جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

وإن كان بعد قبض بعضه سقط بقدر المقبوض ووجب بنسبة الباقي من مهر المثل أو القيمة ، فإن كان عشرة أزقاق خمر قبضت خمسة ، فإن تساوت بري‌ء من النصف ، وإن اختلفت احتمل اعتبار العدد إذ لا قيمة لها ، والكيل ، والأقرب القيمة عند مستحليه.

______________________________________________________

برئ الزوج ).

وإن كان قبل قبض شي‌ء منه فلا ريب في وجوب مهر ، ولا يجوز الحكم بالمسمّى ، لامتناع ذلك في شرعنا ، بل يجب على الحاكم الحكم بمهر المثل ، لأنه إذا فسد المسمّى وجب مهر المثل.

ويحتمل قويا عند المصنف وجوب قيمته عند مستحليه ، لأن المسمّى لم يفسد ، بل صح فيما بينهم ولزم ، ولهذا لو قبضته لم يجب لها غيره ، بل تعذر الحكم به فوجب المصير إلى قيمته عند مستحليه ، لأنه أقرب شي‌ء اليه.

ومثله ما لو جرى العقد على عين تعذر تسليمها ، فإنه يصار الى قيمتها ، ولأن مهر المثل قد يزيد عن قيمة المسمّى ، فلو حكم به الزم الزوج بزيادة عما في ذمته مع اعتراف الزوجة بعدم استحقاقها ، وقد ينقص فتمنع الزوجة بعض حقها مع اعتراف الزوج بثبوته ، وانه يجب الحكم بقيمة الخمر المحرّمة لو أتلفها متلف على ذمي وترافعا إلينا.

ومثله ما لو جعلها ثمنا في البيع ، وكذا الصلح وغيرها ، فلا مانع من الحكم بالقيمة هنا ، فالأصح الاحتمال الثاني.

قوله : ( وإن كان بعد قبض بعضه سقط بقدر قيمة المقبوض ، ووجب بنسبة الباقي من مهر المثل أو القيمة ، فإن كان عشرة أزقاق خمر قبضت خمسة ، فإن تساوت برئ من النصف ، وإن اختلفت احتمل اعتبار العدد إذ لا قيمة لها ، والكيل ، والأقرب القيمة عند مستحليه ).

٤٠١

______________________________________________________

هذه هي الصورة‌ الثالثة ، وهي ما إذا ترافعا إلينا بعد قبض بعض المهر ، وحكمه سقوط قدر ذلك المقبوض من المهر وبراءة الذمة منه ، ويبقى في الذمة باقية ، فتجب بنسبة الباقي من مهر المثل والقيمة بناء على الاحتمالين السابقين ، فينسب ما بقي من المهر إلى مجموعه ، ويؤخذ بتلك النسبة من مهر المثل أو من القيمة.

فإما أن يكون جنسا واحدا أو جنسين ، والجنس الواحد إما أن لا يكون فيه تعدد كزق خمر ، أو يكون كزقي خمر. فإما أن يتساويا في القدر أو يختلفا ، فإن كان الجنس واحدا لا تعدد فيه فالحكم ظاهر ، فإن كان المقبوض نصفه فالواجب نصف مهر المثل أو نصف القيمة على الاحتمالين.

وكذا غير النصف من الاجزاء كثلث وربع وغيرهما ، وكذا لو كان فيه تعدد واستوى قدر آحاده كزقي خمر متساويين قدرا كيلا ووزنا.

ولو اختلف الآحاد قدرا احتمل اعتبار العدد ، فيقسط عليه مهر المثل ولا ينظر الى التفاوت ، فإذا كان المهر قدر عشرة أزقاق مثلا ، وقد قبضت خمسة منها وجب نصف مهر المثل.

وان تفاوتت قدرا فإنه لا قيمة لها ولا تعد مالا ، والقليل منها مثل الكثير في المالية ، فتعتبر الجزئية بعدد آحادها. ويحتمل اعتبار القدر ، لأن الجزئية الحقيقية إنما تكون باعتباره ، فيحتمل اعتبار الكيل لاعتباره فيما يتساوى اجزاؤه. ويحتمل الوزن ، لأنه أضبط.

ولو كان الصداق خنزيرين أو كلبين ، فعلى اعتبار العدد لا بحث ، وعلى اعتبار القدر يقدر قيمتهما بقدر ماليتهما ، وينسب قيمة ما بقي إلى مجموع القيمتين ، ويؤخذ من مهر المثل بتلك النسبة.

ولو تعدد الجنس كزقين وثلاثة خنازير احتمل اعتبار عدد الأجناس ، فإذا قبضت الخمر بقي من المهر نصفه فيجب نصف مهر المثل ، ووجهه انتفاء المالية فينظر‌

٤٠٢

وطلاق المشرك واقع ، فلو طلقها ثلاثا ثم أسلما لم تحل له حتى تنكح غيره.

وإذا تحاكموا إلينا في النكاح أقر كل نكاح لو أسلموا أقروهم عليه.

______________________________________________________

إلى التعدد الجنسي.

ويحتمل اعتبار عدد الآحاد ، فيكون الباقي ثلاثة أخماس المهر. ويحتمل تقويمهما بقدر ماليتهما. وحيث قلنا بالتقويم وتقدير المالية ، فإنما يعتبر ذلك بملاحظة القيمة عند من يستحله ويعده مالا ، والأقرب عند المصنف اعتبار القيمة للمسمّى عند مستحليه في جميع ذلك.

