جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

______________________________________________________

ربي يطعمني ويسقيني (١) ، هذا كلامه.

وفيه نظر ، لأن الظاهر أن الأكل ليلا لا يجب ، وقد صرح هو بذلك في المنتهى ، فقال : لو أمسك عن الطعام يومين لا بنيّة الصيام بل بنية الإفطار وقته ، فالأقوى فيه عدم التحريم ، هذا كلامه (٢).

إن الصوم لا ينعقد في الليل ، لا محصّل له ، لأن الحرام لا ينعقد ، فان الصوم العيد حرام مع أنه لا ينعقد ، ولو انعقد لم يكن حراما ، لأن النهي في العبادات يدل على الفساد ، وإنما المراد أن الإمساك على قصد الصوم حرام.

وقد بينا فيما سبق : أن الأصح عندنا أن الوصال : تأخير العشاء إلى السحور.

واعلم : أن المراد بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أظل عند ربي يطعمني ويسقيني » أنه يقوّيه على الصوم ويغنيه عن الطعام والشراب ويغذيه بوحيه ، وليس المراد الأكل والشرب حقيقة ، وإلاّ لم يكن مواصلا.

و : أبيح له أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما وإن كان مضطرا إليهما ، لأن حفظ نفسه المقدسة أحق من حفظ نفس غيره ، ويجب على المالك البذل ، وأن يفدي بمهجته مهجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، واقتصر المصنف على ذكر الماء ، ولا فرق بينه وبين سائر ما يطعم وما يشرب عند الضرورة إليه.

وينبغي أن يكون الامام عليه‌السلام كذلك ، كما يرشد إليه التعليل ، ولم أقف على تصريح في ذلك.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٦٧ ، وروى الحديث الشيخ الصدوق في الفقيه ٢ : ١١١ حديث ٨.

(٢) منتهى المطلب ٢ : ٦١٧.

٦١

______________________________________________________

ز : وأبيح له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحمي لنفسه الأرض لرعي ماشيته ، وكان حراما على من قبله من الأنبياء عليهم‌السلام ، وهذا عندنا مشترك بينه وبين الأئمة عليهم‌السلام كما سبق في (١) إحياء الموات ، وقول المصنف في التذكرة : والأئمة بعده ليس لهم أن يحموا لأنفسهم (٢) ، ليس جاريا على مذهبنا.

ح : أبيح لنا وله الغنائم ، وكانت حراما على من قبله من الأنبياء ، وكانوا مأمورين بجمعها ، فتنزل نار من السماء فتأكلها.

ط : أبيح لنا وله جعل الأرض مسجدا وترابها طهورا ، ولم يكن ذلك للأنبياء السالفة ، وإنما كان لعباداتهم مواضع مخصوصة لا يتعبدون في غيرها.

واعلم : أن قول المصنف : ( وجعل الأرض مسجدا ) يمكن أن يكون مصدرا معطوفا على فاعل ( أبيح ) ويمكن أن يجعل فعلا ماضيا على حد :

.................

ولا أرض أبقل إبقالها (٣).

ي : أبيح له دخول مكة بغير إحرام ، بخلاف أمته ، فإن غير المعذور منهم يتعيّن عليه الإحرام على خلاف.

يا : أبيح له إذا وقع بصره على امرأة ورغب في نكاحها أن ينكحها ، بحيث أنها إن كانت خليّة وجب عليها الإجابة وحرم على غيره خطبتها ، وإن كانت ذات زوج وجب على الزوج طلاقها لينكحها ، ودليل ذلك قضية زيد (٤).

__________________

(١) لفظ ( في ) لم يرد في « ش » و « ض » وأثبتناه من النسخة الحجرية.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٦٧.

(٣) نسب هذا البيت الجوهري في صحاحه ٤ : ١٦٣٧ بقل ، إلى عامر بن جوين الطائي ، وصدره : فلا مزنة ودقت ودقها

(٤) انظر تمام قضية زيد في أحكام القران للقرطبي ١٤ : ١٩٠.

٦٢

وجعلت أزواجه أُمهات المؤمنين ، بمعنى تحريم نكاحهن على غيره ، سواء فارقهن بموت أو فسخ أو طلاق ، لا لتسميتهن أمهات ، ولا لتسميته عليه‌السلام أبا ، وبعث الى الكافة وبقيت معجزته وهي القرآن الى يوم‌

______________________________________________________

ولعل السر فيه من جانب الزوج امتحان إيمانه (١) واعتقاده بتكليفه النزول عن أهله ، ومن جانبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابتلاؤه ببلية البشرية ومنعه من خائنة الأعين وإضمار ما يخالف الإظهار ، ولا شي‌ء أدعى إلى غض البصر وحفظه عن اللمحات الاتفاقية من هذا التكليف.

ولهذا قال بعضهم (٢) : إن هذا الحكم ليس من باب التخفيفات ـ وإن عده الفقهاء من جملتها ـ بل هو في حقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غاية التشديد ، إذ لو كلّف بهذا آحاد الناس لما فتحوا أعينهم في الشوارع والطرق ، وقد روي أن عائشة قالت : لو كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخفى آية لأخفى هذه (٣).

وهاتان الخاصتان ذكرهما المصنف رحمه‌الله في آخر الباب ، وهما معدودتان من التخفيفات ، وكذا صنع في التذكرة (٤) ، لا كما هنا.

