جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

وفي الطلاق نظر ، لترتبه على عقد لازم فلا يبيح المصاهرة.

______________________________________________________

وبهذا البيان يظهر أنه مع الفسخ يتبين أنه لا عقد أصلا ، فلا تحريم أصلا ، وهذا هو الأصح.

قوله : ( وفي الطلاق نظر ، لترتبه على عقد لازم ، فلا يبيح المصاهرة ).

أي : وفي الطلاق بالنسبة إلى إفادته إباحة نكاح الأخت والبنت في الصورة المذكورة نظر ، ينشأ :

من وجوب ترتب الطلاق المعتبر على عقد نكاح صحيح لازم ، وهو منتف هنا ، فلا يكون الطلاق الواقع في الصورة المذكورة معتبرا في نظر الشارع ، فلا يفيد إباحة المصاهرة في المذكورات ، فيبقى التحريم كما كان إلى أن يحصل الفسخ من الزوجة أو الإجازة ، ثم الطلاق منه بعدها.

ومن أنه طلاق صدر من أهله في محله ، وذلك لأن الموقع له كامل والزوجية قد ثبتت من طرفه ، فان ذلك هو المفروض ، فوجب أن يترتب عليه مقتضاه ، وذلك اباحة نكاح الأخت والبنت.

وفيه نظر ، لأنا قد بينا أن لا نكاح من طرفه ، فكيف يقع الطلاق منه.

ولأن الحال لا يخلو من أن تجيز المرأة أو تفسخ ، فان فسخت تبين بطلان النكاح وعدم تحريم البنت والأخت ، وإن أجازت تبينا صحة النكاح ولزومه ، فيكون الطلاق الواقع صحيحا ، فيبيح نكاح البنت والأخت ، فعلى كل من التقديرين يحلان.

وفيه نظر ، لأن إيقاع الطلاق من الجاهل بحصول شرائطه ينبغي أن لا يقع صحيحا ، فكيف مع الجهل بالزوجية ، فلو وكل في النكاح ثم طلق قبل ان يعلم أن الوكيل قد عقد ، فالذي يقتضيه النظر عدم الصحة.

ويمكن أن يكون معنى العبارة : وفي الطلاق بالنسبة إلى إفادته إباحة الأم وعدمها نظر ، ينشأ : من أن الطلاق لوجوب ترتبه على عقد لازم متى وقع صحيحا لم يفد حل ما حرم بالمصاهرة ، وفي الصورة المذكورة يقع صحيحا ، للزوم النكاح من طرف‌

١٦١

وإن كان زوجة لم يحل لها نكاح غيره إلاّ إذا فسخ ، والطلاق هنا معتبر.

ولو أذن المولى لعبده في التزويج صح ، فإن عيّن المهر وإلاّ انصرف إلى مهر المثل ، فإن زاد على التقديرين فالزائد في ذمته يتبع به بعد‌

______________________________________________________

الزوج ، فلا تحل له الام. ومن أن العقد لم يتم إلى الآن ، فإذا فسخت الزوجة انتفى النكاح ولم يكن للطلاق أثر ، فتحل الام.

والحق أن المراد بالعبارة هو المعنى الأول دون الثاني ، والتقدير : حرمت المذكورات إلاّ إذا فسخت المرأة فتحل ، وفي حلها له بالطلاق نظر ، ينشأ مما قدمناه.

والأصح أن الطلاق لا يعتبر إذا فسخت المرأة ، أما إذا أجازت ففي اعتباره نظر ، من حيث أنه لم يكن مجزوما به حال إيقاعه ، والمختار حل الجميع بفسخها لا بالطلاق.

قوله : ( وإن كان زوجة لم يحل لها نكاح غيره إلاّ إذا فسخ ، والطلاق هنا معتبر ).

أما الحكم الأول فمعلوم مما سبق ، فإن الإجازة لما كانت كاشفة ربما كان النكاح حينئذ واقعا ، وقد وقع العقد فلا يحل لها نكاح غيره.

وأما الحكم الثاني فلأن تحقق كمالية العقد إنما يكون بإجازة الزوج ، والإجازة أمر ممكن بالنسبة إليه ، فإذا صدر منه طلاق تعيّن حمله على كونه طلاقا شرعيا ، ولا يكون شرعيا إلاّ إذا كان العقد كاملا ، وكماليته إنما تكون من قبله ، فوجب الحكم بها.

ومثله ما لو دخل ، وكلّ ما جرى هذا المجرى ، وتقييده بقوله هنا يشعر بأن النظر السابق في كون الطلاق معتبرا وعدمه ، وهو المعنى الأول.

قوله : ( ولو أذن المولى لعبده في التزويج صح ، فان عيّن المهر وإلاّ انصرف إلى مهر المثل ، فان زاد على التقديرين فالزائد في ذمته يتبع به بعد‌

١٦٢

الحرية والباقي على مولاه ، وقيل : في كسبه ، وكذا النفقة

______________________________________________________

الحرية والباقي على مولاه ، وقيل : في كسبه ، وكذا النفقة ).

قد قررنا فيما سبق أن العبد لا يسوغ له التزويج بغير إذن مولاه ، فإذا أذن له زال المنع.

وظاهر إطلاق العبارة أنه يكفي مجرد الاذن في النكاح من دون أن يقيده بامرأة بعينها أو واحدة من القبيلة أو البلدة ، وبذلك صرح في التذكرة ، قال : وإذا أطلق الإذن تناول اذنه الحرة والأمة ، وفي تلك البلدة وغيرها ، إلاّ أنه ليس له الخروج إلى غير بلد مولاه إلاّ باذنه (١) ، ووجهه : أن إطلاق الإذن يتناول ذلك كله.

