مستدرك الوسائل - ج ١١

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]

مستدرك الوسائل - ج ١١

المؤلف:

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

أبيه ) (١) ، عن ابن عقدة ، عن محمّد بن سالم الأزدي ، عن موسى بن القاسم ، عن محمّد بن عمران البجلي قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : « من لم يجعل ( نفسه له ) (٢) من نفسه واعظاً ، فإنّ مواعظ الناس لن تغني عنه شيئاً » .

[ ١٢٦٥٣ ] ١٥ ـ وعن ابن الوليد ، عن أبيه ، عن الصّفار (١) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة الثّمالي قال : كان علي بن الحسين ( عليهما السلام ) يقول : « ابن آدم إنّك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك ، وما كانت المحاسبة لها من همّك ، وما كان الخوف لك شعاراً والحزن لك دثاراً » الخبر .

[ ١٢٦٥٤ ] ١٦ ـ الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول : عن الكاظم ( عليه السلام ) ، أنّه قال لهشام في خبر طويل : « عليك بالاعتصام بربّك والتوكّل عليه ، وجاهد نفسك لتردّها عن هواها ، فإنّه واجب عليك كجهاد عدوّك ، قال هشام : [ فقلت له : ] (١) فأيّ الأعداء أوجبهم مجاهدة ؟ قال : أقربهم إليك ، واعداهم لك ، وأضرّهم بك ، وأعظمهم لك عداوة ، وأخفاهم لك شخصاً مع دنوّه منك ، ومن يحرّض أعداءك عليك ، وهو إبليس الموكّل بوسواس القلوب فلتشتدّ عداوتك له ، ولا يكونن أصبر على مجاهدتك لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته ، فإنّه أضعف منك ركناً في قوّته ، وأقل منك ضرراً في كثر شرّه ، إذا أنت اعتصمت بالله ( ومن اعتصم

____________________________

(١) ما بين القوسين ليس في المصدر ، وقد ذكر البغدادي في تاريخ بغداد ج ٣ ص ٢٦ أنّ الجعابي يروي مباشرة عن ابن عقدة .

(٢) في المصدر : « لله له » .

١٥ ـ أمالي المفيد ص ٣٣٧ ح ١ ، وعنه في البحار ج ٧٠ ص ٦٤ ح ٥ .

(١) في المصدر : سعد بن عبدالله ، وكلاهما صحيح ، في ترتيب سلسلة السند ، فلاحظ .

١٦ ـ تحف العقول ص ٢٩٨ .

(١) أثبتناه من المصدر .

١٤١

بالله فقد هدي ) (٢) إلى صراط مستقيم » .

[ ١٢٦٥٥ ] ١٧ ـ وعن جابر الجعفي ، عن الباقر ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ أنّه قال : « إنّ المؤمن معنيّ بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها ، فمرّة يقيم أودها (١) ويخالف هواها في محبّة الله ، ومرّة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله فينتعش ، ويقيل الله عثرته فيتذكّر ، ويفزع إلى التّوبة والمخافة فيزداد بصيره ومعرفة لما زيد فيه من الخوف ـ إلى أن قال ـ ولا فضيلة كالجهاد ، ولا جهاد كمجاهدة الهوى » .

[ ١٢٦٥٦ ] ١٨ ـ وعنه ( عليه السلام ) ، أنّه قال لعبد الله بن جندب في كلام له : « واجعل نفسك عدوّاً تجاهدها وعارية تردها ، فإنّك قد جعلت طبيب نفسك ، وعرفت آية الصّحة وبيّن لك الدّاء (١) ودللت على الدّواء ، فانظر قيامك على نفسك » .

٢ ـ ( باب الفروض على الجوارح ، ووجوب القيام بها )

[ ١٢٦٥٧ ] ١ ـ العيّاشي في تفسيره : عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال : « إنّ الله تبارك وتعالى فرض الإِيمان على جوارح بني آدم وقسّمه عليها ، وليس من جوارحه جارحة إلّا وقد وكّلت [ به ] (١) من الإِيمان بغير ما وكلت به أُختها ، ومنها عيناه اللتان ينظر بهما ، ورجلاه اللّتان يمشي بهما ، ففرض [ على ] (٢) العين ألّا تنظر إلى ما حرّم الله عليه ، وأن

____________________________

(٢) في المصدر : « فقد هُديت » .

١٧ ـ تحف العقول ص ٢٠٧ و ٢٠٨ .

(١) الأود : الإِعوجاج ( لسان العرب ج ٣ ص ٧٥ ) .

١٨ ـ تحف العقول ص ٢٢٤ .

(١) في الطبعة الحجرية : « الدواء » وما أثبتناه من المصدر .

الباب ٢

١ ـ تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٩٣ ح ٧٧ .

(١) أثبتناه من المصدر .

(٢) أثبتناه من المصدر .

١٤٢

تغمض (٣) عمّا نهاه الله عنه ممّا لا يحلّ له وهو عمله ، وهو من الإِيمان ، قال الله تبارك وتعالى : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) (٤) فهذا ما فرض الله من غضّ البصر عمّا حرّم الله وهو عملها ، وهو من الإِيمان ، وفرض الله على الرّجلين ألّا يمشي بهما إلى شيء من معاصي الله ، وفرض عليهما المشي فيما فرض الله فقال : ( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ) (٥) وقال : ( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) (٦) » .

[ ١٢٦٥٨ ] ٢ ـ وعن الحسن بن هارون ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، في قول الله : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) (١) قال : « السّمع عمّا يسمع ، والبصر عمّا يطرف ، والفؤاد عمّا عقد (٢) عليه » .

