المهذّب

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

المهذّب

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

« باب مكاتبة العبدين »

إذا كان لإنسان مملوكان فكاتبهما مكاتبة واحدة على الف درهم وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه كان جائزا ، فإن أدى أحدهما جميع المال ( الالف ـ خ ل ) عتقا جميعا ورجع بحصته على صاحبه؟ فان كانت قيمتهما سواء فأدى أحدهما شيئا ـ عاد بنصفه على الأخر وان كانت قيمتهما مختلفة عاد على صاحبه بقسط ما ادى من قيمته.

وإذا كاتب العبد سيده على نفسه وعلى عبد للسيد غائب ، بألف درهم كان جائزا فإن أدى المال عتقا ولا يرجع على الغائب بشي‌ء لأنه لم يأمره بذلك وانما تطوع بفعل ذلك ، ولو أراد السيد بيع الغائب لم يكن له ذلك.

وإذا كان لاثنين مملوكان فكاتباهما معا بمائة دينار فكل واحد منهما مكاتب بحصته لصاحبه؟ وإذا كاتب عبدين مكاتبة واحدة فعجز أحدهما فقدمه الى الحاكم فرده الحاكم في الرق والحاكم غير العالم بمكاتبة الأخر معه ثم ان الأخر أدى جميع المكاتبة في أوقات لا يعجز فيها؟ فان العبدين يعتقان ، لان عجز الأول كان باطلا ولا يكون الا عجزهما معا؟ لأن المكاتبة واحدة.

وإذا كاتب إنسان حر على عبد لغيره فادى المكاتبة ولم يأمره العبد بذلك فهو متطوع وليس له رجوع بالمال على سيد العبد ولا على العبد.

وإذا كاتب اثنان عبدا لهما مكاتبة واحدة وغاب أحدهما وقدم الأخر العبد الى الحاكم وقد عجز لم يرده في الرق حتى يجتمع السيدان.

وإذا كاتب (١) إنسان عبدين كتابة واحدة ، فمات أحدهما قيل للثاني : اما ان تختار ان تؤدى باقي الكتابة عنك وعن صاحبك ، واما ان تكاتب عن نفسك كتابة

__________________

(١) هذه المسئلة الى قوله لأنه في‌ء ، مشتبهة في النسخ الموجودة وأوردها في المختلف عن المصنف سليما فصححت منه المتن ثم ان الظاهر كما في المختلف وحكى نحوه الخلاف والمبسوط انه تبطل كتابة الميت ويسقط نصيبه من مالها ويبقى كتابة الأخر بما يتقسط عليه كما في البيع ونحوه.

٣٨١

جديدة فأيهما اختار كان له ذلك وان كان المتروك (١) مالا فيه وفاء بقسطه من الكتابة أخذه السيد من الكتابة وكان على الباقي (٢) ما بقي من قسطه منها؟ وكذلك : إذا ارتد أحدهما ولحق بدار الحرب فحكم بلحاقه أو قتل على ردته ، وان كان ما ترك الميت فيه وفاء بجميع الكتابة فإن السيد يأخذ من ذلك جميع الكتابة ويعتقان معا وترجع ورثته على الحي بحصته وبقية ذلك ميراث لهم فان كسب مالا في دار الحرب وظهر المسلمون عليه لم يرجع المؤدي (٣) في ذلك بشي‌ء لأنه في‌ء.

وإذا كاتب الشريكان في العبد ، عبدهما ثم أعتق أحدهما نصيبه ومات وليس له وارث من ذوي أرحامه كان المال بينهما نصفين وان كاتباه ولم يشترطا عليه ان يكون أداء الكتابة لهما جميعا (٤) جاز له ان يدفع جزء (٥) كل واحد منهما الى صاحبه على الانفراد ، وكان لكل واحد منهما ما أخذ منه ولا يشركه فيه غيره؟ فان عجز عن نجومه وقد كاتبه كل واحد منهما مكاتبة على حدة في حصته فأراد أحد الشريكين تعجيزه ورده في الرق وقد شرط عليه ذلك وأراد الأخر إنظاره كان كل واحد منهما محكما في حقه.

وإذا كاتب العبد سيده عن نفسه وعن أولاد له صغار وقد شرط السيد عليه انه

__________________

(١) اى ما تركه العبد الميت من المال لمكاتبته.

(٢) اى العبد الأخر وفي نسخة ( ب ) « على الثاني » وهو أظهر فيما ذكر

(٣) كذا في النسخ والمختلف فالمراد به العبد الأخر إذا أدى كتابة الأول بعد ارتداده ولحوقه بدار الحرب فيعلم منه انه إذا أداها بعد ذلك قبل غلبة المسلمين عليه جاز له الرجوع اليه بما اداه ويحتمل ان يكون الصواب « لم يرجع المولى » مع ان التعليل المذكور شامل له أيضا.

(٤) أي لم يشترطا عليه التساوي فيما يؤديه إليهما بان لا يخص أحدهما بشي‌ء من مال الكتابة.

(٥) أي بعضا مما يؤديه في وقته من الكتابة وفي المختلف عن المصنف في هذه المسئلة « حق كل واحدهما منهما ».

٣٨٢

ان عجز رد في الرق ، فعجز قبل بلوغ الأولاد أو بعد رد في الرق وكان ذلك ردا للولد ، فان قالوا بعد ذلك نحن نسعى في المكاتبة كان ذلك الى سيدهم ان أراد إجابتهم الى ذلك أجابهم وان لم يرد إجابتهم كان ذلك اليه.

« باب مكاتبة المريض »

إذا كاتب مريض عبده ، في حال مرضه مكاتبة مثله ، وأقر باستيفائه في حال المرض لم يصدق فيما جاوز الثلث؟ ولو كان عليه دين يحيط بماله لم يصدق في شي‌ء الا ان العبد يعتق ويؤخذ بالكتابة ، فإن ثبت للعبد بينة بأنه قد وفاه الكتابة في مرضه ، عتق.

وكذلك : إذا أقر المريض في حال مرضه انه قد كان كاتبه في [ صحته ] واستوفاها منه لم يصدق فيما جاوز الثلث بعد الدين الا ان يثبت للعبد بينة على ذلك فان كاتبه في صحته وعلم ذلك ثم أقر في مرضه بالاستئفاء صدق.