قوله : ( وجعلت أزواجه أمهات المؤمنين ـ بمعنى : تحريم نكاحهن على غيره ، سواء فارقهنّ بموت أو فسخ أو طلاق ، لا لتسميتهنّ أُمهات ، ولا لتسميته عليه‌السلام أبا ـ وبعث إلى الكافة ، وبقيت معجزته وهي القرآن‌

__________________

(١) في « ض » : ولعل السر فيه من جانب الزوج ايمانه وامتحان قلبه.

(٢) المجموع ١٦ : ١٤٣.

(٣) وهي قوله تعالى ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً ) الأحزاب ٣٧ ، وروى هذا الحديث الطبري في تفسيره ٢٢ : ١١.

(٤) التذكرة ٢ : ٥٦٧.

٦٣

القيامة.

وجعل خاتم النبيين ، ونصر بالرعب ، وكان العدو يرهبه من مسيرة شهر ، وجعلت أمته معصومة ، وخص بالشفاعة.

وكان ينظر من ورائه كما ينظر من قدامه ، بمعنى التحفظ والحس.

وكان تنام عينه ولا ينام قلبه كذلك.

وجعل ثواب نسائه مضاعفا ، وكذا عقابهن.

______________________________________________________

إلى يوم القيامة ، وجعل خاتم النبيين ، ونصر بالرعب وكان العدوّ يرهبه من مسيرة شهر ، وجعلت أمته معصومة ، وخصّ بالشفاعة ، وكان ينظر من ورائه كما ينظر من قدّامه ـ بمعنى : التحفظ والحس ـ وكان تنام عينه ولا ينام قلبه كذلك ، وجعل ثواب نسائه مضاعفا وكذا عقابهنّ ).

قد ذكر من الفضائل والكرامات في النكاح وغيره عشرة أمور :

أ : أنه قد جعلت أزواجه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمهات المؤمنين ، سواء فيه من ماتت تحت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن مات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي تحته ، لعموم الآية.

وليست الأمومة هنا حقيقة ، بل المراد تحريم نكاحهنّ ووجوب احترامهنّ ، لا أنه يحل النظر إليهنّ ولا الخلوة بهنّ ولا المسافرة ، ولا يقال لبناتهن : أخوات المؤمنين ، فإنهن لا يحرمن عليهم ، فقد زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام بعلي عليه‌السلام.

وكذا لا يقال لآبائهنّ : وأمهاتهن : أجداد المؤمنين وجدّاتهم ، ولا لاخوانهنّ وأخواتهنّ : أخوال وخالات ـ ولبعض الشافعية (١) وجه في إطلاق ذلك لا يعتدّ به ـ وكذا هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يسمّى أبا حقيقة ، بحيث تثبت أحكام الأبوّة بالنسبة‌

__________________

(١) مختصر المزني : ١٦٣.

٦٤

______________________________________________________

إليه ، وإنما هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

وقول المصنف : ( لا لتسميتهنّ أمهات ... ) المراد : عدم التسمية حقيقة ، وإنما المراد من إطلاق هذا اللفظ معنى مجازي.

ب : أنه بعث إلى كافة العالمين بشيرا ونذيرا ، قال الله تعالى ( تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) (١).

ج : أنه بقيت معجزته ـ وهي القرآن ـ إلى يوم القيامة ، مصونا بعده عن التبديل والتغيير ، وأقيم بعده حجة على الناس ، ومعجزات غيره من الأنبياء انقرضت بانقراضهم.

د : أنه جعل خاتم النبيين صلّى الله عليه وعليهم بنص القرآن.

هـ : أنه نصر بالرعب من مسيرة شهر ، وكان العدوّ يرهبه من مسيرة شهر.

و : أنه جعلت أمته معصومة ، روى عنه عليه‌السلام أنه قال : « لا تجتمع أمتي على ضلالة » (٢).

وفي عدّ هذا من الخصائص نظر ، لأن الحديث غير معلوم الثبوت ، وأمته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع دخول المعصوم فيهم لا تجتمع على ضلالة ، لكن باعتبار المعصوم فقط ، ولا دخل لغيره في ذلك ، وبدونه هم كسائر الأمم ، على أن الأمم الماضين مع أوصياء أنبيائهم كهذه الأمة مع المعصوم ، فلا اختصاص.

ز : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصّ بالشفاعة العامة ، وبكونه أول شافع ، وقد روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي » (٣).

__________________

(١) الفرقان : ١.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٠٣ حديث ٣٩٥٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٧٦ حديث ١٧٧٧.

٦٥

ز : أقسام النكاح ثلاثة : دائم ، ومنقطع ، وملك يمين. ولنبدأ بالدائم ونتبعه بالآخرين إن شاء الله تعالى.

______________________________________________________

ح : أنه كان ينظر من ورائه كما ينظر من قدّامه ، بمعنى أنهما سواء في التحفظ والحس.

ط : أنه كان تنام عينه ولا ينام قلبه ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تنام عيناي ولا ينام قلبي » (١) والمراد : استواؤهما في التحفظ والحس ، وهو معنى قول المصنف : ( كذلك ) أي : كونه ينام عينه ولا تنام قلبه ، ككونه ينظر من ورائه كما ينظر من قدّامه.

فعلى هذا لا ينتقض وضوءه بالنوم ، فيحصل باعتبار ذلك خاصية أخرى ، وقد عدّها المصنف في التذكرة في التخفيفات ، حيث أنه لا يجب عليه الوضوء بالنوم (٢).