ووجه القرب أن هذه لا قيمة لها عند الشارع ، وإنما حفظت على الذمي وصحت معاملاته عليها لأنها أموال بزعمه ، وقد أقرّه الشارع على ذلك وضمن متلفها قيمتها بزعمه ، فجهة ماليتها هي هذه لا غير فهي مناط تقويمها.

واعلم أن المصنف اقتصر على ذكر الكيل في التقدير ، إما لأنه أشيع فيما تساوت اجزاؤه ، ولأن ذكره ينبه على اعتبار الوزن ، وقد صرح به في التذكرة (١).

قوله : ( وطلاق المشرك واقع ، فلو طلقها ثلاثا ثم أسلم لم تحل حتى تنكح زوجا غيره ).

قد سبق بيان اعتبار طلاق المشرك ، وهو فرع على أن نكاحه معتبر ، وقد بينا وجهه فيما سبق ، وعمومات الكتاب والسنة في الطلاق تتناول طلاق المشرك ، فعلى هذا لو طلق زوجته ثلاثا ثم أسلم حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره. ولو طلق تسعا للعدة حرمت مؤبدا ، إلى غير ذلك من أحكام الطلاق ، وكما يحكم بصحة نكاحه إذا كان صحيحا عندهم فكذا طلاقه.

قوله : ( وإذا تحاكموا إلينا في النكاح أقر كل نكاح لو أسلموا أقرهم عليه ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٥١.

٤٠٣

ولو طلق المسلم زوجته الذمية ثلاثا ، ثم تزوجت ذميا ، ثم طلقها ، حلت للأول متعة ودواما على رأي ، ويشترط الإسلام على رأي.

______________________________________________________

هذا مشعر بأن ما‌ سبق من قوله : ( وعقد أهل الذمة إن كان صحيحا عندهم أقروا عليه ) المراد به إقرارهم عليه بعد إسلامهم ، وإلاّ لم يكن لذكر هذا فائدة ، لكن ظاهر العبارة السابقة يتناول بإطلاقه ما إذا أسلموا وما إذا تحاكموا إلينا.

قوله : ( ولو طلق المسلم زوجته الذمية ثلاثا ، ثم تزوجت ذميا ، ثم طلقها ، حلت للأول متعة ودواما على رأي ، ويشترط الإسلام على رأي ).

يتصور كون الذمية زوجة للمسلم فيما إذا أسلم زوج الكتابية بعد أن طلقها طلقتين ثم تزوجها وأسلم وطلقها.

وعلى رأي من يجوّز للمسلم نكاح الكتابية دواما ، والأربط بعبارة الكتاب هو الفرض الأول ، فإنه لو أريد الثاني لكان بناء على جواز نكاح الكتابية للمسلم مطلقا.

وحينئذ فلا يحسن قوله بعد ذلك : ( حلت للأول متعة ودواما على رأي. ) ومقصود البحث التنبيه على جواز كون الذمي محللا.

وتحقيقه : ان المسلم إذا طلق زوجته الذمية ثلاثا ، ثم تزوجت ذميا ثم طلقها ، فإنها تحل للأول متعة ودواما على قول من يجوّز للمسلم نكاح الكتابية مطلقا ، وعلى قول من يمنع نكاحها فإنها تحل له بشرط إسلامها.

ومحصل ذلك أن التحريم الناشئ عن التطليق ثلاثا قد زال بنكاح الذمي لها وتطليقه إياها ، لأن نكاح الكفر صحيح ، وكذا الطلاق الواقع حال الكفر.

وقوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (١) شامل للذمي ، وإذا زال التحريم بالتطليق ثلاثا بقي التحريم بالكفر عند من يقول به.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٠.

٤٠٤

______________________________________________________

ويمكن أن يكون الرأي الأول في العبارة مخصوصا بقوله : ( دواما ) ، ويكون‌

قوله : ( حلت للأول متعة ) هو فتوى المصنف ، وهو حسن.

ولا يتوهم أن الرأي في قوله : ( حلت للأول متعة ودواما على رأي ) يشير به إلى الخلاف في صحة تحليل الذمي ، بناء على أن نكاح الكفر وطلاقه غير صحيح.

أما أولا ، فلأن المخالف هنا مالك (١) ، ومثل هذا الخلاف لا يتعرض اليه المصنف في مثل هذا الكتاب.

وأما ثانيا ، فلأنه لو كان كذلك لم يكن للتعرض إلى المتعة والدوام وجه ، لأنه لا تفاوت بينهما بالنسبة إلى التحليل ، وإنما يتفاوتان بالنسبة إلى كون الزوجة كافرة ، على أنه لو أريد هذا لكان معنى قوله : ( ويشترط الإسلام على رأي ) ويشترط إسلام الزوج المطلق حين الطلاق.

والمتبادر من العبارة إنما هو اشتراط إسلام الزوجة ، لأنها المحدّث عنه بقوله : ( حلت ) ، ولانتفاء الاحتياج إلى تقدير محذوف ، والأمر واضح ، وهنا فائدة :

وهي أنه إذا طلق المسلم زوجته الذمية ثلاثا ، ثم تزوجت ذميا وطلقها ، فإن كان المسلم قد تزوجها في حال الكفر ثم أسلم ، فإنها تحل له بعد إسلامها دواما ومتعة قطعا على القول بصحة نكاح الكفر وعدمه.

أما على الصحة فواضح ، وأما على العدم ، فإن بطلان النكاح يستدعي بطلان الطلاق المبني عليه فينتفي التحريم بسببه وإن كان المسلم قد تزوجها حال إسلامه ، بناء على جواز نكاح الكتابية مطلقا فإنها لا تحل له بتحليل الذمي بناء على بطلان نكاح الكفر.

