المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

فوجد الحرز مهتوكا بالنقب فدخل واخرج السرقة منه ، لم يجب على واحد منهما قطع ، لأن الأول نقب ولم يأخذ شيئا ولا أخرجه والثاني أخرجه من حرز مهتوك.

وإذا نقب إنسان وحده موضعا ودخله واخرج منه ثمن دينار ، ثم جاء الليلة الثانية فأخرج منه ثمن دينار ، كان عليه القطع ، وقال بعض الناس : ليس عليه قطع. وما ذكرناه هو الصحيح ، لأنه أخرج نصابا من حرز هتكه هو. وكذلك القول لو اخرج ثمن دينار ثم عاد من ليلته واخرج ثمن دينار آخر في ان عليه القطع.

وإذا نقب ودخل الحرز فذبح شاة ، كان عليه ما بين قيمتها حية ومذبوحة. فإن أخرجها بعد الذبح وكان قيمتها نصابا ، كان عليه القطع : وان كان قيمتها أقل من نصاب لم يجب عليه القطع.

وإذا كانت المسألة بحالها ، فأخذ ثوبا فشقه ، كان عليه ما نقص بالتخريق. فإن أخرجه من الحرز وقيمته نصاب ، كان عليه القطع ، وان كانت أقل من نصاب لم يكن عليه قطع.

وإذا سرق إنسان شيئا يجب فيه القطع ولم يقطع حتى ملكه بابتياع أو هبة أو ما أشبه ذلك ، لم يسقط القطع عنه سواء ملكه قبل الترافع الى الحاكم أو بعده ، الا انه إذا ملكه قبل الترافع الى الحاكم لم يقطع ، لا لان القطع سقط عنه ، لكن لأنه لا مطالبة له بذلك ، ولا قطع بغيره مطالبة السرقة.

وإذا نقب حرزا ومعه صبي صغير ليس له تميز ، ثم امره بدخول الحرز ، فدخله واخرج السرقة فأخذها هو ، كان عليه القطع ، لقوله تعالى (١) ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) ، ولم يفرق وإذا سرق حرا صغيرا وكان عليه حلي كان عليه القطع.

وإذا ثبت بينة على إنسان : بأنه سرق من حرز رجل نصابا ، فقال السارق : المال لي. كان القول قول صاحب الحرز : ان المال له ، لأنه قد ثبت أنه أخذه منه فاذا حلف لم يلزم السارق قطع ، لأنه صار حقا وصار شبهة ، لوقوع التنازع في المال. والحد

__________________

(١) المائدة ـ ٣٨

٥٤١

لا يجب مع الشبهة.

وإذا سرق إنسان من ستارة الكعبة وهي محيطة عليها ما قيمته ربع دينار ، كان عليه القطع ، لأن الرواية (١) عندنا تضمنت : ان القائم عليه‌السلام إذا ظهر قطع أيدي بني شيبة ، وقال : هؤلاء سراق الله. وذلك يدل على ان في ذلك قطعا (٢).

وإذا استعار إنسان من غيره بيتا ، فجعل متاعه فيه ، فنقب المعير له وسرق المتاع ، كان عليه القطع.

وإذا سرق الضيف من حرز مضيفه نصابا ، لم يجب عليه القطع.

وإذا أخرج النباش الكفن من القبر الى وجه الأرض ، كان عليه القطع.

فإن أخرجه من اللحد الى بعض القبر ، لم يجب عليه القطع.

وإذا سرق إنسان من الغنيمة وكان ممن له فيها نصيب ، وكان ما سرقه أكثر.من نصيبه مما يكون بعده نصابا يجب فيه القطع أو أكثر من ذلك ، كان عليه القطع وإذا كان أقل من ذلك ، لم يجب عليه قطع. وان كانت السارق ممن ليس له نصيب في الغنيمة وكان من أصحاب الخمس ، كان حكمه فيما يسرقه مثل ما قدمناه ممن له نصيب من الغنيمة في انه ان كان ما سرقه أكثر من سهمه بمقدار نصاب ، يجب فيه القطع وان كان أقل من ذلك لم يقطع. وان سرق واحد من هؤلاء ما يكون مقداره مقدار ما يصيب من الغنائم ، أو سهمه من الخمس ان لم يكن من أصحاب الغنيمة لم يكن عليه قطع. وان كان السارق من غير الغانمين وغير أصحاب الخمس ، فسرق (٣) وأحد من الغانمين من الأربعة الأخماس ، وليس هو من أصحاب الخمس ، كان عليه القطع على كل حال.

__________________

(١) بين المباشرة والتسبيب

(٢) الوسائل ج ٩ ، الباب ٢٢ من أبواب مقدمات الطواف ، الحديث ٣.

(٣) في بعض النسخ زيادة ما يشبه بكلمة « هو » فتكون ضمير فصل قبل حرف العطف.

٥٤٢

« باب ذكر من لا يقام عليه الحد »

قد سلف قولنا : بان الحامل والنفساء والمستحاضة ، لا يقام عليهن حد وهن (١) كذلك. وذكرنا أيضا انه لا يقام الحد على من وجب عليه في الحر الشديد ، ولا في البرد الشديد ، وكيف يقام عليهن. وكذلك ما يتعلق بالمريض. فلا وجه لا عادته.