ي : أنه جعل ثواب نسائه مضاعفا ، وكذا عقابهنّ جعل مضاعفا ، وفي ذلك تفضيل وتمييز راجع اليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد نطق القرآن بذلك في قوله تعالى : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) (٣) إلى آخر الآيتين.

قوله : ( ز : أقسام النكاح ثلاثة : دائم ، ومنقطع ، وملك يمين ، ولنبدأ بالدائم ونتبعه بالآخرين إن شاء الله تعالى ).

المبحث السابع : النكاح ينقسم إلى ثلاثة أقسام : دائم ، ومنقطع ، وملك يمين ، والانقسام إلى ذلك ظاهر.

ولقائل أن يقول : إنه قد سبق أن النكاح إما العقد أو الوطء ، وكلّ واحد منهما‌

__________________

(١) سنن البيهقي ١ : ١٢١ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٦٨.

(٣) الأحزاب : ٣٠.

٦٦

الباب الثاني : في العقد ، وفيه فصلان :

الأول : في أركانه ، وهي ثلاثة :

الأول : الصيغة ، ولا بد فيه من إيجاب وقبول.

وألفاظ الإيجاب : زوجتك ، وأنكحتك ، ومتعتك. والقبول : قبلت‌

______________________________________________________

لا ينقسم إلى الأقسام الثلاثة.

أما العقد فظاهر ، لأن نفس ملك اليمين لا يعدّ عقدا ، وسببه إما بيع أو إرث أو ما جرى مجراهما من الأسباب المملّكة ، ولا يعدّ شي‌ء من ذلك نكاحا بواحد من المعنيين ، وربما لم يكن عقدا أصلا.

وأما الوطء ، فإنه بنفسه لا يكون دائما ومنقطعا وملك يمين ، نعم يكون وطأ عن عقد دائم ، ووطأ عن عقد منقطع ، ووطأ عن ملك يمين.

وتنزيل العبارة على ذلك يحتاج إلى تكلّف حذف كثير ، وارتكاب ما لا يدل عليه اللفظ بوجه ، فيكون التقدير : أقسام الوطء ثلاثة : وطء عن عقد دائم ، ووطء عن عقد منقطع ، ووطء عن ملك يمين.

هذا مع أن المقصود بالبحث إنما هو عقد النكاح بقسميه ونفس ملك اليمين ، وإن كان يجري في خلاله البحث عن الوطء ، فالعبارة لا تخلو من شي‌ء.

ثم إن النكاح الدائم هو أصل الباب وعمدته ، وهو المطلوب غالبا ، فبدأ المصنّفون ببيانه وبيان أحكامه ، وأتبعوه بالآخرين توفيرا على كلّ منهما مقتضاه ، وعلى ذلك جرى المصنف.

قوله : ( الباب الثاني : في العقد ، وفيه فصلان :

الأول : في أركانه ، وهي ثلاثة : الصيغة ، ولا بدّ فيه من إيجاب وقبول.

وألفاظ الإيجاب : زوجتك وأنكحتك ومتعتك ، والقبول : قبلت النكاح‌

٦٧

النكاح ، أو التزويج أو المتعة.

ولو اقتصر على قبلت صح النكاح ، وكذا لو تغايرا ، مثل زوجتك ، فيقول : قبلت النكاح.

______________________________________________________

أو التزويج أو المتعة ، ولو اقتصر على قبلت صح ، وكذا لو تغايرا مثل : زوجتك فيقول قبلت النكاح ).

لا ريب أن الباب الثاني معقود للعقد الدائم والبحث عنه ، وهو المراد بقوله : ( الباب الثاني في العقد ) بدليل ما تقدم من قوله : ( ولنبدأ بالدائم ).

فالمراد بقوله : ( الأول في أركانه ) أركان هذا العقد ، وقد عدّ منها ( المحل ) و ( العاقد ) وفي عد كلّ واحد منهما ركنا للعقد توسع ، لأن الركن هو الجزء الأقوى ، وليس واحدا منهما جزءا ، وكأنه يريد بالركن هنا : ما لا بدّ منه في صحة العقد ، ولا ريب أنه الصيغة والمتعاقدان.

وقد خصّ المصنف الزوج بكونه عاقدا والمرأة بكونها محلا ، وفيه بحث ، فان كلّ واحد منهما عاقد بنفسه أو بوكيله ، وكل واحد منهما محل للعقد والزوجية ، وإن كانت المرأة محلّ الوطء ، إلاّ أنه غير مراد هنا.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن صيغة النكاح هي العقد ، وهو الإيجاب والقبول ، وألفاظ الإيجاب ثلاثة : زوجتك ، وأنكحتك ـ ولا خلاف بين علماء الإسلام في الاكتفاء بالإيجاب بأحدهما وقد ورد القرآن بهما في قوله تعالى ( فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها ) (١) وقوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٢) ـ ومتعتك ، وفي الانعقاد به عندنا قولان :

__________________

(١) الأحزاب : ٣٧.

(٢) النساء : ٢٢.

٦٨

______________________________________________________

أحدهما : ـ وهو قول الأكثر (١) ، واختاره المصنف في التذكرة (٢) والمختلف (٣) ـ أنه لا ينعقد به ، لأن حقيقته في النكاح المنقطع ، فيكون مجازا في الدائم ، والعقود اللازمة لا تقع بالألفاظ المجازية ، خصوصا النكاح ، فإنه نوع عبادة ، وألفاظ العبادات متلقاة من الشارع ، ولأن الأصل تحريم الفرج ، فيستصحب إلى أن يحصل سبب الحل ، وهو الثابت شرعا دون المختلف فيه.

