جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

بعد الإسلام.

و : لو أسلم ثم ارتد فانقضت العدة من حين إسلامه على كفرها تبيّنا الفسخ من حين الإسلام.

______________________________________________________

بعد الإسلام ).

لا ريب أن وصف الاعتداد مانع من صحة النكاح ، وملحق للمرأة بمن يحرم نكاحهن ما دامت في العدة ، فكذا القول في المطلقة ثلاثا قبل التحليل ، فمتى تزوج الكافر معتدة ثم تجدد الإسلام ، فإن كانت العدة باقية فلا نكاح ، وإن انقضت قبل الإسلام كان صحيحا.

قال بعض الشافعية : هذا إذا كانت عدة النكاح ، أما إذا نكح معتدة عن الشبهة ثم أسلم والعدة باقية فإنهما يقران على النكاح ، لأن الإسلام لا يمنع دوام النكاح مع عدة الشبهة ، فلا يعترض عليه إذا لاقاه ، والظاهر المنع مطلقا ، إذ لا يجوز إنشاء نكاح المعتدة عن وطء الشبهة في الإسلام.

وهنا بحث : وهو أن العقد على ذات العدة والدخول بها من الأسباب الموجبة للتحريم المؤبد ، وحقه أن لا يفرق في ذلك بين المسلم والكافر ، كما في سائر الأسباب كالتطليق ثلاثا ، فإنه تحرم المطلقة إلى أن تنكح زوجا آخر ، والمطلقة تسعا للعدة فإنه يحرمها مؤبدا.

وقد أطلقوا هنا صحة النكاح إذا انقضت العدة قبل الإسلام ، وظاهرهم أن ذلك مع الدخول أيضا ، وللنظر فيه مجال.

ولو تزوج حليلة أبيه أو ابنه لم يقر عليه بعد الإسلام بحال ، لأنها تحرم عليه مؤبدا.

قوله : ( و : لو أسلم ثم ارتد فانقضت العدة من حين إسلامه على كفرها تبين الفسخ من حين الإسلام.

٤٢١

وإن أسلمت في العدة تبيّنا عدم الفسخ بالإسلام ، ونضرب لها عدة من حين الارتداد ، فإن عاد فيها فهو أحق ، وإلاّ بانت من حين ردته.

وليس له العود إليها بذلك العقد حال ردته وإن كانت كافرة ، وكذا لو أسلم ثم ارتد ثم أسلمت ثم ارتدت ، لم يكن له استصحاب العقد وإن كان في العدة.

______________________________________________________

وإن أسلمت في العدة تبينّا عدم الفسخ بالإسلام ، ويضرب لها عدة من حين الارتداد ، فإن عاد فيها فهو أحق ، وإلاّ بانت من حين ردته ، وليس له العود إليها بذلك العقد حال ردته وإن كانت كافرة وكذا لو أسلم ثم ارتد ثم أسلمت ثم ارتدت ، لم يكن له استصحاب العقد وان كانت في العدة ).

لا ريب أن حدوث اختلاف الدين بين الزوجين المانع من صحة النكاح بينهما إذا وقع قبل الدخول انفسخ به النكاح في الحال وان كان بعد الدخول وقف الأمر فيه على انقضاء العدة.

فإذا أسلم الزوج بعد الدخول ثم ارتد فلا ريب في ضرب العدة من حين الإسلام فإذا ارتد بعد إسلامه فقد حدث سبب أخر لفسخ النكاح لو كانت الزوجة مسلمة فينظر ان انقضت العدة من حين إسلامه على كفرها تبينا فسخ النكاح من حين إسلامه.

وان أسلمت في العدة تبين ان الإسلام لم يكن موجبا للفسخ وان النكاح بحاله إلى زمان الردة فلا بد من ضرب عدة اخرى من حين الارتداد لان اختلاف الدين مانع من صحة النكاح حيث حدث بعد الدخول.

فان عاد إلى الإسلام قبل القضاء بها تبينا بقاء عقد النكاح والا تبينا البينونة من حين الردة وليس له العود إليها بذلك العقد حال ردته وان كانت كافرة لأن المرتد له حكم الإسلام فلا يجوز ان ينكح الكافرة.

٤٢٢

ز : لو طلق كل واحدة من الأختين ثلاثا ثلاثا ثم أسلموا حرمتا إلاّ بالمحلل.

المطلب الثالث : في الزيادة على العدد الشرعي : إذا أسلم الحر على أكثر من أربع من الكتابيات بعقد الدوام اختار أربع حرائر ، أو حرتين وأمتين ، أو ثلاث حرائر وأمة. والعبد يختار حرتين ، أو أربع إماء ، أو حرة وأمتين. واندفع نكاح البواقي ، سواء ترتب عقدهن أولا ، وسواء اختار‌

______________________________________________________

والمراد من قولهم الكفر كالملة الواحدة ما عدا الارتداد لما قلنا من ان المرتد له حكم المسلم ، ومن ثم لا يجوز للمرتد ان ينكح الكافرة ولا المسلمة لكفره وكذا الحكم لو أسلم ثم ارتد ثم أسلمت ثم ارتدت لم يكن له استصحاب العقد وان كان إسلامها وارتدادها في العدة.

قوله : ( ز : لو طلق كل واحدة من الأختين ثلاثا ثلاثا ثم أسلموا حرمتا ، إلاّ بالمحلل ).

قد علم تقريب ذلك مما سبق ، ولا يخفى أن في قوله : ( ثلاثا ثلاثا ) تكرارا ، فإن التطليق لكل واحدة إنما يكون ثلاثا لا ثلاثا ثلاثا ، وربما اعتذر عن هذا بأن ثلاثا ثلاثا منصوب على التمييز عن الجملة ، على أن قوله : ( لو طلق كل واحدة من الأختين ) كلام تام ، وثلاثا تفسير لكل من الطلاقين.