ويشكل الاكتفاء بإطلاق الاذن في تسلطه على نكاح من يريدها ، فان المهر يتفاوت بالقلة والكثرة تفاوتا فاحشا ، وإيجاب ما يختاره العبد على السيد بالاذن المطلق وان كثر محل تأمل.

وعلى الاكتفاء بالإطلاق فإنما ينكح بمهر المثل قطعا ، كما لو أذن له في بيع سلعة أو شرائها ، فإنما يحمل على ثمن المثل ، فان زاد عن المعين مع تعيين المهر أو عن مهر المثل مع الإطلاق ـ وهما : التقديران اللذان أرادهما المصنف بقوله : ( على التقديرين ) ـ فالنكاح صحيح ، وكذا المسمّى ، لكن الزائد يثبت في ذمته يتبع به بعد العتق.

ووجهه : أن أصل النكاح مأذون فيه ، والاذن يستلزم وجوب مهر المثل على المولى ، فيبقى الباقي على العبد ، ولا كذلك لو أذن له في شراء سلعة فاشتراها بزيادة عن ثمن المثل ، فان البيع هنا يقف على الإجازة.

ولقائل أن يقول : إن كان العبد أهلا لأن يثبت شي‌ء من المهر في ذمته فليثبت جميعه ، مع أن هنا اشكالا آخر ، وهو : أن الزوجة إنما رضيت بمهر مستحق يمكن المطالبة به ، فلا يلزمها النكاح ، وبعض المسمى إنما تستحقه إذا عين العبد ، وقد كان‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٨.

١٦٣

______________________________________________________

المناسب للقواعد أن نقول بوقوف النكاح أو الصداق على إجازة المولى ، فانّ فسخ الصداق يثبت مهر المثل بالدخول. وتتخير المرأة أما لو عين له امرأة فتزوج بغيرها فإنه يقف على الإجازة.

والمراد بقوله : ( والباقي على مولاه ) هو ما عدا الزائد على المعيّن مع التعيين أو على مهر المثل مع الإطلاق ، وهذا القول مختار المصنف وابن إدريس (١) ، وهو الأصح ، لأن الاذن في النكاح يستلزم الاذن في توابعه ، كما لو اذن له في الإحرام بالحج ، فإنه يكون إذنا في توابعه ، فان النكاح يمتنع إخلاؤه عن المهر ، والعبد لا يملك شيئا ، فلا يجب عليه شي‌ء ، لامتناع أن يجب عليه ما لا يقدر عليه ، لامتناع التكليف بما لا يطاق ، فيكون وجوبه على المولى ، ولا يتعين له شي‌ء من أمواله كسائر ديونه ، وكذا القول في النفقة.

وقال الشيخ في المبسوط (٢) : إنه يجب في كسبه ، على معنى أنه يجب الاكتساب للمهر والنفقة ، قال : فان لم يكن مكتسبا قال قوم يتعلق برقبته لأن الوطء بمنزلة الجناية ، ومنهم من قال يتعلق بذمته لأنه حق لزمه باختيار من له الحق فكان في ذمته كالقرض ، والأول أليق بمذهبنا.

فمن قال يتعلق برقبته على ما اخترناه قال إن أمكن أن يباع منه كل يوم بقدر ما يجب عليه من النفقة فعل ، وإن لم يمكن بيع كله ـ كما قيل في الجناية ـ ووقف ثمنه فينفق عليها منه ، وقد انتقل ملك سيده عنه إلى سيد آخر.

ولا يخفى أنّ الإنفاق عليها من مال السيد بعد انتقال العبد إلى غيره مع أجازته النكاح باطل ، نعم ذلك في النفقة الماضية ، لأنها على السيد الأول.

__________________

(١) السرائر : ٣١٦.

(٢) المبسوط ٤ : ١٦٧.

١٦٤

ولو زوجها الوكيلان أو الأخوان مع الوكالة صح عقد السابق ، وإن دخلت بالثاني فرّق بينهما ولزمه المهر مع الجهل ، ولحق به الولد ، واعتدت وردت بعدها إلى الأول ، ولو اتفقا بطلا ولا مهر ولا ميراث ، وقيل : يحكم بعقد أكبر الأخوين.

ولو كانا فضوليين استحب لها اجازة عقد الأكبر ، ولها أن تجيز عقد الأخر ، ولو دخلت بأحدهما قبل الإجازة ثبت عقده.

______________________________________________________

وقال ابن حمزة : إن كان العبد مكتسبا فالنفقة في كسبه ، وإلاّ فعلى السيد (١).

والأصح الأول ، لما قدمناه.

قوله : ( ولو زوجها الوكيلان أو الأخوان مع الوكالة صح عقد السابق ، وإن دخلت بالثاني فرق بينهما ولزم المهر مع الجهل ولحق به الولد واعتدت وردت بعدها إلى الأول ، ولو اتفقا بطلا ولا مهر ولا ميراث ، وقيل : يحكم بعقد أكبر الأخوين ، ولو كانا فضوليين استحب لها اجازة عقد الأكبر ، ولها أن تختار عقد الآخر ).

لو زوج المرأة وكيلان لها في النكاح أو أخواها مع الوكالة لهما أيضا ـ وإنما أفردهما بالذكر مع اندراجهما في مطلق الوكيلين لغرض حكاية الخلاف الواقع في تزويج الأخوين ـ فإن سبق أحد العقدين صح لا محالة وبطل اللاحق ، فان دخلت بالثاني وهو ذو العقد اللاحق فرق بينهما إذ ليست بزوجة له.