[ ١٢٦٥٩ ] ٣ ـ وعنه ( عليه السلام ) ، في الآية المذكورة ، قال ( عليه السلام ) : « السّمع وما وعى ، والبصر وما رأى ، والفؤاد وما عقد عليه » .

[ ١٢٦٦٠ ] ٤ ـ محمّد بن إبراهيم النّعماني في تفسيره : عن أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة ، عن جعفر بن أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي ، عن اسماعيل بن مهران ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن اسماعيل بن جابر ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد الصّادق

____________________________

(٣) في المصدر : « تغض » .

(٤) الإِسراء ١٧ : ٣٦ .

(٥) الإِسراء ١٧ : ٣٧ .

(٦) لقمان ٣١ : ١٩ .

٢ ـ تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٩٢ ح ٧٥ .

(١) الإِسراء ١٧ : ٣٦ .

(٢) في المصدر : يعقد .

٣ ـ تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٩٢ ح ٧٤ .

٤ ـ تفسير النعماني ص ٦١ ـ ٦٧ ، وعنه في البحار ج ٩٣ ص ٤٩ .

١٤٣

( عليهما السلام ) ـ في خبر طويل ـ عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، أنّه قال : « فالإِيمان بالله تعالى هو أعلى الإِيمان (١) درجة ، وأشرفها منزلة ، وأسناها حظّاً ، فقيل له ( عليه السلام ) : الإِيمان قول وعمل أم قول بلا عمل ؟ فقال : الإِيمان تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان ، وهو عمل كلّه ، ومنه التّام الكامل تمامه ، والنّاقص البيّن نقصانه ، ومنه الزّائد البيّن زيادته ، إنّ الله تعالى ما فرض الإِيمان على جارحة واحدة ، وما من جارحة من جوارح الإِنسان إلّا وقد وكلت بغير ما وكلت به الأُخرى ، فمنها قلبه الّذي يعقل به ويفقه ويفهم ويحلّ ويعقد ويريد ، وهو أمير البدن وإمام الجسد ، الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلّا عن أمره ورأيه ونهيه ، ومنها اللّسان الّذي ينطق به ، ومنها أُذناه اللّتان يسمع بهما ، ومنها عيناه اللّتان يبصر بهما ، ومنها يداه اللتان يبطش بهما ، ومنها رجلاه اللّتان يسعى بهما ، ومنها فرجه الذي الباه (٢) من قبله ، ومنها رأسه الّذي فيه وجهه ، وليس جارحة من جوارحه إلّا وهي مخصوصة بفريضة ، ففرض على القلب غير ما فرض على اللّسان ، وفرض على اللّسان غير ما فرض على السمع ، وفرض على السمع غير ما فرض على البصر ، وفرض على البصر غير ما فرض على اليدين ، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرّجلين ، وفرض على الرّجلين غير ما فرض على الفرج ، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه ، وفرض على الوجه غير ما فرض على اللّسان .

فأمّا [ ما ] (٣) فرضه على القلب من الإِيمان الإِقرار والمعرفة ( والعقد عليه ) (٤) والرّضى بما فرض عليه ، والتّسليم لأمره ، والذكر والتّفكّر والإِنقياد إلى كلّ ما جاء عن الله عزّ وجلّ في كتابه ، مع حصول المعجز فيجب عليه اعتقاده ، وأن يظهر مثل ما بطن إلّا لضرورة ، كقوله تعالى :

____________________________

(١) في المصدر : الأعمال .

(٢) الباه : النكاح ( لسان العرب ج ١٣ ص ٤٧٩ ) .

(٣) أثبتناه من المصدر .

(٤) في المصدر : والعقل .

١٤٤

( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) (٥) وقوله تعالى ( لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) (٦) وقوله سبحانه : ( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا ) (٧) وقوله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (٨) وقال عزّ وجلّ : ( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (٩) ومثل هذا كثير في كتاب الله ، وهو رأس الإِيمان .

وأمّا ما فرضه على اللّسان ، فقوله عزّ وجلّ في معنى التفسير لما عقد عليه القلب فقوله تعالى : ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ) (١٠) الآية ، وقوله سبحانه : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) (١١) وقوله سبحانه : ( وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ) (١٢) فأمر سبحانه بقول الحقّ ونهى عن قول الباطل .

وأمّا ما فرضه على الأُذنين ، فالإِستماع إلى ذكر الله تعالى ، والإِنصات لما يتلى من كتابه ، وترك الإصغاء لما يسخطه ، فقال سبحانه : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (١٣) وقال تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) (١٤) الآية ، ثمّ استثنى برحمته موضع

____________________________

(٥) النحل ١٦ : ١٠٦ .

(٦) البقرة ٢ : ٢٢٥ .

(٧) آل عمران ٣ : ١٩١ .

(٨) محمد ٤٧ : ٢٤ .

(٩) الحج ٢٢ : ٤٦ .

(١٠) البقرة ٢ : ١٣٦ .

(١١) البقرة ٢ : ٨٣ .

(١٢) النساء ٤ : ١٧١ .

(١٣) الأعراف ٧ : ٢٠٤ .

(١٤) النساء ٤ : ١٤٠ .

١٤٥

النّسيان فقال : ( وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١٥) وقال عزّ وجلّ : ( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) (١٦) وقال تعالى : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) (١٧) وفي كتاب الله ما معناه : معنى [ ما ] (١٨) فرضه الله على السمع وهو الإِيمان .

