المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

وإذا كان لإنسان من ذلك النهر الأعظم ، كوة معروفة وأراد الزيادة عليها بكوة أو كوتين وكانت هذه الزيادة غير مضرة بأهل النهر الأعظم كان له ذلك وجرى ذلك مجرى الأول (١) وان كانت الكواء في نهر مخصوص يأخذ من هذا النهر الأعظم لم يكن لأحد من ذلك النهر ان يزيد كوة وان كان ذلك لا يضرهم إلا بإذنهم. (٢)

وإذا أراد بعض الشركاء في النهر ان يعمل عليه جسرا أو يعقد قنطرة أو ما أشبه ذلك لم يجز له ذلك الا برضاء شركائه.

وإذا كان نهر بين رجلين له خمس كواء من هذا النهر الأعظم وارض أحد الرجلين في أعلى هذا النهر وارض الأخر في أسفل النهر فقال صاحب الأعلى أريد أن أسد بعض هذه الكواء لان ماء النهر يفيض في ارضى ويكثر عليها لم يكن له ذلك الا برضى الأخر فإن قال اجعل لي نصف الشهر ولك نصفه فاذا كان في حصتي سددت ما أردت سده من ذلك وتراضيا على ذلك كان جائزا.

وإذا قال أهل أسفل النهر نريد ان نوسع رأس النهر أو نزيد في كواته وقال أهل أعلاه إذا فعلتم ذلك زاد الماء على أرضنا وفاض فوقها فأفسد عليها (٣) لم يكن لأهل أسفله ان يوسعوا فيه شيئا ولا ان يزيد وافى شي‌ء من كوائه.

وإذا كان لجماعة أراضي وشربها من نهر يأخذ من النهر الأعظم لا يعلم قسط كل واحد منهم أو كل قرية شربها منه ، فاختصموا في الشرب كان ماؤه بينهم بمقدار حصصهم من الأراضي ومساحتها ولم يكن لأحد منهم ان يأخذ من مائه أكثر من قدر ري (٤) أرضه ولا يغير ما يتقرر بينهم في ذلك إلا بإذن الباقي من شركائه.

__________________

(١) أي الفرع المتقدم : إذا لم يضر النهر المحدث بالنهر الأعظم.

(٢) الفرق بين هذا وما قبله ان النهر المخصوص ومائه ملك لأصحابه بالحصص فلا يجوز لبعضهم أخذ ما زاد عن حصته وان كان زائدا عن حاجة الآخرين كما لا يجوز لغيرهم أخذ شي‌ء منه واما النهر الأعظم فهو مباح وانما كان لأصحاب الكواء أولوية في الأخذ منه بقدر الحاجة.

(٣) في نسخة ( ب ) « فأفسد غلتنا ».

(٤) الظاهر انه بالراء المهملة والياء المشددة وهو الشرب الكامل وفي المسألة

٤١

وإذا كانت فوهة النهر تجري في أرض إنسان ثم يصير جاريا بين أراض مشتركة فقال الذي فوهة النهر وأوله في أرضه ، هذا النهر لي وانما أرسله إليكم تبرعا وليس لكم حق في مائه وانا أريد سده عنكم وقال الذي يجري النهر بين أراضيهم : النهر لنا وليس لك أنت فيه شي‌ء وانما الأرض لك على حسبه (١) دونه ولم يكن لأحدهم بينة على ما ادعاه لم يجز له قطع الماء على الشاربة منه ولو اقام بينة على ان رسمه جرى بسده (٢) على أرضه أوقاتا معلومة لم يكن له قطعه على أهل أسفله بالكلية ولا ان يتجاوز بسده الأوقات التي جرى رسمه بمثلها.

وإذا كان نهر بين جماعة يأخذ من النهر الأعظم له (٣) فيه كواء مسماة ولكل واحد منهم نهر صغير من هذا النهر أو كو وكان نهر أحدهم في أسفل أرضه فإذا أراد ان يحول نهره فيجعله في أعلى أرضه لم يكن له ذلك لان النهر يذهب من الماء حينئذ بأكثر مما كان يذهب قبل ذلك ويضر بأصحابه فإن أراد صاحب النهر ان يكري نهره فيسفله عن موضعه وان كان متى فعل ذلك أخذ من الماء أكثر كان ذلك له وكان له أيضا ان يرفع الكو ان كانت مستقلة ليكون الماء أقل في أرضه.

وإذا سقي إنسان أرضه أو شجره وسال الماء في مسيله على أرض لإنسان آخر فغرقت به لم يلزمه ضمان ذلك. (٤)

__________________

قول آخر اختاره العلامة في التذكرة وهو الحكم بالتساوي بينهم عملا بقاعدة اليد وما ذكره المصنف هنا أظهر وقد تقدم أيضا.

(١) في نسخة ( ب ) فوق ذلك بعلامة البدل ومتن نسخة ( م ) « على جانبه » فلعل صواب المتن أيضا « على جنبه ».

(٢) اى بسده عن الأراضي المشتركة وإجرائه على أرضه.

(٣) الظاهر « لهم »

(٤) اعلم ان الفروع التي أوردها المصنف أخيرا في غير النهر مذكورة في المبسوط والنسخ التي بايدينا من المتن غير خالية من السقم وقد راعيت غالبا في ضبط الكلمات المشتبهة ما هو الموجود في نسخة الأصل ونبهت في التعليقة على صوابها من النسختين الآخرتين ان كان ما فيهما أصح أو من مناسبة المقام والمعنى أو بالاستعانة من بعض المصنفات الأخر على وجه الجزم أو الظن والاستظهار كما ترى الا قليلا مما كان الخطاء فيه واضحا فراعيت صوابه بدون التنبيه والله الهادي إلى الصواب

٤٢

« كتاب الرهن »

قال الله تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ » الى قوله « فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ » (١).

وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : انه رهن درعه عند يهودي على شعير أخذه لأهله (٢).

والإجماع حاصل على جواز الرهن ، فاذا كان كذلك ، فالرهن الشرعي (٣) :

__________________

(١) البقرة ـ ٢٨٣.

(٢) رواه البخاري وابن ماجة في كتاب الرهن من صحيحيهما بالإسناد عن عائشة وانس ، وأورده شيخنا النوري في مستدركه في كتاب الرهن عن درر اللئالى للاحسائى مرسلا.

وروى أيضا ابن ماجة في كتاب المذكور والبخاري في كتابي الجهاد ، والمغازي من صحيحه ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير.