ثم إن كانت المرأة جاهلة بالحال أو بالتحريم ثبت لها بوطء الشبهة مهر المثل ولحق الولد بالواطئ مع جهله بالحال أو بالتحريم ، ولو علمت هي كانت زانية فلا مهر لها ، ولو علم هو فهو زان فلا ولد له ، ومتى تحقق جهلها أو جهله اعتدت ، لأن الوطء شبهة على التقديرين ، فتعتد عدة الطلاق ثم ترد بعدها إلى الأول.

__________________

(١) الوسيلة : ٣٦٢.

١٦٥

ولو زوجته الأم فرضي صح ، وإن رد بطل ، وقيل : يلزمها المهر ، ويحمل على ادعاء الوكالة.

______________________________________________________

ولو اتفق العقدان بالقبول بطلا ، لامتناع الحكم بصحتهما لتنافيهما ، ولصحة أحدهما دون الآخر ترجيح من غير مرجح ، فتعين بطلانهما.

وقال في الشيخ في النهاية : يحكم بعقد أكبر الأخوين إذا كان العاقد الأخوين (١) ، وتبعه ابن البراج (٢) وابن حمزة (٣) تعويلا على رواية وليد بيّاع الأسفاط ، قال : سئل الصادق عليه‌السلام وأنا عنده عن جارية كان لها أخوان زوّجها الأكبر بالكوفة وزوّجها الأصغر بأرض أخرى؟ قال : « الأول أحق بها إلاّ أن يكون الآخر قد دخل بها ، فان دخل بها فهي امرأته ونكاحها جائز » (٤).

وحملها الشيخ على وقوع العقدين معا ، مع كون الأخوين وكيلين.

وتنزيلها على أنهما فضوليان ، وأن المراد بكون الأول أحق بها أحقيّة أفضلية واستحباب ـ بمعنى : أنه يستحب لها إجازة عقده ـ ألصق بأصول المذهب.

ومتى حصل الدخول بأحدهما تعيّن نكاحه ، فان الدخول يجب صيانته عن التحريم ما أمكن ، فيكون محسوبا إجازة ، ومنه يظهر وجه قوله : ( ولو دخلت بأحدهما قبل الإجازة ثبت عقده ).

وباقي أقسام المسألة ـ وهو : اشتباه السابق أو السبق ـ سيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو زوجته الأم فرضي صح وإن ردّ بطل ، وقيل : يلزمها المهر ويحمل على ادعاء الوكالة ).

__________________

(١) النهاية : ٤٦٦.

(٢) المهذب ٢ : ١٩٥.

(٣) الوسيلة : ٣٥٤.

(٤) الكافي ٥ : ٣٩٦ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٨٧ حديث ١٥٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٩ حديث ٨٥٨.

١٦٦

ولو قال بعد العقد : زوجك الفضولي من غير اذن ، وادعته ، حكم‌

______________________________________________________

للأصحاب في هذه المسألة قولان‌ أحدهما : ـ قول المصنف ، وهو اختيار أكثر المتأخرين (١) ـ أن الأم إذا زوّجت ابنها فضوليا فلم يرض بالعقد يبطل من رأس ، وهو الأصح ، فإن ذلك حكم العقد الفضولي.

والقائل بلزوم المهر هو الشيخ (٢) وابن البراج (٣) ، لما رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام أنه سأله عن رجل زوجته امه وهو غائب؟ قال : « النكاح جائز إن شاء المتزوج قبل وإن شاء ترك ، فان ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لامه » (٤).

وحملها المصنف على ادعاء الام الوكالة مع إنكار الولد وعدم الثبوت ، فإنها تضمن المهر ، لأنها قد فوتت على الزوجة عوض البضع وغرتها بدعوى الوكالة (٥).

وهذا الحمل مع كونه خلاف الظاهر لا يستقيم ، فان عوض البضع إنما يضمن بالاستيفاء على وجه مخصوص ، وهو منتف هنا ، وقد سبق تحقيق ذلك في الوكالة وأن الأصح عدم وجوب المهر على الوكيل إلاّ مع الضمان ، فيمكن حمل الرواية هنا على ذلك.

واعلم أن في قول المصنف : ( ويحمل على ادعاء الوكالة ) مناقشة ، لأن ظاهره أن الحمل لهذا القول ، وليس بجيد ، لأن هذا القول لا ضرورة إلى حمله على خلاف مراد قائله مع تصريحه بمراده ، والظاهر أن مراد المصنف حمل مستند هذا القول على ذلك ، لكن العبارة لا تساعد عليه.

قوله : ( ولو قال بعد العقد : زوّجك الفضولي من غير اذن ، وادعته‌

__________________

(١) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٣٣ ، والشهيد في اللمعة : ١٨٧.

(٢) النهاية : ٤٦٨.

(٣) المهذب ٢ : ١٩٦.

(٤) الكافي ٥ : ٤٠١ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٧٦ حديث ١٥٢٣.

(٥) المختلف : ٥٣٨.

١٦٧

بقولها مع اليمين.

ولو ادعى إذنها فأنكرت قبل الدخول قدّم قولها مع اليمين ، فإن نكلت حلف الزوج وثبت العقد ، وبعده الأقرب تقديم قوله لدلالة التمكين عليه ،

______________________________________________________

حكم بقولها مع اليمين ، ولو ادعى إذنها فأنكرت قبل الدخول قدم قولها مع اليمين ، فان نكلت حلف الزوج وثبت العقد ، وبعده الأقرب تقديم قوله لدلالة التمكين عليه ).

