المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

وإذا لم يكن لأولياء الدم بينة تشهد لهم ، بان المدعى عليه هو القاتل لصاحبهم ولا لهم أيضا قسامة منهم (١) كان على المدعى عليه إحضار خمسين رجلا يحلفون عنه ، انه بري‌ء مما ادعى عليه ( من القتل ، فاذا حلفوا كذلك برأ ذمته مما ادعى عليه ) (٢) من ذلك ، فان لم يكن له ذلك ردت الايمان عليه حتى يستكمل خمسين يمينا ـ أنه بري‌ء من ذلك. فان حضر أقل من عدة ( عدد ـ خ ل ) القسامة استحلف الحاضرون منهم. وكررت عليهم الايمان حتى يستكمل خمسين يمينا.

فإن أقسم القوم القسامة كلها ، بان فلانا هو القاتل لصاحبهم ، وثبتت بينة عادلة قبل ان يحكم في المدعى عليه « ان القاتل لصاحبهم غيره » حكم بالبينة وبطلت القسامة ولم يكن لهم على من اقسموا سبيل.

وإذا وجبت القسامة لقوم ، ولم يرفعوا الى الحاكم أمرهم ، ولا قطع بها حكم حتى مات القوم ، أو مات بعضهم ، كان لورثته مثل ما لهم من ذلك.

والبينة في الأعضاء ، مثل البينة في النفس. وكل ما تجب الدية فيه من أعضاء الإنسان ، مثل العينين والسمع واليدين جميعا ، فإن القسامة فيه ، وهي : ستة رجال يقسمون ان المدعى عليه فعل ما ادعوه بصاحبهم ، فان لم يكن للمدعي قسامة ، كررت عليه ستة أيمان ، فان لم يحلف ، أو لا يكون له من يحلف ، طولب المدعى عليه بقسامة ستة رجال ، يقسمون على انه بري‌ء مما ادعوه عليه.

وفيما نقص من الأعضاء ، القسامة على قدر ذلك ، ان كان سدس العضو فرجل واحد يقسم بذلك. وان كانت ثلث العضو ، فرجلان يقسمان به. وان كان النصف ، فثلاثة رجال ، وعلى هذا الحساب. فان لم يكن له من يقسم ، كان عليه بعد ذلك ، الايمان ، ان كان السدس فيمين واحدة ، وان كان ثلثا فيمينان ، وعلى هذا الحساب،

__________________

(١) المراد بالقسامة هنا الجماعة المقسمون وقد يطلق على نفس القسم المذكور كما في السطر السابق ويأتي.

(٢) ما بين القوسين في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا.

٥٠١

كما تقدم ذكره. فان لم يكن للمدعي من يحلف عنه ، وامتنع هو من اليمين ، طولب المدعى عليه ، اما بمن يحلف عنه ، أو بتكرير الايمان عليه ، كما يلزم المدعى على ما تقدم ذكره.

واما الإقرار ، فالمراعى ان يقر القاتل ـ « وهو حر كامل العقل ، غير مجبر ، ولا مكره » ـ على نفسه بالقتل مرتين. فإن أقر وهو مملوك ، أو ناقص العقل ، أو مجبر أو مكره ، لم يكن لإقراره تأثير ، ولا يقبل على وجه.

وإذا كان القتل عمدا ، وشهد شاهدان على إنسان بأنه قتل المقتول ، وشهد شاهدان بان القاتل غيره ، سقط القود هاهنا ، وجبت الدية على الاثنين ، المشهود عليهما ، نصفين.

وإذا كان القتل شبيه العمد ، كان الحكم فيه كذلك. وان كان خطأ محضا ، كانت الدية فيه على عاقلتهما نصفين.

وإذا اتهم رجل بأنه قتل رجلا ، وأقر هو بذلك ، ثم أقر آخر بأنه هو القاتل له دون الأول ، ورجع الأول عن إقراره ، درأ عنهما جميعا القود والدية أيضا ، ودفعت الدية إلى أولياء الدم من بيت المال.

وإذا قامت بينة على إنسان بأنه قتل غيره عمدا ، وأقر آخر بأنه هو القاتل لذلك الإنسان بعينه عمدا ، كان أولياء الدم مخيرين في ان يقتلوا من أرادوا منهما ، الا انه متى أرادوا قتل المشهود عليه ، لم يكن لهم على المقر سبيل ، ويرجع أولياء المشهود عليه على المقر بنصف الدية. وان قتلوا المقر لم يكن لهم على المشهود عليه سبيل ولا لأولياء المقر عليه أيضا سبيل. وان أرادوا قتلهما جميعا ، قتلوهما وردوا على أولياء المشهود عليه نصف الدية بغير زيادة على ذلك. فان يطلبوا الدية ، كان ذلك على المشهود عليه وعلى المقر نصفين.

وإذا قتل رجل رجلا ، وادعى القاتل انه وجده مع زوجته ، كان عليه القود الا ان يقيم البينة بما ادعاه.

٥٠٢

وإذا أقر اثنان بأنهما قتلا إنسانا ، فاختلفا ، فقال الواحد منهما : قتلته عمدا ، وقال الأخر : قتلته خطأ ، كان أولياء الدم مخيرين فيهما. فان عملوا على قول المقر بالعمد ، لم يكن لهم على المقر بالخطاء سبيل. وان عملوا على قول المقر بالخطاء لم يكن لهم على المقر بالعمد سبيل.

وإذا اتهم إنسان بالقتل ، وجب ان يحبس ستة أيام ، فإن أحضر المدعى بينة تشهد له بما ادعاه أو فصل الحكم فيه ، والا أطلق من الحبس ، ولم يكن للمدعي سبيل عليه.

