المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

ولعقبه ، فإنما هي للذي يعطاها ، لا يرجع الى الذي أعطاها ، فإنه أعطى عطاءا وقعت فيه المواريث. (١)

فإن أطلق القول فقال : هذه الدار لك عمرك ، فاذا مت رجعت الى ، ولم يذكر فيه عقبا ، كان للعمر ما دام حيا ، فاذا مات رجعت الى المعمر ، أو الى وارثه ان كان مات ، ويفتقر الرقبى أيضا في صحتها إلى الإيجاب والقبول كالعمرى ، ويلزم مدة حياة من علقها به ، ويرجع ملكها بعد موته على ما يشرطه.

« وحدة المعنى في الثلاثة »

وقد قلنا ان المعنى في السكنى والعمرى والرقبى واحد ، ولا فرق عندنا بين العمرى والرقبى ، وما يفرق به بعض الناس بينهما ، ليس بمذهب لنا. فإذا اسكن الإنسان غيره رقبى ، وشرط في ذلك موت أحدهما ، كان جائزا ، وإذا مات الواحد منهما ، رجع الموضع الى أهل المسكن ، وإذا أسكن غيره مدة من الزمان ، كان صحيحا ، ولم يجز للمسكن نقل الساكن من ذلك ، الا بعد انقضاء مدته التي وقع التعيين عليها ، فإن أسكنه كذلك ، وأراد بيع المكان ، لم يجز له بيعه الا بعد ان تنقضي المدة ، أو يشترط على المشترى بقاء الساكن الى ان يستوفي مدته ، وإذا مات المسكن والساكن على هذه الحال لم يجز لورثته نقله حتى تنقضي مدته.

__________________

(١) رواه مسلم في الهبات من صحيحه وأبو داود في البيوع من سننه وغيرهما بالإسناد عن جابر بن عبد الله وأورده الشيخ في المبسوط وشيخنا النوري في المستدرك ج ٢ ص ٥١٥ وظاهره ان العمرى في هذا الفرض عطاء كالهبة يقع فيه الميراث وغيره وهذا مخالف لنصوص الإمامية وفتاواهم حيث ذكروا ان ملك الدار لصاحبها وانما ينتفع بها المعمر في حياته وعقبه من بعده فاذا انقرضوا رجعت الى صاحبها أو وارثه وسند الخبر عامي ليس بحجة ولعل مراد المصنف والشيخ من إيراده الاحتجاج به لأصل المشروعية على من أنكره من العامة ولذا لم يحك عنهما القول بمضمونه ويمكن أيضا حمله على انها كالعطاء في انتفاعه وانتفاع وارثه بها والله العالم

١٠١

ومن اسكن غيره شيئا مما ذكرناه مدة عمره ، كان ذلك ماضيا في زمان حياته وان كان (١) لورثته نقل الساكن من المكان ، فان مات الساكن ، وله ورثة ، كان ذلك لورثته الى ان يموت المسكن ، فان جعل السكنى مدة حياة الساكن ، كان ذلك ماضيا الى ان يموت ، فاذا مات رجع اليه ، أو الى وارثه ان كان قد مات ، فإن أسكنه بشرط انه ان مات أحدهما (٢) بطل السكنى ، كان جائزا ، فمتى مات أحدهما ، رجع المنزل إلى اهله ، ومن اسكن غيره ما ذكرناه ولم يذكر شيئا (٣) من ذلك ، لم يجز للساكن ان يسكن معه غيره فيه ، الا ان يكون ولده واهله ، فأما غيرهم ، فلا يجوز له إسكانه معه وكذلك لا يجوز له ان يوجر لغيره ، ولا ان ينتقل عنه ويسكنه لغيره (٤) بغير أجرة ، الا ان يكون المالك قد اذن له في ذلك.

« تمت أحكام السكنى والعمرى والرقبى »

__________________

(١) في نسخة ( ب ) وإذا مات كان لورثته وهو الصواب.

(٢) اى غير المعين وقد تقدم نحوه آنفا والظاهر انه تكرار.

(٣) زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا بعلامة التصحيح « من الشروط التي ذكرناها وأراد نقله من المكان كان له ذلك ومن اسكن غيره شيئا » وحاصله الفرق بين ما إذا علق الإسكان بعمر أحدهما أو بمدة معينة فيكون ملزما به وما إذا أسكنه بدون ذلك فيجوز له إخراجه متى شاء وهو المعروف بين الأصحاب وقد أهمل المصنف حكم ما إذا علقه بمدة معينة ومات الساكن قبل مضيها والظاهر انه مثل ما إذا علقه بعمر المالك ومات الساكن قبله وقد ذكر انه يرجع في الباقي الى ورثة الساكن لكنه مشكل في كليهما لعدم النص وعدم شمول الإسكان له لغيره ولذا لا يجوز له في حياته ان يسكن غيره الا بإذن المالك.

(٤) الصواب : ويسكنه غيره أو ما هو بمعناه.

١٠٢

كتاب الوصايا

« باب الأمر بالوصية ، والحث عليها الوصية جائزة »

قال الله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) الآية (١).

وقال ، تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ الاية » (٢).

وكرر ذكر الوصية فقال : ولامه السدس من بعد وصية يوصى بها أو دين وقال : ولهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وقال :

فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين (٣).

وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية (٤).

__________________

(١) البقرة ـ ١٨٠.

(٢) المائدة ـ ١٠٦ ـ

(٣) النساء ـ ١١ و ١٢.

(٤) الوسائل ج ١٣ ، الباب ١ من الوصايا ، قال ابن إدريس في أول وصايا السرائر المراد به ان أهل الجاهلية ما كانوا يرون الوصية فإذا لم يوص المسلم فقد عمل كعملهم ومن تركها معتقدا انها غير مشروعة ولا مسنونة فهذا جاحد للنص القرآني حكمه كحكم الكفار والمرتدين انتهى.

١٠٣

وقال:ما ينبغي لامرئ مسلم ان يبيت ليلة ـ وذكر ليلتين ـ الا ووصيته تحت رأسه (١).

