جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

______________________________________________________

وهو : الاستحباب (١) ، ولا ريب أن الكراهة والاستحباب حكمان شرعيان ، فيقفان على النقل.

إذا تقرر ذلك ، فمتى نثر صاحب العرس أو غيره ممن يجوز فعله وعلم منه إباحة الانتهاب ، جاز (٢) أخذه انتهابا وإن لم يكن ذلك لائقا بذوي المروات ، وإن علم منه الكراهة حرم ، وإن جهل الأمران فاجتنابه أولى.

ويظهر من عبارة الكتاب أن بين الأكل والأخذ فرقا ، حيث حكم بجواز الأكل وأطلق ، ولم يجوّز الأخذ إلاّ إذا علم من أربابه الإذن فيه.

والظاهر أنه لا فرق بينهما ، فما دام لا يدل على الاذن في الأكل والأخذ دليل ـ مثل التصريح به نطقا ، أو شهادة العادات المستمرة بالإذن ـ لم يجز واحد منهما ، ومهما دل الدليل عليه لم يجز تجاوزه.

إذا عرفت ذلك ، فإذا حصل الاذن في الأخذ نطقا أو بشاهد الحال ، وهو المراد بقوله : « ويملك حينئذ » فهل يملك المأخوذ بمجرد الأخذ؟ فيه إشكال ، ينشأ : من أنه كان مملوكا لأربابه ، ولم يحصل سبب يقتضي نقل الملك ، فيتمسك بأصالة البقاء.

ومن أن الاذن في الأخذ صيّره مباحا ، فيملك بالحيازة كسائر المباحات.

ويضعّف هذا : بأن مباح الأصل لا ملك لأحد فيه ، فإثبات اليد عليه كاف في تملكه ، بخلاف المملوك إذا أبيح بالإذن فيه ، فان ذلك لا يخرجه عن الملك ولا يزيل ملك المالك ، ومجرد إثبات اليد ليس من الأسباب الناقلة للملك ، فيبقى على ملك مالكه إلى أن يتلفه الآخذ ، وهذا هو الأصح ، واختاره المصنف في المختلف (٣) ، واختار في‌

__________________

(١) المجموع ١٦ : ٣٩٦.

(٢) في « ض » : حل.

(٣) المختلف : ٥٣٤.

٢١

ج : يكره الجماع في ليلة الخسوف ، ويوم الكسوف ، وعند الزوال ، والغروب إلى ذهاب الشفق ، وفي المحاق وفيما بين طلوع الفجر والشمس ، وفي أول ليلة من كل شهر إلاّ رمضان ، وليلة النصف ، وسفرا مع عدم الماء ، وعند هبوب الريح السوداء أو الصفراء ، والزلزلة ، وعاريا ، ومحتلما قبل الغسل أو الوضوء ـ ويجوز مجامعا من غير تخلل غسل ـ ومع حضور ناظر إليه ، والنظر إلى فرج المرأة مجامعا ، واستقبال القبلة واستدبارها ، وفي السفينة ، والكلام بغير ذكر الله.

______________________________________________________

التذكرة (١) الثاني ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٢).

قوله : ( ج : يكره الجماع في ليلة الخسوف ، ويوم الكسوف ، وعند الزوال ، والغروب إلى ذهاب الشفق ، وفي المحاق ، وفيما بين طلوع الفجر والشمس ، وفي أول ليلة كلّ شهر ـ إلاّ رمضان ـ وليلة النصف ، وسفرا مع عدم الماء ، وعند هبوب الريح السوداء والصفراء ، وعاريا ، ومحتلما قبل الغسل أو الوضوء ، ـ ويجوز مجامعا من غير تخلل غسل ـ ومع حضور ناظر إليه ، والنظر إلى فرج المرأة مجامعا ، واستقبال القبلة واستدبارها ، وفي السفينة ، والكلام بغير ذكر الله ) (٣).

روى الشيخ والصدوق بإسنادهما إلى عمرو بن عثمان عن الباقر عليه‌السلام قال سألته أيكره الجماع في ساعة من الساعات؟ قال : « نعم يكره في ليلة ينكسف فيها القمر ، واليوم الذي تنكسف فيه الشمس ، وفيما بين غروب الشمس إلى أن يغيب‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٨١.

(٢) المبسوط ٤ : ٣٢٣.

(٣) في « ض » : والكلام إلاّ بذكر الله.

٢٢

______________________________________________________

الشفق ، ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وفي الريح السوداء والحمراء والصفراء ، والزلزلة. ولقد بات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند بعض النساء ، فانكسف القمر في تلك الليلة ، فلم يكن منه شي‌ء ، فقالت له زوجته : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أكلّ هذا للبغض؟ فقال : ويحك حدث هذا الحادث في السماء ، فكرهت أن أتلذذ وأدخل في شي‌ء ، ولقد عيّر الله تعالى قوما فقال( وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ ) (١) وأيم الله لا يجامع أحد في هذه الساعات التي وصفت فيرزق من جماعه ولدا وقد سمع بهذا الحديث فيرى ما يحب » (٢).

وزاد الكليني : « ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس » و « اليوم والليلة التي يكون فيها الريح السوداء والصفراء والحمراء واليوم والليلة التي يكون فيها الزلزلة » (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : « لا تجامع في أول الشهر ولا في وسطه ولا في آخره ، فإنه من فعل ذلك فليسلّم لسقط الولد ، فان تمّ أو شك أن يكون مجنونا ، ألا ترى أنّ المجنون أكثر ما يصرع في أول الشهر ووسطه وآخره » (٤).

