المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

الا ان يفرط فيه فيضمن حينئذ ذلك.

وإذا رهن ما يسرع اليه التلف ، مثل : البقول ، والبطيخ ، وما أشبه ذلك ، فان رهنه الى محل قريب لا يفسد اليه ، كان رهنه صحيحا ، لأنه يمكن بيعه ، واستيفاء الحق من ثمنه في محله ، وان كان المحل يتأخر عن مدة فساده ، وشرط المرتهن على الراهن بيعه إذا خيف فساده ، (١) كان رهنه باطلا ، لان المرتهن لا ينتفع به ، فإن أطلقا ذلك لم يجز الرهن لأنه لا يجبر على بيعه فلا ينتفع المرتهن به.

وإذا رهن إنسان أرضا بيضاء ، وسلمها الى المرتهن ونبت فيها بعد ذلك نخل أو شجر بإنبات الراهن ، أو حمل السيل إليها نوى فنبت فيها ، لم يدخل ذلك في الرهن ولا يجبر الراهن على قلعه في الحال ، لان تركه في الأرض انتفاع بها ، والراهن لا يمنع من الانتفاع بالرهن ، لان منفعته له ، فاذا حل الدين ، فان قضى دينه من غيرها انفكت الأرض من الرهن.

فان لم يقض الدين من غيرها ، وكان أرش الأرض إذا بيعت وحدها يفي بالدين ، بيعت من غير نخل وشجر. وترك النخل والشجر على ملك الراهن ، فان كان لا يفي بدين المرتهن الا ان الغرس الذي فيها لم ينقص ثمنها وان لم يكن فيها غرس لكان ثمنها مثل ثمنها مع الغرس (٢) يبيعها لأجل المرتهن ، فان كان ما فيها من الغرس من نخل وشجر نقص ثمن الأرض ، لكثرة النخل والشجر ، فان الراهن

__________________

(١) الصواب كما في نسخة ( م ) وهامش نسخة ( ب ) تصحيحا. إذا خيف فساده وترك ثمنه رهنا عوضه كان صحيحا وان شرط الراهن ان لا يبيعه إذا خيف فساده كان رهنه باطلا إلخ ونحوه في المبسوط.

(٢) في نسخة ( م ) متنا ونسخة ( ب ) فوقه بدلا « بيع الغرس معها لأجل المرتهن » وما في المتن أصح ، والمراد انه لو كانت قيمة الأرض بدون الغرس كقيمتها مع الغرس ، ولم ينقصها الغرس شيئا فاللازم ان تباع الأرض وحدها للمرتهن ولا يجب بيع الغرس معها وقد صرح بذلك في المبسوط ، واما على النسخة الأخرى فلا وجه لوجوب بيع الغرس مع الأرض لأجل المرتهن.

٦١

مخير بين ان يبيعها جميعا ، وبين ان يقلع الغرس ، ويسلم الأرض بيضاء معدلة من الخضر (١) لتباع للمرتهن ، هذا إذا لم يكن هناك غرماء ، وان كان هناك غرماء وقد فلس بدين لهم فإنه لا يجوز قلعه ، لأنه ينقص قيمته ، ولكن يباعان جميعا ويدفع الى المرتهن ما قابل أرضا بيضاء لم يكن فيها نخل ولا شجر. ويكون الباقي خارجا من الرهن ، لان المرتهن استحق بيع الأرض منفردة عن النخل والشجر ، فوجب جبران النقص الداخل في ثمنها.

فان رهنه أرضا وفيها نخل وشرط دخولها في الرهن ثم اختلفا في بعض النخل الذي في الأرض ، فقال الراهن : هذا نبت بعد الرهن ولم يدخل في الرهن ، وقال المرتهن : بل كان موجودا في حال الرهن ، وقد دخل فيه ، فان كانت كبارا لا يمكن حدوثها بعد الرهن ، كان القول : قول المرتهن من غير يمين ، لأنا نعلم كذب الراهن في ذلك ، وان كانت صغارا لا يمكن وجودها في حال عقد الرهن ، كان القول : قول الراهن من غير يمين لأنا نعلم كذب المرتهن في ذلك ، فان كان ما ذكره كل واحد منهما ممكنا ، كان القول : قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل ان لا رهن والمرتهن يدعى الرهن فعليه البينة.

وإذا رهن إنسان عند غيره شيئا ، وشرط الراهن للمرتهن إذا حل الأجل ان يبيعه كان الشرط صحيحا ، ويجوز توكيل المرتهن في بيع الرهن ، سواء كان ذلك بحضرة الراهن أو غيبته.

وإذا شرط المتراهنان ، ان يكون الرهن على يد عدل صح ذلك ، وان شرطا ان يبيعه العدل ، صح ذلك أيضا ، فإذا حل أجل الدين لم يجز للعدل بيعه إلا بإذن المرتهن لان البيع في الدين حق له ، فاذا لم يطالب به ، لم يجز بيعه ، ولا يحتاج إلى اذن الراهن وإذا أراد العدل بيع الرهن عند حلول الحق بإذن المرتهن والراهن ، واتفقا

__________________

(١) في نسخة ( م ) « من الحظر » والصواب « من الحفر » كما في المبسوط والمراد ان يسويها من الحفر التي حدثت فيها بالقلع.

٦٢

على مبلغ الثمن وجنسه ، باعه بما اتفقا عليه ، ولم يجز له مخالفتهما في ذلك ، لان الحق لهما ، وليس له فيه حق ، فإن أطلقا الإذن له بالبيع ، لم يجز له بيعه الا بثمن مثله : ويكون الثمن حالا ، ومن نقد البلد ، فان خالف الوكيل وباعه نسيئة ، أو باع بغير نقد البلد ، لم يصح البيع ، ونظر فان كان المبيع باقيا في يد المشترى ، استرجع منه ، وان كان هلك فالراهن بالخيار ، ان شاء رجع على المشترى بجميع القيمة ، وان شاء رجع على العدل ، وكان له الرجوع على العدل لتفريطه ، وعلى المشترى لأنه قبض ماله بغير حق ، فان رجع على العدل ، رجع العدل على المشترى ، وان رجع على المشترى لم يرجع على العدل ، لان المبيع هلك في يد المشترى ، فيستقر عليه الضمان.