وأمّا ما فرضه على العينين ، فهو النظر إلى آيات الله ، وغضّ النّظر عن محارم الله عزّ وجلّ ، قال الله تعالى : ( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ  * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) (١٩) وقال الله تعالى : ( أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ ) (٢٠) وقال سبحانه : ( انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ) (٢١) وقال : ( فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ) (٢٢) وهذه الآية جامعة لابصار العيون وابصار الظّنون ، قال الله تعالى : ( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (٢٣) ومنه قوله تعالى : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ) (٢٤) معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكّنه من النّظر إلى فرجه ، ثم قال سبحانه : ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ

____________________________

(١٥) الأنعام ٦ : ٦٨ .

(١٦) الزمر ٣٩ : ١٧ ، ١٨ .

(١٧) القصص ٢٨ : ٥٥ .

(١٨) أثبتناه من المصدر .

(١٩) الغاشية ٨٨ : ١٧ ـ ٢٠ .

(٢٠) الأعراف ٧ : ١٨٥ .

(٢١) الأنعام ٦ : ٩٩ .

(٢٢) الأنعام ٦ : ١٠٤ .

(٢٣) الحج : ٢٢ : ٤٦ .

(٢٤) النور ٢٤ : ٣٠ .

١٤٦

يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) (٢٥) أي ممّن يلحقهنّ النّظر كما جاء في حفظ الفروج ، فالنّظر سبب إيقاع الفعل من الزّنى وغيره ، ثم نظم تعالى ما فرض على السّمع والبصر والفرج في آية واحدة فقال : ( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ ) (٢٦) يعني بالجلود هنا الفروج وقال تعالى : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) (٢٧) هذا ما فرض الله تعالى على العينين ، من تَأمّل الآيات ، والغضّ عن تأمل المنكرات ، وهو من الإِيمان .

وأمّا ما فرضه الله سبحانه على اليدين فالطّهور ، وهو قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (٢٨) وفرض على اليدين الإِنفاق في سبيل الله تعالى فقال : ( أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ) (٢٩) وفرض الله تعالى على اليدين الجهاد ، لأنّه من عملهما وعلاجهما فقال : ( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ) (٣٠) وذلك كلّه من الإِيمان .

وأما ما فرضه الله تعالى على الرجلين ، فالسعي بهما فيما يرضيه ، واجتناب السعي فيما يسخطه ، وذلك قوله سبحانه : ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) (٣١) وقوله سبحانه : ( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ) (٣٢)

____________________________

(٢٥) النور ٢٤ : ٣١ .

(٢٦) فصلت ٤١ : ٢٢ .

(٢٧) الإِسراء ١٧ : ٣٦ .

(٢٨) المائدة ٥ : ٦ .

(٢٩) البقرة ٢ : ٢٦٧ .

(٣٠) محمد ٤٧ : ٤ .

(٣١) الجمعة ٦٢ : ٩ .

(٣٢) الإِسراء ١٧ : ٣٧ ، لقمان ٣١ : ١٨ .

١٤٧

وقوله : ( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ) (٣٣) وفرض عليهما القيام في الصّلاة فقال : ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) (٣٤) ثم اخبر أنّ الرّجلين من الجوارح التي تشهد يوم القيامة حتى تنطق ، بقوله سبحانه : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (٣٥) وهذا ممّا فرضه الله تعالى على الرجلين وهو الإِيمان .

وأمّا ما افترضه الله سبحانه على الرّأس ، فهو أن يمسح من مقدّمه بالماء في وقت الطهور للصّلاة ، بقوله : ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ) (٣٦) وهو من الإِيمان وفرض على الوجه الغسل بالماء عند الطّهور ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) (٣٧) وفرض عليه السّجود ، وعلى اليدين والركبتين والرجلين الرّكوع وهو من الإِيمان ، وقال فيما فرض على هذه الجوارح من الطهور والصّلاة ، وسمّاه في كتابه إيماناً حين فرض عليه استقبال القبلة في الصّلاة ، وسمّاه إيماناً حين تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، فقال المسلمون : يا رسول الله ذهبت صلاتنا إلى بيت المقدس وطهورنا ضياعاً ! فأنزل الله سبحانه : ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٣٨) فسمّى الصّلاة والطهور إيماناً ، وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من لقي الله كامل الإِيمان كان من أهل الجنّة ، ومن كان مضيّعاً لشيء ممّا افترضه الله تعالى على هذه الجوارح ، وتعدّى ما أمر الله به ، وارتكب ما نهى عنه ، لقي الله تعالى ناقص الإِيمان ، وقال الله عزّ وجلّ : ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ

____________________________

(٣٣) لقمان ٣١ : ١٩ .

(٣٤) البقرة ٢ : ٢٣٨ .

(٣٥) يس ٣٦ : ٦٥ .

(٣٦ ، ٣٧) المائدة ٥ : ٦ .

(٣٨) البقرة ٢ : ١٤٣ .

١٤٨

آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) (٣٩) وقال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) (٤٠) وقال سبحانه : ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) (٤١) وقال : ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) (٤٢) وقال : ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ) (٤٣) الآية ، ولو كان الإِيمان كلّه واحداً لا زيادة فيه ولا نقصان ، لم يكن لأحد فضل على أحد ، ولتساوي الناس في تمام الإِيمان ، وبكماله دخل المؤمنون الجنّة ونالوا الدّرجات فيها ، وبذهابه ونقصانه دخل آخرون النّار » الخبر .