فان دخل إنسان حماما فسرق ثيابه ، فان كان دفعها الى الحمامي وامره بحفظها ، كان الحمامي مودعا ، فان راعاها مراعاة جيدة بان لم يترك النظر إليها احتياطا في حفظها ، فسرقت بحيث لا يعلم ، لم يكن عليه شي‌ء ، وكان على السارق ضمانها والقطع فان توانى الحمامي في مراعاتها ، أو نام في حفظها ، أو اشتغل بالحديث أو غيره ، أو أعرض عنها ، أو وضع الثياب خلفه فسرقت ، كان على الحمامي ضمانها لأنه مفرط في حفظها ، وكان على السارق غرمها ولم يكن عليه قطع ، لأنه لم يسرقها من حرز.

فان دخل الحمام وجعل ثيابه على حصير أو علقها على وتد بحسب ما جرت العادة به ، ولم يدفعها إلى الحمامي ولا استحفظه إياها ، فليس الحمامي مودعا لذلك وهذه الثياب في غير حرز ، فان سرقت ، لم يجب على سارقها قطع لأنه سرقها من غير حرز كما قدمناه ، ولان المكان مأذون في الدخول اليه واستطراقه ، فما جعل فيه كان في غير حرز.

وإذا شرب الذمي الخمر من غير ان يتظاهر بذلك بين المسلمين ، فقد ذكرنا انه لأحد عليه. وإذا كان الذمي مجوسيا فنكح امه غير متظاهر بذلك ، لم يكن عليه حد ، لأنه بذل الجزية على مقامه على دينه واعتقاده ، فاذا كان هذا النكاح مما يقتضيه دينه ، لم يجز الاعتراض عليه فيه.

وإذا سرق من نماء الوقف وهو من اهله ، لم يقطع ، لان له فيه حقا ، كما لو سرق من بيت المال.

__________________

(١) في بعض النسخ « لا يقام عليهن حدودهن كذلك ».

٥٤٣

وإذا سرق وله يمين كاملة ، أو ناقصة وقد ذهب أصابعها إلا واحدة ، قطعت هذه اليمين. فان لم يكن فيه إصبع فإنما يكفى (١) الكف وحدها أو بعض الكف ، لم يقطع ، لان القطع لا يتعلق عندنا إلا بالأصابع ، فمن لم يكن له أصابع ، لم يجب عليه قطع غيرها الا بدليل.

فان كانت شلاء ، فذكر أهل الخبرة بالطب : انها ان قطعت بقيت أفواه العروق مفتحة ، كانت كالمعدومة. فان ذكروا : انها تندمل ، قطعت الشلاء.

فان سرق ويمينه كاملة ، ثم ذهبت قبل ان يقطع بالسرقة لمرض أو آكلة أو آفة ، سقط عنه القطع.

وإذا سرق وليس له يمين ، قطعت رجله اليسرى. وذكر انه قطع يساره ، والأول أظهر.

وإذا سرق من غير حرز ، لم يقطع في شي‌ء من ذلك.

وإذا سرق العبد من مال سيده ، لم يقطع.

وإذا سرق أحد الزوجين من مال الأخر من غير حرز ، لم يقطع.

وإذا سرق من مال ابنه ابنته وأولادهما وان نزلوا ، لم يقطع.

وإذا سرق من بيت المال أو الغنيمة مقدار ما له فيه من العطاء والاستحقاق ، لم يقطع.

وليس في الكلب والخنزير قطع لأنهما حرام ، وكذلك ثمنهما.

وإذا ترك الجمال ، الجمال والأحمال في مكان ومضى لحاجة ، كان كل ما معها من متاع وغيره في غير حرز ، لا قطع في شي‌ء من ذلك.

وإذا أقر بالسرقة مختارا ورجع عن ذلك ، سقط عنه القطع ، وكان عليه رد السرقة.

وإذا تاب من السرقة قبل قيام البينة عليه بذلك ، ثم قامت عليه بعد ذلك ،

__________________

(١) كذا في النسخ ولعل الصحيح « يبقى »

٥٤٤

لم يجب عليه قطع ، وكان عليه رد السرقة.

وإذا سرق مأكولا في عام مجاعة ، لم يكن عليه قطع.

وإذا سرق شيئا من جيب إنسان أو كمه وكانا ظاهرين ، لم يكن عليه قطع وكان عليه التأديب ، فان كانا باطنين ، كان عليه القطع.

وإذا سرق شيئا من الفواكه وهي في الشجرة ، لم يكن عليه قطع ، وكان عليه التأديب.

وما زاد على ذلك فقد تقدم ذكره ، فلا وجه لا عادته.

« باب صفة قطع اليد والرجل في السرقة »

إذا وجب على إنسان قطع يده في السرقة ، قطعت يده اليمنى من أصول الأصابع فإن سرق ثانيا ، قطعت رجله اليسرى من أصل الساق عند معقد الشراك (١) من ظهر القدم ، وترك له ما يعتمد عليه. فان سرق ثالثا ، خلد الحبس. فان سرق رابعا ، قتل

فاذا قدم لقطع يده ، فينبغي ان يجلس ، لا يقطع وهو قائم. ويضبط ضبطا جيدا ، لئلا يضطرب ويتحرك فيجني على نفسه. وتشد يده بحبل ، ويمد حتى يبين المفاصل من أصابعه ، ويوضع يده على لوح أو غيره مما يسهل ويعجل قطعه. ويوضع على المفصل سكين حاد ، ويدق من فوقها دقة واحدة ، حتى ينقطع ذلك باعجل ما يمكن ، ان أمكن ذلك ، أو يوضع على ذلك شي‌ء حاد ويمد عليه مدة واحدة. ولا يكرر القطع فيعذب المقطوع بذلك. لان الغرض اقامة الحد عليه من غير تعذيب له. فان علم القاطع ما هو اعجل من ذلك في القطع قطع به.