فان كان باع بأقل مما يسوى ، (١) وكان ذلك نقصانا كبيرا ، لا يتغابن أهل البصيرة بمثله ، مثل ان يكون الرهن يساوى مأة ، ويتغابن الناس فيه بخمسة ، وباعه العدل بثمانين ، كان البيع باطلا ، فان كان المبيع باقيا ، استرجع ، وان كان هالكا ، كان للراهن الرجوع على من أراد منهما ، فان رجع على المشترى رجع بجميع قيمته ، ولا يرجع المشترى على العدل ، وان رجع على العدل ، رجع عليه بجميع قيمته ، لأنه لم يجز له إخراج الرهن بأقل من قيمته ، فهو مفرط في حقه ، ولزمه جميع قيمته.

فان باعه بما يتغابن الناس بمثله ، مثل ان يكون الرهن يساوى مأة ويتغابن الناس فيه بخمسة ، فباع بخمسة وتسعين ، كان البيع صحيحا ، لان هذا القدر لا يمكن الاحتراز منه ، وهو يقع لأهل الخبرة والبصيرة ، والمرجع في ذلك الى أهل الخبرة.

فإن باعه بثمن مثله ، أو بنقصان يتغابن الناس بمثله ، كان البيع صحيحا ، فان حضر من يزيد في ثمنه وكان ذلك بعد لزوم البيع وانقطاع الخيار بينهما ،

__________________

(١) في نسخة ( م ) ونسخة ( ب ) تصحيحا « بأقل مما يشترى » وكلاهما بمعنى.

٦٣

لم يلتفت الى ذلك ، ولا يجوز قبول هذه الزيادة ، ولا يملك فسخ البيع في هذه الحال وان كان ذلك في زمن الخيار مثل ان يكون قبل التفرق من المجلس أو في زمان خيار الشرط كان قبول الزيادة وفسخ العقد جائزا ، فان لم يقبل الزيادة لم ينفسخ العقد (١).

والعدل إذا باع الرهن وقبض ثمنه ، كان من ضمان الراهن حتى يقبضه المرتهن.

وإذا كان الرهن على يد عدل ، ومات الراهن انفسخت وكالة العدل ، ولزم الوارث قضاء الدين ، اما بان يبيع الرهن ويقضى ذلك من ثمنه أو يقضيه من غير ذلك ، فان امتنع ولم يقضه من الثمن ولا من غيره اقام الحاكم عدلا يبيع الرهن ويقضى الدين من ثمنه.

وإذا باع العدل الرهن ، وهلك ثمنه من يده ، واستحق الرهن من يد المشتري (٢) أمر الحاكم المشترى بتسليم الرهن الى مستحقه ، ويرجع المشترى بالثمن على تركة الراهن ، وليس على العدل في ذلك شي‌ء (٣) ، ويكون المشترى كغيره ، من الغرماء ، وله أسوة بهم ، ولا يقدم عليهم ، لأنهم قد استووا في ثبوت حقوقهم في الذمة ، هذا إذا كان العدل بائعا للرهن بأمر الحاكم.

فان كان الرهن (٤) باقيا وباعه العدل بتوكيل الراهن وقبض الثمن ثم هلك في يده واستحق المبيع في يد المشتري ، فإنه يرجع على الراهن ، وكذلك : كل وكيل باع شيئا فاستحق وهلك الثمن في يد الوكيل ، فإن المشتري يرجع على الموكل دون الوكيل.

__________________

(١) يظهر ان الوكيل العدل مخير بين قبول الزيادة وعدمه ، وهو مشكل ، لأنه يجب عليه رعاية الغبطة للموكل ، وهي في قبول الزيادة.

(٢) أي ظهر في يده مستحقا للغير.

(٣) اى من ضمان الثمن كما يأتي.

(٤) الصواب « فان كان الراهن باقيا » اى حيا.

٦٤

وإذا باع العدل الرهن وقبض ثمنه وهلك ذلك من يده ، لم يلزمه ضمانه ، لأنه أمين والأمين لا يضمن اليه بالتفريط.

وإذا ادعى هلاكه كان القول قوله مع يمينه ، ولا يجب عليه اقامة بينة على ذلك ، فان حلف انه هلك من يده بغير تفريط برأ منه ، وان لم يحلف ردت اليمين على الراهن ، فان حلف انه في يده ، لزمه ذلك وكان له حبسه ، حتى يخرج اليه منه.

وإذا ادعى العدل دفع ثمن الرهن الى المرتهن ، وأنكر المرتهن ، ذلك ، كان القول قول المرتهن مع يمينه.

وإذا كان العدل وكيلا في بيع الرهن ، فقال له الراهن بعه بدنانير ، وقال له المرتهن بعه بدراهم لم يجز له تقديم قول أحدهما على صاحبه ، لان لكل واحد منهما حقا في بيعه (١) وكان على الحاكم ، ان يأمره ببيعه بنقد البلد ، لان نقد البلد هو الذي يقتضيه عقد الوكالة.

فإن كان حق المرتهن من جنسه ، قضى عنه ، وان كان من غير جنسه ، صرفه في ذلك الجنس وقضى منه دينه ، وان كانا جميعا نقدى البلد ، باع بأكثرهما وأغلبهما استعمالا ، فان استويا ، باع باوفاهما حظا ، فان استويا وكان أحدهما من جنس الحق باع به ، وان كان الحق من غير جنسهما ، باع بالذي يكون تحصيل جنس الحق به أسهل ، فإن استويا ، عمل الحاكم على تقديم أحدهما بما يراه صلاحا.

وإذا باع العدل الرهن بدين ، كان عليه الضمان ، لأنه بذلك مفرط ، وإذا فسق العدل ، نقل الرهن من يده ، لأنه غير مأمون عليه ، وإذا حدثت عداوة بينه وبين الراهن ، أو المرتهن وأراد (٢) نقله ، نقل ، لأنه ليس من أهل الأمانة في حق عدوه ،

__________________

(١) فيه ان حق المرتهن أصل بيعه في الجملة ، لاستيفاء الدين به ، وحق الراهن متعلق بشخص المال ، وخصوصياته ، لكونه ملكه ، فاللازم تقديم قوله ، نعم ان كان نقده من غير الجنس الذي عليه وجب تبديله به.

(٢) أي الذي بينه وبين العدل عداوة من الراهن أو المرتهن ، والمراد انه إذا أراد هذا ان ينقله الأخر من يد هذا العدل الى محل آخر وجب عليه ذلك.

