المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

كثيرا كان سيد العبد مخيرا بين ان يضمن الزارع أجرة أرضه ، وبين ان يأخذ نصف ما أخرجته ، ولا يضمن العامل شيئا.

وإذا كفل إنسان لصاحب الأرض بحصته مما تخرج الأرض ، والبذر من عند صاحب الأرض أو من العامل ، كان ذلك باطلا ، وليس على المزارع ضمان فيما هلك من الزرع ، وكذلك هذا الضمان (١) في المساقاة.

وإذا كانت المزارعة فاسدة والبذر من العامل وضمن إنسان لصاحب الأرض حصته مما تخرج ، كان الضمان باطلا ، ولا يجوز أخذ الكفيل بالأجر لأنه لم يضمنه ،

وإذا كان الشرط بعض الخارج في المزارعة والمعاملة (٢) فاستحصد الزرع أو بعضه أو بلغ الثمر أو بعضه ، ثم باع أحدهما حصته قبل ان يقبضها كان بيعه جائزا ، فإن هلك لم يكن على واحد منهما ضمان ، وكذلك إذا لم يبلغ شي‌ء من الثمر وباعه مع مبيع آخر عنه حاضر (٣) كان جائزا.

وإذا وكل إنسان غيره بأرض له على ان يدفعها مزارعة هذه السنة ، فدفعها مزارعة بالثلث أو أقل أو أكثر من ذلك كان جائزا ، الا ان يدفعها بشي‌ء يعلم محاباته فيه مما لا يتغابن الناس بمثله ، فان كان كذلك لم يجز ، فان زرعها الزارع ذلك فخرج الزرع ، كان بين المزارع والوكيل على ما اشترطا ولا شي‌ء لصاحب

__________________

(١) اى كفل إنسان لصاحب الشجر بحصته مما تخرج ووجه بطلان الكفالة فيهما انه ليس المزارع مديونا بحصة المالك من الزرع والثمر كما أشار إليه بقوله وليس على المزارع ضمان فيما هلك من الزرع.

(٢) المراد بالمعاملة هنا وفي المسائل التالية المساقاة كما تقدم التعبير عنها آنفا بالمعاملة في الشجر والمراد بكون الشرط بعض الخارج ان تكون المزارعة والمساقاة بحصة معينة من الحاصل دون ان تكونا بنقد أو عين اخرى.

(٣) الصواب « عينه حاضرة » كما في نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح ومقتضى الحكمين كفاية ضم الحاضر في بيع غير الموجود كما في بيع الثمر سنتين بظهوره في السنة الاولى وورد نحوه في غيره.

٢١

الأرض منه الا انه يضمن المزارع نقصان الأرض ، (١) ويرجع به على الوكيل ، وان أراد صاحب الأرض ضمن الوكيل ، وان كان ترك (٢) فيه ما يتغابن الناس بمثله فالخارج بين المزارع وصاحب الأرض على ما اشترطا عليه. والوكيل هو الذي يلي قبض نصيب الموكل ، وليس لصاحب الأرض ان يقبضه الا بوكالة ، ولو كان صاحب الأرض أمر الوكيل ، بان يدفعها مزارعة ويعمل برأيه فيها ولم يسم له سنة ولا غيرها ، جاز للوكيل ان يدفعها أقل من سنة (٣) وأكثر من ذلك أو بعد هذه السنة وان لم يدفع هذه السنة ما لم يعزله عن الوكالة.

وان كان البذر من قبل صاحب الأرض فدفعها الوكيل بما لا يتغابن الناس بمثله وحابى فيها ، كان ما يخرج بين الوكيل والزارع على الشرط ، ويضمن الوكيل البذر لصاحب الأرض ، ويضمن نقصان الأرض أيهما شاء ، فان ضمن الزارع رجع به على الوكيل (٤).

وإذا دفع إنسان إلى غيره نخلا ووكله بان يدفعه معاملة هذه السنة ، ولم يسم له وقتا وهو على أول سنة ، فان دفعه بما لا يتغابن الناس فيه ، كان الخارج لصاحب النخل وللعامل أجر مثله.

وإذا وكله على ان يأخذ له نخلا معينا معاملة فأخذه بما يتغابن الناس بمثله ، كان جائزا على الشرط ، وصاحب المعاملة هو الذي يقبض نصيبه ، وان أخذ بما لا يتغابن

__________________

(١) الظاهر انه ليس المراد بنقصان الأرض هنا تعيبها إذ ليس هذا ملازما للزرع ولا غالبا فيه بل نقصها من جهة الانتفاع بها وهو ملازم لاجرة المثل غالبا والا لزم نفى الأجرة لها بدون تعيبها.

(٢) كذا في النسخ والمراد انه دفعها بشي‌ء يتغابن الناس بمثله اى يتسامحون فيه.

(٣) في نسخة ( م ) والمختلف « أول سنة ».

(٤) نقل العلامة في المختلف عن المصنف هذه المسئلة بطولها وأورد عليه بوجوه من الاشكال فراجعه.

٢٢

الناس فيه لم يلزم الوكيل (١) الا ان يريد ، فان عمله وقد علم بنصيبه ولم يعلم ، كان له ما شرطه.

وإذا أمره بأن يأخذ له نخلا معاملة أو أرضا مزارعة ، أو ان يأخذ له أرضا وبذرا مزارعة (٢) الى إنسان غير معينة كان جائزا.

وإذا وكل غيره بان يدفع نخله هذا معاملة بالثلث ، فدفعه على ان الثلثين للعامل لم يلزم ذلك صاحب النخل ، فان وكله بأن يأخذ نخل زيد هذه السنة معاملة بالثلث وأخذه على ان للعامل الثلث (٣) كان جائزا عليه.

وإذا وكل إنسان غيره بان يأخذ له أرضا مزارعة بالنصف أو الثلث ، فأخذها بكر حنطة أو بدراهم أو بشي‌ء من العروض لم يجز ذلك ، وكذلك لو أمره بأن يأخذ له هذا النخل معاملة على الثلث فأخذه بشي‌ء مما تقدم ذكره لم يجز الا ان يريد العامل.

