المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

أبوي المولود شيئا من العقيقة ، وقد روى جواز ذلك (١) والأحوط ما قدمناه.

« في أحكام الختنة ».

وينبغي ان يختن المولود في اليوم السابع كما ذكرناه فإن أخر ذلك عن هذا اليوم كان جائزا ، الا ان الأفضل ذلك ، والقول في خفض الجواري مثل ذلك ، (٢) وإذا تأخر ختان أحد ممن ذكرناه الى وقت بلوغه وجب ان يفعل به ذلك عند البلوغ وكذلك : من أسلم وهو بالغ غير مختتن ، فليختتن وان كان شيخا.

وإذا مات المولود في اليوم السابع من ولادته ، وكان موته قبل الظهر من ذلك لم يعق عنه ، وان كان موته بعد الظهر ، استحب ان يعق عنه.

وينبغي ان يرضع الصبي حولين كاملين على ما ثبت به السنة في ذلك ، والزيادة عليه جائزة وكذلك : النقص منه ، فاما الزيادة : فلا يجوز ان يكون أكثر من شهرين ، واما النقص : فلا يجوز ان يكون أكثر من ثلاثة أشهر ، فإن فعله ذلك ، كان جورا عليه ، ونقص الثلاثة الأشهر مكروه.

وأفضل ما يرضع به الصبي من الألبان لبن امه ، والام ان كانت حرة وأرادت رضاعه كان لها ذلك ، وان لم ترده لم تجبر عليه ، وان كانت امة كان إلزامها ذلك جائزا.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٤ من أحكام الأولاد الحديث ٧ وكذا في الحديث ٤ على نسخة الكافي دون التهذيب وموردهما أكل الأب فقط كما ان في خبر آخر يأكل منها كل أحد إلا الأم ولم نعثر على خبر في جوازه للام وعلى كل ، ظاهر المصنف هنا والشيخ في النهاية الحرمة والمعروف بين الأصحاب هو الكراهة.

(٢) الخفض بالخاء المعجمة في البنات كالختان للذكور ولذا أطلق عليه الختان في بعض الاخبار كما قيل في اللغة ان الخفض أيضا يطلق على ختان الذكور لكنه شاذ وظاهر المصنف هنا وجوبه في البنات كما تقدم ذلك منه في الرهن في مسألة رهن الطفل المملوك لكنه غير معروف بل ادعى الإجماع على خلافه وصرح في النصوص بعدمه ويمكن حمل كلامه هنا على غير ذلك.

٢٦١

وإذا أرضعته الحرة وتطلب اجرة الرضاع كان ذلك (١) واجبا على والد الصبي ، وان كان والده ميتا ، كان ذلك في مال الصبي ، وان كان لها مملوكة فأرضعته كان لها أجر رضاع مملوكتها وهو اجرة المثل.

وإذا وجد والد الصبي من يرضع ولده بأجرة تكون أقل من الأجرة التي تأخذها امه ورضيت الام بها كانت أحق به من غيرها ، وان لم ترض بها كان لوالده أخذه منها ودفعه الى من يرضعه بالأقل.

وإذا كان الولد ذكرا فوالدته أحق به من أبيه (٢) مدة الرضاع ، فاذا انقضت هذه المدة كان والده أحق به منها ، وإذا كان أنثى فوالدته أحق به من أبيه إلى سبع سنين ، فان تزوجت فيما دون سبع سنين ، كان والده اولى به منها. فان مات والده كانت والدته أحق بولدها من وصى أبيه ذكرا كان الولد أو أنثى الى ان يبلغ.

فاذا كان والد الصبي عبدا ووالدته حرة. كانت والدته أحق به واولى من أبيه على كل حال فان انعتق كان اولى به على ما تقدم ذكره.

وإذا أراد الرجل من يرضع والده ، فينبغي ان يختار لذلك امرأة ، مسلمة.

عاقلة جميلة الوجه عفيفة. ولا يجوز له ان يسترضع امرأة كافرة إلا عند الضرورة

__________________

(١) مقتضاه جواز استئجارها أيضا خلافا لما تقدم في كتاب الإجارة من عدم جوازه وعدم استحقاقها الأجرة لو أرضعت الا ان يكون مراده هنا ما إذا خرجت من حباله لقوله بعد ذلك في الحضانة : فإن تزوجت إلخ لكنه بعيد وقد ذكرنا هناك بعض الكلام فيه فراجع والذي أظن انه ليس للمرأة ما دامت في حباله ان تمتنع من إرضاع ولدها منه بلا عوض وله إجبارها عليه إذا كان متعارفا ولم يكن عليها ضرر لأنه من شئون المعاشرة وإيجاد العائلة ووجوب طاعة الزوج وقد جعل الله تعالى رزق الولد في ثدي امه كما ورد في الخبر وبناء التزويج غالبا عليه وقوله تعالى ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) ولم أجد في النصوص المعتبرة ما يدل على خلافه لكنه خلاف المعروف بين الأصحاب والله العالم.

(٢) أي في الحضانة.

٢٦٢

الى ذلك فإنه يجوز حينئذ ان يسترضع يهودية أو نصرانية دون غيرها من سائر الكفار

وإذا لم يجد في هذه الحال يهودية ولا نصرانية ووجد مجوسية ، جاز ان يسترضعها ، ولا يجوز له ذلك مع وجود اليهودية أو النصرانية على حال فاذا استرضع اليهودية أو النصرانية فليقرها عنده في منزله ، ولا يدفع الولد إليها لتمضي به الى منزلها وينبغي ان يمنعها أيضا من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.

ولا يجوز ان يسترضع ناصبية ولا امرأة قد ولدت من الزنا ، أو كانت مولودة من ذلك إلا في حال الضرورة وعدم من يجوز استرضاعه ممن قدمنا ذكره.