٦٥

وإذا تغيرت حال العدل بمرض ، أو كبر حتى صار غير متمكن من حفظ الرهن ، ولا القيام به فإنه ينقل من يده ، لأنه يخشى هلاكه.

وإذا اختلف الراهن والمرتهن فيمن ينقل إليه ، فأراد أحدهما غير ما أراده الأخر ، كان على الحاكم ان يجتهد في ذلك ، وينقله إلى أمين ثقة.

فإن اختلفا في تغير العدل ، فقال أحدهما : تغير ، وقال الأخر : لم يتغير ، كشف الحاكم عنه ، فان كان لم يتغير أقر الرهن عنده بحاله ، فإن كان قد تغير ، نقله من يده ، وكذلك الحكم إذا كان الرهن في يد المرتهن وادعى الراهن تغيره سواء.

وإذا مات المرتهن وصار الرهن في يد وارثه ، أو وصيه ، وطالب الراهن بنقله من يد الذي صار اليه ، كان له ذلك ، لأنه لم يرض بان يكون في يد الوارث أو الوصي وينبغي للحاكم ، ان ينقله الى يد ثقة أمين وكذلك الحكم سواء ، إذا كان في يد العدل ومات.

وإذا لم يتغير حال العدل ، واتفق المتراهنان على نقله من يده ، كان ذلك جائزا لأن الحق لهما ، فان اختلفا : فأراد أحدهما نقله من يده ، ولم يرده الأخر ، لم ينقل من يده لأنهما قد رضيا بأمانته ونيابته عنهما في حفظه ، فليس لأحدهما الانفراد بنقله وإخراجه عن يده.

وإذا كان الرهن على يد العدل وأراد رده على المتراهنين ، وكانا حاضرين ، كان له ذلك ، وإذا رده عليهما وقبضاه ، فقد برأ العدل من حفظه ، فان امتنعا من قبضه ، ألزمهما الحاكم قبضه ، أو قبضه عنهما ، ويبرأ العدل من حفظه أيضا.

فإن سلم العدل الى الحاكم ، قبل امتناعهما من قبضه ، لم يجز له ذلك ، لأنه لا يجوز للعدل دفع الرهن الى غير المتراهنين مع حضورهما ، وإمكان إيصاله إليهما ، ولا يجوز للحاكم أيضا قبضه منه قبل امتناعهما من قبضه ، لأنه لا يثبت له ولاية عليهما إلا إذا امتنعا من القبض ، وتعذر إيصاله إليهما ، وكذلك : إذا دفعه الى ثقة عدل ضمنا جميعا ، لأنه لا يجوز ان يخرجه من يده الى غير المتراهنين ، واما العدل الذي قبضه ، فإنه قبضه بغير حق ، فعليه ضمانه ، فإن سلمه الى أحد المتراهنين ، كان

٦٦

عليهما أيضا ضمانه ، لأنه وكيل لهما في حفظه ، فلم يجز له دفعه الى أحدهما دون الأخر

فإن كان المتراهنان غائبين ، وكان للعدل عذر ، من سفر أو مرض مخوف ، فان الحاكم يقبضه منه عنهما ، ولا يجوز له دفعه مع وجود الحاكم الى غيره ، فان لم يقدر على حاكم ودفعه الى ثقة عدل ، لم يلزم ضمانه ، وان لم يكن له عذر ، لم يجز له دفعه الى الحاكم.

وإذا كان أحد المتراهنين حاضرا ، والأخر غائبا لم يجز للعدل تسليم الرهن الى الحاضر ، لأنه نائب في حفظه عنهما جميعا ، فإن سلمه الى الحاضر ، كان عليه ضمانه ولا يقوم الحاكم هيهنا مقام الغائب (١) ، كما قام مقام الغائبين ، على ما قدمناه.

وإذا تراضى المتراهنان على ان يكون الرهن على يد عدلين ، وأراد أحدهما ان يسلم (٢) الأخر حتى ينفرد بحفظه ، لم يجز له ذلك ، لان الراهن لم يرض بامانة أحدهما ، وانما رضي بامانتهما جميعا ، فلا يجوز لأحدهما الانفراد بحفظه على حال.

وإذا جنى إنسان على الرهن ، فأتلفه وهو على يد العدل ، كان على الجاني قيمته ، ويكون على يد العدل رهنا عوضا عن الأول ، وليس يجوز للعدل ، بيع هذه القيمة عند محل الدين ، لان الراهن انما وكله في بيع الرهن دون غيره (٣).

وإذا كان عند إنسان رهن ، لم يجز له ان يسافر به ، فان فعل ذلك ، كان عليه

__________________

(١) ظاهره انه مع العذر لا يجوز دفعه الى الحاضر ، والحاكم معا وهذا بعيد جدا ، إذ مقتضى كون الحاكم وليا عن الغائبين كونه وليا عن الغائب الواحد أيضا مع انه عند العذر ليس العدل مكلفا بحفظه ، والمفروض انه لا يجوز له دفعه الى الحاضر فاما ان يدفعه الى عدل آخر وحده أو مع الحاضر أو الى الحاكم والحاضر وهذا اولى بلا إشكال.

(٢) أي إلى الأخر ، أو يسلم الأخر إليه.

(٣) الظاهر ان القيمة بدل عن التالف وفرع عليه ، فتجري عليها أحكامه التي منها الوكالة في البيع.

٦٧

ضمانه ، فان رجع به الى بلده ، لم يزل عنه الضمان ، لان الاستئمان قد بطل ولا يعود الأمانة الا بان يرجع الى صاحبه ، ثم يعيده اليه ، أو الى وكيله.

وإذا وكل المتراهنان عبدا بغير اذن سيده في حفظ الرهن وبيعه عند محل الحق بجعل ، أو غير جعل ، لم يجز ذلك ، لان منفعته لسيده ، فان اذن في ذلك كان جائزا.

وإذا وكلا في ذلك مكاتبا بغير جعل ، لم يجز ذلك لأنه ليس له ان يتبرع لتعلق حق سيده بمنافعه ، وإذا كان ذلك بجعل ، كان جائزا ، لأن للمكاتب ان يوجر نفسه من غير اذن سيده.