وعن الكاظم عليه‌السلام عن أبيه عن جده قال : « إن فيما أوصى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام قال : يا علي لا تجامع أهلك في أول ليلة من الهلال ولا في ليلة النصف ولا في آخر ليلة ، فإنه يتخوّف على الولد من فعل الخبل ،

__________________

(١) الطور : ٤٤.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٥٥ حديث ١٢٠٧ ، التهذيب ٧ : ٤١١ حديث ١٦٤٢ ، علما بأن في التهذيب : عن عمرو ابن عثمان عن أبي جعفر قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣) الكافي ٥ : ٤٩٨ حديث ١ ، علما بأن في الكافي :. وفي الليلة وفي اليوم اللذين يكون فيهما الريح السوداء والريح الحمراء والريح الصفراء واليوم والليلة اللذين يكون فيهما الزلزلة.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٥٥ حديث ١٢٠٨.

٢٣

______________________________________________________

فقال علي عليه‌السلام : ولم ذلك يا رسول الله؟ قال إن الجن يكثرون غشيان نسائهم في أول ليلة من الهلال وليلة النصف وفي آخره ، أما رأيت المجنون يصرع في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره » (١).

وقال عليه‌السلام : « تكره الجنابة حين تصفر الشمس ، وحين تطلع وهي صفراء » (٢).

وسأل محمد بن العيص الصادق عليه‌السلام فقال : أجامع وأنا عريان؟ قال : « لا ، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها » (٣).

وقال عليه‌السلام : « لا تجامع في السفينة » (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى ، فان فعل ذلك وخرج الولد مجنونا فلا يلومنّ إلاّ نفسه » (٥) وتزول الكراهة بالغسل أو الوضوء.

ويجوز أن يكرر الجماع مرات من غير غسل يتخللها ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يطوف على نسائه ثم يغتسل أخيرا (٦).

وكان علي عليه‌السلام يستحب للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان ، لقول الله عز وجل( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) (٧)

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٩٩ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٤١٣ حديث ١٦٤٤.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٥٥ حديث ١٢٠٩.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٥٥ حديث ١٢١٠ ، التهذيب ٧ : ٤١٢ حديث ١٦٤٦.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٥٥ حديث ١٢١١ ، التهذيب ٧ : ٤١٢ حديث ١٦٤٦.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٥٦ حديث ١٢١٢ ، التهذيب ٧ : ٤١٢ حديث ١٦٤٦.

(٦) سنن البيهقي ٧ : ١٩٢.

(٧) البقرة : ١٨٧.

٢٤

______________________________________________________

والرفث : المجامعة (١).

وروى الكليني بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده ، لو أنّ رجلا غشي امرأته وفي البيت مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ، ما أفلح أبدا إن كان غلاما كان زانيا ، أو كانت جارية كانت زانية » (٢) ولا يخفى ان هذا إنما يكون إذا كان الصبي أو الجارية مميزين.

ويكره الكلام بغيره ذكر الله تعالى ، لقول الصادق عليه‌السلام : « اتقوا الكلام عند ملتقى الختانين ، فإنه يورث الخرس » (٣).

وفي وصية النبي لعلي صلوات الله عليهما : « يا علي لا تتكلم عند الجماع كثيرا ، فإنه إن قضي بينكما ولد لا يؤمن أن يكون أخرس ، ولا تنظر إلى فرج امرأتك وغضّ بصرك عند الجماع ، فان النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد » (٤).

ويكره في السفر إذا لم يجد الماء ، لما رواه إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : قلت الرجل يكون معه أهله في السفر ولا يجد الماء أيأتي أهله؟ قال : « ما أحب أن يفعل ذلك ، إلاّ أن يخاف على نفسه » (٥).

وهل يكره في الحضر إذا لم يمكنه الغسل؟ يحتمل ذلك ، نظرا إلى المشاركة في العلة ، ولأن جمعا من الأصحاب لا يجوّزون لمتعمّد الجنابة التيمم ، إلاّ إذا خاف على نفسه الهلاك ، فيتيمم حينئذ ويقضي (٦).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٠٣ حديث ١٤٥٥.

(٢) الكافي ٥ : ٥٠٠ حديث ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٤٩٨ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٤١٣ حديث ١٦٥٣.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٥٩ حديث ١٧١٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٤١٨ حديث ١٦٧٧.

(٦) منهم الشيخ في المبسوط ١ ـ ٣٠.

٢٥

د : يجوز النظر إلى وجه من يريد نكاحها وكفيها مكررا ، وإليها قائمة‌

______________________________________________________

وفي وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : « لا تجامع أهلك إذا خرج إلى سفر مسيرة ثلاثة أيام بلياليهن » (١).

وأما المحاق مثلث الميم ، فهو : آخر الشهر ، أو ثلاث ليال من آخره ، أو أن يستتر القمر فلا يرى غدوة لا عشية ، لأنه يطلع مع الشمس فتمحقه ، ذكره في القاموس (٢) وقد ذكر أن ليالي الشهر عشرة أسماء : غرر ، ثم نفل ، ثم تسع ، ثم عشر ، ثم بيض ، ثم درع ، ثم ظلم ، ثم حنادس ، ثم دآدئ واحدها دأدأة يقصر ويمد ، ثم المحاق.