وإذا تزوج الرجل المرية بزراعة أرضه هذه السنة على ان تزرعها ببذرها

__________________

(١) الصواب : الموكل كما في المختلف عن المصنف ونسخة ( م ) وقوله الا ان يريد يعنى يرضى به ويجيز فعل الوكيل وقوله فان عمله بعد ما رضيه ويستفاد من ذلك ضمنا ان المعتبر علم الوكيل بالحصة الخاصة دون الموكل.

(٢) زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح « ولم يعين شيئا من ذلك كان باطلا فإن أمره بأن يدفع أرضه مزارعة وان يدفع نخله معاملة » وفي متنها بعد ذلك « الى إنسان غير معين كان جائزا » فالمراد انه ان كان مورد الوكالة من الأرض والشجر مجهولا كان باطلا وان كان ذلك معلوما لكن الإنسان الذي يدفع اليه مجهول كان جائزا واما على ما في المتن فان صح يحتمل ان يكون الصواب : إلى أسنان اى سنوات معينة.

(٣) الصواب : الثلثين كالأول فالمراد انه ان خالف الموكل فان كان بضرره لم يجز وإن كان بمنفعته جاز كما في غير المقام.

٢٣

وعملها فما أخرجت ، كان بينهما نصفين ، كان النكاح جائزا والمزارعة فاسدة ، (١) وكان صداقها مثل نصف أجر الأرض ، فإن طلقها قبل الدخول بها كان لها ربع أجر الأرض.

فإن زرعت المرأة الأرض ، وأخرجت زرعا أو لم تخرج ، ولم يطلقها كان الخارج للمرأة ، وعليها نصف أجر مثل الأرض ، ولم يكن لها صداق على الزوج (٢) والمرية في الخلع بمنزلة الزرع (٣) في النكاح ، وكذلك الحكم في المساقاة.

وإذا دفع إنسان إلى غيره نخلا معاملة على ان يلقحه ، فما خرج كان بينهما نصفين ، ولم يشترط صاحب النخل على العامل من العمل والحفظ ، شيئا غير ذلك نظر فان كان النخل يحتاج إلى السقي والحفظ ، كانت المعاملة فاسدة ، فإن لقحه العامل كان له أجر مثله ، وقيمة ما لقحه به.

وان كان لا يحتاج الى حفظ ولا سقى ولا عمل غير التلقيح ، كانت المعاملة جائزة فإن كان إذا سقي ، كان أجود لثمره الا ان تركه ، ليس بمضرة كانت المعاملة أيضا جائزة ، وان كان ترك السقي يضره ، وينقصه ويفسده بعضه ولا يفسد جميعه فالمعاملة فاسدة ، ولو كان ترك اشتراط التلقيح عليه ، واشترط ما عداه ، لما جاز لان تركه مضرة ،

__________________

(١) لعدم جواز جعلها مهرا لجهالتها حصولا وقدرا فاذا فسد ذلك ، فسدت المزارعة أيضا لأن المفروض ان الزوج زارعها بعنوان المهر واما صحة النكاح فلان فساد المهر لا يقتضي فساده فينتقل المهر الى مثل الفاسد وهو هنا نصف أجرة الأرض وذكر في المختلف انه ينتقل الى مهر مثلها وهذا أصح فحينئذ إن طلقها قبل الدخول كان لها المتعة لا نصف المسمى لأنه صار كغير المسمى لها.

(٢) لأنه على مبني المصنف كان عليها نصف آخر من اجرة الأرض وهو مطابق لحقها عليه من الصداق.

(٣) الصواب « بمنزلة الزوج » كما في نسخة ( م ) وهامش نسخة ( ب ) بعلامة البدل وكذا في المختلف عن المصنف فالمراد انه إذا طلبت المرأة الخلع بزراعة أرضها كان الحكم كما ذكر بالنسبة إلى حق الزوج.

٢٤

فقد بقي بعض العمل على صاحب النخل ، وهكذا كل عمل لا يصلح النخل الا به ولم يشترطه على العامل ، (١) وان كان النخل غير محتاج الى التلقيح ويعقد بغير تلقيح ، الا ان التلقيح أجود له ، فالمعاملة جائزة.

فإن دفع اليه النخل ملقحا ، (٢) واشترط التلقيح على صاحب النخل لم يجز ، الا ان يشترط ان يلقحه في هذا الشهر على ان العامل يقوم عليه ويحفظه من أول الشهر الداخل فيكون جائزا.

وإذا مات صاحب الأرض أو المزارع أو ماتا جميعا ، واختلف ورثتهما أو اختلفا في حياتهما في شرط الأنصباء ، كان القول : قول صاحب البذر أو ورثته مع ايمانهم ، والبينة بينة الأخر ، وان اختلفوا في صاحب البذر كان القول قول المزارع وورثته لأنه في يديه ، والبينة بينة صاحب الأرض.

وإذا رهن إنسان عند غيره أرضا ونخلا بدين له عليه ، فلما قبضه المرتهن

__________________

(١) قال المصنف في جواهر الفقه : ان المساقاة موضوعة على ان المال من صاحب المال ومن العامل العمل فاذا شرط العامل على صاحب المال العمل معه كان باطلا ونحوه في مبسوط الشيخ فالظاهر ان ما ذكره في هذه المسائل مبني على ذلك خلافا للمتأخرين من جواز ان يشترط بعض الأعمال دون جميعها على المالك كالمزارعة.

قلت : على مبني المصنف لا يبعد الصحة بدون الاشتراط لأنها من قبيل ما وجب على العامل بأصل الشرع اللهم الا ان يقول بان جهلهما بذلك مؤد إلى الغرر واما على مبني المتأخرين فإن كان لبعض الأعمال انصراف إلى أحدهما كالسقي والحفظ للعامل فهو والا ففيه وجوه.