وإذا اوصى فقال كاتبوا على عبدي على كذا مبلغ عينه الى أجل كذا ان أنا مت وذلك كتابة مثله جاز ان خرج من الثلث فان لم يكن له مال غيره قيل له ان شئت تعجل الثلثين وتؤخر الثلث فذاك؟ وكذلك : ان حط عنه من المكاتبة شيئا يكون أكثر من الثلث وإذا لم يعجل ثلثي الكتابة وليس للميت مال غيره بطلت الكتابة عن الثلثين وصحت في الثلث بالقسط في النجوم.

فان كانت الكتابة على دون القيمة مما يتجاوز قدر الثلث شيئا وفي خمس مأة مأة (١) فكاتبه على مأتين ، فإن أدى ثلثي قيمته معجلة عتق والا عتق ثلثه واسترق ثلثاه.

وإذا اوصى بأن يوضع كتابة عبده الذي كاتبه فهي كوصية بعتقه يعتق ان كان

__________________

(١) كذا في نسختي الأصل و ( ب ) وكان فيه سقطا أو تحريفا ولم اهتد بالمراجعة إلى المبسوط وغيره الى صوابه فتأمل.

٣٨٣

الثلث يحتملها أو ما احتمل منها ويسعى فيما بقي عليه.

وإذا كاتب عبده وقد حضره الموت وكان الثلث يحتمله ، واوصى بوصايا وليس في الثلث فضل عن قيمة العبد بدء بالكتابة ثم جعلت في الوصايا بالقسط الا ان يختار الورثة ان يؤدوا الوصايا ويكون مال الكتابة لهم ، فان اختاروا تسليم العبد بالوصايا كان ذلك لهم فان مات العبد لم يكن لأصحاب الوصايا رجوع على الوارث بشي‌ء.

وإذا اوصى للعبد بنجم من نجومه غير معين كان للورثة ان يختاروا اى نجم شاءوا ويعتق منه بقدره ان لم يكن اشترط رقه فان جعل الاختيار في ذلك الى العبد كان له ان يختار اى نجم شاء.

وإذا اوصى فقال ضعوا عنه ثلث كتابته وضع عنه ثلث الأصل لا ثلث الباقي؟فإن امتنع العبد من قبول الوصية بذلك لم يجز ، لأنه بمنزلة العتق له أو لبعضه الذي ليس للعبد فيه اختيار على سيده.

وإذا اوصى بمكاتبة الذي يأخذ (١) من نجومه شيئا لرجل وحصل الثلث قدره صار رقا للموصى له به ان كان الرجوع مشروطا عليه في الرق ، فان كانت الوصية بمال الكتابة دون رقبته فعجز ، كان رقه للوارث دون الموصى له به ، فان قال كتابته لزيد فان عجز فرقبته لعمرو جاز ذلك.

وإذا مات السيد لم يبطل موته الكتابة ما كان المكاتب ساعيا في نجومه وادى ذلك الى الورثة ويعتق بالوفاء.

__________________

(١) في نسخة ( ب ) تصحيحا « لم يأخذه » وزاد في الهامش تصحيحا بعد قوله قدره « جاز ذلك وإذا اشترط على الموصى له به ان لا يقطعه عن كتابته فان عجز وقد مضى برقبته له » وعلى كل ففي المبسوط والشرائع ان الوصية برقبة المكاتب لا تصح لنقص الملك الا ان يوصى بها على تقدير العجز عن الأداء ولعله مراد المصنف هنا والله العالم.

٣٨٤

وإذا مات السيد وابنته (١) تحت النكاح الذي شرط عليه الرق عند عجزه فإنه يمنع من وطأها فإن أدى كانا على النكاح ، وإذا كان على الميت دين يحيط بالكتابة فأخذ المكاتب مال الكتابة وقسمه على الغرماء ودفع الى كل ذي حق حقه منه كان جائزا.

وإذا كان له عبد فكاتبه في حال صحته ثم أعتقه في المرض وليس له مال سواه سعى ان شاء في ثلثي قيمته وان شاء في ثلثي ما عليه.

« باب المكاتبة الفاسدة »

إذا كان لإنسان مملوك فكاتبه على ثوب لم يعين جنسه ، أو دار غير معلومة أو على قيمته (٢) دون غيرها كانت المكاتبة فاسدة فإن ادى الى سيده ثوبا ما ، لم يعتق وكذلك في الدار.

وان ادى قيمته فقد ذكر انه يعتق ، لان ذلك معين وان كانت المكاتبة في الأصل غير جائزة (٣) وليس يجرى ذلك مجرى الثوب وما جرى مجراه ، وإذا كاتب جاريته على الف درهم وشرط عليها ان يطأها ما دامت في كتابته كانت المكاتبة جائزة والشرط باطلا.

__________________

(١) في نسخة ( ب ) « وأثبته » لكن الصواب « وابنته » ووجه منعه من وطأها احتمال عجزه ورجوعه في الرق فتملك الابنة لزوجها كلا أو بعضها ان كان معها وارث آخر ولا يجوز لها التزوج بمملوكها ولكن إذا أدى مال الكتابة صار حرا وبقي النكاح.

(٢) اى المملوك

(٣) لم اعرف وجه عدم جوازها ان كانت قيمته معلومة إذ ليست القيمة إلا المال الذي يكون بمقدارها كما لم اعرف وجه حصول العتق بأدائها لو كانت المكاتبة غير جائزة إذا لو لم تجز كانت فاسدة فلا يلزم الوفاء بها على السيد ولم أجد المسئلة مذكورة في كتب الأصحاب.

٣٨٥

وإذا كاتبها على ان كل ولد تلده فهو له أو على ان تخدمه بعد العتق كان ذلك فاسدا.

وإذا كاتبها على الف وهي قيمتها على انها إذا أدت عتقت ، كان عليها الف آخر كان جائزا ، وإذا كاتبها على عبد لرجل لم يجز ذلك وكذلك كل ما عينه من مال غيره من عرض أو حيوان أو موزون أو مكيل أو ما أشبه ذلك.