وتسمّى ليلة ثمانية وعشرين الدعجاء ، وبعدها الدهماء ، وليلة الثلاثين (٣) الليلاء.

وإنما كره الجماع في المحاق ، للرواية عن الصادق عليه‌السلام (٤) ، ولما روى عن الكاظم عليه‌السلام : « من تزوج في محاق الشهر فليسلّم لسقط الولد » (٥) وهذه ظاهرة في الوطء ، فحينئذ يكره العقد أيضا في المحاق.

قوله : ( د : يجوز النظر إلى وجه من يريد نكاحها وكفيها مكررا )

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٦٠ حديث ١٧١٢.

(٢) القاموس ٣ : ٢٨٢ محق.

(٣) في « ض » : وبعدها.

(٤) الظاهر أن المراد من قوله : ( للرواية عن الصادق ) الرواية المتقدمة عن الصادق ، حيث قال عليه‌السلام : « لا تجامع في أول الشهر ولا في وسطه ولا في أخره. » لأن أحد معاني المحاق هو آخر الشهر كما تقدم. ويحتمل أن يكون قد أشار بقوله : ( للرواية عن الصادق ) إلى ما ذكر في الفقيه ٣ ـ ٢٥٠ حديث ١١٨٩ : « وروي أنه يكره التزويج في محاق الشهر ». علما بان في « ش » : للرواية عن الباقر عليه‌السلام ، فتأمل.

(٥) الكافي ٥ : ٤٩٩ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٥٤ حديث ١٢٠٦ ، التهذيب ٧ : ٤١١ حديث ٢. علما بان في المصادر كلها : « من أتى أهله في محاق الشهر. ».

٢٦

وماشية وإن لم يستأذنها ، وبالعكس ، وروي إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب

______________________________________________________

وإليها قائمة وماشية وإن لم يستأذنها ، وبالعكس ، وروي إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب ، ).

لا خلاف بين علماء الإسلام في أن من أراد نكاح امرأة يجوز له النظر إليها في الجملة ، وقد رواه العامة (١) والخاصة (٢) ، وهل يستحب؟ فيه وجهان ، والنظر الوارد بلفظ الأمر عنه عليه‌السلام من رواية العامة ، وليس فيما سنذكره إن شاء الله تعالى من الأخبار دلالة على الاستحباب (٣). وإنما يجوز النظر مع إرادة النكاح ، إذا كانت محلّلة خليّة من بعل ومن موانع النكاح كالعدة ، لامتناع النكاح حينئذ ، وأن تكون الإجابة ممكنة عادة.

ووقت النظر عند اجتماع هذه الشروط ، لا عند الاذن في عقد النكاح ، ولا عند ركون كلّ منهما إلى صاحبه ، وهو وقت تحريم الخطبة على الخطبة ، خلافا لبعض العامة (٤).

وينبغي أن يكون قبل الخطبة ، إذ لو كان بعدها وتركها لشقّ عليها وأوحشها.

ولو تعذر عليه النظر بعث امرأة تتأملها وتصفها له ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث أم سليم إلى امرأة ، فقال : انظري إلى عرقوبيها وشمّي معاطفها (٥).

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١٠٤٠ حديث ١٤٢٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٩٧ حديث ١٠٨٧ ، سنن البيهقي ٧ : ٨٤ ، مستدرك الحاكم النيسابوري ٢ : ١٦٤ ـ ١٦٥.

(٢) الكافي ٥ : ٣٦٥ حديث ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ، التهذيب ٧ : ٤٣٥ حديث ١٧٣٤ ـ ١٧٣٥ ، وللزيادة راجع الوسائل ٤ : ٥٩ باب ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.

(٣) في « ض » : استحباب النظر.

(٤) كفاية الأخبار ٢ : ٢٩.

(٥) مسند احمد ٣ : ٢٣١ ، وفيه : عن أنس أن : النبي صلّى الله عليه وسلم أرسل أم سليم تنظر إلى جارية ، فقال : « شمي عوارضها وانظري الى عرقوبها ».

٢٧

______________________________________________________

إذا عرفت ذلك ، فالذي يجوز النظر اليه هو الوجه والكفان من مفصل الزند ظهرا وبطنا ، لأن المقصود من الرؤية يحصل بذلك ، فيبقى النظر إلى ما سوى ذلك على عموم التحريم.

ومنع بعض العامة من النظر إلى الكفين (١) ، وأضاف بعضهم إلى نظر الوجه والكفين القدمين وبعض الذراع (٢) ، وبعضهم جوز النظر إلى ما عدا الفرج (٣).

وأشار بقوله : ( وروي ) إلى ما رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له الرجل يريد أن يتزوج المرأة فينظر إلى شعرها؟ قال : « نعم ، إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن » (٤).

وما رواه غياث بن إبراهيم عن جعفر عن علي عليه‌السلام أنه سئل عن رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها؟ قال : « لا بأس إنما هو مستام » (٥).

فمنصوص الاولى النظر إلى الشعر ، والثانية إلى المحاسن.

ولا ريب أن المحاسن هي مواضع الحسن والزينة ، فان أجريت على ظاهرها اقتضى جواز النظر إلى جميع مواضع الحسن من بدنها.