والثاني : الانعقاد ، واختاره المصنف هنا وفي الإرشاد ، لأن لفظ المتعة من ألفاظ النكاح ، لكونه حقيقة في النكاح المنقطع ، فهو من الألفاظ الصريحة في النكاح ، وكون الأجل جزء مفهومه ـ فيكون استعماله في النكاح الدائم مجازا ـ غير قادح ، لأن هذا القدر من التفاوت لو نافي لم يصح الدائم بلفظ زوجتك ، لأن الزواج حقيقة في القدر المشترك بين الدائم والمنقطع ، فاستعماله في الدائم استعمال له في غير موضوعه.

فان قيل : الدائم لا يستفاد من زوجتك ، بل من تجريد العقد عن ذكر الأجل مع إرادة الدوام.

قلنا : فان كان هذا كافيا من دون اللفظ في إفادة الدائم ، فليكن مثله مع الإيقاع بلفظ متعتك ، هذا مع أن جمعا من الأصحاب يقولون : بأنه متى أخل في المتعة بذكر الأجل انقلب دائما (٤) ، وهو موجود في رواية أبان بن تغلب (٥) ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) منهم ابن الجنيد كما عنه في إيضاح الفوائد ٣ : ١٢ ، والسيد في الناصريات ضمن الجوامع الفقهية : ٢٤٦.

والشيخ في المبسوط ٤ : ١٩٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٩١ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٩٩.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨١.

(٣) مختلف الشيعة : ٥٣٣.

(٤) منهم : التقي في الكافي : ٢٩٨ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٢٧٣ والمختصر النافع ١ : ١٨٣.

(٥) الكافي ٥ : ٤٥٥ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٦٥ حديث ١١٤٥ ، الاستبصار ٣ : ١٥٠ حديث ٥٥١.

٦٩

ولا بد من وقوعهما بلفظ الماضي.

ولو قصد بلفظ الأمر الإنشاء ، قيل : يصح ، كما في خبر سهل الساعدي.

______________________________________________________

وقد سبق في البيع أن الأصح وقوعه حالا بلفظ السلم ، وذكرنا توجيهه هناك ، وبيّنا أن عدم الصحة إنما هو مع استعمال الألفاظ المجازية الأجنبية ، وهذا قوي ، والأول أحوط.

واما القبول ـ وهو : اللفظ الدال على الرضا بالإيجاب ، مثل تزوجت وقبلت ـ فان أتى به مقرونا بالنكاح أو التزويج مضافا إليها ، أو باسم الإشارة ، كأن قال : قبلت نكاحها ، أو قبلت هذا النكاح ، صح إجماعا ، وان اقتصر على قوله : قبلت النكاح أو قبلت خاصة صح عندنا ، خلافا لبعض الشافعية (١).

ولو اختلف اللفظ من الموجب والقابل ـ كأن قال : زوجتك ، فقال : نكحت أو قبلت ، أو بالعكس ـ صح العقد إجماعا ، ذكره في التذكرة (٢).

قوله : ( ولا بد من وقوعهما بلفظ الماضي ، ولو قصد بلفظ الأمر الإنشاء قيل : يصح ، كما في خبر سهل الساعدي ).

يعتبر في العقود اللازمة وقوع كل من الإيجاب والقبول فيها بلفظ الماضي ، لأنه الصريح في إنشاء المقصود من النكاح وغيره ، فلا يقع بلفظ الأمر ، لأنه حقيقة في الطلب.

والقول المذكور هو قول الشيخ رحمه‌الله (٣).

والخبر هو ما رواه سهل الساعدي : أن امرأة أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك ، فقامت قياما طويلا ، فقام رجل فقال :

__________________

(١) الوجيز ٢ : ٧.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٢.

(٣) المبسوط ٤ : ١٩٤.

٧٠

ولو قال : أتزوجك بلفظ المستقبل منشأ ، فقالت : زوجتك جاز على رأي.

______________________________________________________

يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك فيها حاجة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل عندك من شي‌ء تصدقها إياه؟ فقال : ما عندي إلاّ إزاري هذا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أعطيتها إياه جلست ولا إزار لك ، فالتمس شيئا ، فقال : ما أجد شيئا ، فقال التمس ولو كان خاتما من حديد ، فلم يجد شيئا ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل معك من القرآن شي‌ء؟ فقال : نعم سورة كذا وسورة كذا وسماهما ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : زوجتكها بما معك من القرآن (١).

وهذا الخبر كما يدل على جواز إيقاع النكاح بلفظ الأمر ، كذا يدل على جواز تقديم القبول ، إذ لم ينقل أنه بعد ذلك قبل.

وفيه نظر ، لأن عدم النقل لا يدل على العدم ، ومن الجائز أن الراوي اقتصر على حكاية ما عدا القبول ، لعدم الاحتياج إلى حكايته ، وليس في الخبر ما يدل على أنها صارت امرأته باللفظ المذكور ، ولأن عدم إعادة القبول يستلزم جواز تخلل الكلام الكثير الأجنبي بين الإيجاب والقبول ، وعدم اعتبار الرضى بالإيجاب في القبول فإنه من المعلوم أنه لم يرد بزوجتها الرضى بتزويجه إياها على ما معه من القرآن.

والأصح عدم الجواز ، لأن الأمر غير صريح في الإنشاء للنكاح ، وإنما هو حقيقة في طلب التزويج ، فلا يكفي لإنشائه تزوجتها.