« باب العاقلة »

الإجماع منعقد على ان العاقلة تحمل دية الخطاء ، إلا الأصم (١) وخلافه غير قادح فيما انعقد عليه الإجماع.

والعاقلة التي تحمل ذلك ، هم كل عصبة خرجت عن الوالدين والمولودين ، وهم الآخرة (٢) وأبناؤهم ، والأعمام وأبناؤهم ، وأعمام الأب وأبناؤهم. والموالي. فإذا كانت العاقلة هي من ذكرناه فينبغي ان يبدأ فيها بالأقرب فالأقرب على ترتيب الميراث ، ولا يلزم ولدأب (٣) وهناك من هو أقرب منه ، فالأقرب الاخوة وأبناؤهم ،

__________________

(١) الظاهر انه أبو بكر الأصم واسمه عبد الرحمن بن كيسان كما في لسان الميزان ج ٣ ص ٤٢٧ وذكر انه معتزلي صاحب المقالات في الأصول ويحتمل ان يكون أبا العباس محمد بن يعقوب بن يوسف ترجمه ابن الأثير في أول لبابه بعنوان الأصم وذكر انه المشهور في الشرق والغرب لكن الأول أظهر كما يظهر في غير المقام من بعض مواضع التذكرة والخلاف.

(٢) اى من قبل الأب أو الأبوين لخروج المتقرب بالأم وحدها عن العصبة.

(٣) أي الأخ من قبل الأب وحده مع الأخ من الأبوين فإن الثاني أقرب كما يأتي.

٥٠٣

ثم الأعمام ثم أبنائهم ، ثم أعمام الأب ثم أبنائهم ، فإذا لم يبق أحد من العصبات فالمولى ، فان لم يكن مولى فبيت المال.

وأكثر ما يحمله كل رجل من العاقلة نصف دينار ان كان موسرا ، فان لم يكن موسرا فربع دينار. فاذا كان له أخ والعقل دينار ، كان عليه نصف دينار ، والباقي على بيت المال ، وان كان له اخوان كان على كل واحد منهما نصفه. فان كان العقل دينارين وله أخ وابن أخ وعم وابن عم ، كان على كل واحد نصف دينار فان كان العقل خمسة دنانير وله عشرة اخوة ، فعلى كل واحد منهم نصف دينار. وعلى هذا يجري الأمر في ذلك ابدا.

فان اجتمع له اخوان وكانا لأب ، أو لأب وأم كانا في ذلك سواء. فان كان أحدهما لأب والأخر لأب وأم ، كان على الاولى بالميراث وهو الأخ من الأب والام وليس على النساء ولا الصبيان ولا المجانين عقل (١).

والذي يتحمل العقل عن القاتل من العاقلة من كان غنيا أو متجملا (٢) وليس على الفقير ان يتحمل منها شيئا. ويعتبر الغنى والفقر وقت المطالبة والاستيفاء ، وهو عند حلول الحول ، ولا يعتبر ذلك قبل المطالبة. فمن كان غنيا عند دخول الحول طولب بذلك وان كان فقيرا فيما تقدم ، ومن كان فقيرا ترك. وكذلك يفعل عند دخول كل حول.

وإذا حال الحول على موسر وجبت عليه المطالبة ، فان مات بعد ذلك لم تسقط عنه ، وكان ما وجب عليه ثابتا في تركته. وقد ذكرنا في ما تقدم ان دية الخطاء تستأدى في ثلاث سنين في كل سنة نجم.

__________________

(١) يعنى بالعقل في هذا الباب الدية قيل ومنه العاقلة لتحملهم لها أو لإرثهم لها لو كان مقتولا.

(٢) لعل صوابه بالحاء المهملة كما في نسخة المبسوط المطبوعة قديما اى كسوبأ.

٥٠٤

وإذا جنى إنسان على نفسه جناية فيها تلف نفسه ، أو قطع عضو منها ، عمدا كان ذلك منه أو خطاء ، كان هدرا.

واما المولى ، فان كان من فوق ـ وهو المعتق المنعم ـ فإنه يعقل عن المولى من أسفل ـ وهو المعتق المنعم عليه ـ لان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث (١) فشبهه بالنسب ، وبالنسب يتحمل العقل ، فكذلك بالولاء ، فان الولاء لا يعقل (٢) وانما يعقل إذا لم يكن للقاتل عصبة ، أو كان له عصبة لا يتسع حالها لتحمل الدية ، فإذا كان انما يعقل بعد العصبات ووجبت الدية وحال الحول فرق الثلث (٣) على العصبات ، على الاخوة وأبنائهم ، ثم الأعمام وأبنائهم ثم أعمام الأب وأبنائهم. على هذا الترتيب أبدا. فإذا لم يبق له عصبة مناسب تحمل المولى ما بقي. فإن اتسعوا لما بقي ، والا فعلى عصبة المولى ثم على مولى الموالي ( المولى ـ خ ل ) فان لم يتسعوا فعلى عصبتهم على ترتيب الميراث ، فان لم يتسعوا وفضل فضل فمن بيت المال. (٤) يؤخر بيت المال عن الموالي كما يؤخر عنهم في

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من العتق وسنن الدارمي في الفرائض والجامع الصغير للسيوطي وأورده الشيخ في فرائض الخلاف وفي المبسوط هنا وبابى الولاء من العتق والفرائض وليس في شي‌ء منها « ولا يورث » إلا في المبسوط هنا وكأنه سهو من القلم نشأ من ورود نحوه في الوقف ، أو الصواب « ولا يشترط » كما في نص على حدة أو « لا يشترى » كما في فرائض المبسوط فإن إرث الولاء في الجملة ثابت نصا وفتوى كما مر في العتق من هذا الكتاب.

