المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

وإذا قتل المسلم كافرا ، لم يقتل المسلم به. وإذا قتل الكافر كافرا وأسلم القاتل ، لم يقتل بالمقتول. وإذا قتل الحر عبدا ، لم يقتل به ، سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره ، فان كان عبده ، كان عليه التعزير والكفارة. (١). وإذا كان عبد غيره ، كان عليه مع التعزير والكفارة ، قيمة العبد لسيده.

وإذا قتل عبد عبدا ، كان لسيد المقتول ، القود وهو مخير بين ذلك وبين العفو ، فان قتل فقد استوفى حقه ، وان عفى على مال ، تعلقت قيمة المقتول برقبة القاتل ، وسيده مخير بين ان يفديه وبين تسليمه للبيع ، فان فداه فقد أخذ سيد المقتول حقه ، وان سلمه للبيع وبيع بما يكون وفقا لقيمة المقتول وأخذه سيده فذاك حقه ، وان بيع بأقل من قيمة المقتول ، لم يكن على سيده غير ذلك. وان بيع بأكثر كان الفاضل لسيده. وإذا كانت قيمته أكثر وأراد سيده ان يفديه ، كان له ذلك. وان أراد تسليمه للبيع كان ذلك له أيضا ، فإن فداه جاز ذلك. وان سلمه للبيع وأمكن ان يباع منه بقدر ما تعلق برقبته كان الباقي لسيده. وان لم يكن الا ببيع جميعه ، بيع جميع ذلك وأخذ من قيمة أرش الجناية ويكون الباقي لسيده.

وإذا قتل عبد عبدين لاثنين ، لكل واحد منهما عبد : فان عفوا على مال ، تعلق برقبته قيمة كل واحد منهما ، ويكون سيده مخيرا على ما تقدم ذكره.

ودية العبد قيمته ما لم يزد على دية الحر ، فان زادت قيمة أحدهما على ذلك ردت إلى دية الحر.

وإذا تداعى رجلان لقيطا لم نلحقه بواحد منهما إلا بالقرعة ، فإذا أقرعنا بينهما ألحقناه بمن خرجت القرعة له. وان قتلاه قبل إلحاقه بأحدهما ، لم يكن على واحد منهما قود ، لان كل واحد منهما يجوز ان يكون هو أباه. فإن رجعا عن الاعتراف به.

__________________

(١) وفي بعض الاخبار يغرم قيمة العبد ويتصدق بها عنه وحكاه في جواهر الكلام عن أكثر الأصحاب منهم المصنف وفي خبر آخر تؤخذ منه وتجعل في بيت مال المسلمين.

٤٦١

لم يقبل رجوعهما ، لأنه قد حكم بأن أحدهما أبوه فلا يقبل رجوعه. فان رجع أحدهما واقام الأخر على اعترافه ثبت نسبه من المعترف وانتفى عن المنكر ، لأنهما قد اتفقا على ان هذا أبوه ، فحكمنا بقولهما : ان أحدهما أبوه باعترافهما وسقط الأخر. فاما أبوه فلا قود عليه ، وعليه لوارث الولد نصف الدية. واما الأخر ، فهو أجنبي شارك الأب في قتل ولده ، فعليه القود بعد ان يرد على ورثته نصف الدية ، فان عفى عنه سقط عنه القود وكان عليه نصف الدية. وعلى كل واحد منهما ، الكفارة ، لأنهما اشتركا في قتله.

وإذا كان لرجل زوجة وله منها ولد فقتل هذا الرجل هذه الزوجة ، ورثها ولده ، ولم يرثها هو لأنه القاتل لها ، ولم يرث الولد ، القصاص من أبيه ، لأنه لو قتله أبواه (١) لم يملك القصاص عليه. فان كانت هذه الزوجة ، لها مع ولدها منه ولد من غيره ، فقتلها ، ورث ولدها منه وولدها من غيره التركة دون الزوج ، ويسقط عن الزوج القصاص ، لأن أحد ورثتها ولده ولا يرث القصاص عليه ، وله (٢) القصاص بعد ان يرد نصيب ولدها منه ، واما الدية فواجبة عليه للولدين ، لولده منها النصف ، وللآخر النصف. فان كانت هذه الزوجة لا ولد لها منه ، ولها ولد من غيره ، وقتلها ، لم يرثها وورثها ولدها من غيرها ، وورث القصاص على زوج امه (٣) ، لان زوج امه لو قتله قتل به.

وإذا قتل جماعة واحدا كان لولي الدم قتلهم به ، إذا رد فاضل الدية ، فإن أراد واحدا منهم دون الباقين ، كان له ذلك ، ورد الباقون على أولياء المقاد منه ما يصيبهم من الدية.

__________________

(١) كذا في النسخ الموجودة والظاهر ان الصواب « أبوه » لمكان ضمير المفرد في « عليه » مضافا الى ان ظاهر المصنف فيما مر اختصاص نفى القصاص بقتل الأب لولده دون الام وهو المعروف بين الأصحاب ولم يحك خلافه الا عن ابن الجنيد

(٢) اى الولد الأخر

(٣) بعد رد نصف ديته على ورثته كما مر في قتل الحر بالحرة

٤٦٢

وإذا جرح واحد. غيره مأة جراحة ، وجرحه آخر جراحة واحدة. فمات المجروح ، كانا جميعا قاتلين له ، وكان عليهما القود. والولي مخير بين قتلهما جميعا وبين العفو عنهما ويأخذ من كل واحد منهما نصف الدية فيرد على أولياء المقاد منه

وإذا قطع إنسان يد غيره ، وقطع آخر رجله ، وأوضحه ثالث (١) ، فسرى الى نفسه ، كان جميعهم قاتلة ( قتلة له خ ل ) وكان وليه مخيرا بين ان يقتص أو يعفو عنه. فان اقتص كان له ان يقتص في الجرح ، ( الجراح ـ خ ل ) ، فيقطع القاطع ثم يقطعه (٢) ويوضح الذي أوضحه ثم يقتله. فان عفى عن الجميع. أخذ الدية أثلاثا ، وان عفى عن كل واحد (٣) على ثلث الدية ، كان له قتل الآخرين إذا رد فاضل الدية.

