جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

______________________________________________________

قال : سألته عن رجل كنّ له ثلاث بنات ، فزوج إحداهن رجلا ولم يسم التي زوج للزوج ولا للشهود وقد كان الزوج فرض لها صداقا ، فلما بلغ أن يدخل بها على الزوج ، وبلغ الزوج أنها الكبرى ، فقال الزوج : إنما تزوجت بنتك الصغيرة من بناتك ، فقال الباقر عليه‌السلام : « إن كان الزوج رآهن ولم يسم له واحدة منهن ، فالقول في ذلك قول الأب ، وعلى الأب فيما بينه وبين الله تعالى أن يدفع إلى الزوج الجارية التي نوى أن يزوجها إياه عند عقد النكاح ، وإن كان الزوج لم يرهنّ كلهنّ ، ولم يسم له واحدة منهن عند عقدة النكاح ، فالنكاح باطل » (١).

قال المصنف في المختلف : والتخريج لهذه الرواية أن الزوج إذا كان قد رآهن كلهنّ ، فقد رضي بما يعقد عليه الأب منهنّ ورضي باختياره ووكل الأمر إليه ، وكان في الحقيقة وكيله ، وقد نوى الأب واحدة معينة ، فصرف العقد إليها ، وإن لم يكن قد رآهن ، كان العقد باطلا ، لعدم رضى الزوج بما يسمّيه الأب ويعينه في ضميره ، والأصل في ذلك أن نقول : إن كان الأب قد نوى واحدة بعينها ، وكانت رؤية الزوج لهنّ دليلا على الرضى بما يعيّنه صح العقد ، وكان القول قول الأب فيما يدعيه ، وإلاّ فلا (٢).

هذا كلامه ، وهو المراد بقوله هنا : ( لأن الظاهر أنه وكل التعيين إليه ).

ومحصّله يرجع إلى أن الزوج إذا قبل نكاح التي أوجب الأب نكاحها ، راضيا بتعيين الأب عن تعيينه ، صح مع رؤية الزوج إياهن لا بدونها ، لأنه مع الرؤية يتحقق رضاه بتعيين الأب لا بدونها ، وحينئذ فوجه تقديم قول الأب أن الاختلاف في فعله وتعيينه ، فالقول قوله في ذلك ، لأنه أعلم به.

لكن لا يخفى أن ما ادعاه غير واضح ، لأنه لا ملازمة بين الرؤية والرضا بتعيين‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١٢ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٦٧ حديث ١٢٦٨ ، التهذيب ٢ : ٣٩٣ حديث ١٥٧٤.

(٢) المختلف : ٥٣٩.

٨١

______________________________________________________

الأب ، وبين عدمها وعدم الرضا بتعيينه.

ولو نزلت الرواية على أن الرؤية دلت على الرضا بمن يعيّنها الأب وعدمها على العدم ، كان تنزيلا للفظ الرواية على ما لا يحتمل ، وتخصيصا لها بما لم يصرح به أحد من الأصحاب ، لأن العاملين بها أجروها على ظاهرها.

والتنزيل المذكور يتضمن جواز قبول نكاح من قصد الولي أو الوكيل لعدة نساء أنكحها بالإيجاب ، من غير أن يعرف قصده ولو لم يكن قد رآهن ، وفيه خروج عن صريح الرواية.

وعبارة جمع من الأصحاب ، وارتكاب ما لا يدل عليه دليل ، وهو تجويز : النكاح في هذه الحالة مع عدم رؤية المعقود على إحداهن ، على أن التزام صحة قبول نكاح من ليست معينة عنده مع عدم نهوض دليل ، أخطر من ردّ الرواية.

وإنما قلنا إنه لم ينهض عليه دليل ، لأن الرواية لا تدل عليه ، إلاّ إذا نزّلت على ما ذكره المصنف ، وهو خلاف ظاهرها.

وذهب ابن إدريس إلى بطلان النكاح مع الرؤية وبدونها ، لأن العقد إنما يصح على معينة (١).

فإن قيل : هذا يقتضي ردّ الرواية.

قلنا : ظاهرها مخالف لأصول المذهب ، وتنزيلها قد عرفت ما فيه ، فقول ابن إدريس لا يخلو من قوة ، ولو عملنا بالرواية فلا ريب في أنه يجب على الأب فيما بينه وبين الله تعالى أن يسلّم إلى الزوج المعقود عليها.

ولو مات الأب قبل البيان فلا طريق إلاّ القرعة ، لأنه أمر مشكل. وعلى قبول قول الأب ـ على القول به بغير يمين أو مطلقا ـ الرواية ، وعبارات الأصحاب خالية‌

__________________

(١) السرائر : ٢٩٩.

٨٢

الثاني : المحل : وهو كل امرأة يباح العقد عليها ، وسيأتي ذكر المحرمات إن شاء الله تعالى.

الثالث : العاقد : وهو الزوج أو وليه ، والمرأة أو وليها. وكما يجوز للمرأة أن تتولى عقدها ، فكذا لها أن تتولى عقد غيرها زوجا أو زوجة.

______________________________________________________

منه ، وعموم الدليل الدال على اعتبار حجة اليمين ممن قوي جانبه يقتضيه ، وهو محتمل.

قوله : ( الثاني : المحل ، وهو : كلّ امرأة يباح العقد عليها ، وسيأتي ذكر المحرمات إن شاء الله تعالى.

الثالث : العاقد ، وهو : الزوج أو وليه ، والمرأة أو وليها ، وكما يجوز للمرأة أن تتولى عقدها فكذا لها أن تتولى عقد غيرها ، زوجا أو زوجة ).