وروى عن الصادق (ع) انه قال : ما من ميت تحضره الوفاة إلا رد الله عليه من سمعه وبصره وعقله للوصية ترك الوصية ، أو فعل ، لأن الوصية حق على كل مسلم (٢).

وعنه ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الوصية تمام ما نقص من الزكاة (٣).

وقال : من اوصى ولم يحف ولم يضار ، كان كمن تصدق به في حياته. (٤)

وقال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من لم يحسن وصيته عند الموت ، كان نقصا في مروءته وعقله. (٥).

وقال على عليه‌السلام : ينبغي لمن أحس بالموت ، ان يعهد عهده ويجدد وصيته. (٦).

وعن عامر بن سعد عن أبيه : انه مرض بمكة مرضا ، أشفى فيه ، فعاده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ليس يرثني إلا البنت ، افاوصى بثلثي مالي؟

فقال : لا فقال : أفاوصى بنصف مالي؟ فقال لا ، فقال : أفاوصى بثلث مالي؟

فقال : الثلث ، والثلث كثير ، وقال عليه‌السلام : ان تدع أولادهم أغنياء خير لهم من ان تدعهم

__________________

(١) الباب المذكور من الوسائل الحديث ٧ وفيه ان يبيت ليلة والمستدرك الباب ١ من الوصايا وفيه ليلتين.

(٢) الباب ٤ من وصايا الوسائل وفيه أخذ الوصية أو ترك وهي الراحلة التي يقال لها راحة الموت فهي حق على كل مسلم وهكذا في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح.

(٣) وسائل الشيعة ج ١٣ ، كتاب الوصايا ، الباب الثاني ، الحديث الأول.

(٤) وسائل الشيعة ج ١٣ ، كتاب الوصايا ، الباب الخامس الحديث الثاني.

(٥) وسائل الشيعة ج ١٣ ، كتاب الوصايا ، الباب الثالث ، الحديث الأول.

(٦) مستدرك الوسائل ، كتاب الوصايا ، الباب الثاني ، الحديث الثالث.

١٠٤

عالة يتكففون الناس. (١)

وروى أبو قتادة ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما قدم المدينة ، سأل عن البراء بن معرور فقيل له : يا رسول الله انه هلك وقد اوصى لك بثلث ماله ، فقبل رسول الله ذلك ثم رده على ورثته. (٢)

« باب ما صح من الوصايا وما لا يصح »

الوصية بالخمس أو الربع أفضل من الوصية بالثلث ، لا سيما ان كان الموصى قليل المال ، لأنه إذا كان كذلك ، كان توفيره لماله على ورثته اولى من ان ينقصه عليهم بالوصية ، والوصية بالخمس أفضل من الوصية بالربع ، والوصية بالثلث غاية فيما يوصى به الإنسان من ماله ، فمن أوصى بأكثر من الثلث لم يصح ذلك ، الا ان يجيزه الورثة.

وإذا اوصى بجميع ماله أو بما يكون أكثر من الثلث ، امضى من ذلك الثلث ، ولم يمض ما زاد عليه ، وإذا اوصى بوصية كان له ان يغير شروطها ، ويرجع فيها ، وينقلها من إنسان إلى أخر ، ومن وجه الى وجه غيره.

__________________

(١) رواه أبو داود في سننه في كتاب الوصايا ومسلم في صحيحه وغيرهما بألفاظ مختلفة وطرق متعددة وهو معروف وأورده الشيخ في المبسوط والنوري في المستدرك في الباب ٩ من الوصايا.

أقول قوله أشفى فيه اى أشرف على الموت كما في بعض ألفاظ مسلم أشفيت منه على الموت وقوله ليس يرثني إلا البنت أو ابنتي كما في لفظ آخر أو ابنة لي واحدة كما في ثالث فلعل المراد بذلك اضطرار ابنته الى ميراثه دون سائر أولاده أو ان القضية كانت قبل ان يولد له غيرها فان سعدا وهو هنا ابن ابى وقاص كانت له عدة أولاد ذكور وقد روى في صحيح مسلم هذه القضية عن ثلاثة منهم وقوله في المتن ان تدع أولادهم فالصواب أولادك كما في المصادر المذكورة.

(٢) مستدرك الوسائل ، كتاب الوصايا الباب التاسع ، الحديث الأول.

١٠٥

فإذا أوصى بوصية ، ثم أوصى بوصية أخرى ، وكان العمل بهما ممكنا ، عمل بهما جميعا ، وان كان العمل بهما جميعا غير ممكن ، كان العمل بالأخيرة أولى (١).

وإذا دبر إنسان مملوكه ، كان له الرجوع في تدبيره ، لأنه يجري مجرى الوصية ، فان لم يرجع في ذلك ، كان من الثلث ، فإن أعتقه في الحال ، كان عتقه ماضيا ، ولم يكن لأحد عليه سبيل.

وإذا وصى إنسان بوصية ، لم يكن لأحد مخالفته فيما اوصى به ، ولا تغيير شي‌ء من شروط وصيته ، الا ان يكون قد أوصى بإنفاق ماله فيما لا يرضى الله تعالى ، أو شي‌ء من المعاصي ، مثل قتل نفس ، أو إنفاقه على مواضع قرب الكفار. أو في مصالح بيوت عباداتهم ، مثل الكنائس وبيوت النيران ، فإنه متى فعل ذلك كان على الوصي مخالفته في ذلك ، ورد الوصية إلى الحق.

وإذا اوصى إنسان لأبويه ، أو لواحد منهما ، أو لبعض أقاربه ، بوصية ، كانت صحيحة ، وذكر (٢) انه ، ان وصى لبعض أقاربه ، وكان الموصى له كافرا ، كانت الوصية ماضية ، والصحيح انه لا يوصى لكافر.