أي : لو قال الزوج المباشر للعقد بعد صدوره للزوجة : زوجك الفضولي من غير اذن منك ، وادعت هي سبق الاذن على العقد وصدوره بالوكالة منها قدم قولها مع اليمين ، لأن الأصل في العقد ـ الذي قد تصادقا على وقوعه ومباشرة الزوج إياه ولزومه من طرفه ـ الصحة واللزوم ، فالأصل في جانب المرأة ، والزوج يدعي خلافه فعليه البينة ، ومع عدمها فعليها اليمين ، ولأن العقد من طرفه شرعي ، وإنما النزاع فيه من طرفها ، فيقدم قولها ، لأنه مستند إليها.

ويتحقق تصوير المسألة بما إذا ظهر منها بعد العقد بلا فصل ما يدل على عدم الرضى بالنكاح ، فإنه لو لم يقدم قولها كان النكاح فاسدا ، إذ لو كان فضوليا لكان ذلك ردا ونحو ذلك.

ولو ادعى الزوج في هذه الصورة اذنها في العقد الذي عقده زيد ، وأنكرت هي ذلك قدّم قولها بيمينها ، لأن الأصل عدم الإذن.

فإن قيل : الأصل في العقد الصحة واللزوم ، فيكون القول قوله هنا.

قلنا : الأصل في العقد الذي اعترف المدعي بشرعيته من طرفه اللزوم والصحة ، حيث أن الاختلاف في المستند إلى المرأة ، وهي تدعي صحته من جانبها أيضا ، وهي‌

١٦٨

ولكل ولي إيقاع العقد مباشرة وتوكيلا ، فإن وكل عيّن له الزوج. وهل له جعل المشيئة إليه؟ الأقوى ذلك.

______________________________________________________

أعرف بحال فعلها ، والفعل المنسوب إليها باعترافها ، بخلاف فعل الغير الذي أنكرت صدوره عنها ، فإن الأصل عدم الاذن فيه وعدم كونه مستندا إليها.

فإن نكلت عن اليمين في الصورة الأخيرة حلف الزوج وثبت العقد باليمين المردودة.

وهذا الحكم في الصورة الأخيرة إنما هو إذا كان النزاع قبل الدخول ، أما إذا كان بعده ، فإن الأقرب تقديم قول الزوج بيمينه ، لأن الدخول مكذّب لدعواها ، فيرجح جانبه ، ويحتمل العدم ، لعموم : واليمين على من أنكر ، وضعفه ظاهر.

وفي حواشي شيخنا الشهيد : بناء الحكم على تفسير المدعي بأنه يدعي خلاف الظاهر ، أما إذا فسرناه بأنه يدعي خلاف الأصل توجه الاحتمال الآخر ، ويؤيده دعواها كون الدخول شبهة ، وهذا ضعيف جدا ، لأن الأصل في فعل المسلم كونه شرعيا ، ووطء الشبهة وإن لم يكن فيه إثم ، إلاّ أنه ليس شرعيا ، لأنه وطء من لا يستحق وطؤه.

قوله : ( ولكل ولي إيقاع العقد مباشرة وتوكيلا ، فان وكل عين له الزوج ، وهل له جعل المشيئة؟ الأقوى ذلك ).

لا ريب أن للولي الإجباري التوكيل في إيقاع عقد النكاح كما أن له مباشرته بنفسه ، لأن ذلك مما جرت العادة بالتوكيل فيه ، وقد تدعو إليه حاجة كاستحياء الولي من مباشرة العقد ، فصح توكيله فيه كغيره من التصرفات التي جرت العادة بالتوكيل فيها ، بل هنا أولى لما قلناه من لزوم الحياء.

فإذا وكل وجب أن يعيّن للوكيل الزوج ، لوجوب مراعاة الغبطة والمصلحة على الوكيل ، ولم يذكر وجوب تعيين المهر احالة على وجوب مراعاة مهر المثل على الوكيل ،

١٦٩

ولو قالت الرشيدة : زوجني ممن شئت لم يزوج إلاّ من كف‌ء ، ولتقل المرأة أو وليها لوكيل الزوج أو وليه : زوجت من فلان ، ولا تقول : منك ، ويقول الوكيل : قبلت لفلان ، ولو قال قبلت الأقرب الاكتفاء.

ولو قالت : زوجت منك ، فقال : قبلت ونوى عن موكله لم يقع‌

______________________________________________________

كما يراعي في بيع أموالها ثمن المثل.

وهل للولي أن يجعل المشيئة في تعيين الزوج إلى الوكيل؟ فيه قولان ، أقواهما عند المصنف أن له ذلك للأصل ، ولأن الولي لا يجوز له أن يفوض ذلك إلاّ إلى من له أهلية النظر والمعرفة في طرق المصلحة ، وإذا تحقق ذلك حصل المطلوب وانتفى المانع ، وهو الأصح.

والآخر ـ واختاره الشيخ في المبسوط (١) ـ المنع ، لأن النظر إلى الولي ، فلا يتسلط على تفويضه إلى غيره.

ويضعف : بأن ما جرت العادة في التوكيل فيه تصح الاستنابة فيه ، والمراد بالولي هنا الولي الإجباري كالأب والجد ، أما من كانت ولايته مشتركة بينه وبين المرأة فإنه لا يزوجها إلاّ بإذنها ، فهو كالوكيل لا يوكل إلاّ بالإذن.

قوله : ( ولو قالت الرشيدة : زوجني بمن شئت ، لم تزوج إلاّ من كف‌ء‌

لوجوب حمل الإطلاق والعموم على ما لا يخالف المصلحة ، والتزويج بغير كف‌ء خلاف المصلحة.

قوله : ( ولتقل المرأة أو وليها لوكيل الزوج أو وكيله : زوجت من فلان ، ولا تقول : منك ، ويقول الوكيل قبلت لفلان ، ولو قال : قبلت ، فالأقرب الاكتفاء ، ولو قالت : زوجت منك ، فقال : قبلت ونوى عن موكله ، لم يقع‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٨٠.