وإذا كاتبها وهي حامل واستثنى ما في بطنها لم يجز ذلك ، فان كاتبته عما في بطنها دونها لم يجز أيضا.

وإذا كاتب عبده وشرط عليه انه ان ادى مال الكتابة ومات ، ورثه هو وولده؟أو شرط عليه شرطا يزيل عنه بعض أحكام الأحرار ويلحق به أحكام العبيد. كان ذلك باطلا.

وإذا كاتبه على نجوم معلومة وشرط عليه انه إذا أداها كان حرا بعد موت سيده كان ذلك باطلا :

« باب أحكام الجنايات »

« الواقعة من المكاتب بغيره أو من غيره به »

إذا جنى المكاتب على غيره فلا يخلو الغير من ان يكون هو سيده أو غير سيده فان كان هو سيده ، فلا يخلو من ان يكون الجناية على طرفه أو على نفسه ، فان كانت على طرفه فخصمه في ذلك السيد ، فان كانت عمدا كان له ان يقتص ، وان كانت خطأ كان له أخذ الدية؟.

فإن كانت على نفسه الوارث (١) وان كانت عمدا كان له المطالبة بالقصاص وان كانت خطأ كان له الدية؟ وان كانت عمدا واختار القصاص واقتص اما في الطرف أو النفس فقد استوفى حقه؟ وان كانت خطأ أو عمدا فعفا عن القود منها وجب الأرش

__________________

(١) الصواب « فخصمه الوارث فان كانت عمدا » كما في المبسوط

٣٨٦

ويتعلق برقبته وإذا تعلق الأرش برقبته فللمكاتب ان يفدى نفسه؟ لان ذلك يتعلق بمصلحته ، وإذا أراد ان يفدى نفسه فداها بأقل الأمرين من الأرض أو القيمة.

فإن كان في يده مال كان له ان يدفع ذلك منه ، لأنه من مصلحته ، وله صرف المال الذي في يده فيما يتعلق بمصلحته فاذا قبض السيد أو وليه منه أرش الجناية وبقي معه ما يؤديه من مال المكاتبة أداة في ذلك وعتق؟ وان لم يبق معه شي‌ء كان له ان يعجزه؟ فان لم يكن معه مال فقد اجتمع عليه حقان مال الكتابة وأرش الجناية فإن كان في يده ما يتم لهما دفعه وعتق ، وان لم يكن في يده ما يتم لهما كان للسيد تعجيزه فاذا عجزه انفسخت الكتابة ورجع الى مالكه وسقط الحقان معه ، لأنه لا يثبت للسيد على مملوكه مال.

وإذا كانت الجناية على غير سيده وكانت عمدا وجب القصاص؟ فان عفا وجبت الدية ، فان جنى خطأ وجب الأرش فإن اختار القصاص (١) كان له ذلك وان عفا تعلق (٢) برقبته ، والحكم في ذلك وفي جناياته خطأ واحد ، وله ان يفدى نفسه من الجناية بأقل الأمرين على ما قدمناه بغير زيادة على ذلك.

فان لم يكن معه ما يدفعه اليه كان للمجنى عليه ان يعجزه ويتبعه في الجناية؟لأنه قد تعلق برقبته حق وكان له بيع الرقبة في الجناية الا ان يريد السيد ان يفديه ويقره على الكتابة فيكون له ذلك؟ فاما ما يفديه به فقد تقدم ذكره. (٣)

وإذا جنى العبد المشاع (٤) للتجارة على أجنبي حر أو عبد وكانت الجناية

__________________

(١) أي في العمد

(٢) أي الدية

(٣) أي أقل الأمرين من الأرش أو القيمة

(٤) الصواب « المبتاع » والمراد ما إذا اشترى المكاتب عبدا للتجارة فجنى العيد المشترى على أجنبي ويأتي الكلام فيما إذا جنى على المكاتب نفسه

٣٨٧

عمدا كان عليه القصاص؟ فان عفا عنه فعليه الدية ، فإن كانت خطاء فالأرش فإن اختار السيد (١) ان يفديه كان له ذلك.

وإذا كاتب عبدا واجتمعت عليه حقوق من دين أو ثمن مبيع أو أرش جناية وما أشبه ذلك وكان في يده مال ، فاما ان لا يكون محجورا عليه أو يكون قد حجر عليه فان لم يكن حجر عليه وكانت الحقوق كلها حالة كان له ان يقدم ما شاء منها؟ لأنه مطلق التصرف وله ان يفعل ذلك؟ وان كان بعضها حالا وبعضها مؤجلا ، فأرش الجناية لا يكون الا حالا. وقد يكون مال الكتابة حالا : ويكون مؤجلا؟ فإن أراد الابتداء بقضاء الدين الحال ، جاز ويبقى المؤجل عليه؟ وان أراد تعجيل المؤجل (٢) لم يكن له ذلك : فإن أراد تعجيل مال الكتابة جاز لان ذلك يكون هو (٣) من سيده.

فان كان قد حجر على المكاتب وكان المال الذي في يده يعجز عن ديونه فاجتمعوا غرماؤه وسألوا الحاكم ان يحكم بالحجر عليه ، فان تصرفه بذلك ينقطع ويكون الأمر إلى الحاكم ويقسط ماله على قدر ما عليه من الحقوق فان لم يرضوا بذلك : وتشاحوا قدم صاحب الدين على المجني عليه وعلى السيد ، لان حقه يختص بالمال الذي في يده ، فاذا لم يدفع حقه اليه منه لم يرجع منه إليه شي‌ء آخر ، والسيد والمجني عليه يرجعان من حقهما إلى الرقبة؟ فإذا دفع الى صاحب الدين حقه ، وبقي

__________________

(١) لعل مراده بالسيد هنا العبد المكاتب حيث ان العبد المشترى ملك له كما يظهر ذلك أيضا من المبسوط فيما فرعه بعد ذلك عليه

(٢) اى من ديون الناس غير مال الكتابة.