(٢) كذا في نسخة ( ب ) بعد التصحيح ولكن في الأصل ونسخة اخرى « فكذلك الولاء يعقل » وهو الصواب.

(٣) اى ثلث الدية الواجب لذاك الحول

(٤) ظاهره عدم الفرق بين ان يكون للقاتل مال أم لا لكن مر في باب أقسام القتل انه ان كان له مال ولا مال لعاقلته فالدية عليه دون بيت المال.

٥٠٥

الميراث. فان كان بيت المال ليس فيه مال ، تأخرت حتى يحدث من يحملها (١) من بيت المال.

فاما المولى من أسفل ، فليس يعقل المولى من فوق.

وإذا وضع إنسان حجرا في طريق المسلمين ، أو في ملك غيره ، فتعقل به إنسان (٢) ، فوقع فمات. أو نصب مكان الحجر سكينا فوقع على إنسان (٣) فمات أو وضع حجرا في هذا الموضع ، ونصب قريبا منه سكينا ، فتعقل بالحجر فوقع على السكين فمات. كان على فاعل ذلك ، الدية في ماله ، لأنه معتمد (٤) وهو في ذلك بمنزلة الدافع للذي مات.

فان كان ذلك من اثنين ، مثل ان وضع أحدهما في هذا الموضع حجرا ، ونصب الأخر سكينا قريبا منه ، فتعقل إنسان بالحجر فوقع على السكين فمات ، كانت الدية على واضح الحجر وحده ، لأنه كالدافع له على السكين. وكذلك لو وضع أحدهما حجرا وحفر الأخر قريبا منه بئرا ، فتعقل إنسان بالحجر فسقط في البئر ، كان على واضع الحجر الضمان ، كما إذا دفعه في البئر. فإن كان هذا الواضع في ملكه ، فوضع فيه حجرا أو نصب سكينا ، أو وضع الحجر ونصب السكين ، فتعقل إنسان بالحجر فوقع على السكين ، أو وقع (٥) فمات ، لم يكن عليه ضمان ، لأنه فعل ما

__________________

(١) لعل الصواب « ما يحملها » اى يحدث فيه مال بقدر الدية

(٢) بصيغة الماضي من باب التفعل من العقل بمعنى الحبس والإمساك يقال عقله عن حاجته إذا حبسه كما في لسان العرب والنسخ الموجودة من المتن مضطربة في ضبطه مادة وهيئة هنا وفي الموارد التالية والأظهر ما ذكرناه

(٣) الصواب « عليها إنسان »

(٤) الصواب « متعمد » إذا المدار في الضمان هنا على التعدي كما في الفروع التالية

(٥) اى على الأرض إذا لم ينصب سكينا

٥٠٦

له فعله ، والتعدي كان من الهالك ، لأنه فرط بدخوله غير ملكه ، فهدر دمه.

فان كان ذلك من اثنين ، وضع المالك الحجر ، ونصب الأجنبي سكينا ، فتعقل إنسان بالحجر فوقع على السكين فمات. كان على صاحب السكين الضمان ، دون الواضع للحجر ، لان الناصب هو المتعدى دون صاحب الحجر ، وكذلك لو ان المالك نصب السكين ثم وضع الحجر أجنبي. كان الضمان على واضع الحجر الأجنبي ، لأن المتعدى هو.

وإذا حفر بئرا فسقط فيها إنسان أو بهيمة فهلك ، وكان ذلك في ملكه ، لم يكن عليه شي‌ء ، لان له ان يفعل في ملكه ما أراد. وكذلك الحكم إذا حفرها في موات ليملكها به ، لأنه لا فرق بين ذلك وبين ان يفعله في ملكه.

فان حفر البئر في غير ملكه بغير اذن المالك ، كان ضمان ما يتلف. بذلك على الحافر للبئر ، لأنه تعدى بحفرها. فإن أبرأه المالك وقال : قد رضيت بحفرك وأقره عليه ، زال الضمان عنه.

وإذا حفر بئرا في طريق المسلمين ، وكان الطريق ضيقا ، كان عليه الضمان ، سواء حفرها بإذن الإمام أو بغير إذنه ، لأنه لا يملك الاذن فيما يضيق على المسلمين ويلحقهم بذلك الضرر.

وإذا بنى إنسان في ملكه حائطا مستويا فسقط دفعة واحدة ، فأتلف شيئا من الأنفس والأموال ، لم يكن عليه شي‌ء ، لأن له ان يصنع في ملكه ما أراد من غير تفريط. وكذلك الحكم إذا بناه في ملكه مائلا إلى ملكه. وكذلك إذا بناه في ملكه فمال بنفسه الى ملكه ، أو بناه (١) مائلا في الأصل.

فإن بناه في ملكه مستويا ، فمال الى الطريق ، أو الى دار جاره ، وطالبه جاره

__________________

(١) الظاهر ان هذا الفرض تكرار للفرض الثاني ولذا ذكره في المبسوط شاهدا على نفى الضمان في الأخير ولعله المراد بالمتن

٥٠٧

بنقضه ، واشهد عليه أو لم يشهد (١) فوقع فأتلف نفسا أو غيرها ، فان كان ذلك قبل المطالبة بنقضه وقبل الاشهاد ، لم يكن عليه الضمان وان كان بعد ذلك ، كان عليه الضمان إذا كان قادرا ومتمكنا من نقضه فلم يفعل ، فان لم يكن قادرا ولا متمكنا من ذلك لم يكن عليه شي‌ء

وإذا أخرج جناحا الى طريق المسلمين ، فوقع على إنسان فقتله ، أو أصاب بوقوعه شيئا فأتلفه ، كان عليه الضمان.