وإذا اقترض الذمي من مسلم مالا ، ورهن عنه به خمرا ، ليكون على يد ذمي آخر يبيعها عند محل الدين فباعها ، واحضر الثمن الى صاحب المال جاز له أخذه (١) ولا يجبر على ذلك (٢) ، فان شرط ان يكون الخمر على يد مسلم ، وان يبيعها هذا المسلم عند محل الحق فباعها وقبض ثمنها ، لم يصح ذلك ولم يكن لبيع المسلم

__________________

(١) كما في خبر منصور قلت لأبي عبد الله (ع) : لي على رجل ذمي دراهم فيبيع الخمر والخنزير ، وانا حاضر ، فيحل لي أخذها فقال : انما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك ، ونحوه غيره ، وورد في خبر الجزية إن وزر ذلك عليهم ، وثمنه للمسلمين حلال ، والمشهور بين الأصحاب بطلان الرهن المذكور ، إذ لا حرمة للخمر في الإسلام ، فلا يتعلق بها حق مسلم برهن وغيره ، وعبارة المتن والمبسوط والخلاف لا تدل على صحته لجواز ان يكون المراد انه وان كان باطلا ، لكن لو أدى الدين بثمنها كان جائزا.

(٢) ظاهره انه لا يجوز إجبار المسلم الدائن على أخذ هذا الثمن في دينه ، ونحوه في المبسوط ، وأظهر منهما في الخلاف ، وهذا بعيد إذ بعد فرض انه حلال له لا وجه لامتناعه عن أخذه كثمن غير الخمر مع انه الظاهر من خبر منصور المتقدم ويحتمل في عبارة المتن انه لا يجوز للمسلم ان يجبر الذمي على بيع الخمر المرهونة لما مر آنفا من انه لا يتعلق حقه بها.

٦٨

الخمر ولا قبضه لثمنها حكم ، ولم يجز للمسلم الذي هو صاحب الدين قبضه دينه من ذلك.

وإذا أرسل إنسان رسولا الى غيره مع عبد له ، ليقترض له منه دنانير ، ويرهن العبد عنده بها ، ففعل الرسول ذلك ، ثم اختلف الراهن والمرتهن ، فقال المرتهن : أرسلت رسولك ليرهن العبد بعشرين دينارا. وقد فعل ذلك ، وقال الراهن : ما أذنت له الا في عشرة دنانير ، كان القول قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل انه لم يرهن (١) فان شهد الرسول للراهن أو للمرتهن ، لم يسمع شهادته (٢) ، لأنه شهد على فعل نفسه وذلك مما لا تقبل فيه شهادته.

وإذا أرسل الى غيره عبدا وثوبا ثم اختلفا ، فقال الراهن : العبد هو الرهن والثوب وديعة وانا مطالب لك بالثوب ، وقال المرتهن : الثوب رهن والعبد وديعة فليس لك مطالبتي بالثوب كان العبد قد خرج من الرهن بإنكار المرتهن كونه رهنا ، (٣) فاما الثوب فهو مدع بأنه رهن وصاحبه ينكر ذلك ، فالقول حينئذ ، قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل انه ليس برهن وعلى المرتهن البينة على انه رهن.

وإذا كان في يد إنسان ثوب ، فقال لصاحبه هو الرهن في يدي رهنتنيه، أو رهنه عبدي (٤) بإذنك ، فقال صاحبه : لم أرهنه ولا أذنت في رهنه ، وانما رهنت

__________________

(١) اى بأزيد من عشرة ، والمراد ما إذا اقترض له عشرين أو أكثر واختلفا في مقدار ما يرهن العبد به.

(٢) الظاهر قبول قوله بكونه مؤتمنا ذائد ، وليس هو من باب قبول الشهادة.

(٣) لكنه معارض بإقرار الراهن ولا يبعد هنا تقديمه على إنكار المرتهن للعلم إجمالا برهن أحدهما فلو لم يقدم بطل حق المرتهن ومع التنزل فالمرجع القرعة لعموم دليلها.

(٤) لعل الصواب « عبدك » وفي نسخة ( م ) « عندي رسولك بإذنك ».

٦٩

أو أذنت في رهن عبدي وقد فعلته ، (١) وانا مطالب لك بقيمته ، كان القول قول الراهن في الثوب والقول قول المرتهن في العبد مع يمينه ، لأن الأصل في الثوب انه غير رهن ، والقول قول المرتهن في قيمة العبد ، لأن الأصل براءة ذمته من ذلك.

وإذا رهن إنسان عبده عند غيره ، فجنى هذا العبد على سيده ، فان كانت جنايته مما دون النفس ، مثل قطع اليد أو قلع العين ، أو قطع الاذن وما أشبه ذلك من الجراح التي فيها القصاص كان لسيده ، ان يقتص منه ، ويبقى بعد القصاص رهنا كما كان ، وان لم يقتص منه وعفى على مال لم يصح ذلك ، لأنه لا يجوز ان يثبت له على عبده استحقاق في مال ابتداء ، وعلى هذا ينبغي ان يكون الجناية هدرا ، وإذا كانت خطأ فكما ذكرناه من انه لا يصح ان يثبت له على عبده مال ابتداء فاذا كان كذلك بقي العبد رهنا ، ولا يؤثر فيه جناية الخطأ ولا العمد بعد العفو فان القصاص سقط والمال لا يثبت.

وان كان الجناية على نفس السيد ، كان للوارث قتل العبد ، فان فعل ذلك بطل الرهن وان عفى على مال لم يصح ، لأنه لا يجوز ان يستحق على ماله مالا ، وهذا العبد فهو للورثة فلم يجز ذلك لما ذكرناه.

وإذا رهن إنسان عبده عند غيره ، فقتل هذا العبد عبدا آخر لسيده فان كان المقتول ليس برهن كان لسيده ان يقتص منه لان العبد كفو للعبد ، وان أراد ان يعفو على مال ليبيع العبد المرهون ويقبض ثمنه ، لم يجز له ذلك لأنه ليس للسيد ان يعفو عن جناية عبده على مال لنفسه من حيث انه لا يثبت له على عبده مال الا أن يكون قائماً مقام غيره فيما يثبت له ، وان كانت الجناية خطأ لم يثبت المال وكانت هدرا على ما قلناه.

وإذا كان الرهن جارية حبلى فجنى عليها فان ضربها إنسان فألقت جنينا ميتا ،

__________________

(١) كذا في الأصل ونسخة ( ب ) وفي المبسوط « وقد قبلته » والظاهر ان الصواب « وقد قتلته » بقرينة مطالبته بالقيمة.