وإذا قطعت اليد حسمت ، والحسم أن يغلي الزيت ، فاذا قطعت جعل موضع القطع في الزيت المغلي حتى يسد أفواه العروق وينحسم خروج الدم منها. فان

__________________

(١) الشراك : سير النعل على ظهر القدم

٥٤٥

لم يفعل الامام ذلك ، لم يكن عليه شي‌ء ، لأن الذي عليه اقامة الحد ، ليس عليه مداواة المحدود. فان شاء المقطوع مداواة نفسه ، كان له ذلك. وإذا حسمت اليد ، علقت في عنقه ساعة ، لأن ذلك أزجر وأردع (١) ، ولان ذلك من السنة لأنه مروي ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فعله (٢).

« باب الحد في الفرية ، وما يوجب التعزير »

إذا كان الإنسان بالغا كامل العقل ، رجلا كان أو امرأة ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ، وافترى على غيره من الأحرار البالغين المسلمين. بان قذفه بالزنا أو باللواط أو بأنه منكوح أو بما جرى مجرى ذلك ، أو ما هو في معناه ، بأي لغة كانت ، وكان عارفا بموضع اللغة وفائدتها ، وجب عليه حد القاذف وهو ثمانون جلدة ، حرا كان أو عبدا.

فان قال له شيئا مما ذكرناه ، وهو غير عالم بفائدة تلك اللغة ولا موضع لفظها لم يجب عليه حد ولا غيره. ويجب ان يراعى في المقذوف شرائط ، إذا تكاملت فيه وجب حد القاذف له ، وإذا اختل جميعها أو بعضها لم يجب حده ، وهي : ان يكون بالغا عاقلا ، حرا ، مسلما ، عفيفا عن الزنا.

وإذا افترى على امرأة ، فقذفها بأنها زانية ، أو قد زنت ، وجب الحد عليه ، كما يجب عليه ذلك إذا قذف الرجل بشي‌ء من ذلك ، سواء. وإذا قال شيئا من ذلك وهو غير بالغ ، لم يكن عليه حد ، وكان عليه التأديب ، وكذلك ان قاله لمن هو غير بالغ.

فان قال ذلك لعبد أو امة ، أو كافر أو كافرة ، وجب عليه التعزير ، ولم يجب

__________________

(١) لنفسه ولغيره ، ويحتمل ان يكون معناه : انه امنع من خروج الدم

(٢) المبسوط ، ج ٨ ، ص ٣٦

٥٤٦

عليه حد لئلا يؤذى المماليك وأهل الذمة.

وإذا قال لغيره : يا بن الزاني ، أو يا بن الزانية ، أو قد زنت بك أمك ، أو ولدت من الزنا ، وجب عليه الحد. وكانت المطالبة بذلك إلى أولياء المقول له ذلك. فان عفت عنه كان جائزا.

فإن كانت ميتة ولم يكن لها ولد الا المقذوف ، كان له المطالبة بذلك أو العفو عنه. فان كان لها من الأولياء أكثر من واحد وعفى بعضهم دون بعض ، كان لمن ( لم ) يعف (١) عنهم المطالبة بإقامة الحد عليه على كماله. وان قال لغيره : يا بن الزاني ، أو زنا بك أبوك أو لاط ، وجب عليه الحد لأبيه. ويجرى الحكم في العفو هاهنا أو المطالبة بذلك ، ان كان الأب حيا أو ميتا ، مجرى ما تقدم ذكره في الأم سواء

ومن عفى عن الحد من الأولياء ، مع كون من قذف حيا ، لم يجز عفوه ، وانما يجوز له ذلك إذا كان ميتا ، ومن عفى عن شي‌ء من الحدود ، لم يجز له ان يطالبه ما عفى عنه بعد ذلك ، ولا الرجوع فيه.

وإذا قال له : يا بن الزانيين ، أو زنا بك أبواك ، أو أبواك زانيان ، كان عليه حدان ، أحدهما للأب والأخر للام. فان كان الأبوان حيين ، كان لهما المطالبة بذلك أو العفو عنه. وان كانا ميتين ، كان ذلك لأوليائهما ، كما قدمناه.

وحكم العم والعمة ، والخال والخالة ، وغيرهم من ذوي الأرحام ، حكم الأخ والأخت في أن الولي ، الأولى بهم ، يقوم بمطالبتهم الحد ، وله العفو عنه أيضا عن ذلك على ما تقدم بيانه.

وإذا قال : ابنتك زانية ، أو قد زنت ، أو ابنك زان أو لاط ، وجب الحد عليه وللمقذوف المطالبة بذلك أو العفو عنه ، سواء كان الابن والبنت حيين أو ميتين ، فان سبقه الابن أو البنت الى العفو ، كان ذلك ماضيا.

وإذا قال لغيره : يا زاني ، وأقيم عليه الحد. ثم قال ذلك ثانيا ، كان عليه

__________________

(١) والظاهر سقوط كلمة « لم »

٥٤٧

الحد أيضا ثانيا. فان قال له ذلك ثالثا ، كان عليه أيضا الحد ثالثا. فان قال له :الذي قلته لك كان صحيحا ، كان عليه التعزير ولم يجب عليه حد. وإذا قال له دفعات كثيرة ، واحدة بعد اخرى : يا زاني ، ولم يقم عليه في شي‌ء منها حد ، لم يكن عليه غير حد واحد وإذا أقيم على إنسان حد ثلاث مرات ، وجب عليه القتل في الرابعة.

وإذا قال لجماعة من الرجال أو النساء ، أو الرجال والنساء : يا زناة ، أو قد زنيتم ، أو زنوا ـ وجاؤا به مجتمعين ـ ، وجب لهم عليه حد واحد ، وان جاؤا به مفترقين ، كان عليه لكل واحد منهم حد واحد.