قد عدّ المرأة ركنا ثانيا حيث أنها محل ، وعدّها من جملة الركن الثالث حيث عدها أحد العاقدين ، ولا بعد في كون الشي‌ء ركنا باعتبار وركنا آخر باعتبار آخر.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن المرأة يجوز لها أن تزوّج نفسها إذا كانت ثيبا جائزة التصرف باتفاق علمائنا ، وكذا إذا كانت بكرا وعضلها الولي ، واختلفوا في البكر إذا لم يعضلها الولي ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى ، وأن الأصح أنها مع بلوغها ورشدها لها الاستقلال بالعقد على نفسها.

وكما يجوز للمرأة أن تعقد على نفسها ، فكذا لها أن تتولّى عقد غيرها بالوكالة إيجابا وقبولا ، لأن عبارتها في النكاح كعبارتها في سائر العقود ، ومنع من ذلك الشافعي وجمع من العامة ، وقالوا : إن عبارتها في النكاح لا اعتبار بها إيجابا وقبولا لنفسها ولغيرها (١) ، وجوّزه أبو حنيفة وجماعة (٢).

__________________

(١) انظر : المجموع ١٦ : ١٥٤ ، كفاية الأخيار ٢ : ٣٠ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٣٣٧ ، المبسوط ٥ : ١٠.

(٢) انظر : المجموع ١٦ : ١٥٤ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٣٣٧ ، بداية المجتهد ٢ : ٨ ، المبسوط ٥ : ١٠.

٨٣

ويشترط فيه : البلوغ ، والعقل ، والحرية. فلا يصح عقد الصبي ولا الصبية وإن أجاز الولي ، ولا المجنون رجلا أو امرأة ، ولا السكران وإن أفاق وأجاز وإن كان بعد الدخول.

ولا يشترط في نكاح الرشيدة الولي ، ولا الشهود في شي‌ء من الأنكحة ، ولو تآمرا الكتمان لم تبطل.

______________________________________________________

قوله : ( ويشترط فيه البلوغ والعقل والحرية ، فلا يصح عقد الصبي ولا الصبية وإن أجاز الولي ، ولا المجنون رجلا وامرأة ، ولا السكران وإن أفاق وأجاز وإن كان بعد الدخول ، ولا يشترط في نكاح الرشيدة الولي ولا الشهود في شي‌ء من الأنكحة ، ولو تآمرا الكتمان لم يبطل ).

لا شبهة في أن العاقد كائنا من كان ـ زوجا أو زوجة ، أو ولي أحدهما أو وكيله ـ يشترط فيه البلوغ والعقل والحرية ، فلو عقد الصبي لنفسه أو لغيره لم يعتد بعبارته وإن أجاز وليّه ، وكذا الصبية ، وكذا من به جنون ، ذكرا كان أو أنثى ، وفي حكمه المغمى عليه والسكران.

ولو أفاق السكران فأجاز العقد الواقع في السكر لم يصح وإن كان بعد الدخول.

وقال الشيخ في النهاية (١) إنه يصح ، لرواية محمد بن إسماعيل بن بزيع الصحيحة ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ ، فسكرت فزوّجت نفسها رجلا في سكرها ، ثم أفاقت فأنكرت ذلك ، ثم ظنت أنه يلزمها فورعت منه فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج ، إحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال : « إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا‌

__________________

(١) النهاية : ٤٦٨.

٨٤

ويصح اشتراط الخيار في الصداق لا النكاح.

______________________________________________________

منها » قلت ويجوز ذلك التزويج عليها؟ قال : « نعم » (١).

وحقق المصنف في المختلف : أن السكر إن بلغ حدا لا يبقى معه تحصيل كان العقد باطلا ، وإلاّ فلا (٢).

وما حققه حقّ ، إلاّ أنه قال : وإن لم يبلغ السكر إلى ذلك الحد صح العقد مع تقريرها إياه (٣).

وفي هذا القيد نظر ، لأنها حينئذ إن كانت جائزة التصرف لزمها ولم يكن لها بعد ذلك ردّه ، وإلاّ لم يصح أصلا ، فما حمل عليه الرواية غير مستقيم.

ولا يشترط في نكاح الرشيدة الولي ، بكرا كانت أو لا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى حكاية الخلاف في ذلك وتحقيق الحق.

وكذا لا يشترط الشهود في شي‌ء من الأنكحة : المتعة والدائم ، خلافا لابن أبي عقيل (٤) ، حيث اعتبر في الدائم مع الولي شاهدي عدل ، لتضمن مكاتبة المهلب إلى أبي الحسن عليه‌السلام : « أن النكاح الدائم لا بد فيه من ولي وشاهدي عدل » (٥) وهي مع ضعفها ـ بكونها مكاتبة ، وعدم العلم بصحة سندها ـ مخالفة لما عليه أكثر الأصحاب ، فيحمل على الاستحباب.

ولا يشترط عدم تآمرهما الكتمان ، أي : تواطئهما عليه ، وذهب مالك من العامة إلى أن الإشهاد غير شرط ، لكن يشترط عدم التواطؤ على الكتمان (٦) ، وليس بشي‌ء.

قوله : ( ويصح اشتراط الخيار في الصداق لا النكاح ).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٥٩ حديث ١٢٣٠ ، التهذيب ٧ : ٣٩٢ حديث ١٥٧١ ، عيون الاخبار ٢ : ١٨ حديث ٤٤.