وهو بعيد مع قيام دلائل التحريم ، فيحمل على جواز النظر إليها من فوق‌

__________________

(١) انظر : المغني لابن قدامه ٧ : ٤٥٤.

(٢) المصدر السابق.

(٣) انظر : المجموع ١٦ : ١٣٨.

(٤) الكافي ٥ : ٣٦٥ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٦٠ حديث ١٢٣٩ ، التهذيب ٧ : ٤٣٥ حديث ١٧٣٤.

(٥) التهذيب ٧ : ٤٣٥ حديث ١٧٣٥.

٢٨

والى أمة يريد شراءها وإلى شعرها ومحاسنها ، دون العكس ،

______________________________________________________

الثياب ، وعليه تنزل عبارة الكتاب ( ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب ) وعلى هذا فيناسب أن يكون : ( وجسدها ) حينئذ عطفا تفسيريا لقوله : ( ومحاسنها ).

نعم ما يلزم من رؤية الشعر رؤيته غالبا ـ كالأذنين والعنق ـ ينبغي القول بجواز النظر إليه ، لاستدعاء إباحة النظر إلى الشعر إباحة. النظر إليه ، ويلوح من عبارة التذكرة (١) أن المحاسن الوجه والكفان ، حيث أن ذلك مجمع المحاسن ، وهو خلاف الظاهر.

ويجوز تكرار النظر إلى ذلك مرة بعد اخرى ، وإدامته ، والنظر إليها قائمة وماشية وجالسة ، لأن الغرض لا يتم إلا بذلك ، ولإطلاق النصوص بالنظر ، وهو يتناول ذلك ، ولقوله عليه‌السلام : « إنما هو مستام » (٢). ولا يشترط استئذانها في النظر ـ خلافا لمالك (٣) ـ للعموم ، بل لا ينبغي ، لأنها ربما زينت نفسها وأخفت عيبها ، ففات مقصود النظر. وكما يجوز [ نظر الرجل إلى المرأة ] (٤) عند إرادة النكاح ، فكذا العكس ، لاشتراك مقصود النظر بينهما ، ولأن المرأة ربما رأت من الرجل ما يدعوها إلى إجابته (٥).

قوله : ( وإلى أمة يريد شراءها ، وإلى شعرها ومحاسنها ، دون العكس ).

يجوز النظر إلى امة يريد شراءها قطعا ، لرواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها؟ قال : « لا بأس بأن ينظر إلى محاسنها ويمسّها ، ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي له النظر إليه » (٦).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٧٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٣٥ حديث ١٧٣٥.

(٣) انظر : بلغة السالك ١ : ٣٧٧.

(٤) ما بين المعقوفتين أثبتناه من النسخة الحجرية لجامع المقاصد ، لاضطراب العبارة في « ش » و « ض ».

(٥) في « ض » : ما يدعو لاجابته.

(٦) الفقيه ٤ : ١٢ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٧٥ حديث ٣٢١.

٢٩

______________________________________________________

فظاهر الرواية عدم توقف حلّ النظر على تحليل المولى : وكذا يظهر من إطلاق عبارة الكتاب ، والمراد بما لا ينبغي النظر إليه في الرواية هو : العورة ، مع احتماله غير ذلك.

وصرح المصنف في التذكرة بجواز النظر إلى جسدها من فوق الثياب ومكشوفة ، للحاجة إلى التطلع إليها ، لئلاّ يكون فيها عيب ، فيحتاج إلى الاطلاع عليه (١). وقال شيخنا الشهيد في الدروس : يجوز النظر إلى وجهها ومحاسنها ، وهل يجوز إلى جسدها من تحت الثياب ، بل والى العورة؟ نظر ، أقربه مراعاة التحليل من المولى ، وحكى رواية أبي بصير السالفة ولم يفت بها (٢). ومختار الدروس أحوط ، إلاّ أن العمل بالرواية في النظر قويّ.

وهل يسوغ المس كما تضمنته؟ لم أجد به تصريحا ، لكنه مما تدعو الحاجة اليه ، والظاهر من عرض المالك الأمة عل البيع إذنه في مقتضيات السوم ، وهو : النظر واللمس ، والاحتياط التوقف على تحليل المولى.

اما العكس ، وهو : نظرها إلى ما لا يحل نظرها إليه ، من حيث أنه أجنبي ، فإن مجرد إرادته شراؤها لا تجوّزه ، إذ لا اختيار لها في الشراء ليكون النظر وسيلة إليه كما في النكاح ، ولانتفاء المجوز شرعا ، بخلاف النكاح.

ويمكن أن يراد بالعكس : شراء المرأة للمملوك الذكر ، فان النظر لا يجوز هاهنا من الجانبين ، والمقابلة بينهما وبين المسألة السابقة ثابتة ، والتفسير الأول ألصق بالمقام.

واعلم ان المصنف لم يتعرض هنا إلى النظر إلى أمة الغير إذا لم يرد شراءها ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٣.

(٢) الدروس : ٣٤٦.

٣٠

وإلى أهل الذمة وشعورهن إلاّ للتلذذ أو ريبة ، وأن ينظر الرجل الى مثله إلاّ العورة وإن كان شابا حسن الصورة ، إلاّ لريبة أو تلذذ ، وكذا المرأة.

______________________________________________________

وصرح في التذكرة بجواز النظر إلى وجهها وكفيها وشعرها إذا لم يكن النظر لريبة وتلذذ مع أمن الفتنة (١). وهو قريب ، لأن المملوكة شأنها التردد في المهمات.