والمرضعة تستحق اجرة الرضاع في حولين كاملين فان زاد على الحولين لم تستحق على ذلك اجرة ومن دفع ولده الى ظئر ، فمضت به ولم تحضره الا بعد الفطام ، لم يجز له إنكاره ولا يكذبها في قولها بأنه ولده لأنها مأمونة.

وإذا دفعت الظئر ولد إنسان إلى ظئر اخرى كان عليها ضمانه ، فان لم تحضره كأن عليها ديته ، واسترضاع الإماء جائز فمن أراد أن يسترضعهن فليسترضع المسلمة منهن حسب ما وصفناه فيمن يجوز استرضاعه من غيرهن.

« باب النشوز »

قال الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن (١) فعلق تعالى : هذه الأحكام بالنشوز إذا ظهرت اماراته ودلائله وذلك يظهر بقول أو فعل.

اما القول : فمثل ان تكون المرأة تلبي الرجل إذا دعاها وتخضع له بالقول إذا كلمها ثم تمنع عن ذلك وعن القول الجميل عند مخاطبته.

واما الفعل : فمثل ان كانت تقوم إليه إذا دخل عليها وتسارع الى فراشه إذا دعاها اليه ، ثم تترك ذلك فتصير لا تقوم ولا تسارع الى فراشه ، بل إذا دعاها الى ذلك صارت إليه بكراهة ودمدمة وأمثال ذلك ، فاذا ظهر ما ذكرناه أو ما جرى مجراه

__________________

(١) النساء ـ ٣٤.

٢٦٣

وعظها بما يأتي ذكره لقوله تعالى الذي قدمناه.

واما ان نشزت فامتنعت عليه وأقامت على ذلك وتكرر منها جاز له ضربها فان نشزت أول مرة جاز له ان يهجرها في المضجع ويضربها أيضا. فإما الموعظة : بان يخوفها بالله تعالى ويعرفها ان عليها طاعة زوجها ، ويقول اتقي الله وراقبيه واطيعينى ولا تمنعينى حقي عليك.

والهجران في المضجع : هو ان يحول ظهره إليها ، وقال بعض الناس ترك كلامها الا انه لا يقيم عليه أكثر من ثلاثة أيام.

واما الضرب : فهو ضرب تأديب كما يضرب الصبيان على الذنب ، ولا يضربها ضربا مبرحا (١) ولا مزمنا ولا مدميا ويفرقه على بدنها ويتقى وجهها ، وإذا ضربها كذلك فليكن بالمسواك (٢) وذكر بعض الناس (٣) انه يكون بمنديل ملفوف اودرة ولا يكون بخشب ولا سوط.

__________________

(١) بضم الميم وتشديد الراء المكسورة اى شديدا شاقا كما في الصحاح ونهاية ابن الأثير وغيرهما وفي خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع كما في تحف العقول وصحيح مسلم وغيرهما واللفظ للأول قال في شأن النساء : حقكم عليهن ان لا يوطئن أحدا فرشكم ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم وان لا يأتين بفاحشة فإن فعلن فان الله قد اذن لكم ان تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح وقال الطبرسي في مجمع البيان انه قيل في معنى غير المبرح ان لا يقطع لحما ولا يكسر عظما.

(٢) كما رواه الشيخ في التبيان مرسلا عن الامام الباقر عليه‌السلام وفي جواهر الكلام حمله على ابتداء الضرب إذا يحصل به الغرض والاجاز الأقوى فالأقوى ما لم يكن مدميا أو مبرحا لإطلاق الآية وكلمات الأصحاب.

قلت لو صح الخبر سندا ومتنا فالأولى حمله على المبالغة في أدنى الضرب.

(٣) اى من العامة ثم انه تقدم بعض هذه المسائل في باب القسمة.

٢٦٤

« باب الشقاق والحكمين »

إذا ظهر بين الزوجين الشقاق ، وكان النشوز منها فقد تقدم ما فيه ، وان كان من الزوج فلا يخلو من ان يكون منه النشوز أو دلائله فإن كان النشوز منه : وهو ان يمنعها حقها من كسوة ونفقة ونحو ذلك ، فان الحاكم يلزمه ان يضم الزوجين الى جانب عدل يتفقد أحوالهما ويكشف أمورهما ، وان ظهرت أمارات النشوز : وهو ان كان يستدعيها الى فراشه ثم امتنع وكان مقبلا عليها ثم اعرض عنها وظهر منه دليل الزهد فيها ، فلا بأس ان تطيب المرأة نفسه بان تترك بعض حقها من كسوة ونفقة ونحو ذلك ، وان يترك القسم ، لقوله تعالى ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (١).

فإن أشكل الأمر فادعى كل واحد منهما النشوز ولم يعلم الناشز منهما أسكنهما الحاكم الى جانب ثقة يشرف عليهما ويعلم الناشز منهما لان الحاكم لا يمكنه ان يتولى ذلك بنفسه ، فإن أخبره بنشوز واحد منهما حكم بينهما فيه بالواجب ، وان علم النشوز من كل واحد منهما على صاحبه وانتهى الأمر بينهما إلى المضاربة والمشاتمة وتخريق الثياب والى ما لا يجوز من قول أو فعل ولم يفعل الزوج الصفح ولا الفرقة فهذا هو الموضع الذي تناوله ، قوله تعالى ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها ). (٢)

فإذا كان كذلك : بعث الحاكم حكمين ليحكما على ما يؤدى إليه اجتهادهما ، ولم يلتفت الى رضا الزوجين بذلك ، وقال لهما ان رأيتما الإصلاح فاصلحا ، وان رأيتما الفراق فبطلاق أو خلع فافعلا.

فان كانت المصلحة في الصلح فلا بد من اجتماع الحكمين عليه لان الصلح من جهة كل واحد منهما.