(٣) في المبسوط « هبة من سيده » قال : تعجيل الدين المؤجل بمنزلة الزيادة فيه فهو كالهبة والعبد المكاتب لا يملك الهبة من الأجنبي فإن عجل مال الكتابة فهو هبة من سيده فيكون كالهبة بإذنه قلت ان كان المال الذي في يد العبد غير واف بجميع الحقوق كما هو ظاهر المصنف والشيخ فاذن السيد هنا لا يجدي لتقديمه لكونه تفويتا لحق غيره ممن كان دينه حالا كما ان ما ذكره أولا من جواز تقديم ما شاء من الحقوق الحالة لا يخلو من اشكال لان مقتضى العدل هو التقسيط وان لم يكن حجر عليه الحاكم فعلا.

٣٨٨

معه شي‌ء دفع الى المجني عليه وقدم على السيد ، لأنه يأخذ دينه بحق الجناية والسيد يأخذ حقه بالملك وحق الجناية مقدم على الملك؟ فاذا دفع حق المجني عليه وبقي شي‌ء دفعه الى السيد؟ فان لم يبق شي‌ء كان له تعجيزه واسترقاقه.

فان لم يبق بعد قضاء الدين مع المكاتب بشي‌ء ، كان للسيد والمجني عليه تعجيزه لان حق كل واحد منهما يتعلق بالرقبة وقد تعذر ذلك (١) فان اختار التعجيز انفسخت الكتابة وبري‌ء المكاتب مما عليه من المال وبقي حق المجني عليه متعلقا برقبته ويكون له بيعه في الجناية الا ان يختار سيده ان يفديه فيكون ذلك له.

وإذا مات المكاتب ومعه من المال مالا يفي بما عليه من الحقوق انفسخت الكتابة بموته وسقط حق السيد من المال ويعود رقبته الى ملكه ، ويسقط أيضا حق المجني عليه من الأرش ، لأنه كان متعلقا رقبته وقد فاتت وبقي الدين للمقر (٢).

واما البائع فيدفع ذلك المال الذي كان في يده فإن بقي منه شي‌ء كان للسيد لأنه كسب عبده.

فان لم يكن (٣) في يده مال وأنظره أصحاب الحقوق بحقوقهم حتى يكتسب ويدفع إليهم كان جائزا ، وليس ذلك بواجب عليهم ولهم الرجوع فيه متى أرادوا.

__________________

(١) كذا في النسخ والمبسوط ولعل المراد ان تعلق حقهما بالرقبة قد تعذر بدون التعجيز فيلزمه جواز التعجيز وعلى كل ، ظاهر المصنف هنا جواز التعجيز لكل من السيد والمجني عليه مستقلا وقد تقدم التصريح بذلك والمراد بالتعجيز في هذه الموارد هو الحكم بعجز المكاتب عن الاكتساب وأداء مال الكتابة ليعيده الى ما كان عليه قبل المكاتبة من الرق الكامل فيجوز له التصرف فيه بالبيع وغيره مما منع عنه بالمكاتبة.

(٢) في المبسوط « وبقي الدين للقرض والبائع فيدفع ذلك من المال الذي كان في يده » وكأنه الصواب هنا إذ لا يستقيم المعنى بدونه.

(٣) هذا راجع الى ما ذكره أولا في قوله : وإذا كاتب عبدا واجتمعت عليه حقوق.

٣٨٩

فان لم ينظروه وطالبوه بحقوقهم لم يكن لصاحب الدين تعجيزه ، لان حقه قبل التعجيز وبعده ثابت في ذمته؟ فاذن لم يكن له في تعجيزه فائدة ، فاما السيد والمجني عليه فلهما تعجيزه لأنهما يستفيدان بذلك فائدة وهي ان المجني عليه يبيع الرقبة في حقه والسيد يستردها الى ملكه فان عجزاه انفسخت الكتابة ويباع في الجناية ويقدم حق المجني عليه على حق السيد كما قدمناه.

وإذا وجب على المكاتب أروش عدة من جناياته على جماعة ، وكان في يده مال يفي بذلك ، دفع الأرش منه وبقي الحكم بينه وبين السيد ان ادى اليه مال الكتابة أعتق وان لم يرد ( يؤد ـ خ ل ) ذلك اليه كان له استرقاقه؟ وان لم يكن في يده مال كان للمجنى عليهم ان يعجزوه ويفسخوا المكاتبة ليعود الى الرق وبيع في حقوقهم ، فان كان ثمنه يفي بحقوقهم دفع الى كل واحد منهم قدر ما يصيبه منه ولا فرق في ذلك بين ان يكون قد جنى على جميعهم دفعة واحدة أو على واحد منهم بعد آخر وبعضهم قبل التعجيز وبعضهم بعده ، لان محل هذه اجمع الرقبة.

وإذا قطع المكاتب يد سيده عمدا وجب له القصاص؟ فان اختار ذلك كان له استيفاؤه في الحال؟ وان عفا على أرش وكانت (١) الجناية خطأ يوجب بها الأرش لم يكن له المطالبة به الى حال اندمال الجرح.

وإذا كان للمكاتب عبيد فجنى بعضهم على بعض؟ فان كانت الجناية ـ موجبة للمال ، بان يكون خطاء أو شبيه عمد فإنها تهدر ، وان كانت موجبة للقصاص كان له ان يقتص من الجاني ، لأن في ذلك مصلحة لملكه؟ وذلك : بان يؤثر (٢)

__________________

(١) الصواب « أو كانت » كما تقدم نحوه.

(٢) كذا فيما عندي من النسخ وظاهره ان إيثار بعضهم على بعض هو المصلحة المقتضية للقصاص وهذا لا يخلو من تكلف وفي نسخة المبسوط المطبوعة جديدا « ان لا يتوثب بعض عبيده على بعض » وهذا أظهر لكن لفظة « لا » مكتوبة فيما بين القوسين إشارة إلى انها في بعض النسخ أو من المصحح.

٣٩٠

بعض عبيده على بعض ، فان اقتص جاز وان عفا سقط القصاص؟ الا انه لا يجب له مال لان السيد لا يستحق مالا على عبيده.

وإذا كاتب عبدا وجنى المكاتب جناية خطأ أو جناية عمد وعفى عن القصاص فيها ، كان الأرش متعلقا برقبته لأنه بمنزلة العبد القن في حكم الجناية؟ وإذا كان في يده مال جاز ان يدفع منه الأرش الذي عليه ويفدى نفسه لان ذلك من مصلحته؟.