ولو طلق الذمي زوجته ثلاثا ثم أسلما لم تحل له إلاّ بالتحليل ، بناء على صحة نكاحهم لا على بطلانه.

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٧ : ٦٢.

٤٠٥

المطلب الثاني : في الانتقال : إذا أسلم زوج الكتابية دونها ، بقي على نكاحه قبل الدخول وبعده دائما ومنقطعا ، سواء كان كتابيا أو وثنيا.

وإن أسلمت دونه قبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر.

ولو أسلما دفعة فلا فسخ ، وبعده يقف على انقضاء العدة إن كان كتابيا ، فإن مضت ولم يسلم فسد العقد على رأي وعليه المهر ، أما المسمى أو مهر المثل. وإن أسلم فيها فالنكاح بحاله.

______________________________________________________

قوله : ( المطلب الثاني : في الانتقال : إذا أسلم زوج الكتابية دونها ، بقي على نكاحه قبل الدخول وبعده ، دائما ومنقطعا ، سواء كان كتابيا أو وثنيا ).

مقصود هذا الفصل الانتقال من دين إلى دين ، واقسامه ثلاثة ، وذلك لأنه إما أن يكون الانتقال من دين باطل الى دين حق ، أو من دين باطل الى دين باطل ، أو من دين حق إلى دين باطل وهو الارتداد.

والكلام في القسم الأول إما من جهة انتقال الزوج أو الزوجة ، فإذا أسلم الزوج والزوجة كتابية بقي النكاح ، سواء كان الإسلام قبل الدخول أو بعده ، وسواء كان النكاح دائما أو منقطعا ، وسواء كان الزوج كتابيا أو وثنيا.

ولا خلاف في ذلك بين الفقهاء ، سواء المجوّزين نكاح الكتابية والمانعين ، والخلاف إنما هو في ابتداء المسلم نكاح الكتابية لا في استدامته ، ولا محذور في ذلك ، لأن الابتداء أضعف من الاستدامة.

قوله : ( وإن أسلمت دونه قبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر ، ولو أسلما دفعة فلا فسخ ، وبعده يقف على انقضاء العدة إن كان كتابيا ، فإن مضت ولم يسلم فسد العقد على رأي وعليه المهر ، إما المسمى أو مهر المثل ، وإن أسلم فيها فالنكاح بحاله.

٤٠٦

وأما غير الكتابيين فأيهما أسلم قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، وإن أسلما دفعة فالنكاح بحاله ، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة ، فإن أسلم صاحبه فالنكاح بحاله ، وإلاّ بطل.

______________________________________________________

واما غير الكتابيين‌ فأيهما أسلم قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، وإن أسلما دفعة فالنكاح بحاله. وإلاّ بطل ).

قد سبق حكم ما إذا أسلم زوج الكتابية ، فأما إذا أسلمت هي دونه ، فإما أن يكون قبل دخوله بها أو بعده ، فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح قطعا ، لامتناع كون الكافر زوجا للمسلمة ولا مهر ، لأن الفرقة جاءت من قبل الزوجة فلم يستحق مهرا.

ولو أسلما معا قبل الدخول ثبت النكاح ولم يحصل فسخ ، لانتفاء المقتضي للفسخ. وإن كان إسلام الزوجة دونه بعد الدخول وقف فسخ النكاح على انقضاء عدتها عدة الطلاق من حين تجدد إسلامها.

فإن انقضت العدة وهو على كفره تبيّن أنها بانت منه من حين إسلامها ، وإن أسلم قبل انقضائها تبيّن بقاء النكاح ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج كتابيا أو وثنيا.

وإنما قيّد المصنف بقوله : ( إن كان كتابيا ) ليبني عليه قوله : ( فإن مضت ولم يسلم فسد العقد على رأي ) فإن الخلاف إنما هو في الكتابي دون الوثني.

وتحرير البحث فيه إنه إذا أسلمت زوجة الذمي ولم يسلم حتى خرجت عدتها ، للأصحاب قولان :

أحدهما : واختاره الشيخ في النهاية (١) بقاء النكاح ، غير أنه لا يمكّن من‌

__________________

(١) النهاية : ٤٥٧.

٤٠٧

______________________________________________________

الدخول عليها ليلا ، ولا من الخلوة بها ، ولا من إخراجها من دار الهجرة إلى دار الحرب ما دام قائما بشرائط الذمة.

واحتج على ذلك بما رواه جميل بن دراج عن أحدهما عليهما‌السلام : في اليهودي والنصراني والمجوسي إذا أسلمت امرأته ولم يسلم قال : « هما على نكاحهما ولا يفرق بينهما ، ولا يترك يخرج بها من دار الإسلام إلى الهجرة » (١).

وما رواه محمد بن مسلم في الحسن عن الباقر عليه‌السلام قال : « إن أهل الكتاب وجميع من له ذمة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما ، وليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها ولا يبيت معها ولكنه يأتيها بالنهار ، وإنما المشركون مثل مشركي العرب وغيرهم فهم على نكاحهم الى انقضاء العدة.

فإن أسلم الرجل ثم أسلمت المرأة قبل انقضاء عدتها فهي امرأته ، وإن لم يسلم إلاّ بعد انقضاء العدة فقد بانت منه ولا سبيل له عليها ، وكذلك جميع من لا ذمة له » (٢). الحديث.