[ ١٢٦٦١ ] ٥ ـ دعائم الإِسلام : روينا عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) ، أنّ سائلاً سأله عن أيّ الأعمال أفضل عند الله ؟ فقال : « ما لا يقبل الله عزّ وجلّ عملاً إلّا به » قال : وما هو ؟ قال : « الإِيمان بالله أعلى الأعمال درجة ، وأشرفها منزلة ، وأسناها حظّاً » قال السّائل له قلت : أخبرني عن الإِيمان ، أقول وعمل ، أم قول بلا عمل ؟ قال : « الإِيمان عمل كلّه ، والقول بعض ذلك العمل ، بفرض من الله بيّن في كتابه ، واضح [ نوره ] (١) ثابتة حجّته ، يشهد به الكتاب ويدعو إليه » قال : قلت : بيّن ذلك جعلني الله فداك حتّى أفهمه ، قال : « إنّ الإِيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل ، فمنه التّام المنتهي تمامه ، ومنه النّاقص البيّن نقصانه ، ومنه الرّاجح البيّن رجحانه » قال : قلت : إنّ الإِيمان لينتقص ويتمّ ويزيد ، قال : « نعم »

____________________________

(٣٩) التوبة ٩ : ١٢٤ .

(٤٠) الأنفال ٨ : ٢ .

(٤١) الكهف ١٨ : ١٣ .

(٤٢) محمد ٤٧ : ١٧ .

(٤٣) الفتح ٤٨ : ٤ .

٥ ـ دعائم الإِسلام ج ١ ص ٤ .

(١) أثبتناه من المصدر .

١٤٩

قال : قلت : وكيف ذاك ؟ قال : « لأنّ الله تبارك وتعالى فرض الإِيمان على جوارح بني آدم ، وقسمه عليها وفرقه فيها ، فليس من جوارحه جارحة إلّا وقد وكلت من الإِيمان بغير ما وكلت به اختها ، فمنه قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم ، وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلّا عن رأيه وأمره ، ومنها عيناه اللتان يبصر بهما ، وأُذناه اللّتان يسمع بهما ، ويداه اللّتان يبطش بهما ، ورجلاه اللّتان يمشي بهما ، وفرجه الذي الباه من قبله ، ولسانه الذي ينطق به ، ورأسه الّذي فيه وجهه ، فليس من هذه جارحة إلّا وقد وكلت من الإِيمان بغير ما وكلت به أُختها ، بفرض من الله يشهد به الكتاب ، ففرض على القلب غير ما فرض على السّمع وفرض على السمع غير ما فرض على اللّسان ، وفرض على اللّسان غير ما فرض على العينين ، وفرض على العينين غير ما فرض على اليدين ، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرّجلين ، وفرض على الرّجلين غير ما فرض على الفرج ، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه ، فأمّا ما فرض على القلب من الإِيمان ، فالإِقرار والمعرفة والعقد والرّضا ، والتّسليم بأنّ الله تبارك وتعالى ، هو الواحد لا إله إلّا هو وحده لا شريك له (٢) ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، والإِقرار بما كان من عند الله من نبيّ أو كتاب ، فذلك ما فرض الله على القلب من الإِقرار والمعرفة ، فقال عزّ وجلّ : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ ) (٣) الآية ، وقال : ( أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ ) (٤) الآية ، وقال : ( الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ ) (٥) الآية ، [ وقال عزّ وجلّ : ( إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ ) (٦) ] (٧) وقال : ( إِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ ) (٨) الآية ، فذلك ما

____________________________

(٢) في المصدر زيادة : إلهاً واحداً أحداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً .

(٣) النحل ١٦ : ١٠٦ .

(٤) الرعد ١٣ : ٢٨ .

(٥) المائدة ٥ : ٤١ .

(٦) النساء ٤ : ١٤٩ .

(٧) أثبتناه من المصدر .

(٨) البقرة ٢ : ٢٨٤ .

١٥٠

فرض الله على القلب من الإِقرار والمعرفة ، وهو عمله وهو رأس الإِيمان ، وفرض على اللّسان القول والتعبير عن القلب ما عقد عليه وأقر به ، فقال تبارك وتعالى : ( قُولُوا آمَنَّا ) (٩) الآية ، وقال : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) (١٠) وقال : ( وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) (١١) وقال : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ) (١٢) وأشباه ذلك ممّا أمر الله عزّ وجلّ بالقول به ، فهذا ما فرض الله عزّ وجلّ على اللّسان وهو عمله ، وفرض على السّمع (١٣) أن يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّم الله وما لا يحلّ له ، (١٤) وهو عمله وذلك من الإِيمان ، ( وفرض على العينين غضّ البصر عمّا حرّم الله وهو عملهما ) (١٥) ، وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرّم الله ، وأن يغضّ عمّا نهى الله عنه ممّا لا يحلّ له وهو عمله ، وذلك من الإِيمان ، وقال تبارك وتعالى : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (١٦) من أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه ، ويحفظ فرجه من أن ينظر إليه أحد ، ثمّ قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : كلّ شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزّنى ، إلّا هذه الآية فهو من النّظر ، ثم نظم ما فرض الله على القلب واللّسان والسّمع والبصر في آية واحدة فقال : ( وَلَا تَقْفُ ) (١٧) الآية ، وقال : ( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ ) (١٨) الآية ، يعني بالجلود [ الفروج ] (١٩) والأفخاذ ، فهذا ما

____________________________

(٩) البقرة ٢ : ١٣٦ .

(١٠) البقرة ٢ : ٨٣ .

(١١) الأحزاب ٣٣ : ٧٠ .

(١٢) الكهف ١٨ : ٢٩ .