وظاهر أن تفسير طلاق إحداهما لا يغني عن الأخرى ، وهذا وإن كان محتملا إلاّ أنه خلاف المتبادر ، لأن المتبادر أنه منصوب لكونه مفعولا مطلقا.

قوله : ( المطلب الثالث : في الزيادة على العدد الشرعي : إذا أسلم الحر على أكثر من أربع من الكتابيات بعقد الدوام اختار أربع حرائر أو حرتين وأمتين ، والعبد يختار حرتين أو أربع إماء أو حرة وأمتين ، واندفع نكاح البواقي ، سواء ترتب عقدهن أو لا ، وسواء اختار الأوائل أو الأواخر ، وسواء‌

٤٢٣

الأوائل أو الأواخر ، وسواء دخل بهن أو لا.

ولا يشترط إسلامهن ولا ينتظر العدة.

ولو أسلم معه أربع من ثمان فالأقرب أن له اختيار الكتابيات.

______________________________________________________

دخل بهن أو لا ، ولا يشترط إسلامهن ولا ينتظر العدة ).

قد سبق أن الرجل إذا أسلم كان له استدامة نكاح زوجته إذا كانت كتابية ، فعلى هذا إذا أسلم عن زائد عن العدد الشرعي وهن كتابيات بعقد الدوام ، فان كان حرا اختار أربع حرائر أو حرتين وأمتين ، أو أمة وثلاث حرائر إن كان فيهن إماء وقلنا بنكاح الأمة بالعقد من دون الشرطين ، وإلاّ بطل عقد الإماء ، لأن وقت الإسلام بمنزلة ابتداء النكاح ، لأنه وقت المؤاخذة بالأحكام الإسلامية.

وإن كان عبدا اختار حرتين أو أربع إماء أو حرة وأمتين ، لأن ذلك هو العدد الجائز لكل واحد منهما ، فإذا اختار ذلك اندفع نكاح البواقي.

ولا فرق في الاختيار بين أن ينكحهن دفعة أو على الترتيب ، ولا بين أن يكن مدخولا بهن وعدمه ، ولا بين أن يختار الأوائل أو الأواخر.

يدل على ذلك ما رواه العامة أن غيلان أسلم وعنده ثلاث عشرة نسوة ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أمسك أربعا وفارق سائرهن » (١) ، وترك الاستفصال مع الاحتمال يجري مجرى العموم.

وذهب بعض العامة إلى أنه إن تزوجهن في عقد واحد اندفع نكاح الجميع ، وإن كان في عقود مترتبة لزمه الأربع الأوائل (٢) ، وهو غير معتد به.

ولا يخفى أنه لا يشترط إسلامهن ، لما سبق من بقاء نكاح الكتابية ، ولا ينتظر مضي العدة لننظر هل يسلمن أم لا ، لأنه لا فرق في ذلك بين إسلامهن وعدمه.

قوله : ( ولو أسلم معه أربع من ثمان فالأقرب أن له اختيار الكتابيات )

__________________

(١) انظر سنن البيهقي ٧ : ١٨٢ ـ ١٨٣.

(٢) المغني لابن قدامة ٧ : ٥٤٠.

٤٢٤

وليس للمرأة اختيار أحد الزوجين ، بل يبطلان مع الاقتران ، والثاني مع الترتيب ولا مهر للزائد ، فإن دخل فمهر المثل إن قلنا بعدم الصحة.

______________________________________________________

وجه القرب أن الإسلام‌ لا يمنع الاستمرار على نكاح الكتابية ولا يوجب نكاح المسلمة ، فلا مقتضي لترجيح المسلمات ، ويحتمل تعيين المسلمات للاختيار ، لشرف المسلمة على الكافرة ، فلا يناسب ذلك اختيار الكتابيات على المسلمات ، والأصح الأول.

قوله : ( وليس للمرأة اختيار أحد الزوجين ، بل يبطلان مع الاقتران ، والثاني مع الترتيب ).

لما اتفقت الملل على حفظ الفروج وصيانتها عن اختلاط الأنساب ، امتنع نكاح المرأة الواحدة رجلين ، فمتى وقع ذلك في الكفر ، فإن تقدم عقد أحدهما كان الثاني محكوما ببطلانه عينا ، وإلاّ كان كل منهما باطلا.

قوله : ( ولا مهر للزائد ، فإن دخل فمهر المثل إن قلنا بعدم الصحة ).

أي : ولا مهر للزائد على العدد الشرعي إذا اختار أربعا واندفع نكاح الباقي ، ولم يكن قد دخل بمن اندفع نكاحها ، وكذا لا نفقة لهن ولا متعة ، فإن كان قد دخل وجب مهر المثل إن قلنا إن نكاح الكفر لما زاد على العدد الشرعي غير صحيح ، كذا قال الشارح الفاضل (١).

والذي يفهم من كلام الشيخ أن نكاح الكفر غير صحيح ، إلاّ إذا انضم إلى الاختيار في حال الإسلام (٢) ، فلا يتم ما ذكره الشارح ، ولو قلنا بصحته وجب المسمّى ، وهذا هو المختار.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١٠٧.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٢١.

٤٢٥

ولو أسلم عن امرأة وبنتها بعد الدخول بهما أو بالأم حرمتا ، وقبله تحرم الأم خاصة ولا اختيار.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أسلم عن امرأة وبنتها بعد الدخول بهما أو بالأم حرمتا ، وقبله تحرم الأم خاصة ولا اختيار ).