__________________

(١) النساء ـ ١٢٨

(٢) النساء ـ ٣٥

٢٦٥

فان كانت المصلحة في الخلع فلا بد أيضا ان يجتمعا لأنه عقد معاوضة يبذل أحدهما عنها ويقبل الأخر للزوج ، وان كانت المصلحة في الطلاق فليس يفتقر الى اجتماعهما ، لأن الذي من جهتها لا صنع له في الطلاق.

ويستحب ان يكون حكم الزوج من اهله وحكم المرأة من أهلها للظاهر (١) فان بعث من غير أهلها كان جائزا وينبغي ان يكون الحكمان ذكرين حرين عدلين ، ولهما الإصلاح من غير استئذان ، وليس لهما الفرقة بالطلاق وغيره الا بعد ان يستأذنا هما ، وقد ذكرنا في كتابنا « الكامل في الفقه » في هذا الموضع ، انه على طريق التوكيل ، والصحيح انه على طريق الحكم لأنه لو كان توكيلا لكان تابعا للوكالة وبحسب شرطها وإذا فوضا أمر الخلع والفرقة إلى الحكمين والأخذ لكل واحد منهما من صاحبه كان عليهما الاجتهاد فيما يريانه هذا فيما يتعلق بالشقاق أو الفراق.

واما فيما عدا هذا النوع من الحقوق مثل إثبات دين ، على صاحبه واستيفاء حقه منه وقبض ديونه ، فهذا توكيل لا مدخل للحكم فيه ، لأنه لا مدخل له في الشقاق بينهما ، وإذا غاب أحد الزوجين لم يكن للحكمين ان يفعلا شيئا ، لأنا وان أجزنا القضاء على الغائب فإنما يقضى عليه واما يقضى له فلا ، وهاهنا : لكل واحد منهما حق له ، وعليه فلم يجز.

وإذا غلب على عقل الزوجين أو أحدهما ، لم يكن لهما إمضاء شي‌ء ، لأن زوال العقل يزيل حكم الشقاق ولو كان ذلك وكالة لأزاله أيضا.

وإذا شرط الحكمان شرطا كان مما يصلح في الشرع لزومه لزم ، وان كان مما لا يلزم مثل ان شرطا عليها ترك بعض النفقة أو القسم ، أو شرطا عليه ان لا يسافر بها

__________________

(١) اى ظاهر قوله تعالى ( فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها ) لكن مقتضاه الوجوب فكأنه عدل عنه المصنف وغيره لحصول الغرض بالأجنبي أيضا أو لفهم العموم من النصوص كما قيل وكلاهما غير ظاهر فتعين الأهل إن أمكن ، أقوى كما اختاره ابن إدريس في السرائر ووافقه بعض المتأخرين.

٢٦٦

فكل ذلك لا يلزم الوفاء به ، وان اختار الزوجان المقام على ما فعله الحكمان كان جميلا ، وان اختارا ، تركه كان ذلك لهما.

« باب الخلع »

الخلع جائز في الشريعة لقول الله : ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا ان يخافا الا يقيما حدود الله فان خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به (١) يتضمن ذلك : رفع الجناح في أخذ الفدية منها عند خوف التقصير في إقامة الحدود المحدودة في حق الزوجية ، فدل ذلك على جواز ما ذكرناه ، والخلع منه ما هو محظور ، ومنه ما هو مباح.

فاما المحظور فهو ان يكره المرأة ويعضلها بغير حق لتفتدى نفسها منه ، وقبلها يكون الحال بينهما عامرة والأخلاق ملتئمة ويتفقا على الخلع فتبذل له شيئا على طلاقها.

واما المباح : فان يخافا الا يقيما حدود الله ، مثل ان تكره المرأة زوجها ، اما لخلقه أو دينه أو ما جرى مجرى ذلك مما في نفسها من كراهتها له فاذا كانت في نفسها على هذه الصفة خافت الا يقيم حدود الله عليها في حقه ، وهو ان تكره الإجابة له فيما هو حق له عليها فيحل لها ان تفتدي نفسها بغير خلاف وذلك : لقوله تعالى هاهنا « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ » (٢).

ويجوز الخلع عند المضاربة والقتال ، ولا يجوز في حال الحيض ولا في طهر قاربها فيه بجماع ولا يقع أيضا بمجرده ، فلا بد من التلفظ فيه بالطلاق ، فان كان الخلع بصريح الطلاق كان طلاقا ، وان كان بغير صريح الطلاق مثل ان تقول لزوجها خالعني أو فاسخنى أو فارقنى بكذا وكذا وأجابها لم يصح ذلك ولم يقع ،

__________________

(١) البقرة ـ ٢٢٩

(٢) البقرة ـ ٢٢٩

٢٦٧

والبذل في الخلع غير مقدر ان شاءا اختلعا بقدر المهر أو بأكثر منه أو أقل فجميع ذلك جائز وإذا أوقع كما ذكرناه صحيحا وقعت الفرقة ، وإذا طلقها طلقة بدينار على ان له الرجعة لم يصح الطلاق.

وإذا شرطت المرأة انها متى أرادت الرجوع فيما بذلته كان لها وتثبت الرجعة كان صحيحا ، وقد قدمنا القول بان الخلع لا بد فيه من لفظ الطلاق فليس يقع صحيحا الا كذلك ، وإذا حصل كذلك لم يمكن ان يلحقها طلاق آخر ما دامت في العدة ، لأن الرجعة غير ممكنة فيها.

وإذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا في كل سنة واحدة ، لم يقع من ذلك شي‌ء لأنه طلاق بشرط وكل طلاق بشرط لا يصح عندنا على وجه ، فكل ما جرى هذا المجرى من المسائل في هذا الباب فهو عندنا غير صحيح.