وإذا قال لغيره : قد زنيت بفلانة. وكانت المرأة ممن يجب الحد لها ، كان عليه حدان ، حد للرجل وحد للمرأة. وإذا قال له قد لطت بفلان ، كان عليه من الحد أيضا مثل ذلك.

فان كان الرجل أو المرأة غير بالغة ، أو كانا (١) بالغين ولم يكونا حرين ، أو لم يكونا مسلمين ، كان عليه الحد لقذفه إياه (٢) ، والتعزير لأنه نسبه الى المذكورين.

وإذا قال لرجل : يا زوج الزانية ، أو زنت زوجتك ، وجب الحد للزوجة ، وكان لها المطالبة بذلك أو العفو ان كانت حية. فإن كانت ميتة ، كان ذلك لأوليائها وليس للزوج شي‌ء في الحد.

وإذا قال لمملوك أو كافر : يا بن الزانية ، أو يا بن الزاني ، وكان أبواه حرين مسلمين ، كان عليه الحد ، لان الحد لمن يواجهه بالقذف. فكان له الحد كاملا. وإذا قال لمسلم : يا بن الزانية ، أو أمك زانية ، وكانت الأم كافرة أو مملوكة ، كان عليه الحد لحرمة ولدها الحر المسلم.

وإذا تقاذف بعض أهل الذمة بعضا ، كان عليهم التعزير ولا حد عليهم. وكذلك الحكم في العبيد والصبيان.

__________________

(١) اى المفعولين في المسألتين

(٢) أي الفاعل

٥٤٨

وإذا قال لابن الملاعنة : يا بن الزانية ، أو قد زنت بك أمك ، كان عليه الحد لأمه.

إذا كانت أم ولد الزنا قد أقيم عليها (١) وقال له إنسان : زنت بك أمك ، أو قال له : يا بن الزانية ، كان عليه التعزير ، ولم يجب عليه حد. وإذا قال له ذلك وكانت قد تابت وأظهرت التوبة ، وجب الحد عليه.

وإذا قذف محصنا أو محصنة ، لم تقبل شهادته بعد ذلك ، الا ان يتوب أو يرجع ، وليس يصح توبته من ذلك الا بان يكذب نفسه في ملاء من الناس في المكان الذي قذف فيه.

ويثبت الحد بالقذف بشهادة شاهدين عدلين ، أو إقرار القاذف على نفسه بذلك مرتين.

وإذا ثبت ذلك ، أقيم الحد عليه. ولا يكون الحد في القذف مثل الجلد في الزنا في القوة والشدة ، بل يكون دون ذلك ، ويجلد القاذف فوق الثياب ولا ينزع عنه

ولا يجوز للإمام عليه‌السلام العفو عن القاذف ، لان ذلك الى المقذوف دون غيره من سائر الناس ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون الحد يثبت على القاذف ببينة أو إقرار ، أو تاب أو لم يتب. فان العفو في جميع ذلك الى المقذوف كما ذكرناه فيما سلف. وإذا قذف إنسان مكاتبا ضرب بحساب ما عتق منه حد الحر ، ويعزر بما يبقى فيه من الرق.

وإذا قال لامرأة (٢) : يا زانية ، أنا زنيت بك ، وجب عليه حد القاذف لقذفه ولم يجب عليه شي‌ء فيما ذكرناه عن نفسه من الزنا الا ان يقرا ربع مرات ، فيجب حينئذ عليه حد الزنا.

وإذا قال لولده : قد زنيت ، أو يا زانى ، لم يجب عليه حد. فان قال له :

__________________

(١) في بعض النسخ زيادة كلمة « الحد ».

(٢) وفي نسخة « لامرأة »

٥٤٩

يا بن الزانية ولم ينتف منه ، كان عليه الحد لزوجته ـ أم المقذوف ـ ان كانت حية وان كانت ميتة وكان وليها ولده لم يكن له المطالبة بالحد. فان كان لها أولاد من غيره أو قرابة ، كان المطالبة بالحد. فان انتفى من ولده ، كان عليه ان يلاعن امه ، وقد سلف ذكر كيفية اللعان.

فان انتفى منه بعد إقراره به ، كان عليه الحد. وان كان قذفها بعد اللعان كان عليه الحد أيضا.

وإذا تقاذف اثنان بما يجب الحد فيه ، لم يجب على واحد منهما حد لصاحبه وكان عليهما التعزير.

وإذا قال لغيره : يا كشحان ، أو يا قرنان (١) أو يا ديوث ، وكان متكلما باللغة التي يفيد فيها بهذا اللفظ ، رميه بأخت أو زوجة ، وكان عالما بفائدة اللفظة عارفا بها كان عليه الحد فان لم يكن عارفا بفائدة اللفظ ، لم يكن عليه حد القذف ، وينظر في عادته واستعماله هذه اللفظة ، فإن كان قبيحا غير انه لا يفيد القذف ، أدب وعزر ، فإن أفاد غير ذلك في عادته ، لم يجب عليه شي‌ء.

وإذا قال لغيره : يا فاسق ، أو يا خائن ، أو يا شارب الخمر ، وهو على ظاهر العدالة ، لم يجب عليه حد قاذف وكان عليه التأديب.

وإذا قال : حملت بك أمك في حيضها ، أو أنت ولد حرام ، كان عليه التعزير ولم يجب عليه حد القذف.

وإذا قال للمسلم : أنت وضيع ، أو رفيع (٢) ، أو مسخ ، أو خسيس ، أو خنزير أو ما أشبه ذلك ، كان عليه التعزير. فان كان المقول له كافرا يستحق الاستخفاف

__________________

(١) قيل القرنان من يدخل على بناته والكشحان من يدخل على أخواته ، راجع الروضة البهية.