وإذا قتل الصبي والمجنون إنسانا لم يكن عليهما قود ، فان اختلف ولى المقتول والصبي بعد بلوغه. فقال وليه : قتلته وأنت بالغ وعليك القود ، وقال الصبي : بل قتلته وانا صبي ، فليس على الصبي قود ، كان القول قول الجاني ، لأن الأصل الصغر حتى يعلم زواله. فان اختلف هو والمجنون ، فان كان يعرف له حال جنون ، كان القول قول الجاني مع يمينه ، لأنه أعلم بوقته. وان لم يعرف له حال جنون ، كان القول قول الولي ، لأن الأصل صحته وسلامته حتى يعلم انه مجنون

__________________

(١) اى جرحه جرحا أوضح العظم وأظهره.

(٢) كذا في النسخ والصواب « ثم يقتله » كما في المبسوط وحكاه في المختلف عن المصنف وانه الموافق لما بعده والوجه في هذا الحكم انه كما ينسب القطع والقتل أو الجرح والقتل إلى هؤلاء الثلاثة جاز لولي المقتول ان يفعل بهم ذلك وفيه ان القتل هنا بسبب القطع أو الجرح فيقال قتله بذلك فيدخل قصاصهما في قصاصه كما في موضع آخر من المبسوط وعزاه في المختلف الى المشهور نعم لو قتله بعدهما بسبب آخر كان الوجه ما ذكر ثم ان جواز قتل الثلاثة انما هو بعد رد فاضل الدية كما ذكره في آخر هذا الفرع.

(٣) اى عن واحد منهم أيا كان.

٤٦٣

وإذا أضرم إنسان نارا ، والقى فيها إنسانا ، ولم يمكنه الخروج منها حتى مات ، كان عليه القود. فان كان يمكنه الخروج والتخلص منها ، فلم يخرج ولا خلص نفسه منها حتى مات ، لم يجب على الملقى له فيها قود ، لأنه أعان على نفسه.

فإن ألقاه في لجة بحر ، فمات ، كان عليه القود (١).

فإن ألقاه في لجة ، فالتقمه حوت قبل وصوله الى الماء ، كان عليه القود ، لأنه أهلكه بنفس الإلقاء ، لأنه لو لم يأخذه الحوت ، كان هلاكه فيه ، فكان الحوت أهلكه ( ابتلعه خ ل ) بعد ان حصل ما فيه هلاكه. وقول من يقول : انه ما أهلك بالإلقاء ، وانما هلك بشي‌ء آخر ، وهو التقام الحوت قبل هلاكه له : غير صحيح ، لأنه لو كان ذلك صحيحا ، لكان إذا وصل الى ماء ، ثم التقمه الحوت قبل هلاكه ، ان يكون ما هلك بالإلقاء وانما هلك بالتقام الحوت له صحيحا ، ولا يحكم عليه بقود ، فقد علم خلاف ذلك (٢).

وإذا جنى إنسان على غيره جناية جعله بها في حكم المذبوح ، مثل ان قطع حلقومه ومرية (٣) أو ابان خيشومه وامعاه ، وجاء أخر فقده بنصفين أو ذبحه ، كان الأول هو القاتل ، وعليه القود. والثاني غير قاتل ، وعليه التعزير ، لأن الأول جعله في حكم المذبوح ، لأن الحياة التي فيه غير مستقرة. والثاني يلزمه دية ميت. (٤)

وإذا قطع الصبي يد بالغ ، وبلغ الصبي ، وسرى القطع الى نفس البالغ لم يكن على الصبي قود. وكذلك الحكم إذا قطع مسلم يد نصراني له ذمة ، ثم

__________________

(١) إذا لم يمكنه الخروج لما مر في الإلقاء في النار.

(٢) في هذا الفرع من قوله : فإن ألقاه في لجة بحر في نسخة الأصل إسقاط لما لا يلتئم بدونه الكلام وما اثبت هنا مأخوذ مما في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا.

(٣) بفتح الميم وتشديد الياء كأمير مجرى الطعام والشراب.

(٤) وهي مأة دينار في الذبح ولعله في العقد كذلك وظاهر المتن ان هذا لا يسقط التعزير.

٤٦٤

أسلم ، وسرت الجناية إلى نفسه وهو مسلم ، فمات. أو قطع حر يد عبد ، ثم أعتق العبد ، وسرت الجناية إلى نفسه ، سواء في انه لا قود في ذلك ، لان التكافؤ إذا لم يكن حاصلا في وقت القطع وكان موجودا في وقت السراية ، لم يثبت القود في القطع ولا السراية. فإذا كان كذلك ، ولم يلزم فيما ذكرناه قود ، كان فيه الدية ، لأن الجناية إذا وقعت مضمونة ، كان الاعتبار بأرشها في حال الاستقرار. يدل على ما ذكرناه انه لو قطع يدي مسلم ورجليه ، كان فيه ديتان ، فان سرى ذلك الى نفسه كان فيه دية واحدة. ولو قطع إصبعا واحدة كان فيه عشر الدية ، فإن صارت نفسا. كان فيه الدية ، اعتبارا بحال الاستقرار ، كما قدمناه.

وإذا قطع يد مرتد ، ثم أسلم ومات ، أو حربي فأسلم ثم مات ، وكان القطع في حال كفره ، والسراية في حال إسلامه ، لم يجب هاهنا قود ، لما تقدم ذكره ، فالدية لا تجب هاهنا ، لأن الجناية إذا لم تكن مضمونة ، لم تكن سرايتها مضمونة.

وإذا رمى مسلم عبدا بسهم ، فأعتق ، ثم اصابه السهم فقتله. ( أو نصرانيا ، فأسلم ، ثم اصابه السهم فقتله. أو مرتدا ، فأسلم ، ثم اصابه السهم فقتله ) (١) لم يجب في شي‌ء من ذلك قود ، لما تقدم ذكره ، ولان الاعتبار بالقصد الى تناول نفس مكافئة حين الجناية ، وحين الجناية هو الإرسال للسهم فالتكافؤ غير موجود حينئذ ، فلا قصاص في ذلك ، وفيه دية مسلم ، لأن الإصابة حصلت وهو محقون الدية (٢) ، فكان مضمونا بالدية.