وإذا كان الحائط بين دارين فتشقق وتقطع ، وخيف من سقوطه ، ولم يمل الى دار أحدهما ، لم يكن لأحدهما مطالبة شريكه بنقضه ، (٢) لأنه إذا مال الى هواء دار الجار فقد حصل في ملكه وكان له المطالبة بإزالته. كما لو عين (٣) غصنا من شجرته الى دار جاره ، فان له المطالبة بإزالته بقطع أو غيره.

وإذا أراد إخراج جناح الى شارع المسلمين. أو الى درب نافذ أو غير نافذ وبابه فيه ، أو أراد عمل ساباط ، فكان قد عمل ذلك على وجه يستضربه المجتازون والعابرون ، منع منه وان لم يكن كذلك لم يمنع منه.

وإذا مشى إنسان بين الرماة والهدف ، فأصابه سهم من الرماة ، كان ذلك خطأ لأن الرامي لم يقصده وانما قصد الهدف. فان كان معه صبي فقربه الى طريق السهم فوقع السهم فيه فقتله ، كان على الذي قربه الضمان دون الرامي ، لأن الرامي ما

__________________

(١) ذكر المطالبة والاشهاد هنا مناف للتفصيل بعده فكان الاولى حذفهما ولعله كانت المسئلة مذكورة في كلام القوم كذلك فتبعهم المصنف فيه ثم زاد عليه في حكمه والمراد بالمطالبة في التفصيل أعم من مطالبة الجار ومطالبة الحاكم بالنسبة إلى الطريق كما يظهر من المبسوط هذا ولكن الظاهر عدم مدخلية المطالبة والاشهاد في الضمان لصدق التفريط بدونهما فيضمن بتحقيق الميل على الأقوى

(٢) الظاهر ان هنا سقطا وهو « وان مال الى دار أحدهما كان له مطالبة شريكه بنقضه » كما في المبسوط والا لا يناسب التعليل

(٣) لعل الصواب « لو عبر غصن » كما في المبسوط

٥٠٨

قصده ، والذي قربه عرضه لذلك.

وإذا بالت دابته في الطريق فزلق به إنسان فمات ، كانت الدية عليه ، سواء كان راكبا أو قائدا أو سائقا ، لأن يده عليها ، كما لو بال هو في هذا المكان.

وإذا أكل شيئا فرمى بقشره في الطريق ، مثل الخيار والبطيخ والقثاء (١) كان الحكم إذا زلق به إنسان مثل ما تقدم. وكذلك إذا رش في طريق ماءا ، فزلق به إنسان فهلك ، فان عليه الضمان في كل ذلك.

« باب دية الجنين والميت »

« إذا قطع رأسه أو بعض أعضائه »

دية الجنين تلزم بحسب ما تلقيه امه ، وذلك على وجوه ، منها ان يضرب إنسان بطن امرأة حامل ، أو يضربها بحيث تلقى ما في بطنها ، فتلقى ذلك نطفة ، ففيه عشرون دينارا. فإن ألقته علقة ، كان عليه فيه أربعون دينارا. فإن ألقته مضغة ، كان فيه ستون دينارا. فإن ألقته وفيه عظم ، كان فيه ثمانون دينارا. فإن ألقته وقد اكتسى لحما وكمل خلقه ولم ينشأ فيه الروح ، كان فيه مأة دينار. فإن ألقته فيما بين شي‌ء من هذه الوجوه الخمسة ، كان فيه بحساب ذلك. (٢)

وإذا ألقت المرأة جنينا وادعت حياته ، وأنكر الجاني ذلك ، كان عليها البينة

__________________

(١) القثاء هو الخيار كما في المجمع والصحاح وفي المصباح ان بعض الناس يطلقه على نوع يشبه الخيار وفي البحار باب القثاء انه يظهر من بعض الأطباء انه الطويل المعوج

(٢) ظاهره ان المراد بحسابه في الصفة فلو ألقت نطفة متغيرة عن البياض ولم تصر علقة يؤخذ ما بينهما على صفتها وذكر في السرائر ان المراد بحساب الأيام فكلما زاد على مقدار مكث النطفة بصورتها يوم زاد على الدية دينار واحتمل في الشرائع وجها ثالثا فراجع له ولتحقيق أصله إلى جواهر الكلام.

٥٠٩

والقول قول الجاني مع يمينه بأنه كان ميتا.

وإذا ضرب رجل امرأة ، فادعت أنها ألقت جنينا ، وأنكر الجاني ذلك ، كان القول قوله مع يمينه. فان ثبت لها بذلك بينة حكم لها بها.

وإذا قتلت امرأة وهي حامل ، ومات الولد في بطنها ، ولم يعلم هل هو ذكر أو أنثى ، كان على الجاني دية امرأة كاملة ، وفي ولدها نصف دية رجل ونصف دية امرأة ، تكون جملة ذلك اثنى عشر الف درهم وخمس مأة درهم. (١)

وإذا قطع شي‌ء من جوارح الجنين الذي ليس بحي وأعضائه ، كان فيه الدية من حساب جوارح الجنين الذي ليس بحي ، وهي مأة دينار.

وإذا شربت امرأة دواء لتلقى ما في بطنها وألقتها ، كان عليها الدية بحساب ما قدمنا ذكره ، لوارث المولود ، دونها.