فلو حرم النظر إليها مطلقا لزم الحرج والمشقة ، ولإطباق الناس في كل عصر على ذلك ، لأن خروج الإماء مكشفات الوجوه أغلبيّ ، ولم ينقل إنكار ذلك والمنع منه ، ولو كان ذلك حراما لأنكروه كغيره من المحرمات ، وفي تعليل الشيخ في النهاية (٢) جواز النظر إلى أهل الذمة بأنهن بمنزلة الإماء ينبّه على ذلك.

قوله : ( وإلى أهل الذمة وشعورهن ، إلاّ لتلذذ (٣) أو ريبة ).

هذا قول المفيد (٤) والشيخ في النهاية (٥) وغيرهما (٦) ، لأنهن بمنزلة الإماء ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بالنظر إلى نساء أهل تهامة والأعراب وأهل البوادي من أهل الذمة والعلوج ، لأنهن إذا نهين لا ينتهين » (٧). ومنع ابن إدريس (٨) من ذلك ، تمسكا بعموم دلائل تحريم النظر ـ ومع التلذذ فلا بحث في التحريم ـ والأول أقوى.

قوله : ( وأن ينظر الرجل إلى مثله ـ إلاّ العورة ـ وإن كان شابا حسن الصورة ، إلاّ لريبة أو تلذذ ، وكذا المرأة ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٤.

(٢) النهاية : ٤٨٤.

(٣) في « ض » لا لتلذذ.

(٤) المقنعة : ٨٠.

(٥) النهاية : ٤٨٤.

(٦) وهو المحقق في الشرائع ٢ ـ ٢٦٩ ، وغيره.

(٧) الكافي ٥ : ٥٢٤ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٣٠٠ حديث ١٤٣٨.

(٨) السرائر : ٣٠٨.

٣١

والملك والنكاح يبيحان النظر إلى السوأتين من الجانبين على كراهية.

ويجوز النظر الى المحارم عدا العورة ، وكذا المرأة.

ولا يحل النظر إلى الأجنبية إلاّ لضرورة كالشهادة عليها ، ويجوز إلى وجهها وكفيها مرة لا أزيد ، وكذا المرأة.

وللطبيب النظر إلى ما يحتاج إليه للعلاج حتى العورة ، وكذا لشاهد الزنا النظر إلى الفرج لتحمل الشهادة عليه.

وليس للخصي النظر إلى المالكة ولا الأجنبية ، ولا للأعمى سماع صوت الأجنبية ، ولا للمرأة النظر إليه ، وللصبي النظر إلى الأجنبية.

______________________________________________________

والملك والنكاح يبيحان النظر إلى السوأتين من الجانبين على كراهية ، ويجوز النظر الى المحارم عدا العورة ، وكذا المرأة ، ولا يحل النظر إلى الأجنبية إلاّ لضرورة ، كالشهادة عليها ، ويجوز إلى وجهها وكفيها مرة لا أزيد ، وكذا المرأة ، وللطبيب النظر الى ما يحتاج إليه للعلاج ، حتى العورة ، وكذا لشاهد الزنا النظر إلى الفرج لتحمل الشهادة عليه ، وليس للخصي النظر إلى المالكة ولا الأجنبية ، ولا للأعمى سماع صوت الأجنبية ، ولا للمرأة النظر إليه ، وللصبي النظر إلى الأجنبية ).

تحقيق الكلام في النظر أن نقول : الناظر والمنظور إليه إما أن يكونا ذكرين أو أنثيين ، أو الناظر ذكرا والمنظور إليه أنثى ، أو بالعكس ، وعلى التقديرين الأخيرين إما أن يكون بينهما نكاح أو ملك أو محرمية ، أو لا ، وعلى التقدير الأخير إما أن يكون النظر محتاجا إليه للعلاج وتحمل الشهادة على الزاني ، أو مطلق تحمل الشهادة ومطلق الحاجة كالمعاملة ، أو لا ، وعلى الأخير إما أن يكون الذكر ممسوحا ، أو لا ، وعلى الثاني إما أن يكون بالغا ، أو لا ، والأنثى إما أن تكون بالغة ، أو لا ، والبالغة إما أن تكون عجوزا كبيرة ، أو لا ، فهنا مباحث :

٣٢

______________________________________________________

أ : نظر الذكر إلى الذكر وهو جائز ما عدا العورة ، وقد سبق تحقيقها في كتاب الصلاة ، إلاّ لحاجة تجوّز النظر المحرم ، بشرط أن لا يكون هناك تلذذ وريبة ، فيحرم معها على البالغ العاقل ، ويناط التكليف بالولي مع عدمه.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون المنظور إليه شابا أو لا ، حسن الصورة أو لا ، وقوى المصنف في التذكرة (١) تحريم النظر إلى الأمرد مع خوف الفتنة ، لوجوب التحرز عنها ، ونقّحه بأن من أحس في نفسه بالفتنة حرم عليه بينه وبين الله تعالى إعادة النظر ، ويجوز اللمس في هذا القسم كما يجوز النظر.

فرع : هل يحرم النظر إلى العورة في هذا القسم من وراء الثياب؟ الذي يفي بحكاية حجم العورة ، بحيث يظهر معه شكل القضيب والأنثيين ، فيه احتمال.

