سائل أن يدخلوه اليه فتناوله منه بيده ويأمر أن يدعوا

__________________

(١) كذا في نسخة الأصل بعطف الطين على الطفل وفي نسخة ( ب ) ونسخة اخرى بدون ذكر العطف فالمراد منع الأطفال عن أكلهما لكن الظاهر كون الأول انسب بظاهر النهى وبما بعده فيمكن كون المراد بالطفل ما يشبه الطين ففي القاموس الطفال الطين اليابس وفيه أيضا طفل النبت اصابه التراب وفي تاج العروس في مستدركاته الطفل بالفتح الطين الأصفر المعروف بمصر تصبغ به الثياب

(٢) في بعض النسخ : من أكل الرمان بشحمه دبغ معدته والسفرجل يذكى قلب الضعيف ويشجع الجبان وروى من سيدنا أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام انه قال :

(٣) اى في باب الطب فقوله : في الاستشفاء استئناف لما يذكره في التالي

(٤) عن بعض النسخ « يجددن » بالجيم وفي الدعائم « يحدثن الذكر »

(٥) الصواب « مكتلا » بالتاء المثناة من فوق وهو الزنبيل الكبير

(٦) الظاهر « بين يديك » وهكذا في بعض الضمائر التالية ويحتمل انه قال عليه‌السلام

٤٤٨

له ، قال افلا اعطى الدنانير والدراهم قال : اصنع ما أمرتك به وكذلك رويناه ففعل فرزق العافية.

وقال ارغبوا في الصدقة وبكروا فيها فما من مؤمن تصدق بصدقة حين يصبح يريد بها ما عند الله الا دفع الله بها عنه شر ما ينزل من السماء ذلك اليوم ثم قال لا تستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم فإنه يستجاب لهم فيكم ولايستجاب لهم في أنفسهم

وروى عنه(ع) ان رجلا من أصحابه شكى اليه وضحا اصابه بين عينيه وقال : بلغ منى يا بن رسول الله مبلغا شديدا فقال : عليك بالدعاء وأنت ساجد ففعل فبرأ منه

وقال : إذا أصابك سقم ( هم ـ خ ل ) فامسح يدك على موضع سجودك (١) ثم أمر يدك على وجهك من جانب خدك الأيسر وعلى جبينك الى جانب خدك الأيمن ثم قل بسم الله الذي لا إله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم أذهب عني الهم والحزن ثلاثا (٢)

وقال : على (ع) شكوت الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تفلت القرآن منى فقال يا على سأعلمك كلمات تثبت القرآن في قلبك قل : اللهم ارحمني بترك معاصيك وارزقني حسن الظن (٣) فيما يرضيك عنى والزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني وان أتلوه على النحو الذي يرضيك عنى اللهم نور بكتابك بصري واشرح به صدري واستعمل به بدني واعنى عليه انه لا يعين إلا أنت فدعوت بهن فثبت الله القرآن في صدري.

__________________

ذلك لمن يفعل ذلك بالمريض

(١) أي من الجبهة

(٢) رواه الكليني في الكافي كما في الوسائل الباب ٢٨ من التعقيب وفيه إذا صليت المغرب فأمر يدك على جبهتك وقل إلخ وعن بعض نسخ الكافي اضافة الغم بين الهم والحزن وقوله ثلاثا يمكن ان يكون قيدا للجملة الأخيرة وان يكون للمجموع

(٣) الظاهر كما في الكافي « حسن النظر أو المنظر » وقد رواه في باب الدعاء في حفظ القرآن من كتاب الدعاء من الأصول بإسناده ان أمير المؤمنين (ع) قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلمك دعاء لا تنسى القرآن اللهم ارحمني إلخ وفيه زيادات

٤٤٩

وقال أمير المؤمنين (ع) ضمنت لمن سمى الله على طعامه ان لا يشتكي منه قال ابن الكواء قد أكلت البارحة طعاما وسميت عليه ثم أصبحت وقد آذاني فقال له لعلك أكلت ألوانا فسميت على بعضها ولم تسم على بعض؟ فقال قد كان ذلك قال فمن ذلك أتيت يا لكع (١)

وقال الصادق (ع) في المستحاضة تغتسل عند كل صلاة احتسابا فإنه لم تفعله امرأة إلا عوفيت من ذلك.