ودية الجنين (٢) الذمي عشر دية أبيه ، وما يكون من أعضائه بحساب ذلك.

ودية جنين الأمة إذا كانت حاملا من مملوك عشر قيمتها ، وما كان منه (٣) فبحسابه وفي جنين البهيمة عشر قيمتها ، وفيما كان بين (٤) ذلك فبحسابه.

وإذا أفزع إنسان رجلا وهو يجامع فعزل عن المرأة ، كان عليه لضياع النطفة عشر دية الجنين وهو عشرة دنانير. فان عزل الرجل عن زوجته الحرة غير المجنونة

__________________

(١) أي بعد ولوج الروح في الولد فان ديته حينئذ عشرة آلاف درهم ان كان ذكرا وخمسة آلاف ان كان أنثى ومع الاشتباه نصفهما كما في النص فإذا أضيفت إليه دية المرأة خمسة آلاف صار اثنى عشر وخمس مأة

(٢) اى التام الذي لم يلج فيه الروح وكذا في الأمة وقد مر في هذا الكتاب ان دية الرجل الذمي ثمان مأة درهم فيكون عشرها ثمانين ويكون لأعضاء الجنين على هذا الحساب

(٣) اى من أعضائه كما مر أو من مراتبه كالنطفة ففيها خمس عشر القيمة وهكذا

(٤) لعل الصواب « دون ذلك » اى دون الجنين التام

٥١٠

بغير اذنها ، كان عليه مثل ما تقدم من دية ضياع النطفة عشرة دنانير (١). فان عزل عن الأمة ، لم يكن عليه شي‌ء.

وحكم الميت حكم الجنين ، وديته كديته سواء. فاذا فعل إنسان بميت فعلا لو فعله بالحي لكان فيه تلف نفسه ، كان عليه مأة دينار. وفيما يفعل به من قلع عين أو قطع يد أو كسرها أو جراحة فبحساب ديته. ودية الحي يستحقها وارثه ، ودية الميت لا يستحقها منهم أحد ، بل هي له يتصدق بها عنه.

وإذا ضرب رجل امة أو ذمية ، فأعتقت الأمة أو أسلمت الذمية قبل ان تلقى جنينها ، ثم ألقته بعد ذلك ، كان حكمه حكم امه في وقت الولادة.

« باب الجنايات على الحيوان »

متى أتلف حيوانا لغيره ، وكان الحيوان مما لا يقع عليه الذكاة من الفهود والصقور وما أشبه ذلك مما يجوز للمسلم تملكه (٢). كان عليه قيمته يوم أتلفه فإن أتلف عليه شيئا مما لا يحل للمسلم تملكه ، لم يكن عليه شي‌ء ، وان أتلف شيئا من ذلك على ذمي ، كان عليه قيمته.

فإن أتلف عليه شيئا مما يقع الذكاة عليه ، على وجه يمنعه من الانتفاع به ،

__________________

(١) اى يسلمها إلى الزوجة كما في المقنعة والنهاية وغيرهما وهذا الحكم ذكره جمع من قدماء الأصحاب ونسبه بعض كالنهاية والخلاف إلى الرواية وكان المراد بها رواية ظريف بن ناصح الطويلة فقد رواها في الكافي والفقيه والتهذيب وبينها اختلاف في النقل وفي الأخيرين جملتان فيهما اضطراب واختلاف في النسخ والظاهر ان إحداهما لعزل الزوج والأخرى لأفزاع الغير لكن النصوص الواردة في جواز العزل عن الحرة مع الكراهة كما تقدمت من المصنف في النكاح لا تناسب وجوب الدية فيحمل ما في الرواية على الاستحباب كما في المختلف

(٢) زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) « على ذمي » وكأنه سهو

٥١١

كان حكمه أيضا حكم مالا يقع عليه الذكاة في انه يجب عليه قيمته في يوم إتلافه فإن أتلفه على وجه يمكنه الانتفاع به ، كان لصاحبه الخيار بين ان يلزمه قيمته يوم أتلفه ويسلم اليه ذلك الشي‌ء ، أو يطالبه بقيمة ما بين كونه متلفا وكونه حيا.

ودية الكلب السلوقي أربعون درهما ، ودية كلب الحائط والماشية عشرون درهما وفي كلب الزرع قفيز من طعام ، وليس في غير ما ذكرناه من الكلاب شي‌ء.

وجراح البهائم ، وقطع أعضائها ، يجرى على حسب ما قدمناه وان ( فان ـ ظ ) كان الحيوان مما يتملك ، كان فيه أرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا ، وان كان مما لا يتملك ، فحكم جراحه وكسره ، حكم إتلاف نفسه.

فاذا كسر إنسان عظم بعير أو بقرة أو شاة أو ما أشبه ذلك ، كان عليه أرشه كما قدمناه. وليس له خيار في أخذ قيمته وتسليمه الى الجاني عليه.

وإذا كان البعير بين أربعة نفر ، فعقل واحد منهم يده ، فتخطى إلى بئر فوقع فيها فاندق ، كان على الشركاء الثلاثة للذي عقله ربع قيمته ، لأنه حفظ وضيع عليه الباقون بترك عقالهم إياه. (١) وإذا فقأ عين بهيمة ، كان عليه ربع قيمتها.

وإذا جنت بهيمة إنسان على غيره جناية أو على بهيمة ، فإن كانت الجناية بتفريط وقع منه في حفظها ، أو تعد في استعمالها ، كان عليه ضمان جنايتها ، كائنا ما كان. وان كان بغير ذلك لم يكن عليه شي‌ء. فمن ذلك ، جناية غنم الإنسان على زرع ، فإنه ان كان ترك حفظها ليلا حتى دخلته وأكلته وأفسدته ، كان عليه ضمان ذلك ، وان كان إفسادها كذلك نهارا من غير سبب لم يكن عليه شي‌ء.