__________________

(١) في نسخة ( ب ) كان العمل بالأخيرة دون الاولى ونحوه في نهاية الشيخ وقال ابن إدريس في السرائر في كلام طويل حاصله ان المراد بما في المتن ونحوه ما إذا كانت الوصية الثانية مناقضة للأولى كما إذا اوصى بثلثه لشخص ثم اوصى به لشخص آخر واما إذا اوصى بشي‌ء ثم أوصى بشي‌ء آخر ولم يف ثلثه بهما فمذهب أصحابنا فيه ان يبدأ بالأول فالأول.

قلت يؤيد ذلك ما يأتي قريبا في كلام المصنف من انه إذا اوصى بثلث ماله لأجنبي وبثلث آخر للوارث كان العمل على الأول منهما.

(٢) بصيغة المجهول اى قيل والقائل الشيخ رحمه‌الله تعالى في النهاية وذكره في مواضع من وصايا المبسوط الا انه يظهر من آخرها تقييده بما إذا كان الكافر من أهل الذمة.

١٠٦

وإذا اوصى بإخراج بعض الورثة من الميراث ، وكان قد أقربه قبل ذلك ، أو كان قد ولد على فراشه ، ولم يكن انتفى منه في حال الحياة ، كانت وصيته بإخراجه باطلة.

وإذا وصى بالثلث للوارث ، كان ذلك جائزا ، إذا لم يكن بأكثر منه ، فان زادت على ذلك ، ردت الى الثلث كما قدمناه.

وإذا جرح إنسان نفسه بما يكون منه هلاكه ، واوصى بعد ذلك بشي‌ء ، كانت وصيته باطلة ، فإن أوصى ثم قتل نفسه كانت وصيته ماضية (١) في ثلث ماله ، أو ثلث ديته ، فان جرحه غيره ثم وصى بعد ذلك كانت وصيته في ثلث ماله وثلث ما يستحقه من أرش الجراح ماضية.

وإذا اوصى إنسان لمملوك غيره ، أو وصى لمكاتب مشروط عليه ، كانت وصيته باطلة ، فإن وصى لمكاتب غير مشروط عليه ، كانت الوصية جائزة بمقدار ما ادى من كتابته وإذا اوصى لمملوكه بثلث ماله ، وكانت قيمة هذا المملوك أقل من الثلث أعتق ودفع إليه الباقي (٢) وان كانت قيمته أكثر من الثلث بمقدار السدس ، أو الربع أو الثلث ، أعتق بمقدار ذلك ، واستسعى في الباقي للوارث ، فان كان قيمته على الضعف من الثلث ، كانت الوصية باطلة (٣).

__________________

(١) كذا في النسختين لكن فيه سقطا والصواب كما يظهر من النهاية : كانت وصيته ماضية فإن أوصى ثم قتله غيره كانت وصيته ماضية في ثلث ماله وثلث ديته.

(٢) زاد في هامش نسخة ( ب ) : وان كانت قيمته وفق الثلث أعتق ولم يدفع إليه شي‌ء وليس عليه أيضا شي‌ء.

(٣) مقتضى القاعدة صحتها أيضا لكن قيل انها خارجة عنها بالنص وفي المسألة خلاف ومثلها المسألة التالية الا ان النص فيها أظهر ولعل القول به أشهر والمراد بالثلث في هذه المسألة ثلث المملوك وغيره فالبطلان انما يكون إذا بلغت قيمته ضعف ثلث المجموع كما ان المراد بالمسألة التالية ، إذا لم يكن للموصى مال آخر غير المملوك الذي اوصى بعتقه كما صرح به في النص وكلام الأصحاب.

١٠٧

وإذا اوصى بعتق مملوكه وكان عليه دين ، وكانت قيمة المملوك ضعفي الدين ، استسعى في خمسة أسداس قيمته لأصحاب الدين ثلاثة أسهم ، وللورثة سهمان وله سهم ، فان كانت قيمته أقل من ذلك ، كانت الوصية باطلة.

وإذا اوصى بثلث ماله لأجنبي ، وبثلث أخر للوارث ، كان العمل على الأول منهما ، فان التبست الحال في ذلك استعملت القرعة ، فإن أجاز الورثة جميعها كان ذلك صحيحا ، وعمل بهما جميعا.

وإذا اوصى إنسان لغيره ، فقال ان مت قبل موته ، أوصيت له بثلث مالي ، وان مت بعد موته فلزيد ، فان مات قبل موته فالوصية للأول ، وان مات بعد موته كانت لزيد.

وإذا اوصى لذكر ، كان ما وصى به للذكر وكذلك الحكم ان اوصى لأنثى فإن وصى لذكر واثنى كان بينهما بالسوية.

« الوصية للحمل »

وإذا اوصى لحمل امرأة فقال : ان كان في بطنها ذكر ، فله ديناران ، وان كان أنثى ، فله دينار ، فان وضعت ذكرا كان له ديناران ، وان وضعت أنثى كان لها دينار وان وضعت ذكرا وأنثى كان لهما ثلاثة دنانير.

وإذا اوصى فقال : ان كان الذي في بطنها ذكرا ، فله ديناران ، وان كان أنثى فله دينار ، فوضعت ذكرا كان له ديناران ، وان وضعت أنثى كان لها دينار ، وان وضعت ذكرا وأنثى لم يكن لهما شي‌ء ، والفصل بين هذه المسئلة والتي تقدمتها انه قال ان كان في بطنها ذكر ، فله ديناران ، وان كان أنثى فلها دينار ، وقد كان ذكر وأنثى ، وليس في المسألة الثانية كذلك ، لأنه قال ان كان الذي في بطنها ذكرا ، فله ديناران ، أراد أن كان كل الذي في بطنها ذكرا ، وكل الذي في بطنها أنثى ، وما وجدت هذه الصفة ، بل كان ذكرا وأنثى ،

وإذا اوصى لعبد نفسه ، أو لعبد ورثته ، كان ذلك صحيحا ، لأن الوصية للوارث

١٠٨

عندنا تصح (١) وكذلك ان اوصى لمكاتبه أو لمكاتب ورثته كانت الوصية صحيحة وكذلك إذا وصى لأم الولد ، صحت الوصية أيضا.