فإن رمى حربيا بسهم ، فأسلم ، ثم اصابه السهم فقتله ، لم يكن عليه قود ، وعليه الدية ، وليس بينه وبين ذلك في المرتد فرق ، لأن الإصابة صادفته وهو محقون الدم ، فكان عليه لذلك الدية.

وإذا قطع المسلم يد مسلم ، وارتد المقطوع وسرت الجناية إلى نفسه فمات ،

__________________

(١) ما بين القوسين موجود في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا.

(٢) لعل الصواب « محقون الدم » كما في الفرع التالي.

٤٦٥

فإن عاد إلى الإسلام قبل ان يحصل السراية (١) ، كان عليه القود ، لأن الجناية وكل السراية قد حصلت في حال التكافؤ ، وان عاد إلى الإسلام بعد ان أقام على الردة مدة سرت الجناية فيها ، لم يكن فيه قود ، لان القصاص انما يجب بالقطع وكل السراية يبين ذلك انه لو قطع مسلم يد مسلم ، فارتد المقطوع ، ثم مات وهو على ردته لم يكن عليه قود ، ولو قطع يد مرتد فأسلم المرتد ومات وهو مسلم لم يكن فيه قود أيضا

ولو قطع يده خطأ ، ثم ارتد ، وعاد إلى الإسلام ومات ، فان كان إسلامه حصل قبل ان يحصل للجناية سراية في حال الردة ، كان عليه الدية ، لأنها جناية مضمونة سرت الى النفس وهي مضمونة ، واعتبار الدية بحال الاستقرار ، وهو في حال الاستقرار مسلم. وان أقام على الردة مدة تحصل فيها السراية وأسلم ، كان عليه الدية ، لأن الجناية إذا كانت مضمونة ، كان الاعتبار فيها بحال الاستقرار ، وحال الاستقرار هو حي مسلم ، فكانت الدية لازمة ، لأنه قد وجد الكمال في الطرفين. فان كانت هذه الجناية وقعت على مرتد ، ومات وهو مرتد ، لم يلزم في ذلك قود ، ولا دية ، ولا كفارة.

فاما المسلم الذي ارتد ، ثم عاد إلى الإسلام ، ومات وهو مسلم ، فإن الكفارة تجب على القاطع له ، سواء اقام على ردته مدة سرت فيها الجناية إلى نفسه ، أو لم يقم ذلك ، لان الكفارة تلزم بقتل النفس التي لها حرمة ، والقاتل قد قتل نفسا لها حرمة ، لأن الحرمة موجودة في الطرفين ، حال الجناية ، وحال السراية.

وإذا أمر الإمام غيره بقتل إنسان ، لم يكن على القاتل المأمور بالقتل قود ، ولا اثم ، ولا غير ذلك. لان الإمام لا يأمر بقتل إنسان وهو غير مستحق ( الا وهو مستحق ـ خ ل ) للقتل.

فإن أمر خليفة الإمام غيره بقتل إنسان لغير استحقاق ، وكان المأمور عالما بذلك

__________________

(١) كان المراد بالسراية بلوغ الجرح حدا يكون سببا للموت ولو بعد زمان فاذا كان في أوله خفيفا لا يموت به لا يكون سراية إلا بعد ان تحصل فيه شدة توجب الموت فبهذا يمكن فرض حصول الإسلام قبل السراية وبعدها قبل الموت.

٤٦٦

لم يجز له قتله ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. (١) فان خالف وقبل منه في قتل المأمور بقتله ، كان على هذا القاتل ، القود والكفارة ، ولا قود على الأمر له بذلك ولا كفارة ، وهو آثم بما فعل من الأمر.

فإن كان المأمور يعتقد ان قتله حق ، وان الامام وخليفته لا يقتل الا بالحق. وان طاعته فيما امره به واجبة. كان عليه أيضا القود ، لأنه هو المباشر للقتل ، دون الآمر (٢)

فإن أكرهه فقال له : ان قتلته والا قتلتك ، لم يجز له قتله وان كان خائفا ، لأن قتل المؤمن لا يجوز استباحته بالإكراه على قتله ، فان خالف وقتل ، فقد آثم بقتل نفس يحرم قتلها ، وكان عليه القود.

وإذا جرح المسلم نصرانيا ، ثم ارتد المسلم ، ثم سرت الجناية إلى نفسه فمات ، لم يكن على المرتد قود ، لفقد التكافؤ في حال الجناية.

باب قتل الاثنين أو أكثر منهما بواحد

أو الواحد لاثنين أو أكثر منهما

إذا قتل اثنان أو أكثر واحدا عمدا ، كان ولى الدم مخيرا بين ان يقتل

منهم واحدا ، ويرد الباقون على وارثه مقدار ما كان نصيبهم ، لو طولبوا بالدية وبين ان يقتلهما جميعا ، بعد ان يؤدى الى ورثة المقادين ما يفضل عن دية صاحبهم

__________________

(١) أوده شيخنا الصدوق عليه الرحمة في كتاب من لا يحضره الفقيه في آخر أبوابه في جملة ألفاظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الموجزة التي لم يسبق إليها وأورده السيد الرضي رحمه‌الله في باب الحكم من نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وورد أيضا عن غيرهما في عدة اخبار لا يهمنا نقلها هنا.

(٢) نعم لكنه معذور في اعتقاده فهو بحكم الخطاء وحكى في المختلف عن الخلاف انه إذا لم يكن للمأمور طريق الى العلم بحرمة قتله كان القود على الآمر ثم قال وهذا عندي جيد

٤٦٧

يتقاسمونه بينهم بالسوية.

وإذا قتل اثنان واحدا بسيفين أو ضربتين مختلفين ، فيكون القتل حادثا عن ضربهما ، كان الحكم فيهما ما تقدم سواء. فان كان قتلهما خطأ ، كانت الدية على عاقلتهما بالسوية.

وإذا اشترك اثنان في قتل إنسان ، فقتله واحد منهما ، وأمسكه الأخر ، قتل القاتل ، وحبس الممسك في السجن حتى يموت ، ويضرب في كل سنة خمسين سوطا وان كان معهما من ينظر إليهما سملت عيناه.