لو تزوج الكافر بامرأة وبنتها ، ثم أسلم وأسلمتا معه وكانتا كتابيتين فالأحوال أربع :

الأول : أن يكون قد دخل بهما فيحرمان معا ، أما البنت فبدخوله بالأم ، وأما الأم فلأنه عقد على البنت ودخل بهما ، وهما سببان في التحريم ، ولكل واحد منهما المسمّى إن كانت التسمية صحيحة ، وإلاّ فمهر المثل.

الثاني : أن يدخل بالأم خاصة فيحرمان ايضا ، أما البنت فللدخول بالأم ، وأما الأم فللعقد على البنت ، ولا مهر للبنت ، وأما الأم فلها المسمّى ، ومع فساده فمهر المثل ، ويطرد خلاف الشيخ الآتي ذكره في الرابعة هنا ايضا.

الثالث : أن يدخل بالبنت خاصة فتحرم الام قطعا ، للعقد على البنت والدخول بها ، ولا تحرم البنت ، لأن العقد على الام لا يحرمها من دون الدخول.

الرابع : أن لا يدخل بواحدة منهما ، وفيه قولان :

أحدهما ـ واختاره الشيخ رحمه‌الله تعالى ـ أن له اختيار أيتهما شاء ، لأن العقد في حال الشرك لا يحكم بصحته إلاّ بانضمام الاختيار في حال الإسلام ، فإنه لو تزوج واختار منهن أربعا لم يكن للبواقي مهر ولا نفقة ولا متعة بمنزلة من لم يقع عليهن عقد.

ولأنه لو تزوج الأختين دفعة وأسلم كان له أن يختار أيتهما شاء فكذا الام والبنت ، فإن اختار نكاح البنت استقر نكاحها وحرمت الام على التأبيد ، بخلاف العكس ، إلاّ أن يدخل بالأم.

وثانيهما ـ واختاره المصنف ـ أنه يلزمه نكاح البنت ، لأن نكاح الكفر صحيح ، ولهذا لو كان له أربع فما دون وأسلمن أو كن كتابيات لزمه نكاحهن ، ولم يفتقر الى‌

٤٢٦

ولو أسلم عن أمة وبنتها تخيّر إن لم يطأ إحداهما ، وإلاّ حلت الموطوءة خاصة ، ولو كان قد وطأهما حرمتا.

ولو أسلم عن أختين تخيّر وإن وطأهما ،

______________________________________________________

الاختيار حال الإسلام ، وعدم وجوب مهر قبل الدخول للزائد على العدد ، لحصول الفسخ لا من قبل الزوج ، وهذا هو الأصح.

واعلم أن قول المصنف : ( وقبله ) شامل للحالتين ، وهو ما إذا لم يدخل بواحدة منهما أو لم يدخل بالأم ، أي : وقبل الدخول بهما أو بالأم ، وقوله : ( ولا اختيار ) للتصريح بالرد على الشيخ.

قوله : ( ولو أسلم عن أمة وبنتها تخيّر إن لم يطأ إحداهما ، وإلاّ حلت الموطوءة خاصة ، ولو كان قد وطأهما حرمتا ).

أي : لو أسلم عن أمة وبنتها مملوكتين له ، فان لم يكن وطأ واحدة منهما تخيّر من شاء منهما للوطء كما في حال الإسلام ، وإن كان قد وطأ إحداهما حلت الموطوءة دون الأخرى كما في حال الإسلام.

وإن كان قد وطأهما حرمتا معا ، أما اللاحقة فظاهر ، وأما السابقة فإما لأن وطء الشبهة يحرم وإن تأخر ، أو لأن وطء الشبهة لكل منهما بمنزلة العقد على كل منهما ، وحيث كان العقد على كل منهما والوطء لكل منهما في الكفر محكوما بصحته لم ينظر إلى السبق والتأخر ، ورتب على كل منهما ما ترتب على الصحيح.

قوله : ( ولو أسلم عن أختين تخيّر وإن وطأهما ).

لأن فيروز الديلمي أسلم على أختين فخيره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إمساك أيتهما شاء ، وحكم على غير المختارة حكم الزائد على العدد (١).

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٨٤.

٤٢٧

وكذا عن العمة والخالة مع بنت الأخ أو الأخت إذا اختارتا عدم الجمع أو الحرة والأمة.

ولو اختارت الحرة أو العمة أو الخالة العقد على الأمة ، أو بنت الأخ أو الأخت صح الجمع.

ولو اخترن في حال الكفر لزمهن حكمه حال الإسلام.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا عن العمة والخالة مع بنت الأخ أو الأخت إذا اختارتا عدم الجمع أو الحرة والأمة ، فلو اختارت الحرة أو العمة أو الخالة العقد على الأمة أو بنت الأخ أو بنت الأخت صح الجمع ).

إن رضيت العمة والخالة بالجمع بينهما وبين بنت الأخ والأخت فلا بحث ، وإن اختارتا عدم الجمع يخير العمة أو بنت أخيها ، فمن اختارها صح نكاحها واندفع نكاح الأخرى ولا مهر إلاّ مع الدخول.

وأما إذا أسلم عن حرة وأمة ، فإنه إن لم ترض الحرة بنكاح الأمة انفسخ ، وإن رضيت فالجمع صحيح عندنا ، وعند العامة يبنى على أن نكاح الأمة يجوز اختيارا أم بالشرطين ، فعلى الثاني ينفسخ ، وعلى الأول يعتبر رضى الحرة.

واعلم أن عبارة الكتاب وغيره لا تؤدي المعنى المراد منها في مثله الحرة والأمة ، بل الظاهر منها خلاف المراد فينبغي التنبيه له.