(٢) هنا سقط وهو كما في نسخة ( م ) وهامش نسخة ( ب ) « واشترط عليه السقي والحفظ كان جائزا فإن دفعه اليه غير ملقح » ثم انه بناءا على ما تقدم من عدم جواز الاشتراط على المالك فالوجه للاستثناء التالي ان مضمون العقد يكون من أول الشهر الداخل نحو ما تقدم في الإجارة من جواز الفصل بين العقد وتملك المنفعة.

٢٥

قال له الراهن اسقه واحفظه والقحه ، فمهما خرج فهو بيننا نصفان ففعل ذلك ، كان الخارج لصاحب النخل والمعاملة فاسدة ، (١) وكان للمرتهن أجر مثله في التلقيح والسقي ، دون الحفظ لان ذلك يلزمه في حق كونه رهنا ، وهكذا القول لو كان الرهن أرضا مزروعة قد صار الزرع فيها بقلا ، ولو كان الرهن أرضا بيضاء فزارعه الراهن عليها بالنصف والبذر من المرتهن كان جائزا ، ويكون ما يخرج على ما اشترطاه ، ويخرج من الرهن ولم يكن للراهن إعارتها رهنا.

فان مات الراهن وعليه دين ، لم يكن هذا المرتهن أحق بها من باقي الغرماء (٢) قبل انقضاء المزارعة وبعدها.

__________________

(١) قال في المختلف : الحق صحة هذه المعاملة كما لو عامل غيره بإذن المرتهن.

(٢) هنا سقط وهو كما في المختلف عن المصنف وهامش نسخة ( ب ) « فان كان البذر من الراهن كانت المزارعة جائزة وللمرتهن ان يعيدها في الرهن بعد فراغها من الزرع لأنه كان إعارة الأرض فان مات الراهن كان المرتهن أحق بها من باقي الغرماء » فقوله قبل انقضاء المزارعة وبعدها متعلق بهذا وقال العلامة في المختلف الحق انه لا فرق بين ان يكون البذر من الراهن أو المرتهن في عدم الخروج من الرهن وفي اختصاص المرتهن بها لو مات الراهن.

٢٦

باب احياء الموات والتفريع القطائع والشرب

روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال من أحاط حائطا على أرض فهي له (١) وقال عليه‌السلام موتان (٢) الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم منى (٣) وقال من سبق الى ما لم يسبقه اليه مسلم فهو أحق به (٤) فاذا صح ذلك فالبلاد ضربان أحدهما بلاد الإسلام

__________________

(١) رواه ابن حنبل في مسنده ج ٣ من أحاديث جابر بن عبد الله الأنصاري وج ٥ من أحاديث سمرة بن جندب ورواه أبو داود في سننه باب احياء الموات من كتاب الخراج بالإسناد إلى سمرة.

(٢) في هامش النسخة هنا الموتان الأرض التي لم يحيى بعد للزرع والإصلاح وكذلك الموات.

(٣) رواه السيوطي في الجامع الصغير عن سنن البيهقي عن ابن عباس لكن ذكر في ذيله مكان « ثم هي لكم منى » فمن أحيا منها شيئا فهو له نعم فيه أيضا عن البيهقي ان عادي الأرض لله ولرسوله ثم لكم من بعدي فمن أحيا شيئا من موات الأرض فله رقبتها والعادي منسوب الى عاد أي الأرض الخربة القديمة.

(٤) رواه أبو داود في سننه باب أقطاع الأرض من كتاب الخراج والامارة وهذه الاخبار أوردها الشيخ في المبسوط وشيخنا النوري في المستدرك عن كتاب العوالي مرسلا.

٢٧

والأخر بلاد الشرك فبلاد الإسلام ضربان عامر وغامر فالعامر ملك لأهله لا يجوز لأحد التصرف فيه الا بإذن صاحبه ومرافقها التي لا بد لها منها مثل الطرق والقنى ومسيل الماء هي في معنى العامر من حيث ان صاحب العامر أحق به من كل أحد ولا يجوز لأحد التصرف فيه الا باذنه وكذلك إذا حفر بئرا في موات ملكها وكان أحق بها وبحريمها الذي هو من مرافقها على حسب الحاجة فإن أراد إنسان أن يحفر بئرا تحت هذا البئر ليسوق مائها منها لم يجز ذلك له.

والغامر ضربان غامر لم يجر عليه ملك لمسلم وهو الموات الذي قصد به الأحياء (١) وغامر جرى عليه ملك مسلم فهو مثل قرى أهل الإسلام التي خربت وتعطلت فان كان لشي‌ء منها صاحب معين أو لصاحبه عقب معين كان صاحبه المعين أو عقبه أحق به من كل أحد وان لم يكن له صاحب ولا عقب لصاحبه معين صح ان يملك بالاحياء وذلك يكون بأمر الإمام عليه‌السلام.

واما بلاد الشرك فضربان أيضا عامر وغامر فالعامر ملك لأهله وكذلك جميع ما يكون به صلاح العامر من الغامر فان صاحب العامرا حق به من غيره والغامر ضربان أحدهما لم يجر عليه ملك لأحد والأخر جرى عليه ملكه فاما ما لم يجر عليه ملك لأحد فهو للإمام واما ما جرى عليه ملك وصاحبه معين فهو له ولا يملك بالاحياء وان لم يكن له صاحب معين كان للإمام.

__________________

(١) أي قصد به كتاب احياء الموات كما في مبسوط الشيخ قال وسنبين حكمه فيما بعد واعلم ان جل مسائل هذا الباب في المتن متقاربة في العبارة والترتيب والأحكام للمبسوط بحيث كأنها مأخوذة منه فربما يظهر مراد المتن منه وذلك لان المصنف كان من أصحاب درس الشيخ وكان مشاركا له في البحث والنظر كما قال في شرح جمل العلم في مسئلة إخراج زكاة الفطرة بالقيمة ان هذا هو الذي استقر تحريرنا له مع شيخنا ابى جعفر الطوسي رحمه‌الله.

٢٨

فأما الأرضون الموات (١) فهي للإمام أيضا لا يملكها أحد إلا بالاحياء باذنه.