(١٣) في المصدر زيادة : الإصغاء إلى ما أمر الله به ، و .

(١٤) سقط من هنا كلام طويل ، راجع المصدر .

(١٥) ما بين القوسين ليس في المصدر .

(١٦) النور ٢٤ : ٣٠ .

(١٧) الاسراء ١٧ : ٣٦ .

(١٨) فصلت ٤١ : ٢٢ .

(١٩) أثبتناه من المصدر .

١٥١

فرض الله على العينين من غضّ البصر عمّا حرّم الله ، وهو عملهما وهو من الإِيمان ، وفرض على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرّم الله ، وأن تبطشا إلى ما أمر الله به ، وفرضه عليهما من الصّدقة وصلة الرّحم ، والجهاد في سبيل الله ، والطّهر للصلوات ، قال الله عزّ وجلّ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ ) (٢٠) الآية ، وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (٢١) الآية ، وقال : ( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ) (٢٢) الآية ، فهذا أيضاً ممّا فرض الله على اليدين ، لأنّ الضّرب من علاجهما ، وفرض على الرّجلين [ المشي إلى طاعة الله و ] (٢٣) أن لا يمشي بهما في شيء من معاصي الله ، وأن تنطلقا إلى ما أمر الله به ، وفرض عليهما من المشي فيما يرضي الله عزّ وجلّ ، فقال في ذلك : ( وَلَا تَمْشِ ) (٢٤) الآية ، وقال عزّ وجلّ : ( وَاقْصِدْ ) (٢٥) الآية ، (٢٦) وقال فيما شهدت به الأيدي والأرجل على أنفسها وعلى أربابها ، من نطقها بما أمر الله به وفرض عليها : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ ) (٢٧) الآية ، فهذا أيضاً ممّا فرض الله على اليدين والرّجلين ، وهو عملهما وهو من الإِيمان ، وفرض على الوجه السّجود باللّيل والنهار في مواقيت الصّلاة ، فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا ) (٢٨) الآية ، فهذه فريضة جامعة على الوجه واليدين والرّجلين ، وقال في موضع آخر : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ ) (٢٩) الآية ، فهذا ما فرض على الجوارح من الطّهور

____________________________

(٢٠) المائدة ٥ : ٦ .

(٢١) الأنفال ٨ : ١٥ .

(٢٢) محمد ٤٧ : ٤ .

(٢٣) أثبتناه من المصدر .

(٢٤) الإِسراء ١٧ : ٣٧ .

(٢٥) لقمان ٣١ : ١٩ .

(٢٦) في المصدر زيادة آيتان هما : وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ ) الآية . وقال : ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) .

(٢٧) يس ٣٦ : ٦٥ .

(٢٨) الحج ٢٢ : ٧٧ .

(٢٩) الجن ٧٢ : ١٨ .

١٥٢

والصّلاة ، وسمّى الصلاة إيماناً في كتابه ، وذلك أنّ الله عزّ وجلّ لمّا صرف وجه نبيّه ( صلى الله عليه وآله ) عن الصّلاة إلى بيت المقدس ، وأمره أن يصلّي إلى الكعبة ، قال المسلمون للنّبي ( صلى الله عليه وآله ) : أرأيت صلاتنا هذه التي كنّا نصلّيها إلى بيت المقدس ، ما حالها وحالنا فيها ؟ فأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ ) (٣٠) الآية ، فسمّى الصّلاة إيماناً ، فمن لقي الله حافظاً لجوارحه ، موقياً كلّ جارحة من جوارحه ما فرض الله عليها ، لقي الله كامل الإِيمان ، وكان من أهل الجنّة ، ومن خان [ الله ] (٣١) شيئاً منها وتعدّى ما أمر الله عزّ وجلّ به ، لقي الله ناقص الإِيمان » قال السّائل : يا بن رسول الله ، قد فهمت نقصان الإِيمان وتمامه ، فمن أين جاءت زيادته ، وما الحجّة في زيادته ؟ قال جعفر ( عليه السلام ) : قد أنزل الله عزّ وجلّ : ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ ) (٣٢) الآية ، وقال : ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ ) (٣٣) الآية ، ولو كان الإِيمان كلّه واحداً لا نقصان فيه ولا زيادة ، لم يكن لأحد فيه فضل على أحد ، ولاستوت النّعم فيه ، ولاستوى النّاس وبطل التّفضيل ، ولكن بتمام الإِيمان دخل المؤمنون الجنّة ، (٣٤) وبالزّيادة في الإِيمان تفاضل المؤمنون في الدّرجات عند الله ، وبالنّقصان منه دخل المقصّرون النار » الخبر .

[ ١٢٦٦٢ ] ٦ ـ وعن أبي عبدالله ( عليه السّلام ) ، أنّه قال في قول الله عزّ وجلّ : ( وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) (١) قال : « كفرهم به ترك العمل بالّذي أقرّوا (٢) به » .

____________________________

(٣٠) البقرة ٢ : ١٤٣ .

(٣١) أثبتناه من المصدر .

(٣٢) التوبة ٩ : ١٢٤ .

(٣٣) الكهف ١٨ : ١٣ .

(٣٤) في المصدر زيادة : وبرجحانه .

٦ ـ دعائم الإِسلام ج ١ ص ١١ .

(١) المائدة : ٥ : ٥ .

(٢) في المصدر : أمر .