وجوابه : إن الرواية الأولى ضعيفة مرسلة ، والثانية معارضة بما هو أقوى منها ، والقول الثاني بطلان النكاح واليه ذهب عامة الأصحاب ، لصحيحة محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يكون له الزوجة النصرانية فتسلم ، هل يحل لها أن تقيم معه؟ قال : « إذا أسلمت لم تحل له ».

قلت : جعلت فداك فإن أسلم الزوج بعد ذلك أيكونان على النكاح؟ قال : « لا إلاّ بتزويج جديد » (٣).

وفي معناها رواية السكوني (٤) ، وهذا أصح وعليه الفتوى.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٠٠ حديث ١٢٥٤ ، الاستبصار ٣ : ١٨١ حديث ٦٥٨.

(٢) الكافي ٥ : ٣٥٨ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٣٠٢ حديث ١٢٥٩ ، الاستبصار ٣ : ١٨٣ حديث ٦٦٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٠٠ حديث ١٢٥٥ ، الاستبصار ٣ : ١٨١ حديث ٦٥٩.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٠١ حديث ١٢٥٧ ، الاستبصار ٣ : ١٨٢ حديث ٦٦١.

٤٠٨

وإذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول فسد العقد في الحال ، ولا مهر إن كان من المرأة ، وإلاّ فالنصف ، ويحتمل الجميع إن كان عن فطرة ،

______________________________________________________

واعلم أن عبارة المصنف مشعرة بأن موضع الخلاف ما إذا كان إسلام الزوجة بعد الدخول ، وكذا يظهر من عبارة الشيخ في النهاية (١) ، إلاّ أن الدليل صالح لما قبل الدخول أيضا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه إذا انقضت العدة ولم يسلم وجب المهر ، أما المسمى إن كان قد سمى مهرا ، وإلاّ فمهر المثل ، ولو أسلم في العدة فالنكاح بحاله ، وإذا كان الزوجان وثنيين فلا خلاف في أنه إذا أسلم أحدهما قبل الدخول انفسخ النكاح ، سواء كان المسلم الزوج أو الزوجة.

اما إذا أسلم الزوج ، فإنه لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية ابتداء ولا استدامة ، وأما إذا أسلمت الزوجة فأظهر ، وإن كان بعد الدخول وقف على انقضاء العدة ، فإذا انقضت ولم يسلم الآخر تبيّن حصول البينونة من حين الإسلام ، فإذا أسلم فالنكاح بحاله.

ولا يخفى أن في عبارة المصنف مناقشة ، فإن قوله : ( وأما غير الكتابيين ) يتناول لما إذا كان أحد الزوجين كتابيا والآخر وثنيا ، ويندرج فيه ما إذا كانت الزوجة كتابية ، فإن الزوج إذا أسلم لا ينفسخ النكاح أصلا قبل الدخول ولا بعده.

وكذا يندرج فيه ما إذا كان الزوج كتابيا وأسلمت الزوجة ولم يسلم ، فإن في بقاء النكاح وفساده خلاف سبق ، وكل من المسألتين مذكورة في عبارة المصنف ، ولو أنه قال : وأما الوثنيان ، بدل قوله : ( وأما غير الكتابيين ) لكان أولى.

قوله : ( فإن ارتد أحد الزوجين قبل الدخول فسد العقد في الحال ولا مهر إن كان من المرأة ، وإلاّ فالنصف ، ويحتمل الجميع إن كان عن فطرة ).

__________________

(١) النهاية : ٤٥٧.

٤٠٩

______________________________________________________

هذا هو القسم الثاني‌ من أقسام الانتقال ، وهو الانتقال من دين الحق إلى دين الباطل ، وهو الارتداد عصمنا الله تعالى منه ومن كل ما يكره ، وهو قد يكون عن فطرة. وحكمه عدم قبول توبته إن كان رجلا ، بل يقتل وتخرج أمواله عنه بنفس الارتداد وتبين زوجته عنه ويعتد عدة الوفاة.

وقد يكون عن ملة ، وحكمه أنه يستتاب ، فإن تاب ورجع قبل رجوعه ، ولا تخرج أمواله عنه بل يحجر عليه في أمواله ، وينتظر بمنكوحاته المدخول بهن العدة.

إذا تقرر ذلك فاعلم أنه متى ارتد أحد الزوجين قبل الدخول فسد النكاح في الحال عند عامة أهل العلم إلاّ داود الظاهري (١).

ثم إن كان المرتد هو الزوجة فلا شي‌ء لها ، لأنه فسخ جاء من قبلها قبل الدخول.

وإن كان هو الرجل فعليه نصف المسمّى إن كان صحيحا ، لأن الفسخ من جهته فأشبه الطلاق ، وإن كانت التسمية فاسدة فنصف مهر المثل ، وإن لم يكن سمى شيئا فالمتعة ، ويحتمل وجوب جميع المهر.

وقيّده المصنف بما إذا كان الارتداد عن فطرة ، ولا وجه له ، لأنه قد سبق في غير موضع في كلام المصنف احتمال وجوب جميع المهر بعروض الفسخ من قبل الزوج أو لا من قبل واحد من الزوجين ، لأن المهر يجب جميعه بالعقد على أصح القولين ، ولم يثبت تشطيره إلاّ بالطلاق ، فيبقى وجوب جميعه ثابتا في غير الطلاق ، إذ الحمل عليه قياس.

لكن لو حمل الفسخ هنا على الطلاق لم يثبت التنصيف إلاّ في الردة التي ليست‌

__________________

(١) انظر : المجموع ١٦ : ٣١٦ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٥٦٤.