والمراد بقول المصنف : ( ولو قصد بلفظ الأمر الإنشاء ) إنشاء النكاح ، أي : ولو قصد بلفظ الأمر إنشاء نكاحها ، أي : قبول نكاحها والرضا به.

قوله : ( ولو قال : أتزوجك بلفظ المستقبل ـ منشأ ـ فقالت : زوجتك ، جاز على رأي ).

__________________

(١) انظر : سنن النسائي ٥ : ١١٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٣٦ حديث ٢١١١ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٤٢.

٧١

ولو قال : زوجت بنتك من فلان ، فقال : نعم بقصد اعادة اللفظ للإنشاء ، فقال الزوج : قبلت ، صح على اشكال.

ولو قصد الاخبار كذبا لم ينعقد ،

______________________________________________________

لو قال الزوج : أتزوجك‌ أتزوجك بلفظ الاستقبال ، مريدا به الإنشاء للنكاح ، فقالت : زوجتك ، فقد حكى المصنف في المختلف قولا لبعض الأصحاب أنه يصح (١) ، احتجاجا برواية أبان بن تغلب في المتعة : « أتزوجك متعة. فإذا قالت نعم فهي امرأتك » (٢) ولا دلالة فيها ، لأنه إذا كان المراد صيرورتها امرأته بهذا اللفظ لزم صحة المتعة بدون إيجاب ، لأن نعم في جواب القبول لا يكون إيجابا ، وذلك باطل قطعا ، وان كان المراد بلفظ آخر وهذا حكاية عنه ، فلا دلالة على أن ذلك اللفظ بصيغة المستقبل ، واختار في المختلف عدم الصحة (٣) ، وهو اختيار ابن حمزة (٤) وأكثر الأصحاب (٥) ، وهو الأصح اقتصارا على محل اليقين.

قوله : ( ولو قال : زوجت بنتك من فلان؟ فقال : نعم ، بقصد إعادة اللفظ للإنشاء ، فقال الزوج : قبلت ، صح على إشكال ، ولو قصد الاخبار كذبا لم ينعقد ).

أي : لو قال المتوسط للولي : زوجت بنتك من فلان؟ فقال : نعم ، قاصدا كون اللفظ المفاد بنعم للإنشاء على أنه إيجاب ، فقال الزوج : قبلت ، ففي صحة النكاح إشكال ، ينشأ :

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٥٣٣ ، والمراد من بعض الأصحاب ظاهرا هو المحقق في الشرائع ٢ : ٢٧٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٥٥ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٦٥ حديث ١١٤٥ ، الاستبصار ٣ : ١٥٠ حديث ٥٥١ ، وفي المصادر كلها : «. فإذا قالت نعم فقد رضيت فهي امرأتك ».

(٣) المختلف : ٥٣٣.

(٤) الوسيلة : ٣٤٢.

(٥) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٣٧ ، وفخر المحققين ٣ : ١٣.

٧٢

ويصح مع تقديم القبول بأن يقول : تزوجتك ، فتقول : زوجتك.

______________________________________________________

من أن نعم من ألفاظ الجواب يحذف بعدها الجملة ، وهي جملة السؤال بعينها ، فإذا قصد الإنشاء فقد أوجب ، لأنه في قوة نعم زوجت بنتي من فلان ، فإذا قبل فقد كمل العقد ، فكان صحيحا.

ومن حيث إنّ جزء العقد غير مذكور ، وكونه في قوة المذكور ـ باعتبار وجود ما يدل عليه ويقوم مقامه ـ لا يصيّره مذكورا ، والعقود متلقاة من الشارع خصوصا النكاح ، لأن أمر الفروج مبني على الاحتياط التام ، فلا يكفي مطلق اللفظ الدال على المراد ، وإلاّ لم تنحصر ألفاظ العقود ، وهذا أصح.

ولو قصد الولي الاخبار كذبا لم ينعقد النكاح به ولو قال الزوج قبلت قطعا ، وينبغي على الصحة ان يقبل قول الولي في ذلك ، لأن اللفظ يحتمل كلاّ من الأمرين على حد سواء.

ولو صرح بإرادة الإقرار فلا زوجية في نفس الأمر إن لم يكن مطابقا للواقع ، وهل يحكم به ظاهرا بالنسبة إلى البنت؟ فيه احتمال ، وينبغي أن يكون القول قولها بيمينها ظاهرا إذا ادعت كذب الولي في إقراره ، وهل لها ذلك فيما بينها وبين الله تعالى إذا لم يعلم الحال فيه؟ نظر ، ينشأ : من أصالة العدم ، وأن الإقرار لا ينفذ في حق الغير ، ولو لا ذلك لنفذ دعواه الاستدانة له وإنشاء بيع أمواله ونحو ذلك.

ومن أن إنشاء النكاح في وقت ثبوت الولاية فعله ، وهو مسلط عليه ، فينفذ فيه إقراره ، وينبغي التأمل لذلك.

قوله : ( ويصح تقديم القبول ، بأن يقول : تزوجتك ، فتقول : زوجتك ).

صرح الشيخ في المبسوط بجواز تقديم القبول على الإيجاب في النكاح ، بأن يقول الزوج : زوجنيها ، فيقول الولي حينئذ زوجتكها ، وادعى على ذلك الإجماع ،

٧٣

ولا يصح بغير العربية مع القدرة ، ويجوز مع العجز ، ولو عجز أحدهما تكلم كل بلغته.