٧٠

كان على الجاني عشر قيمتها ولا يجب ما نقص من قيمة الأم ، لأن ذلك داخل في دية الجنين ، ويدفع ذلك الى الراهن ، لان ولد المرهونة لا يدخل في الرهن ، وكذلك بدل نفسه ، وليس للمرتهن فيه شي‌ء ، ولا يتعلق به حق له على حال فان كان دابة حاملا فضربها فألقت جنينا ميتا كان على ضاربها ما نقص من قيمة الأم ، ولا يجب بدل الجنين الميت من البهيمة ، ويكون داخلا في الرهن لأنه بدل ما نقص من اجزاء الرهن فإن ألقت جنينا حيا ثم مات كان عليه قيمة الولد ولا يلزمه غير ذلك ، ويدخل نقصان الأم في ذلك ويكون ذلك للراهن دون المرتهن.

وإذا جنى عليه (١) وكذبه أحد المتراهنين وصدقه الأخر ، فإن كان المكذب له هو الراهن ، والمصدق له هو المرتهن ، ثبت إقراره في حق المرتهن وأخذ منه أرشا ويكون رهنا ، فإن أبرأ المرتهن الراهن من دين المرتهن رجع الأرش إلى المقر ، ولم يستحقه الراهن ، لأنه أقر بأنه لا يستحقه فلزمه إقراره ، فان صدقه الراهن وكذبه المرتهن ، كان الأرش واجبا للراهن ، وليس للمرتهن فيه حق.

وإذا رهن مسلم عند كافر عبدا مسلما أو رهن عنده مصحفا وشيئا من أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الأئمة عليهم‌السلام كان ذلك جائزا ويودع هذا الرهن على يد مسلم.

وإذا باع إنسان من غيره شيئا بثمن معلوم إلى أجل معلوم ، وشرط فيه ان يرهنه بالثمن رهنا معلوما ، كان ذلك صحيحا ، ويصير الرهن معلوما بالمشاهدة أو بالصفة ، فإذا كان ذلك صحيحا كما ذكرناه وسلم المشترى ما شرط من الرهن ، فقد وفى ووجب العقد ، فان لم يسلم ذلك ، اجبر عليه ، أو يتفاسخان العقد.

وإذا باع شيئا بثمن معين إلى أجل معلوم وشرط ان يضمن إنسان الثمن جاز ذلك ويجب ان يكون من يضمنه معلوما ، إما بالإشارة ، أو بالتسمية والنسب واما بالوصف بان يقول يضمنه رجل غنى ثقة فان لم يجب الى ضمان ذلك ، كان

__________________

(١) فيه سقط وصوابه كما في المبسوط وهامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح : وإذا جنى إنسان على المرهون جناية ولم يعرف الجاني وأقر إنسان بأنه الذي جنى عليه وكذبه أحد المتراهنين وصدقه الأخر إلخ.

٧١

القول في انه يجبر على ذلك ، أو يتفاسخان العقد كما ذكرناه فيما تقدم.

وإذا اتفقا ان يضمن ذلك إنسان معين ، أو اتفقا على رهن معين ، فاحضر الراهن غير الرجل المعين ، أو الرهن المعين لم يلزم المرتهن ان يقبل ذلك منه ، ويكون الحكم فيه ، مثل ما قدمناه أيضا.

وإذا وجد المرتهن في الرهن عيبا، ولم يختلفا في انه حدث في يد المرتهن ، لم يكن له رده ، لأنه حدث بعد القبض ، وان كان في يد الراهن وهو به كان له رده ، فاذا رده كان مخيرا في فسخ البيع ، أو في إجازته بغير رهن ، فان اختلفا في حدوثه وكان حدوثه لا يمكن في يد المرتهن ، كان القول قوله بغير يمين ، لأنه أمين ، (١) وان كان لا يمكن حدوثه في يد الراهن كان القول قوله من غير يمين ، وان كان حدوثه يمكن في يد كل واحد منهما كان القول قول الراهن مع يمينه ، لان الظاهر بقاء عقد الرهن وفقد الخيار.

وإذا كان في الرهن عيب ودلس به الراهن على المرتهن كان المرتهن مخيرا بين رده بالعيب ، وبين الرضا به معيبا ، فان رده بالعيب ، كان مخيرا في فسخ البيع أو إجازته بغير رهن.

وإذا رهن إنسان عبدين وسلم الى المرتهن واحدا منهما ، فمات في يده وامتنع من تسليم الأخر اليه ، لم يكن للمرتهن خيار في فسخ البيع لان الخيار في فسخه انما يثبت له إذا رد الرهن وليس يمكنه رد ما قبضه ، وهكذا الحكم إذا قبض أحد العبدين وحدث به عيب في يده وامتنع الراهن من تسليم الأخر إليه في انه لا خيار له في فسخ البيع لأنه لا يجوز له رد المعيب للعيب الحادث في يده.

ومتى لم يكن الرهن شرطا في عقد البيع فتطوع المشترى فرهن بالثمن ثوبا أو عبدا أو غير ذلك مما يجوز رهنه وسلمه الى البائع ، كان الرهن صحيحا ولزم ، لان كل وثيقة صحت مع الحق فهي صحيحة بعده ، وإذا كان ذلك صحيحا لم يكن للراهن

__________________

(١) هذا التعليل غير مناسب وهو واضح.

٧٢

انفكاكه الا بعد الوفاء بجميع الحق ، وليس له انفكاكه وقد بقي منه شي‌ء قليلا كان الباقي (١) أو كثيرا فان رهنه ولم يسلمه لم يكن له ذلك واجبر على تسليمه (٢) ولم يكن للبائع خيار في فسخ البيع ، لأنه قد رضي به منه من غير رهن ، وانما يكون له الخيار إذا لم يرض به منه وشرط الرهن في عقد البيع ، فاذا امتنع من تسليم الرهن كان قد امتنع من الوفاء بموجب العقد ، وكان مخيرا في فسخه.

فان باع شيئا من غيره وشرط ان يكون المبيع رهنا في يد البائع، كان البيع غير صحيح لان شرطه ان يكون رهنا لا يصح لأنه شرط ان يرهن ما لا يملك والمشترى لا يملك البيع قبل تمام العقد ، وإذا بطل الرهن بطل البيع لان البيع يقتضي إيفاء الثمن من ثمن المبيع (٣) وذلك متناقض من وجه آخر ، ان الرهن يقتضي ان يكون امانة في يد البائع ، والبيع يقتضي ان يكون المبيع مضمونا عليه وذلك متناقض أيضا.