(٢) كذا في النسخ ولعل معناه « متكبر » ويحتمل ان يكون أصله « رفيغ » بالمعجمة ، يقال الرفغ للسفال من الناس

٥٥٠

والإهانة ، لم يجب عليه شي‌ء.

وإذا قال لغيره : يا كافر وهو على ظاهر الإسلام ، ضرب ضربا وجيعا. فان كان المقول له يجحد فريضة عامة معلومة في شرع الإسلام ، لم يجب عليه شي‌ء.

وإذا وجه غيره بكلام محتمل للسب وغيره ، أدب وعزر حتى لا يعرض بأهل الايمان. وإذا عيره بشي‌ء من بلاء الله تعالى مثل البرص والجذام والعمى والجنون وما أشبه ذلك ، أو أظهر عنه ما هو مستور من بلاء الله تعالى ، كان عليه التأديب ، الا ان يكون المعير به ضالا كافرا.

وكل لفظ يؤذى به الإنسان غيره من المسلمين ، فإنه يجب على المتكلم به التعزير.

وإذا نبز (١) إنسان مسلما أو اغتابه ويثبت عليه بينة بذلك وجب عليه التأديب.

وإذا قال لزوجته بعد دخوله بها : لم أجدك عذراء ، كان عليه التعزير.

وإذا سب إنسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أحدا من الأئمة عليهم‌السلام كان عليه القتل وحل لمن سمعه قتله ان لم يخف على نفسه أو على غيره ، فان خاف على شي‌ء من ذلك ، أو خاف ضررا يدخل على بعض المؤمنين في الحال أو في المستقبل ، فلا يتعرض لقتله ، ويتركه.

وإذا هجا إنسان مسلما وجب عليه التأديب. فأن هجا أهل الضلال لم يلزمه شي‌ء وإذا ادعى رجل انه نبي ، كان عليه القتل وحل دمه.

وإذا قال إنسان : لا أدرى النبي صادق أم كاذب ، وانا شاك في ذلك ، وجب قتله الا ان يقربه (٢).

وإذا أفطر المسلم في شهر رمضان متعمدا من غير عذر يبيحه ذلك ، كان عليه التعزير والعقوبة الموجعة. وان أفطر ثلاثة أيام ، سئل : هل عليك في ذلك

__________________

(١) نبز غيره : اى لقبه بالألفاظ المستهجنة القبيحة

(٢) اى يقر بهذا القول في حقه من جانب الحكومة الإسلامية ، مثل أهل الذمة.

٥٥١

شي‌ء (١) أم لا؟ فان قال : لا ، كان عليه القتل ، وان قال : نعم ، كان عليه من العقوبة ما يردعه عن مثل ذلك. فان لم يرتدع ، كان عليه القتل.

وإذا قامت البينة على إنسان من المسلمين بالسحر كان عليه القتل. وان كان كافرا وجب تأديبه وعقوبته.

وإذا أخطأ مملوك أو صبي أدب بخمس ضربات الى ست ، ولا يزاد على ذلك.

وإذا ضرب إنسان عبده بما هو حد ، كان عليه عتقه كفارة لذلك.

وإذا كان المرتد مولودا على فطرة الإسلام وجب قتله من غير استتابة ، فإن تاب لم يكن لأحد عليه سبيل ، وان لم يتب قتل على كل حال. والمرتدة عن الإسلام لا يجب عليها قتل بل تستاب ، فان لم تتب تحبس ابدا وتضرب في أوقات الصلاة ويضيق عليها في المطعم والمشرب.

وإذا وطأ الرجل زوجته في حيضها وجب ضربه خمسة وعشرون سوطا. فإن وطأها في شهر رمضان متعمدا كان عليه خمسة وعشرون سوطا ، فان كانت المرأة قد طاوعته في ذلك ، كان عليها مثل ذلك ، فإن أكرهها كان عليه خمسون سوطا. واما الكفارة التي تلزمها ، فقد تقدم ذكرها.

وشاهدا الزور يجب ان يؤدبا في قومهما أو في قبيلتهما ، ويغرما ما أتلفاه بشهادتهما ان كانا أتلفا شيئا بذلك.

__________________

(١) أي اثم وبأس ، راجع الوسائل ، ج ٧ ، الباب ٢ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١.

٥٥٢

« باب حدود المحارب »

« والخناق ، والنباش ، والمختلس ، والمحتال ، والمبنج (١) »

من كان من أهل الريبة وجرد سلاحا في بر أو بحر ، أو في بلد أو في غير بلد في ديار الإسلام أو في ديار الشرك ، ليلا أو نهارا كان محاربا ، فان قتل ولم يأخذ مالا كان عليه القتل ، ولا يجوز لأولياء المقتول ، العفو عنه على حال ، فان عفوا عنه كان على الامام قتله. فان قتل وأخذ مالا كان عليه رد المال أولا ، ثم يقطع بالسرقة ، ثم يقتل بعد ذلك ويصلب. فإن أخذ المال ولم يقتل أحدا ولا جرحه كان عليه القطع ثم النفي من البلد الذي هو فيه. وان جرح ولم يأخذ مالا ولا قتل أحدا كان عليه القصاص والنفي بعد ذلك من البلد الذي فعل فيه ذلك الى غيره. وان لم يجرح ولا أخذ مالا كان عليه النفي كما قدمناه ، ويكتب الى البلد الذي ينفى إليه : بأنه منفي محارب فلا يجالس ولا يبابع ولا يؤاكل ولا يشارب ، فان انتقل الى بلد آخر غير البلد الذي نفى اليه ، كوتب إليه أيضا بذلك ، ولا يزال يفعل به ما ذكرناه الى ان يتوب ، فان قصد بلاد الشرك منع من الدخول إليها ، فإن مكنوه من ذلك قوتلوا عليه.