قوله : ( ولو اخترن حال الكفر لزمهن حكمه حال الإسلام ).

أي : لو اختار كل من العمة والخالة بالنسبة الى بنت أخيها وبنت أختها ، والحرة بالنسبة إلى الأمة الجمع في حال الكفر كان ذلك موجبا للزوم النكاح ، ولم يثبت الاختيار بعد الإسلام ، تمسكا بالاستصحاب ، ولأن نكاح الكفر صحيح ، فإذا وقع مستجمعا للأمور المعتبرة في شرع الإسلام كان لازما.

٤٢٨

ولو أسلم الحر على أربع إماء تخيّر اثنتين ، وكذا لو كان معهن حرائر إذا رضيت الحرائر.

والأقرب اعتبار رضى جميع الحرائر الأربع دون الخامسة إن فسخ نكاحها ، وإلاّ اعتبر.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أسلم على أربع إماء تخيّر أمتين ، وكذا لو كان معهن حرائر إذا رضيت الحرائر ، والأقرب اعتبار رضى جميع الحرائر الأربع دون الخامسة إن فسخ نكاحها ، وإلاّ اعتبر ).

لو أسلم الحر على أربع إماء تخيّر أمتين عندنا ، سواء كان ممن يجوز له ابتداء العقد على الأمة أم لا عند علمائنا ، ذكره في التذكرة (١) ، لأنه استدامة عقد لا استئنافه.

ولو كان مع الإماء حرائر تخيّر اثنتين بشرط رضى الحرائر ، فإن لم يرضين انفسخ نكاح الإماء ، لأن الاختيار بمنزلة ابتداء النكاح. والأقرب أنه لو كان له أزيد من أربع حرائر إنه لا بد من رضى أربع حرائر بنكاح الإماء ليختار أمتين ، ولا يكفي رضى حرتين فقط.

أما الزائد على الأربع كالخامسة فإن فسخ نكاحها لم يعتبر رضاه ، وإلاّ اعتبر.

ووجه القرب في أنه لا بد من رضى أربع حرائر دون أمتين أن يقال : إن نكاح أربع من الحرائر الخمس لازم ، وإنما تكون الإماء زوجات إذا رضي الحرائر بنكاحهن ، فقبل رضاهن لا يكن زوجات.

فلا جرم قبل تحقق شرط نكاح الإماء لا يتحقق نكاحهن ، فيكون نكاح أربع حرائر لازما فلا بد من رضاهن وفيه نظر ، لأنه إذا انضم اختيار الزوج لنكاح الحرتين الراضيتين إلى اختيار الأمتين اندفع نكاح البواقي ، فلا اعتبار لرضاهن.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٥٤.

٤٢٩

______________________________________________________

أو يقال : اختيار الأمتين مشروط برضاء الحرائر ، وجميع الحرائر زوجات حينئذ ، فلا بد من رضى جميعهن ، لامتناع صحة اختيار الأمة من دون رضى جميع الحرائر ، عملا بعموم اعتبار رضى الزوجة الحرة ، وفيه نظر ، لأن من اختارها للفسخ لا نمنع وجوب اعتبار رضاها ، لأنها آيلة إلى بينونة.

لا يقال : فسخ نكاحها فرع زيادتها على النصاب ، وإنما يكون ذلك إذا صح اختياره الإماء ، وإنما يصح إذا رضيت الزوجات كلهن الحرائر.

لأنا نقول : لم لا يجوز أن يكون اختياره للأمتين مع الحرتين الراضيتين وانفساخ نكاح البواقي واقعا في زمان واحد ، ولا نسلم اشتراط اختيار الإماء برضى من عيّنهن للفسخ ، ولا دليل على الاشتراط فليتأمل.

أو يقال : إن نكاح الحرتين لازم قطعا فيعتبر رضاهما ، ولا يعلمان بعينهما فلا بد من رضى الأربع ليعلم حصول رضى الاثنتين في الجملة إذ لا يتحقق بدونه ، ومن ثم يعتبر رضى الخامسة لو لم يفسخ نكاحها.

أما إذا فسخه فلا ، لاندفاعه بالفسخ قطعا ، بخلاف ما زاد على اثنتين من الأربع ، إذ لا يندفع نكاح الزائد بمجرد فسخه ، وفيه نظر ، لأنه إذا اختار نكاح الحرتين الراضيتين مع أمتين تبيّن انحصار النكاح في ما دون باقي الحرائر ، وإن رضاهما هو المعتبر دون رضى غيرهما.

ولا ريب أنه إذا فسخ نكاح ما عدا الحرتين الراضيتين بعد أن اختار أمتين انفسخ نكاحهن ، فكان الزائد على اثنتين كالخامسة ، حيث انه إذا فسخ نكاحها انفسخت ، فعلى هذا ظهر أنه إذا رضيت حرتان انضم اليه اختيار نكاحهما مع أمتين كفى ذلك ، ولم يحتج إلى رضى الأربع ، وهو الاحتمال الثاني ، وهو قوي.

وجعل الشارح الفاضل مقابل الأقرب احتمال توقف اختيار الإماء حتى يختار الحرتين ، ثم يأذنان في اختيار الأمتين ، لأنهما قبل التعيين لا يصلحان للاذن ، وقد ينظر‌

٤٣٠

ولو كان احدى الخمس بنت الأخ أو الأخت فاختارها مع ثلاث انفسخ نكاح العمة أو الخالة.

______________________________________________________

في اعتبار هذا الترتيب ، لأنهما زوجتان ظاهرا.