وإذا اوصى لعبد الأجنبي لم تصح الوصية ، لما ورد الخبر في ذلك (٢) وإذا قال : « أوصيت لما تحمل هذه الجارية » لم تصح الوصية ، لأن الحمل ليس بموجود في الحال.

وإذا قال « أوصيت لزيد بما تحمل هذه الجارية ، أو هذه الشجرة » كانت الوصية صحيحة ، والفرق بين هذه المسألة والمتقدمة انه إذا اوصى لما تحمل هذه الجارية ان المملك معدوم غير موجود ، وفي هذه المسألة المملك موجود غير معدوم ، وهو الموصى له ولا ضرر في الشي‌ء الموصى به له إذا كان معدوما (٣) لان الاعتبار بوجود المملك.

وإذا اوصى إنسان بثمرة نخل لغيره ، واحتاج ذلك الى السقي ، لم يجب ذلك على واحد منهما ، لان الموصى له يقول : ليست الرقبة لي فلا يجب على سقيها ولا للورثة لأنها تقول : المنفعة للغير ولا أملك الثمرة فلأي وجه يلزمني السقي ، فإن تطوع أحدهما بالسقي كان له ذلك.

وإذا قال « أعطوا زيدا من رقيقي رأسا » كان ذلك وصية صحيحة ، والوارث

__________________

(١) تعليل لجواز الوصية لعبد ورثته وفيه رد على العامة حيث منعوا من ذلك لبنائهم على عدم جواز الوصية للوارث وكون العبد لا يملك شيئا فالوصية له ترجع الى مولاه.

(٢) ونحوه في المبسوط ج ٤ ص ٦٢ وكان مرادهما ان مقتضى القاعدة جواز الوصية له لما ذكر من رجوعها الى مولاه لكن منع عنه النص وهو ما في الوسائل في الباب ٧٩ و ٨٠ من الوصايا والمسألة إجماعية كما حكاه في مفتاح الكرامة ج ٩ ص ٣٩٩ عن جماعة لكن قد يظهر من العلامة في المختلف التردد فيه وانه على عدم الجواز لا فرق بين مملوك الأجنبي ومملوك الوارث.

(٣) يعنى لا يضر بصحة الوصية إذا كان الشي‌ء الموصى به معدوما.

١٠٩

مخيرون في أي رأس يدفعونه إليه ، أقل ما يقع عليه اسم الرقيق سواء كان معيبا أو صحيحا ، كبيرا أو صغيرا ، فان هلكت الرقيق إلا رأسا واحدا دفع ذلك العبد ، لأنه اوصى له برأس لا يعينه (١) وعلقه بصفة غير موجودة (٢) ، ويجرى ذلك مجرى وصيته له بدار وليس له دار.

وإذا اوصى بشاة من غنمه كانت الوصية صحيحة ، وللورثة ان يعطوا اى شاة يقع عليها اسم الشاة ، سواء كانت كبيرة أو صغيرة ، ضائنة أو ما عزة ، سليمة أو معيبة فإن قال « أعطوه شاة من مالي » وكان له ماشية ، أعطي منها شاة كما قدمناه ، (٣) وللورثة ان يشتروا من ماله شاة ويدفع اليه.

وإذا قال « ادفعوا له جملا » كان ذلك ذكرا (٤) ، وان قال « بقرة » كان أنثى ، وان قال « بقرا » كان ذكرا ، فان قال « أعطوه عشر أنيق أو عشر بقرات » اعطى الإناث دون الذكور ، لأنه اسم للإناث.

وان قال « أعطوه عشرة من الإبل » اعطى ذكورا ، لان الهاء لا تدخل الأعلى عدد

__________________

(١) وفي نسخة « ب » لا بعينه.

(٢) في العبارة سقط وصوابه كما في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح ونحوه في مبسوط الشيخ « وعلقه بصفة والصفة هنا موجودة فإن قال ادفعوا اليه رأسا من رقيقي ولم يكن له رقيق كانت الوصية باطلة لأنه علقه بصفة غير موجودة ويجري إلخ قلت والمراد بالصفة هنا كون الرقيق من ماله.

(٣) الا ان الفرق بين هذا وما تقدم ان في هذا علقه بماله فلهذا يجوز للوارث ان يشترى شاة من ماله ويدفعه اليه ولا يدفع اليه من ماشيته بخلاف ما تقدم فإنه علقه بغنمه وقد ذكر ذلك الشيخ في المبسوط.

(٤) زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « وان قال ادفعوا له ناقة كان أنثى وان قال أعطوه ثورا كان ذكرا ».

١١٠

المذكر ، فان قال « أعطوه دابة من دوابي » أعطوه فرسا ، وقيل يعطونه ما أراد (١) من الخيل ذكرا كان أو أنثى ، أو من البغال والحمير ، ولا يعطى من الإبل والبقر بغير خلاف ، لان ذلك في العرف لا يسمى دابة فإن كان في لفظه ما يدل على انه (٢) حمل عليه مثل قوله « أعطوه دابة ليغزو عليها » فإنه يحمل على الخيل لا غير ، فان قال « دابة لينتفع بظهرها ونسلها » اعطى من الخيل والحمير ، ولا يعطى من البغال ، لأنه لا نسل لها ، فان قال « لينتفع بظهرها ودرها » اعطى من الخيل ، لان الحمير لا در لها (٣).

فان قال « أعطوه كلبا من كلابي » كانت الوصية باطلة ، الا ان يكون له كلاب صيد أو حائط ، فإنه تصح فيها ويعطى منها ، وإذا اوصى بان يعطى جرة خمر ، وطبلا من طبوله ، أو عودا من عيدانه ، وكانت الجرة فيها خمر ، والطبل والعود هما اللذان للعب واللهو كانت الوصية باطلة ، فان لم يكن في الجرة خمر ، وكانت الطبول ، طبول الحرب والعود من الأخشاب التي نستعمل في تسقيف البيوت ، أو ما جرى مجراها صحت الوصية.