١٥٣

[ ١٢٦٦٣ ] ٧ ـ القطب الرّاوندي في لبّ اللّباب : عن الصّادق ( عليه السلام ) قال : « الأمانة حفظ اللّسان والعين والفرج والقلب ، فخصم الفرج المؤمنون ، وخصم العين الملائكة ، وخصم اللّسان الأنبياء ، وخصم القلب الله تعالى » .

٣ ـ ( باب جملة ممّا ينبغي القيام به من الحقوق الواجبة والمندوبة )

[ ١٢٦٦٤ ] ١ ـ الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول : في مواعظ السّجّاد ( عليه السلام ) ، قال في رسالته ( عليه السلام ) المعروفة برسالة الحقوق : « اعلم رحمك الله ، أنّ لله عليك حقوقاً محيطة بك فبكلّ حركة تحركتها ، أو سكنة سكنتها ، أو منزلة نزلتها ، أو جارحة قلبتها ، أو آلة تصرّفت بها ، بعضها أكبر من بعض ، وأكبر حقوق الله عليك ، ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقّه الذي هو أصل الحقوق ومنه تفرع ، ثمّ أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك ، فجعل لبصرك عليك حقّاً ، ولسمعك عليك حقّاً ، وللسانك عليك حقّاً ، وليدك عليك حقّاً ، ولرجلك عليك حقّاً ، ولبطنك عليك حقّاً ، ولفرجك عليك حقّاً ، فهذه الجوارح السبع الّتي بها تكون الأفعال ، ثم جعل عزّ وجلّ لأفعالك عليك حقوقاً ، فجعل لصلاتك عليك حقّاً ، ولصومك عليك حقّاً ، ولصدقتك عليك حقّاً ، ولهديك عليك حقّاً ، ولأفعالك عليك حقّاً ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك ، وأوجبها عليك حقّ ائمّتك ، ثم حقوق رعيّتك ، ثمّ حقوق رحمك ، فهذه حقوق يتشعّب منها حقوق ، فحقوق ائمّتك ثلاثة : أوجبها عليك حقّ سائسك بالسلطان ، ثمّ سائسك بالعلم ، ثم حق سائسك بالملك ، وكلّ سائس إمام ، وحقوق رعيّتك ثلاثة : أوجبها عليك حقّ

____________________________

٧ ـ لب اللباب : مخطوط .

الباب ٣

١ ـ تحف العقول ص ١٨٣ .

١٥٤

رعيّتك بالسّلطان ، ثم حقّ رعيّتك بالعلم فإنّ الجاهل رعيّة العالم ، وحقّ رعيّتك بالملك من الأزواج وما ملكت من الأيمان (١) ، وحقوق رحمك كثيرة متّصلة بقدر اتّصال الرّحم في القرابة ، فأوجبها عليك حقّ أُمّك ، ثم حقّ أبيك ، ثم حقّ ولدك ، ثم حقّ أخيك ، ثم الأقرب فالأقرب ، والأوّل فالأول ، ثم حقّ مولاك المنعم عليك ، ثم حقّ مولاك الجاري نعمته عليك ، ثم حقّ ذي المعروف لديك ، ثمّ حقّ مؤذّنك بالصلاة ، ثمّ حقّ إمامك في صلاتك ، ثمّ حقّ جليسك ، ثم حقّ جارك ، ثم حقّ صاحبك ، ثم حقّ شريكك ، ثم حقّ مالك ، ثم حقّ غريمك الذي تطالبه ، ثم حقّ غريمك الّذي يطالبك ، ثمّ حقّ خليطك (٢) ، ثمّ حقّ خصمك المدّعي عليك ، ثمّ حقّ خصمك الّذي تدّعي عليه ، ثمّ حق مستشيرك ، ثم حقّ المشير عليك ، ثمّ حقّ مستنصحك ، ثمّ حقّ النّاصح لك ، ثمّ حق من هو أكبر [ منك ] (٣) ثمّ حقّ من هو أصغر منك ، ثمّ حقّ سائلك ، ثمّ حقّ من سألته ، ثمّ حقّ من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل ، أو مسرّة بذلك بقول أو فعل ، عن تعمّد منه أو غير تعمّد منه ، ثمّ حقّ أهل ملتك عامة ، ثم حقّ أهل الذمّة ، ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرّف الأسباب ، فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ووفّقه وسدّده .

فأمّا حقّ الله الأكبر ، فإنّك تعبده لا تشرك به شيئاً ، فإذا فعلت ذلك بإخلاص ، جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ، ويحفظ لك ما تحبّ منها .

وأمّا حقّ نفسك عليك ، فأن تستوفيها في طاعة الله ، فتؤدّي إلى لسانك حقّه ، وإلى سمعك حقّه ، وإلى بصرك حقّه ، وإلى يدك حقّها ، وإلى

____________________________

(١) في المصدر : الإِماء .

(٢) الخليط : المشارك في حقوق الملك كالشرب والطريق ونحو ذلك وخليط القوم : مخالطهم . ( لسان العرب ج ٧ ص ٢٩١ ) .

(٣) أثبتناه من المصدر .

١٥٥

رجلك حقّها ، وإلى بطنك حقّه ، وإلى فرجك حقّه ، وتستعين بالله على ذلك .

وأمّا حقّ اللّسان ، فإكرامه عن الخنا ، وتعويده على الخير ، وحمله على الأدب وإجمامه (٤) إلّا لموضع الحاجة والمنفعة للدّين والدّنيا ، واعفاؤه من الفضول الشّنعة القليلة الفائدة ، التي لا يؤمن ضررها مع قلّة عائدتها ، وبعد شاهد العقل والدّليل عليه وتزين العاقل بعقله ، حسن سيرته في لسانه ، ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم .

وأمّا حقّ السّمع ، فتنزيهه [ عن ] (٥) أن تجعله طريقاً إلى قلبك ، إلّا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيراً أو تكسب خلقاً كريماً ، فإنّه باب الكلام إلى القلب يؤدّي به ضروب المعاني ، على ما فيها من خير أو شرّ ، ولا قوّة إلّا بالله .

وأمّا حقّ بصرك ، فغضّه عمّا لا يحلّ لك ، وترك ابتذاله إلّا لموضع عبرة ، تستقبل بها بصراً أو تعتقد بها علماً ، فإنّ البصر باب الاعتبار .

وأمّا حقّ رجلك ، فأن لا تمشي بها إلى ما لا يحلّ لك ، ولا تجعلها مطيّتك في الطريق المستحقّة بأهلها فيها ، فإنّها حاملتك وسالكة بك مسلك الدّين والسّبق لك ، ولا قوّة إلّا بالله .

وأمّا حقّ يدك ، فأن لا تبسطها إلى ما لا يحلّ لك [ فتنال ] (٦) بما تبسطها إليه من ( يد ) (٧) العقوبة في الآجل ، ومن النّاس بلسان اللائمة في العاجل ، ولا تقبضها مما افترض الله عليها ، ولكن توقرها بقبضها عن كثير ممّا لا يحلّ لها ، وتبسطها إلى كثير ممّا ليس عليها ، فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل ، وجب لها حسن الثواب من الله في الآجل .

____________________________

(٤) الإِجمام : الراحة ، من إجمام الفرس إذا ترك فلم يركب ، والمراد هنا حبس اللسان عن الكلام ( لسان العرب ج ١٢ ص ١٠٧ ) .

(٥ ، ٦) أثبتناه من المصدر .

(٧) في المصدر : الله .

١٥٦

وأمّا حقّ بطنك ، فأن لا تجعله وعاء لقيل من الحرام ولا لكثير ، وأن تقتصر له في الحلال ، ولا تخرجه من حدّ التّقوية إلى حدّ التّهوين وذهاب المروّة ، وضبطه إذا همّ بالجوع والظّمأ ، فإن الشّبع المنتهي بصاحبه [ الى التخم ] (٨) مكسلة ومثبطة ومقطعة عن كلّ برّ وكرم ، وأنّ الرّي المنتهي بصاحبه إلى السّكر ، مسخفة ومجهلة ومذهبة للمروّة .

وأمّا حقّ فرجك ، فحفظه ممّا لا يحلّ لك ، والإِستعانة عليه بغض البصر ، فإنّه من أعون الأعوان ، وكثرة ذكر الموت ، والتّهدد لنفسك بالله ، والتّخويف لها به ، وبالله العصمة والتّأييد ، ولا حول ولا قوّة إلّا به .

ثمّ حقوق الأفعال :

فأمّا حقّ الصّلاة ، فأن تعلم أنّها وفادة إلى الله ، وأنّك قائم بها بين يدي الله ، فإذا علمت ذلك كنت خليقاً أن تقوم فيها مقام العبد الذّليل الراغب الرّاهب الخائف الرّاجي ، المسكين المتضرّع المعظم من قام بين يديه ، بالسّكون والإِطراق وخشوع الأطراف ، ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه ، والطّلب إليه في فكاك رقبتك ، الّتي أحاطت بها خطيئتك واستهلكتها ذنوبك ، ولا قوّة إلّا بالله .

وأمّا حقّ الصّوم ، فأن تعلم أنّه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك ، ليسترك به من النار ، وهكذا جاء في الحديث : الصّوم جُنّة من النّار ، فإن سكنت اطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوباً ، وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها ، وترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها ، بالنظرة الدّاعية للشهوة ، والقوّة الخارجة عن حد التقيّة لله ، لم تأمن أن تخرق [ الحجاب ] (٩) وتخرج منه ، ولا قوّة إلّا بالله .

وأمّا حقّ الصّدقة ، فأن تعلم أنّها ذخرك (١٠) عند ربّك ، ووديعتك التي

____________________________

(٨ ، ٩) أثبتناه من المصدر .

(١٠) في الطبعة الحجرية : دخول ، وما أثبتناه من المصدر .

١٥٧

لا تحتاج إلى الإشهاد ، فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرّاً أوثق بما استودعته علانية ، وكنت جديراً أن تكون أسررت إليه أمراً أعلنته ، وكان الأمر بينك وبينه فيها سرّاً على كلّ حال ، ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها إشهاد الأسماع والأبصار عليه بها ، كأنّها أوثق في نفسك لا كأنّك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك ، ثم لم تمتنّ بها على أحد ، لأنّها لك فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين حالك منها ، إلى من مننت بها عليه ، لأن في ذلك دليلاً على أنّك لم ترد نفسك بها ، ولو أردت نفسك بها لم تمتنّ بها على أحد ، ولا قوّة إلّا بالله .

وأمّا حقّ الهدى ، فأن تخلص بها الإِرادة إلى ربّك ، والتعرض لرحمته وقبوله ، ولا تريد عيون النّاظرين دونه ، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلّفاً ولا متصنّعاً ، وكنت إنّما تقصد إلى الله ، واعلم أنّ الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير ، كما أراد بخلقه التّيسير ولم يرد بهم التّعسير ، وكذلك التّذلل أولى بك من التّدهقن ، لأنّ الكلفة والمؤونة في المتدهقنين (١١) ، فأمّا التّذلل والتّمسكن فلا كلفة فيهما ولا مؤونة عليهما ، لأنّهما الخلقة وهما موجودان في الطّبيعة ، ولا قوّة إلّا بالله .