وذكر احتمالا ثالثا ، وهو عدم توقف اختيار الأمتين على رضى الحرائر أصلا ، بناء على أن الاختيار كاستدامة النكاح ، إذ لا يشترط صيغة النكاح ولا قبول المرأة ، وإنما هو استدراك عقد أشرف على الزوال فأشبه الرجعة ، ولجوازه في الإحرام ، وذكر أنه قول لبعض الفقهاء.

واحتمل في المسألة احتمالا رابعا على هذا القول وهو اعتبار رضى الكل ، لأنهن باختلاف الدين قبل الاختيار كالمطلقة الرجعية ، فكل واحدة منهن كزوجة (١).

واندفاع نكاح الزائد باختيار النصاب يقتضي أنه قبل الاختيار لا بد من رضى الكل ، لأنهن بحكم الزوجات ، وقد يناقش فيه بان اعتبار رضى من يريد دفع نكاحها موضع المنع.

قوله : ( ولو كان احدى الخمس بنت الأخ أو بنت الأخت فاختارها مع ثلاث انفسخ نكاح العمة والخالة ).

أي : لو كان له زوجات خمس إحداهن بنت أخ الأخرى منهن أو بنت أختها ، فاختار البنت مع ثلاث غير العمة والخالة اندفع نكاح العمة أو الخالة ، لزيادتها على النصاب ، ولم يعتبر رضاها لخروجها عن الزوجية ، بخلاف ما لو كان الجميع أربعا ، فإنه لا بد من رضى العمة والخالة.

ولقائل أن يقول : يلزم على اعتبار رضى الأربع والخامسة إن لم ينفسخ نكاحها وجوب اعتبار رضى العمة أو الخالة هنا ، لأن اختيار بنت الأخ أو الأخت مشروط برضى العمة والخالة ، لأنها زوجة ، واندفاع نكاحها مشروط بصحة الاختيار.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١٠٩.

٤٣١

ولو أسلم على حرة وثلاث إماء تخيّر مع الحرة أمتين إذا رضيت الحرة ، ولو لم ترض ثبت عقدها وبطل عقد الإماء.

ولو لحق به الإماء وخرجت العدة على كفر الحرة ، بطل نكاحها وتخير أمتين.

ولو عادت في العدة ثبت عقدها خاصة إن لم ترض بالإماء.

______________________________________________________

وحيث اكتفينا برضى اثنتين في الاولى ، وحكمنا بأن من لم يختر نكاحها لا يكون رضاها معتبرا ، تمسكا بأصالة عدم اعتباره في الزوجة التي يختارها للفسخ ، فعدم اشتراط رضى العمة والخالة في هذه الصورة واضح.

قوله : ( ولو أسلم على حرة وثلاث إماء تخيّر مع الحرة أمتين إذا رضيت الحرة ، ولو لم ترض ثبت عقدها وبطل عقد الإماء ).

إذا أسلم الحر على حرة وثلاث إماء وثنيات وأسلمن ، وكذا لو كن كتابيات ، تخيّر مع الحرة أمتين ، بناء على أنه لا يتشرط نكاح الأمة فقد الطول وخوف العنت ، هذا إذ رضيت الحرة بالإماء ، فلو لم ترض ثبت عقدها واندفع عقد الإماء لا محالة.

قوله : ( ولو لحق به الإماء وخرجت العدة على كفر الحرة بطل نكاحها وتخيّر أمتين ).

هذا من شعب المسألة المفروضة ، وهي ما إذا أسلم على حرة وثلاث إماء ، أي : لو لحق به الإماء في الصورة المذكورة ، بأن أسلمن وخرجت العدة والحرة على كفرها ، حيث كانت مدخولا بها وهي غير كتابية ، بطل نكاح الحرة لا محالة ، فلم يعتبر رضاها حينئذ وتخيّر من الإماء اثنتين ، بناء على أن نكاح الإماء غير مشروط بالشرطين.

قوله : ( ولو عادت في العدة ثبت عقدها خاصة إن لم ترض بالإماء ).

أي : لو أسلمت في العدة والحال إن الإماء أسلمن ، اعتبر رضاها بالإماء ليختار اثنتين ، فإن لم ترض ثبت عقدها خاصة.

٤٣٢

ولو طلق الحرة في العدة قبل إسلامها ، فإن أسلمت فيها صح الطلاق وبنّ الإماء إن قلنا ببطلان عقد الأمة على الحرة من أصله ، وإن خرجت ولما تسلم ظهر بطلان الطلاق وتخيّر في الإماء.

______________________________________________________

قوله : ( ولو طلق الحرة خاصة في العدة قبل إسلامها ، فإن أسلمت فيها صح الطلق وبن الإماء إن قلنا ببطلان عقد الأمة على الحرة من أصله ، وإن خرجت ولما تسلم ظهر بطلان الطلاق وتخيّر في الإماء ).

هذا من أحكام المسألة المذكورة أيضا ، وتحقيقه إنه لو طلّق الحرة المدخول بها في العدة قبل إسلامها ، نظر فإن أسلمت في العدة تبيّن صحة الطلاق لوقوعه على من ثبت زوجيتها.

ثم الحكم في الإماء مبني على أن من عقد على الأمة وعنده حرة بغير اذنها ، هل يكون باطلا من أصله ، أو يكون موقوفا على رضاها؟ فإن قلنا بالأول بانت الإماء ، وإن قلنا بالثاني اختار أمتين.

وإنما بناه على هذا ، لأنه على القول بالوقف لا مانع من الصحة هنا ، لأنه إنما كان المانع الجمع بين الحرة والأمة ، وقد زال ، ويشكل هذا البناء بأمرين :

الأول : لزوم مثله لو طلق المسلم الحرة بعد أن عقد على الأمة ، فيجب الحكم بصحة عقد الأمة في هذه الصورة بناء على الوقف.