وإذا قالت لزوجها طلقني ثلاثا بألف درهم فقالا طلقتك ثلاثا بألف درهم لم يصح ذلك ولا يقع منه طلاق ، لان الطلاق الثلاث عندنا لا يقع بلفظ واحد ولا يصح وإذا قلنا (١) بذلك ان نقول انها تقع واحدة لأنها انما بذلت العوض في الثلاث فاذا لم يصح الثلاث وجب ان يبطل من أصله.

وإذا قالت الزوجة اخلعني على الف درهم راضية (٢) فقال خالعتك بها صح ذلك ولزم المسمى وإذا ذكر القدر والجنس دون النقد ، فقالت خالعني بألف درهم فقال خالعتك بها صح ذلك وكان عليها الف درهم من غالب نقد البلد.

__________________

(١) الصواب زيادة الواو أي لا يصح إذا قلنا ببطلان الثلاث بلفظ واحد ان نقول يقع واحدة فيصح البذل لان البذل كان للثلاث دون الواحدة فإذا بطل لها لم يصح للواحدة أيضا.

(٢) كأنها نوع من الدراهم الرائجة ولم أجد ذكرا لها فيما راجعته ولعل الصواب « وافية » وهي الدرهم البغلي كما في كتاب العقد المنير وذكره الفقهاء في ما يعفى عنه في الصلاة.

٢٦٨

وإذا ذكر القدر دون الجنس والنقد ، فقالت خالعني بألف ، فقال خالعتك بألف فإن اتفقا على الإرادة وانهما أرادا الدراهم أو الدنانير لزم الالف من غالب نقد البلد ، فان اتفقا على انهما أرادا معا بالألف ، ألف درهم راضية وجب ما اتفقت إرادتهما عليه ، اما مطلقا : فيجب من غالب نقد البلد أو معينا : فيجب ما عيناه ، وإذا اتفقا على انهما ، ما أراد جنسا من الأجناس ، ولا كان لهما ارادة فيه ، كان الخلع فاسدا.

وإذا اختلفا في النقد واتفقا في القدر والجنس كان القول : قولها مع يمينها ، وعلى الرجل البينة فيما يدعيه لأنه مدع ، وإذا اختلفا فقال أحدهما : ذكرنا النقد وهي راضية ، وقال الأخر ، بل أطلقنا ، ولها غالب نقد البلد كانت هذه المسألة مثل المسألة المتقدمة عليها. وإذا اختلفا في المسألة الثالثة : وهي إذا لم تذكر جنسا ولا نقدا واختلفا في الإرادة لم يصح الخلع أصلا.

وإذا قال الرجل خالعتك على الف في ذمتك ، فقالت : خالعتني على الف ضمنها لك غيري ، كان عليها الألف ، لأنها قد أقرت بالألف وادعت الضمان.

وإذا قال خالعتك على الف في ذمتك ، فقالت خالعتني على الف يزنها لك والدي أو أخي ، كان عليها الالف لمثل ما قدمناه ، وإذا قال خالعتك على الف في ذمتك فقالت بل خالعتني على الف في ذمة زيد ، كان عليه البينة وعليها اليمين لمثل ما قدمناه. (١)

__________________

(١) كذا في نسختين وفيه ان مقتضى الدليل المتقدم ان يكون عليها الالف بلا بينة وفي المبسوط ذكر. قبل هذه المسألة ، إذا قال خالعتك على الف في ذمتك فقالت ما خلعتنى وانما خلعت غيري فالقول قولها مع يمينها لأنه ادعى عليها عقد معاوضة ثم ذكر هذه المسألة وقال والذي نقوله ان عليه البينة وعليها اليمين لمثل ما قلناه أي في الذي ذكر قبلها.

فالظاهر انه في المتن سقط ذلك والمسائل المذكورة هنا مطابقة للمبسوط

٢٦٩

وإذا قالت : له طلقني على الف ، فقال أنت طالق إن شئت ، أو قال لها ان ضمنت لي ألفا فأنت طالق أو قال فإن أعطيتني فأنت طالق أو ما يجرى هذا المجرى من المسائل فإنه لا يصح ولا يقع به خلع ولا طلاق ، لان الطلاق عندنا لا يصح بشرط وذلك كله بشرط (١) فلا يصح.

فان خالعها على الف درهم من غير شرط اقتضى ذلك ما قدمناه من الف درهم فضة غالب نقد البلد ، وان كانت ردية كان له المطالبة ببدلها ، وإذا قالت له طلقني طلقة بألف ، فقال لها أنت طالق بألف وطالق وطالق وقعت الأولى بائنة ، لأن العوض جعل في مقابلتها ولم يقع الثانية ولا الثالثة ، لأنه طلقها بعد ان بانت منه بالأولى وذلك لا يصح.

وإذا خالعها على ثوب موصوف في الذمة مثل ان خالعها على ثوب مروي وصفه وضبطه بالصفات. كان الخلع صحيحا ولزم العوض ، لأنه عوض معلوم ، والعوض إذا كان معلوما في الخلع لزم ووجب عليها ان تسلم اليه ما وجب له في ذمتها على الصفة ، فاذا سلمته اليه وكان سليما على الصفة لزمه ، وان كان معيبا كان مخيرا بين إمساكه وبين رده ، فإن أراد إمساكه فذلك اليه ، وان أراد رده كان له الرجوع عليها بالذي خالعها به ، لأن الذي وجب له في ذمتها ما كان سليما من العيوب فاذا رده كان له المطالبة ببدله.