وقيل كما في المبسوط انه صلى‌الله‌عليه‌وآله انما عدل عن أصحابه إلى يهودي لئلا يلزمه منة إذ لا يؤمن ان استقرضه من بعضهم ان يبرأه من ذلك والله العالم.

(٣) اى بمعناه الشرعي في مقابل معناه اللغوي الذي هو الدوام والثبات ، يقال : نعمة راهنة اى ثابتة دائمة.

٤٣

« هو جعل المال عند صاحب الدين وثيقة له على ماله ».

ويفتقر في صفة الرهن إلى الإيجاب والقبول، ولا يصح الرهن قبل ثبوت الحق ، والوقت الذي يجوز أخذ الرهن فيه ، هو بعد اللزوم الحق ، أو مع لزومه أيضا ، فاما قبل ذلك فلا يصح كما ذكرناه.

ويجوز عقد الرهن في الحضر والسفر ، ويجوز أخذه في كل دين ثابت في الذمة ، مثل القرض ، والأجرة ، والمهور ، وعوض الخلع ، وقيم المتلفات ، وأروش الجنايات.

ويجوز أخذ الرهن على مال الجعالة ، وعلى الدية على العاقلة بعد سنة ، ويجوز أخذه بالثمن في مدة الخيار المتفق عليها ، ويجوز أخذه على الباقي في مال الكتابة ، من المكاتب الذي ليس بمشروط عليه ، إذا تحرر منه جزء ، لأنه بعد ان يتحرر منه جزء ، لا يجوز رده في الرق ، فيجوز أخذ الرهن على ما ذكرناه.

واما مال الكتابة المشروطة ، فلا يجوز أخذ الرهن عليه ، لان للعبد المشروط عليه إسقاط ذلك من نفسه اى وقت أراد إسقاطه ، فهو غير ثابت في ذمته ، وأيضا فإنه متى امتنع من مال الكتابة ، كان لسيده رده في الرق ، فلا يحتاج مع ذلك الى الرهن.

وإذا استأجر إنسان غيره اجارة يتعلق بعينه ، مثل ان يستأجره ليخدمه ، أو يستأجره في عمل يعمله بنفسه ، لم يصح أخذ الرهن منه ، لأنه إنما يجوز أخذه على حق ثابت في الذمة ، وليس ذلك ثابتا في ذمة الأجير ، فلا يجوز أخذ الرهن منه عليه :

فان استأجره على عمل في ذمته ، مثل ان يجعل (١) له عملا من خياطة ، أو غير ذلك جاز أخذ الرهن عليه ، لان ذلك ثابت في ذمة الأجير ، وغير متعلق بعين (٢) ، وللأجير ان يعمله بنفسه ، أو بغيره ، وان هرب هذا الأجير ، جاز بيع الرهن واستيجار

__________________

(١) في نسخة ( م ) وهامش نسخة ( ب ) بعلامة البدل « ان يحصل له » وهو أصح

(٢) اى بعين الأجير ولعله كان « بعينه ».

٤٤

غيره به ، ليحصل العمل ، وقد ذكرنا فيما تقدم ان أخذ الرهن لا يجوز الا بعد ثبوت الحق في الذمة ، أو في حال لزومه ، فاذا كان كذلك وقال أحد المتعاقدين لصاحبه (١) « بعتك هذا الشي‌ء بكذا على ان ترهن كذا بالثمن » وقال المشترى : « اشتريته على هذا » صح شرط الرهن ، وأخذه بعد عقد البيع وتسليمه اليه.

وإذا قال « بعتك هذا الشي‌ء بمأة ، أو رهنت (٢) منك كذا بالثمن » وقال المشترى « اشتريته منك بمأة ورهنتك هذا الشي‌ء » صح حصول (٣) عقد البيع وعقد الرهن ، فاما قبل ذلك فقد قلنا انه لا يجوز وذلك مثل ان يقول : « رهنتك هذا الشي‌ء على دينار أو درهم تقرضينه في غد » فاذا دفع ذلك إليه في غد لم ينعقد الرهن على ذلك.

ومما يصح الحاقة بذلك (٤) ان يقول الإنسان لغيره « أعتق عبدك وعلى الف » في ان ذلك يصح ، فإن أعتق العبد وجب عليه الالف.

وكذلك إذا قال : « طلق امرأتك وعلى الف » ففعل ، لزمه الألف ، لأنه يجوز من هذا الباذل للمال ان يعلم انه على فرج حرام مقيم فيستنزله عنه بما يبذله من المال

__________________

(١) هذا وما بعده مثال لأخذ الرهن حال لزوم الحق وهو الثمن.

(٢) الصواب « وارتهنت » كما في هامش نسخة ( ب ) بعلامة البدل.

(٣) الصواب « لحصول » كما في نسخة ( ب ) بعلامة البدل.

(٤) يعنى ان هذه المسائل الثلاث ليست من الرهن لكن ألحقت به في الصحة كما أوردها في المبسوط هنا ، ولعل الصواب « ومما لا يصح » كما كان في نسخة ( ب ) كذلك ، فضرب على لفظة « لا » فالمراد انه لا يصح إلحاق هذه المسائل بالرهن على القرض المزبور بدعوى عدم ثبوت الحق فيها أيضا.

وعلى كل فقد أورد الأخيرة منها في الشرائع ، والقواعد في باب الديات بمناسبة تزاحم السبب والمباشر ، وادعى في الجواهر ومفتاح الكرامة الإجماع على صحتها ويدل عليها عمومات العقود والشروط وكون بناء العرف فيها على الإلزام.

٤٥

فإذا طلق كان عليه الف له ، وكذلك لو قال : له وهو في سفينة البحر « الق متاعك في البحر وعلى ضمان قيمته » صح ، إذا كان غرضه تخفيف السفينة وخلاص النفوس من الغرق ، فاذا فعل ذلك كان عليه قيمة المتاع لصاحبه.

وإذا عقد الرهن أو سلمه من ليس بكامل العقل ، أو هو محجور عليه لم يصح عقده ، ولا تسليمه ، لان ذلك انما يصح ممن هو كامل العقل غير محجور عليه.

وكل ما جاز بيعه من مشاع أو غيره فإنه يجوز رهنه ، فان اختلف المرتهن والشريك فقال المرتهن لست أرضى بأن يكون الرهن في يد الشريك ، وقال الشريك لا ارضى بكونه في يد المرتهن ، ولم يتفقا على من يجعلانه في يده من عدل ، أو ممن يرضيانه لذلك أخذه الحاكم وآجره ، وجعل لكل واحد من الشريكين قسطا من الأجرة ، ويكون إيجاره له الى حين محل الدين ، ليمكن بيعه في حق المرتهن.