قال شيخنا الشهيد في بعض حواشيه : والتزامه بعيد اعتمادا على ان معنى الوقف صحته إذا أذنت لإفساده إذا منعت.

وتوضيحه : إن المعقول من معنى الوقف هنا تزلزل العقد وعدم ثبوته حتى يرضى ، لا تسلطها على فسخه مع ثبوته ، وبعد الطلاق لا اعتبار لرضاها ، لخروجها عن الزوجية.

الثاني : إنه يلزم فيمن أسلم عن حرة وأمة ولم يطلّق بطلان عقد الأمة ، بناء على‌

٤٣٣

ولو أسلم الحر على أربع حرائر أو حرتين وأمتين ، أو ثلاث حرائر وأمة. أو أسلم العبد على أربع إماء ، أو حرة وأمتين ، أو حرتين ، ثبت العقد على الجميع ، لكن مع رضى الحرائر إذا اجتمعن مع الإماء ، هذا إذا كن‌

______________________________________________________

القول بالبطلان في المسألة المذكورة ، وظاهرهم خلافه.

والتحقيق ان البناء لا يخلو من اشكال بالنسبة إلى كل من الطرفين ، بل ينبغي أن يقال : فيه احتمالان : الصحة ، لانتفاء الجمع المانع منها والبطلان ، لتوقفه على رضى الحرة ، وقد تعذر بخروجها عن الزوجية.

واحتمل شيخنا الشهيد اعتبار رضاها لو كانت العدة رجعية ، لأنها زوجة ، ثم ضعّفه بجريانها إلى بينونته ، ومعها فلا اعتبار لرضاها. هذا كله إذا أسلمت في العدة ، فلو خرجت ولم تسلم ظهر بطلان الطلاق ، لأنه إنما يقع على زوجة وقد تبيّن انفساخ النكاح ، باختلاف الدين. وهنا فائدتان :

الأولى : قوله : ( وبن الإماء ) جاز على لغة أكلوني البراغيث ، وفي بعض النسخ وبانت الإماء.

الثانية : في الحكم بصحة الطلاق على تقدير إسلامها في العدة دليل على أن من طلّق وهو شاك في تحقق شرط صحة الطلاق ، ثم علم حصوله حين وقوعه ، يقع طلاقه صحيحا.

وقد يوجد في كلام بعضهم ما يخالف ذلك ، والاشكال متطرق إليه ، لأنه حينئذ طلّق طلاقا على التردد ، ولا بد في القعود والإيقاعات من الجزم. ولمانع أن يمنع من التردد ، لأن استصحاب الحال يقتضي بقاء الزوجية ، والمزيل هو خروج العدة قبل الإسلام ، وهو مشكوك فيه ، ومتى حصل الاشتباه رجع الى الاستصحاب فلا تردد.

قوله : ( ولو أسلم الحر على أربع حرائر أو حرتين وأمتين ، أو ثلاث حرائر وأمة وأسلم العبد على أربع إماء ، أو حرة وأمتين ، أو حرتين ، ثبت العقد على الجميع ، لكن مع رضى الحرائر إذا اجتمعت مع الإماء ، هذا إذا كن‌

٤٣٤

كتابيات.

ولو أسلم على أكثر من أربع وثنيات مدخول بهن انتظرت العدة ، فإن خرجت ولم تسلم منهن واحدة بطل عقدهن ، وإن أسلم فيها أربع فما دون وخرجت ولم تزدن على الأربع ، ثبت عقد المسلمات وإن زدن على أربع في العدة تخير أربعا ، وله اختيار من سبق إسلامها ومن تأخر ، ويندفع نكاح البواقي.

وكذا لو أسلمن كلهن ، ولا يجبر على الاختيار إذا سبق البعض ، بل له التربص حتى تخرج العدة ، فإن لحقن به أو بعضهن ولم يزدن عن أربع‌

______________________________________________________

كتابيات ).

لما كان للحر أن ينكح أربع حرائر أو حرتين وأمتين أو ثلاث حرائر وامة ، على ما سبق بيانه ، وكذا للعبد أن ينكح أربع إماء أو حرة وأمتين أو حرتين ، فإذا أسلم أحدهما على عدد من الأعداد التي يجوز له ثبت عقده على الجميع ولم يكن له اختيار ، لانتفاء الزيادة على النصاب. هذا إذا كن كتابيات ، فإنه يجوز استدامة نكاحهن.

أما إذا كن وثنيات فإنه لا بد من إسلامهن معه ، أو في العدة إذا كن مدخولا بهن.

قوله : ( ولو أسلم عن أكثر من أربع وثنيات مدخول بهن ، انتظرن العدة ، فإن خرجت ولم يسلم منهن أحد بطل عقدهن ، وإن أسلم فيها أربع فما دون وخرجت ولم يزدن على الأربع ، ثبت عقد المسلمات.

وإن زدن على أربع في العدة تخير أربعا ، وله اختيار من سبق إسلامها ومن تأخر ، ويندفع نكاح البواقي.

وكذا لو أسلمن كلهن ، ولا يجبر على الاختيار إذا سبق البعض ، بل له التربص حتى تخرج العدة ، فإن لحقن به أو بعضهن ولم يزدن على أربع‌

٤٣٥

ثبت عقده عليهن ، وإن زدن عن أربع تخير أربعا.

ولو اختار من سبق إسلامهن وكن أربعا لم يكن له اختيار من لحق به ولو في العدة.

______________________________________________________

ثبت عقده عليهن ، وإن زدن على أربع تخير أربعا.