فإن شرط البائع تسليم المبيع إلى المشترى « ثم يرده الى يده رهنا بالثمن ، فان الرهن والبيع يكونان فاسدين ، مثل ما ذكرناه متقدما ، وإذا اختلف الراهن والمرتهن. فقال المرتهن : رهنتني عبدين وقال الراهن : رهنتك أحدهما. كان القول قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل انه لم يرهنه العبد الأخر ، وان اتفقا على الرهن ، واختلفا في مقدار الحق الذي رهناه ، كان القول قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل انه

__________________

(١) تقدم هذا في أوائل الباب وذكرنا ما فيه.

(٢) لعدم كون القبض شرطا في لزوم الرهن عند المصنف كمامر في أوائل الباب.

(٣) في العبارة سقط أو إجمال ففي المبسوط : لان البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير ثمن المبيع والرهن يقتضي إيفاء الثمن من ثمن المبيع وذلك متناقض ولعله ( إلخ ) وقوله من وجه آخر بيان للتناقض بوجه آخر كما ذكره بعده ولعله كان بالواو العاطفة وقد أورد في المختلف كلام المبسوط واختار صحة البيع والرهن معا ورد الوجهين المذكورين مفصلا فراجع.

٧٣

لم يرهن فيما زاد على ما أقربه.

وإذا كان لإنسان على غيره ألفا درهم ، الف واحد برهن ، والألف الأخر بغير رهن ، فقضاه ألفا ، واختلفا ، فقال القاضي : هو الألف الذي ب « رهن » فطالب برد الرهن الذي على هذا الالف ، وقال الذي قبض الالف : هو الذي بغير رهن ، والذي بالرهن باق ، والرهن لازم ، كان القول قول القاضي للألف مع يمينه ، لأنهما لو اختلفا في أصل القضاء كان القول قوله مع يمينه (١).

وان اتفقا على انه قضاه ألفا ، ولم يلفظ بشي‌ء منه ، ولم يدع نيته وقال القاضي : لم انو شيئا ، كان له ان يصرف إلى أيهما شاء ، وكذلك إذا أبرأه من الف ، واختلفا في لفظه أو نيته ، أو اتفقا على انه أطلقه كان بمنزلة قضائه.

وإذا كان له على اثنين الف درهم ، على كل واحد منهما خمس مائة وكان لهما عبد مشترك بينهما ، فادعى صاحب الدين انهما رهناه العبد الذي بينهما بالألف الذي هو عليهما ، فإن أنكراه ، كان القول قولهما مع يمينهما ، لأن الأصل انهما لم يرهنا ، وكان عليه البينة بذلك ، وان صدقاه صار رهنا ، وكان نصيب كل واحد منهما رهنا. بما عليه من الدين ، فاذا قضاه ، انفك من الرهن ، وان كان دين الأخر باقيا ، فان صدقه أحدهما ، وكذبه الأخر ، كان القول قول المكذب مع يمينه ، ويكون نصيب المصدق رهنا بما عليه من الدين ، فان شهد المصدق منهما على المكذب ، سمعت شهادته ، لأنه شهد على شريكه بأنه رهن نصيبه ، فاذا شهد عليه ، وقبلت شهادته ، كان لصاحب الدين ان يحلف مع شاهده ، ويحكم له بذلك ، فإن أنكراه

__________________

(١) ونحوه في المبسوط وكأنه من سهو القلم فإنه لو اختلفا في أصل القضاء فقال الراهن وهو المديون قضيت الدين ، وقال المرتهن وهو الدائن لم تقضه فلا ريب ان القول قول المرتهن مع اليمين نعم يمكن الاستدلال لتقديم قول القاضي في الفرع بأنه أبصر بنيته كما في الشرائع ومثله ما إذا كان على كل من الألفين رهن خاص فقضى ألفا واحدا ثم اختلفا فيه.

٧٤

وشهد كل واحد منهما على الأخرى بأنه رهنه حصته وأقبضه ، قبلت شهادتهما وكان عليه اليمين لكل واحد منهما فاذا حلف حكم له برهن جميعه.

وإذا كان لإنسان على غيره دين فرهنه داره وصارت الدار في يد المرتهن ، فاختلفا فقال الراهن : ما سلمتها إليك رهنا ، انما اعرتكها أو غصبتها مني ، أو ستأجرها إنسان وأسكنك فيها ، كان القول ، قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل عدم الاذن والرضا بستليمه رهنا (١).

واعلم ان الرهن لا يجوز لمالكه التصرف فيه على حال، فان آجره كان الأجرة له فان زوج الراهن عبده المرهون ، كان تزويجه جائزا ، الا انه لا يجوز تسليم الجارية إلى الزوج الا بعد ان يفكها من الرهن ، والنفقة على الرهن واجبة على الراهن ، حيوانا كان أو غير حيوان وكل زيادة لا يتميز من الرهن فهي رهن معه ، مثل ان يكون جارية فتكبر أو ثمرة فتدرك.

وإذا رهن ماشية فإن الراهن إذا أراد الضراب للنتاج ، كان له ذلك سواء كان المرهون فحلا أو أنثى ، فإن كان فحلا وأراد ان ينزئه على ماشيته أو أراد ان يعيره غيره لذلك لم يكن للمرتهن منعه ، لأنه مصلحة للراهن وليس على المرتهن فيه مضرة ، وان كان الماشية المرهونة إناثا وأراد ان ينزى عليها فحولة ليست مرهونة وكان محل الدين يتأخر عن الولادة ، كان ذلك للراهن وان كان محل الدين لا يتأخر عن ذلك. لم يكن له ذلك ، وقد ذكر انه له ، والأظهر انه له ان لم يكن فيه ضرر يدخل على الراهن والمرتهن في ذلك ، وللراهن رعي الماشية نهارا فاذا كان بالليل اتى بها الى المرتهن.

__________________

(١) بناءا على ما ظهر من المصنف آنفا وفي أول الباب من لزوم عقد الرهن بدون القبض وانه يجبر الراهن عليه تظهر فائدة هذا الفرع في سائر آثار القبض من البيع في الدين ونحوه وظاهر المصنف هنا انه لا يصح قبض المرتهن بدون اذن الراهن كما تقدم أيضا في أوائل الباب.