١٧٠

للموكل ، بخلاف البيع.

______________________________________________________

للموكل ، بخلاف البيع ).

إذا كان العاقد المرأة أو وليها ولو بالوكالة مع وكيل الزوج تعين في الإيجاب : زوجت نفسي أو فلانة من موكلك فلان ، أو اقتصر على فلان ، ولا يجوز : زوجت نفسي منك ، ويقول الوكيل : قبلت لفلان.

ولو قال في هذه الحالة : قبلت ناويا به موكله ، فالأقرب عند المصنف الاكتفاء ، لأن القبول عبارة عن الرضي بالإيجاب السابق ، فإذا وقع بعد إيجاب النكاح للموكل كان القبول الواقع بعده رضى به ، فيكون للموكل لا محالة ، وهو قوي متين.

ويحتمل ضعيفا عدم الاكتفاء ، لأن النكاح نسبة ، فلا يتخصص بمعين إلاّ بتخصيصه به ، فيتوقف على التصريح به.

وفيه منع ، لأن كون القبول رضى بالإيجاب السابق يقتضي التخصيص بمن وقع الإيجاب له.

ولو قال العاقد : زوجت نفسي منك ، فقال : قبلت ونوى بالنكاح موكله ، لم يقع للموكل قطعا ، بخلاف البيع ونحوه من العقود ، والفرق من وجوه :

أ : أن الزوجين في النكاح ركنان بمثابة الثمن والمثمن في البيع ، ولا بد من تسميه الثمن والمثمن في البيع ، فلا بد من تسمية الزوجين في النكاح.

ب : أن البيع يرد على المال ، وهو يقبل النقل من شخص إلى آخر ، فلا يمتنع أن يخاطب به الوكيل وإن لم يذكر الموكل ، والنكاح يرد على البضع ، وهو لا يقبل النقل أصلا ، فلا يخاطب به الوكيل إلاّ مع ذكر الموكل ، إذ لا يقع ابتداء إلاّ له ، ومن ثم لو قبل النكاح وكالة عن غيره فأنكر الموكل الوكالة بطل ولم يقع للوكيل ، بخلاف البيع ، فإنه يقع مع إنكار الوكيل.

ج : أن الغرض في الأموال متعلق بحصول الاعراض المالية ، ولا نظر غالبا إلى خصوصية الأشخاص ، وفي النكاح الغرض الأصلي متعلق بالأشخاص ، فتعين‌

١٧١

ويجب على الولي التزويج مع الحاجة.

ولو نسي السابق بالعقد من الوليين على اثنين احتمل القرعة ، فيؤمر من لم تقع له بالطلاق ، ثم يجدد من وقعت له النكاح وإجبار وكل منهما على الطلاق.

ويشكل ببطلان الطلاق مع الإجبار ، ويحتمل فسخ الحاكم.

______________________________________________________

التصريح بالزوج.

د : أن البيع يتعلق بالمخاطب دون من له العقد ، والنكاح بالعكس ، ومن ثم لو قال : زوجتها من زيد ، فقبل له وكيله صح ، ولو حلف أن لا ينكح فقبل له وكيله حنث ، ولو حلف لا يشتري فاشترى له وكيله لم يحنث.

قوله : ( ويجب على الولي التزويج مع الحاجة ).

كما يجب عليه إطعام المولّى عليه وسقيه عند الحاجة.

قوله : ( ولو نسي السابق بالعقد من الوليين على اثنين ، احتمل القرعة فيؤمر من لم تقع له بالطلاق ثم يجدد من وقعت له النكاح ، وإجبار كل منهما على الطلاق ويشكل ببطلان الطلاق مع الإجبار ، ويحتمل فسخ الحاكم ).

قد سبق حكم ما إذا زوجها الوليان وسبق أحد العقدين وحكم ما إذا اقترنا قبل المطلب الثاني ، وهما صورتان ، وكذا سبق عن قريب حكم صورتين من صور ما إذا زوجها الوكيلان ، وبقي ثلاث صور يذكر حكمها فيما إذا صدر النكاح من الوليين ، ومنه يعلم حكم ما إذا صدر من الوكيلين :

أ : أن يعلم السابق من العقدين بخصوصه ثم ينسى.

ب : أن يجهل كيفية وقوعهما ، فلا يعلم أسبق أحدهما أم لا.

ج : أن يعلم من أول الأمر أن أحدهما سبق ، لكن لم يتعين ولم يتميز ، وقد ذكر المصنف حكمها ، ونحن نتبع ما ذكره.

١٧٢

______________________________________________________

فأما الصورة الأولى فقد ذكر فيها احتمالات ثلاثة :

أ : القرعة لأنه أمر مشكل ، للعلم بثبوت نكاح أحدهما ، ولا طريق إلى استعلامه ، والتربص إلى التذكر مع عدم العلم بحصوله فيه إضرار بالمرأة ، وقد قالوا عليهم‌السلام : في كل أمر مشكل القرعة (١).

فإذا أقرع بينهما ، فمن أخرجته القرعة أمر صاحبه بالطلاق ثم يؤمر هو بتجديد النكاح ، فان كانت زوجة في الواقع لم يضره تجديد النكاح ، وإن كانت زوجة الآخر بانت بطلاقه وصارت زوجة الآخر بالعقد الثاني.

وإنما لم يكتف بالقرعة لأنها تفيد تمييز الحقوق عند التساوي : كالسفر بإحدى نسائه والبدأة بالمبيت عند إحداهن ، وتعيين الأنصباء في القسمة ، وتعيين العتق.