وإذا اذن الراهن للمرتهن في قبض الرهن، ثم رجع عن الاذن في ذلك ، ومنعه من قبضه لم يجز له ذلك ، لان بالإيجاب والقبول أوجب قبض الرهن (١) ، فليس له بعد ذلك الرجوع فيه ، ولا منعه منه.

وإذا رهن شيئا ثم جن ، أو أغمي عليه كان للمرتهن قبضه ، لان ذلك قد لزم بالإيجاب والقبول (٢).

__________________

(١) اختلف الأصحاب في ان القبض شرط في لزوم الرهن أولا ، ففي المختلف حكى الأول عن جماعة منهم المصنف ، ومقتضاه انه ما لم يقبضه كان للراهن الرجوع عن رهنه ، وهذا مخالف لقوله هنا وفي المسئلة التالية ، وما في بعض المسائل الاتية في أواخر الباب ويأتي قريبا توجيه ما ظاهره المنافاة له ، نعم يظهر منه في مسئلة الخرس التالية وفي أواخر الباب أيضا انه وان كان القبض واجبا على الراهن لكن لا يجوز للمرتهن قبضه إلا باذنه ، وظاهر قوله هنا انه إذا اذن له مرة كان للمرتهن قبضه ، وان رجع عن اذنه قبل القبض ونحو ذلك كلام الشيخ في المبسوط.

(٢) الظاهر ان المراد ما إذا اذن له في القبض ثم جن الراهن أو أغمي عليه قبل تحققه ، كما صرح بذلك في المبسوط ولم يذكر المصنف قيد الاذن هنا لكونه

٤٦

وإذا رهن إنسان شيئا ، ثم خرس، فان كان يحسن الإشارة أو الكتابة فأشار ، أو كتب بالإذن في القبض ، كان جائزا ، وقام ذلك منه مقام الكلام ، وان كان لا يحسن الكتابة ، ولا يعقل الإشارة ، لم يجز للمرتهن قبض الرهن ، لأنه يفتقر الى رضاه وكان على وليه تسليمه إليه لأنه بالعقد قد وجب ذلك الرهن.

وإذا قبض المرتهن الرهن بإذن صاحبه، فقد لزم بغير خلاف (١) ولم يجز للراهن فسخه ، لما قدمناه من أنه وثيقة المرتهن على الراهن فلا يجوز له إسقاطه ويجوز للمرتهن إسقاطه وفسخ الرهن لأنه حقه ، ولا حق للراهن فيه ، فاذا كان كذلك وأسقطه أو فسخه بان يقول : « فسخت الرهن ، أو أبطلته ، أو أقلته فيه ، أو ما جرى مجرى ذلك » كان جائزا ، فإن أبرأه من الدين ، أو افترقا (٢) سقط الدين وبطل الرهن ، لأنه يتبع الدين فاذا سقط الدين سقط الرهن.

فإن أبرأه من بعض الدين ، أو قضاه بعضه ، لم ينفك الرهن ، فكان باقيا بحاله الى ان لا يبقى من الدين شي‌ء ، لأنه وثيقة المرتهن على جميع ماله من الدين (٣) الى ان لا يبقى منه قليل ولا كثير.

__________________

عطفا على ما قبله ، فحاصله ان الجنون والإغماء أيضا لا يوجب منع المرتهن عن القبض إذا اذن له فيه لثبوت حقه بذلك ، فلا ينافي هذا ما يأتي في مسئلة الخرس ، ثم انه يمكن ان يقال إذا وجب الإقباض على الراهن ، فإنما هو الحق المرتهن فلا وجه لاشتراط قبضه باذنه ولذا أورد في المختلف على الشيخ بان ما ذكره في مسألة الخرس مناف لما ذكر قبله.

(١) الظاهر ان مراده ان اللزوم بعد القبض إجماعي ، فلا ينافيه ما تقدم من اللزوم قبله أيضا على مختاره ، كما يظهر ذلك من المبسوط.

(٢) لعل الصواب « وافترقا » كما في نسخة ( ب ) فلعل بناء المصنف على اشتراط الافتراق في لزوم الإبراء كما في البيع ، ويحتمل ان يكون « أو اقتضاه » أو نحو ذلك ، ويؤيده العبارة التالية وانه في المبسوط « أو استوفاه ».

(٣) فيه ان الظاهر انه وثيقة عليه بنحو المقابلة كالمعاوضة ، فإذا سقط بعضه ينفك من الرهن بنسبته.

٤٧

وإذا آجر المرتهن الرهن من صاحبه، أو أعاره لم ينفسخ ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون إيجاره له ، أو إعارته قبل القبض ، أو بعده ، لأن استدامة القبض ليست شرطا فيه ، وان كان إعارته له وإيجاره غير جائز ، لأنه ليس للمرتهن التصرف فيه ، واجرة الرهن للراهن دون المرتهن :

وإذا استأجر شيئا ، وارتهن الرقبة ، (١) ثم آجره أو أعاره من الراهن ، أو اوصى (٢) بمنفعة عين من الأعيان ، ثم ارتهن الرقبة من صاحبها ، ثم آجر منفعتها منه ، أو أعاره ، كان الإيجار والإعارة جائزين ، ولا يقتضي ذلك فسخ الرهن.

وإذا كان لإنسان في يد غيره وديعة ، أو إجارة ، أو عارية ، أو غصب فجعله رهنا عنده على دين له عليه ، كان جائزا (٣) ويكون ذلك قبضا ، لأنه في يده ولا يفتقر الى نقله إذا كان قد اذن له الراهن في قبضه عن الرهن.

وإذا أقر المرتهن والراهن بقبض الرهن في وقت يمكن صدقهما فيه، صح الإقرار ولزم الرهن ، وان كان لا يصح صدقهما في الوقت الذي ذكرا ، ان القبض وقع فيه ، كان الإقرار باطلا ، مثال ذلك ان يقول للشاهدين « اشهدا على بأنني قد رهنته اليوم داري التي بمكة » أو ما أشبه ذلك ، وأقبضته إياها ، ويتصادقان على ذلك ، فإنه يكون باطلا ، لأنه لا يمكنه قبض الرهن من يومه.