وإذا اوصى فقال « اجعلوا ثلث مالي في الرقاب » كان جائزا ، وصرف في المكاتبين والعبيد بان يشتروا به.

وإذا اوصى بعتق عبد بثمن معين ، فوجد بأقل منه ، أعطي الباقي وأعتق ،

__________________

(١) الصواب « ما أرادوا » أي الورثة والخيل اسم لجماعة الفرس ويطلق على الذكر والأنثى كالفرس على ما صرح به في الصحاح ، والدابة في الأصل كل ما يدب من الحيوان اى يتحرك لكن اشتهرت عند بعض في الفرس كما حكاه في التذكرة وعند آخرين في الثلاثة المذكورة والوصية تحمل على ما ينصرف اللفظ اليه.

(٢) الصواب « على انه أراد أحدها » أو نحو ذلك.

(٣) الحمير كالخيل في الدر بمعنى اللبن ولذا حمل في التذكرة هذا اللفظ عليهما وعلى كل فاللازم دفع الأنثى منها وفي نسخة ( ب ) على « در » في الموضعين بعلامة بدل نسخة « رد » بتقديم الراء فلعل المراد به الكر والفر في غير القتال فهذا يحمل على الخيل ذكرا وأنثى.

١١١

ولا فرق في ذلك بين ان يكون صغيرا أو كبيرا ، أو شابا أو شيخا.

وإذا قال : « أعتقوا بثلث مالي رقابا » وجب ان يبتاع بذلك ثلاثة أعبد ، ويعتقون ، لان ذلك أقل الجمع ، فان وجد بالثلث ، أربعة الى ما زاد على ذلك ، اشترى الأكثر وأعتق ، فان لم يبلغ الثلث ثمن أربعة ، وكان يزيد على ثلاثة ، جعل ثمن الاثنين للأكثر ، (١) ولا يفضل شيئا.

« الإيصاء بالحج »

وإذا اوصى بأن يحج عنه ، ولم يكن حج حجة الإسلام ، فإنه يبتدء بالحج على جميع الوصايا ان كان معه وصية غيره من الوصايا ، وكذلك يفعل في الواجبات ، من الكفارات ، وغيرها ، فان فضل من الثلث فضل ، كان فيما بقي.

وإذا اوصى بأن يحج عنه ، ولم يكن حج حجة الإسلام ، أخرج عنه ذلك من رأس المال ، وكذلك ان كان عليه زكاة أو شي‌ء واجب ، فان كان تطوعا ، اخرج من الثلث (٢) من تركته حيث بلغ.

__________________

(١) اى لعبدين هما أكثر قيمة بمقدار الزائد وفي نسخة ( ب ) « جعل ثلث الاثنين » وكتب تحته « ثمن » عن نسخة وعلى كل ففي العبارة سقط أو تحريف إذ لا وجه لاشتراء واحد من الثلاثة بقيمة نازلة واشتراء الآخرين بأكثر من غير تفاضل بينهما فصواب العبارة « فان لم يبلغ الثلث ثمن ثلاثة وكان يزيد على اثنين » أو سقط منه هذه الجملة مع حكم الموجود في المتن ويؤيد ذلك ان الشيخ في المبسوط ذكر المسألة بنحو ما ذكرناه وذكر في مفتاح الكرامة بعد حكايته عنه انه بذلك كله عبر في المهذب ثم ان في المسألة قولا آخر بأنه يشترى العبدان ويعتقان ويعطيان الزائد كما عن الشيخ في الخلاف وقولا ثالثا بأنه يشترى بالزائد بعض عبد ثالث كما عن التذكرة وغيرها وهو الأشبه.

(٢) في هامش نسخة ( ب ) هنا « حجا كان أو غيره فإذا اوصى ان يحج عنه بمأة درهم تطوعا وكان ثلثه أقل من مأة فإنه يحج عنه بالثلث ».

١١٢

وإذا اوصى ان يحج عنه ، فالأفضل أن يحج عنه من كان قد حج وان حج عنه صرورة ، كان جائزا.

وإذا اوصى بالحج ، فإنه يحج عنه من بلده إذا كان في النفقة فضل لذلك ، فان خرج حاجا ، فمات في الطريق واوصى ان يحج عنه ، فإنه يحج من الموضع الذي مات فيه ، فان كان له أوطان مختلفة ، ومات في السفر ، واوصى بأن يحج عنه ، فإنه يحج عنه من أقرب أوطانه إلى مكة ، فان لم يكن له وطن بان يكون من أهل البادية ، أو من الركاظة (١) منه ، والذين لا يستوطنون موضعا ، فإنه يحج عنه من حيث مات.

وإذا اوصى بالحج وعين له شيئا ، لا يكفى من يحج عنه من بلده ، حج عنه من بعض المواقيت ، أو من مكة ، وإذا اوصى بأن يحج عنه بمائة درهم من ثلث ماله ، واوصى بما بقي من الثلث لرجل معين ، واوصى لإنسان آخر بثلث ماله ، كانت الوصية الاولى والثانية صحيحة ، والأخيرة باطلة ، فإن حصل في ذلك اشتباه ، استعملت القرعة ، وإذا اوصى بثلث ماله لزيد وعمرو ، ثم ان زيدا لم يقبل الوصية ، فإنها تعود إلى الورثة ، ولا يستحق عمرو أكثر من نصف الثلث ، لأنه إذا اوصى لهما بالثلث فكأنه أوصى لكل واحد منهما بنصفه على الانفراد ، فاذا رد الواحد منهما نصيبه ، رجع الى الوارث.

__________________

(١) الصواب انه بالضاد المعجمة كما في مختلف العلامة حيث حكى هذا الكلام عن المصنف على انه لم يوجد مادة ركظ بالظاء المؤلفة في شي‌ء من كتب اللغة والظاهر ان المراد به السائر السائح في الأرض والبلاد قال الزمخشري في ـ الأساس ركضت النجوم في السماء اى سارت وفي معجم المقاييس ان أصل هذه المادة يدل على حركة الى قدم أو تحريك ويمكن ان يكون ما في المتن من قبيل الخلط بين الحرفين فإنه كان شائعا لفظا وكتابة حتى انه ألف في الفرق والتمييز بينهما رسائل من أهل اللغة وذكر الفيومي في المصباح ان من العرب من يبدل الضاد ظاءا في التلفظ ومنهم من يعكس.