فان قتلت امرأتان رجلا عمدا ، قتلتا به جميعا ، فان قتله منهن أكثر منهما ، كان لولي الدم قتلهن كلهن ، ويؤدى ما يفضل عن دية صاحبه ، إلى أوليائهن يقتسمونه بينهن بالحصص. فان كان قتلهن له خطأ كانت الدية على عاقلتهن بالسوية.

فإن قتل رجل وامرأة رجلا ، كان لأولياء الدم قتلهما جميعا ، ويردوا إلى أولياء الرجل نصف ديته. ( فان اختاروا قتل المرأة ، كان لهم ذلك ، ويأخذون نصف الدية. وان اختاروا قتل الرجل ، كان لهم ذلك ، وترد المرأة على أولياء الرجل نصف ديتها ) (١) فإن أراد أولياء الدم الدية ، كان نصفها على الرجل ، ونصفها على المرأة وإذا كان قتلهما خطأ كانت الدية على عاقلتهما نصفين بالسوية.

وإذا قتل رجل حر ومملوك رجلا حرا عمدا ، (٢) كان أولياء المقتول مخيرين

__________________

(١) ما بين القوسين من زيادات هامش نسخة ( ب ) تصحيحا

(٢) هذا الفرع ذكرهما الشيخان في المقنعة والنهاية كذلك ولعله كان منصوصا عند هما كما هو المعمول به غالبا في الكتابين والا فظاهره خلاف القاعدة المسلمة بل استغربه في جواهر الكلام ويمكن تأويله بأن المراد بقتل الحر القاتل ما إذا دفع الى ورثته نصف ديته ولم يذكره تعويلا على ما ذكره كما مر نظيره وان المراد بأداء ثمن المملوك الى سيده أداء مقدار يخصه منه وهو نصفه أو ما زاد على نصف دية المقتول وان المراد بأداء سيد المملوك نصف الدية إلى ورثته ، أدائه إلى ورثة المقتول لا الحر القاتل على ما يظهر منه بدءا

٤٦٨

بين ان يقتلوهما ويؤدوا إلى سيد المملوك ثمنه ، وبين ان يقتلوا الحر ، ويؤدى سيد المملوك الى ورثته نصف الدية ، أو يسلم المملوك إليهم ، فإن اختاروا استرقاقه ، استرقوه ، وان اختاروا قتله ، قتلوه. وليس لسيد المملوك على الحر سبيل. فان اختاروا الدية ، كانت على الحر وعلى سيد العبد نصفين ، أو يسلم السيد المملوك إليهم ، فيكون رقا لهم ، ويؤخذ من الحر نصف الدية ، فإن كان قتلهما له خطأ ، كان نصف الدية على عاقلة الرجل ، والنصف الأخر على سيد المملوك ، أو يسلمه إلى أولياء الدم يسترقونه ، ولا يجوز لهم قتله.

وإذا قتلت امرأة ومملوك رجلا حرا ، واختار أولياء الدم قتلهما جميعا ، كان لهم ذلك ، فان كانت قيمة المملوك أكثر من خمسة آلاف درهم ، كان لهم ان يردوا على سيد المملوك الفاضل عن خمسة آلاف درهم. فان اختاروا ان يقتلوا المرأة ويأخذوا المملوك كان لهم ذلك الا ان تكون قيمة المملوك أكثر من خمسة آلاف درهم فعليهم ان يردوا على سيد المملوك ، الفاضل من خمسة آلاف درهم ، ويأخذوا المملوك ويفتديه (١) سيده ، فان كان قيمة المملوك أقل من خمسة آلاف درهم ، لم يكن لهم غير نفسه. فان طلبوا الدية ، كان لهم ذلك ، ويكون على المرأة نصفها ، وعلى سيد المملوك ، النصف الأخر ، أو يسلمه إليهم.

فإن اشترك جماعة من الممالك في قتل رجل حر عمدا ، كان لأولياء الدم قتلهم جميعا ، وعليهم رد ما يفضل عن دية صاحبهم ، فان نقص ثمنهم عن ديته ، لم يكن لهم سبيل على مواليهم. فان اختاروا الدية ، كانت على مواليهم بالحصص ، أو يسلموا المماليك إليهم. فإن كان قتلهم خطأ ، كانت الدية على ساداتهم ، أو يسلموا المماليك إليهم يسترقونهم ، ولا يجوز لهم قتل واحد منهم.

وإذا قتل رجل عمدا ، رجلين أو أكثر منهما ، واختار أولياء الدم ، القود ، لم يكن لهم غير نفس القاتل ، ولم يكن لهم سبيل على شي‌ء من ماله ، ولا وارثه ، ولا عاقلته

__________________

(١) الصواب « أو يفتديه »

٤٦٩

وان اختاروا الدية ، (١) كان لهم عن كل مقتول دية كاملة. وان كان قتله لهم خطأ كان على عاقلته ديات الجميع على كمالها.

وإذا قتل رجل رجلا وامرأة ، أو رجالا ونساء أو امرأتين ونساء ، كان الحكم فيه وفيهم مثل ما تقدم.

وإذا اشترك قوم في قتل إنسان ، فطلب منهم أولياء الدم الدية ، وأخذوها منهم كان على كل واحد منهم الكفارة ـ وقد سلف ذكر ذلك ـ رجلا كان أو امرأة ، إلا المملوك ، فإنه لا يجب عليه أكثر من صوم شهرين ، فاما العتق أو الطعام ، فان ذلك لا يلزمه منه شي‌ء.

باب القصاص والشجاج

وما يلحق بذلك

قد تقدم القول فيما تعلق بالنفس من القصاص ، فاما دون النفس ، فنحن نذكر منه جملة مقنعة ، بمشيئة الله :

قال الله تعالى ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ ) (٢) الاية. ففصل الأعضاء ـ كما ترى ـ ثم عم بالقول الجميع ، فقال : والجروح قصاص (٣)

ولا خلاف في جواز القصاص في الشريعة ، وليس يصح الا بشروط وهي : التساوي في الحرية ، بأن يكون المقتص والمقتص منه حرين مسلمين ، أو يكون المجني عليه أكمل.

__________________

(١) ظاهر المصنف في هذه الفروع ان اختيار القصاص أو الدية في العمد لولي المقتول فلو اختار الدية وجبت على القاتل والمشهور كما قيل ان الواجب أولا هو القصاص الا ان يصالح عنه الولي بالدية ويقبلها القاتل فراجع جواهر الكلام بحث الاستيفاء من القصاص.