ب : نظر الأنثى إلى الأنثى ، والكلام في هذا القسم كالكلام في الذي قبله ، وهل يفرق بين المسلمة والذمية؟ للشيخ (٢) قول بأن الذمية لا تنظر إلى المسلمة ، حتى الوجه والكفين ، لقوله تعالى ( أَوْ نِسائِهِنَّ ) (٣) وليست الذمية منهن ، على ما روي عن ابن عباس (٤) والظاهر ان المراد بـ ( نسائهن ) على ما ذكره في الكشاف : من في خدمتهن من الحرائر والإماء (٥) ، وهو شامل للذمية ، فلا يفرق ، وهو الأصح.

ج : نظر الذكر إلى الأنثى ، فان لم تكن زوجة للناظر ولا مملوكة ولا محرما له ، فان كانت صبية صغيرة ، ولم تبلغ مبلغا تكون في مظنة الشهوة ، يجوز النظر إليها ، لانتفاء داعي الشهوة الذي هو مناط التحريم ، وتجويز تغسيل الأجنبي بنت ثلاث سنين‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٣.

(٢) تفسير التبيان ٧ : ٣٨٠.

(٣) النور : ٣١.

(٤) تفسير الكشاف ٣ : ٦٢ ، التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٣ : ٢٠٧.

(٥) تفسير الكشاف ٣ : ٦٢.

٣٣

______________________________________________________

مجردة ينبّه لذلك.

قال في التذكرة : ولا فرق بين حد العورة وغيره ، لكن لا يجوز النظر إلى فرجها (١). قلت : من جوّز تغسيلها مكشوفة العورة ، يلزمه القول بالجواز هنا.

ولو كانت عجوزا ، فقد قيل (٢) : إنها كالشابة ، لأن الشهوات لا تنضبط ، وهي : محل الوطء ، وقد قال عليه‌السلام : « لكلّ ساقطة لا قطة » والأقرب وفاقا للتذكرة (٣) أن المراد : إذا بلغت في السن إلى حيث تنتفي الفتنة غالبا بالنظر إليها يجوز نظرها ، لانتفاء المقتضي ، ولقوله تعالى ( وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً ) (٤). ومن عداهما يجوز النظر إليها عند الضرورة أو الحاجة ، كما إذا أريد علاجها ، فينظر إلى ما لا بدّ منه ، ولمسه أيضا ، حتى العورة ، وكذا الفصد والحجامة للضرورة ، وكذا القول في الرجل إذا احتاج إلى علاج المرأة إياه.

ولا يشترط في جواز النظر خوف فوات العضو ، ولا خوف شدة الضنا (٥) ، بل المشقة بترك العلاج كافية ، وينبغي أن يكون ذلك بحظور محرم ، قاله في التذكرة (٦).

وهل يشترط لجواز النظر واللمس هنا فقد الطبيب المماثل؟ فيه نظر ، ولا ريب في الجواز إذا اختص غير المماثل بمزية.

وكذا يجوز النظر إلى الأجنبية لمعاملتها ببيع وشبهه (٧) وكذا لتحمل الشهادة (٨)

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٤.

(٢) انظر أحكام القران للقرطبي ١٢ : ٣٠٩ ، كفاية الأخيار ٢ : ٢٧.

(٣) التذكرة ٢ : ٥٧٤.

(٤) النور : ٦٠.

(٥) الضنا : المرض ، الصحاح ٦ : ٢٤١٠ ضنا.

(٦) التذكرة ٢ : ٥٧٣.

(٧) في « ش » : وغيره.

(٨) في « ض » : التحمل للشهادة.

٣٤

______________________________________________________

عليها ليعرفها عند الحاجة ، ولا ينظر الى غير الوجه ، لزوال الضرورة به ، وتكلّف كشف وجهها عند الأداء ، ليعرفها الشاهد.

وهل يجوز النظر إلى فرج الزانيين؟ فيه وجهان :

أحدهما : ـ واختاره في التذكرة (١) ـ المنع ، لأنه نظر إلى فرج محرم ، فكان حراما ، وليست الشهادة على الزنا عذرا ، لأنه مأمور بالستر.

والثاني : ـ واختاره هنا ـ الجواز ، لأنه وسيلة إلى إقامة حدّ من حدود الله تعالى ، ولما في المنع من عموم الفساد ، واجتراء النفوس على هذا المحرم ، ولو لا ذلك لأدّى إلى سدّ باب هذا الركن من أركان الشرع ، ولم تسمع الشهادة بالزنا أصلا ، لتوقف تحمّلها على الاقدام على النظر المحرّم وإدامته ، لاستعلام الحال ، بحيث يشاهد الميل في المكحلة ، وهو معلوم البطلان ، والجواز قويّ.

وهل يجوز النظر إلى فرج المرأة للشهادة على الولادة؟ وإلى ثدييها للشهادة على الرضاع؟ فيه الوجهان ، ووجه المنع : الاكتفاء في ذلك بشهادة النساء ، ووجه الجواز : دعاء الضرورة ، حيث لا يوجد من النساء من يكون أهلا للشهادة ، على ما في جمع النساء للشهادة ومعرفة عدالتهن ، من العسر المنفي بالنسبة إلى الرجال ، فالجواز لا يخلو من قوة.

ومع انتفاء الحاجة ، فإن كان الناظر صبيا غير مميّز ، لم يحرم على المرأة التكشف له ، وإنما هو بمنزلة سائر الحيوانات.