واللص محارب : فان دخل على إنسان ، كان له ان يدافعه عن نفسه ويقاتله ، فإن أدى ذلك الى قتله ، لم يكن عليه شي‌ء وكان دمه هدرا.

وإذا قطع الطريق جماعة وأقروا بذلك كان حكمهم ما قدمناه. فان لم يقروا وقامت البينة عليهم بذلك كان حكمهم كما تقدم أيضا.

وإذا شهد شاهدان على ان هؤلاء قطعوا الطريق علينا وعلى القافلة وأخذوا متاعا لم يلتفت الى هذه الشهادة ولم يقبل في حق أنفسهما ، لأنهما شهدا لأنفسهما ـ ولم يقبل شهادة الإنسان لنفسه ـ ولا يقبل شهادتهما للقافلة أيضا لأنهما قد أبانا عن العداوة ، وشهادة العدو غير مقبولة على عدوه.

وإذا شهد بعض اللصوص على بعض ، لم يقبل شهادتهم ، وكذلك ان شهد

__________________

(١) بنجه : نومه بالبنج ، والبنج يستعمل في الطب للتخدير.

٥٥٣

الذين أخذت أموالهم بعض منهم لبعض ، لم تقبل شهادتهم ، وشهادة غيرهم مقبولة في ذلك

واما الخناق : فان عليه القتل بعد ان يسترجع منه ما أخذه ويرد على صاحبه فان لم يوجد ذلك الشي‌ء بعينه غرم قيمته أو أرش ما عيناه (١) نقص من ثمنه ، الا ان يعفو عنه صاحبه.

واما النباش ، فإنه إذا نبش القبر وأخذ كفن الميت ، كان عليه القطع كما يكون على السارق سواء. فان نبش القبر ولم يأخذ منه شيئا أدب وغلظت عقوبته ولم يكن عليه قطع على حال. فان تكرر الفعل منه ولم يؤدبه الامام ، كان له قتله ليرتدع غيره في المستقبل عن مثل ذلك.

واما المختلس ، (٢) فهو الذي يستلب الشي‌ء من الطرق والشوارع ظاهرا. فاذا فعل شيئا من ذلك ، وجب ان يعاقب عقوبة يرتدعه عن مثل ما فعله ، وذلك يكون بحسب ما يراه الإمام أصلح وأردع ، ولا يجب عليه قطع في ذلك على وجه من الوجوه

واما المحتال ، فهو الذي يتحيل على أخذ أموال الناس بالخديعة والمكر ، وشهادات الزور ، وتزوير الكتب في الرسائل الكاذبة ، وما جرى مجرى ذلك. فاذا فعل شيئا من ذلك ، كان عليه التأديب ، وينبغي للإمام ان يعاقبه عقوبة تردعه عن فعل مثل ذلك في المستقبل ، ويغرم ما أخذه على كماله.

واما المبنج : فإنه متى بنج غيره بشي‌ء سقاه أو أطعمه حتى سكر منه وأخذ ماله وجب ان يعاقبه الامام بحسب ما يراه ، ويسترجع منه ما أخذه. فان جنى الإسكار والبنج على ذلك الإنسان جناية ، كان عليه ضمان ما جناه.

« تم كتاب القصاص والحدود »

__________________

(١) كذا في بعض النسخ وفي بعضها « عساه »

(٢) اختلس الشي‌ء : أي أخذه واختطفه بسرعة على حين غفلة من صاحبه.

٥٥٤

« كتاب الشهادة »

قال الله تعالى « وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ » (١).

وقال تعالى « وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ » الاية (٢).

وتوعد على كتمانها ، فقال « وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » (٣) فلو لم تكن حجة لما توعد على كتمانها.

وقال « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ، فَاجْلِدُوهُمْ » الاية (٤)

وقال تعالى « إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ) ـ الى قوله ـ ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) » (٥)

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، انه قال : « من سئل عن علم يعلمه فكتمه ، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار » (٦).

وروى عن على عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، انه قال : « ان ملك الموت إذا نزل بقبض روح الفاجر نزل معه بسفود من نار ، فقلت : يا رسول الله فهل يصيب ذلك

__________________

(١) البقرة ٢٨٢

(٢) البقرة ٢٨٣

(٣) البقرة ٢٨٣

(٤) النور ٤

(٥) الطلاق ١ و ٢

(٦) البحار ، ج ٢ من الطبع الجديد ، ص ٧٢ ، الحديث ٣٧ مع اختلاف في المتن

٥٥٥

أحدا من أمتك؟ قال. نعم حاكما جائرا ، وأكل مال اليتيم ، وشاهد الزور » (١).

وعن على عليه‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « يبعث شاهد الزور يوم القيامة يولغ (٢) لسانه في النار كما يولغ الكلب لسانه في الإناء » (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يقوم القيامة على قوم يشهدون من غير ان يستشهدوا » (٤).

فالعدالة معتبرة في صحة الشهادة على المسلم ، وتثبت في الإنسان بشروط وهي البلوغ ، وكمال العقل ، والحصول على ظاهر الايمان ، والستر والعفاف ، واجتناب القبائح ، ونفى الظنة والحسد والتهمة والعداوة. ولا فرق في صحة من كان على هذه الشرائط ووجوب قبولها ، بين ان يكون الشاهد لها رجلا أو امرأة ، قريبا أو أجنبيا ، حرا أو عبدا.