ب : إجبار كل منهما على الطلاق ، لدفع الضرر اللازم على المرأة.

واستشكله المصنف ببطلان الطلاق مع الإجبار ، ويمكن أن يريد المصنف تعلق الاشكال بالاحتمالين ، فإن الأمر بالطلاق في الاحتمال الأول إنما هو على طريق الإجبار ، وإلاّ فلا فائدة فيه مع الامتناع ، والضرورة بحالها.

وجواب هذا الاشكال : أنه إذا ثبت بالدليل جواز الإجبار شرعا لم يقدح في صحة الطلاق ، لأن صدور الفعل بالإجبار الشرعي بمنزلة صدوره اختيارا ، كما يجبر الكافر على بيع عبده إذا أسلم ، وكما يجبر الممتنع على أداء الزكاة فيعتبر دفعه وتعيينه ، وكما يجبر المديون على بيع ماله ودفع ثمنه في الدين ، ويمكن الاحتجاج لذلك بقوله تعالى ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (٢) فإن الإمساك بالمعروف متعذر هنا ، فتعين التسريح بالإحسان ، فإذا امتنع اجبر عليه.

ج : فسخ الحاكم النكاح بالنسبة إلى كل منهما ، لأن فيه دفع الضرر ، مع السلامة‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٥٢ حديث ١٧٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٠ حديث ٦ : ٢٤٠ حديث ٥٩٣.

(٢) البقرة : ٢٢٩.

١٧٣

ولو اختارت نكاح أحدهما فالأقرب أنه يجدد نكاحه بعد فسخ الآخر ،

______________________________________________________

من ارتكاب الإجبار في الطلاق ـ وقد أطلقوا بطلانه بالإكراه ـ ومن القرعة التي لا مجال لها في الأمور التي هي مناط الاحتياط التام ، وهي الأنكحة التي يتعلق بها الأنساب والإرث والتحريم والمحرمية ، وأيضا فإن توسط القرعة على الاحتمال الأول لا فائدة فيه ، لأنها إن كانت طريقا إلى تعيين الزوج لم يحتج معها إلى تطليق الآخر وتجديد نكاح من خرجت له ، وإلا فوجودها كعدمها.

فان قيل : فائدتها تعيين من يؤمر بالطلاق.

قلنا : أمر الآخر بالطلاق مناف لما دلت عليه القرعة ، لأن الخارج بها كونه غير زوج ، فلا وجه لأمره بالطلاق حينئذ ، وهذا الاحتمال الأخير لا بأس به.

قوله : ( ولو اختارت نكاح أحدهما فالأقرب أنه يجدد نكاحه بعد فسخ الآخر ).

هذا متصل بالاحتمال الثالث ، اي : وعلى القول بفسخ الحاكم النكاحين لو اختارت نكاح أحدهما قبل الفسخ ، فالأقرب أنه لا بد من تجديد نكاحه بعد فسخ الحاكم النكاح الآخر ، من غير احتياج إلى فسخ نكاح المختار.

ووجه القرب في الأمر الأول : أن مجرد الاختيار منها لا يصيّر من اختارته زوجا لها ، إذ الزوجية إنما تكون بالعقد ، وعقده غير معلوم الصحة للشك في سبقه ، ولا تتحقق صحته إلاّ إذا كان سابقا.

وفي وجه ضعيف ـ وهو قول لبعض العامة (١) ـ أن اختيارها كاف في ثبوت الزوجية للمختار ، للعلم بثبوت عقده ، ولم يعلم ما ينافيه ، وعقد الآخر انتفى بالفسخ.

وليس بشي‌ء ، لأن أحدهما ليس بزوج قطعا ، والاختيار لا يصيّر من ليس‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٧ : ٤٠٦ ـ ٤٠٧.

١٧٤

فإن أبت الاختيار لم تجبر. وكذا لو أبت نكاح من وقعت له القرعة ، لعدم العلم بأنه زوج

______________________________________________________

بزوج زوجا.

ووجه القرب في الأمر الثاني : ـ وهو عدم الاحتياج إلى فسخ نكاح المختار ـ أنه إن كان زوجا بسبق نكاحه في الواقع فهو المطلوب والعقد المجدد لاغ ولا مقتضي للفسخ حينئذ ، وإن لم يكن زوجا في الواقع فأظهر ، إذ لا معنى لفسخ نكاح من لا نكاح له.

ويحتمل ضعيفا الاحتياج إليه ، ليعلم تأثير العقد الثاني ، إذ لولاه لكان واقعا في التردد ، فلا يؤثر على تقدير الاحتياج إليه.

وليس بشي‌ء ، لأن هذا المقدار من الجزم كاف ، حيث لم يعلم الحال في نفس الأمر ، ولو أثر ذلك في العقد لأثر في الفسخ ، لعدم العلم بالنكاح ، لتحقق الجزم بفسخه.

واعلم : أن ظاهر قوله : ( ولو اختارت ... ) أن هذا الاختيار ناشئ عنها ابتداء ، إلاّ أنه يلوح من قوله فيما بعد : ( فإن أبت الاختيار لم تجبر ) أن الحاكم يجبرها ، ولا بأس به.

قوله : ( فإن أبت الاختيار لم تجبر ، وكذا لو أبت نكاح من وقعت له القرعة ، لعدم العلم بأنه زوج ).

لما لم يكن أحدهما بعينه معلوم النكاح لم تجبر المرأة على اختيار واحد ، إذ لا طريق إلى العلم بكون من تختاره هو الزوج ، وكذا القول فيمن أخرجته القرعة ، فإنه لا يكون بذلك زوجا ، إذ لا بد على القول به من تجديد نكاحه وفسخ نكاح الآخر ، ولو كان زوجا في نظر الشارع لم يحتج إلى ذلك.