______________________________________________________

وينبه عليه : أن العقد هو الإيجاب والقبول ، والتقديم والتأخير غير مخل بالمقصود.

وقد يفرق بين النكاح وسائر العقود : بأن الإيجاب يصح عندنا من المرأة ، وهي تستحي غالبا ، فيمنعها الحياء من الابتداء بالإيجاب ، فإذا ابتدأ الزوج بالقبول المتضمن لكلّ ما يطلب وقوع الإيجاب عليه من مهر وغيره ، خفت عليها المؤنة ، ولم يفت المطلوب ، ثم بقي جواز التقديم في العقد مع وكيل المرأة ووليها طردا للباب.

ويحتمل عدم الصحة ، لأن القبول إنما يكون للإيجاب ، فمتى وجد قبله لم يكن قبولا ، لعدم حصول (١) معناه ، إذ ليس ثم إيجاب يتقبل ، فيكون قبولا لما ليس بموجود ، والأسباب الشرعية إنما تستفاد بالتلقي من الشرع ، وهو قول أحمد (٢) من العامة ، وقد نفي المصنف في التذكرة (٣) البأس عن هذا القول ، وعدم الصحة لا يخلو من قوة.

قوله : ( ولا يصح بغير العربية مع القدرة ، ويجوز مع العجز ، ولو عجز أحدهما تكلم كلّ بلغته ).

لما كانت العقود أسبابا شرعية لأمور مطلوبة لا يحصل بدونها ، وجب الاقتصار فيها على ما علم شرعا كونه سببا ، والذي علم وقوعه من صاحب الشرع هو العقد بلفظ العربية ، فلا ينعقد النكاح وغيره من العقود اللازمة بغيرها من اللغات كالفارسية ، مع معرفة العاقد وتمكنه من النطق ، ذهب إلى ذلك أكثر الأصحاب (٤).

وقال ابن حمزة : إن قدر المتعاقدان على القبول والإيجاب بالعربية عقدا بها استحبابا (٥).

__________________

(١) لفظ : حصول ، لم يرد في « ض » و « ش » وأثبتناه من الحجري وهو الأنسب.

(٢) انظر : المغني لابن قدامة ٧ : ٤٣٠ ، الشرح الكبير على متن المقنع ٧ : ٣٧٥.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٣.

(٤) منهم الشيخ في المبسوط ٤ : ١٩٣ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٢٧٣.

(٥) الوسيلة : ٣٤٢.

٧٤

______________________________________________________

والأصح الأول ، لما قلناه.

والاحتجاج له بأن غير العربية بالنسبة إلى العربية من قبيل المرادف ، فصح أن يقام مقامها ، كما يقام أحد المترادفين مقام الآخر ، والألفاظ غير مقصودة بالذات ، وإنما الغرض بها إيصال المعاني المقصودة إلى فهم الغير ، فأي لفظ أدّى المعنى حصل به الغرض.

ضعيف ، لتطرق المنع إليه ، ولأنه لو صح ذلك لم يختص النكاح بلفظ ، فينعقد بالمجازات والكنايات وإن بعدت ، بل بالإشارة والكتابة ، بل كل ما دل على الرضى كائنا ما كان ، وهو معلوم البطلان.

وكما يشترط كون اللفظ عربيا بمادته ، فكذا يعتبر كونه كذلك بصورته ، بعين ما ذكرناه ، فلا ينعقد بالمحرف والملحون.

هذا مع القدرة ، أما مع العجز عنها ، وعن التعلم (١) عادة : بأن يشق عليه كثيرا ـ لأن القادر على التعلّم بغير مشقة لا يعدّ عاجزا عرفا ويجب عليه ، كما صرح به في التذكرة (٢) ـ فإنه يجوز العقد بغير العربية إجماعا.

ولا يشترط العجز عن التوكيل على الظاهر للأصل ، ولو لزمه من التعلّم فوات الغرض أو بعضه سقط اعتباره ، وكذا نقول في جميع العقود اللازمة.

ولو عجز أحد المتعاقدين عن العربية دون الآخر ، تعيّن نطق القادر بالعربية ـ إذ لا يسقط الميسور بالمعسور ـ وتكلم الآخر بلغته أو بغيرها من اللغات ، لكن يشترط أن يفهم كل منهما كلام الآخر ، وإلاّ لم يكونا متخاطبين ، وبه صرح المصنف في التذكرة (٣) ، فان لم يفهم أحدهما كلام الآخر ، لكن أخبره ثقة عن معناه ، ففي الاكتفاء‌

__________________

(١) في « ش » : أما مع العجز عن التعلم.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٨٢.

(٣) التذكرة ٢ : ٥٨٢.

٧٥

ولو عجزا عن النطق أو أحدهما أشار بما يدل على القصد.

ولا ينعقد بلفظ البيع ، ولا الهبة ، ولا الصدقة ، ولا التمليك ، ولا الإجارة ، ذكر المهر أو لا ، ولا الإباحة ولا العارية.

ولو قال : أتزوجني بنتك؟ فقال : زوجتك ، لم ينعقد حتى يقبل ، وكذا إن زوجتني ابنتك ، وكذا جئتك خاطبا راغبا في بنتك ، فيقول : زوجتك.

______________________________________________________

بذلك وجهان ، للشك في صدق التخاطب على هذا الوجه.

قوله : ( ولو عجزا عن النطق أو أحدهما أشار بما يدل على القصد ).