ثمّ حقوق الأئمّة :

فأمّا حقّ سائسك بالسلطان ، فأن تعلم أنّك جعلت له فتنة ، وأنّه مبتلى فيك بما جعله الله [ له ] (١٢) عليك من السّلطان ، وأن ( تخلص له ) (١٣) في النصيحة ، وأن لا تماحكه وقد بسطت يده عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه ، وتذلّل وتلطّف لإِعطائه من الرضى ما يكفّه (١٤) عنك ولا

____________________________

(١١) التدهقن : التكيس . . والدهقان : القوي على التصرف مع حده ( لسان العرب ج ١٣ ص ١٦٤ ) .

(١٢) أثبتناه من المصدر .

(١٣) في الحجرية تعلم أنك ، وما أثبتناه من المصدر .

(١٤) في المصدر : يكفيه .

١٥٨

يضرّ بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله ، ولا تعاده ولا تعانده فإنّك إن فعلت ذلك عققته ، وعققت نفسك فعرضتها لمكروهه ، وعرّضته للهلكة فيك ، وكنت خليقاً أن تكون معيناً له على نفسك ، وشريكاً له فيما أتى إليك ، ولا قوّة إلّا بالله .

وأمّا حقّ سائسك بالعلم ، فالتّعظيم له ، والتّوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإِقبال عليه ، والمعونة له على نفسك ، فيما لا غنى بك عنه من العلم ، بأن تفرغ له عقلك وتحضره فهمك ، وتذكّي له [ قلبك ] (١٥) وتجلّي له بصرك ، بترك اللّذات ونقص الشهوات ، وأن تعلم أنّك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل ، فلزمك حسن التّأدية عنه إليهم ، ولا تخنه في تأدية رسالته ، والقيام بها عنه إذا تقلّدتها ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله .

وأمّا حقّ سائسك بالملك ، فنحو من سائسك بالسّلطان ، إلّا أنّ هذا يملك ما لا يملكه ذاك ، تلزمك طاعته فيما دقّ وجلّ منك ، ( إلّا أن يخرجك من وجوب حقّ الله ويحول بينك وبين حقّه ) (١٦) وحقوق الخلق ، فإذا قضيته رجعت إلى حقّه فتشاغلت به ، ولا قوّة إلّا بالله .

ثم حقوق الرعيّة :

فأمّا حقوق رعيّتك بالسّلطان ، فأن تعلم أنّك إنما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم ، فإنّه إنّما أحلّهم محلّ الرّعيّة لك ضعفهم وذلّهم ، فما أولى من كفاكه ضعفه وذلّه حتّى صيّره لك رعيّة ، وصيّر حكمك عليه نافذاً لا يمتنع منك بعزّة ولا قوّة ، ولا يستنصر فيما تعاظمه منك إلّا بالله ، بالرّحمة والحياطة والأناة ، وما أولاك إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزّة والقوّة التي

____________________________

(١٥) اثبتناه من المصدر .

(١٦) ورد في هامش الطبعة الحجرية ما نصه : ( هكذا كان الأصل وفيه سقم ولعل الصواب : « إلّا أن يخرجك من وجوب حقّه وجوب حقّ الله الذي يحول بينك وبين حقّه . . . الخ » .

١٥٩

قهرت بها ، أن تكون لله شاكراً ، ومن شكر الله أعطاه فيما أنعم عليه ، ولا قوة إلّا بالله .

وأمّا حقّ رعيتك بالعلم ، فان تعلم أنّ الله قد جعلك لهم فيما آتاك من العلم وولّاك من خزانة الحكمة ، فإن أحسنت فيما ولّاك الله من ذلك ، وقمت به لهم مقام الخازن الشّفيق ، الناصح لمولاه في عبيده ، الصّابر المحتسب ، الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه ، [ كنت ] (١٧) راشداً وكنت لذلك أملاً معتقداً ، وإلّا كنت له خائناً ولخلقه ظالماً ، ولسلبه وعزّه متعرّضاً .

وأمّا حقّ رعيتك بملك النّكاح ، فأن تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية ، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه ، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقّك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحبت وكرهت ، ( ما لم تكن ) (١٨) معصية ، فإنّ لها حقّ الرّحمة والمؤانسة ، وموضع السّكون إليها ، قضاء اللّذة التي لا بدّ من قضائها ، وذلك عظيم ، ولا قوّة إلّا بالله .

وأمّا حقّ رعيّتك بملك اليمين ، فأن تعلم أنّه خلق ربّك ولحمك ودمك ، وأنّك تملكه لا أنت صنعته دون الله ، ولا خلقت له سمعاً ولا بصراً ، ولا أجريت له رزقاً ، ولكن الله كفاك ذلك بمن سخّره لك ، وائتمنك عليه واستودعك إيّاه لتحفظه فيه ، وتسير فيه بسيرته ، فتطعمه ممّا تأكل ، وتلبسه ممّا تلبس ، ولا تكلّفه ما لا يطيق ، فإن كرهت خرجت إلى الله منه ، واستبدلت به ولم تعذّب خلق الله ، ولا قوّة إلّا بالله .

وأمّا حقّ الرّحم ، فحقّ أُمك أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحمل أحد

____________________________

 (١٧) أثبتناه من المصدر .

(١٨) في الطبعة الحجرية : ما أمكن ، وما أثبتناه من المصدر .

١٦٠