وقال من قال كل يوم ثلاثين مرة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين تبارك الله أحسن الخالقين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم دفع الله عنه سبعة وسبعين نوعا من البلاء أهونها الجذام (٢)

وقال على (ع) مرضت فعادني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانا لا انقلب (٣) على فراشي فقال (ع) يا على : أشد الناس بلاء النبيون ثم الأوصياء ثم الذين يلونهم أبشر فإنها حظك من عذاب الله مع ما لك من الثواب ثم قال : أتحب ان يكشف الله ما بك قلت بلى يا رسول الله قال قل اللهم ارحم جلدي الرقيق وعظمي الدقيق واعوذ بك من فورة الحريق يا أم ملدم (٤) ان كنت آمنت بالله فلا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم ولا تفوري من الفم

__________________

(١) في نهاية ابن الأثير : اللكع عبد العرب : العبد ثم استعمل في الحمق والذم

(٢) ورد في عدة أخبار في تعقيب الصلاة ان من قال بعد صلاتي الفجر والمغرب سبحان الله العظيم وبحمده لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم سبع مرات قبل ان يتكلم دفع الله عنه سبعين نوعا من البلاء كالجذام والبرص

(٣) الظاهر ان « لا » زائدة والصواب « أتقلب » وفي دعائم الإسلام والسرائر « وانا لا أتقار على فراشي » من القرار وقد روى هذا التعويذ في البحار باب عوذة الحمى من كتاب الذكر والدعاء عن دعوات الراوندي عن سلمة بن أبي سلمة قال مرض أمير المؤمنين (ع) فعاده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال ان أشد الناس بلاءا النبيون إلخ

(٤) كنية الحمى وقد ورد ذكرها في عدة أخبار في عوذة الحمى كما في البحار في الباب المذكور

٤٥٠

وانتقلي الى من يزعم ان مع الله إلها آخر فانا اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله قال ففعلتها فعوفيت من ساعتي قال جعفر بن محمد عليهما‌السلام ما فزعت اليه قط الا وجدته وكنا نعلمه النساء والصبيان (١)

وقال الصادق (ع) : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجلس الحسن على فخذه اليمنى والحسين على فخذه اليسرى ثم يقول أعيذ كما بكلمات الله التامات ( كلها ـ خ ) من شر كل شيطان وهامة ومن عين لامة ثم يقول هكذا كان إبراهيم (ع) يعوذ ابنيه إسماعيل وإسحاق وعنه (ع) إذا أردت أن تعوذ فضم كفيك واقرء فيهما فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ثلاث مرات ثم اجعلهما على المكان الذي تجد (٢) ثم ضمهما واقرأ فاتحة الكتاب وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات ثم ضعهما على المكان (٣)

وقال الصادق (ع) : إذا أردت ان ترقى الجراح (٤) فضع يدك عليه وقل بسم الله أرقيك والله يشفيك بسم الله الأكبر من الحديد والحجر والباب الاسم (٥) والغرق (٦) فلا يفتر والعين فلا يسهر تردده ثلاث مرات

__________________

(١) اى فضلا عن الرجال كما روى في طب الأئمة عليهم‌السلام انه كان يعلم رجلا من أوليائه نحو ذلك

(٢) من الوجد بمعنى الوجع

(٣) زاد عليه في هامش نسخة ( ب ) « الذي تجد ثم ضمهما واقرأ فاتحة الكتاب وقل أعوذ برب الفلق ثلث مرات ثم ضعهما على الموضع » وكذا في الدعائم لكن بتقديم الفلق على الناس

(٤) اى من الدم أو الألم أو نحوهما مما يخاف منه

(٥) في الدعائم « والناب الأسمر »

(٦) لعل الصواب : بالعين المهملة كما في الدعائم وفيه أيضا « فلا ينعر » وعن نسخة منها « تفطر » وعلى كل فالظاهر ان المراد تعويذ الجراح من اصابة الحديدة لبرئها أو الحجر أو من قطع العرق أو فتوره أو سهر العين من وجعه والله العالم وقد روى نحوه في البحار في باب الدعاء لعموم الأوجاع من كتاب الدعاء

٤٥١

وقال على (ع) من ساء خلقه فأذنوا في اذنه وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه نهى عن السحر والنمائم فلا يجوز استعمال شي‌ء من ذلك على حال (١)