وإذا خالعها على ثوب بعينه على انه مروي فكان كتانا كان الخلع صحيحا لأنه خلع بعوض (٢) عين فبان غيرها ، لان اختلاف الأجناس كاختلاف الأعيان

__________________

غالبا والفرق بين المقام والمسئلتين السابقتين ان قول المرأة في السابقتين يتضمن إقرارها بالألف على نفسها دون المقام لأن ذمة زيد أجنبية عنها الا ان يكون مرادها بذمته ضمانه عنها وهو خلاف الفرض لذكره فيما قبله.

(١) لكن الشرط في الصورة الاولى وهو مشيئة الزوجة حاصل باستدعائها الطلاق فلا يبعد صحته.

(٢) هنا سقط وهو كما في المبسوط وهامش نسخة ( ب ) « فان اختار إمساكه لم يكن له ذلك لأنه عقد الخلع على جنس فبان غيره كما لو عقد على. ».

٢٧٠

فاذا رده كان مستحقا للقيمة لا غيرها.

وإذا خالعها على ان ترضع ولده سنتين صح ذلك ، فان عاش الولد حتى ارتضع السنتين فقد استوفى حقه ، وان انقطع لبنها وجف بطل البذل وكان له الرجوع عليها بأجرة المثل في رضاع مثله.

وإذا قال له أبو زوجته طلقها وأنت بري‌ء من مهرها ، فطلقها ، طلقت ولم يبرأ من مهرها ، لأنها ان كانت رشيدة لم يملك أبوها التصرف في مالها بغير اذنها ، وان كان يلي عليها لصغر أو جنون أو سفه لم يصح ، لأنه إنما ملك التصرف فيما فيه نظر لها وحظ ولا نظر لها في ذلك كما لو كان لها دين فأسقطه فإذا كان ما ذكرناه صحيحا ولم يبرأ من مهرها لم يلزم أباها ضمان ذلك ، لأنه لم يضمن على نفسه شيئا ويقع الطلاق رجعيا ، لان العوض لم يسلم.

وإذا اختلف المتخالعان في جنس العوض أو قدره أو تعجيله أو تأجيله أو في عدد الطلاق ، كان القول : قول المرأة لأنهما قد اتفقا على البينونة ، وانما اختلفا فيما لزمها ، فالرجل مدع بالزيادة فعليه البينة إلا في عدد الطلاق فان القول فيه : قول الرجل مع يمينه.

وإذا قال لزوجته طلقتك بألف وضمنت ذلك ، وأنكرت ، كان القول : قولها مع يمينها ، لأنه يدعي عليها عقد معاوضة والأصل ان لا عقد غير انه يحكم بالبينونة لاعترافه بذلك.

وإذا اختلعت الأمة نفسها بعوض وكان ذلك بإذن سيدها صح ، لأنه وكلها ويقتضي أن تخلع نفسها بمهر مثلها ، فان فعلت بذلك أو بأقل منه وكانت مأذونا لها في التجارة دفعت ذلك مما في يدها ، وان لم يكن مأذونا لها في ذلك دفعته من كسبها فان لم يكن لها كسب ، كان ذلك في ذمتها ، يستوفي منها إذا أعتقت ، وان اختلعت نفسها بأكثر من مهر مثلها كان جائزا (١).

__________________

(١) هذا مناف لما مر آنفا من انها تخلع بمهر مثلها الا ان يكون المراد ان

٢٧١

وان كان الخلع بغير اذن سيدها فاما ان يكون : منجزا أو معلقا بصفة؟! فإن كان منجزا : فاما ان يكون بدين أو بمعين؟! فان كان بدين في الذمة ، ثبت ذلك في ذمتها تطالب به إذا أعتقت! وان خالعها بشي‌ء بعينه كالعبد المعين كان الخلع صحيحا والطلاق بائنا (١)! وان كان [ معلقا ] بصفة لم يصح الخلع.

وإذا اختلعت المكاتبة بإذن سيدها؟ كان الحكم فيها كالحكم في الأمة ، فإن كان ذلك بغير اذنه صح ذلك لان الحق لها.

وإذا كان للرجل امرأتان فخالعهما على الف درهم؟! قسمت الالف بينهما على قدر ما تزوجهما به من المهر؟! فإن تراضى الزوجان بينهما على شي‌ء كان جائزا؟! وإذا خالعها على عبد وجب القتل عليه وقتل العبد بذلك كان للرجل الرجوع عليها بقيمته.

وإذا خالعها على عبد معين فاذا هو نصراني أو هو معروف بالإباق؟ لم يكن له رجوع عليها به ، وإذا وكلت المرأة في الخلع وكيلها؟ فاما ان تطلق أو تقدر البذل ، فإن أطلقت وخلعها بمهر مثلها نقدا بنقد البلد فقد حصل ما أقرته به ، وان كان بأقل من مهر مثلها نقدا أو بمهر مثلها إلى أجل كان أيضا جائزا (٢).

__________________

ما زاد على مهر مثلها يتعلق بذمتها كما صرح بذلك في المبسوط فمقتضاه ان لا يكون مما في يدها وان كانت كسوبا أو مأذونا لها في التجارة ويجوز ان يكون المراد بما مر هو الرجحان.

(١) لكنه كما صرح به في المبسوط لا يملك الزوج هذا العبد لأنه ليس لها دفعه فيكون للزوج عوضه وهو القيمة في ذمتها تطالب بها بعد عتقها ويسارها.

(٢) يظهر منه انه إذا أطلقت فخلعها الوكيل بأكثر من مهر المثل لم يصح الخلع خلافا للمبسوط حيث قال يصح ويرجع الى مهر المثل وما في المتن أقرب كما في توكيل الزوج إذا خالعها الوكيل بأقل منه وقد اختار فيه ذلك في المبسوط ولم نجد فرق بينهما.