وإذا أقر الراهن والمرتهن بقبض الرهن ، ثم ادعى (٤) بعد ذلك انه لم يكن

__________________

(١) اى ارتهن المستأجر رقبة العين المستأجرة من الموجر بدين كان له على الموجر ، وهكذا فيما إذا اوصى له بمنفعة عين فإنه يكون رقبتها لوارث الموصى فارتهنها الموصى له من صاحبها بدين له عليه والغرض بيان صحة إجارة هذه العين ثانيا ، أو إعارتها لصاحبها بعد ارتهانها منه وعدم انفساخ الرهن بذلك.

(٢) الصواب « اوصى له ».

(٣) لكن يأتي قريبا انه في العارية لا يجوز له الانتفاع بها بعده ، وفي الغصب لا يزول عنه الضمان على كلام لنا فيه.

(٤) اى الراهن ثم انه تقدم ان ظاهر المصنف لزوم الرهن قبل القبض فثمرة هذا

٤٨

قبضه ، لم يحلف : لان دعواه تكذيب لنفسه فلا يسمع منه ، ولا يمين على المرتهن ، فان كان إقراره بقبض الشي‌ء الغائب عنه ، على الظاهر بكتاب ورده من وكيل له ، أو بخبر من يأنس إلى قوله ، ويركن اليه ، ثم قال تبينت (١) انه لم يكن قبضه ، وان من أخبرني كذب ، أو أخطأ ، وأراد يمين المرتهن ، كان له ذلك ، لأنه لا يكذب بيمينه الإقرار في الحقيقة ، لأنه أخبره بقبضه على الظاهر ، ثم بين ان الباطل بخلاف ذلك.

وإذا شهد شاهدان على مشاهدة القبض من المرتهن لم يسمع دعوى الراهن بأنه لم يقبضه ، ولا يحلف المرتهن ، لأنه تكذيب للشاهدين ، وهكذا إذا شهدا على إقراره بالقبض ، فقال : « ما أقررت بقبضه » لم يسمع منه ذلك ، لأنه تكذيب للشاهدين اللذين شهدا عليه بذلك.

وجميع ما يكون قبضا في الشرع (٢) ، يكون قبضا في الرهن ، والهبات ، والصدقات ، لا يختلف ، وجملة القول ان المرهون إذا كان خفيفا يمكن تناوله باليد ، كان القبض فيه التناول بها ، وان كان ثقيلا مثل دابة أو عبد ، كان القبض فيه نقله من موضعه الى غيره ، وان كان طعاما معينا وارتهن منه مكيالا معينا (٣) ، كان قبضها نقلها من موضعها الى موضع آخر ، وان كان مما لا ينقل ولا يحول من ارض ودار عليها باب مغلق ، فقبض ذلك ان يخلى صاحبها بينها وبين المرتهن ، ويفتح بابها ،

__________________

الفرع وأمثاله تظهر في سائر آثار القبض كما إذا باع شيئا وشرط فيه رهنا على الثمن فحدث به عيب فإنه ان كان قبل قبض البائع له فله فسخ البيع والا فلا.

(١) في هامش نسخة الأصل ونسخة ( ب ) بعلامة البدل « ثبت ».

(٢) في نسخة ( ب ) بصورة التصحيح ونسخة ( م ) « في البيوع ».

(٣) زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا بعلامة التصحيح وفي نسخة ( م ) « كان قبضه ان يكتاله ، فان ارتهن صبرة على ان كيلها كذا كان قبضها ان يكتالها فان ارتهنها جزافا ».

٤٩

أو يسلم مفتاحها اليه ، وان لم يكن عليها باب فقبضها ان يخلى بينها وبينه من غير حائل.

فإن كان بينهما مشاعا وكان مما لا ينقل ، خلي بينه وبينه ، سواء حضر الشريك فيه أو لم يحضر ، وان كان مما ينقل ويحول ، مثل الشقص من سيف ، أو جوهر ، أو ما أشبه ذلك ، فلا يجوز تسليمه الى المرتهن الا بحضرة الشريك فيه ، لأنه يريد نقل نصيبه ونصيب شريكه الى يده ، فاذا حضر وسلمه اليه ورضيا بان يكون الجميع على يد المرتهن كان ذلك جائزا وان رضيا ان يكون الجميع في يد الشريك كان أيضا جائزا وان رضيا ان يكون على يد عدل كان جائزا فإن اختلفا أو تشاحا في ذلك فقد تقدم القول فيه

وإذا رهن إنسان عند غيره شيئا بدين الى شهر، على انه ان لم يقبض ذلك الى محله ، كان الرهن مبيعا بالدين الذي عليه ، لم يصح الرهن ، ولا البيع بغير خلاف ، لان الرهن موقت ، والبيع قد علق بزمان مستقبل ، فان هلك هذا الرهن في يده في الشهر ، لم يكن مضمونا عليه ، لان صحيح الرهن غير مضمون ، فكيف الرهن الفاسد ، وبعد الأجل فهو مضمون عليه ، لأنه في يده ببيع فاسد ، والبيع الصحيح والفاسد مضمون عليه بغير خلاف.

وإذا غصب إنسان من غيره عينا من الأعيان، وجعلها المغصوب منه رهنا في يد الغاصب بدين له عليه قبل ان يقبضها منه ، صح كونها مرهونة في يده ، وعليه ضمان الغصب (١) ، فان باعها منه ، زال الضمان.

ومن أعار غيره شيئا ، ثم رهنه، كان الرهن صحيحا ، ويخرج بذلك عن حد العارية ، ولا يجوز للمرتهن الانتفاع به كما كان ينتفع به قبل ان يصير رهنا عنده.

وإذا رهن دارين ، أو سلعة ، (٢) وبطلت إحداهما ، وكان ذلك قبل القبض ، والرهن مما ينقل ويحول ، فإنه ينفسخ في التالف ، ولا ينفسخ في الباقي ، ويكون

__________________

(١) ظاهره الضمان بعد الرهن وأظهر منه عبارة المبسوط ويشكل بأنه تخرج العين بذلك عن صفة الغصب الا ان يكون المراد ما إذا رضي صاحبها به لأجل الضرورة حيث انه لا يمكنه الوصول الى ماله فكونه رهنا اولى من ذهابه

(٢) الصواب « سلعتين » كما في المبسوط ويظهر من آخر العبارة.

٥٠

رهنا لجميع المال ، فان كان الرهن شرطا في البيع ، كان البائع مخيرا بان يرضى بإحدى الوثيقتين ، ويجيز البيع ، وبين ان يفسخ ، لهلاك احدى الوثيقتين ، فإن أجاز البيع ، كان الباقي رهنا بجميع الثمن ، لان الرهن كله وكل جزء من اجزائه مرهون بجميع الدين وبكل جزء من اجزائه.