٤١٠

وبعده يقف على انقضاء العدة.

ويثبت المهر من أيهما كان الارتداد ، إلاّ أن يكون الارتداد من الزوج عن فطرة ، فإن النكاح يبطل في الحال وإن كان قد دخل ويجب المهر.

______________________________________________________

عن فطرة ، لأن الردة عن فطرة كالموت في أحكامه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أن الموت يوجب تقرر جميع المهر.

قوله : ( وبعده يقف على انقضاء العدة ويثبت المهر من أيهما كان الارتداد ، إلاّ أن يكون الارتداد من الزوج عن فطرة فإن النكاح يبطل في الحال ، وإن كان قد دخل ويجب المهر ).

أي : إن كان الارتداد بعد الدخول وقف أمر النكاح على انقضاء العدة إن كان الارتداد من الزوجة مطلقا ، أو من الزوج عن غير فطرة ، فإن اجتمعا على الإسلام قبل انقضائها كانا على النكاح ، وإن لم يجتمعا حتى انقضت تبيّنا أن العقد انفسخ من حين الارتداد ، بغير خلاف في ذلك عندنا وعند أكثر العامة ، وجمع منهم حكموا بالفسخ في الحال قبل الدخول وبعده.

ولو كان الارتداد من الزوج عن فطرة بعد الدخول بطل النكاح في الحال واعتدت عدة الوفاة ، كما في الارتداد عن فطرة قبل الدخول. وإنما تجب العدة لو كان الارتداد عن غير فطرة بعد الدخول ، وهي عدة الطلاق.

أما المهر بعد الدخول فإنه واجب عليه على كل حال ، سواء كان الارتداد عن فطرة أم لا ، وسواء كان من الزوج أو الزوجة ، لأن الدخول يوجب استقرار جميع المهر على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وهنا فائدة وهي :

إن قوله : ( إلاّ أن يكون الارتداد من الزوج ) استثناء من قوله : ( وبعده يقف على انقضاء العدة ) فإن هذا الحكم إنما هو في غير الارتداد الفطري ، وليس استثناء من قوله : ( ويثبت المهر ) لفساده على هذا التقدير.

٤١١

ولو انتقلت الذمية إلى ما لا يقر أهله عليه : فإن كان قبل الدخول فسد ، وبعده يقف على الانقضاء ، فإن خرجت ولم يسلم الزوجان فسد العقد.

وإن قلنا بقبول الرجوع كان العقد باقيا إن رجعت في العدة.

______________________________________________________

ولما خشي أن يتوهم ذلك متوهم صرح بوجوب المهر في هذا القسم أخيرا بقوله : ( ويجب المهر ).

قوله : ( ولو انتقلت الذمية إلى ما لا يقر أهله عليه ، فإن كان قبل الدخول فسد ، وبعده يقف على الانقضاء ، فإن خرجت ولم يسلم الزوجان فسد العقد ، وإن قلنا بقبول الرجوع كان العقد باقيا إن رجعت في العدة ).

هذا هو القسم الثالث من أقسام الانتقال ، وهو الانتقال من دين باطل الى دين باطل ، وهو أقسام المبحوث عنه ، منها الانتقال من دين يقر أهله عليه إلى ما لا يقر أهله عليه كالكتابي يتوثن ، وعكسه.

والانتقال مما لا يقر أهله عليه إلى ما يقر أهله عليه كاليهودي يتنصر ، والنصراني يتهود. والمقصود بالبحث هنا بيان حكم النكاح ، لأن الإقرار بالجزية موضعه كتاب الجهاد الأول إذا انتقلت الذمية الى ما لا يقر اهله عليه فإنها لا تقر على ذلك إجماعا.

فإذا كانت تحت مسلم انفسخ النكاح في الحال إن كان قبل الدخول ، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة ، فإن خرجت ولم يسلم تبيّنا انفساخ النكاح من حين الانتقال.

ولو قلنا بقبول رجوعها إلى دينها ، فان رجعت في العدة بقي العقد ، وإلاّ فلا. وكذا الحكم لو قلنا بقبول دين آخر يساوي دينها الذي كانت عليه ، كما لو كانت يهودية فتوثنت ثم تنصرت.

واعلم أن قول المصنف : ( ولم يسلم الزوجان ) يقتضي أن الزوج غير مسلم ،

٤١٢

ولو انتقلت إلى ما يقر أهله عليه فكذلك إن لم نقرها عليه ، وإلاّ كان النكاح باقيا.

______________________________________________________

ويلزم منه أن الذمية تحت الذمي إذا توثنت ينفسخ النكاح في الحال إن كان قبل الدخول ، وفيه نظر ، فإن نكاح الكتابي للوثنية لا يمنع منه فيما بينهم.

نعم لا تقر المرأة على الدين الذي انتقلت إليه ، ثم ان إسلام الزوج لا دخل له في بقاء النكاح وعدمه إلاّ إذا أسلمت الزوجة.

والذي ذكره المصنف في التذكرة ، وهو ما إذا انتقلت الكتابية زوجة المسلم إلى التوثن (١) ، ولم يتعرض لما إذا كانت زوجة الذمي. وفي التحرير صرح بأن زوجة الذمي إذا انتقلت الى غير دينها من ملل الكفر وقع الفسخ في الحال (٢).