وإذا أتلف إنسان على مسلم شيئا من الملاهي ، التي لا يجوز له تملكها ، مثل العيدان والطنابير وآلات الزمر وما أشبه ذلك لم يكن عليه شي‌ء. فإن أتلف من ذلك

__________________

(١) وذلك لجريان العادة بعقال البعير لئلا يشرد كما ورد في الخبر ، اعقلها وتوكل فهنا قد عمل العاقل بذلك في حصته وانما تلف لعدم مشاركة الباقين له في حصصهم بعقال كله فالنص الوارد بضمانهم على القاعدة وليس حكما في واقعة كما قيل

٥١٢

شيئا على ذمي في حرزه ، كان عليه ضمانه.

« باب ما لا دية فيه ولا قود »

« ومن لا يعرف قاتله ، والقاتل في الحرم والأشهر الحرم »

إذا قصد إنسان غيره يريد نفسه أو ماله ، فدفعه المقصود اليه عن نفسه ، فادى الدفع له الى قتله ، كان دمه هدرا.

ومن مات في زحام على جسر ، أو على عبور موضع ، أو في يوم عرفة أو يوم جمعة ، أو ما أشبه ذلك من المواضع التي يزدحم الناس عليها ، ( فيها ـ خ ل ) ولا يعرف له قاتل وكان له ولى يطلب ديته ، كان ديته ، على بيت المال ، فان لم يكن له ولى فلا دية له.

وإذا وجد قتيل في قرية ، أو قبيلة ، أو وجد على باب دار قوم ، ولا يعرف له قاتل ويكونون متهمين بقتله ، ويمتنعون من القسامة ، كانت ديته على أهل تلك القرية أو القبيلة أو الدار. فان لم يكونوا متهمين ، أو أجابوا إلى القسامة ، لم يكن عليهم شي‌ء ، وكانت ديته على بيت المال.

وإذا وجد قتيل بين القريتين ، كانت ديته على أهل أقرب القريتين إليه ، فإن كانت القريتان في المسافة متساويتين ، كانت الدية على أهلهما جميعا بالسوية.

وإذا وجد قتيل بين عسكرين نازلين (١) ، كان الحكم فيه مثل ما تقدم في القريتين.

وإذا رمى مسلم في حرب كافرا بسهم ، فأسلم الكافر قبل وصول السهم اليه ، لم يكن له دية.

وإذا وجد قتيل مقطعا في مواضع متفرقة ، كانت ديته على أهل المواضع التي يكون فيها قلبه وصدره ، ولا شي‌ء على الباقين ، الا ان يتهم قوم آخرون بقتله ، فيحكم

__________________

(١) اى واقفين غير عابرين ويحتمل كون المراد متوقفين عن القتال.

٥١٣

فيهم بإقامة البينة أو القسامة.

وإذا وقفت قرعة الليل (١) ووجد مجروح أو قتيل بين الناس لم يكن فيه أرش ولا قصاص ، وكانت ديته على بيت المال.

وإذا دخل صبي دار قوم ، فوقع في بئرهم فمات. وكان دخوله بإذنهم ، وهم متهمون بعداوة بينهم وبين اهله ، كانت الدية عليهم ، وان كانوا مأمونين غير متهمين لم يكن عليهم شي‌ء.

وإذا وجد قتيل في صحراء ، أو أرض فلاة لم يكن فيها أحد ، كانت ديته على بيت المال.

وإذا وجد قتيل في معسكر أو سوق ، ولم يعرف له قاتل ، كانت ديته على بيت المال.

وإذا أراد إنسان غلاما ، أو امرأة على فجور فدفعاه عن أنفسهما فمات ، كان دمه هدرا.

وإذا مات إنسان في قصاص ، أو حد ، لم يكن فيه دية ولا قود.

وإذا اطلع إنسان على قوم في دارهم أو دخل عليهم دارهم بغير إذنهم ، فزجروه فلم ينزجر ، فرموه فقتلوه أو فقئوا عينه ، لم يكن عليهم شي‌ء ، وكان دمه هدرا

وإذا قصد مجنون إنسانا بخشبة أو حجر أو سيف أو ما جرى مجرى ذلك ،

__________________

(١) كذا في نسخة ( ب ) ونسخة اخرى من الوقوف والقرع بالقاف والراء المهملة وعن نسخة « وقعت وقعة » ولعل الصواب « وقعت فزعة بالليل » كما في نهاية الشيخ بالفاء والزاء المعجمة وعلى كل فالمراد وقوع فتنة بالليل ثم زالت ففي الوسائل الباب ٦ من دعوى القتل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ليس في الهايشات عقل ولا قصاص ثم ذكر فيه ان الهايشات الفزعة تقع بالليل والنهار فيشج الرجل فيها أو يقع قتيل لا يدرى من قتله وشجه وفي نهاية ابن الأثير : في الحديث ليس في الهيشات قود اى القتيل يقتل في الفتنة لا يدرى من قتله.

٥١٤

فدفعه عن نفسه فقتله ، كان دمه هدرا.

وإذا لعب الصبيان فرمى أحدهم غيره بخطره (١) فدق رباعيته ، أو ما أشبه ذلك وكان قد قال : حذار ، لم يكن عليه قصاص.