وهي على ثلاثة أضرب ، شهادة الرجال ، وشهادة النساء ، وشهادة الصبيان.

فاما شهادة الرجال ، فضربان ، صحيحة وغير صحيحة فالصحيحة ، هي شهادة من جمع الشروط التي ذكرناها. وشهادة القاذف بعد توبته والمعرفة بذلك منه. وشهادة الشريك لشريكه فيما ليس هو شريكا فيه. وشهادة الأجير على مستأجره ، سواء كان مقيما معه أو كان قد فارقه. وشهادته له بعد مفارقته. وشهادة الوصي لمن هو وصى له ، وشهادته عليه ، إذا كان معه غيره من أهل العدالة ، و (٥) استحلف المشهود له. وشهادة الأعمى إذا كان يثبت الشهادة ، وكانت مما لا تفتقر فيه الى الرؤية ، أو كان شهد بذلك قبل العمى. وشهادة الأصم ، ويؤخذ بأول قوله ولا يؤخذ بثانيه. وشهادة ذوي العاهات

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، كتاب الشهادة ، الباب ٩ ، الحديث ٣ وفي دعائم الإسلام ج ٢ ، ص ٥٠٧

(٢) في نسخة « يدلغ » في الموضعين

(٣) دعائم الإسلام ، ج ٢ ، ص ٥٠٧ ، الا ان فيه « يدلع » بالمهملة »

(٤) دعائم الإسلام ، ج ٢ ، ص ٥٠٨ ، مع اختلاف يسير.

(٥) كذا في النسخ ولعل أصلها « أو ».

٥٥٦

والآفات. والشهادة التي يؤديها في حال عدالته من كان قد شهد بها وهو في حال فسقه وشهادة لاعب الحمام. وشهادة المراهن في الخف والحافر ، والريش. وشهادة الوالد لولده ، وشهادته عليه مع غيره من أهل العدالة. وشهادة الولد لوالده. وشهادة الأخ لأخيه وعليه مع غيره من أهل العدالة. وشهادة الزوج لزوجته وعليها مع غيره من أهل العدالة. وشهادة العبيد لساداتهم لا عليهم ، ولغير ساداتهم وعليهم. وشهادة المكاتبين والمدبرين على غير ساداتهم ولهم. وشهادتهم لساداتهم بمقدار ما عتق منهم.

ومن كان له عبدان ، وأشهدهما على نفسه بالإقرار بوارث ، وردت شهادتهما لأجل الميراث ، وجازه (١) غير المقر له ، وأعتقهما ، وشهدا للمقر له ، كان شهادتهما مقبولة ، ويرجع الميراث الى من شهدا له بالإقرار ويعودان رقا له. فان شهدا بان مولاهما كان أعتقهما في الحال التي كان أشهدهما على نفسه بالإقرار ، قبلت هذه الشهادة أيضا ، ولم يسترقهما الذي شهدا له ، لأنهما قد أحييا حقه بشهادتهما له.

واما الشهادة التي هي غير صحيحة ، فشهادة من خالف الإسلام من الكفار ـ على اختلافهم ـ على أحد من المسلمين في حال الاختيار ، فان كانت حال ضرورة ، قبلت شهادتهم في الوصية دون غيرها على ما قدمناه. ولا يجوز شهادة أهل الملل المختلفة بعضها على بعض ، بل يقبل شهادة أهل الملة الواحدة بعضهم على بعض الا المسلمون فان شهادتهم مقبولة على الجميع.

وقد ذكر : ان شهادة الكافر على مثله وعلى غيره غير مقبولة ، وهو الأقوى ، لأن العدالة معتبرة في الشهادة ، والكافر غير عدل. ولا يجوز قبول شهادة مبطل على محق وان كان على ظاهر الإسلام. وكذلك شهادة ولد الزنا. ولا يجوز شهادة الفساق ومرتكبي القبائح من شرب الخمر والزنا واللواط واللعب بالشطرنج أو النرد أو ما يجرى مجرى ذلك من آلات القمار ، والارتشاء في الأحكام وغير ذلك من جميع القبائح

__________________

(١) كذا في أكثر النسخ وفي بعضها « اجازه » والظاهر انهما تصحيف والصحيح « حازه » بالحاء المهملة.

٥٥٧

وضروب الفسق على اختلافه ، الا على أنفسهم دون غيرهم. ولا يجوز قبول شهادة الظنين والمتهم ، والخصم ، والأجير لمستأجره مع مقامه معه في الاستئجار ، ولا شهادة المجان (١) ولا شهادة من أخذ الأجر على الأذان ولا شهادة من أخذه على الصلاة. ولا شهادة السائلين في الأسواق ولا على أبواب الدور. ولا شهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه. ولا شهادة اللصوص ، الا ان يقروا على أنفسهم بشي‌ء ، ولا يقبل شهادة من يشهد بها قبل ان يسأل عنها. ولا شهادة الولد على الوالد ، ولا العبد على سيده ، الا ان يكون ذلك بعد عتقه. فاذا شهد شهود على إنسان بأنه قال : اشهدوا على بان ملكي أو داري أو ما جرى مجرى ذلك لفلان ، ولم يذكر صدقة ولا هبة ولا غيرها ، كانت هذه الشهادة باطلة ، وقوله غير صحيح لأنه يتناقض من حيث ان ملكه لا يكون ملكا لغيره ، وينبغي ان يستفسر عن ذلك ، فان كان (٢) ملكي ، كان إقرارا ، وان ذكر هبة ، اعتبرت شرطها.