١١٣

« حكم الإيصاء للأقرباء »

وإذا اوصى فقال : « أعطوا ثلث مالي لقرابتي ، أو لاقربائى ، أو الذي رحمي » كان حكم الكل (١) واحدا ، ودخل في ذلك جميع من يعرف بالعادة انه من قرابته ، وارثا كان ، أو غير وارث ، وذكر بعض أصحابنا (٢) انه يصرف بمن يقرب منه الى آخر أب وأم له في الإسلام ، والذي قدمناه هو الأظهر ، وليس على المذهب الذي حكيناه دليل ولا نص ولا شاهد يعضده.

وإذا اوصى فقال : « أعطوا ثلث مالي أقرب أقاربي ، وأقرب اقربائى ، أو الى أقربهم بي رحما ، فان لم يكن له والد ، ولا أم ، كان أقرب القرابة إليه ولده ، ذكرا كان أو أنثى ، ثم ولده (٣) وولد ولده وان سفل ، وارثا كان أو غير وارث ، فان لم يكن له ولد ، وله ولد ولد (٤) ، كان أحق بها ، لأنه أقرب الناس الى ولده ، فان اجتمع الوالد والولد كانا في ذلك سواء ، لان كل واحد منهما يدلي نفسه (٥) وليس

__________________

(١) اى الحكم في هذه التعبيرات واحد كما يظهر ذلك من عبارة المبسوط ويحتمل ان يكون المراد التسوية بين الذكر والأنثى وغيرهما ممن يتفاضل في الميراث كما صرح به هنا في كتب الأصحاب.

(٢) المفيد رحمه‌الله في المقنعة وتبعه الشيخ في النهاية لكن رجع عنه في المبسوط فذكر فيه مثل ما في المتن.

(٣) في نسخة ( ب ) « ثم ولد ولده وان سفل » وهذا أظهر كما في المبسوط ومقتضى العبارة انه مع عدم الولد فولد الولد ومن سفل سواء وهذا خلاف الأقربية كما في الإرث فالظاهر ان المراد رعايتها فيهم أيضا فقوله أو غير وارث يعنى ما إذا كان فيه مانع آخر كالقتل أو الرق دون الكفر لما تقدم من انه لا تصح الوصية لكافر وفي المبسوط مثل له بأولاد البنات عند المخالف أي العامة.

(٤) هذا تكرار لما قبله ومع ذلك لا يلائم ما بعده فالصواب كما في المبسوط « وله والد »

(٥) الصواب « بنفسه » وفي متن نسخة ( ب ) « يدنى » بالنون والظاهر انهما

١١٤

بينهما واسطة ، وعلى هذا يكون الأب أولى من ولد الولد ، فان لم يكن والد ، ولا ولد كان الجد اولى مع عدم الإخوة ، لأنه أقرب إليه ، فان لم يكن جد وكان له أخ ، كان الأخ أولى ، لأنه أقرب ثم يكون الأخ من الأب والام أولى من الأخ للأب أو للأم ، لأنه يدنى بسببين ، والأخ للأب والأخ للأم واحد ، لان كل واحد منهما كالآخر في القرابة ، والأخ للأب أولى من ابن الأخ للأب والام ، فمتى تساويا في الدرجة كان من يدنى اليه بأبيه وامه أولى ، فإن اختلفا في الدرجة كان الأقرب أولى ، فإن اجتمع الجد والأخ كانا متساويين كما نقوله في الميراث ، فان لم يكن جد ولا اخوة ولا أولاد إخوة فالأعمام ، ثم بنوا الأعمام ، وعلى هذا فمتى تساووا في الدرجة كان ولد الأب والام أحق واولى ، وان اختلفوا في الدرجة كان الأقرب أحق واولى.

وإذا اوصى بثلث ماله لجماعة من أقربائه (١) وكان قد أوصى لثلاثة أنفس من أقربائه ، فإن كان هناك ثلاثة في درجة واحدة ، مثل ثلاثة بنين أو ثلاث بنات ، أو ثلاثة اخوة ، صرف ذلك إليهم ، فإن كان في الدرجة الأولى اثنان ، وفي الثانية واحد مثل ابنين وابن ابن ، دفع الى كل واحد من الأولين ثلث الثلث ، والى من في

__________________

بمعنى واحد أو متقارب وهو التوصل بالشي‌ء والتقرب به قال الله تعالى ( قِنْوانٌ دانِيَةٌ ) قيل أي متدلية.

واعلم ان المصنف حكم هنا بالأقربية التامة بمعنى عدم الواسطة أو اقليتها أو تعدد سببها ولذا حكم بكون الوالد اولى من ولد الولد مع انهما في الإرث متساويان عند فقد الولد وكون الأخ للأبوين أولى من الأخ للأم مع انهما يرثان معا ومقتضاه ان يكون العم للأب أولى من ابن العم للأبوين مع انه في الإرث بالعكس وبمثل هذا ذكر الشيخ رحمه‌الله في المبسوط خلافا لظاهر المحقق في الشرائع من انها على مراتب الإرث.

(١) أي من أقرب أقربائه كما في التذكرة ويقتضيه الحكم المذكور له إذ لو كان المراد مطلق أقربائه لم يكن وجه للتفصيل والترتيب فيه كما لم يكن إشكال في شقه الثاني.

١١٥

الدرجة الثانية باقي الثلث ، لأنه أوصى لجماعة ولا يعطى بعضهم ذلك. (١)

« باب الأوصياء »

إذا أراد الإنسان الوصية ، فليوص الى رجل مسلم عاقل مأمون حكيم ، ويجوز ان يوصى إلى المرية الحرة العاقلة المأمونة ، والأفضل ان يوصى الى ولده واهله دون الأجنبي ، ولا يجوز الوصية إلى سفيه ، ولا كافر ، ولا فاسق. ولا عبد وان كان عدلا ، لأنه لا يملك شيئا مع سيده ، ويجوز وصية الكفار بعضهم لبعض والى بعض.