لا فرق بين كون العجز لخرس أصلي أو لعارض طارئ ، وحينئذ فتكفي الإشارة كما تكفي في التكبير والأذكار وسائر التصرفات القولية ، وكأنه لا خلاف في ذلك ، ولا بدّ من كون الإشارة مفهمة للمراد دالة على القصد ، وإلاّ لم يعتد بها.

قوله : ( ولا تنعقد بلفظ البيع ولا الهبة ولا الصدقة ولا التمليك ولا الإجارة ـ ذكر المهر أولا ـ ولا الإباحة ولا العارية ).

لا خلاف في شي‌ء من ذلك عندنا ، وخالف بعض العامة (١) ، فجوّز إيقاع العقد بلفظ الهبة والبيع والتمليك والصدقة ، دون الإخلال والإباحة والعارية ، وفي الإجارة عن أبي حنيفة (٢) روايتان ، وكل ذلك ليس بشي‌ء.

قوله : ( ولو قال : أتزوجني بنتك؟ فقال : زوجتك لم ينعقد حتى يقبل ، وكذا : إن زوجتني ابنتك ، وكذا : جئتك خاطبا راغبا في بنتك ، فيقول : زوجتك ).

أي : لو أتى بلفظ يدل على الرضا بالتزويج ـ كما لو أتى بلفظ الاستفهام‌

__________________

(١) انظر : المبسوط للسرخسي ٥ : ٥٩ و ٦١ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٤٢٩ ، الشرح الكبير على متن المقنع ٧ : ٣٧١.

(٢) المبسوط ٥ : ٦١ ، المغني ٧ : ٤٢٩ ، الشرح الكبير على متن المقنع ٧ : ٣٧١.

٧٦

ولا ينعقد بالكتابة للعاجز إلاّ أن تضم قرينة تدل على القصد.

ويشترط التنجيز ، فلو علّقه لم يصح. واتحاد المجلس ، فلو قالت : زوجت نفسي من فلان وهو غائب فبلغه فقبل لم ينعقد ، وكذا لو أخر القبول مع الحضور بحيث لا يعد مطابقا للإيجاب.

______________________________________________________

فقال : أتزوجني ابنتك؟ فقال الولي : زوجتك ـ أو أتى بالشرط فقال : إن زوجتني ابنتك ويكون الجزاء محذوفا مقدرا بقبلت ونحوه فقال : زوجتك ، أو قال الزوج : جئتك خاطبا راغبا في بنتك فقال الولي : زوجتك.

فإنه لا ينعقد النكاح في ذلك كلّه حتى يأتي الزوج بالقبول بعد الإيجاب ، لأن المتقدم لا يصلح للقبول وإن قصد به الإنشاء ، لبعده عن شبهه.

قوله : ( ولا ينعقد بالكتابة للعاجز إلاّ أن تنضم قرينة تدل على القصد ).

لا ريب عندنا في أن الكتابة لا تكفي في إيقاع عقد النكاح للمختار ، لأن الكتابة كناية والنكاح لا يقع بالكنايات ، وكذا لا يكفي في حق العاجز ، فلو كتب الولي صورة الإيجاب أو الزوج صورة القبول عند عجزه عن النطق لم يعتد ، بذلك ما لم تدل القرينة على القصد إلى إيقاع النكاح بذلك ، فإن الكتابة قد تصدر لا عن قصد النكاح.

قوله : ( ويشترط : التنجيز فلو علقه لم يصح ، واتحاد المجلس فلو قالت : زوجت نفسي من فلان وهو غائب فبلغه فقبل لم ينعقد ، وكذا لو أخّر القبول مع الحضور بحيث لا يعدّ مطابقا للإيجاب ).

يشترط في عقد النكاح التنجيز قطعا ، لانتفاء الجزم بدونه ، فيبطل ولو علقه بأمر (١) محتمل أو متوقع الحصول.

__________________

(١) في « ض » : فلا ينعقد لو علقه بفعل.

٧٧

ولو أوجب ثم جن أو أغمي عليه قبل القبول بطل.

ولو زوجها الولي افتقر إلى تعيينها إما بالإشارة ، أو بالاسم ، أو بالوصف الرافع للاشتراك ، فلو زوجه إحدى بنتيه أو هذا الحمل لم يصح.

______________________________________________________

وكذا يشترط اتحاد مجلس الإيجاب والقبول ، فلو تعدد المجلس ـ كما لو قالت الزوجة : زوجت نفسي من فلان وهو غائب ، فبلغه فقبل ـ لم يصح قطعا ، لأن العقود اللازمة لا بد فيها من وقوع القبول على الفور عادة ، بحيث يعدّ جوابا للإيجاب.

وكذا لو تخلل بينهما كلام آخر أجنبي ، وجوّز الشافعي أن يخطب الزوج قبل القبول كما يخطب الولي قبل الإيجاب (١) ، و

قال الشيخ رحمه‌الله : لا نعرف لأصحابنا ذلك (٢) ، فالمذهب بطلان العقد بتخلل ذلك.

قوله : ( ولو أوجب ثم جنّ أو أغمي عليه قبل القبول بطل ).

وكذا القول في كل عقد لازم ، ووجهه : أن الإيجاب وحده لا يتحقق به اللزوم ، فإذا خرج الموجب عن أهلية التصرف امتنع إنشاء ما ينعقد به النكاح حينئذ ، كما لو وكل ثم جنّ أو وهب ثم جنّ قبل الإقباض.