(٢) المختلف : ٥٣٨.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المختلف : ٥٣٥.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٥٥ حديث ١١٠١ ، الاستبصار ٣ : ١٤٦ حديث ٥٢٩.

(٦) انظر بداية المجتهد ٢ : ١٧ ، المجموع ١٦ : ١٩٩.

٨٥

ولو ادعى كل منهما الزوجية فصدّقه الآخر حكم بالعقد وتوارثا.

ولو كذبه الآخر قضى على المعترف بأحكام العقد خاصة.

______________________________________________________

أما اشتراط الخيار‌ في الصداق فيدل على صحته : أن ذكر المهر في النكاح غير شرط في صحته ، ولذلك يجوز إخلاؤه عنه واشتراط عدمه ، فإذا اشترط أحدهما أو كلاهما خيارا لم يكن الشرط منافيا لمقتضى العقد ، فيندرج في عموم : « المسلمون عند شروطهم » (١).

وأما النكاح فإنه يكون ضربا من ضروب العبادات ـ وليس هو معاوضة لا يصح اشتراط الخيار فيه ـ فان شرط كان الشرط باطلا قطعا ، وهل يبطل به العقد؟ فيه قولان.

أصحهما : ـ واختاره الشيخ (٢) ، والمصنف في المختلف (٣) ـ نعم ، لأن التراضي إنما وقع على ذلك الوجه الفاسد ، فيكون ما وقع التراضي عليه منتفيا ، وغيره لم يحصل.

وقال ابن إدريس : يبطل الشرط دون العقد ، لأن الواقع شيئان ، فإذا بطل أحدهما بقي الآخر (٤).

ويضعف : بأن الواقع شي‌ء واحد ، وهو العقد على وجه الاشتراط ، فلا يتصور بطلان شي‌ء منه وبقاء ما سواه ، ( ولأنه قد اشترط فيه ما ينافيه ، ووجود أحد المتنافيين يقتضي رفع ذلك ) (٥).

قوله : ( ولو ادعى كلّ منهما الزوجية وصدقه الآخر حكم بالعقد وتوارثا ، ولو كذبه الآخر قضي على المعترف بأحكام العقد خاصة ).

__________________

(١) انظر : الكافي ٥ : ١٦٩ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٢ حديث ٩٤ ، دعائم الإسلام ٢ : ٤٤ حديث ١٠٦ ، صحيح البخاري ٣ : ١٢٠.

(٢) المبسوط ٤ : ١٩٤.

(٣) المختلف : ٥٣٩.

(٤) السرائر : ٢٩٩.

(٥) ما بين القوسين لم يرد في « ش » والنسخة الحجرية ، وأثبتناه من « ض ».

٨٦

ولو ادعى زوجية امرأة وادعت أختها زوجيته وأقاما بينة ، حكم لبينتها إن كان تأريخها أسبق ، أو كان قد دخل بها ، وإلاّ حكم لبينته.

والأقرب الافتقار إلى اليمين على التقديرين ، إلاّ مع السبق ،

______________________________________________________

لو ادعى رجل أو امرأة‌ زوجية الآخر ، فان صدقه ثبت النكاح بينهما ولزمهما أحكامه حتى التوارث عندنا ، لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) ومعلوم أن ذلك حيث يكون كلّ منهما نافذ الإقرار في غير النكاح ، ولا يعتبر عندنا كونهما غريبين ، خلافا للشافعي في أحد قوليه ، حيث حكم بمطالبة البلديين بالبينة وعدم ثبوت النكاح من دونها (٢).

ولو كذبه ، فإن أقام المدعي بينة أو حلف اليمين المردودة قضي بالنكاح ظاهرا كالإقرار ، وعليهما فيما بينهما وبين الله تعالى العمل بمقتضى الواقع في نفس الأمر ، وإن لم يحصل أحد الأمرين قضي على مدعي النكاح بأحكامه خاصة ـ أي : دون الآخر ـ سواء حلف المنكر أم لا ، فيمنع المدعي من التزويج إن كان امرأة ، وكذا كل ما تمنع منه الزوجة إلاّ بإذن الزوج ، وإن كان رجلا منع من الخامسة ، وبنت الزوجة وأمها وأختها وبنت أختها وبنت أخيها إذا لم تأذن ، والمهر الذي أقرّ به دين عليه ، لكن ليس لها مطالبته به ، ويجب عليها التوصل إلى خلاص ذمته إن كان صادقا ، ولا نفقة عليه ، لأنها في مقابلة التمكين ، ومن هذا يعلم أن إطلاق العبارة يحتاج إلى التقييد.

قوله : ( ولو ادعى زوجية امرأة وادعت أختها زوجيته وأقاما بينة ، حكم لبينتها إن كان تأريخها أسبق أو كان قد دخل بها ، وإلاّ حكم لبينته ، والأقرب الافتقار إلى اليمين على التقديرين ، إلاّ مع السبق ).

لو ادعى زوجية امرأة وادعت أختها زوجيته ، فاما أن لا يقيم أحدهما بينة ، أو‌

__________________

(١) انظر : عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧ حديث ٥.

(٢) المجموع ١٦ : ١٨٧ ، الوجيز ٢ : ٢٦١.

٨٧

______________________________________________________

يقيم كل منهما بينة ، أو يقيم أحدهما بينة دون الأخر ، وعلى هذا فاما أن يكون المقيم للبينة الرجل أو المرأة.