ويجوز ان يوصى الرجل الى اثنين ، فان كانا بالغين وجعل إليهما ان لا يمضيا الوصية الا بان يكونا مجتمعين ، لم يكن لكل واحد منهما ان يمضي شيئا حتى يجتمع مع الأخر ، وإذا تشاح هذان الوصيان في الاجتماع في الوصية ، لم ينفذ منهما شي‌ء إلا ما يعود بمصلحة الورثة ، وكسوتهم ومأكولهم ، وعلى الحاكم ان يحملهما على الاجتماع على تنفيذ الوصية ، أو الاستبدل بهما ان رأى ذلك صلاحا ، وان وصى إلى اثنين بالغين ولم يجعل لهما (٢) تنفيذ الوصية على الاجتماع منهما ، ولا شرط

__________________

(١) قد يشكل بأنه انما أوصى لأقاربه وليس ابن الابن فعلا أقرب مع وجود الابن ولهذا اختار العلامة في القواعد رد الباقي أيضا الى الابن ويحتمل رده في الميراث لفقد الموصى له بالنسبة إليه لكنه ضعيف والأقرب ما اختاره المصنف وكذا الشيخ في المبسوط لان الابن لا يستحق الباقي لظهور لفظ الجماعة في كونه لثالث فيكون الأقرب المستحق له ، ابن الابن وهكذا في كل ما لم يكن في طبقة الأقرب ثلاثة ابنا كان أو غيره نعم إذا لم يكن في المتأخر عنه قريب أصلا لا يبعد رده الى الميراث لما ذكر.

(٢) لعل الصواب « عليهما » لمكان الجعل ، أو « إليهما » لتضمن الجعل هنا للايصاء وعلى كل يحتمل ان يكون المراد انه رخص لهما في الانفراد أيضا فما حكاه في جامع المقاصد وغيره من المصنف من القول بجواز الاستبداد لكل منهما عند إطلاق الوصية إليهما تبعا للشيخ في النهاية غير ظاهر مع انه على هذا يكون قوله « ولا شرط ذلك عليهما » تكرارا وهو خلاف الظاهر.

١١٦

ذلك عليهما ، لكان لكل واحد منهما الاستبداد بما يصيبه ، ومطالبة الأخر بقسمة الوصية.

فإن اوصى الى اثنين ، أحدهما : رجل ، والأخر : صبي ، وجعل الى الرجل النظر في الحال ، وللصبي إذا بلغ ، كان جائزا ، فإن بلغ الصبي فكان فاسد العقل ، أو مات ، كان للرجل تنفيذ الوصية ، وإذا نفذ الرجل الوصية وبلغ الصبي ولم يرض بذلك لم يلتفت اليه ، وكان فعل الرجل ماضيا ، ومتى خالف الرجل شرط الوصية ، لم يصح ما فعله.

ويجوز ان يوصى الرجل الى زوجته ، فإن اوصى الى اهله ، وكان منهم كبار وصغار كان للكبار تنفيذ الوصية من غير انتظار لبلوغ الصغار ، وان كان الموصى قد شرط تأخير ذلك الى حين بلوغ الصغار ، ولم يجز للكبار تنفيذ شي‌ء منها الى حين بلوغهم.

« الإيصاء للحاضر والغائب ».

ومن اوصى الى غيره وكان هذا الوصي حاضرا كان مخيرا بين قبول الوصية وردها ، وان كان غائبا وكان قد بلغ اليه خبر الوصية والموصى حي ، كان مخيرا بين قبولها وردها ما دام الموصى حيا ، وان كان ذلك بلغ اليه بعد موت الموصى ، لم يكن له ردها والامتناع منها ، وكذلك ان كان موصى حيا ، وامتنع الوصي منها ، ولم يبلغ خبر الامتناع منها الى الموصى إلا بعد موته ، لم يكن أيضا للوصي الامتناع منها ، ووجب عليه القيام بها على كل حال.

ومن كان وصيا لغيره وحضرته الوفاة وأراد ان يوصى الى غيره جاز له ان يوصى اليه بما كان متصرفا فيه من الوصية ، ويجب على الموصى إليه القيام بذلك.

وللموصى الاستبدال بالوصي ما دام حيا ، فاذا مات لم يجز لأحد تغيير وصيته ، ولا الاستبدال باوصيائه ، فان ظهر من الموصى بعده جناية ، (١) كان على الناظر

__________________

(١) في نسخة ( ب ) خيانة في الموضعين.

١١٧

في أمر المسلمين عزله ، واقامة أمين مقامه ، وان لم يظهر منه جناية الا انه بان منه عجز وضعف عن القيام بالوصية ، كان للناظر في أمور المسلمين ان ينصب معه أمينا يعينه على تنفيذ الوصية ، ولم يجز له ان يعزله لأجل ضعفه.

وإذا مات إنسان عن غير وصية ، كان على الناظر في أمر المسلمين ان يقيم من ينظر في مصالح ورثته ، فان لم يكن السلطان الذي يتولى ذلك ، أو من يأمر به جاز لبعض المؤمنين ان ينظر في ذلك ويعتمد فيه الامانة ، ويؤديها من غير إضرار بالوارث ، وما فعله كان ماضيا.

وإذا أمر الإنسان وصيه بان يتصرف في تركته لورثته ، ويتجر لهم بها ، وله على ذلك نصف الربح ، كان جائزا.