وان كان مما لا ينقل ولا يحول ، مثل دارين احترقت إحداهما ، قد تلف خشبها ، وذلك يأخذ قسطا من الثمن ، ويكون الحكم في ذلك مثل ما ذكرناه في ما ينقل ويحول.

فان انهدمت ولم يتلف منها الا التأليف (١) فذلك لا يقابله بالثمن ، والذي يقابله الثمن من الأعيان باقية ، الا ان قيمتها بالانهدام نقصت ، وإذا كان كذلك لم ينفسخ من الرهن شي‌ء ، والبائع مخير ، ان كان الرهن شرطا في عقدة البيع ، لنقصان قيمة الرهن في يد الراهن قبل تسليم الرهن ، فان شاء فسخ البيع ، وان شاء اجازه ، ورضي بالدار المنهدمة رهنا ، فيكون العرصة والنقض (٢) كلها رهنا.

واما ان كان التلف والانهدام بعد القبض ، فان الرهن لا ينفسخ في الباقي ، ولا يثبت له (٣) الخيار للمرتهن البائع ، وليس له ان يطالب ببدله. لان العقد تناوله بعينه.

وإذا رهن جارية قد أقر بوطأها، كان الرهن صحيحا ، فان لم يظهر بها حمل فقد استقر الرهن بغير خلاف ، وان ظهر بها حمل ، وولدت ، لأقل من ستة أشهر

__________________

(١) بالهمزة بمعنى الانضمام ، فالمراد ان الذي تلف بالانهدام انضمام اجزاء البيت ، واحتراق بعضها ، وهو الخشب ، والبيت باجزائه دون أوصافه رهن عن الدين ، فاذا تلف بعضه بطل الرهن بالنسبة إليه دون ما إذا تلف وصفه ، لكن للبائع خيار فسخ البيع ان كان الرهن شرطا فيه لنقص قيمته.

(٢) بالنون المكسورة والقاف والضاد المعجمة مصالح البيت من الطوب والأحجار.

(٣) اى لأجله ولعل الصواب « به ».

٥١

من وقت الوطأ ، فان المملوك (١) لا يلحق به ، لأنه لا يجوز ان يكون من الوطأ الذي أقربه ، ونسب ولد الجارية لا يثبت ، الا من وطأ أقربه بغير خلاف ، وان ولدت لستة أشهر فصاعدا الى تمام تسعة أشهر ، كان الولد حرا ، ويثبت نسبه منه ، ولا تخرج الجارية من الرهن عندنا.

وإذا رهن الجارية ، وقبضها المرتهن ، لم يجز للراهن وطأها (٢) بغير خلاف لان الوطأ ربما أحبلها ، فينقص قيمتها ، وربما هلكت بالولادة.

واما سكنى الدار المرهونة ، وزراعة الأرض المرهونة ، واستخدام العبد المرهون ، وركوب الدابة المرهونة ، فإن جميع ذلك لا يجوز عندنا ، وان وطأها لم يجب عليه الحد.

وإذا وطأها الراهن بإذن المرتهن ، لم ينفسخ الرهن ، سواء حملت أو لم تحمل فان باعها باذنه ، انفسخ الرهن ، ولا يجب عليه قيمته (٣) ، لأنه أتلفه بإذنه ، فإن فعل ذلك بغير اذنه ، فمات كانت قيمته عليه.

وإذا اذن المرتهن للراهن في العتق ، أو الوطأ ، ثم رجع عن الإذن ، فان

__________________

(١) في نسخة ( ب ) تصحيحا وجواهر المصنف « فان الولد مملوك لا يلحق به ».

(٢) هذا من المسائل المشكلة حيث ادعى جماعة من القدماء الإجماع على عدم جواز تصرف الراهن في العين المرهونة لكن في خبرين صحيحين جواز وطأ الجارية ، وفي خبر آخر جواز غيره ولا دليل على ما ذكروه الا ما أرسله العلامة في المختلف ، وبعض من تأخر عنه من قوله عليه‌السلام « الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف » وهذا غير موجود في اخبار الخاصة والعامة وفقه القدماء ، ولهذا اختار بعض المتأخرين كالمحققين : الأردبيلي والسبزواري جواز ما لا يضر بالرهن والله العالم.

(٣) الصواب كما في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا : ولا يجب عليه قيمتها مكانها ، وإذا اذن المرتهن للراهن في ضرب الرهن فضربه فمات لم يجب عليه قيمته لأنه أتلفه اه ونحوه في المبسوط ، والمراد بوجوب قيمته هنا ان يجعلها رهنا مكانه ، وذكر المصنف في جواهره ذلك أيضا في ضرب المرتهن بإذن الراهن الا ان المراد بوجوب القيمة فيه الضمان.

٥٢

كان رجوعه بعد إيقاع المأذون فيه الفعل ، لم ينفعه الرجوع ، ولا يكون له تأثير ، وان كان الرجوع قبل الإيقاع ، وعلم الراهن برجوعه ، فقد بطل اذنه ، ولم يجز له الوطأ ، ولا العتق ، فان لم يكن عالما بالرجوع كان ما فعله ماضيا ، وليس عليه شي‌ء

وإذا وطأ الراهن أو أعتق ، واختلف هو والمرتهن ، فقال الراهن فعلته بإذن المرتهن ، وقال المرتهن فعليه بغير امرى ، كان القول قول المرتهن مع يمينه ، لأن الأصل عدم الاذن ، والراهن مدع لذلك ، فعله البينة على ما ادعاه ، فاذا حلف المرتهن ، كان بمنزلة ما لو فعله الراهن بغير اذنه ، (١) وان نكل عن اليمين ، ردت اليمين على الراهن ، فاذا حلف صار كأنه فعله بإذن المرتهن ، فان نكل الراهن أيضا لم يلزم الجارية المرهونة يمين.

وإذا حلف الراهن والمرتهن ، حلف على القطع والبتات.

وان كان هذا الاختلاف بين ورثتهما ، فان وارث المرتهن يحلف على العلم فيقول : « والله لا اعلم ان مورثي فلانا ابن فلان اذن لك في كذا » لأنه ينفي فعل الغير واليمين على نفى فعل الغير يكون على العلم ، وان نكل عن اليمين ، فردت على وارث الراهن حلف على القطع (٢) والبتات.