واحياء الأرض يكون للدار والحظيرة والزراعة فاما إحيائها للدار فهو ان يحوط عليها حائطا ويسقف عليه فاذا فعل ذلك فقد أحياها وملكها ملكا مستقرا ويجوز ان يكون هذا الحائط مبنيا بآجر أو حجر أو لبن أو طين أو خشب أو جص فاما ان أخذها للحظيرة فاحيائه لها كذلك ان يحوطها بحائط من آجر أو حجر أو طين أو لبن

__________________

(١) أي التي تقدم انه قصد بها كتاب احياء الموات واعلم ان الظاهر من الامام هنا إمام الأصل من آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كما صرح به في كلام جمع من الأصحاب وذلك للنصوص الدالة على ان الأرض الميتة من الأنفال وهي خاصة بهم عليهم‌السلام لكن ينافيه ما يأتي في المتن ونحوه في المبسوط في مسئلة الإقطاع وغيره من التعبير كثيرا عن الامام بالسلطان وظاهره المتولي لأمور المسلمين فعلا المسمى بالحكومة.

وما يأتي أيضا من الخلاف في جواز إقطاع شي‌ء للإمام إذ لا يناسب ذلك إمام الأصل فيمكن ان يكون مرادهم بالإمام هنا هو السلطان كما ورد التعبير عنه بالإمام في كلماتهم في القضاء والحدود كثيرا وكذا في الاخبار فالمراد بكون الموات له انها للمسلمين ويكون أمرها في الأحياء والإقطاع بيد السلطان كما يدل عليه انه ورد في الأرض التي أسلم أهلها طوعا ان معمورها لأهلها وغير معمورها للمسلمين ونظيره ما ورد في عدة اخبار ان ميراث من لا وارث له لبيت مال المسلمين مع كونه أيضا من الأنفال.

والمسألة مشكلة جدا فان كون الموات للإمام بكلا المعنيين مخالف لما ورد مستفيضا من طرق الخاصة والعامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ان من أحيى ميتة فهي له فان مفاده أنها كسائر المباحات الأصلية كالمياه ويؤيده ان بناء الناس من أول خلقهم كان على ذلك كما قال الله تعالى ( أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها ) وان جميع الأرض قبل الإسلام وبعده صارت محياة بدون الاذن من أحد ويأتي قريبا في تعليقنا على مسئلة التحجير ما يرتبط بالمقام والله العالم.

٢٩

أو خشب وليس من شرط الحظيرة أن يجعل لها سقف ويغلق (١) عليها باب كالدور.

فاما الإحياء للزراعة فهو ان يجمع حولها ترابا وهو الذي سمى ميرزا (٢) وان يرتب لها الماء اما بساقية يحفرها ويسوق الماء إليها فيها أو بقناة يحفرها أو بئر أو عين يستنبطها فهذه الثلاثة (٣) شرط في صحة الإحياء للزراعة.

وإذا أحيا الإنسان الأرض على ما ذكرناه وملكها فإنه يملك مرافقها التي لا يصلح الأرض الا بها.

وإذا حفر بئرا أو شق ساقية أو نهرا فإنه يملك حريمها وجملة ذلك ان ما لا بد منه في استيفاء الماء ومطرح الطين إذا نضب الماء وكريت الساقية والنهر فان ذلك يكون على حسب الحاجة إليه قليلا كان أو كثيرا وروى أصحابنا (٤) ان حد بئر

__________________

(١) كذا في النسخ بالغين المعجمة والاولى ان يكون بالمهملة كما في نسخة المبسوط اى ينصب وقوله كالدور راجع الى هذا لا التسقيف اى ان الدور أيضا ليس من شرطها تعليق الباب عليها ويحتمل ان يكون المعنى ليس الحظيرة كالدور في التسقيف والتعليق فمقتضاه ان يشترط التعليق في الدور والأول أظهر لعدم ذكره فيما تقدم وفي المسالك لا يشترط نصب الباب عندنا لان السكنى لا يتوقف عليه واعتبره بعض العامة.

(٢) بكسر الميم كما في المسالك وفي نسخة ( ب ) « يسمى حوزا » والأول أصح فإنه المذكور في كتب الأصحاب.

(٣) أي جمع التراب وترتيب الماء وسوقه ، ومقتضاه انه لا يكفى مجرد تهية الماء بساقية ونحوها من دون سوقه إليها وفي مفتاح الكرامة عن بعض انه مقتضى كلام الأصحاب خلافا لظاهر التذكرة.

(٤) الموجود في رواياتنا كما في الوافي والوسائل ان بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا وما في المتن كالمبسوط لم يصل إلينا وبئر الناضح هو الذي يستقى منها بالإبل للزروع والثمار.

٣٠

الناضح أربعون ذراعا ووردت الرواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) بما يوافق ذلك وهو انه قال حريم البئر أربعون ذراعا وروى ان حد القناة في الأرض السهلة ألف ذراع وفي الحزنة خمس مأة ذراع (٢)

وإذا حفر إنسان بئرا في موات وملكها ثم أراد غيره ان يحفر الى جانبها بئرا يسوق الماء منها بذلك لم يجز ذلك وكان له منعه من حفرها بغير خلاف وكذلك القول في العين الا ان يكون بينها وبين ما يريد غيره حفره ، الحد الذي ذكرناه متقدما

وان أراد حفر بئر في ملكه أو داره ثم أراد جاره حفر بئر لنفسه (٣) بقرب تلك البئر لم يجز منعه من ذلك وان نقص ماء البئر الأول لأن الإنسان مسلط على ملكه والفرق بين الملك والموات فيما ذكرناه : ان الموات يملك بالاحياء فمن سبق الى حفر بئر ملك حريمه وكان أحق به من غيره وليس كذلك الملك لان ملك كل واحد من المالكين مستقر ثابت وللمالك ان يفعل ما شاء في ملكه بغير اعتراض عليه.