__________________

(١) الأخبار المذكورة هنا في كتاب الطب والاستشفاء لما كانت كثيرة ولم تكن لها صلة بمسائل الفقه أهملت عن المراجعة لها الى مواضعها من كتب الاخبار الا بعض ما كان مشتبها وقد أوردها في دعائم الإسلام ج ٢ كتاب الطب وسرائر ابن إدريس بعد كتاب الأطعمة والأشربة ومن أراد التوسع في ذلك فليرجع البحار كتابي السماء والعالم والدعاء والوسائل بابى الأطعمة المباحة والأشربة المباحة وأبواب الذكر والدعاء وكتاب طب الأئمة عليهم‌السلام لابني بسطام وفي بعض ما في المتن بلفظة « قال » أو « عنه » كتب عليه في نسخة ( ب ) « وروى عن » عن نسخة اخرى وهذا أيضا أهملت عن نقله الا قليلا

٤٥٢

كتاب الدية والقصاص

وما يتعلق بذلك ويلحق به

« باب تحريم القتل وسفك الدماء بغير حق »

قال الله تعالى « وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالْحَقِّ ، وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً » (١)

وقال تعالى « وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ » (٢)

وقال سبحانه « وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالْحَقِّ » (٣)

وقال « وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ، وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً » (٤)

وقال « لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ، إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ، إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً » (٥)

وعن ( وروى عن سيدنا ابى عبد الله جعفر بن محمد ـ خ ل ) الصادق عن آبائه عليهم‌السلام

__________________

(١) الاسراء ـ ٣٣

(٢) الاسراء ـ ٣١

(٣) الفرقان ـ ٦٨

(٤) النساء ٩٣

(٥) النساء ٢٩ و ٣٠

٤٥٣

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : ان في جهنم وأديا يقال له : سعير إذا فتح ذلك الوادي ضجت النيران منه ، أعده الله تعالى للقاتلين (١)

وقال : ( وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال خ ل ) اعيى (٢) الناس على الله من قتل غير قاتله ، أو ضرب غير ضاربه ، أو تولى غير مواليه ، أو ادعى الى غير أبيه

وروى عنه انه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، خطب الناس يوم النحر بمنى فقال : ايها الناس لا ترجعوا بعدي كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض ، وانما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فاذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلى يوم يلقون ربهم ، فيحاسبهم.

الا ، هل بلغت؟

قالوا : نعم.

فقال : اللهم اشهد (٣)

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١ من القصاص وفيه « للقتالين »

(٢) الصواب « أعتى » من العتو بمعنى الطغيان والتجبر وقد ورد الخبر كذلك بعدة أسانيد عن الأئمة عليهم‌السلام وفي أكثرها انه وجد ذلك مكتوبا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قائم سيفه والمذكور فيها هو الأولان وزاد في بعضها ، ومن والى غير مواليه فقد كفر بما انزل الله وفي ثالث مكان ذلك ومن ادعى لغير أبيه فهو كافر بما انزل الله ولم أجد ما ورد فيه الأربعة المذكورة كما في المتن إلا في الدعائم ج ٢ كتاب الديات

(٣) رواه في تاريخ اليعقوبي ومغازي الواقدي في باب حجة الوداع في ضمن خطبة يوم النحر بتقديم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما أمرت إلخ على الجملة الاولى ونحوه في تفسير على بن إبراهيم عند قوله تعالى في سورة المائدة « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ » وروى الجملة الأولى بدون الثانية في تحف العقول في خطبته صلى‌الله‌عليه‌وآله وصحيح البخاري باب حجة الوداع ومسلم الباب ٢٩ من الايمان كما روى الجملة الثانية على حدة كثيرا في كتب الخاصة والعامة كما في البحار الباب ٢٤ من كتاب الايمان وصحيح مسلم الباب ٨ منه وفي بعضها إضافة شهادة انى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي بعضها انه قال ذلك لعلى (ع) في فتح خيبر أيضا

٤٥٤

وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه اتى بقتيل وجد بين دور الأنصار ، فقال : هل يعرف؟

قالوا : نعم يا رسول الله! قال : لو ان الأمة اجتمعت على قتل مؤمن أكبرها الله في نار جهنم (١).