(٢) المائدة ـ ٤٥

(٣) المائدة ـ ٤٥

٤٧٠

وان يحصل ( يكون خ ل ) الاشتراك في الخاص ، يمين بيمين ، ويسار بيسار. لأنه لا يقطع يسار بيمين ، ولا يمين بيسار.

وان تكون السلامة حاصلة ، لأنه لا يقطع اليد الصحيحة باليد الشلاء.

فاما ما كان في الرأس والوجه من الجراح ، فليس يجب فيها القصاص الا بشرط وهو : التكافؤ في الحرية ، أو يكون المجني عليه أكمل.

وجملة القول من ذلك ، انا ننظر الى طول الشجة وعرضها ، فيعتبر بمساحة طولها وعرضها.

واما الأطراف ، فلا يعتبر فيها بكبر ولا صغر ، يؤخذ اليد السمينة بالهزيلة ، والغليظة بالرقيقة. ولا يعتبر في ذلك ، المساحة ، وانما يعتبر الاسم مع السلامة ، مع التكافؤ في الحرية ، كما قال تعالى ( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها ، أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ ) (١). فاعتبر الاسم فقط.

فاذا كان كذلك ، فالقصاص في الموضحة جائز بعد الاندمال ، لأنها ربما صارت نفسا ، وأول العمل في ذلك ، ان يجعل على موضع الشجة مقيسا من خيط أو عود ، فاذا علم قدرها ، حلق في مثل ذلك في الموضع بعينه من رأس الشجاج (٢) لان الشعر ان كان قائماً لا يؤمن ان يؤخذه أكثر من الحق ـ فإذا حلق الموضع ، جعل عليه المقياس ، وخط على الطرفين خطأ يكون مغيرا اما من سواد أو غيره ، حتى لا يزيد على مقدار الحق ، ثم يضبط المقتص منه ، لئلا يتحرك فيجني عليه بأكثر من ذلك ـ ويكون الزيادة هدرا ، لأنه هو الذي يجنى على نفسه ـ فاذا ضبط ، وضع الحديدة (٣) من عند

__________________

(١) المائدة ٤٥.

(٢) الظاهر ان صواب العبارة « حلق مثل ذلك الموضع بعينه من رأس الشاج » كما في المبسوط.

(٣) في متن نسخة ( ب ) ونسخة اخرى « الجريدة » والأول أصح وعلى كل فكان المراد بها ما أعد سابقا في المحاكم لمثل هذا القصاص كالسيف للقتل.

٤٧١

العلامة ، ثم أوضحه إلى العلامة الأخرى :

ثم ان رأس المجني عليه ، (١) اما ان يتفقا في القدر والمساحة ، أو يختلفا ، ويكون رأس المجني عليه أصغر أو أكبر. فإن كانا متساويين ، وكانت الشجة في بعض الرأس أو في كله ، استوفى حسب ما قدمناه. وان كان رأس المجني عليه أكبر ، مثل ان يكون من جبهته الى قفاه نصف شبر وشبر ، والجاني شبر فقط ، وكانت الموضحة في بعض رأس المجني عليه ، وذلك القدر جميع رأس الجاني ، فإنه يستوفي جميع رأس لا مثله (٢) في المساحة ، وان كانت في جميع رأس المجني عليه ، فإنه يستوفي جميع رأسه ، من أوله الى آخره ، ولا يترك من الرأس إلا الجبهة (٣) ، لأن الجبهة عضو آخر ، ولا عن رأسه أيضا الى قفاه ، لان القفا عضو آخر ، ولا يوضح مكانا آخر ، لئلا يصير موضحتين بموضحة واحدة.

فإن كان رأس المجني عليه أصغر من رأس الجاني ، أخذ قدر مساحتها (٤) من رأس الجاني ، ان أراد بدء من الجبهة لأنه منتهى (٥) المساحة ، وان أراد بدء من القفا الى منتهاها أيضا ، لأن السمت (٦) محل الاقتصاص ، الا انه بقدر الجناية ، من غير زيادة عليها ، ولو أراد ان يأخذ من وسط الرأس بقدر المساحة ، جاز ، لان هذا

__________________

(١) الصواب « رأس الجاني والمجني عليه » كما لا يخفى.

(٢) الصواب « لأنه مثله » كما في المبسوط وكون المراد نفى المثلية بنسبة الثلثين مناف لذكر المساحة.

(٣) الصواب « ولا ينزل من الرأس إلى الجبهة » كما في المبسوط وللمناسبة لما بعده اى لا ينزل الشج.

(٤) اى مساحة الشجة في رأس المجني عليه.

(٥) الصواب « الى منتهى المساحة » اى مساحة الخيط المقيس به كما يدل عليه كلمة « أيضا ».

(٦) أي الرأس بجميعه فهو تعليل لجواز الابتداء بهما.

٤٧٢

السمت محل الاقتصاص.

فإن أخذ قدر المساحة بغير زيادة عليها ، فقد استوفى الحق ، وان زاد على ذلك ، وكان متعمدا ، فالزيادة موضحة يجب القود فيها ، لأنه ابتداء إيضاح على وجه العمد. فاذا ثبت أنها موضحة منفردة لم يكن (١) أخذ القصاص فيها من رأسه ، لأن محلها ما اندمل ، لكنه يصبر الى ان يندمل ، فاذا كان ذلك ، أخذ القصاص فيها في محل الاندمال. هذا إذا قال : عمدت. فان قال : أخطأت ، كان القول قوله ، لأنه الجاني ، فهو اعلم بحال الجناية ، فإذا حلف ، لزمه أرش الموضحة كاملة.

وإذا شجه دون الموضحة ، مثل ان شجه متلاحمة ، كان فيها القود.

فاما الأطراف :

فيجري القصاص فيها من المفاصل ، في اليدين ، والرجلين ، والعينين ، والأذنين ، والأنف ، والأسنان ، واللسان ، والذكر. للاية.

ويجب ذلك بشروط وهي :

الاتفاق في الحرية ، والسلامة ، والاشتراك في الاسم الخاص ـ يمين بيمين ، ويسار بيسار ـ ولا يعتبر القدر والمساحة ، بل تؤخذ اليد السمينة بالهزيلة ، والغليظة بالرقيقة. للاية.