وإذا أقاما بينة ، فاما أن تكونا مطلقتين ، أو مؤرختين ، أو تكون أحدهما مطلقة والأخرى مؤرخة ، فاما بينة الرجل أو المرأة المؤرختان إما أن يتقدم منهما تاريخ بينته أو بينتها أو لا يتقدم واحد.

وعلى التقديرات فاما أن يدخل بها أو لا ، فهذه ثمانية عشر صوره.

فان لم يقم أحدهما بينة فالقول قوله بيمينه ، لأنه منكر لزوجيتها ، ودعواه زوجية أختها بينه وبين الأخت.

هذا إن لم يكن قد دخل بالمدعية ، فإن دخل بها ففي الاكتفاء بيمينه نظرا إلى أنه منكر ، أو بيمينها نظرا إلى أن فعله مكذب لدعواه تردد.

وإن أقام أحدهما البينة خاصة قضي له ، سواء الرجل والمرأة ، والدخول وعدمه ، إلاّ إذا كانت البينة للرجل وقد دخل بالمدعية ، فإنها لا تسمع ، لأن فعله كذبها ، فيكون كما لو لم يقم أحدهما بينة.

وإن أقام كل بينة ولم يؤرخا معا ، أو أرخت إحداهما خاصة ، فالترجيح لبينته ، لأن الأخرى لا ينافيها إلاّ مع الدخول لسقوط بينته بتكذيبه إياها ، فيحكم لبينتها.

وإن ارختا معا ، فان تقدم تاريخ بينتها قدمت به مطلقا ، لأنها تشهد بالنكاح في وقت لا تعارضها الأخرى فيه ، ومع التساوي وتأخر تاريخ بينتها ، فالتقديم لبينته إن لم يكن دخل بها ، لورود النص على ذلك (١) وإن كان مخالفا للأصل ، وهو قبول البينة للمدعي دون المنكر ، فان الزوج هو المنكر في هذه الصورة ، وكأن هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب.

__________________

(١) انظر : الكافي ٥ : ٥٦٢ حديث ٢٦ ، التهذيب ٧ : ٤٣٣ حديث ١٧٢٩.

٨٨

______________________________________________________

وإن كان قد دخل بها قدمت بينتها في الصورتين ، لسقوط بينته بفعله.

[ واعلم أن في حواشي شيخنا الشهيد : أنه إذا تقدّم تاريخ بينته تقدم وإن كان قد دخل بها ، وهو خلاف ما هنا وخلاف المنصوص ] (١).

إذا عرفت ذلك فاعلم : أنه مع إقامة البينتين من طرف الرجل ومن طرف المرأة ، هل يفتقر الحكم ـ له على تقدير تقديم بينته ، أو لها على تقدير تقديم بينتها ، في جميع صور تأريخها أو أحدهما أو الإطلاق ـ إلى اليمين؟

الأقرب عند المصنف الافتقار إليها ممن قدمت بينته منه أو منها في جميع الصور ، إلاّ مع سبق تاريخ إحدى البينتين على الأخرى إذا ارختا ، فإنه لا احتياج إلى اليمين هنا.

ووجه هذا : انتفاء التعارض في صورة السبق ، فإن السابقة تشهد بالنكاح في وقت لا يعارضها فيه أحد ، فتعين الحكم بها.

وأما بدون السبق فوجه القرب : أن التعارض حاصل ، لأنه ظاهر مع اتفاق التاريخ.

وأما الإطلاق ، فأصالة عدم التقدم والتأخر صيرتهما كالمتفقتين ، والبينة في كل من الجانبين حجة.

أما من جانب الرجل فلورود النص على ذلك ، وينبه على ذلك أنه مدع لزوجية الأخت المتضمنة لكون المدعية غير زوجة ، فهو مدعي في معنى المنكر.

وأما من جانب المرأة فلوضوح كونها مدعية ، فمع إقامتها يتعارضان ، فلا بد من مرجح للحكم بأحدهما ، لأن القاعدة الكلية تساقط البينتين مع التعارض ، فمن قوي جانبه يستحلف ، ومع الدخول جانب المرأة أقوى ، ومع عدمه فالأقوى جانب‌

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ورد في النسخة الحجرية ، ولم يرد في « ش » و « ض ».

٨٩

وفي انسحاب الحكم في مثل الام والبنت اشكال.

ولو ادعى زوجية امرأة لم يلتفت إليه إلاّ بالبينة ، سواء عقد عليها‌

______________________________________________________

الرجل (١).

فان قيل : مع الدخول تسقط بينته ، فتبقى بينتها بغير معارض.

قلنا : الدخول مرجّح لجانبها لا مسقط للبينة ، فيصير جانبها أقوى ، لمساعدة الظاهر إياها ، فإن الدخول ليس نصا في الزوجية ، بل يبقى معه الاحتمال.

ويحتمل (٢) العدم ، لأن النص ورد على تقديم بينته ، فلو توقف على اليمين لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ومع الدخول تسقط بينتها.

والجواب : أن النص الوارد غير مناف لثبوت اليمين بدليل آخر ، مع أن ذلك جار على خلاف الأصل ، فينبغي الأخذ باليقين في موضع المخالفة ، وقد ثبت ذلك مع التعارض ، والدخول يقوي جانبها على ما بيناه ، واعتبار اليمين أقوى.

قوله : ( وفي انسحاب الحكم في مثل الام والبنت إشكال ).

ينشأ : من أن النص إنما ورد على الاختلاف بين الرجل وأخت من يدعي زوجيتها ، والحكم فيهما ثبت على خلاف الأصل المقرر ، فيقتصر في المخالفة على صورة النص.