وقد روى (٢) في امرأة أدخلت صديقها في حجلتها ليلة دخول زوجها بها وانه لما خلي الزوج بها ثار الصديق اليه واقتتلا ، فقتل الزوج الصديق ، ثم ان المرأة ضربت زوجها ضربة فقتلته ، ثم ان (٣) المرأة تضمن دية الصديق وتقتل هي بزوجها.

وروى (٤) أيضا في لص دخل على امرأة ، فجمع الثياب ، ثم حملته نفسه على وطأ المرأة ، فلما وطأها ثار ابنها اليه فقتله اللص ، وان المرأة حملت عليه بفأس فقتله ، وجاء أوليائه من الغد يطلبون بدمه ، فان ضمان دية الغلام على أوليائه الذين طلبوا بدمه (٥) ، ويضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم ، لمكابرة المرأة على فرجها لأنه زان ، وهو في ماله غرامة ، وليس على المرأة في قتله شي‌ء لأنه سارق.

__________________

(١) الخطر بالتحريك : السبق الذي يتراهن عليه والمقلاع الذي يرمى به والمراد هنا الثاني كما في مجمع البحرين وقوله : حذار اى احذر وقد ورد ذلك عن أمير المؤمنين كما في الوسائل الباب ٢٦ من القصاص في النفس وفيه ان الرامي أقام البينة بأنه قال حذار فدرأ عليه‌السلام عنه القصاص وقال قد أعذر من حذر كأن المراد بالقصاص هنا ضمان الدية لأن عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة فكيف بمثل ذلك مما لم يكن فيه تعمد.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من موجبات الضمان.

(٣) الظاهر زيادة لفظة « ثم » وضمان المرأة دية الصديق لأنها عرضته للقتل وعدم كون الدية على الزوج المباشر.

(٤) الوسائل الباب ٢٣ من قصاص النفس الحديث ٢ وفيه سقط وصوابه ما في المتن.

(٥) اى دم السارق كما عن بعض نسخ المتن.

٥١٥

وإذا قتل إنسان غيره في الحرم ، أو في أحد الأشهر الحرم ، طلبت منه الدية (١) للقتل ، والثلث لانتهاكه حرمة الحرم ، والأشهر الحرم. وان اختار أولياء المقتول القود ، كان لهم ذلك.

وإذا قتل إنسان غيره في غير الحرم ، ثم التجأ إلى الحرم وتحرم به ، لم يقتل فيه ، بل يضيق عليه في المطعم والمشرب ويمنع من مبايعته ومعاملته حتى يخرج منه ، فيقام الحد عليه ، وكذلك الحكم فيمن التجأ في مثل ذلك الى مشهد من مشاهد الأئمة عليهم‌السلام (٢).

تم كتاب الديات

__________________

(١) في نسخة الأصل هكذا « وطلبت منه الدية كان عليه دية وثلث ، الدية للقتل والثلث لانتهاكه » وظاهره انه ان طلب منه القود لم يكن عليه الثلث الزائد.

(٢) إلى هنا انتهت مراجعتى لكتاب مهذب الفقه ، وكان المرجو انهاؤها الى آخر الكتاب لكن عاقني عنه استعجال الناشر ، وقد وقع الفراغ من ذلك ليلة الثامن عشر من شهر ربيع الأول عام ١٤٠٦ هج بمدينة قم ، والحمد الله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

٥١٦

باب الحدود

قال الله تعالى ( الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ، وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ). (١).

وقال الله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ). (٢).

وقال الله تعالى ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ ، وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ). (٣)

وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : انه نهى عن تعطيل الحدود ، وقال : انما هلك بنوا إسرائيل لأنهم كانوا يقيمون الحدود على الوضيع دون الشريف (٤).

وعن أمير المؤمنين على بن ابى طالب عليه‌السلام انه قال لبعض أصحابه ممن وصاه بإقامة الحدود : عليك بإقامة الحدود على القريب والبعيد ، والحكم بكتاب الله في الرضا

__________________

(١) النور ، الاية ٢

(٢) النور الآية ٤

(٣) المائدة الآية ٤٢

(٤) دعائم الإسلام ، ج ٢ ، كتاب الحدود ، الحديث ١٥٤٠ ، ص ٤٤٢.

٥١٧

والسخط ، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود. (١)

وروى عنه عليه‌السلام انه كتب الى رفاعة : أقم الحدود على القريب يجتنبها البعيد ولا تطل الدماء (٢) ، ولا تعطل الحدود.

وليس يقيم الحدود إلا الأئمة عليهم‌السلام ، أو من ينصبونه لذلك ، أو يأمرونه به ، الا ما ورد في جواز إقامة أحدنا ذلك على بعض اهله ، وسيأتي ذكره فيما بعد بمشيئة الله تعالى ولا يجوز تضييع شي‌ء من الحدود الواجبة ولا النقص منها ولا الزيادة عليها ، ولا الشفاعة فيها أيضا. فإن كانت الحدود من حقوق الآدميين جازت الشفاعة فيها قبل رفعها الى الامام عليه‌السلام ، أو الى المنصوب من قبله ، فان رفعت اليه لم تجز الشفاعة بعد ذلك فيها ، وظهر المؤمن حمى الأمن حد يجب عليه ، ومن عفى عن حد ، وجب له ، لم يجز له الرجوع فيه بعد ذلك.

« باب الزنا وأقسام الزنا وما يتعلق بذلك »

الزنا معلوم من دين الإسلام تحريمه بغير خلاف ، وهو وطؤ البالغ الكامل لمن حرم الله تعالى وطأه من غير عقد ، ولا شبهة عقد ، في الفرج ، وقد تقدم ذكر المحرمات وما يصح الوطأ من عقد أو ملك في كتاب النكاح ، فلا وجه لإعادته هنا.