٢٧٢

وكذلك : إذا اختلعها بأكثر من مهر مثلها وقد قدرت البذل وفعل بذلك القدر؟ كان صحيحا ، وان كان بأكثر مما قدرته لم يصح الخلع لأنه أوقع الخلع على ما لم تأذن له فيه فاما الرجل : إذا وكل وكيلا في الخلع فالحكم فيه كما ذكرناه في وكيل المرية ،.

والخلع في المرض يصح لأنه عقد معاوضة فهو جار مجرى البيع ، فان كان الزوج هو المريض؟! فخالع زوجته على ما هو قدر مهر مثلها ، كان ذلك جائزا وان كان أكثر من مهر مثلها ، كان أيضا جائزا ، وان كان المريض هو المرأة! فاختلعت نفسها بمهر مثلها ، كان من صلب مالها ، وان كان أقل من مهر مثلها ، كان أيضا جائزا (١).

وإذا اختلعت نفسها بعبد قيمته مائة فخرج نصفه مستحقا : كان ذلك باطلا.

« في شروط الخلع »

واعلم : ان الشروط التي تقع الخلع معها هي شروط الطلاق وسيأتي ذكرها فيما بعد.

واما المبارأة : فهو ضرب من الخلع؟! الا ان الكراهة تكون من كل واحد من الزوجين للآخر فاذا عرف كل واحد منهما ذلك من الأخر ، أو قالت المرأة لزوجها انى قد كرهت المقام معك وقد كرهت أيضا أنت المقام معى فبارئنى؟! أو

__________________

(١) أي من صلب مالها واما إذا اختلعت بأكثر من مهر مثلها ففي المبسوط كان مهر مثلها من الصلب والزائد عليه من الثلث ثم حكى عن بعض العامة انه يعتبر الكل من الثلث وعبارة المصنف هنا مجملة في ذلك ولا يبعد منع كونه من الصلب مطلقا بناءا على كون تصرف المريض من الثلث وعلى كونه منه لا يبعد ذلك في أكثر من مهر المثل أيضا هذا في الزوجة المريضة واما الزوج المريض فالظاهر جوازه بأقل من مهر المثل بلا اشكال والله العالم.

٢٧٣

يقول الزوج لها مثل ذلك ثم يقول على ان تسقط عنى بعض المهر أو تعطيني كذا وكذا؟! وكان أقل من المهر الذي أعطاها ولا يكون أكثر منه فإذا اجابته الى ذلك وبذلت له من نفسها ما اراده منها طلقها طلقة واحدة للسنة؟ وسيأتي ذكر طلاق السنة فيما بعد ، ويكون الطلقة بائنة لا سبيل له عليها الا ان ترجع هي في شي‌ء مما بذلته؟! وان فعلت ذلك كان له الرجوع أيضا في بعضها ان لم تكن خرجت من عدتها! فان كانت قد خرجت من العدة لم يجز لها الرجوع في ذلك ولم يكن للزوج أيضا عليها سبيل الا بعقد ومهر جديدين ان أراد المراجعة واما النشوز فقد تقدم ذكره (١)

« تم كتاب النكاح

وما يلحق به من أحكام النشوز

والشقاق والحكمين والخلع (٢) والمبارأة »

__________________

(١) في باب النشوز قريبا

(٢) وكان الاولى للمصنف ان يبحث عن الخلع والمبارأة في باب الطلاق كما فعل المتأخرون

٢٧٤

« باب الطلاق »

قال الله تعالى ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) الاية (١).

فجعل تعالى الطلاق بيد الرجل دون النساء ، وأباحهم ذلك ، فاذا اختار الرجل طلاق زوجته ، كان له ذلك ، بسبب وبغير سبب ، لأنه مباح له الا ان طلاق الزوجة بغير سبب مكروه ، فان فعل ذلك كان تاركا للأفضل ، ولم يكن عليه شي‌ء.

ويفتقر في صحة الطلاق الشرعي إلى شروط متى حصلت ثبت حكمه ، ومتى لم يحصل ، أو اختل بعضها ، لم يقع الطلاق.

وهذه الشروط على ضربين :

أحدهما عام في جميع أنواع الطلاق ، والأخر يختص بنوع واحد.

فاما العام : فهو كون المطلق كامل العقل ، ومن يصح تصرفه ، وكونه قاصدا اليه ، وان ينوي الفرقة والبينونة به ، والتلفظ بلفظ الطلاق المخصوص به مع التمكن من ذلك ، دون كناياته ، أو ما قام مقام اللفظ المخصوص به عند عدم التمكن من ذلك ، وتعيين الزوجة التي في عقد نكاحه ، وشهادة شاهدين مجتمعين في مجلس واحد ، وإيقاعه متعريا من الشروط.

واما المخصوص بنوع واحد من أنواعه له فهو إيقاعه له بالمدخول بها وهي طاهرة ، في طهر لم يقربها فيه بجماع ، وهو حاضر غير غائب عنها.

__________________

(١) الطلاق ـ ١

٢٧٥

« باب بيان ما يقع به الطلاق »

« وما لا يقع من صريح لفظ ، أو كناية أو شرط ، أو استثناء »

« أو صفة ، وغير ذلك »

صريح الطلاق لفظة واحدة ، وهي قول الرجل لزوجته : « أنت طالق » أو « فلانة طالق » أو « هي طالق » ، وكل واحد من ذلك جائز ، يقع الطلاق به إذا قارنه نية الفرقة والبينونة ، فإن تجرد من النية لم يقع الطلاق.