وإن كان مميزا ، فان كان فيه ثوران شهوة وتشوّق ، فهو كالبالغ في النظر ، فيجب على الولي منعه منه ، ويجب على الأجنبية التستر عنه ، وإلاّ ففي جواز نظره إلى الأجنبية ـ بمعنى : أنه لا يجب على الولي منعه منه ولا يجب عليها الاحتجاب منه ـ

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٣.

٣٥

______________________________________________________

قولان :

أحدهما : الجواز كما ينظر الرجل إلى محارمه ، فان له الدخول من غير استئذان ، كما في الأوقات الثلاثة التي هي مظنّة التبذل والتكشف ، وذلك : قبل صلاة الفجر ، وعند الظهيرة ، وبعد صلاة العشاء ، قال سبحانه ( لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ ) (١).

والثاني : المنع لقوله تعالى ( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ ) (٢) أي : لم يميّزوا بينها وبين غيرها ، أو لم يقووا على الوطء والأمر بالاستئذان في هذه الأوقات لا يقتضي جواز النظر. وهذا أصح ، واختاره في التذكرة (٣).

ولو كان شيخا كبيرا جدا هرما ، ففي جواز نظره احتمال ، ومثله العنّين ، والمخنّث ـ وهو : المتشبّه بالنساء ـ واختار في التذكرة (٤) أنهم كالفحل ، لعموم الآية (٥) ، وهو قويّ ، و ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ) (٦) إنما يدل (٧) على الأبله الذي لا يحتاج إلى النساء ، ولا يعرف شيئا من امورهن.

والمجبوب : الذي بقي أنثياه ، والخصي : الذي بقي ذكره كالفحل ، وأما الخصي الممسوح ، ففي جواز نظره إلى مالكته لو كان مملوكا قولان :

__________________

(١) النور : ٥٨.

(٢) النور : ٣١.

(٣) التذكرة ٢ : ٥٧٤.

(٤) التذكرة ٢ : ٥٧٤.

(٥) النور : ٣٠.

(٦) النور : ٣١.

(٧) في « ش » : ربما نزل.

٣٦

______________________________________________________

أحدهما : ـ واختاره بعض الأصحاب (١) ، والمصنف في المختلف (٢) ـ الجواز ، لقوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) (٣) قال المصنف : والتخصيص بالإماء لا وجه له ، لاشتراك الإماء والحرائر في الجواز (٤) ، وقد قدمنا ما يقتضي اندراج الإماء في ( نِسائِهِنَّ ) (٥) إلاّ أن هذا يقتضي جواز نظر المملوك الفحل إلى مالكته وأن يخلو بها (٦) كالأمة ، وهو الذي قوّاه الشيخ في المبسوط (٧) في آخر كلامه ، وإن كان بحيث إذا نظر إلى أوله أشعر بالتردد ، بل حكى المصنف في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال : وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام وأبي الحسن موسى عليه‌السلام كراهة رؤية الخصيان الحرة من النساء حرا أو مملوكا (٨) ، فان هذا (٩) الكلام يلوح منه الميل إلى الجواز مطلقا ، وقد روى محمد بن إسماعيل في الصحيح (١٠) عن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن قناع النساء الحرائر من الخصيان؟ فقال : « كانوا يدخلون على بنات ابي الحسن عليه‌السلام ولا يتقنعن » (١١) وروى إسحاق بن عمار أنه سأل الصادق عليه‌السلام : أينظر المملوك الى شعر مولاته؟ قال : « نعم وإلى ساقها » (١٢).

__________________

(١) اختاره الشيخ في المبسوط ٤ : ١٦١.

(٢) المختلف : ٥٣٤.

(٣) النور : ٣١.

(٤) المختلف : ٥٣٤.

(٥) النور : ٣١.

(٦) في « ش » : ولا يخلو ، والمثبت من « ض » وهو الموافق للمبسوط.

(٧) المبسوط ٤ : ١٦١.

(٨) المختلف : ٥٣٤.

(٩) في « ض » : وان كان هذا.

(١٠) لفظ : في الصحيح ، لم يرد في « ض ».

(١١) الكافي ٥ : ٥٣٢ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٤٨٠ حديث ١٩٢٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٢ حديث ٩٠٣.

(١٢) الكافي ٥ : ٥٣١ حديث ٣.

٣٧

______________________________________________________

والثاني : ـ وهو مختار الشيخ في الخلاف (١) ، والمصنف في التذكرة (٢) ـ العدم ، لما رواه أحمد بن إسحاق عن الكاظم عليه‌السلام ، قال قلت له : يكون للرجل الخصي يدخل على نسائه فيناولهن الوضوء ، فيرى شعورهن؟ فقال : « لا » (٣) وحمل الشيخ الرواية الأولى (٤) على التقية ، لما روي أنه عليه‌السلام سئل عن ذلك ، فقال له : « أمسك عن هذا » ولم يجبه (٥) ، وهو يدل على التقية ، ومختار المختلف (٦) لا يخلو من قوة ، وعليه تدل (٧) الآية (٨).