وإذا كان كذلك ، وقطع يده من مفصل الكوع.(٢) فيقطع يده من المفصل المذكور بعينه ، ويكون المجني عليه مخيرا بين أخذ القصاص ، وبين العفو على مال ، فان عفى على مال. كان فيها نصف الدية ، خمسون من الإبل.

فإن قطع يده من بعض الذراع ، لم يكن فيها قصاص من بعض الذراع ، لان نصف

__________________

(١) لعل الصواب « لم يمكن ».

(٢) بضم الكاف وسكون الواو وهو هنا الزند.

٤٧٣

الذراع ليس يمكن قطعه ، خوفا من إتلافه ، أو أخذ أكثر من الحق ، فيكون المجني عليه مخيرا بين العفو على مال ، وله دية يد وحكومة في ما زاد عليها من الذراع. وبين القصاص ، فيقتص اليد من الكوع ، ويأخذ حكومة فيما بقي من الذراع.

فان قطع من مفصل المرفق ، فله القصاص من هذا المفصل بعينه ، والمجني عليه ، مخير بين العفو ويأخذ دية اليد ، خمسين من الإبل ، وحكومة في الساعد (١) وبين ان يقتص من المرفق. فان قال : انا اقتص من الكوع ، وآخذ من الذراع حكومة ، لم يجز له ذلك ، لأنه إذا أمكنه ان يستوفي حقه اجمع قودا ، لم يكن له استيفاء بعضه وأخذ حكومة فيما بقي. وهذا يفارق المسئلة المتقدمة ، حيث كان له القصاص في الكوع وأخذ الحكومة فيما بقي من الذراع ، لأنه لا يمكنه استيفاء جميع حقه قصاصا ، لان نصف الذراع لا ينفصل له.

وكذلك إذا قطع يده من مفصل المنكب ، على هذا التفصيل. فان خلع كتفه واقتلع العظم الذي هو المشط من ظهره ، سأل أهل الخبرة عن ذلك ، فان قالوا : ان استيفاء ذلك يمكن قصاصا ، ولا يخاف عليه الجائفة (٢) ، ( استوفى قصاصا ، لان له حدا ينتهى اليه ، فإن قالوا : ليس يؤمن عليه الجائفة ) ، (٣) كان المجني عليه مخيرا بين العفو وأخذ دية اليد ـ خمسين من الإبل ـ وفيما يزيد على ذلك حكومة (٤) ، وبين ان يأخذه القصاص من المنكب ، وفيما يزيد عليه حكومة.

فإن قطع يدا كاملة الأصابع ويده ناقصة الإصبع ، كان المجني عليه مخيرا

__________________

(١) اى الذراع وهو بين مفصل الزند والمرفق.

(٢) بالجيم وهي الجراحة التي تخرق الى الجوف.

(٣) ما بين القوسين ليس في نسخة الأصل وانما هو في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا وهو الصواب كما في المبسوط.

(٤) الحكومة في هذه الموارد بمعنى الأرش بأن يفرض الحر المجني عليه عبدا فيقوم صحيحا وناقصا فيؤخذ ما بينهما من التفاوت.

٤٧٤

بين العفو على مال ، وله دية اليد ـ خمسون من الإبل ـ وبين ان يقتص فيأخذ يدا ناقصة إصبعا قصاصا.

وان كانت يده شلاء ، فقطع صحيحة ، سئل أهل الخبرة ، فإن قالوا : ان الشلاء إذا قطعت ، بقيت أفواه العروق لا ينضم ولا ينحسم ولا يبرأ ولا يؤمن التلف بقطعها ، لم تقطع ، لأنه لا يجوز ان يؤخذ نفس بيد. وان قالوا : انها ينحسم ويبرأ في المقادة (١) أخذنا بها ( أخذ به ـ خ ل ) ، لأنه قد رضي بأخذ ما هو أقل من حقه ، فهو كالضعيفة بالقوية.

وإذا قطع يدا شلاء ، ويده صحيحة ، لم يكن فيها قود ، ويكون فيها ثلث دية اليد الصحيحة.

وإذا قطع إصبع غيره ، فسرت الى كفه ، فذهب كفه ثم اندملت ، كان عليه بالإصبع والسراية جميعا ، القصاص.

وإذا قطع أطراف غيره ، مثل ان يكون قطع يديه ، ورجليه ، وأذنيه ، فله ان يأخذ دية النفس دون ما زاد عليها ، وليس له ان يأخذ ثلاث ديات.

وإذا ذهب ضوء العين عن ( من ـ خ ل ) الموضحة بالسراية ، كان في ذلك ، القصاص وإذا كان فيه القصاص ، فالمجني عليه مخير بين العفو وبين استيفاء القود ، فان عفى وجبت له دية موضحة في الضوء (٢) ، الدية ، فإن أراد القصاص ، اقتص في الموضحة ثم يصبر ، فان سرى القصاص الى ضوء العين ، كان القصاص واقعا موقعه ، وان لم يسر الى ضوء العين ، كان فيه القصاص ، فإن أمكنه أن يقتص الضوء (٣) ، كان ذلك له ، وان لم يمكنه ذلك الا بذهاب الحدقة ، لم يكن له القصاص فيه ، لأن الذي يستحقه

__________________

(١) اى يحصل البرء في المقطوعة قصاصا والأظهر ان الصواب « في العادة » كما في المبسوط.

(٢) الصواب « وفي الضوء » بالواو العاطفة أي تجب فيه أيضا دية وهي دية كاملة في العينين فتوى ونصا.

(٣) بما يذكره في الفرع التالي.

٤٧٥

هو الضوء ، فلا يجوز ان يأخذ معه عضوا آخر (١).

وإذا لطم غيره ، فذهب ضوء عينه ، لطم مثلها. فان ذهب بذلك ضوء عينه ، فقد استوفى القصاص ، وان لم يذهب الضوء ، استوفى بما يمكن استيفاء ذلك بمثله من حديدة قد احمى في النار (٢) ، أو كافور ، أو دواء يذر فيها.