فاما كنايات الطلاق فلا يقع بشي‌ء منها طلاق عندنا ، وهي قوله « سرحتك » أو « أنت مسرحة ، أو مطلقة ، أو خلية ، أو برية ، أو بائن ، أو بتلة ، أو حرام ، أو اعتدى ، أو استبرء رحمك ، أو اذهبي ، أو الحقي بأهلك ، أو حبلك على غاربك » وكل ما جرى مجرى ذلك لا يقع به طلاق ، حصل معه نية ، أو لم تحصل ، ولسنا نحتاج فيما ذكرناه مع قولنا بان الطلاق لا يقع بشي‌ء منه الى ذكر المسائل التي تورد في ذلك ، وتبنى عليه ، أو يتفرع منها ، لان ذلك عندنا يعزل مع ما ذكرناه. (١)

وإذا قال لها : « أنت طالق ان دخلت الدار ، أو أنت طالق ان قدم زيد أو ان حضر عمرو ، أو إذا جاء رأس الشهر ، أو ان أكل زيد » لم يقع به طلاق ، ولا بكل ما يكون شرطا مما لم نذكره.

وإذا قال لها : « أنت طالق » فهو صريح في الطلاق كما قدمناه ، ولا يصح ان ينوي به أكثر من طلقة واحدة ، فإن نوى أكثر من ذلك وقعت واحدة ولم يقع أكثر منها.

وإذا قال لها « أنت طالق طلاقا » أو « أنت الطلاق » أو « أنت طلاق » لم يقع الطلاق بشي‌ء من ذلك الا بقوله « أنت طالق طلاقا » إذا نوى ، ويكون قوله طلاقا تأكيدا.

__________________

(١) عبارة النسختين هنا مشتبهة في بعض كلماتها فراعينا الأصح منها بحسب المعنى.

٢٧٦

وإذا كتب بطلاقها ولم يتلفظ به ولم ينوه لم يقع طلاق ، فان تلفظ به وكتبه ، وقع باللفظ إذا كان معه النية للفرقة ، فإن كتب ونوى ولم يتلفظ بذلك : لم يقع به طلاق هذا إذا كان قادرا على اللفظ ، فان لم يكن قادرا على ذلك ونوى الطلاق ، وقع طلقة واحدة بغير زيادة عليها.

فان خيرها في الطلاق مثل ان يقول لها : « جعلت أمرك إليك » أو « أمرك بيدك » أو « طلقي نفسك » لم يقع به طلاق.

والوكالة في الطلاق جائزة مع الغيبة دون الحضور ، فاذا وكل في ذلك ، جاز للوكيل ان يطلق في الحال ، ويجوز له ان يؤخر ذلك.

وإذا قال لزوجته قبل دخوله بها : « أنت طالق ثلاثا » وقع من ذلك واحدة بائنة فإن قال لها وهي غير مدخول بها : « أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق » فإنها تطلق بالأولى فتبين بها ، ولا يلحقها طلقة ثانية ، ولا ثالثة بغير خلاف.

وإذا قال لها : « أنت طالق غرة شهر رمضان ، أو رأس الهلال ، أو نصف الشهر ، أو في انسلاخه » أو ما جرى مجرى ذلك ، لم يقع به طلاق.

وإذا قال لها : « كلما طلقتك فأنت طالق » ثم قال لها : « أنت طالق » طلقت طلقة واحدة بقوله أنت طالق بالمباشرة ، (١) ولم يقع بالصفة شي‌ء آخر.

وإذا قال لها : « كلما وقع عليك طلاقى ، فأنت طالق » ثم قال لها : أنت طالق » فإنها تطلق واحدة بالمباشرة لا غير.

وإذا قال لغير المدخول بها « أنت طالق طلقة بعدها طلقة » طلقت طلقة بائنة. ولا يقع بها طلقة أخرى ، لأنها بانت بالأولى. فإن قال : « أنت طالق طلقة قبلها طلقة » وقعت طلقة واحدة (٢) بالمباشرة ، ولا تقع التي قبلها.

__________________

(١) اى بدون تعليقة بصفة كقوله كلما طلقتك وحكى في المبسوط عن بعض العامة انه يقع حينئذ طلقتين إحداهما بالمباشرة والأخرى بالصفة وحكى عنهم أيضا انه في الفرع التالي يقع ثلاثا.

(٢) فيه إشكال لأنها معلقة بوقوع طلاق قبلها وهو غير حاصل مع ان التعليق

٢٧٧

وإذا قال : « أنت طالق ، أنت طالق » ونوى الإيقاع ، وقعت واحدة ، ولم يقع ما زاد عليها سواء كان مدخولا بها ، أو غير مدخول بها ، الا انها تكون بائنة في غير مدخول بها كما قدمناه ، ولم يقع بها بعد ذلك شي‌ء ، وان كانت مدخولا بها ، فالأولى طلقة ، ويسأل عن الثانية والثالثة ، فإن قال أردت تأكيد الأولى بها ، قبل ذلك منه ، ولم تقع الا طلقة كما ذكرناه ، لان الكلام يؤكد بالتكرار ، وان قال غير ذلك ، لم يلتفت اليه ولم يقع غير واحدة.

وإذا أكره الرجل على الطلاق فتلفظ به ، ليدفع به المكروه عن نفسه ، لم يقع طلاقه.

وإذا زال عقله بمرض أو جنون أو سكر ببنج ، أو شي‌ء من الأدوية ، أو شي‌ء من المسكرات ، أو ما أشبه ذلك ، لم يقع طلاقه.

وإذا قال له إنسان : « فارقت زوجتك » فقال « نعم » لزمه طلقة واحدة بإقراره لإيقاعها ، فان قال : أردت بقولي « نعم » إقرارا منى بطلاق كان منى قبل هذه الزوجية فان صدقته الزوجة ، كان الأمر على ما حكاه ، وان كذبته ، كان عليه البينة ، فان لم يكن له بينة ، كان القول قوله مع يمينه (١).

وإذا قيل له : « خليت امرأتك » (٢) أو قيل له « ألك زوجة » فقال : « لا » لم يكن ذلك طلاقا ، وإذا قال لها : « أنت طالق هكذا » مشيرا بإصبع ، فطلقت طلقة واحدة ، فإن أشار إليها بإصبعين ، أو أكثر كان مثل إصبع واحدة سواء.