وإذا حفر بئرا في داره وأراد جاره حفر بالوعة أو خلاء بقرب هذا البئر لم يكن له أيضا منعه (٤) من ذلك وان ادى الى تغيير ماء البئر أو كان صاحب البئر يستقذر

__________________

(١) كما في مسند ابن حنبل ج ٢ عن أبي هريرة ونحوه في سنن الدارمي وابن ماجة ورواه أصحابنا أيضا كما في الوسائل في إحياء الموات وفي خبر آخر تخصيصه ببئر المعطن أي الذي يستقى منه لشرب الإبل والمواشي وهو الظاهر من ذيل الخبر العامي المذكور.

(٢) الوسائل كتاب احياء الموات الباب ١١.

(٣) أي في دار نفسه كما في هامش نسخة الأصل.

(٤) ذكره الشيخ أيضا في المبسوط والعلامة في التذكرة وغيرهما وانما ذكروا انه مكروه لكنه مشكل جدا لمنافاته لما ورد مؤكدا في حرمة الجار وترك الإضرار بالناس ففي كتاب على عليه‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب ان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وحرمة الجار على الجار كحرمة أمه رواه في الكافي كما في الوافي باب حسن المجاورة من كتاب الايمان والكفر.

٣١

ماء بئره لقرب البالوعة والخلاء منها لان له التصرف في ملكه كيف شاء وأراد.

وإذا أحيا أرضا ليغرس فيها بجنب ارض فيها غراس لغيره بحيث يلتف أغصان الغراسين ويلتقي عروقهما كان للأول منعه من ذلك.

وإذا اقطع السلطان إنسانا قطعة من الموات كان أحق بها من غيره وكذلك إذا تحجر من الموات أرضا والتحجر أن يؤثر فيها أثرا لم يبلغ به حد الأحياء مثل ان يحوط عليها حائطا أو ما جرى مجرى ذلك من آثار الإحياء فإنه أحق بها من غيره وأقطاع السلطان بمنزلة التحجر.

وإذا أخر الأحياء وقال له السلطان اما ان تحييها أو تخلي عنها ليحييها غيرك فان ذكر في ذلك عذرا منعه من الأحياء مثل ان الأكارين والعمال الذين معه هربوا وان آلاته التي للعمل عابت أو ما أشبه ذلك وسأل التأجيل في ذلك السلطان وان لم يكن له عذر وخيره السلطان بين الأمرين فلم يفعل شيئا أخرجها من يده فان وثب عليها غيره وأحياها قبل ان يخرجها السلطان من يده ، لم يملكها بذلك الأحياء.

وإذا تحجر إنسان أرضا وباعها لم يصح بيعها لأن رقبة الأرض لا يملك بالإحياء (١)

__________________

(١) يعنى ان رقبة الأرض لا يملك بالاحياء فكيف يملكها بالتحجر الذي هو علامة لإرادته أو انها لا يملك بالاحياء ، والتحجر مرتبة منه كما حمل ابن إدريس في زكاة السرائر عبارة المبسوط هنا على ذلك وذكر ان التحجر عند الشيخ احياء لكنه بعيد لما تقدم آنفا من ان التحجر ليس احياء وعلى كل ، مقتضاه ان لا يجوز بيع المحياة أيضا لأنه إنما ملك التصرف فيها مع أداء حق الامام فاحياء الأرض كاستيجارها كما يدل عليه خبر الكابلي وعمر بن يزيد كما في الوافي باب إحياء الأرض من كتاب المكاسب فما تقدم من ملك الأرض محمول على ملك التصرف دون الرقبة وهذا مخالف لما ورد مستفيضا من ان من أحيى ميتة فهي له وما ورد في جواز شراء الأرض مضافا الى كون عمل المسلمين على خلافه وربما يحتمل ان يكون ما في المتن سهوا من القلم وصوابه « لا يملك بالتحجر » كما صرح بذلك سائر الأصحاب كما في الشرائع والتذكرة وهذا الاحتمال بعيد من المبسوط بمناسبة ذيله فراجع.

٣٢

وانما يملك التصرف فيها بشرط ان يؤدى ما يلزمه عليها الى الامام.

وما لا يملكه أحد (١) ولا يملكه الا بما يستحدث فيه وذلك مثل الموات من الأرض وقد سلف ذكر ذلك فإنما يملك بالاحياء التصرف فيه بإذن الامام وانه أحق به من غيره بحق ويجوز للإمام ان يقطعه من غير احياء ولا تحجير لان الموات ملكه فله ان يقطعه من غير خلاف وما كان من المعادن ظاهرا مثل الماء (٢) والكبريت والملح والنفط والقير والمومياء وما جرى مجرى ذلك فإنه لا يملك بالاحياء ولا يصير الإنسان بالتحجير به أحق من غيره وليس للإمام ان يقطعه بل جميع الناس فيه سواء يأخذ كل أحد منهم حاجته ويجب عليه قيمة الخمس (٣) ولا يجوز للإمام ان يقطع مشارع الماء فيجعل المقطع أحق بها من غيره.

وإذا سبق الى بعض المعادن الظاهرة رجلان ولم يتقدم أحدهما الأخر ، أقرع الإمام أو من نصبه الامام بينهما في ذلك.

وإذا كان في الساحل موضع إذا حفر وانساق اليه الماء ظهر له ملح كان ذلك في حكم الموات لأنه لا ينتفع به الا باستحداث شي‌ء فيه فيملك بالاحياء ويصير بالتحجر عليه اولى به وللإمام ان يقطعه فاذا حصل لو أحد منهما (٤) كان أحق به من غيره.

والقطائع ضربان أحدهما يملك بالاحياء وهو الموات وقد تقدم ذكر ذلك

__________________

(١) هذا ابتداء كلام لتعيين ما يجوز فيه الأحياء والإقطاع والتحجير وما لا يجوز فيه ذلك كما هو صريح المبسوط.

(٢) لفظة « الماء » ليست في نسخة ( ب ) لكنها موجودة في الأصل ونسخة ( م ) وكذا في المبسوط وعلى كل ليس المراد به ماء البحر والأنهار لعدم كونها معدنا وعدم وجوب الخمس فيها ظاهرا بل مياه خاصة تستخرج من الأرض كالتي يتداوى بها.