وكذا قال في الشرائع (٣) ، وللنظر فيه مجال ، لأن الذمي لا يمتنع نكاحه أي كافرة كانت ، ولا اعتراض لنا على نكاحهم فيما بينهم ، حتى أنها لو أسلمت بعد ذلك وكان قبل الدخول فالذي ينبغي الجزم ببقاء النكاح إذا أسلم هو حين إسلامها.

قوله : ( ولو انتقلت الى ما يقر أهله عليه فكذلك إن لم نقرها عليه ، وإلاّ كان النكاح باقيا ).

هذا هو القسم الثاني ، وهو ما إذا انتقلت الذمية إلى دين يقر أهله عليه كاليهودية تتنصر ، وحكمه حكم ما قبله إن لم نقرها على هذا الدين ، وهو الأصح ، لقوله تعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) (٤).

فعلى هذا لو كانت تحت مسلم ، فإن كان الانتقال قبل الدخول انفسخ النكاح ، لامتناع الزوجية بينهما إذ ليست كتابية ، وإن كان بعده وقف على انقضاء‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٤٧.

(٢) التحرير ٢ : ٢١.

(٣) شرائع الإسلام ٢ : ٢٩٥.

(٤) آل عمران : ٨٥.

٤١٣

ولو انتقلت الوثنية إلى الكتابية وأسلم الزوج ، فإن قبلنا منها غير الإسلام فالنكاح باق ، وإلاّ وقف على الانقضاء بعد الدخول ، وقبله يبطل.

______________________________________________________

العدة.

قوله : ( ولو انتقلت الوثنية إلى الكتابية وأسلم الزوج ، فإن قبلنا منها غير الإسلام فالنكاح باق ، وإلاّ وقف على الانقضاء بعد الدخول ، وقبله تبطل ).

هذا هو القسم الثالث ، وهو الانتقال من دين لا يقر أهله عليه إلى ما يقر أهله عليه ، فإن انتقلت الوثنية إلى الكتابية وأسلم زوجها كتابيا كان أو وثنيا ، فإن قبلنا منهم الدين الذي انتقلت اليه ، أو ما جرى مجراه من الأديان التي يقر أهلها عليها فالنكاح باق ، لانتفاء المانع ، فإن استدامة نكاح الكتابية جائزة إجماعا ، وهذا أحد القولين.

وإن لم يقبل منها إلاّ الإسلام ـ وهو الأصح على ما سبق في الجهاد ـ فإن كان ذلك بعد الدخول وقف على انقضاء العدة ، فإن أسلمت قبلها فالنكاح باق ، وإلاّ تبين بطلانه بإسلامه ، وإن كان قبله بطل من حين إسلامه.

ومن تأمل ما حققناه علم النكتة في قول المصنف : ( وأسلم الزوج ) لأنه لو لا فرض تجدد إسلامه لم يثبت ما ذكره من فسخ النكاح قبل الدخول وتوقفه على انقضاء العدة بعده ، فإن نكاح الوثني والكتابي لا يحكم بفساده عندنا بتجدد انتقال زوجته الكافرة إلى دين غير دينها ، وعلى هذا فضرب العدة إنما يكون من حين الإسلام.

وقول الشارح الفاضل ولد المصنف في تقرير المبحث : إن الزوجين إذا كانا وثنيين (١) لا حاجة الى فرض كونهما وثنيين ، بل إنما يعتبر فرض كون الزوجة وثنية.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١٠٥.

٤١٤

وليس للمسلم إجبار زوجته الذمية على الغسل من حيض أو جنابة ، وإن حرمنا الوطء قبله أوجبناه.

وله إلزامها بإزالة المنفر ، كالنتن وشعر العانة وطول الأظفار.

______________________________________________________

واعلم أن الشارح الفاضل السيد قال : إن هذا التفريع ينافي ما ذكره المصنف في هذا الكتاب من أن من انتقل إلى دين أهل الكتاب بعد مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقبل منه ، وزعم الشارح ولد المصنف أنه لا منافاة حيث ان المصنف فرع بقاء النكاح على قبول غير الإسلام منها ، وعدمه على عدمه.

وليس ما ذكره بواضح ، لأنا إذا كنا لا نقبل بعد المبعث من الوثني الكتابي قولا واحدا فلا وجه للتفريع ، فإنه يشعر بوجود القول بالقبول وإن كان لا يقتضيه ، ولعل ولد المصنف أراد بعدم المنافاة عدم التصريح بالقبول ، وبالجملة فالعبارة لا تخلو من مناقشة.

قوله : ( وليس للمسلم إجبار زوجته الذمية على الغسل من حيض أو جنابة ).

لأن ذلك حق الله تعالى لا حق الزوج ، وقد أقرت على دينها شرعا ، فليس له اعتراضها.

قوله : ( وإن حرمنا الوطء قبله أوجبناه ).

أي : وإن حرمنا الوطء قبل الغسل أوجبناه عليها لحق الزوج ، لتوقف الاستمتاع الذي هو حقه عليه فله إجبارها عليه ، ولا شك أن الذي تجبر عليه هو صورة الغسل مع النية.

قوله : ( وله إلزامها بإزالة المنفر كالنتن وشعر العانة وطول الأظفار ).

لأن بقاء ذلك منقص للاستمتاع ، فكان له إجبارها عليه كما في المسلمة.

٤١٥

وله منعها من الكنائس والبيع وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، واستعمال النجاسات التي يستقذرها الزوج ، وأكل الثوم والبصل والكراث ، وشبهه مما ينقص الاستمتاع وإن كانت مسلمة.