وإذا أقر المرتهن بأربعة أشياء : بالاذن للراهن في للراهن في الوطأ ، وبأنه وطأ ، وبان الجارية ولدت منه (٣) وبمدة الحمل ، مثل ان يقر بأنها ولدت من وقت الوطأ لسنة

__________________

(١) لم يذكر المصنف هنا حكم ما لو فعله الراهن بغير اذن المرتهن والظاهر انه البطلان في الإعتاق وفي الوطأ ان ادى الى تلف الجارية أو نقص قيمتها بالولادة ، أو الافتضاض يلزم الراهن بقيمتها مكانها ، أو بأرشها معها رهنا كما في المبسوط ، وظاهر المصنف فيما يأتي في مسائل الاختلاف ان من حكمه أيضا انها ان ولدت من الراهن لا تصير أم ولده بالنسبة إلى حق المرتهن فله ان يبيعها في دينه.

(٢) زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « لأنه يحلف على إثبات الاذن ، ومن يحلف على إثبات فعل غيره يحلف على القطع ».

(٣) الظاهر زيادة لفظة « منه » لأنه لو أقر بولادتها منه فدعوه بان الولد من غيره

٥٣

أشهر فصاعدا ، ثم ادعى هذا المرتهن المقر بما ذكرناه ، بان الولد من غيره ، لم يصدق ، وكانت الجارية أم ولد للراهن ، والولد حر لا حق بالراهن ، ثابت النسب منه ، وليس على الراهن يمين هاهنا ، لان المرتهن قد اقر بما يقتضي إلحاق الولد بالراهن ، وانها أم ولده ، لأنه أقر بوطئها ، وانها ولدت لستة أشهر من وقت ذلك الوطأ ومع ذلك (١) لا يقال بان الولد من غيره.

فان اختلفا في شي‌ء من هذه الشروط الأربعة ، كان القول قول المرتهن مع يمينه بأنه لم يأذن فيه ، فان اتفقا على الاذن واختلفا في فعل الوطأ ، كان القول أيضا قول المرتهن مع يمينه ، انه لم يطأها.

فإن اختلفا في ولادتها ، فقال المرتهن انما لم تلده ، وانها التقطته ، أو استعارته ، وقال الراهن بل ولدته ، كان القول قول المرتهن ، وكذلك إذا قال ـ المرتهن ولدته من وقت الوطأ لما دون ستة أشهر كان القول قوله مع يمينه ، فاذا حلف في هذه المسائل ، كان (٢) حرا ، وكان نسبه لا حق بالراهن ، لإقراره بذلك ، وحق المرتهن

__________________

مناقض لنفس إقراره ، والمقصود هنا كما يظهر من التعليل ما إذا كان مناقض لمقتضى إقراره ، وهذا انما يكون إذا أقر بأصل ولادتها ويشهد له أيضا انه لم يذكر هذا القيد في صورة الاختلاف.

(١) هذا تمام التعليل اى مع هذا الإقرار من المرتهن لا يحكم له بدعواه ان الولد من غير الراهن ، والحاصل انه قد يتوهم ان اللازم تصديق المرتهن ، لكون الجارية في يده ، وهو اعلم بحالها ، فدفعه المصنف ونحوه في المبسوط بأنه مناقض لإقراره.

(٢) أي الولد : وظاهر المصنف ان فائدة قبول دعوى المرتهن بيمينه في هذه المسائل عدم كون الجارية أم ولد الراهن بالنسبة إلى حق المرتهن ، فيجوز له بيعها في دينه ، بخلاف ما قبلها الذي لم يقبل فيه دعواه ، واما الولد فحر ونسبه للراهن ولا يتعلق به حق المرتهن على كل حال ، ويستفاد من ذلك عدم جواز بيع أم الولد المرهونة ، ولا ينافيه ما تقدم من عدم خروج الجارية بالحمل. أو الولادة عن الرهن لجواز عدم الملازمة عند المصنف بين الرهن ، وجواز البيع والله العالم.

٥٤

لا يتعلق به ، ولا تصير الجارية في حقه أم ولد ، ويباع في دينه ، فاذا عادت الى الراهن كانت أم ولده :

وكذلك لو قال الراهن : أعتقتها بإذنك ، وقال المرتهن : ما أذنت لك في ذلك ، وحلف وبيعت في دينه ، ثم ملكها الراهن ، ـ عتقت عليه ، لأنه أقر بأنهاحرة

فاما المرتهن فلا خلاف في انه لا يجوز له وطؤ الجارية المرهونة ، فإن خالف ووطأ ، وكان وطؤه بغير اذن الراهن ، كان زانيا ولم يكن عقد الرهن شبهة فيه ، وكان عليه الحد ، وان ادعى الجهالة لم يقبل منه ذلك إلا في الموضع الذي يقبل الدعوى لذلك بتحريم الزنا ، وهو ان يكون نشأ في موضع بعيد عن بلاد الإسلام يجوز ان يخفى عليه ذلك ، أو يكون نشأ في بلاد الكفر ، وكان قريب العهد بالإسلام لا يعرف ذلك ، فاما إذا كان بخلاف ما ذكرناه ، فإنه لا يقبل منه الدعوى للجهالة ويجب عليه الحد.

فاما المهر فلا يجب عليه ذلك لسيدها إذا طاوعته ، لان مهر البغي منهي عنه ، وإذا طاوعته الجارية ، وكانت عالمة بتحريم الزنا ، كان عليها الحد ، وان كانت جاهلة وأمكن ذلك ، أو كانت مكرهة ، لم يجب عليها حد ، فإن أحبلها كان الولد رقا ، (١) هذا إذا لم يدع الجهالة بتحريمه ، أو ادعاها وكان ممن لا تقبل دعواه.

وان ادعى الجهالة وكان ممن تقبل دعواه ، لم يجب عليه حد ، واما المهر فإنه ان كان أكرهها ، أو كانت نائمة وجب ، وان طاوعته وهي لا تدعي الجهالة (٢) وهي ممن يقبل منها ذلك ، وجب المهر.

ويكون الاعتبار في وجوب المهر بها (٣) ، والحد ، ولحوق الولد ، وحريته ،

__________________

(١) اى للراهن : فان الحكم في الزنا بالأمة كون الولد رقا لمالكها لانتفاء نسبه من الزاني ، وكونه تابعا لامه كما يأتي في باب نكاح الإماء من كتاب النكاح

(٢) الصواب زيادة « لا » كما في نسخة ( م ) أو هنا سقط ، وهو كما في المبسوط ، « أو تدعيها ولا يقبل منها ذلك لم يجب المهر ، وان كانت تدعى الجهالة ».