وكذا القول في كل مانع من صحة التصرف ، أما النوم فإنه لا يبطل حكم الإيجاب إن لم يطل الزمان ، لأنه لا يبطل العقود الجائزة ، والإيجاب في العقد اللازم بمنزلتها ، ولو طال الزمان حتى عدّ فاصلا بين الإيجاب والقبول لم يصح ، كذا قال المصنف في التذكرة (٣) ، وهو يقتضي إلاّ يجوز الإتيان بالقبول بعد عروض النوم للموجب حتى يستيقظ ، وهو محتمل.

قوله : ( ولو زوجها الولي افتقر إلى تعيينها ، إما بالإشارة أو بالاسم أو بالوصف الرافع للاشتراك ، فلو زوجه إحدى ابنتيه أو هذا الحمل لم يصح ).

__________________

(١) المجموع ١٦ : ٢٠٨.

(٢) المبسوط ٤ : ١٩٥.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٢.

٧٨

______________________________________________________

يشترط في كل من الزوجين‌ أن يكون معينا إجماعا ، وينبّه عليه أن كل عاقد ومعقود عليه لا بد من تعيينهما كالمشتري والمبيع ، ولامتناع تعلق النكاح واستحقاق الاستمتاع بغير معيّن ، والتعيين إنما يحصل بأمور ثلاثة (١).

الإشارة المميزة ، كما لو كانت المرأة حاضرة فقال الولي : زوجتك هذه المرأة ، أو هذه وهذه فلانة ، فإن الإشارة كافية في التخصيص والزيادة تأكيد ، وكذا تكفي الإشارة في تعيين الزوج.

ولو لم تكن حاضرة افتقر إلى ذكر اسمها المميز لها أو وصفها المميز أيضا ، كأن يقول : زوجتك بنتي فاطمة إن كان له غيرها ، وإلاّ كفي قوله زوجتك بنتي.

ولو قال : زوجتك التي في الدار وليس فيها غيرها صح أيضا لحصول الوصف الخاص ، ولو تميزت بنات شخص باللون أو السن ، فقال : زوجتك بنتي البيضاء أو السمراء أو الكبرى أو الصغرى أو الوسطى مثلا صح ، إذا كان الوصف مختصا بواحدة.

ولو قال : زوجتك هذه فاطمة وأشار إليها وكان اسمها زينب ، ففي صحة العقد وجهان : أحدهما الصحة لوجود الإشارة فيلغى الاسم ، والعدم لانتفاء المسماة بفاطمة ، ومثله ما لو قال : بعتك فرسي هذا وهي بغل ، وزوجتك هذا الغلام وهو بنت.

ولو قال : زوجتك فاطمة ولم يعيّن ، فان نوى معينة وعرفها الزوج وقبل نكاحها صح عندنا ـ وإن لم يصر السامع شاهدا ، نعم لو تصادقا بعد العقد على قصدها أمكن القول بصيرورته شاهدا حينئذ ـ ولو لم ينو معينة على الوجه المذكور لم يصح.

إذا عرفت هذا فإذا زوجه إحدى ابنتيه لم يصح ، وكذا لو زوجه الحمل ، لأن الأحكام الشرعية لا تجري على الحمل إلاّ بعد تولده ، فلا يصح البيع له ولا الشراء‌

__________________

(١) وهي : الإشارة والاسم والوصف ، كما في المتن ، ولم يذكر الشارح هذه الأمور الثلاثة منفصلة.

٧٩

ولو كان له عدة بنات فزوجه واحدة منهن ، ولم يذكر اسمها حين العقد ، فإن لم يقصد معينة بطل ، وإن قصد صح.

فإن اختلفا في المعقود عليها ، فإن كان الزوج قد رآهن كلهن فالقول قول الأب لأن الظاهر أنه وكل التعيين إليه ، وعليه أن يسلم إليه المنوية. فلو مات قبل البيان أقرع وإن لم يكن رآهن بطل العقد.

______________________________________________________

ولا غير ذلك.

قوله : ( ولو كان له عدة بنات فزوجه واحدة منهن ولم يذكر اسمها حين العقد ، فان لم يقصد معينة بطل ، وإن قصد صح ، فان اختلفا في المعقود عليها ، فان كان الزوج قد رآهن كلّهن فالقول قول الأب ، لأن الظاهر أنه وكل التعيين إليه ، وعليه أن يسلم إليه المنويّة ، ولو مات قبل البيان أقرع ، وإن لم يكن رآهن بطل ).

لو كان لرجل عدة بنات ، فزوج واحدة منهن ولم يسمّها عند العقد ، فان لم يقصد واحدة منهن بعينها بطل العقد قطعا ، وقد سبق تعريفه.

وإن قصد ، فقد أطلق المصنف الصحة ، وهو واضح إذا عرف الزوج ما نواه الأب وقبل نكاحها ، لتوارد الإيجاب والقبول حينئذ على شي‌ء واحد. أما إذا لم يعرف ما نواه ولم يقصد ما قصده فيبطل ، لاختلاف مورد الإيجاب والقبول.

ولو لم يعرف لكنه قبل نكاح من قصدها الأب ، فمقتضى ما سيأتي ، مضافا الى مفاد إطلاق قوله : ( وإن قصد صح ) الصحة ، وبه صرح في التذكرة (١) ، لكنه يشرط أن يكون الزوج قد رآهن.

فان اختلفا ـ أعني : الأب والزوج في المعقود عليها ـ فان كان الزوج قد رآهن كلهن ـ أي : جميع البنات ـ فالقول قول الأب ، لرواية أبي عبيدة عن الباقر عليه‌السلام ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٨٤.

٨٠