فان لطم غيره ، وذهب ضوء عينه ، وابيضت وشخصت ، لطم مثلها ، فان ذهب الضوء وحصل البياض والشخوص فيها ، فقد استوفى الحق ، وان ذهب الضوء ، ولم يحصل البياض والشخوص ، وأمكن ان يعالج بما حصل به ذلك ، كان له فعله ، فان لم يتمكن ذلك لم يكن فيه شي‌ء (٣).

وإذا ذهب شعر الرأس ، فلم يعد ، كان فيه الدية كاملة. وكذلك شعر اللحية فاما شعر الحاجبين ، فمضمون بنصف الدية ، وكذلك شعر أشفار العينين. وما عدا ذلك من الشعر ، ففيه حكومة.

وإذا جرح غيره ، ثم ان المجروح قطع من مكان الجرح لحما ، وسرى ذلك الى نفسه ، ( فان كان اللحم الذي قطعه حيا ، كان على الجاني القود ، لأنه هلك من عمل بين أحدهما مضمون والأخر هدر ) (٤). فان كان اللحم المقطوع ميتا ، كان قطع هذا اللحم لا تأثير له ، لأنه لا سراية فيه ، وكان على الجاني ، القود.

__________________

(١) فيقتصر حينئذ على أخذ الدية لا محالة.

(٢) اى يقرب الحديدة المحماة الى العين من دون ان تمس بها وقد مر انه إذا لم يمكن ذلك لا يجوز له القصاص.

(٣) ظاهره نفى الدية والحكومة معا وأظهر منه عبارة المبسوط وهذا في الدية كذلك لعدم شي‌ء مقدر في البياض والشخوص بنفسهما واما الحكومة فمقتضى جواز القصاص لهما بعد ذهاب الضوء من الجاني ثبوتها.

(٤) ما بين القوسين من زيادات هامش نسخة ( ب ) تصحيحا وكذا في المبسوط وفيه « من عمدين » مكان « من عمل بين » والظاهر ان قود الجارح انما هو إذا رد الى ورثته نصف ديته كما في الشرائع وذلك لأجل الاشتراك.

٤٧٦

وإذا قطع يد رجل ، وفي اليد إصبعان شلا وان ، وثلاث أصابع سليمة ليس فيها شي‌ء من الشلل ، لم يلزم القاطع قود ، لان الاعتبار في لزوم ذلك في الأطراف انما يكون بالتكافؤ فيها ، واليد الشلاء لا تكافؤ الصحيحة ، فإذا لم يلزم هذا القاطع قود لما ذكرناه. ورضي الجاني بأن يقطع يده بتلك اليد ، لم يجز ذلك ، لان القود إذا لم يجب في الأصل لم يجز استيفاؤه بالبدل (١). وهذا يبين بالحر إذا قتل عبدا ، وقال الحر : قد رضيت بان يقتله ( يقتلني ـ ظ ) سيده ، في انه لا يجوز قتله ، ولا يعتبر رضاه في ذلك ، وللمجنى عليه القصاص في الأصابع الثلاثة السليمة ، ويكون مخيرا بين العفو والاستيفاء ، فان عفى عن القصاص ، أخذ في السليمة ثلاثين من الإبل ، ويأخذ في الشلاوين ثلث ديتهما صحيحتين.

إذا قطع أنملة من إصبع ، وكانت الأنملة هي العليا ، ثم يقطع المجني عليه الأنملة التي تحتها ، وسرى ذلك الى نفسه ، كان عليه القود ، ولا فرق بين ان يكون المجني عليه قطع لحما حيا أو ميتا ، كما ذكرناه فيما تقدم (٢).

وإذا قطع يدا كاملة الأصابع ، ويده ناقصة إصبعين ، كان المجني عليه مخيرا ( فان اختار القصاص أخذ الموجود ودية المفقود ، فيأخذ دية إصبعين ـ عشرون من الإبل ـ ) (٣) فإن اختار القصاص ، لم يكن له أخذ المال. وكذلك القول إذا كان ذلك خلقة ، أو ذهب بآفة من الله تعالى. وان كان قد أخذ ديتها أو استحقها على غيره ، كان عليه رد المال.

__________________

(١) لعل الصواب بالذال المعجمة.

(٢) آنفا في الجرح.

(٣) ما بين القوسين في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا لكنه مناف لقوله بعده : « فان اختار القصاص لم يكن له أخذ المال » فما في الهامش اما زيادة وليس من المتن أو ان ما بعده قول آخر حكاه المصنف وسقط منه كلمة « وقيل » أو نحوه كما في المبسوط والله العالم.

٤٧٧

وإذا كانت له إصبع زائدة ، فقطع يدا، فان كانت مثل يده في الزيادة ، وكانت الزيادة من المقطوع في محل الزيادة من القاطع ، مثل ان يكون مع الإبهامين ، أو مع الخنصرين منهما ، قطعت يده بيده ، لأنهما متساويتان في الخلقة والزيادة. وان كانت المقطوعة ذات خمس أصابع ، وللقاطع إصبع زائدة ، فإن كانت الزائدة على ساعد القاطع ، قطعت يده بذلك ، لأنا نأخذ ليد مثل يد ، والزيادة تسلم للقاطع. وان كانت الزيادة على كف القاطع لم يقطع يده بيده ، لأنها تزيد إصبعا ، فلا يقطع بما هي ناقصة إصبعا (١) فإذا كانت لا تقطع على ما ذكرناه فالزيادة ، إما تكون منفردة ـ كإحدى الأصابع ـ أو يكون ملصقة بواحدة منها ، أو يكون على إصبع من الأصابع ، فإن كانت منفردة كإحدى الأصابع ، كان مخيرا بين العفو وله أخذ دية كاملة وبين ان يقتص فيأخذ خمس أصابع قصاصا ويترك الزائدة. وان كانت ملصقة بإحدى الأصابع ، كان مخيرا بين العفو وله ان يأخذ دية كاملة وبين ان يقتص فيأخذ أربع أصابع قودا ، وليس له أخذ الخامسة ، لأنها ملصقة بالزائدة وله ديتها ، عشرة من الإبل. وان كانت الزائدة على إصبع من الأصابع ، وكانت نابتة على الأنملة العليا ، كان الحكم فيها ، كالحكم فيها إذا كانت ملصقة بالزائدة ، وقد تقدم ذلك. وان كانت نابتة على الأنملة الثانية كان القصاص في ثلاث (٢) أصابع ، وفي الأنملة العليا ودية الأنملتين الباقيتين. وان كانت على السفلى ، كان له القصاص في أربع أصابع والأنملتين العليا والوسطى ودية الأنملة السفلى التي عليها الإصبع الزائدة.