ومن أن المقتضي مشترك ، فان الزوج في هذه الصورة مدع وإن كان في قوة المنكر ، فتسمع بينته وتقدم.

وليس بشي‌ء ، بل المعتمد تقديم بينتها ، ومع عدمها يحلف ، ولا مقتضي في المسألة السابقة إلاّ النص ، فلا يتجاوز مورده.

قوله : ( ولو ادعى زوجية امرأة لم يلتفت اليه إلاّ بالبينة ، سواء عقد‌

__________________

(١) في « ض » : ومع عدمه جانب المرأة ، والصحيح ما أثبتناه وهو من « ش ».

(٢) عطف على قوله السابق : هل يفتقر الحكم. الى اليمين؟ الأقرب عند المصنف الافتقار.

٩٠

غيره أو لا.

______________________________________________________

عليها غيره أو لا ).

ظاهر هذه العبارة أنه لا تسمع دعواه بدون البينة ، فلا يتوجه عليها اليمين.

ولا وجه له إذا لم يعقد عليها غيره ، لأنها لو أقرت لنفع إقرارها ، ولو نكلت عن اليمين فردت عليه فحلف ثبت النكاح قطعا.

نعم إذا عقد عليها غيره ، ففي سماع دعواه عليها قولان :

أحدهما : ـ وهو ظاهر اختيار التذكرة (١) ـ تسمع ، بناء على أنها لو أقرت في هذه الحالة لاغرمناها مهر المثل ، لحيلولتها بين الزوج ومنافع البضع بالعقد على الثاني ، كما لو باع شيئا على أنه له ثم أقر بأنه مال زيد ، فإنه يغرم لزيد عوضه.

والثاني : لا ، وهو اختيار التحرير ، لأن البضع ليس مالا للزوج ، وإنما حقه الانتفاع به ، ومنافع الجزء لا تضمن بالفوات ، لأنها لا تدخل تحت اليد ، على أن منافع البضع ليست كسائر المنافع ، لأن الزانية لا تستحق مهرا ولا زوجها ، ومع الوطء بالشبهة فالمهر لها دون الزوج ، وحيث كان كذلك لا تسمع الدعوى ، لأن غايتها إقرار الزوجة ، وهو غير مسموع ، أو ردّ اليمين ، والمردودة إن كانت كالإقرار فظاهر ، وإن كانت كالبينة ، فإنما هي كذلك بالنسبة إلى المتداعيين خاصة دون الزوج الثاني ، فلا تفيد ثبوت النكاح ، ولزوم مهر المثل لا دليل عليه ، فلا أثر لسماع هذه الدعوى أصلا.

لكن سيأتي في الرضاع إن شاء الله تعالى أن من انفسخ النكاح بإرضاعها تغرم المهر ، لأن حق الانتفاع بالبضع متقوم شرعا ، فمن أتلفه فعليه عوضه ، وهو المهر.

وينبه على ذلك وجوب دفع مهر المهاجرة إلى زوجها الكافر ، للحيلولة بينه وبينها بالإسلام ، وهذا بعينه قائم هنا ، فالغرم ليس ببعيد ، مع ما فيه من الزجر عن الاقدام على مثل ذلك ، والمحافظة على عموم : البينة على المدعي واليمين على من أنكر.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٩٨ ـ ٥٩٩.

٩١

الفصل الثاني : في الأولياء ، وفيه مطالب :

الأول : في أسبابها ، وهي في النكاح اما بالقرابة ، أو الملك ، أو الحكم.

أما القرابة فتثبت الولاية منها بالأبوة والجدودة منها لا غير ، فلا ولاية لأخ ولا عم ولا أم ولا جد لها ولا ولد ، ولا غيرهم من الأنساب قربوا أو بعدوا ،

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثاني : في الأولياء ، وفيه مطالب : الأول في أسبابها ، وهي في النكاح : إما القرابة ، أو الملك أو الحكم.

أما القرابة ، فتثبت الولاية فيها بالأبوة والجدودة منها لا غير ، فلا ولاية لأخ ولا عم ولا عم ولا جد لها ولا ولد ولا غيرهم من الأنساب ، قربوا أو بعدوا ).

أسباب الولاية في النكاح عندنا منحصرة في القرابة والملك والحكم وهو الإمامة والوصاية ، ولم يعد المصنف هنا الوصاية ، وصرح فيما بعد بأنه لا ولاية في النكاح بسببها ، وتردد في الوصايا في ذلك ، وقد جزم المصنف هنا بعد التردد ، وعلى ما اخترناه هناك من ثبوت الولاية بسببها يجب عدّها.

والولاية الثابتة بالقرابة منحصرة عندنا في قرابة الأبوة والجدودة من الأبوة. باتفاق علمائنا ، فلا تثبت للأخ ولاية ، من الأبوين كان أو من أحدهما ، انفرد أم كان مع الجد ، خلافا للعامة (١).

وكذا الولد وسائر العصبات قربوا أم بعدوا ، وكذا لا ولاية للأم ولا لمن يتقرب بها ، وهو قول الأصحاب وأكثر العامة (٢).

__________________

(١) انظر كفاية الأخيار ٢ : ٣٢.

(٢) انظر المبسوط للسرخسي ٥ : ١٠ ، اعانة الطالبين ٣ : ٣٠٧.

٩٢

وإنما تثبت للأب والجد للأب وإن علا.

وهل يشترط في ولاية الجد بقاء الأب؟ الأقرب لا.