(٣) كان الصواب « فيها الخمس » كما في نسخة المبسوط.

(٤) الصواب فاذا حصل واحد منها كما في المبسوط أي الأحياء والتحجر والإقطاع أو إذا حصل لواحد شي‌ء منها.

٣٣

والأخر الإرفاق (١) وهو ما يجلس الإنسان فيه إذا كان في المواضع الواسعة من رحاب الجوامع والطرقات وليس للإمام ان يقطع أحدا من ذلك وقد قيل بان له ذلك والأظهر انه ليس له ذلك لان الناس فيه شرع سواء.

واما المعادن التي ليست ظاهرة مثل الذهب والفضة والرصاص والنحاس وما جرى مجرى ذلك مما يكون في بطن الأرض والجبال ولا يظهر الا بالعمل فيها والمؤنة عليها فإنها يملك عندنا بالاحياء ويجوز للإمام إقطاعه لأنه يملكه ومن أحياه فهو أحق به وبمرافقه التي لا بد له منها على حسب الحاجة اليه ان كان يخرج ما يخرج منه بالأيدي (٢) وان كان يخرج بالأعمال فكما ذكرناه في الموات.

وإذا تحجر المعدن بالحفر وأراد غيره إحيائه قال الامام له اما ان تحييه أو تخلي بينه وبين غيرك فان طلب منه التأجيل اجله حسب ما قدمناه في إحياء الموات سواء

وإذا أحيا إنسان مواتا من الأرض وظهر فيه معدن ملكه بالاحياء وملك المعدن لان المعدن مخلوق بخلفة الأرض فهو جزء من اجزائها وهكذا إذا ابتاع دارا فوجد فيها معدنا كان للمشتري دون البائع فإن ظهر فيها كنز مدفون وكان من دفن الجاهلية ملكه بالإصابة له والظهور عليه وحكمه حكم الكنوز وان كان من دفن أهل الإسلام

__________________

(١) بالراء المهملة والفاء الموحدة الفوقانية مصدر ارفق والمراد ان هذا ليس بتمليك كالموات بل أقطاع للارتفاق بالموضع وهذا الفرع مذكور في المبسوط والتذكرة في باب فروع القطائع وذكر في الأخير خلاف بعض الشافعية فيه وكأنه المراد مما في المتن بقوله وقد قيل بان له ذلك ونحوه في المبسوط وذكر في كتاب الأم للشافعي بعد ذكر بعض القطائع : انه يكون شي‌ء يقطعه المرء فيكون له الانتفاع به ومنعه من غيره الى ان قال وذلك انه أقطاع إرفاق لا تمليك وذلك مثل المقاعد بالأسواق.

(٢) يعنى ان مقدار الحاجة يختلف فيما يخرج بالأيدي وما يخرج بالأعمال فربما يكون في الثاني أكثر وقد تقدم في حفر البئر في الموات ان المدار على قدر الحاجة قليلا كان أو كثيرا.

٣٤

فهو لقطة وان كان ذلك في أرض ابتاعها لم يدخل الكنز في المبيع لأنه مودع فيه.

وإذا كان الموات فيما غنم من بلاد الشرك قد عمل جاهلي في معدن فيه لم يكن غنيمة ولا يملكه الغانمون بل يكون على الإباحة لأنه لا يدرى هل من أظهره قصد التملك أم لا (١) فلا يدرى انه كان ملكه فيغنم فالأصل انه على الإباحة كما ذكرناه.

وبلاد الإسلام ضربان أحدهما أسلم أهلها عليها والأخر افتتحت فأما التي أسلم أهلها عليها فمثل مدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فان العامر لأهله بغير خلاف في ذلك واما الموات فجار مجرى الموات الذي قدمنا ذكره.

واما الذي افتتح فإنه ان كان افتتح عنوة وكان عامرا كان غنيمة وقد تقدم ذكر من يستحق ذلك عندنا وهو جميع المسلمين (٢) فاما الموات فما لم يقاتلوا عنه فان حكمه حكم موات دار الإسلام واما ما قاتلوا عنه من الموات فهو للإمام (٣)

واما إذا فتح صلحا على ان يكون الدار لهم بشي‌ء يبذلونه صح ذلك ويكون الدار لهم والعامر ملكهم والموات على ما كان عليه (٤) ومن أحيى شيئا منه بإذن الامام كان أحق به من غيره وان أحيا المسلم شيئا منه بإذن الامام كان أحق به أيضا (٥) فإن كان الصلح على ان يكون الدار لنا صح ذلك وكان الحكم في ذلك

__________________

(١) فيه أولا ان ظاهر الحال في مثله قصد التملك وثانيا اشتراط قصد التملك في حصول الملك هنا غير معلوم وثالثا ان الظاهر تعلق الغنم للمقاتلين بجميع الأموال الموجودة في بلاد الشرك سواء كان ملكا لأحد فعلا أم لا.

(٢) وعند العامة للمقاتلة.

(٣) أي له امضا كالذي لم يقاتلوا عنه وانما ذكره على حدة تعريضا للعامة حيث جعلوه غنيمة للمقاتلة أو تحجيرا لهم كما في المبسوط.

(٤) اى قبل الفتح وقد تقدم في أول الباب انه للإمام.

(٥) ذكره بالخصوص تعريضا لبعض العامة حيث قالوا إذا أحياه المسلم لا يملك بخلاف دار الحرب للفرق الذي حكاه في المبسوط عنهم.

٣٥

حكم دار الإسلام لأن ذلك صار للمسلمين بالمصالحة فحكم عامرة ومواته حكم عامر بلاد الإسلام ومواتها على ما تقدم ذكره وما يصلح (١) بالمصالحة فهو في‌ء وحكمه حكم الفي‌ء في أربعة أخماسه وخمسه وقد سلف ذكر ذلك أيضا ومن يستحق الخمس (٢) فان حصل الصلح على عامرها ومواتها كان العامر للمسلمين والموات للإمام على ما سلف بيانه.