واعلم : أن المصنف لو اعتبر اختيارها في تحتم الفسخ بالنسبة إلى من لم تختر ـ كما اعتبر القرعة في تحتم الأمر بالطلاق لمن لم تخرجه على الاحتمال ـ لأمكن.

١٧٥

وكذا لو جهل كيفية وقوعهما ، أو علم أن أحدهما قبل الآخر لا بعينه ،

______________________________________________________

قوله : ( وكذا لو جهل كيفية وقوعهما ، أو علم أن أحدهما قبل الآخر لا بعينه ).

هاتان هما الصورتان الباقيتان من صور المسألة الخمس ، وهي : ما إذا جهل كيفية وقوع العقدين فلم يعلم اقترانهما أو سبق واحد ، وما إذا علم أن أحدهما سابق على الآخر في الجملة ولم يعلم السابق أصلا.

وظاهر العبارة أن حكمهما (١) حكم الصورة المتقدمة ، فيطرد في كل منهما الاحتمالات الثلاثة.

والشيخ في المبسوط حكم ببطلان النكاح في هاتين الصورتين ، إذ لا سبيل إلى معرفة الصحيح منهما ، وحكم في الصورة المتقدمة بأنه يوقف النكاح إلى أن يستبين الحال ، لأنه أمر مشكل يرجى زواله بالتذكر (٢).

والشافعي حكم بالبطلان مع اشتباه السبق والمعية ، وهو ظاهر مذهبه فيما إذا علم واحد منهما ولم يتعين ، كما إذا علم سبق إحدى الجمعتين (٣) ولم يتعين ، فإن أحد القولين عندهم الحكم بالبطلان ووجوب استئنافها ، وبعض أصحابه ذهب إلى الفرق بين النكاح والجمعة ، لأن الجمعة إذا صحت لم يلحقها البطلان ، بخلاف النكاح ، فإن أسباب الفسخ تلحقه (٤).

وظاهر اختيار المصنف في التذكرة فيما إذا نسي السابق من العقدين بعد العلم به ، أنه يوقف الحال إلى التذكّر (٥) ـ كمختار الشيخ ـ ولا بأس به إن لم يتصور ضرر‌

__________________

(١) في ( ش ) و ( ض ) : حكمها ، والمثبت من النسخة الحجرية.

(٢) المبسوط ٤ : ١٨١.

(٣) في ( ش ) : وهو ظاهر مذهبه فيما إذا علم سبق إحدى الجمعتين ، والمثبت هو الأولى لموافقته لمذهب الشافعي.

(٤) الوجيز ٢ : ٩ ، المجموع ١٦ : ١٩١.

(٥) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٩٧.

١٧٦

وعليهما النفقة إلى حين الطلاق على اشكال.

______________________________________________________

على المرأة ، وإلاّ فالمختار فسخ الحاكم على ما سبق.

واعلم أن هذا إنما هو إذا عقد الوليان على اثنين ، فان عقدا لواحد كان عقدا معه ومع وكيله ، فان سبق واحد فلا بحث ، وإن اقترنا فأظهر الوجهين صحة العقدين ، وفاقا للمصنف في التذكرة (١) ، ويتقوى كل من الجانبين بالاخر ، وكذا القبولان ، وهذا واضح إذا اتفق المسميان جنسا وقدرا وصفة ، فإن اختلفا احتمل صحة النكاح وبطلان الصداق ، إذ ليس شرطا لصحة النكاح ، وقضية إطلاق كلام المصنف في التذكرة الصحة.

قوله : ( وعليهما النفقة إلى حين الطلاق على إشكال ).

ظاهر العبارة أن الاشكال في وجوب النفقة في كل واحدة من الصور الثلاث ، وقد خص الشارحان ذلك بما إذا علم سبق أحدهما وجهل تعيينه (٢) ، وهو خلاف ظاهر العبارة ، إلاّ أن الاشكال ضعيف جدا فيما إذا جهل السبق والاقتران.

ومنشأ الاشكال : من أن النفقة مشروطة بالزوجية مع التمكين التام ، والتمكين منتف ، وزوجية كل منهما مشكوك فيها ، مع القطع بانتفائها عن واحد في الواقع. ومن جريان صورة العقد وعدم النشوز ، وكونها في جنسها ، ولأن التمكين حاصل من طرفها ، لأنه المفروض ، والمانع شرعي ، ولما لم يتعين الزوج منهما وانحصر فيهما لم يكن بد من وجوبها عليهما ، لانتفاء الترجيح.

فان قلنا بالتوزيع فانفقا ثم انكشف الحال ، ففي رجوع من ليس بزوج وجهان :

أحدهما : العدم ، لأنه إنفاق بحكم الشارع.

والأقوى الرجوع ، إذ قد تبين أنه إنفاق غير مستحق مع عدم التبرع.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٩٧.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ٣٧.

١٧٧

ولو امتنعا من الطلاق احتمل حبسهما عليه وفسخ الحاكم أو المرأة.

______________________________________________________

قال في التذكرة (١) : وأما المهر فلا يطالب به واحد منهما ، لمكان الاشتباه ، ولا سبيل إلى إلزام مهرين ، ولا إلى قسمة المهر عليهما.

قلت : الفرق بين المهر والنفقة غير واضح ، ويمكن الفرق : بأن النفقة وجبت ، لأن المرأة محبوسة لنكاحها ، بخلاف المهر ، فإنه عوض النكاح الصحيح ، وليس بمعلوم.

فرع : لو مات أحد الزوجين مع السبق وقفنا من تركته ميراث زوجة ، ولو ماتت هي وقفنا ميراث زوج إلى الصلح أو وضوح الحال.