__________________

(١) يمكن ان يقال لما كانت الإصبع الزائدة خارجة عن الخلقة المتعارفة لم يكن القصاص في الكف زائدا على المماثلة على انه ورد فيمن قطع كفا مقطوعة الأصابع انه يجوز القصاص ويرد الى القاطع دية أصابعه وقد عمل به جمع من الأصحاب ولا يبعد كونه على القاعدة.

(٢) كذا في النسخ ونسختي المبسوط والصواب ( أربع أصابع ) إذ لا وجه لثلاث ولا فرق بينه وبين ما قبله وما بعده.

٤٧٨

فان كانت يد القاطع ذات خمس أصابع ، ويد المقطوع ذات ست أصابع ، كان للمقطوع ، القصاص ، لأنه يأخذ ناقصا بكامل ، ويكون مخيرا بين العفو والاستيفاء. فان عفى على مال ، كان له بيده يد كاملة ، وفي الإصبع الزائدة حكومة ، ولا تبلغ الحكومة في ذلك دية الإصبع الأصلية ، لأنا نأخذ (١) في الخلقة الزائدة ما نأخذه في الأصلية ، فإذا كان كذلك (٢) فكان لا فرق بين قطعها وحدها أو مع اليد. فان اندملت كان فيها الأرش ـ ثلث الإصبع الصحيحة ـ كان بها سير (٣) بعد الاندمال ، أو لم يكن بها كذلك.

وإذا قطع من غيره أنملة لها طرفان ، وكان للقاطع مثلها في تلك الإصبع ، كان عليه القصاص ، لتساويهما في ذلك ، وان لم يكن له مثلها ، أخذ القصاص في الموجودة ، وحكومة في المفقودة.

وان كانت أنملة القاطع ، لها طرفان ، وللمقطوعة طرف واحد ، فلا قصاص على الجاني ، لأنا نأخذ زائدة بنا قصة ، وله دية أنملة ـ ثلث دية الإصبع ـ ثلاث وثلث من الإبل.

وإذا قطع رجل يمين رجل ، وكان لهذا القاطع يمين ، قطعت بها. وان لم يكن له يمين ، وكان له يسار ، قطعت يده اليسرى به (٤). وكذلك الحكم ، إذا قطع يسرى غيره ، ولم يكن له يسرى ، وله يمين ، فإنه يقطع يمينه باليسرى. فان لم يكن له يدان

__________________

(١) الصواب « لأنا لا نأخذ » كما في المبسوط.

(٢) يعني إذا كان في الإصبع الزائدة حكومة لا فرق بين قطعها بقطع الكف أو وحدها قلت ذكرنا ان الحكومة هي أرش ما بين الصحيح والناقص وقطع الإصبع الزائدة ليس نقصا نعم لو قطعها وحدها كانت له حكومة للإيذاء والله العالم.

(٣) الصواب « شين » كما في المبسوط.

(٤) هذا وما بعده خارج عن قاعدة المماثلة المستفادة من قوله تعالى ( فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) لكنه منصوص كما في الوسائل الباب ١٢ من قصاص الطرف.

٤٧٩

وكانت له رجلان ، قطعت رجله اليمنى باليمنى. فان لم يكن له رجل يمنى ، وكانت له يسرى ، قطعت رجله اليسرى بذلك ، فان لم يكن له يدان ، ولا رجلان ، كان له الدية ، وسقط القصاص هاهنا.

وإذا قطع اذن رجل ، فأبانها ، ثم ألصقها المجني عليه في الحال ، فالتصقت كان على الجاني القصاص ، لان القصاص يجب بالإبانة. فإن قال الجاني : أزيلوا اذنه ، واقتصوا منى ، كان له ذلك ، لأنه ألصق بها ميتة. فإن كان ذلك ، ثم ألصقها الجاني فالتصقت ، وقع القصاص موقعه. فان قال المجني عليه : قد التصقت اذنه بعد إبانتها ، أزيلوها عنه ، وجب إزالتها.

وإذا صلى الذي ألصق المقطوع باذنه ، فالتصق ، لم تصح صلاته ، لأنه حامل النجاسة في غير موضعها لغير ضرورة. فاما إذا أجبر عظمه بعظم ميتة ، فلا تمنع صحة الصلاة عندنا معه ، لان العظم ليس بنجس ، لأنه لا تحله الحياة ، والميتة انما تكون ميتة بان يفنى عنها الحياة التي تكون حياته فيها ، والعظم لا تحله الحياة كما قدمناه. وقد ذكر : ان العظم إذا كان عظم ما هو نجس العين ، مثل الكلب والخنزير ، لم تجز الصلاة فيه ، والاحتياط يقتضي ذلك (١).

وإذا قطع اذن رجل وبقيت معلقة لم تبن من باقيها ، كان في ذلك القصاص ، لأنها قد انتهت الى حد يمكن فيها المماثلة ، وكذلك القول في قطع اليد ، فاذا كان كذلك وأراد القصاص ، اقتص منه الى الجلدة التي هي متعلقة بها. وإذا قطع ذكر رجل قطع ذكره ، ويقطع ذكر الشاب بذكر الشاب ، وذكر الشاب بذكر الشيخ ، وذكر الشيخ بذكر الشاب ، وكذلك ذكر الصبي ، بغيره مما ذكرناه. ويقطع ذكر الفحل بذكر الخصى. فان قطع ذكر أشل أو به شلل ـ وهو الذي قد استرسل ولا ينتشر ولا يقوم ولا ينبسط ولا ينقبض ، صار مثل الحرمة ـ (٢) لم يكن في قطع قود ، مثل اليد السليمة

__________________

(١) وكذا في كل ما لا يؤكل لحمه للنص الدال على بطلان الصلاة في كل شي‌ء منه.

(٢) لعل الصواب ( الخرقة ) كما في المبسوط.

٤٨٠