وإذا ملك إنسان معدنا في أرض أحياها أو ابتاعها فظهر فيها ثم عمل فيها رجل فاخرج منه قطعا فان كان بغير اذنه كان متعديا في عمله ولم يكن له اجرة ويكون ما أخرجه لصاحب المعدن وان كان باذنه وكان قد شرط ان يكون ما يخرجه لنفسه دون المالك لم يصح لان ذلك بينة (٣) مجهولة والمجهولة لا يصح تملكه وجميع ما يخرجه يكون لصاحب المعدن الا ان يستأنف له بينة بعد الإخراج ويقبضه ذلك ولا اجرة للعامل لأنه عمل لنفسه وانما يثبت الأجرة له إذا عمل لغيره بإجارة صحيحة أو فاسدة وإذا كان العامل عمل على ان ما يخرجه فهو للمالك وله (٤) اجرة المثل.

والقول المتعلق بهذا الباب في المياه يقع في ملكها والسقي منهاوالمباح من ذلك والمملوك فاذا كان لإنسان بئرا وقناة أو عين أو مصنعة (٥) احتفر ذلك في

__________________

(١) الصواب « وما يحصل » كما في نسخة ( م ) والمبسوط.

(٢) اى سلف ذكر من يستحق الخمس في بابه.

(٣) الصواب « هبة » كما في نسخة ( م ) وفي نسخة ( ب ) بعلامة البدل وكذا في السطر التالي أو يكون المراد بالبينة ، الهبة لأن المال يبين من صاحبه كالقرض وعلى كل ، فساد هبة المجهول غير ظاهر ولم يذكره المصنف في بابها.

(٤) الصواب « فله » فهو جزاء قوله « فاذا كان العامل ».

(٥) بفتح النون وضمها بناء كالحوض يجمع فيه ماء المطر كما في القاموس واللسان وقوله تعالى « وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ » قيل مآخذ الماء وقيل قصورا مشيدة وحصونا

٣٦

ملكه أو داره اليه بوجه من وجوه الاملاك (١) فهي ملكه ويجوز له بيعه لمن يستقى منه النخل والشجر والأرض والزرع وما جرى مجرى ذلك وهو مال من الأموال المتملكة وكذلك ما تخرجه ارض الإنسان من كلاء أو عشب (٢) أو ما يعانيه من عشب إذا قطعه أو نفاه من مكان الى مكان.

فان ثبت (٣) في الصحارى والقفار والأرض الموات أو بحيث لا ملك لأحد عليه أو ما كان من الماء مسيلا في الأودية من الأمطار والأنهار الكبار الذي لا يعرف ابتدائها ولا ملك لأحد على منابعها ومجاريها وما استقر منه في وجه الأرض أو المصانع الجاهلية التي ليس لأحد عليها ملك فالناس في ذلك شرع واحد ومن سبق إلى شي‌ء منه فهو أحق به اما لشربه (٤) أو سقى زروعه أو سقى ماشيته وكذلك الحكم فيما كان من العشب النابت في البراري.

__________________

(١) أي من الإرث أو الشراء أو الأحياء وقوله « اليه » بمعنى وصل اليه ويشبه ان يكون فيه سقط.

(٢) قيل الكلاء على وزن الجبل مطلق النبات رطبا كان أو يابسا والعشب بضم العين ثم السكون الرطب منه وقيل غير ذلك راجع التاج واللسان وغيرهما في الكلمتين وقوله « أو ما يعانيه » لعله من عنى الأرض بالنبات اى أظهرته كما في القاموس فالمراد ان بعض أنواع العشب يقطع ما خرج منه فينبت أصله ثانيا وبعضها ينقل الى مكان آخر فكلها مملوكة لصاحب الأرض.

(٣) أي الماء المذكور من البئر والقناة وفي نسخة ( ب ) و ( م ) « فان نبت » اى الكلاء والعشب لكن هذا يأتي ذكره قريبا وعلى كل ، بناءا على ما تقدم من كون الموات ملكا للإمام عليه‌السلام بحيث لا يجوز التصرف فيه الا بإذنه فمقتضى القاعدة ان تكون هذه المنافع الحاصلة فيه ملكا له أيضا لأنها تابعة له كالحاصلة في ملك غيره ولم أر من تعرض لذلك.

(٤) في هامش نسخة ( ب ) هنا « أو حيازته في وعائه » ونحوه في هامش الأصل عن بعض النسخ مع تغيير في الكلمة والعبارة.

٣٧

ومن وقع ملكه على بعض المياه مثل العين والبئر والقناة والمصنعة وما جرى مجرى ذلك فيستحب له ان لا يمنع ابن السبيل من الشرب منه (١) وسقى دابته وجمله وماشيته وان يتطوع بما يفضل عنه من ذلك ولا يجوز لأحد ان يسقى أرضه ولا زرعه ولا شجره من بئر هذا الإنسان أو قناته أو العين أو المصنعة التي له الا باذنه.

ولو كان له نهر خاص فأراد بيع جزء من مائه أو جميعه كان جائزا وكذلك لو كان النهر مشتركا وأراد بيع حصته من غيره أو هبته أو الوصية به أو الإجارة له كان جائزا.

فإن باع الإنسان أرضه دون شربها كان أيضا جائزا ويكون مالكا للشرب يفعل فيه ما أراد.

وإذا اشترى إنسان أرضا مع شرب مائها أو استأجرها مع شربها كان جائزا وإذا اشتراها بكل حق هو لها كان الشرب ومسيل الماء لها.