فإن أعتقه السيد مضى عتقه وكان على السيد ضمان أرش الجناية لأنه أتلف محل الأرش ومنعه من بيعه في الجناية فكان ضمان الأرش لازما؟ فإن أدى العبد مال الكتابة وعتق كان عليه ضمان الأرش لأنه أوقع العتق باختياره وقد كان يتمكن من تعجيز نفسه والامتناع من الأداء وعليه أقل الأمرين من أرش الجناية أو القيمة.

وإذا جنى المكاتب جنايات تعلق أرشها برقبته فأعتقه سيده فلزمه ضمان الجنايات أو أدى المكاتب المال فعتق فلزم ضمانها ، كان اللازم له من ذلك الأقل من أروش الجنايات كلها أو القيمة لأن الاروش كلها تعلقت برقبته ، فلما أعتقه سيده منع من بيعه في الجنايات كلها للذي (١) وجد منه ، وكذلك (٢) : الإعتاق حصل دفعة واحدة يلزمه (٣) الأقل من أروش الجنايات كلها أو القيمة.

وإذا جنى المكاتب جنايات عدة وعجزه سيده واعاده إلى الرق ، كان بمنزلة العبد القن وسيده مخير بين تسليمه ليباع في الجنايات أو يفديه فان اختار الفداء فداه بالأقل من قيمته أو أروش الجناية.

وإذا ابتاع المكاتب عبدا للتجارة فجنى هذا العبد على المكاتب جناية خطأ أو عمد وعفا عن القصاص كانت الجناية هدرا ولا يجب له الأرش على العبد لان العبد ملكه؟ والسيد لا يستحق على رقبة مملوكه مالا على وجه من الوجوه ويجرى مجرى الحر

__________________

(١) اى للإعتاق الذي صدر منه.

(٢) لعل الصواب « وذلك الإعتاق ».

(٣) الصواب « فيلزمه ».

٣٩١

وإذا كان له عبد فأتلف عليه مالا فان ضمانه لا يثبت في ذمته؟

وإذا جنى على المكاتب وكانت الجناية على نفسه انفسخت الكتابة سواء كانت من سيده أو من غيره؟ فان كان القائل له غير سيده كان عليه القيمة لسيده والكفارة لله تعالى (١) فان كان القاتل ، السيد لم يكن عليه قيمة لأنه قد عاد الى ملكه بفسخ الكتابة (٢) والكفارة واجبة عليه ، وما يكون في يده من مال فهو لسيده إذا قتله السيد أو غير السيد لأنه ملكه ، وكان له ماله بحق الملك لا بالإرث.

فإن كانت الجناية على طرفه (٣) وكان حرا لم يجب عليه القصاص ، لان الحر لا يقتل بالعبد؟ (٤) وان كان عبدا كان عليه القصاص ، فاذا وجب الأرش في جناية الخطإ أو في جناية العمد إذا عفا عن القصاص فيها فإن الأرش للمكاتب لأنه من جملة الكسب وليس له المطالبة بالأرش إلا بعد اندمال الجرح؟ فان سرت الجناية إلى نفسه انفسخت الكتابة وعاد الى ملك سيده وما يكون في يده من مال فهو للسيد.

__________________

(١) يأتي في باب القصاص بيان هذه الكفارة في العمد والخطاء وكذا في باب الكفارات.

(٢) اى صار بحكم القن وقد ذكر المصنف في باب القصاص ان من قتل عبده القن فعليه التعزير والكفارة لكن في بعض النصوص انه يؤخذ منه القيمة ويتصدق به عن العبد كما عن جمع من الأصحاب مع ان في بطلان الكتابة بقتل المولى اشكالا وانما ورد النص به في موت المكاتب المشروط.

(٣) زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) « من سيده لم يقاص » عليه لان له عليه ملكا فان كان ضعيفا لم يلزمه الأرش وكان الجاني غير سيده » لكن صوابه كما في المبسوط : لان له عليه ملكا وان كان ضعيفا ويلزمه الأرش وان كان الجاني غير سيده.

(٤) أي إذا لم يقتل به لعدم المكافئة فلا قصاص في الطرف أيضا لذلك.

٣٩٢

« مسائل في المكاتبة »

إذا كان للمريض عبد فكاتبه في حال مرضه كانت المكاتبة صحيحة لأنه ملكه؟ فإن برأ من المرض لزمته الكتابة في جميع العبد لأن الكتابة تصرف منجز؟ وإذا تصرف فيه المريض وبرأ من مرضه لزمته؟ وان مات اعتبر ذلك : من الثلث فان احتمل ثلثه قيمة جميع العبد ، نفذ جميع المكاتبة في جميعه ، فإن أدى المال إلى الورثة عتق وان لم يحتمل الثلث جميعه فان لم يخلف الميت غيره ، فإن الكتابة تلزم في ثلثه ويبقى ثلثاه موقوفا على اجازة الورثة فإن أجازوه ، نفذت الكتابة في جميعه؟ وان لم يجيزوه بطلت في ثلثيه وبقيت في الثلث فإذا أدى إليهم ثلث المال عتق (١).

وإذا كان له عبد فكاتبه في صحته ثم مرض وأقرانه قبض مال الكتابة صح إقراره وعتق العبد ، لان المريض يملك القبض ويملك الإقرار به مثل الصحيح.

وإذا كان له عبد فكاتبه على دراهم ، ثم أبرأه عن دنانير أو كاتبه على دنانير ثم أبرأه عن دراهم كان ذلك باطلا لأن الذي يستحق عليه الدراهم فإذا أبرأه عن دنانير فقد أبرأه عما لا يستحقه ، فصار كما لو كان له على زيد حق فابرأ عمرا منه ، فإن أبرأه عن الف درهم وله عليه دنانير ، وقال أردت به دنانير قيمتها الف درهم (٢) الا قفيز حنطة ثم قال أردت إلا دراهم بقفيز حنطة ، فإنه يقبل فيكون قد استثنى قيمة القفيز من الألف فإن أبرأه عن الدراهم وله عليه دنانير ثم اختلفا فقال : سيده أردت به الدراهم على الإطلاق فقال المكاتب : بل أردت عن قيمة الدراهم من الدنانير كان القول ، قول السيد لأنه اختلاف في نيته وإرادته وهو اعلم بذلك من غيره.