فروع :

أ : لو أسلما في العدة ثبت النكاح ، ولا يبحث الحاكم عن كيفية‌

______________________________________________________

قوله : ( وله منعها من البيع والكنائس ، وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، واستعمال النجاسات التي يستقذرها الزوج ، وأكل الثوم والبصل والكراث وشبهه مما ينقص الاستمتاع وإن كانت مسلمة ).

أما المنع من البيع والكنائس فلأن للزوج الاستمتاع بالزوجة دائما في بيته وبخروجها يفوت ذلك ، وكذا له منعها من الخروج الى بيت أهلها والجيران وغيرهم ، وكذا الأعياد وشبهها ، وكذا الزوجة المسلمة له منعها من المساجد والمشاهد وبيوت الأهل والجيران.

وأما منع الكتابية من شرب الخمر فإنه مسكر يفوت به الاستمتاع ، ولأنها في هذه الحالة لا ترد يد لامس ، ولا فرق بين القليل والكثير منه ، لأن الإسكار به غير منضبط ، فمن الناس من يسكر بالقليل الذي لا يسكر به غيره ، فلتمنع من الجميع حسما للمادة ، ولأن ذلك هو العلة في تحريم الخمر.

وأما منعها من لحم الخنزير فلما فيه من الاستقذار ، والنفس قد تعاف منه ، وكذا القول في النجاسات المستقذرة والمآكل والمشارب المستقذرة ، وذوات الرائحة الكريهة مثل الثوم والبصل والكراث ، إلاّ إذا طبخت فإن ذلك كله منقص للاستمتاع ، والمسلمة في ذلك كالكافرة.

ولا يخفى أن قول المصنف : وإن كانت مسلمة المراد به : وإن كانت الزوجة مسلمة ، والمذكور سابقا إنما هو الزوجة الذمية ، والأمر في ذلك كله سهل ، والمراد ظاهر.

قوله : ( فروع : أ : لو أسلما في العدة يثبت النكاح ، ولا يبحث الحاكم‌

٤١٦

وقوعه ، بل يقررهما عليه ما لم يتضمن محرما ، كما لو كانت تحته احدى المحرمات عليه.

ب : لا يقرهم على ما هو فاسد عندهم ، إلاّ أن يكون صحيحا عندنا.

ويقرهم على ما هو صحيح عندهم وإن كان فاسدا عندنا ، كما لو اعتقدوا اباحة المؤقت من دون المهر.

______________________________________________________

عن كيفية وقوعه ، بل يقرهما عليه ما لم يتضمن محرما ، كما لو كانت تحته احدى المحرمات عليه ).

لو أسلم الزوجان دفعة أو على التعاقب ، بحيث كان إسلام الآخر في العدة بعد الدخول فالنكاح ثابت ، ولا يبحث الحاكم عن كيفية وقوعه وجوبا ولا استحبابا ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمانه خلق كثير فلم يسألهم عن أحوال انكحتهم بل أقرهم عليها.

نعم لو تضمن محرما كنكاح احدى المحرمات حكم ببطلانه ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفيروز الديلمي وقد أسلم على أختين : « اختر أحدهما » (١) فلو نكح امه أو بنته أو أخته ونحوهن اندفع النكاح عند الإسلام قطعا.

قوله : ( ب : لا نقرهم على ما هو فاسد عندهم إلاّ أن يكون صحيحا عندنا ، ونقرهم على ما هو صحيح عندهم وإن كان فاسدا عندنا ، كما لو اعتقدوا اباحة المؤقت من دون المهر ).

إذا كان النكاح الجاري في الكفر فاسدا عندهم لم يقرهم عليه بعد الإسلام ، إلاّ إذا كان صحيحا عندنا ، لأنه بدون ذلك ليس نكاحا عندهم ولا عندنا. أما إذا كان صحيحا عندنا ، فانا نحكم بصحته ولا نلتفت الى اعتقادهم.

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٨٤.

٤١٧

ج : لا فرق بين الذمي والحربي في ذلك ، ولو اعتقدوا غصبية المرأة نكاحا أقروا عليه على اشكال بعد الإسلام وقبله.

______________________________________________________

وهنا سؤال : وهو ان المتعاقدين إذا أوقعا نكاحا يعتقدان فساده كيف يحكم بصحته لمصادفته مطابقة العقد الصحيح.

ومثله وقوع العقد كذلك من المسلمين ونقرهم على ما هو صحيح عندهم وإن كان فاسدا عندنا بفوات شرط ، كما لو اعتقدوا صحة النكاح المؤقت بدون المهر.

وكذا لو خلا نكاحهم من الولي والشاهدين عند من يقول بالاشتراط ، أو وقعت الصيغة على غير الوجه المعتبر بغير خلاف في ذلك ، ويستثني من هذا الضابط ما إذا وقع النكاح في العدة وبقيت إلى زمان الإسلام. وما إذا شرطا الخيار وبقي زمانه إلى الإسلام ، وما إذا اعتقدوا غصبية المرأة نكاحا على أحد وجهي الإشكال كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ج : لا فرق بين الذمي والحربي في ذلك ، ولو اعتقدوا غصبية المرأة نكاحا أقروا عليه على اشكال بعد الإسلام وقبله ).

أي : لا فرق بين الذمي والحربي فيما ذكر من حكم النكاح ، فإذا أسلم الحربيون أو تحاكموا إلينا واخترنا الحكم بينهم ، أقررنا من الأنكحة ما كان صحيحا عندهم ، إذا لم يكن نكاح احدى المحرمات ، دون ما كان فاسدا عندهم ، إلاّ إذا كان صحيحا عندنا على ما سبق.