(٣) اى بالجارية : وحاصله ان في وجوب المهر على المرتهن ، يعتبر حال الجارية ، فإن كانت مطاوعة ولم يقبل منها دعوى الجهالة لم يجب ، والأوجب سواء ،

٥٥

فإنه يعتبر ، فاذا قبل دعواه الجهالة أسقط عنه الحد ، والحق به الولد ، وكان حرا ، وعليه قيمته يوم يسقط حيا.

فان كان وطأها بإذن الراهن وكانت (١) ممن تدعى الجهالة بتحريم الوطأ ، قبل منها وأسقط الحد عنها ، ويلحق النسب ، ويكون الولد حرا بغير خلاف.

وان كانت ممن لا تدعي الجهالة بتحريم الوطأ فهو زنا ، والحكم فيه على ما تقدم ، (٢) واما المهر فقد اختلف في وجوبه ، والأحوط انه لا يجب ، لأنه ليس على وجوبه دليل ، والأصل براءة الذمة ، واما الولد فإنه يكون حرا ، ولا يجب عليه قيمته.

وإذا كان الرهن في دين إلى أجل، واذن المرتهن للراهن في بيعه إذنا مطلقا فقال له قبل حلول الحق بع الرهن ، فباعه نفذ البيع وبطل الرهن ، وكان ثمنه للراهن دون المرتهن ، ولم يجب على الراهن ان يجعل موضوعه رهنا غيره ، فان كان اذنه مشروطا بان يكون ثمنه رهنا عوضه كان الشرط جائزا ، ويكون ثمنه رهنا عوضه ، فان قال المرتهن أذنت في البيع مطلقا لفظا وكان في نيتي واعتقادي

__________________

كان المرتهن عالما في الصورتين ، أو جاهلا ، وفي الحد عليه ، ولحوق الولد به ، وكونه حرا يعتبر حاله في العلم والجهل.

(١) الصواب « وكان » اى المرتهن وكذا في الضمائر المؤنثة بعده فان الكلام في حكم المرتهن كما يشهد له السياق ولحوق النسب وحرية الولد.

(٢) اى من وجوب الحد ، وقال في المختلف بعد نقل ذلك عن المبسوط : ـ الحق جواز الوطأ مع اذن الراهن ، قلت : لما ثبت نصا وفتوى جواز تحليل المالك جاريته لغيره الا ان يراد هنا مجرد الاذن ، ويكون الشرط في التحليل إنشاءه بلفظ كما ذكره في المختلف في بابه ، ثم ان ظاهر المتن والمبسوط انه لا يشترط في قبول دعوى الجهل هنا ، ما تقدم في الوطأ بغير الاذن ولعله لكون الاذن شبهة وظاهرهما أيضا نفى المهر على المرتهن مع جهل الجارية بالتحريم وحرية الولد مع علم المرتهن به خلافا لما تقدم في الوطأ بغير الاذن وكأنه لكون اذنه سببا لسقوط حقه من المهر والاسترقاق.

٥٦

ان يجعل الثمن لي قبل محل الحق ، لم يلتفت الى هذه الدعوى منه ولم يكن بنيته اعتبار في ذلك ولا يفسد اذنه المطلق بما نواه واعتقده ، فان شرط ان يجعل ثمنه في ذمته (١) قبل محله فباع الرهن كان البيع ماضيا ، ويكون الثمن رهنا الى وقت الاستحقاق.

فان اختلفا فقال الراهن أذنت مطلقا فالرهن باطل ، والبيع نافذ ، وقال المرتهن أذنت لك بشرط تعجيل الحق من ثمنه كان القول قول المرتهن لأنهما لو اختلفا في أصل الاذن لكان القول قوله مع يمينه فكذلك إذا اختلفا في صفته.

فان اذن له مطلقا بعد محل الحق في البيع فباع ، صح البيع ، وكان الثمن رهنا مكانه ، حتى يقضى ما عليه منه أو من غيره ، لان عقد الرهن يقتضي بيعه عند محله عند امتناع من عليه الدين من بذله (٢).

ارض الوقف وارض الخراج ، وهي كل ارض افتتحت عنوة وهي لكافة

__________________

(١) الصواب « في دينه » كما في جملة من الكتب المتعرضة لهذا الفرع ، والمراد ان يشرط المرتهن في اذنه ان يعجل الراهن أداء دينه من ثمنه قبل وقته ، فالمستفاد من المتن ، والمبسوط ، ان الشرط فاسد ، وذكر الشيخ في الخلاف انه لا يلزم الوفاء به لأنه لا دليل عليه ، واما صحة البيع وكون الثمن رهنا الى حلول الدين ، فلان الشرط الفاسد لا يكون عندهم مفسدا ، وانه مع فساده يوجب ان لا يكون الاذن في البيع مطلقا لنفس الراهن هذا ، ولكن الظاهر صحة الشرط المذكور ، ووجوب العمل به كما ذكره العلامة في التذكرة في مسائل تصرف الراهن ، لأنه سائغ عرفي تدعو الحاجة اليه ، ولا دليل على منعه ، فيشمله أدلة الشروط

(٢) هذا التعليل بظاهره عليل ، ولذا اعرض عنه أكثر المتأخرين ، فأطلقوا الحكم ببطلان الرهن ، إذا باعه بإذن المرتهن من غير فرق بين ان يكون قبل حلول الدين أو بعده ، لكن لا يبعد توجيهه بان مقتضى عقد الرهن بيع المرهون عند حلول الدين ، وامتناع الراهن من أدائه ، فإذا كان هذا الحق ثابتا للمرتهن في الجملة ، لا يكون اذنه بالبيع في مورد دليلا على إعراضه عنه.

٥٧

المسلمين ، لا يجوز رهن شي‌ء من ذلك فان رهن منه شي‌ء كان باطلا ، فان كان في أرض الوقف بناء من ترابها كان وقفا ، وان كان من غير ترابها كان طلقا وكانت الأرض وقفا ، وكذلك القول في الشجر إذا غرست فيها ، فإنه يكون طلقا ، فان رهنها دون البناء والشجر كان باطلا ، وان رهنها جميعا بطل ذلك في الأرض وصح في البناء والشجر ، فان رهن البناء والشجر دونها كان جائزا.

وإذا رهن إنسان أرضا من ارض الخراج (١) أو آجرها ، كان الخراج على المكري والراهن ، لأنها في يده ، فإن أدى المرتهن الخراج أو المكتري لم يرجع به على المكري ولا الراهن.