وروى عن أمير المؤمنين على بن ابى طالب (ع) انه قال : من الكبائر ، قتل المؤمن عمدا ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا بعد البينة ، وأكل مال اليتيم ظلما والتعرب بعد الهجرة ، ورمى المحصنات الغافلات المؤمنات (٢)

وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه مر بقتيل ، فقال من هذا (٣) فلم يذكر له أحد ، فغضب ثم قال : والله الذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السماء والأرض لأكبهم الله في النار

وروى عن النبي (ص) انه قال : دماؤكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا وفي بلدكم هذا (٤)

__________________

(١) دعائم الإسلام ج ٢ كتاب الديات والظاهر انه الخبر التالي بلفظ آخر

(٢) بهذا المعنى أخبار كثيرة في الوسائل الباب ٤٦ من أبواب جهاد النفس كتاب الجهاد

(٣) في نسخة ( ب ) من لهذا اى من قتله كما فيما رواه في الوسائل الباب ٢ من القصاص بمضمونه مفصلا فلا منافاة بينه وبين ما مر

(٤) ورواه في الكافي كما في الوسائل الباب ١ من القصاص بإسنادين عن الامام الصادق (ع) عنه (ص) في خطبته بمنى في حجة الوداع ونحوه في البخاري باب حجة الوداع من المغازي وصحيح مسلم باب حجته (ص) من كتاب الحج وغيرهما من كتاب الخاصة والعامة حيث رووه بأسانيد وفي بعضها زيادة « وأعراضكم » كما في خصال الصدوق عليه الرحمة في أبواب الاثني عشر وصحيح مسلم في الباب ٩ من كتاب القسامة وزاد في رواية الكافي باسناديه الا من كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه فإنه لا يحل دم امرء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه.

٤٥٥

« باب أقسام القتل »

« وتفصيل ما فيه من الدية وأحكام ذلك »

القتل على ثلاثة أضرب : عمد محض ، وخطأ محض ، وخطأ شبيه العمد.

فاما العمد المحض : فان يكون القاتل عامدا في قتل المقتول ، بآلة تقتل غالبا مثل السكين والسيف ، والحجر الثقيل ، واللت (١) ، وما أشبه ذلك ، عامدا في قصده وهو ان يقصد بذلك قتله. فاذا كان عامدا في قصده ، عامدا في فعله ، كان القتل عمدا محضا.

واما الخطاء المحض ، فهو القتل الذي لا يشبه شيئا من العمد بان يكون مخطئا في فعله ، مخطئا في قصده ، مثل ان يرمى طائرا فيصيب إنسانا ، فقد أخطأ في الأمرين جميعا.

واما ما يشبه العمد ، وهو عمد الخطاء ، فهو ان يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده ، فاما عمدة في فعله فهو ان يعمد إلى ضربه بآلة لا تقتل غالبا ، مثل عصا الخفيفة ، والسوط ، وما أشبه ذلك ، واما الخطاء فإنه يكون قصده تأديبه وتعليمه وزجره فيموت بذلك. فهو عامد في فعله ، مخطى‌ء في قصده.

فاما القتل العمد ، ففيه القود ، أو الدية ، وقبول الدية اولى عن الهاشمي (٢)

__________________

(١) باللام المفتوحة والتاء المثناة : القدوم والفاس العظيمة وهي فارسية ( أقرب الموارد )

(٢) كذا في الأصل وهامش نسخة ( ب ) تصحيحا وظاهره اختصاص أولوية قبول الدية بما إذا كان القاتل هاشميا وظاهر قوله تعالى « فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‌ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ » ، عدم الاختصاص للتعبير فيه بالعفو المرغوب اليه وبالأخ الظاهر في ان عفوه لأجل اقتضاء الاخوة ولعل مراد المصنف انه في الهاشمي آكد لتأكد احترامهم وفضل صلتهم والإحسان إلى مسيئهم بقرابتهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى كل لم أر لذلك تعرضا فيما راجعته عاجلا من بعض كتب الأصحاب كما ان بعض نسخ المتن خال عن ذكر الهاشمي.

٤٥٦

« واما الدية فينقسم بانقسام القتل »

فدية العمد المحض : إذا كان القاتل من أصحاب الذهب ، الف دينار جياد. وان كان من أصحاب الفضة ، فعشرة آلاف درهم جياد. وان كان من أصحاب الإبل فمائة مسنة. قيمة كل واحدة منها عشرة دنانير. أو ماتا مسنة من البقر ، ان كان من أصحاب البقر. قيمة كل واحدة منها خمسة دنانير. أو ألف شاة ، ان كان من أصحاب الغنم. قيمة كل واحد منها دينار واحد. أو مأتا حلة ، ان كان من أصحاب البز (١) قيمة كل حلة خمسة دنانير.