ولو اعتقدوا غصبية المرأة نكاحا فغصبها للنكاح ، ثم أسلموا وتحاكموا إلينا ، وهو المراد من قوله : ( بعد الإسلام وقبله ) أقروا عليه على اشكال ينشأ : من أنه كسائر الأنكحة التي يعتقدون صحتها وليس فيه الا إقامة الفعل مقام القول.

ومن حيث ان الغصب قبيح عقلا ، فلا يسوغ في ملة من الملل ، والتمكين من القبيح والتقرير عليه قبيح.

ويضعف بأنه لا منافاة بين قبح الغصب عقلا وصيرورة المرأة المغصوبة زوجة‌

٤١٨

د : لو شرطا الخيار مطلقا لهما أو لأحدهما ، لم يقرا عليه بعد الإسلام ، لأنهما لا يعتقدان لزومه حالة الكفر ، وإن قيداه : فإن أسلما قبل انقضائه لم يقرا عليه ، وإن كان بعده اقرا.

______________________________________________________

باعتقادها واعتقاد غاصبها ، ولا يشترط للحكم بصحة انكحتهم كونها كذلك في ملة من الملل.

وينتقض ذلك بما إذا قهر الحربي حربية ، فإنا نجوز شراؤها منه ونعده بيعا من طرفه تثبت فيه أحكام البيع وإن كان ذلك استنقاذا من طرفنا ، ولو كان قبح الغصب منافيا لثبوت الملك امتنع كونه بيعا ، فلم يكن منافيا للنكاح ، ولا استبعد الحكم بصحته كما سبق الجزم به في كلام المصنف وإن استشكله هنا.

ويجب أن يستثني من ذلك موضعان :

الأول : ما إذا كان الغصب في مبدأ الأمر ، ثم زال ذلك ورضيا بالنكاح قبل الإسلام فإنه ينبغي الجزم بصحته ، كما لو نحكها في العدة وانقضت قبل الإسلام ، فإن العقد الواقع في العدة باطل غير مقر عليه ، فالمقتضي لصحة النكاح ليس إلاّ الرضى الجاري بعدها.

الثاني : هذا الفرض إنما هو في غير الذمية ، أما الذمية فلا يتصور التقرير على غصبها للنكاح ، لأن ذلك ظلم يجب في شرع الإسلام رفعه عن أهل الذمة وقد سبق ، وأما أهل الحرب المستأمنون فإنه لا يجب رفع ظلم بعضهم عن بعض.

قوله : ( د : لو شرط الخيار مطلقا لهما أو لأحدهما لم يقر عليه بعد الإسلام ، لأنهما لا يعتقدان لزومه حال الكفر وإن قيداه ، فإن أسلما قبل انقضائه لم يقرا عليه وإن كان بعده اقرا ).

المراد باشتراط الخيار مطلقا عدم تقييده بمدة ، ووجه عدم التقرير عليه أصلا في الفرض الأول : إنّا وإن لم نراع في عقودهم الجارية في الشرك شرائط الإسلام ، لكنا‌

٤١٩

هـ : لو تزوجها في العدة ثم أسلما ، فإن كان بعد الانقضاء اقرا عليه ، وإلاّ فلا ، لأن نكاح المعتدة لا يجوز ابتداؤه حالة الإسلام ، أما بعد الانقضاء فإنهما يعتقدان صحة هذا النكاح.

ويجوز ابتداء مثله في الإسلام على هذه الحال ، ولا اعتبار بالمتقدم فإنه معفو عنه.

أما لو تزوج حليلة أبيه أو ابنه أو المطلقة ثلاثا ، فإنهما لا يقران عليه‌

______________________________________________________

لا نثبت ما لم يثبتوه ، وهم لا يثبتون في هذا الفرد لأحد الزوجين أو لكليهما سلطنة النكاح ، فلا نثبتها نحن.

ولأن الخيار مناف لصحة النكاح ، فإذا بقي إلى الإسلام كان المنافي لصحة العقد موجودا بعد تعلق أحكام المسلمين بالزوجين أو بأحدهما ، فكان كنكاح المعتدة إذا بقيت العدة إلى الإسلام.

وأما الفرض الثاني ، وهو ما إذا كان اشتراط الخيار مقيدا بمدة ، فإنه إذا انقضت المدة قبل إسلام واحد منهما فهو كانقضاء عدة المعتدة قبل الإسلام فيصح النكاح ، وإن بقيت إلى إسلامها لم يقرا عليه قطعا ، ولو بقيت المدة إلى إسلام أحدهما خاصة فكذلك ، لتعلق حكم فساد النكاح بالمسلم منهما.

وقال بعض الشافعية : لا يندفع النكاح إلاّ إذا اقترن بقاء المدة بإسلامهما ، لأن وقت الاختيار والإمساك هو الاجتماع على الإسلام ، وليس بشي‌ء.

قوله : ( ه‍ : لو تزوجها في العدة ثم أسلما ، فإن كان بعد الانقضاء اقرا عليه ، وإلاّ فلا ، لأن نكاح المعتدة لا يجوز ابتداؤه حالة الإسلام. أما بعد الانقضاء فإنهما يعتقدان صحة هذا النكاح ، ويجوز ابتداء مثله في الإسلام على هذا الحال ، ولا اعتبار بالمتقدم فإنه معفو عنه.

أما لو تزوج حليلة ابنه أو أبيه أو ابنه أو المطلقة ثلاثا ، فإنهما لا يقران عليه‌

٤٢٠