٧٥

وإذا أراد الراهن ان ينتجع بها من موضعها ، وكانت الأرض محضبة ، فيها ما يكفي الماشية ، لم يكن له ذلك الا برضا المرتهن ، وإذا أجدبت الأرض ولم يكن فيها ما يتماسك الماشية ويكتفى برعيه ، كان للراهن الانتجاع بها ، ولم يجز للمرتهن منعه من ذلك ، لكن يوضع على يدي عدل يأوي إليه بالليل ويكون في حفظه ومراعاته ، وان لم ينتجع الراهن وانتجع المرتهن كان له الانتجاع بها ولم يكن للراهن منعه منها لان للرهن فيه صلاحا ، فإن أراد المتراهنان جميعا ان ينتجعا الى موضعين مختلفين سلم الى الراهن ، لان حقه أقوى من حق المرتهن لأنه يملك الرقبة ويحفظ (١) الماشية على يد عدل ثقة.

وإذا كان الرهن طفلا ذكرا أو أنثى ، لم يمنع الراهن من ان يعذرهما (٢) وقد ذكر ان ذلك مسنون ، وذكر وجوبه ، والقول بالوجوب أظهر ، فإن مرض هذا الرهن ، واحتاج الى دواء وامتنع الراهن منه لم يجبر عليه ، لأنه قد يبرء من غير دواء ، وان أراد المرتهن ان يداويه ، لم يجز للراهن منعه من ذلك ، إذا لم يكن من الأدوية المخوفة التي يخالطها السموم ، ويخشى عاقبتها وان كانت المداواة بالفصد ، أو ما يجرى مجراه من فتح العروق فان ذلك جائز للراهن والمرتهن ، من اراده منهما لم يكن للآخر منعه عنه ، إذا إشارة الثقات من أهل الصنعة بفعله ، وانه لا يخاف منه ، وانه متى لم يفصد لم يؤمن التلف ، أو حدوث مرض يخشى عاقبته ، فان ذكر أهل الصنعة انه ينفع وربما ادى الى ضرر ، وخشي منه التلف ، كان للمرتهن منع الراهن منه.

فان كان به إصبع زائدة أو سلعة (٣) لم يكن للراهن قطعها ، لان تركها

__________________

(١) في نسخة ( ب ) بدلا « ويجعل ».

(٢) اى يختنهما كما فسره بذلك في المبسوط وظاهر المصنف وجوبه في كل من الذكر والأنثى لكنه خلاف النص والإجماع في الأنثى كما نذكره في النكاح.

(٣) اى الغدة أو زيادة في البدن تتحرك كما في القاموس.

٧٦

يضر (١) وقطعها يخشى منه ، فان كانت قطعة لحم ميتة يخشى من تركها ، ولا يخاف من قطعها ، جاز قطعها من كل واحد منهما ، ولم يكن لأحدهما منع الأخر من ذلك وان كان الرهن شيئا من الدواب وعرض له ما يحتاج الى علاج البياطرة من توديح (٢) وتبزيغ (٣) وتعريب (٤) وأشار أهل هذه الصنعة بذلك ، جاز لكل واحد منهما فعله ، ولم يجز لواحد منهما منع الأخر من ذلك.

وان كان الرهن نخلا فأطلعت النخلة، وأراد الراهن تأبيرها ، لم يكن للمرتهن منعه من ذلك ، لان فيه مصلحة لما له ، ولا مضرة للمرتهن ، وما يحصل من النخل من كرب يابس ، وليف وعرجون فهو للراهن دون المرتهن ، لان الرهن لم يتناول ذلك.

وإذا رهن اثنان عند غيرهما عبدا بمائة له عليهما، وسلماه الى المرتهن ، جرى ذلك مجرى عقدين ، فان افتك أحدهما نصيبه صح ذلك في نصيبه ، ولم يكن له مطالبة المرتهن بالقسمة ، لأن القسمة للشريك المالك ، فان قاسمه المرتهن بإذن الراهن الأخر ، كانت القسمة صحيحة فإن كان ذلك بغير اذن الراهن لم يصح ، وإذا كان الراهن للعبد ، واحدا والمرتهن اثنين ، صح الرهن وجرى مجرى عقدين ، وكان نصف العبد رهنا عند أحدهما بحصته من الدين ، والنصف الأخر عند الأخر بحصته أيضا من الدين فاذا قضى لواحد منهما ما عليه أو أبرأه هو منه ، خرج منه

__________________

(١) الصواب « لا يضر » كما في المبسوط.

(٢) كان صوابه بالجيم ففي اللسان التوديج في الدواب كالفصد في الناس فهو من الودج بمعنى العرق.

(٣) في القاموس بزغ الحاجم والبيطار : شرط : اى شق.

(٤) في المبسوط : التعريب ان يشرط اشاعر الدابة شرطا خفيفا لا يضر بالعصب بعلاج والاشاعر فوق الحافر.

٧٧

نصفه من الرهن (١).

وإذا رهن إنسان عند اثنين عبدا ، وادعى كل واحد منهما (٢) فصدق الراهن ، كان القول : قول الراهن بغير يمين فان كان مع واحد منهما بينة حكم له ببينته ، وان كان مع كل واحد منهما بينة وكان البنتان متساويتين ، أقرع في ذلك بينهما ، فإن أقر لأحدهما بالسبق (٣) وكان الرهن في يد عدل أجنبي. دفع الى المقر له لأنه انفرد بمزية الإقرار ، فوجب تقديم دعواه على دعوى صاحبه ويحلف مع ذلك ، وقيل انه لا يحلف والأحوط الأول فإن نكل عن اليمين كان عليه قيمة الرهن الأخر (٤) وردت اليمين على المدعى وحلف وان كان الرهن في يد المقر له ، كان أحق به من الأخر لمزية الإقرار ، وان كان في يد الأخر ، كان المقر له ، أولى للإقرار أيضا ، وان كان في أيديهما جميعا ، فان نصفه في يد المقر له فقد اجتمع له فيه يد وإقرار فهو اولى به وفي النصف الأخر له إقرار وللآخر يد ، والإقرار مقدم على اليد.