وإذا كان نهر بين قوم لهم عليه أرضون لا يعرف كيف كان أصله بينهم ثم اختلفوا فيه واختصموا في الشرب كان الشرب بينهم على قدر أراضيهم فإن كان الأعلى منهم لا يشرب حتى يسكر (٢) النهر لم يجز أن يسكره على الأسفل ولكن يشرب بحصته

__________________

(١) حكم الشيخ رحمه‌الله تعالى في المبسوط في ماء البئر المملوكة بوجوب بذل ما زاد عن حاجته مجانا لغيره المحتاج اليه لشربه وسقى دابته دون زروعه ما دام الماء في البئر ولم يخرجه صاحبه لنفسه وكذا في ماء العين لما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس شركاء في الماء والنار والكلاء وانه صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع فضل الماء بدعوى شموله للمقام وعدم اختصاصه بالمباح كالأنهار الكبار والمسيل لكن ما ذكره المصنف أقوى لما ورد أيضا في عدة اخبار تجويز بيع الشرب من القناة المملوكة والله العالم.

(٢) في المصباح سكرت النهر من باب قتل سددته والسكر بالكسر ما يسد به والمراد ان هذا النهر لكونه مملوكا ومحكوما بالقسمة بينهم بالحصص ليس كالمسيل أو النهر المباح في جواز ان يحبسه الا على ليشرب كاملا ثم يرسله إلى الأسفل بل

٣٨

فان تراضوا على ان يسكره الأعلى على الأسفل حتى يشرب كان ذلك جائزا (١) ويجوز ان يصطلحوا على شرب كل واحد منهم في يومه فان اختلفوا لم يجز لأحد منهم ان يسكره على آخر وإذا أراد واحد منهم ان يكري نهرا لم يكن ذلك له الا برضاء أصحابه وكذلك لو أراد واحد منهم ان ينصب عليه رحى لم يجز له ذلك أيضا إلا برضا الباقين اللهم الا ان يكون النهر أو الماء لا يستضر بالرحى فإنه يجوز ذلك.

وإذا احتاج هذا النهر الى كرى وتنقية ونظافة وإصلاح كانت تنقيته على الجميع من أعلاه إلى مفتتح الماء إلى أقرب الأراضي الى الفوهة (٢) فإذا جاوز ذلك رفعت النفقة عن صاحب تلك الأرض وكانت النفقة على من بعده حتى ينتهي الى من يليه فترفع عند حصته من النفقة مع الشركاء من أهل الأسافل وهكذا ابدا كلما انتهى العمل الى حق أحدهم كانت النفقة على من بعده دونه.

والأنهار الكبار مثل دجلة والفرات والنيل وسيحان وجيحون وما أشبه ذلك فجميع المسلمين فيها شرع واحد وكل واحد منهم له شرب أرضه وزرعه ونخله وشجره وسائر منافعه لا يحبس الماء عن أحد دون أحد ولا لإنسان أن يمنع منه غيره.

وإذا أراد إنسان أن يكري منه نهرا في أرضه أو في أرض موات قد اذن له في إحيائها ولا ضرر على غيره فيها ، كان له ذلك الا ان يكون ما يحدثه مما ذكرناه فيه ضرر على النهر الأعظم فإن الإمام يمنعه من ذلك وكذلك الحكم لو أراد ان يعمل مصنعة لشرب السابلة أو الحيوان ويجرى الماء إليها من النهر الأعظم في أرض يملكها أو موات قد اذن له فيها سواء.

__________________

يشرب منه على حصته من الأرض خلافا لما حكاه في التذكرة عن بعض العامة من انه كالمباح في جواز ذلك.

(١) في نسخة ( ب ) « لم يكن ذلك جائزا » وكتب في هامشه بعلامة البدل « كان ذلك » وهو الصواب إذ لا وجه لعدم جوازه مع التراضي.

(٢) الفوهة : فم النهر.

٣٩

وإذا احتاج النهر الأعظم إلى عمل مسناته (١) ان حصل خوف من الغرق منه أو الى ان يغلب (٢) مائه فينصرف الى بعض الجهات التي تستضر بانصرافه إليها ، كان على السلطان كريه وعمل جنابه ومسناته وكذلك ما كان من الأنهار الصغار التي تؤخذ من النهر الأعظم لسقي أرض الخراج من البلاد المفتحة عنوة وكان الوالي يأخذ خراجها فان حفر هذه الأنهار وعمل جميع ما يحتاج اليد وإصلاحه على السلطان فان كانت الأراضي التي على جانب أحد هذه الأنهار بعضها خراجية وبعضها مملوكة عشرية (٣) كانت النفقة بين الوالي ومالك تلك الأراضي يسقط كل واحد مما يلزمه فيها ولا يجرى (٤) ذلك مجرى نهر خاص لقوم ليس لأحد ان يدخل عليهم فيه ولهم منع من أراد ان يسقى من نهرهم أرضه ونخله وشجره لأن ذلك عليهم.

وإذا كان النهر عظيما فاذا انتهى الى مكان معين كان قسمة بين اهله بالحصص لكل قوم منهم كوة (٥) معروفة فاتخذ إنسان أرضا كانت مواتا ولم يكن لها شرب من ذلك النهر وكوالها (٦) نهرا من فوق موضع القسمة في مكان ليس لأحد فيه ملك ، فساق الماء إلى أرضه من ذلك النهر في ذلك الموضع فان كان النهر المحدث يضر بأهل النهر الأعظم في مائهم ضررا بينا ، لم يجز له ذلك وكان للسلطان منعه منه وان كان لا يضرهم كان جائزا.

__________________

(١) الصواب « الى عمل جنابه » كما في العبارة التالية والجناب بفتح الجيم الجانب وفي نسخة ( ب ) في الموضعين « حسامه » ولعله ان صح بمعنى الجانب أو نحوه.

(٢) كذا في النسخ والظاهر « من ان يغلب » عطف على « من الغرق ».

(٣) أي يؤخذ منها العشر وهو الزكاة والمراد الملك الخاص لآحاد الناس.

(٤) كذا في النسخ والظاهر ان « لا » زائدة بمناسبة الحكم وقرينة ما بعده.

(٥) الكو والكوة بفتح الكاف وضمها وتشديد الواو وجمعه كوى وكواء ثقبة في الخشبة التي توضع في النهر عند مفتتح الأراضي ليقسم بها الماء بينها بالحصص.

(٦) الصواب : كرى لها بالراء اى حفر أو كوى لها اى جعل لها كوة على حدة على نهر.

٤٠