قوله : ( ولو امتنعا من الطلاق احتمل حبسهما عليه ، وفسخ الحاكم ، أو المرأة ).

أي : لو امتنعا من الطلاق في كل موضع يؤمران فيه بالطلاق شرعا ويجبران عليه ، ففيه احتمالات :

أحدهما : حبسهما عليه ، لأنه حق لآدمي مطالب به.

الثاني : تولي الحاكم الفسخ ، لبطلان الطلاق مع الإجبار ، فلا سبيل إلى دفع الضرر إلاّ بالفسخ.

الثالث : تسلط المرأة على الفسخ ، لأنها تتسلط على الفسخ بالعيب فهنا أولى ، لأن ضرره أشد.

وربما نزلت العبارة على أن في الحكم احتمالين فقط :

أحدهما : حبس الحاكم إياهما أو فسخه عليهما مخيرا في ذلك ، كما يتخير في حبس الممتنع من أداء الدين حتى يوفي ، واستقلاله هو بالأخذ من أمواله ما يوفي به الدين.

والثاني : فسخ المرأة.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٩٨.

١٧٨

وعلى كل تقدير ففي ثبوت نصف المهر إشكال ينشأ : من أنه طلاق قبل الدخول ، ومن إيقاعه بالإجبار ، فأشبه فسخ العيب ، فإن أوجبناه افتقر إلى القرعة في تعيين المستحق عليه.

______________________________________________________

وهذا حسن (١) والعبارة لا تأباه ، إلاّ أن ما تقدم في أول الكلام ـ من جعل الإجبار على الطلاق احتمالا وفسخ الحاكم احتمالا آخر ـ يخالف هذا ، وكيف كان ففسخ الحاكم لا بأس به.

ومما يرجّح التنزيل الثاني : أن الحكم بالفسخ إذا كان فرارا من الإجبار على الطلاق ، فكيف يجوز بناؤه على الإجبار والامتناع ، ثم تسليط المرأة على الفسخ بعيد.

ولا يخفى أنه على قول الشيخ ببطلان النكاحين (٢) ، فلا حاجة إلى طلاق ، ولو تزوجت المرأة على قوله ثم علم الحال وتعيّن السابق فلا حكم له عنده.

قوله : ( وعلى كل تقدير ففي ثبوت نصف المهر إشكال ، ينشأ : من أنه طلاق قبل الدخول ، ومن إيقاعه بالإجبار فأشبه فسخ العيب ، فإن أوجبناه افتقر إلى القرعة في تعيين المستحق عليه ).

وعلى كل تقدير من التقديرات السابقة التي يقع فيها الطلاق إجبارا ـ إما مع الحبس ، أو بدونه مع القرعة ، أو بدونها ـ ففي ثبوت نصف المهر إشكال ، ينشأ : من أنه طلاق قبل الدخول ، فيندرج في عموم قوله تعالى ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (٣) ومن إيقاعه بالإجبار ، فأشبه الفسخ بالعيب ، فلا يجب به شي‌ء ، فان أوجبناه افتقر إلى القرعة في تعيين المستحق عليه ، للاشتباه.

__________________

(١) في « ض » : أحسن.

(٢) المبسوط ٤ : ١٨١.

(٣) البقرة : ٢٣٧.

١٧٩

ولو ادعى كل منهما السبق وعلمها ولا بينة ، فإن أنكرت العلم حلفت على نفيه ، فيسقط دعواهما عنها ويبقى التداعي بينهما. ولو أنكرت السبق حلفت ويحكم بفساد العقدين ، ولا يبقى التداعي بينهما ، فإن نكلت ردت عليهما ، فإن حلفا معا بطل النكاحان أيضا.

______________________________________________________

وهنا مباحث :

أ : أن ظاهر تعليل المصنف الثاني من وجهي الإشكال يقتضي أن موضع الاشكال إنما هو إذا حصل الطلاق بالإجبار ، كما قررناه في أول تصوير المسألة ، وظاهر أول العبارة أعم من ذلك ، فان قوله : ( وعلى كل تقدير ) ظاهره يتناول الطلاق بالاختيار وفسخ المرأة وفسخ الحاكم ، والاشكال قائم في المواضع كلها ، لأن الاشتباه يمنع المطالبة. وتعيين المديون بالمهر بالقرعة محل توقف ، لأن وجوبه أثر النكاح ، إلاّ أن الفسخ من المرأة ، لكونه قبل الدخول ، وقد يقال لا يجب معه مهر كالردة.

ب : العبارة تتناول طلاق من أخرجته القرعة بالإجبار ، وإيجاب نصف المهر عليه بعيد جدا ، لأنه ليس بزوج علما ولا ظنا ، ولا سبيل إلى القرعة ثانيا لأجل المهر هنا ، لمنافاتها القرعة الأولى على تقدير إخراج القرعة الثانية غير من أخرجته الأولى.

ج : الظاهر من قول المصنف : ( ففي ثبوت نصف المهر ) ثبوت نصف المسمى ، وهو واضح إذا اتحد المسميان جنسا وقدرا وصفة ، أما مع الاختلاف فالأمر أشكل ، واعتبار القرعة فيه محل تأمل ، والتوقف في ذلك كله طريق السلامة.

قوله : ( ولو ادعى كل منهما السبق وعلمها ولا بينة ، فان أنكرت العلم حلفت على نفيه ، فتسقط دعواهما عنها ويبقى التداعي بينهما ، ولو أنكرت السبق حلفت ويحكم بفساد العقدين.

وإن نكلت ردت عليهما ، فان حلفا معا بطل النكاحان أيضا.

١٨٠