فان رهن أرضا وفيها شجر أو بناء ، لم يدخل ذلك في الرهن ، فان قال بحقوقها ، دخل ذلك في الرهن ، وإذا رهن شجرا وبين الشجر ارض لم يدخل في الرهن كما لا يدخل في البيع ، لان الاسم لم يتناوله ، ولا يدخل فيه قرار الأرض.

وإذا رهن نخلا مؤبرة ، لم يدخل الثمرة في الرهن الا ان يشترط ذلك ، وان

__________________

(١) فيجوز له المطالبة بالقسمة مع المرتهن الأخر كما في المبسوط.

(٢) في نسخة ( م ) وهامش نسخة ( ب ) تصحيحا : وادعى كل منهما ان رهنه وقبضه كان قبل صاحبه ولم يكن الرهن في يد واحد منهما فصدق الراهن أحدهما اه ونحوه في المبسوط.

(٣) هذا اما تفصيل لما ذكره أولا أو المراد ما إذا كان معهما بينة ويؤيد هذا قوله انفرد بمزية الإقرار وفي نسخة ( ب ) بدلا « بمزيد الإقرار » ،

(٤) كان الصواب « للآخر » كما في المبسوط وعلى كل وجهه غير ظاهر كأنه إن نكل عن اليمين وردت الى المدعى الأخر كان أصل الرهن له لا قيمته.

٧٨

كانت غير مؤبرة ثم أبرت ، فالأظهر انها لا تدخل في الرهن ، لان الاسم لا يتناولها.

وإذا رهن إنسان غنما عليها صوف ، لم يدخل الصوف في الرهن، وله ان يجزه ويتصرف فيه كيف أراد.

وإذا رهن الأصل مع الثمرة صح ذلك ولا فرق بين ان يكون الثمرة مؤبرة أو غير مؤبرة بدا منها صلاح أو لم يبد ، فان كان رهنها بدين حال ، صح العقد وبيعا معا واستوفى الثمن من ذلك ، وان كان بدين مؤجل ، يحل قبل إدراكها ومعه كان صحيحا أيضا ، وان كان يحل بعد إدراكها ولا يبقى اليه الرطب ، فان كان مما يصير تمرا صح الرهن ، واجبر الراهن على تجفيفه ، وكانت المؤنة واجبة عليه ، لان ذلك يتعلق ببقاء الرهن ، وان كان مما لا يصير تمرا بطل الرهن في الثمرة ، ولم يبطل في الأصل ، والحكم في جميع الثمار والحبوب مثل ما ذكرناه في الرطب سواء (١).

وإذا رهن إنسان ثمرة ، يخرج بطنا بعد بطن مثل الباذنجان والتين والبطيخ وما جرى مجرى ذلك فان كان بدين حال جاز ، وان كان بمؤجل يحل قبل حدوث البطن الثاني ، أو يحل بعد حدوثه أو معه وهو متميز عنه ، كان الرهن جائزا ، وان كان لا يحل حتى يحدث الحمل الثاني ويختلط بالأول اختلاطا لا يتميز عنه ، كان الرهن باطلا الا ان يشترطا قطعه إذا حدث البطن الثاني ، لأنه لا يتميز عند محل الدين عما ليس برهن.

ولا يجوز رهن المجهول، وكذلك الزرع الذي لا يستخلف (٢) لا يجوز ان يرهن النابت الا بشرط القطع ، لأنه يحصل فيه زيادة لم يدخل في الرهن فيختلط

__________________

(١) تقدم نحوه فيما إذا رهن شيئا يسرع اليه الفساد مثل البقول والبطيخ لكن في المذكور هناك تفصيل يجرى هنا ظاهرا.

(٢) في المبسوط « الزرع الذي يتخلف » وعن نسخة منه « يستخلف » وعلى كل المراد كما يظهر مما بعده ما يزيد على النابت تدريجا كالبقول.

٧٩

به ، وإذا كان المحل يتقدم على حدوث البطن الثاني كان الرهن صحيحا.

وإذا حل الدين فتوانيا في بيع ذلك حتى حدث البطن الثاني ، لم يفسد الرهن بالاختلاط بينهما فان اختلطا « قبل الرهن بري‌ء » (١) بالمسامحة بما اختلط فإن أجاب الى ذلك كان الجميع رهنا وإذا حل الحق بيع الجميع فيه ، فان لم يجب إلى المسامحة ، كان القول : قول الراهن مع يمينه في مقدار ما كان رهنا سواء كان الرهن في يد المرتهن أو الراهن.

وإذا كان الرهن أرضا فغرس المرتهن فيها غرسا فان كان غرس في مدة الرهن أمر بقلعه ، لأنه لم يؤذن له في غرسه ، وان كان غرسه في مدة البيع بإذن الراهن فهو له (٢) وان أراد المرتهن قلعه ونقله كان له ، لأنه عين ماله ، وان امتنع من قلعه كان الراهن مخيرا بين أن يقره في أرضه فيكون الأرض للراهن ، والغرس للمرتهن ، وبين أن يدفع اليه ثمن الغرس فيكون الجميع للراهن ، وبين ان يطالبه بقلعه على ان يضمن له ما نقص الغرس بالقلع وكذلك البناء لا فرق بينهما فيما ذكرناه ، وإذا أقرض غيره الف درهم على أن يرهنه بالألف داره ويكون منفعة الدار للمرتهن ، لم يصح القرض ، لأنه قرض يجر منفعة ولا يصح الرهن لأنه تابع له.

وإذا كان لإنسان على غيره الف درهم قرضا ، فقال الذي عليه الألف ، للذي

__________________

(١) الصواب. « قيل للراهن ترى » كما يظهر من المبسوط ونسخ المتن مشتبهة في ضبط الكلمات.

(٢) هذا من فروع ما إذا رهنها إلى مدة وشرط للمرتهن ان تكون الأرض مبيعة له بعد هذه المدة ان لم يؤده الدين فيها كما هو صريح المبسوط وأشار إليه المصنف بقوله : وان كان غرسه في مدة البيع ، ولعله كان مذكورا في المتن فسقط وعلى كل فاصل المسئلة تقدمت في أوائل الباب وذكر المصنف ان الرهن والبيع كلاهما فاسدان فحينئذ إن غرس فيها في مدة الرهن فقد تصرف فيها بغير اذن صاحبها وان كان بعدها فالبيع وان كان باطلا لكن الغرس باذنه فلذا يختلف حكمه.

٨٠