__________________

(١) اى ثلثه ويظهر مما تقدم في باب مكاتبة المريض انه يسعى في الباقي

(٢) هنا سقط وهو كما في هامش نسخة ( ب ) والمبسوط « قبل منه ذلك وبرأت ذمته عن القدر الذي أراده لأنه أبرأه عما يستحقه فصح الإبراء كما إذا قال لزيد على الف درهم ».

٣٩٣

فان مات السيد واختلف المكاتب وورثته فيما ذكرناه كان القول قول الورثة لأنهم يقومون مقامه؟ وإذا قال السيد استوفيت آخر كتابة هذا العبد لم يبرأ العبد بهذا اللفظ من الإقرار على الإطلاق لأنه يحتمل استوفيت آخر ما بقي من مال الكتابة ويحتمل آخر ما حل عليه ويحتمل آخر نجومه؟ فاما إذا كان محتملا لم يقع البراءة بالشك لكن يرجع الى السيد فيستفسر عما أراده فبأي شي‌ء فسره قبل منه.

فان اختلف المكاتب وسيده؟ فقال سيده أردت اننى استوفيت آخر ما حل عليك؟ فقال المكاتب : بل آخر مال الكتابة كان القول قول السيد لأنه اعلم بما نواه وكذلك : ان مات السيد واختلف المكاتب وورثته؟ كان القول ، قول الورثة كمثل ما قدمناه.

فان قال استوفيت آخر كتابتك (١) ان شاء زيد لم يكن ذلك : إقرارا؟ ولا يتعلق به حكم لأنه علقه بصفة والإقرار لا يتعلق بالصفات كما لو قال لزيد على مأة درهم ان شاء زيد فإنه لا يتعلق به حكم.

وإذا كان له عبد فاوصى بكتابته كانت الوصية صحيحة؟ لأنها تتضمن القربة وهي العتق ويعتبر قيمة العبد الموصى بكتابته من الثلث؟ فان كان لم يوص لا بالكتابة فقط كان الثلث مصروفا إليها؟ وان كان اوصى بالكتابة وبغيرها من هبة ووصية بمال ومحاباة وعتق ، قدم العتق على غيره؟ وان اوصى بكتابة وغيرها من دون عتق قدمت الكتابة على غيرها.

وإذا كانت الكتابة مقدمة على غيرها فان الثلث يتوفر عليها وان احتمل قيمة العبد كوتب والزم الورثة بذلك؟ فان لم يجز العبد الكتابة لم يجبر عليها. فان رجع بعد ذلك وطلبها لم يجب إليها لأن حقه قد سقط بامتناعه ، وان اختارها وطلبها وكان الموصى أطلق الوصية ولم يقدر ما يكاتب عليه ، فإنه يكاتب على ما جرت العادة به

__________________

(١) زاد في هامش نسخة ( ب ) ( ان شاء الله لم يلزمه شي‌ء وان قال استوفيت آخر كتابتك ».

٣٩٤

في كتابة مثله؟ وان كان قدر ما يكاتب عليه فإنه يكاتب على ذلك القدر من غير زيادة عليه. فاذا كوتب وادي مال الكتابة كان المال غير محسوب من جملة التركة؟ بل يكون حقا خالصا للوارث ، هذا إذا كان قيمته يخرج من الثلث؟ فان لم يخرج ، فإنه يكاتب القدر الذي يحتمله الثلث.

وإذا كان له عدة من العبيد فاوصى بان قال كاتبوا عبدا من عبيدي ، كان للوارث ان يكاتب اى عبد اراده؟ ولا يجوز ان يكاتب امة لان اسم العبد لا يجرى عليها؟ فاذا قال كاتب امة من إمائي كان له ان يكاتب اى امة أراد ، ولا يجوز ان يكاتب عبدا لان اسم الأمة لا يجرى عليه.

وإذا قال كاتب عبدا من عبيدي وقد كان له خنثى قد حكم عليه بأنه رجل ، جاز ان يكاتبه؟ فان كان له خنثى قد حكم فيها بأنها أنثى ، فقال كاتب امة من إمائي جاز ان يكاتبها وإذا قال كاتب واحدا من رقيقي جاز ان يكاتب عبدا أو امة؟ لان اسم الرقيق يجرى عليهما فان كان له خنثى مشكل لم يكاتبها حتى يبين أمرها. (١)

وإذا كان له عبد فكاتبه ومات السيد ، لم ينفسخ الكتابة بموته لأنها لازمة من جهته ، فان كان مال الكتابة ينصرف الى ورثته وكانوا رشيدين بالغين عقلا ، والمال لهم وكانوا واحدا ، أسلم المكاتب اليه المال؟ وان كانوا جماعة دفع الى كل واحد منهم حقه؟ فان دفع البعض الى بعض منهم لم يعتق (٢) ، فان سلم المال إلى الوصي لم يعتق لأن الورثة لا يولى عليهم لأنهم من أهل الرشد والوصية لا تصح في حقوقهم

وان كانوا غير رشيدين أو كانوا أطفالا أو مجانين وكان لهم جد ، كان هو الناظر في أمورهم ، فلا تصح معه الوصية فإذا دفع المال اليه عتق؟ وان لم يكن جد

__________________

(١) الظاهر ان المراد ما إذا قال كاتب عبدا أو امة دون ما إذا قال رقيقا لان اسم الرقيق يجرى على المشكل أيضا فلعل هذه الجملة قبل ذلك

(٢) وكذا إذا دفع الكل الى بعضهم كما يأتي نحوه في الدفع إلى الوصي ولعل لفظة « البعض » هنا زائدة لوضوح انه لا يعتق بدفع بعض المال مطلقا

٣٩٥

ووصى أبوهم الى من ينظر في أمورهم صح ذلك ويجب على المكاتب ان يدفع ذلك الى الوصي ان كان واحدا وان كانا اثنين وقد أوصى إليهما والى كل واحد منهما على الانفراد ، كان للمكاتب ان يدفع ذلك إليهما والى كل واحد منهما وان كان اوصى إليهما ولم يوص الى كل واحد منهما على الانفراد ، لم يجز ان يدفع الى أحدهما ولكن يدفع إليهما ، فإن دفع الى أحدهما لم يعتق لان الموصى إنما أوصى باجتهادهما ولم يوص باجتهاد واحد منهما وحده.