______________________________________________________

وقال ابن الجنيد : إن الأم وأباها يقومان مقام الأب في ذلك عند عدمه ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر نعيم بن النجاح أن يستأمر أم ابنته في أمرها ، وقال : « فأمروهنّ في بناتهن » (١).

وفي رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « إن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري ، فأيّ هؤلاء عفى جاز » (٢).

وهو ضعيف ، ومثل هذه لا تنهض حجة على ثبوت الولاية والسلطنة.

قوله : ( وإنما تثبت للأب والجد للأب وإن علا ، وهل يشترط في ولاية الجد بقاء الأب؟ الأقرب لا ). (٣)

وقد عرفت إجماع الأصحاب على انتفاء الولاية في النكاح عمن عدا الأب والجد له ، ولا خلاف في ثبوتها للجد عندنا ، إلاّ من ابن ابي عقيل ، فإنه قال : الولي الذي هو أولى بنكاحهن هو الأب دون غيره من الأولياء (٤) ، وهو ظاهر في نفي الولاية عن الجد ، والأخبار الصحيحة حجة عليه ، مثل قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة عبد الله بن سنان : « الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ هو ولي أمرها » (٥) ولا خلاف في أن الجد ولي أمر الصغيرة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ولاية الجد ثابتة في كل موضع للأب ولاية ، سواء كان‌

__________________

(١) انظر المختلف : ٥٣٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٩٣ حديث ١٥٧٣ ، علما بأن في « ض » : فأي هؤلاء عقد جاز.

(٣) في « ض » : الأقرب ذلك.

(٤) انظر المختلف : ٥٣٥.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٩٢ حديث ١٥٧٠.

٩٣

وتثبت ولايتهما على الصغير ذكرا كان أو أنثى ، بكرا أو ثيبا ، وكذا على المجنون مطلقا وإن بلغ.

وأما الملك فيثبت للمولى ولاية النكاح على عبده وإن كان رشيدا ،

______________________________________________________

الأب حيا أو ميتا عند جمع من الأصحاب.

وقال الشيخ في النهاية : إن حياة الأب شرط في ولاية الجد في موضع الولاية (١) ، وبه قال ابن الجنيد (٢) وأبو الصلاح (٣) وابن البراج (٤) والصدوق (٥) ، احتجاجا برواية الفضل بن عبد الملك عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز ، فإن هوى أبوها رجلا وجدها رجلا فالجد أولى بنكاحها » (٦).

وأجيب أولا : بالمنع من صحة السند ، وثانيا : بأن دلالة المفهوم ضعيفة ، والأصح الأول.

قوله : ( وتثبت ولايتهما على الصغير ، ذكرا كان أو أنثى بكرا أو ثيبا ، وكذا على المجنون مطلقا وإن بلغ ).

لا ريب في ثبوت ولاية الأب والجد له على الصغير ، ذكرا كان أو أنثى بكرا أو ثيبا ، سواء حصلت الثيبوبة بوطء وغيره ، لأن مناط الولاية الصغر وهو موجود ، وكذا تثبت ولايتهما على المجنون مطلقا ، ذكرا كان أو أنثى بكرا كانت الأنثى أو ثيبا وإن بلغ.

قوله : ( وأما الملك فيثبت للمولى ولاية النكاح على عبده وإن كان‌

__________________

(١) النهاية : ٤٦٦.

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٥٣٥.

(٣) الكافي في الفقه : ٢٩٢.

(٤) المهذب ٢ : ١٩٥.

(٥) الهداية : ٦٩.

(٦) الكافي ٥ : ٣٩٦ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٣٩١ حديث ١٥٦٤.

٩٤

وعلى مملوكته كذلك ، ولا خيار لهما معه وله إجبارهما عليه.

وليس له إجبار من تحرر بعضه ،

______________________________________________________

رشيدا ، وعلى مملوكته كذلك ، ولا خيار لهما معه ، وله إجبارهما عليه ، وليس له إجبار من تحرر بعضه ).

الولاية بالملك تثبت للمولى على العبد والأمة ، صغيرين كانا أم لا ، رشيدين أم لا ، سواء كان المولى ذكرا أم أنثى ، صغيرا أم كبيرا ، لقوله تعالى ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (١) وقوله تعالى ( لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٢) ومن الجملة النكاح ،

ولحسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده؟ فقال : « ذلك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما » (٣) الحديث ، وعلى ذلك إجماع الخاص والعام.

وللسيد إجبار مملوكته على النكاح وإن كانت كبيرة رشيدة ثيبا بغير خلاف بين العلماء ، لأن منافعها مملوكة له ، وكذا عبده الصغير عند جميع الأصحاب وأكثر العامة (٤) ، وللشافعية خلاف (٥) ، وكذا الكبير عندنا وعند الأكثر (٦) ، وفي قول للشافعي أنه لا يجبر البالغ العاقل (٧) ، وبه قال أحمد (٨) ، وهو مردود : بأنه مالك لرقبته ومنافعه كالأمة ، وربما تعلق غرضه بحصول النسل منه ، ولظاهر قوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) (٩).

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) النحل : ٧٥.

(٣) الكافي ٥ : ٤٧٨ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ حديث ١٤٣٢.

(٤) المغني لابن قدامة ٧ : ٤٠١ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٩٢.

(٥) المجموع ١٦ : ١٩٥ ، الوجيز ٢ : ١٠ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٤٠١ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٩٢.

(٦) المغني لابن قدامة ٧ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٩٣.

(٧) المجموع ١٦ : ١٩٥ ، الوجيز ٢ : ١٠ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٩٣.

(٨) المغني لابن قدامة ٧ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٩٣.