ولا يجوز شهادة واحد في الهلال ، ولا الطلاق ، ولا الحدود ، وما أشبه ذلك

واما شهادة النساء ، فعلى ثلاثة أضرب ، أولها : لا يجوز قبولها على حال ، وثانيها : يجوز ذلك فيها إذا كان معهن غيرهن من الرجال ، وثالثها : يجوز ذلك أيضا فيها. ولا يجوز ان يكون معهن أحد من الرجال.

فاما الأول ، فرؤية الهلال ، والطلاق ، والحدود الا الزنا ، وقد تقدم ذكره.

واما الثاني ، فرجم المحصن ، بان يشهد ثلاثة رجال وامرأتان ، فيقبل شهادتهم ويرجم المشهود عليه بذلك. وان شهد رجلان واربع نسوة ، أو رجل وست نساء بالزنا لم يقبل شهادتهم ، وحدوا حد الفرية. ويقبل شهادتهن في القتل والقصاص ، ولا يقاد بها ولا يقتص ، وانما يجب الدية وحدها بان شهد رجل وامرأتان على إنسان بالقتل أو الجراح وتقبل شهادتهن في الديون مع الرجال وعلى الانفراد بان يشهد رجل وامرأتان على

__________________

(١) مجن الرجل مجونا : كان لا يبالي قولا وفعلا اى هزل.

(٢) الظاهر سقط مثل « قال » أو « أجاب » ، ومعنى كان ملكي : إنه ملكي سابقا فيكون إقرارا بأنه لفلان ، الان.

٥٥٨

إنسان بدين لرجل فتقبل شهادتهم ، وان شهدت امرأتان قبلت شهادتهما ، وكانت كشهادة رجل واحد يجب معها اليمين على المشهود له.

واما الثالث ، فهو الذي يجوز قبول شهادتهن فيه ولا يجوز ان يكون معهن أحد من الرجال ، فهو جميع مالا يجوز للرجال النظر اليه ، مثل العذرة ، والأمور الباطنة في النساء. وشهادة القابلة وحدها في استهلال الصبي في ربع ميراثه. وشهادة امرأة واحدة في ربع الوصية ، وشهادة امرأتين في نصف ميراث المستهل ونصف الوصية ، وعلى هذا الحساب. وذلك لا يجوز التعويل عليه والحكم به الا مع عدم الرجال. وشهادة الزوجة على زوجها فيما يجوز قبول شهادتها فيه إذا كان معها غيرها من أهل العدالة.

فاما شهادة الصبيان ، فهي ضربان جائز وغير جائز فالجائز : شهادة كل صبي بلغ عشر سنين الى ان يبلغ ، في الشجاج والقصاص ، ويؤخذ بأول كلامهم في ذلك ولا يؤخذ بأخرة ، ويفرق بينهم في الشهادة ، فإن اختلفوا لم يحكم بشي‌ء من أقوالهم.

ومن شهد منهم في حال الصبا وبلغ ثم ادى شهادته تلك ، بعد البلوغ وكان على ظاهر العدالة قبلت شهادته.

واما التي ليست بجائزة : فهي شهادتهم في كل ما عدا ما ذكرناه ، فإنه لا يجوز قبولها في شي‌ء منه على حال.

« باب كيفية الشهادة وإقامتها »

قال الله تعالى « وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا » (١).

وعن الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى « وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا » قال : حين

__________________

(١) البقرة ٢٨٢.

٥٥٩

يدعوا قبل الكتاب (١) لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة أن يقول : لا اشهد لكم » (٢).

لا يجوز لأحد الامتناع من الشهادة إذ ادعى إليها ، إذا كان من أهل الشهادة والعدالة ، الا ان يكون في حضوره لذلك وشهادته ضرر لشي‌ء يتعلق بالدين ، أو فيه مضرة لأحد المؤمنين.

ومن حضر الشهادة على إنسان فليس يجوز ان يشهد الأعلى من هو عارف به ، ويجوز ان يشهد على من لا يعرفه بتعريف رجلين من المسلمين الثقات. وإذا أقام هذا هذه الشهادة ، فلا يقيمها الا كما شهد بها.

وإذا شهد على أمرية وهو عارف بعينها ، جاز له الشهادة عليها. فان لم يروجهها فان شك فيها لم يجز ان يشهد عليها حتى تسفر عن وجهها ويعرفها بعينها.

وإذا أراد ان يشهد على أخرس (٣) لم يجز له ذلك الا بعد ان يعرف من إشارته الإقرار بما يريد الاشهاد به. وإذا أراد الشهادة عليه لم يقمها إلا بأنه عرف من إشارته ، الإقرار بما شهد عليه به ، ولا يجوز ان يقيمها بمجرد الإقرار ، لأنه ان فعل ذلك كان كاذبا.

« الشهادة على الشهادة »

وإذا أراد الشهادة على شهادة ، فينبغي ان يشهد رجلين على رجل واحد ، لان الرجلين في الشهادة على الشهادة يقومان مقام شاهد واحد. فان شهد واحد لم يقم مقام الواحد الذي يريد الشهادة على شهادته ، ولا يكون لذلك تأثير.

ولا يجوز الشهادة على شهادة الا في العقود والديون والاملاك. فاما الحدود فلا يجوز ذلك فيها.

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١ من كتاب الشهادات ، الحديث ٦ ، وقبل الكتاب اى قبل الكتابة المذكورة في الآية.

(٢) الوسائل ، الباب ١ من كتاب الشهادات ، الحديث ٢ و ٥ ، وقبل الكتاب اى قبل الكتابة المذكورة في الآية.

(٣) اى على إقرار أخرس

٥٦٠