وإذا كان إنسان وصيا لغيره ، ومات الموصى ، وللوصي عليه مال ، لم يجز له ان يأخذ من ماله شيئا من تحت يده ، ولا يجوز ان يأخذ إلا ما تقوم له البينة به ، وإذا باع الوصي شيئا من التركة التي هو وصى به عليها لمصلحة الورثة ، وأراد ان يشتريها لنفسه ، كان جائزا ، إذا أخذها بالقيمة العدل من غير نقصان من ذلك ، فان باع الوصي من هذا واشترى لنفسه بنقص ، أو زيادة (١) ، لم يجز له ذلك وإذا خالف الوصي ما أمر به ، أو شرط عليه فيما هو وصى عليه من المال ، كان عليه ضمان ذلك.

وإذا نسي الوصي جميع أبواب الوصية ، ولم يكن له مال يرجع اليه ويستضي‌ء به في ذلك ، بطلت الوصية (٢).

__________________

(١) لا وجه لعدم جواز اشترائه بالزيادة ولم أعثر على من نقله عن المصنف فالظاهر زيادة هذه الكلمة أو في العبارة سقط وهو « أو اشترى من ماله شيئا للورثة بزيادة » كما جمع العلامة في القواعد بين الأمرين.

(٢) ذكر العلامة في المختلف انه قال الشيخان والصدوق إذا اوصى بوصية وجعلها أبوابا فنسي الوصي بابا منها يجعل ذلك السهم في وجوه البر وكذا قال ابن البراج.

قلت ما حكاه عن ابن البراج غير موجود في هذا الكتاب فلعله من كتابه الكامل

١١٨

وإذا قال الموصى لوصيه : « اقض عني ديني » وجب عليه الابتداء بذلك من أصل تركته قبل الميراث ، فان تمكن من قضائه ولم يقضه ، وهلك المال ، كان ضامنا له ، ولم يكن لصاحب الدين على الوراث سبيل. وان كان قد عزل ذلك من أصل تركته ، ولم يتمكن من دفعه الى صاحب الدين ، وهلك من غير تفريط من جهته ، كان (١) مطالبة الورثة بالدين من جهة الميراث الذي انتقل إليهم عن ميتهم الذي كان الدين عليه.

« باب شروط الوصايا »

الوصية لا تصح من أحد حتى يكون حرا ، كامل العقل ، فان كان صغيرا وكان سنه قد بلغ عشر سنين ولم يكمل عقله ، وكان ممن يضع الشي‌ء في موضعه ، كانت وصيته ماضية في المعروف من وجوه البر ، وغير ماضية فيما سوى ذلك ، وان كان سنه دون ذلك لم يجز وصيته في شي‌ء.

وصدقة الصبي إذا بلغ عشر سنين ، وهبته ، وعتقه إذا كان بالمعروف ، وفي وجوه البر ، على ما قدمناه جائز ، فإن كان في القبيح لم يجز.

وحد بلوغ الغلام احتلامه ، أو كمال عقله ، أو ان يشعر ، وحد بلوغ المرية

__________________

أو غيره فعليه يمكن ان يكون نظره الفرق بين ما إذا نسي جميع الموصى به فتبطل الوصية أو نسي بعضها فيجعل في البر وهو ظاهر الشيخ حيث ذكر في النهاية ما حكى عنه في المختلف وذكر في رسالة الحائريات مثل ما في المتن جوابا عما سئل عن الوصي إذا نسي جميع أبواب الوصية هل يكون مثل ما إذا نسي بابا واحدا وهذه الرسالة مطبوعة جديدا وحكى عنها في السرائر هذا الحكم بدون السؤال لكن المستفاد من السرائر والمختلف وغيرهما عدم الفرق بين المسئلتين وان اختلاف الكلامين انما هو في الفتوى وكيف ما كان فالمعروف بين المتأخرين ان مقتضى القاعدة والنص الوارد في نسيان البعض جعله في وجوه البر مطلقا.

(١) الصواب : كان لصاحب الدين كما في نسخة ( ب ) بصورة التصحيح.

١١٩

تسع سنين ، فاذا حصل الغلام على أحد هذه الوجوه ، فقد حصل في حد الكمال ، ووجب على وليه تسليم ماله اليه ، وتمكينه منه ، ومن التصرف فيه ، الا ان يكون ناقص العقل ، أو به سفه ، فإنه لا يدفع ذلك اليه ، ولا يمكنه من التصرف فيه.

وإذا بلغت المرأة تسع سنين جاز تصرفها في مالها ، وكان أمرها فيه ماضيا على سائر (١) الوجوه ، الا ان تكون أيضا ناقصة العقل ، أو سفيهة ، فإنها لا تمكن من ذلك.

« الاشهاد على الوصية »

والاشهاد على الوصية من شروطها ، فإن وصى إنسان بوصية فيشهد عليها شاهدين عدلين ، فان لم يفعل ذلك وكان الوصي قادرا على تنفيذ الوصية ، كان له تنفيذها في وجوهها التي تضمنتها الوصية ، ويجوز شهادة النساء فيها مع فقد الرجال وعدم التمكن منهم ، وشهادة الواحدة منهن جائزة في ربع الوصية ، وشهادة اثنتين منهن جائزة في نصفها ، وشهادة الثلاث منهن جائزة في نصفها وربعها ، وعلى هذا الحساب.

ومن كان له عبدان وجارية حاملة ، فاشهد العبدين على ان حمل الجارية منه ، ثم أعتقها (٢) وشهدا عند وراثه بذلك ، فلم يقبلوا شهادتهما ، واسترقوهما ، وبيعا ، وعتقا بعد ذلك ، وشهدا للمولود بالنسب ، قبلت شهادتهما على الوارث ، ولا يسترقهما الولد الذي شهدا له على حال.

وكل من لم يكن على ظاهر الإسلام من سائر الأديان ، فإنه لا يجوز قبول شهادته في الوصية ، الا ان يكون ذميا ، ويكون الموصى في حال ضرورة لا يتمكن

__________________

(١) الظاهر انه هنا بمعنى الجميع.

(٢) الصواب « أعتقهما » بالتثنية أي العبدين كما في النص الذي هو مدرك لهذا الحكم وهو خبر داود بن ابى يزيد كما في الوسائل الباب ٧١ من الوصايا.

١٢٠