(٩) النور : ٣٢.

٩٥

وللولي تزويج أمة المولى عليه ، ولا فسخ بعد الكمال.

وأما الحكم فإن ولاية الحاكم تختص في النكاح على البالغ فاسد العقل ، أو من تجدد جنونه بعد بلوغه ، ذكرا كان أو أنثى مع الغبطة.

فلا ولاية له على الصغيرين ، ولا على الرشيدين ، وتسقط ولايته مع وجود الأب أو الجد له.

______________________________________________________

ولو تحرر بعض العبد أو الأمة لم يملك إجبارهما قطعا ، لأن البعض غير مملوك له ، فلا يتسلط عليه ، نعم لا يصح نكاحه إلاّ بإذنه.

قوله : ( وللولي تزويج أمة المولى عليه ، ولا فسخ بعد الكمال ).

إذا اقتضت المصلحة تزويج أمة المولى عليه كالصبي والمجنون والسفيه جاز فعله عندنا ، لأن ذلك من جملة التصرفات التي هي متعلق الولاية ، فإذا كمل المولى عليه لم يكن له فسخ هذا النكاح كغيره من التصرفات.

قوله : ( وأما الحكم ، فإن ولاية الحاكم تختص في النكاح على البالغ فاسد العقل ومن تجدد جنونه بعد بلوغه ، ذكرا كان أو أنثى مع الغبطة ، ولا ولاية له على الصغيرين ولا على الرشيدين ، وتسقط ولايته مع وجود الأب أو الجد له ).

المراد بالحاكم عندنا هو : الامام العادل ، أو من أذن له الامام ، ويدخل فيه الفقيه المأمون الجامع لشرائط الإفتاء والحكم في زمان الغيبة ، ومأذون الحاكم في النكاح الذي ولايته إليه كالحاكم.

إذا تقرر ذلك فولاية الحاكم في النكاح إنما تثبت على من بلغ فاسد العقل وتجدد فساد عقله بعد البلوغ ، ذكرا كان أو أنثى ، إذا كان النكاح صلاحا له.

ووجه الثبوت : أن ولاية المال إليه إجماعا ، فيكون وليه في النكاح ، إذ هو من جملة ما تدعو الحاجة إليه ، وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال :

٩٦

ولا ولاية للوصي وإن فوضت إليه ، إلاّ على من بلغ فاسد العقل مع الحاجة.

______________________________________________________

« الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ هو ولي أمرها » (١).

ولا ولاية للحاكم على الصغيرين ، لانتفاء حاجتهما الى النكاح ، وكذا لا ولاية له على البالغين الرشيدين ، بل أمرهما بيدهما ، وللحاكم الولاية على السفيه البالغ ، وسيأتي في كلام المصنف ، وكأنه إنما ترك ذكره هنا اعتمادا على اندراجه فيمن بلغ فاسد العقل ، وفي تناوله له تأمل.

واعلم أن قوله : ( وتسقط ولايته مع وجود الأب أو الجد له ) يقتضي أن لا يثبت للحاكم معهما ولاية على المجنون وإن تجدد جنونه بعد بلوغه ورشده ، وإطلاق قوله فيما بعد : ( المحجور عليه للسفه ) ( ومع الحاجة يأذن له الحاكم فيه ) يقتضي أنه لا ولاية للأب أو الجد عليه مطلقا وإن كان سفهه متصلا بزمان صغره.

وفي هذا الإطلاق الأخير نظر ، لأنه قد سبق في باب الحجر أن الحجر لا يزول عن الصغير إلاّ ببلوغه رشيدا ، وهذا يقتضي أن تكون الولاية عليه مع بلوغه سفيها للأب والجد ، ويبعد أن تكون الولاية لهما في ماله وللحاكم في نكاحه ، ولعله إنما أطلق هنا اعتمادا على ما سبق هناك ، فعلى هذا يستثني منه من بلغ سفيها.

وحينئذ فنقول : من تجدد جنونه بعد بلوغه ورشده ينبغي أن تكون الولاية عليه للحاكم ، لسقوط ولاية الأب والجد له ببلوغه رشيدا ، فعودها يحتاج إلى دليل كالذي تجدد سفهه ، ولا يحضرني الآن تصريح بذلك ، إلاّ أن النظر يقتضيه.

قوله : ( ولا ولاية للوصي وإن فوضت إليه ، إلاّ على من بلغ فاسد العقل مع الحاجة ).

اختلف كلام الأصحاب في أن وصي الأب أو الجد هل تثبت له ولاية‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٩٢ حديث ١٥٧٠.

٩٧

______________________________________________________

التزويج؟

قال في التذكرة : إنما تثبت ولاية الوصي في صورة واحدة عند بعض علمائنا ، وهي : أن يبلغ الصبي فاسد العقل وتكون له حاجة إلى النكاح وضرورة إليه مع عدم الأب والجد له (١).

وهذه العبارة تقتضي أن يكون فيمن بلغ فاسد العقل خلاف ، وصرح بثبوت الخلاف في شرح الإرشاد ، إلاّ أن الأكثر على ثبوت الولاية في هذه الصورة ، وهو المختار.

ووجهه : ظهور الحاجة ، فإنه مع الداعي لا يؤمن وقوعه في الزنا أو حدوث مرض به ، وعلى هذا فمتى ظهرت أمارة الحاجة إلى النكاح زوجه مراعيا للغبطة.