فان كان الورثة بعضهم صغارا وبعضهم كبارا ، قبض الكبار حقوقهم واما الصغار : فان الحاكم ينصب لهم أمينا فيدفع المكاتب اليه ذلك.

وإذا كان مال الكتابة ينصرف الى موصى له به وكان هذا الواحد (١) معينا كان الحق له؟ وان كان اوصى به لأقوام غير معينين مثل الفقراء والمساكين ، لم يجز للمكاتب ان يوصل المال إليهم بنفسه ، وعليه ان يسلمه إلى الوصي لأن الميت لم يرض باجتهاد المكاتب ، وانما يرضى باجتهاد الوصي.

فإن كان مال الكتابة ينصرف الى غرماء وقضاء ديون ، وكان السيد قد أوصى بأن يقتضي من مال الكتابة جاز للمكاتب تسليمه الى أصحاب الديون ويجوز ان يسلمه إلى الوصي وليس للوارث حقها هنا فيه؟ وان لم يكن قد وصى ، كان الحق للوارث والوصي معا فلا يجوز للمكاتب ان يدفعه الا بحضرتهما ورضاهما ، لأن للورثة حقا فيه وهو أخذهم المال ويقضوا الدين من عندهم.

وإذا كان له عبد فكاتبه على مال وكان مشروطا عليه وأراد سيده فسخ الكتابة ولم يكن قد حل على المكاتب نجم ، لم يجز له الفسخ ، وكذلك : ان كان قد حل عليه نجم ومعه ما يؤدى ولم يمتنع من الأداء.

فإن كان قد حل عليه المال ولم يكن معه ما يؤدى أو كان ذلك معه وامتنع من أدائه ، كان لسيده فسخ الكتابة فإن كان العبد حاضرا كان للسيد فسخ ذلك بنفسه

__________________

(١) لعل الصواب « واحدا معينا ».

٣٩٦

من غير حاجة الى الحاكم فان كان غائبا لم يكن لسيده فسخها بنفسه بل يرفع ذلك الى الحاكم ويثبت عنده ان له مالا على المكاتب وقد تعذر الأداء اليه فاذا فعل ذلك استحلفه الحاكم مع بينته وحكم له بالفسخ.

وإذا كاتب عبدا وحل عليه نجم فأظهر أنه عاجز عن أدائه فانظره سيده بذلك صح الانظار ولا يجبر على اختيار الفسخ فان رجع بعد ذلك الى المطالبة بالمال كان له ذلك ولم يجب عليه الفاضل (١) الذي بذله.

وإذا ادعى المكاتب على سيده انه ادى اليه مال الكتابة وأنكر السيد ذلك فشهد للمكاتب شاهد واحد ، فإنه يحلف ويحكم له بأدائه المال لأن الذي يثبت بهذه الشهادة قضاء المال ودفعه ، وذلك يثبت بشاهد ويمين.

وإذا كاتب عبده على عوض (٢) صح ذلك لان العوض يصح ان يكون في الذمة عن سلم ، فصح ان يكون ثمنا فإن أدى العوض على الصفة التي شرطت عليه ، وقع العتق في الظاهر؟ فان استحق العوض السيد ، (٣) استقر العتق للعبد وان خرج العوض مستحقا سلم الى صاحبه ويرتفع العتق لأن الكتابة عقد معاوضة فإذا دفع عوضا مستحقا كان ذلك الدفع لا تأثير له ووجوده كعدمه (٤).

فان قال لعبده إذا أعطيتني ثوبا من صفته كذا وكذا فأنت حر؟ فدفع اليه ثوبا

__________________

(١) الظاهر ان الصواب « التأجيل الذي بذله » كما في المبسوط ثم فيه أيضا :لان من كان عليه حق معجل فأجله لم يلزمه ذلك وقال بعضهم أي العامة يلزمه والأول أقوى عندي لأنه لا دليل على لزومه.

(٢) الصواب « عرض » بالراء المهملة وكذا في العبارات التالية غير الأخيرة وهو بفتح العين وسكون الراء غير الدرهم والدينار من الأمتعة كما في مصباح اللغة

(٣) الظاهر ان الصواب « فان استقر العرض للسيد »

(٤) فحينئذ ان تمكن العبد من الإتيان بعرض آخر على ما شرط عليه وقع العتق من بعده والا فللسيد تعجيزه ورده الى الرق

٣٩٧

على هذه الصفة وكان مستحقا فإنه لا يعتق لان تقرير (١) قوله ان أعطيتني ثوبا من صفته كذا وكذا يعني أملكه وانتفع به والمستحق لا يملكه ولا ينتفع به ، وهكذا : لو قال له ان أعطيتني هذا الثوب فأنت حر فغصبه وأعطاه فإنه لا يعتق بمثل ذلك.

وإذا اوصى بما في ذمة مكاتبه لإنسان ولآخر برقبته إذا عجز كانت الوصيتان صحيحتين فإن أدى مال الكتابة عتق ، ويكون ذلك المال للموصى له به فيبطل وصيته لآخر ، فان عجز نفسه واسترق ، سلمت الرقبة الى الموصى له بها ويطلب الأخر بالمال (٢) وإذا كاتب عبده كتابة فاسدة ثم اوصى بما في ذمته بطلت الوصية ، لأنه لا يملك شيئا في ذمته؟ فان قال إذا قبضت مال الكتابة فقد أوصيت لك به ، كانت الوصية صحيحة لأنه إذا قبض المال ملكه (٣) ، وما يأخذه من ذلك يملكه لأنه كسب عبده.

وإذا اوصى لإنسان فقال : أوصيت لك بما يعجله مكاتبى من مال الكتابة كانت الوصية صحيحة؟ فإن عجل مما عليه شيئا دفع ذلك الى الموصى له ، وان لم يعجل شيئا بل ادى المال كرها (٤) بطلت الوصية.