وإذا قال لها : « أنت طالق واحدة في اثنتين » (٣) وقصد الإيقاع ، وقعت واحدة ،

__________________

غير جائز عند المصنف مطلقا كما تقدم لكن الظاهر ان المراد هنا تنجيز الطلاق في الحال بإضافة طلاق آخر قبله أو بعده والله العالم.

(١) مقتضى المقابلة ان يكون القول قولها مع يمينها لكن للمقام خصوصية تقتضي ان يكون قوله كما صرح به في المبسوط.

(٢) الصواب هنا « فقال نعم » كما في المبسوط.

(٣) في نسخة ( ب ) « أو اثنتين » والأول أصح كما هو صريح المبسوط حيث حكى فيه عن العامة تفصيلا مترتبا على ذلك.

٢٧٨

سواء كان من أهل الحساب أو لم يكن.

وإذا قال لها : « أنت طالق واحدة لا يقع عليك » لم يقع بها طلقة لفقد النية للإيقاع.

وإذا قال لها : « أنت طالق أولا؟ » لم يقع به طلاق بغير خلاف ، لأنه استفهام.

وإذا قال لها : « أنت طالق اثنين » (١) وقعت طلقة في الحال ، بقوله أنت طالق إذا نوى الفرقة ، وما عدا ذلك لغو.

وإذا قال لها : « أنت طالق نصف تطليقة أو ثلث تطليقة » لم يقع طلاق جملة ، وكذلك إذا قال : « أنت طالق نصف طلقة أو ثلث طلقة أو سدس طلقة » وما جرى مجرى ذلك ، لم يقع منه طلاق ، وإذا قال : « أنت طالق وطالق وطالق » وقعت الأولى إذا نوى الإيقاع ، ولم يقع ما زاد على ذلك.

وإذا كان له اربع زوجات ، فقال لهن : « أوقعت منكن (٢) طلقة واحدة » لم يقع شي‌ء ، فان قال لهن. أوقعت منكن طلقة واحدة واحدة ، لم يقع أيضا شي‌ء ، فان قال لهن : أوقعت بينكن اربع تطليقات ، ونوى طلقة كل واحدة منهن ، طلقت (٣) كل واحدة منهن.

وإذا قال أنت طالق ثلاثا الا طلقة ، أو قال الا طلقتين. أو قال أنت طالق ثلاثا الا اثنتين ، أو قال أنت طالق ثلاثا الا اثنتين إلا واحدة إذا نوى الفرقة أو لم ينو لم يقع شي‌ء ، (٤) وكذلك إذا قال « أنت طالق خمسا الا اثنتين » وكل ما جرى مجرى

__________________

(١) في نسخة ( ب ) « أمس » تصحيحا وهو محتمل.

(٢) الظاهر « بينكن » وكذا فيما بعده.

(٣) مقتضاه ان يكون القول المذكور من صريح الطلاق وهو مناف لما تقدم في أول الباب من ان لفظه الصريح ما اشتمل على كلمة طالق مفردا أو جمعا كأنتن طوالق الا ان يحمل ما تقدم على المثال لكل ما هو صريح في الإيقاع به في الحال كقوله طلقتك كما يظهر ذلك من المبسوط هناك.

(٤) يعنى ولو واحدة ولعله لعدم صراحة اللفظ في هذه الأمثلة في الطلاق لمكان

٢٧٩

ذلك ، فإنه لا يقع إلا واحدة مع النية.

والاستثناء (١) إذا دخل معه في الطلاق ، لم يقع معه طلاق ، ولو كان شرطا لم يقع ذلك معه ، كما قدمناه لكنه (٢) انما يرد لايقاف الكلام عن النفوذ ، ولو كان شرطا لوجب ، وإذا (٣) قال : « أنت طالق ان لم يشاء الله ان تطلق » لأنا نعلم انه تعالى لا يشاء الطلاق ، لأنه مباح. وهو تعالى لا يريد المباح عند أكثر مخالفينا ، فدل ذلك على ما ذكرناه من انه ليس بشرط ، وانما هو لإيقاف الكلام عن النفوذ.

« باب أقسام الطلاق »

« ولواحقه ، وما يتعلق بذلك »

الطلاق ضربان : أحدهما طلاق السنة ، والأخر طلاق العدة ، وينقسم ذلك أقساما : وهو طلاق المدخول بها وهي ممن تحيض ، وطلاق التي لم يدخل بها وهي

__________________

الاستثناء لكن الفرق حينئذ بينها وبين المثال التالي حيث ذكر فيه وقوع الواحدة مع النية غير واضح كما صرح في المبسوط بوقوعها في الجميع والمظنون ان في العبارة هنا سقطا وصوابها « يقع واحدة إذا نوى الفرقة وان لم ينو لم يقع شي‌ء » كما يشهد له أيضا قوله : وكذلك

(١) الظاهر ان المراد استثناء مشيئة الله بقوله : ان شاء الله أو الا ان يشاء الله ولما كان هذا محتملا لكونه شرطا ذكر انه لا يقع الطلاق معه أيضا كما قدمه بل زاد عليه هنا انه على تقدير وقوعه مع الشرط ليس هذا شرطا حقيقة لأنه يرد في الكلام لإيقافه عن النفوذ.

(٢) في نسخة ( ب ) بد لا عن بعض النسخ « لأنه » وهو غير ظاهر.

(٣) الواو هنا زائدة ولفظة « إذا » متعلقة بقوله لوجب وجواب « لو » قوله « ان تطلق » وبعض كلمات المتن في النسختين مشتبهة صححتها على ما ترى برعاية المعنى وملاحظة المبسوط.

٢٨٠