فهذه دية الحر المسلم ، صغيرا كان أو كبيرا ، ودية المرأة الحرة المسلمة ، النصف من ذلك ، صغيرة كانت أو كبيرة. فأما غير من ذكرناه من العبد ، والذمي وغيرهما فسيأتي ذكرها ان شاء الله تعالى.

ودية العمد تجب في مال القاتل ، دون غيره من جميع الناس ، فان لم يكن له مال ، لم يكن لأولياء الدم الا نفسه ، فاما ان يقيدوا بصاحبهم ، واما ان يعفوا عنه ، أو ينظروه حتى يوسع الله تعالى عليه فان تبرع إنسان عنه بالدية ، كان جائزا.

وان هرب القاتل ولم يقدر عليه حتى مات ، وكان له مال. أخذت الدية من ماله ، فان لم يكن له مال ، أخذت من الأقرب فالأقرب من أوليائه المستحقين لميراث ديته ، ولا يجوز ان يؤخذ هؤلاء بالدية مع وجود القاتل.

وقاتل العمد تجب عليه التوبة ، وليس يصح منه الا بعد ان يسلم نفسه إلى أولياء المقتول ، ويعترف بالقتل فان شاءوا بعد ذلك أقادوه بصاحبهم ، وان شاءوا عفوا عنه ، وقبلوا منه الدية ، أو صالحوه على ما يرضون. فان لم يقيدوه بصاحبهم كان عليه بعد التوبة ، الكفارة وهي. عتق رقبة ، وصوم شهرين متتابعين ، وإطعام ستين مسكينا على الجمع.

واما دية قتل الخطاء فواجبة على عاقلة القاتل ، الذين يرثون ديته ، ولا يجب

__________________

(١) بالباء الموحدة وتشديد الزاء المعجمة : الثياب (القاموس)

٤٥٧

على من لا يرثها شي‌ء. وذكر بعض أصحابنا (١) ان لهذه العاقلة الرجوع بها على مال القاتل ان كان له مال ، فان لم يكن له مال لم يكن لهم عليه شي‌ء ، وان كان للقاتل مال ولم يكن للعاقلة مال كانت الدية في مال القاتل فاذا لم يكن للقاتل خطئا مال ، ولا عاقلة ، ولا ضامن جريرة من مولى نعمة ، أو مولى تضمن جريرة ، كانت الدية على بيت المال.

ولا يجب على العاقلة من دية الخطاء الا ما قامت البينة به ، فاما ما يقر القاتل به أو يصالح عليه ، فليس عليهم منه شي‌ء.

واما الدية في قتل الخطاء ، فهي ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم ، أو مأة من الإبل. عشرون منها بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون ذكر ، وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة. وروى (٢) ان فيها خمسة وعشرين بنت مخاض ، وخمسا وعشرين بنت لبون ، وخمسا وعشرين حقة ، وخمسا وعشرين جذعة ، أو مأتان من البقر ، ألف شاة ، أو مأتا حلة ، كما سلف ذكره في قتل العمد.

ودية العمد تستأدى في سنة واحدة ، ودية الخطاء ، تستأدى في ثلاث سنين.

ودية قتل الخطاء شبيه العمد تجب على القاتل في ماله ، فان لم يكن له مال استسعى فيها ، أو يبقى في ذمته حتى يوسع الله عليه ، فان هرب القاتل أو مات وكان له من الأولياء من يرث ديته ، أخذت منه ، فان لم يكن منهم أحد حيا ، كانت واجبة في بيت مال المسلمين.

والدية في ذلك مغلظة (٣) ، ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم ، أو مأة من

__________________

(١) المفيد في المقنعة : قال وترجع العاقلة على القاتل فان كان له مال أخذت منه ما أدت عنه وان لم يكن له مال فلا شي‌ء لها عليه.

(٢) الوسائل الباب ١ و ٢ من ديات النفس

(٣) اى من حيث أسنان الإبل وأوصافها فإنها أعلى مما مر في الخطاء المحض ومن حيث الأداء فإنه في سنة واحدة كالعمد

٤٥٨

الإبل : ثلاث وثلاثون بنت لبون ، وثلاث وثلاثون حقة ، واربع وثلاثون خلفة (١) كلها يتمخض من أولادها ، أو مائتان من البقر « أثلاثا أيضا » أو ألف شاة مثل ذلك ، أو مأتا حلة. وقد ذكر بعض أصحابنا (٢) ان هذه الدية تستأدى في سنتين.