ومن ابتاع عبدا بشرط الخيار له وحده دون البائع، ورهنه في مدة الخيار ، كان الرهن صحيحا وسقط الخيار ، لأنه تصرف فيه والخيار له وحده ، فان لم يكن الخيار له وحده وكان لهما جميعا ورهنه واحد منهما ، وكان هذا الراهن هو البائع ، كان هذا التصرف منه فسخا للبيع وانقطع خيار المشترى ، وان كان الراهن هو المشترى لم يصح تصرفه ، لأن في إنفاذه إبطال حق البائع من الخيار وذلك لا يجوز ، وإذا بطل تصرفه انقطع الخيار من جهته (٢).

وإذا رهن إنسان عبدا وأقبضه وهلك بعد القبض، ثم علم بعيب كان به ، لم يكن فيه خيار ولا أرش.

فإن رهنه عبدا وأقبضه إياه ، فقطع بسرقة وقعت منه ، قبل القبض كان له

__________________

(١) مر آنفا انه لا يجوز رهن ارض الخراج ، فلا بد ان يكون المراد هنا ما إذا رهنها بما فيها من الأشجار والبناء كما في أرض الوقف ، أو يكون المراد بما مر رهن رقبة الأرض ، وبهذا رهنها بماله من الحق ، بقرينة ذكر الإجارة كما ورد في الخبر جواز بيعها كذلك.

(٢) وجهه غير ظاهر ولعله أخذه بلازم تصرفه ، نظير أخذه بلازم إقراره وان كان أصله باطلا.

٥٨

الخيار ، فان كان العبد جنى جناية ثم رهن كان باطلا ، سواء كانت الجناية عمدا أو خطئا لأنها ان كانت عمدا كان عليه القصاص ، وان كانت خطأ كان على سيده تسليمه الى المجني عليه ، فان فداه سيده سقط ما على رقبته من الأرش وبقي رهنا ، وان بيع في الجناية وكانت الجناية تستغرق الثمن بيع فيه كله وسقط الرهن ، وان كان لا يستغرق الثمن بيع منه بقدرها وكان الباقي رهنا.

وإذا اقترض إنسان من غيره ألفا ، ورهن بها عبدا، ثم زاده بالحق رهنا آخر ، وهو ان رهن عنده عبدا آخر ، ليكون العبدان رهنا بالألف كان صحيحا بلا خلاف ، فان لم يرهن عنده رهنا آخر ، الا انه اقترض منه ألفا آخر على ان يكون الرهن الأول رهنا به ، وبالألف الثاني كان ذلك أيضا جائزا ، ويتعلق بالرهن الألفان معا.

وإذا دبر إنسان عبده ، ثم رهنه بعد ذلك سقط التدبير ، لان التدبير وصية ، ورهنه رجوع منها.

إذا رهن إنسان غيره عصيرا كان الرهن صحيحا، لأنه مملوك ، فان استحال عين عصيره فصار الى ما لا يخرج به عن الملك ، مثل ان يصير خلا أو مزا (١) أو شي‌ء لا يسكر كثيره كان الرهن بحاله وان استحال الى ما يخرجه عن الملك مثل الخمر فإنه يزول ملك الراهن وينفسخ الرهن ، لان الخمر لا يصح ان يملكها مسلم بغير خلاف ، فان عادت الخمر بعد ذلك خلا عاد ملك الراهن كما كان ، وإذا عاد ملكه عاد الرهن بحاله لأنه تابع للملك

ومن كان عنده خمر ، فاراقها ، فجمعها إنسان آخر، فاستحالت في يده خلا ، أو كان عنده خمر فرهنها من إنسان آخر فاستحالت في يد المرتهن خلا ، كانت ملكا لمن انقلبت في يده ، لأن الإراقة أزالت يده عنها (٢).

__________________

(١) في القاموس : شراب مز بالضم ، اى بين الحلو والحامض.

(٢) هذا لا يتم في الرهن الا ان يثبت كونه كالإراقة في زوال اليد عنها ، وليس كذلك ، والا لزم في الفرع السابق ان لا تعود ملكا لعدم الفرق بين الابتداء والبقاء.

٥٩

وإذا اختلف المتراهنان في الخمر ، فقال أحدهما : أقبضته عصيرا ، وقال المرتهن : أقبضتني خمرا ، كان القول : قول المرتهن مع يمينه إذا لم يكن للراهن بينة.

وإذا رهن الذمي عند الذمي خمرا فصارت خلا فهي رهن على ما كانت عليه ، وكذا القول : إذا رهنه عصيرا فصار خمرا.

وإذا ارتهن إنسان حيوانا وقبضه كان جائزا ، وطعام الرقيق واجرة الراعي على الراهن.

وإذا كان لإنسان جارية ، ولها ولد مملوك صغير، فأراد أن يرهن الجارية دون ولدها كان ذلك جائزا ، لأن الرهن لا يزيل الملك ولا يمنع من الرضاع ، فاذا حل الدين وقضاه الراهن انفكت من الرهن وان لم يقضه من غيرها ، وكان الولد قد بلغ سبع سنين أو أكثر بيعت الجارية دون الولد ، لان التفريق بينهما إذا انتهى الولد الى هذا السن جائز.

وإذا كان الولد لم يبلغ الى ذلك السن لم يجز التفريق بينهما وبيعا معا ، فما قابل قيمة الجارية كان رهنا يكون المرتهن أحق به من سائر الغرماء ، وما قابل الولد لم يدخل في الرهن ، ويكون الجميع فيه سواء ، هذا إذا علم المرتهن ان لها ولدا فاما إذا لم يعلم ذلك ثم علم كان له ردها وفسخ البيع ، لان ذلك نقص في الرهن فان بيعها مفردة أكثر لثمنها وذلك غير جائز هاهنا لأن التفرقة بينها وبين الولد في البيع لا يجوز ، إذا كان الولد دون سبع سنين.

وإذا رهن جارية لا ولد لها ، ثم ولدت في يد المرتهن ، فإنهما يباعان ، ويكون للمرتهن مقدار ثمن الجارية إذا بيعت ، ولا ولد لها ، لأنه يستحق بيعها غير ذات ولد.

وإذا رهن إنسان نخلا مثمرا وشرط المرتهن دخول الثمر في الرهن كان جائزا وكان الجميع رهنا ، وان لم يشترط ذلك لم يدخل في الرهن وان كانت النخل مطلعة لم يدخل الطلع في الرهن ، وإذا رهن أرضا وفيها نخل وشجر أو بناء فإنها لا تدخل في الرهن الا بشرط ، ويكون الأرض وحدها رهنا.

وإذا هلك الرهن في يد المرتهن صحيحا كان أو فاسدا لم يكن على المرتهن ضمان

٦٠