ولو اختار من سبق إسلامهن وكن أربعا ، لم يكن له اختيار من لحق به ولو في العدة ).

يصح تقدير المسلم حرا وعبدا ، لكن لا بد أن يراعى في اختيار الحر اختياره لما يجوز له من الحرائر والإماء ، فإذا أسلم الزوج عن أكثر من أربع وثنيات مدخول بهن ـ وهذا القيد ليكون لهن عدة ينتظر إسلامهن فيها ـ فهناك أحوال :

الأول : أن لا تسلم واحدة منهن في العدة ، فيتبين اندفاع نكاحهن باختلاف الدين ، وهو واضح.

الثاني : أن يسلم فيها أربع فما دون ، ويخرج عدد الباقين قبل إسلام إحداهن ، فتتعين المسلمات في العدة ، ويندفع نكاح البواقي ، لأنه إنما يتخير إذا زاد عدد من يستدام نكاحهن على النصاب.

الثالث : هذه الصورة بحالها لكن زدن في العدد على أربع ، فيتخير حينئذ أربعا ، وله اختيار من سبق إسلامها ومن تأخر ، لأن الاعتبار بجواز استدامة النكاح بكون الإسلام في العدة ولو قبل أخرها بلحظة ، فإذا اختار أربعا اندفع نكاح البواقي.

وأما من خرجت عدتها ولم تسلم ، فإنها بخروج العدة تتبين بينونتها.

الرابع : أن يسلمن كلهن في العدة فيختار أربعا ، فإذا اختاره اندفع البواقي.

ولا يخفى أنه حيث سبق البعض والعدة باقية لا يجبر على الاختيار لمن سبق ، لإمكان لحاق البواقي أو بعضهن ، بل له التربص حتى تخرج العدة ، فإن لم يزدن عن أربع ثبت عقده عليهن ، وإن زدن تخير أربعا.

٤٣٦

ولو أسلم عن أربع وثنيات مدخول بهن لم يكن له العقد على خامسة ، ولا على أخت إحداهن إلاّ بعد انقضاء العدة مع بقائهن على الكفر ، أو بقاء إحدى الأربع أو الأخت عليه.

______________________________________________________

ولو اختار من سبق إسلامهن وكن أربعا لم يكن له اختيار من لحق به ، وإن كان اللحاق في العدة ، لأنه باختياره للأربع يندفع نكاح البواقي لو كن مسلمات وتجدد إسلامهن بعد الاختيار.

قوله : ( ولو أسلم عن أربع وثنيات مدخول بهن ، لم يكن له العقد على خامسة ولا على أخت إحداهن إلاّ بعد انقضاء العدة مع بقائهن على الكفر أو بقاء إحدى الأربع أو الأخت عليه ).

إذا أسلم عن أربع وثنيات مدخول بهن ـ وقد علم وجه هذا القيد ـ لم يكن له العقد على خامسة ، ولا على أخت إحداهن ، إلاّ بعد انقضاء العدة مع بقائهن على الكفر أو بقاء إحدى الأربع عليه.

وكونها أخت من يريد العقد عليها حيث تكون الخامسة أختا لإحدى الأربع ، لأنهن قبل ذلك لا يعلم اندفاع زوجيتهن ، لجواز إسلامهن في العدة فيثبت نكاحهن أو إسلام الأخت ، فيثبت نكاحها وتمنع منها.

فإن قيل : حيث جاز طلاق الحرة في المسألة السابقة في العدة قبل إسلامها ، وكان إسلامها قبل خروج العدة مصححا له ، وعدمه كاشفا عن فساده ، فلم لا يجوز هنا العقد على الخامسة وعلى الأخت ، وينتظر العدة فإن أسلمن كلهن فيها تبيّن بطلان نكاح الخامسة ، وكذا لو أسلمت الأخت تبيّن بطلان نكاح أختها ، وإلاّ ثبتت الصحة.

قلنا : يمكن الفرق بأن شرط الطلاق حاصل ظاهرا ، لأن المطلقة قد كانت زوجة قبل الإسلام ولم يتبين اندفاع نكاحها بالإسلام حينئذ ، فيتمسك بالأصل ظاهرا ، ثم ينظر إلى الكاشف وهو إسلامها في العدة وعدمه ، بخلاف نكاح الخامسة‌

٤٣٧

ولو أسلمت الوثنية فتزوج الكافر بأختها ، فإن انقضت العدة على كفره صح عقد الثانية ، ولو أسلما في عدة الاولى تخيّر.

ولو تأخر إسلام الثانية حتى خرجت عدة الاولى وقد أسلم بانت ، ويحتمل انتظار العدة للثانية من حين إسلامه ، فإن لحقت به تخيّر وإن خرجت عدة الاولى.

______________________________________________________

والأخت ، لأن المانع ـ وهو نكاح الأربع أو الأخت ـ موجود ظاهرا ، لأنهن قبل الإسلام كن زوجات ، ولم يعلم زوال الزوجية والأصل بقاؤها إلى أن يعلم المزيل ، فالمصحح ظاهرا موجود في الأول ، والمانع ظاهرا موجود في الثاني ، فظهر الفرق. ومن هذا يظهر جواب السؤال السابق ، أعني وقوع الطلاق على التردد.

قوله : ( ولو أسلمت الوثنية فتزوج الكافر بأختها ، فإن انقضت العدة على كفره صح عقد الثانية. ولو أسلما في عدة الاولى تخيّر ، ولو تأخر إسلام الثانية حتى خرجت عدة الاولى وقد أسلم بانت. ويحتمل انتظار العدة للثانية من حين إسلامه ، فإن لحقت به تخيّر وإن خرجت عدة الاولى )

لو أسلمت زوجة الكافر وكانت وثنية مدخولا بها ، فإنه ينتظر بنكاحها إسلامه في عدتها أو خروجها وهو على كفره.