وأما الأجنبية التي بلغت مبلغا صارت به مظنة الشهوة ولا حاجة إلى نظرها ، فإنه يحرم على البالغ نظر ما عدا وجهها وكفيها إجماعا ، وكذا من كان كالبالغ ، بمعنى : أنه يجب على الولي منع غير المكلف من النظر ، ويجب على المرأة الاحتجاب منه ، لا خلاف في ذلك بين أهل الإسلام. وأما الوجه والكفان ، فان كان في نظريهما خوف ريبة وحصول فتنة حزم أيضا إجماعا ، وإلاّ ففي الجواز قولان :

أحدهما : ـ واختاره الشيخ (٩) ـ الجواز على كراهية ، لقوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ) (١٠) وهو مفسّر بالوجه والكفين ، ولأن ذلك مما يعم به‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٢٠٤ مسألة ٥ من كتاب النكاح.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٧٤.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٨٠ حديث ١٩٢٥ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٢ حديث ٩٠٢.

(٤) وهي رواية محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه‌السلام المتقدمة.

(٥) التهذيب ٧ : ٤٨٠ حديث ١٩٢٧.

(٦) المختلف : ٥٣٤ كما تقدم.

(٧) في « ش » : تنزل.

(٨) النور : ٣١.

(٩) المبسوط ٤ : ١٦٠.

(١٠) النور : ٣١.

٣٨

______________________________________________________

البلوى ، ولإطباق الناس في كلّ عصر على خروج كثير من النساء باديات الوجوه والأكف من غير نكير ، خصوصا أهل القرى والبوادي ، ولانتفاء المقتضي ـ وهو : خوف الفتنة ـ إذ لا كلام في التحريم معه.

والثاني : التحريم ، وقوّاه المصنف في التذكرة (١) ، لعموم قوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ) (٢) الآية ، ولاتفاق المسلمين على منع النساء من أن يخرجن سافرات ، ولو حل النظر لنزلن منزلة الرجل ، ولأن النظر إليهن مظنة الفتنة ، ولأنهن (٣) محل الشهوة ـ فاللائق بمحاسن الشرع حسم الباب والإعراض عن تفاصيل الأحوال ، كالخلوة بالأجنبية ـ ولحديث الخثعمية ، حيث أتت إلى النبي عليه‌السلام بمنى في حجة الوداع لنستفتيه في الحج ، وكان الفضل بن العباس رديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه ، فصرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجه الفضل عنها ، وقال رجل شاب وامرأة شابة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان (٤).

وفي هذه الدلائل نظر ، لأن الوجه والكفين مستثنيان ، لقوله تعالى ( إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ) (٥) وما ادعي من اتفاق المسلمين على منع النساء من أن يخرجن سافرات ، فالمعلوم خلافه ، ولو تم لم يلزم أن يحرم النظر مطلقا بسببه ، لأن هذا الفعل أليق بالمروءة ، وأحرى بالسلامة من الفتنة ، فربما كان على جهة الأفضلية ، على أنه لو علم إطباقهم على وجوبه لم يدل على المراد ، لأنه لم يتحقق الاحتجاب عن الناظر بشهوة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٣.

(٢) النور : ٣١.

(٣) في « ش » : وهو.

(٤) انظر : سنن الترمذي ٣ : ٢٣٣ حديث ٨٨٥ ، مسند أحمد ١ : ٧٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٨.

(٥) النور : ٣١.

٣٩

______________________________________________________

إلاّ بالاحتجاب مطلقا ، لأن القصود لا يطلع عليها.

وحديث الخثعمية أولا : لا دلالة فيه على التحريم ، وإلاّ لنهاهما صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن النظر حتى لا يعود إليه مرة أخرى ، وصرف وجه الفضل عنها غير دال على النهي ، خصوصا بالنسبة إليها.

وثانيا : أنه لا دلالة على أن صرف وجه الفضل كان على طريق الوجوب ، فربما كان ذلك على طريق الأولى ، ولو سلّم كونه للوجوب وإفادة ذلك التحريم ، لم يدل على المراد هنا ، لأنهما إداما النظر ، على وجه أشعر بالميل القلبي من كلّ منهما ، ولا بحث في التحريم حينئذ ، ولأنه عليه‌السلام صرح بخوف الفتنة ، وهو غير محل النزاع.

قيل : إنه عليه‌السلام علّل بشبابهما ، وهو مظنة الشهوة وخوف الشيطان.

قلنا : إنما علّل به عندما ما رأى شواهد الفتنة ، وهو إدامة النظر من كلّ منهما.

واختار المصنف في هذا الكتاب جواز النظر إلى الوجه والكفين خاصة ، مرة لا أزيد.

فتنقيحه : أن النظر الذي يدام ويتوالى مظنة الفتنة ـ لأن شأنه أن يحدث عنه الميل القلبي وتترتب عليه الفتنة ، مثل النظر الواقع من الفضل ـ دون النظرة الواحدة الناشئة لا عن داعي شهوة وميل قلبي ، ولا ريب أن التحريم مطلقا طريق السلامة.

وأما الزوجة والمملوكة التي لا زوج لها ، فيحل النظر من الجانبين ، حتى إلى العورة على كراهية ، وعد ابن حمزة النظر إلى فرج المرأة حالة الجماع محرما (١) ، والنصوص (٢) الواردة بحله حجة عليه.

والمملوكة المزوجة كالأجنبية ، وكذا المرتدة والوثنية والمجوسية ـ على قول ـ

__________________

(١) الوسيلة : ٣٧٠.

(٢) الكافي ٥ : ٤٩٧ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٤١٣ حديث ١٦٥١ ، الوسائل ١٤ : ٨٤ باب ٥٩ من كتاب النكاح.

٤٠