فاما شبهة العقد فهو ان يعقد الرجل على ذي محرم ـ من بنت أوام ، أو أخت أو ما أشبه ذلك ـ وهو لا يعرفها ، أو يعقد على امرأة لها بعل وهو لا يعلم ذلك ، أو يعقد عليها وهي في عدة ـ اما من طلاق رجعي أو بائن ، أو متوفى عنها زوجها ـ وهو غير عالم بحالها ، أو يعقد عليها وهي محرمة ، أو يعقد وهو محرم ناسيا ، ثم يعلم شيئا من ذلك ، فإنه يدرء الحد عنه : ولا يحكم عليه بالزنا. فان عقد على أحد ممن ذكرنا متعمدا ، (٣) وهو عالم بذلك ، ووطئها ، كان حكمها حكم الزنا.

__________________

(١) دعائم الإسلام ، ج ٢ ، كتاب الحدود ، الحديث ١٥٤٣ ، ص ٤٤٣

(٢) دعائم الإسلام ، ج ٢ ، كتاب الحدود ، الحديث ١٥٤١ ص ٤٤٢

(٣) في بعض النسخ « أو »

٥١٨

فاما الزناة ، فينقسمون خمسة أقسام.

أولها : يجب الحد فيه بالقتل على كل حال.

وثانيها : يجب الجلد فيه ، ثم الرجم.

وثالثها : يجب الرجم فيه دون الجلد.

ورابعها : يجب فيه الجلد ثم النفي.

وخامسها : يجب فيه الجلد فقط.

واما ما يجب فيه القتل على كل حال ، فهو وطؤ من وطأ ذات محرم منه ، من أم ، أو بنت ، أو أخت ، أو ابنتها ، أو بنت أخ ، أو عمة ، أو خالة ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ، شيخا كان أو شابا ، محصنا كان أو غير محصن. أو كان ذميا فزنى بمسلمة. فإنه يقتل على كل حال وان أسلم ، وعلى المرأة الحد على ما يستحقه ، من جلد أو رجم. وكل من غصب امرأة فرجها ، محصنا أو غير محصن وكل من زنى بامرأة أبيه ، محصنا أو غير محصن.

واما الذي يجب فيه الرجم بعد الجلد ، فهو وطؤ الشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا محصنين.

واما الذي يجب فيه الرجم دون الجلد ، فهو وطؤ كل محصن أو محصنة ليسا بشيخين.

واما الذي يجب فيه الجلد ثم النفي ، فهو البكر والبكرة ، والكبر هو الذي أملك على امرأة ولم يكن دخل بها.

واما الذي يجب فيه الجلد فقط ، فهو كل من زنى وهو غير محصن ولا بكر ، رجلا كان أو امرأة.

وحد الإحصان في الرجل ، ان يكون له فرج يتمكن من وطئه ، ويكون مالكا له بعقد أو ملك يمين. والعقد يكون دائما غير مؤجل ، لأن المتعة لا تحصن ، ولا فرق بين ان يكون العقد الدائم عقدا على حرة أو امة ، أو عقدا على امرأة يهودية

٥١٩

أو نصرانية فإن ذلك كله تحصن ، وملك اليمين أيضا يحصن. ومن كان غائبا عن زوجته غيبة لا يتمكن معها من الوصول إليها ، أو يكون حاضرا غير متمكن من وطئها بان يكون محبوسا ، أو ما جرى مجرى ذلك ، أو لا يكون دخل بها بعد ، فإنه لا يكون محصنا.

واما الإحصان في المرية ، فهو ان يكون لها زوج يغدو إليها ويروح ، يخلى بينه وبينها ، غير غائب عنها ، وقد دخل بها ، حرا كان أو عبدا.

والبكر الذي ذكرناه ، انه هو الذي أملك بالمرأة ولم يدخل بها ، يجب عليه مع الجلد جز شعره ، والنفي عن بلده (١) سنة. وإذا كان امرأة لم يجب عليها شي‌ء من ذلك ، ولا يجب عليها غير الحد.

والذي يجب عليه الجلد وليس عليه أكثر من ذلك ، فهو وطؤ كل من زنى وليس بمحصن ولا بكر ، فإنه يجب عليه الجلد ، رجلا كان أو امرأة.

وإذا زنى ثم جلد ، ثم زنى ثانية ثم جلد ، ثم زنى ثالثة وجلد ، ثم زنى رابعة ، كان عليه القتل. فان زنى اربع مرات أو أكثر من ذلك ولم يقم عليه حد لم يجب عليه أكثر من مأة جلدة.

وجميع هذه الأحكام خاصة في الحر والحرة ، إلا الأول ـ الذي هو القتل ـ فإنه يشترك فيه الحر والعبد. واما ما عدا ذلك فحكم المملوك غير حكم الحر ونحن نبين ذلك ، فنقول :

العبد والأمة إذا زنيا ، كان على كل واحد منهما خمسون جلدة ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون الزنا بحر أو حرة ، أو مملوك أو مملوكة ، شيخين كانا أو شابين ، محصنين أو غير محصنين ، بكرين أو غير بكرين ، لا يختلف الحكم في انه يجب عليهم خمسون جلدة مع هذه الوجوه كلها. فان زنيا ثماني مرات وأقيم عليهما الحد في ذلك ، ثم زنيا التاسعة ، وجب عليهما القتل. فان لم يقم عليهما

__________________

(١) في بعض النسخ زيادة « الى غير مهد ».

٥٢٠