فلو عقد على أختها صح العقد ، لأن نكاح الكفر صحيح كما سبق. ثم ينظر ، فإن انقضت عدة المسلمة وهو على كفره اندفع نكاح الاولى وتقرر عقد الثانية.

ولو أسلما أو أسلم الزوج أو الأخت المنكوحة في عدة الاولى تخيّر أيتهما شاء ، فإن كان لم يدخل بالثانية فلا أن يكون إسلامهما دفعة حذرا من انفساخ العقد.

لكن ما سيأتي من عبارته يدل على أنه دخل بالثانية ، فحينئذ لا يشترط إسلامهما دفعة ، فإذا تأخر إسلام الثانية حتى خرجت عدة الاولى وقد أسلم بانت الثانية ، وذلك لأنه لما أسلمت الأولى حكم بضرب العدة لها من حين إسلامها.

٤٣٨

ولو أسلم العبد عن أربع حرائر فصاعدا وثنيات ، ثم أعتق ولحقن‌

______________________________________________________

وحكمه أنه متى أسلم الزوج في العدة ثبت نكاحها ما لم يكن هناك مانع ، ولا مانع هنا ، لكون الثانية كافرة ، فيستقر عقد الاولى ويندفع نكاح الثانية ، لانتفاء صلاحيتها للزوجية لامتناع الجمع بين الأختين ، وهذا قول بعض الأصحاب.

ويحتمل انتظار العدة للثانية من حين إسلامه ، فإن لحقت به في عدتها تخيّر وإن خرجت عدة الاولى.

ووجهه أن المقتضي لانفساخ نكاح الثانية إنما هو إسلام الزوج ، ولهذا لو بقي على الكفر استمر النكاح ، لأن نكاح الكفر صحيح على ما قدمناه ، وقد وقع العقد على الأخت في حال كفرهما ، فحيث كانت مدخولا بها وجب ضرب العدة لها كما في كل مدخول بها أسلم زوجها.

فإن أسلمت في العدة وجب الحكم بعدم انفساخ النكاح باختلاف الدين ، وحينئذ فيتخيّر أيتهما شاء ولا ينظر إلى بقاء عدة الاولى وانقضائها ، وهذا الاحتمال هو المختار.

والجواب عن دليل الأول : المنع من اندفاع نكاح الثانية بإسلام الاولى قبلها ، وامتناع الجمع بين الأختين لا يقتضي ذلك ، إنما يقتضي امتناع كونهما معا زوجين.

وليس الحكم ببقاء نكاح الثانية إنشاء نكاح للأخت بعد الإسلام ، وإنما هو عقد وقع في الكفر صحيحا ، فإذا لم يكن اختلاف الدين موجبا ، لفسخه لم يثبت لأحد النكاحين أولوية على الآخر ، ولم يكن لسبق إسلام إحدى الأختين مزية على تجدد إسلام الأخرى.

ومثله ما لو أسلم زوجاته الأربع وهن مدخول بهن دونه فتزوج خامسة ودخل بها ثم أسلم وتأخر إسلامها حتى خرجت عدة الأربع.

قوله : ( ولو أسلم العبد على أربع حرائر فصاعدا وثنيات ، ثم أعتق‌

٤٣٩

به في العدة تخيّر اثنتين ، فإذا اختارهما انفسخ نكاح البواقي ، وكان له العقد على اثنتين اخرتين ، لأنه حينئذ حر.

ولو أعتق أولا ثم أسلم ولحقن به تخيّر أربعا ،

______________________________________________________

ولحقن به في العدة تخير اثنتين فإن اختارهما انفسخ نكاح البواقي ، وكان له العقد على اثنتين اخرتين ، لأنه حينئذ حر ، ولو أعتق أولا ثم أسلم ولحقن به تخير أربع ).

اختلف كلام الأصحاب في هذه المسألة ، فذهب الشيخ في المبسوط (١) والمصنف في التذكرة والتحرير إلى أنه إذا اجتمع إسلام الزوج والزوجات قبل عتقه كان له حكم العبيد فيختار حرتين فقط ، وإن أعتق قبل اجتماع الإسلامين كان له حكم الأحرار فيختار أربعا (٢).

وذهب في هذا الكتاب إلى أنه إذا تأخر عتقه عن إسلامه لم يكن له اختيار الأربع ، بل حكمه حكم العبيد ، لأنه في وقت ثبوت الاختيار له والتزامه بأحكام الإسلام كلها كان عبدا فانحصر اختياره في اثنتين ، بخلاف ما لو أعتق قبل إسلامه فإن له حكم الأحرار ، لأنه في وقت ثبوت الاختيار له وجريان أحكام الإسلام جميعها عليه والتزامه بجميعها كان حرا ، فيجري عليه حكم الحرية.

والمحقق نجم الدين في الشرائع استشكل الفرق بين ما إذا أسلم وأسلم معه اثنتان من الأربع ثم أعتق ، وبين ما إذا أسلموا ثم أعتق ثم أسلم أو أسلمن بعد عتقه وإسلامه في العدة ، حيث ان له في الأول اختيار اثنتين خاصة وفيما عداه اختيار أربع (٣) ، وقد بينا وجه الفرق ، والشيخ في المبسوط فرّق بينهما ، وكذا المصنف وغيره ،

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٢٨.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٥٦ ، التحرير ٢ : ١٩.

(٣) شرائع الإسلام ٢ : ٢٩٧.

٤٤٠