وإذا كان له عبد فكاتبه كتابة فاسدة ثم اوصى برقبته كانت الوصية صحيحة لأن ملكه لم يزل عن رقبته بالكتابة الفاسدة؟.

وإذا اوصى إنسان فقال ضعوا عن مكاتبى أكثر ما بقي عليه من مال الكتابة ، كان قد اوصى بوضع نصف ما عليه وزيادة لأن أكثر الشي‌ء ما زاد على نصفه ، فيلزم الوارث ان يضع عنه نصف مال الكتابة (٥) وزيادة على ذلك ما أراد من غير تحديد ومقدار.

__________________

(١) لعل الصواب « تقدير » كما في المبسوط

(٢) الصواب « وبطلت الأخرى بالمال » كما في بعض النسخ والمبسوط.

(٣) زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) « وان كان قبضه عن كتابة فاسدة لأنه أضاف الوصية إلى ملكه » وكذا في المبسوط.

(٤) لعل الصواب « نجوما » أو نحوه مما هو خلاف التعجيل وفي المبسوط « كرة » والله العالم.

(٥) ان لم يدفع منه شيئا الى الموصى والا فنصف ما بقي عليه وزيادة.

٣٩٨

فإن أوصى فقال ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه من مال الكتابة وقبل (١) نصفها ، كان اوصى بأن يوضع عنه ثلاثة أرباع مال الكتابة وزيادة على ذلك لان أكثر ما بقي عليه هو النصف وزيادة عليه فنصف ذلك الربع وزيادة عليه.

وإذا اوصى فقال : ضعوا عن مكاتبى ما شاء ، لم يجز ان شاء جميع ما عليه بل يبقى منه جزء وان قل.

وإذا اوصى فقال (٢) : ضعوا عنه الأوسط من نجومه فإن الأوسط يقع على الأوسط في العدد والأوسط في الأجل والأوسط في القدر ، فالأوسط في العدد : ان يكون النجم ثلاثة فيكون الثاني أوسطها؟ وفي الأجل ان يكاتبه على نجم الى شهر ونجم الى شهرين ونجم إلى ثلاثة أشهر ، فيكون أوسطها هو الذي إلى شهرين؟ والأوسط في القدر ان يكاتبه على نجم الى مأة ونجم الى مأتين ونجم الى ثلاث مأة ، فالذي الى مأتين أوسطها ، فإذا كان كذلك وكان في نجومه أوسط في القدر وأوسط في الأجل وأوسط في العدد استعملت القرعة في ذلك.

وإذا كاتب عبده على نجوم مخصوصة في أوقات مخصوصة (٣) فإذا أدى شيئا من النجوم أعتق بحسابه ، ولم يجز رده في الرق فان عجز فيما بعد عن مال الكتابة كان على الامام عليه‌السلام ان يؤدي عنه ما بقي عليه من سهم الرقاب؟ فاذا مات هذا المكاتب وخلف أولادا ومالا ، ورثه سيده بقدر ما بقي له من العبودية؟ وكان الباقي لولده ان كانوا أحرارا.

وان كان المكاتب رزق الولد بعد الكتابة من امة له ، كان حكم ولده حكمه

__________________

(١) الصواب « ومثل » أو هو بمعناه.

(٢) زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « ضعوا عن مكاتبى اى نجم شاء فأي نجم شاء وضع عنه. وإذا قال » قلت مر هذا الفرع وفروع أخر من الوصية في باب مكاتبة المريض.

(٣) اى ولم يشرط عليه الرد في الرق ان عجز كما تقدم في أول باب المكاتبة وهذا الفرع وما بعده تكرار له.

٣٩٩

في انه يسترق منه مولى أبيه بقدر ما بقي على أبيه فإن أدى الابن ما كان بقي على أبيه صار حرا ولم يكن للسيد سبيل عليه؟ فان لم يكن له مال استسعاه سيد أبيه فيما بقي على أبيه ، فإذا أداه صار حرا؟ وهذا المكاتب إذا أدى بعض مال الكتابة يرث ويورث بحساب ما عتق منه ويمنع الميراث ويحرم بقدر ما بقي من الرق.

وإذا فعل المكاتب ما يجب عليه الحد أقيم عليه بقدر ما عتق حد الحرية وما بقي منه رقا حد العبودية؟

وإذا جنى على غيره جناية عمد وكان المجني عليه حرا اقتص منه ، وان كان عبدا لم يقتص منه لان بعضه حر ولا قصاص بين الحر والعبد ، وان كان مكاتبا مثله فان كان تحرر منه مثل ما تحرر من الأخر أو أكثر جاز ان يقتص منه وان كان تحرر أقل مما تحرر من الأخر لم يقتص منه وان كانت الجناية خطأ فإنه يتعلق الأرش بمقدار ما تحرر منه بذمته ، ان كان المجني عليه حرا أو عبدا وبمقدار ما بقي منه رقا يتعلق برقبته ولسيده ان يفديه على ما تقدم ذكره.

وإذا جنى على هذا المكاتب وكانت الجناية عمدا والجاني حرا لم يقتص منه ، لان بعضه رق ولا يقتص لعبد من حر وان كان الجاني عبدا اقتص منه فان كان مكاتبا مثله وكان قد تحرر منه مثل ما تحرر من هذا أو دونه اقتص منه؟ وان كان قد تحرر من الجاني أكثر منه لم يقتص منه كما تقدم ذكره.

فان كانت الجناية خطأ كان فيها الأرش بمقدار ما تحرر منه من دية الحر وبمقدار ما بقي رقادية العبد.

وإذا كان الجاني حرا لزمه ذلك أو عاقلته ، وان كان عبدا تعلق ذلك برقبته ولسيده ان يفديه فان كان مكاتبا قد تحرر منه البعض تعلق بذمته مقدار ما تحرر منه وبمقدار ما بقي رقا برقبته.

وكل مكان ذكرنا انه يتعلق بذمته؟ فان كان في جناية عمد (١) فإنه يكون في ذمته ( رقبته ـ خ ل ) يطالب به من كسبه الذي بصيبه ، وان كان عن جناية خطأ

__________________

(١) أي فيما إذا عفى عن القصاص.

٤٠٠