ويجب على قاتل الخطاء محضا كان أو شبيه العمد ، الكفارة وهي : عتق رقبة مؤمنة ، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين. فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا فان لم يقدر على ذلك أيضا يتصدق بما يتمكن منه ، أو صيام ( صام ـ خ ل ) ما يقدر على صيامه.

وإذا قتل الابن أباه عمدا ، قتل به ، وان قتله خطأ كانت الدية على عاقلته ، وليس له (٣) منها شي‌ء.

وإذا قتل الأب ابنه عمدا ، لم يقتل به ، وكان عليه الدية في ماله ، ويكون الدية لورثته خاصة ، فان لم يكن وارث غير أبيه القاتل ، كانت الدية لبيت المال. وان كان قتله خطأ محضا ، كانت الدية على عاقلته ، يأخذها الورثة منهم ، وليس للقاتل منها شي‌ء ، فان لم يكن له وارث إلا أبوه القاتل وحده ، فإنه لا دية على العاقلة ، فيسقط هاهنا على كل حال.

واما ان كان قتله خطأ شبيه العمد ، فإن الدية تكون في ماله خاصة وتكون

__________________

(١) بفتح الخاء وكسر اللام الى الحامل كما هو المعروف من معناه وذكر في المبسوط انه قيل هي التي يتبعها ولدها وظاهر المصنف هو الأول وان قوله يتمخض من أولادها تفسير لها اى تحمل بالأولاد حيث انه يقال للإبل الحامل أو الحوامل مخاض مضافا الى وصفها بطروقة الفحل في بعض النصوص

(٢) المفيد رحمه‌الله في المقنعة

(٣) أي لا يرث الابن من هذه الدية وفي نسخة ( ب ) « وليس عليه » وكأنه خطأ.

٤٥٩

لورثته خاصة ، وليس للقاتل منها شي‌ء ، فان لم يكن له وارث إلا الأب القاتل وحده ، كانت الدية عليه لبيت المال.

وإذا قتل الإنسان عمدا ولم يكن له ولى ، كان الامام عليه‌السلام ولى دمه. ان أراد أقاد القاتل بالمقتول. وان أراد أخذ منه الدية ، فجعلها في بيت المال ، وليس له العفو عنه على حال ، لان ديته لبيت المال كما ان ديته عليه (١) فاذا قتل خطأ أو شبيه العمد ، ولم يكن له أحد ، كان للإمام عليه‌السلام أخذ ديته ، وليس له غير ذلك.

وإذا اعفى ولى الدم عن الدم ، لم يكن له المطالبة بعد ذلك به. فان قتل القاتل بعد ذلك كان ظالما ، وكذلك ان قبل الدية ثم قتله بعد ذلك عمدا كان ظالما له ووجب القود عليه.

وإذا تكافأت دماء اثنين واستوت حرمتهما ، جاز قتل أحدهما بالآخر ، فيقتل الحر بالحر ، والحرة بالحرة ، والحرة بالحر ، والحر بالحرة إذا ردوا فاضل الدية. ويقتل العبد بالعبد ، والأمة بالأمة ، والأمة بالعبد ، والعبد بالأمة (٢) ، والنصراني باليهودي ، واليهودي بالنصراني ، والمجوسي بالنصراني واليهودي ، والنصراني أو اليهودي بالمجوسي. والشرك كله ملة واحدة.

__________________

(١) يعني لو كان جنى في حياته ولم يكن له عاقلة ولا مال كان ما وجب عليه من الدية على بيت المال كما مر وقد ورد ذلك في النص تعليلا لعدم جواز العفو المذكور والظاهر ان المراد بالإمام هنا وفي سائر أبواب الحدود ونحوها المذكور في النصوص وكلمات الفقهاء ليس هو الامام المعصوم من أوصياء الرسول عليهم الصلاة والسلام بل السلطان الوالي لأمور المسلمين المسمى بالحكومة في العرف الحاضر وان كانوا متغلبين وهذا ظاهر من النصوص الواردة في بيان الوظيفة لهم في هذه الأمور كما ذكرناه في كتاب احياء الموات والا لم يكن لذكر الخلاف هنا عن ابن إدريس وغيره في أمثاله وجه

(٢) ظاهره عدم وجوب رد فاضل القيمة كما عن غيره وفيه خلاف

٤٦٠