وكذا القول في السفيه ، لما ذكر ، ولأنه لا يؤمن ذهاب دينه ، ويترتب الحد عليه بالزنا وفضيحته في الدارين ، وذلك من أشد (٢) أنواع الضرر ، إلاّ أنه لا يجوز إجباره على التزويج ، وإنما يتوقف على إذن الوصي إذا أراده ، وبه صرح في شرح الإرشاد ، وهذا في السفيه الذي تثبت عليه الولاية للأب والجد.

وأما الأنثى والذكر الصغير ، فاختار المصنف في التذكرة عدم ثبوت الولاية عليهما بالوصاية ، سواء أطلق الموصي الوصية أو نص على الإنكاح (٣) ، وهو اختياره هنا وفي التحرير (٤) ، وقول الشيخ في المبسوط (٥) ، لانتفاء الدليل الدال على ذلك ، وانتفاء الحاجة في الصغير والأنثى.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٩٢.

(٢) في « ش » : وذلك أشد من.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٩٢.

(٤) تحرير الأحكام ٢ : ٦.

(٥) المبسوط ٤ : ٥٩.

٩٨

والمحجور عليه للسفه لا يجوز أن يتزوج إلاّ مضطرا إليه ، فإن تزوج من غير حاجة كان العقد فاسدا ، ومع الحاجة يأذن له الحاكم فيه‌

______________________________________________________

وقال في المختلف (١) بالثبوت ، وهو قول الشيخ في الخلاف (٢) ، وقول آخر له في المبسوط (٣) ، واختاره شيخنا في شرح الإرشاد ، لأن تصرفات الوصي كلها منوطة بالغبطة ، وقد تتحقق الغبطة بنكاح الصغير ، ولعموم ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) (٤) ولقول الصادق عليه‌السلام في رواية أبي بصير السالفة : « ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) هو الأب والأخ والرجل يوصى اليه » (٥).

واعترض في المختلف بأن الأخ لا ولاية له عندنا ، ثم أجاب بالحمل على ما إذا أوصى إليه (٦) ، وهذا هو المختار.

إذا عرفت ذلك ، فهل تثبت ولاية الوصي في النكاح بتعميم الوصية ، أم لا بد من التصريح بالوصية في النكاح؟ يلوح من عبارة القائلين بالثبوت الثاني ، حيث فرضوا المسألة فيما إذا أوصى إليه بأن يزوج ولده الصغير ، وهذا هو الذي ينبغي ، لأن النكاح ليس من التصرفات التي ينتقل الذهن إليها عند الإطلاق ، فلا يكاد يعلم التفويض فيها من دون التصريح به.

قوله : ( والمحجور عليه للسفه لا يجوز له أن يتزوج إلاّ مضطرا إليه ، فإن تزوج من غير حاجة كان العقد فاسدا ، ومع الحاجة يأذن له الحاكم فيه‌

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٥٤١.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٠٥ مسألة ٩ من كتاب النكاح.

(٣) المبسوط ٤ : ٥٩.

(٤) البقرة : ١٨١.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٩٣ حديث ١٥٧٣.

(٦) المختلف : ٥٤١.

٩٩

مع تعيين الزوجة وبدونه. وليس الاذن شرطا ،

______________________________________________________

مع تعيين الزوجة وبدونه ، وليس الاذن شرطا ).

لما كان المحجور عليه للسفه ممنوعا من التصرفات المالية لم يكن له الاستقلال بعقد النكاح ، وإنما يصح باذن وليه ، ولا يجوز للولي الإذن إلاّ إذا احتاج السفيه إلى التزويج ، لاشتمال النكاح على ضرر تحمل المهر والنفقة ، فلا يصار إليه إلاّ عند الحاجة ، لوجود داعي الشهوة إلى المرأة والحاجة إلى الخدمة ، وكون النكاح أغبط من شراء الأمة.

فإذا ظهرت أمارات الحاجة أذن له الولي ـ سواء كان هو الحاكم أو غيره ـ في تزويج امرأة واحدة ، إلاّ أن تدعو حاجة الخدمة إلى أزيد من امرأة وتقتضيه المصلحة ، وبه صرح في التذكرة (١) ، ويلوح من عبارته أن داعي الشهوة لو اقتضى الأزيد وكان مشتملا على المصلحة جاز ، ولا بأس به ، وإذا تحققت الحاجة المجوزة للإذن وجب على الولي أن يأذن له فيه.

وهل يشترط تعين الزوجة؟ فيه وجهان :

أحدهما : واختاره المصنف في كتبه (٢) ـ عدم الاشتراط ، فيصح الاذن المطلق ـ وينكح من شاء بمهر مثلها أو أقل ـ كما يجوز للسيد إطلاق الاذن ، فلو نكح في هذه الحالة شريفة يستغرق مهر مثلها ماله أو معظمه لم يصح ، لأنه على خلاف المصلحة.

والثاني : لا يصح الإطلاق ، بل لا بد من تعيين المرأة أو نساء قبيلة أو تقدير المهر ، لأن المقتضي للحجر عليه هو حفظ ماله وصيانته عن الإتلاف ، فلو جوزنا إطلاق الإذن له لم نأمن أن ينكح من يستغرق مهر مثلها ماله ، ولا يكفي لدفع المحذور كون النكاح فاسدا في هذه الحالة ، لأنه بالدخول يجب مهر المثل مع جهلها ، فيلزم الوقوع في المحذور ، نعم لو لم نوجب بالدخول في هذه الحالة مهرا انتفى المحذور.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦١٠.

(٢) قواعد الأحكام ٢ : ٦ ، تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٠ ـ ٦١١ ، تحرير الأحكام ٢ : ٦.

١٠٠