الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١
والأقرب استقلال المعتقة في المرض بالتزويج ، فإن رجعت أو بعضها رقا بطل العقد إلاّ أن يجيز المولى.
______________________________________________________
الموطوءة في الدبر وجهان ، واعتبار النطق فيها قوي ، لزوال الحياء ، واختاره في التذكرة (١).
وهذا إنما [ يكون ] (٢) حيث لا يكون مع السكوت قرينة دالة على عدم الرضا ، فإنه لا يكون إذنا قطعا.
ولو ضحكت عند استئذانها فهو إذن ، لأنه أقوى من السكوت ، ولو بكت ففي كونه إذنا قول لابن البراج (٣) ، واستشكله المصنف في المختلف (٤).
قوله : ( والأقرب استقلال المعتقة في المرض بالتزويج ، فان رجعت أو بعضها رقا بطل العقد ، إلاّ أن يجيز المولى ).
أي لو أعتق المريض أمته جاز لها أن تستقل بتزويج نفسها وإن كان ثلث التركة لا يفي بقيمتها على الأقرب ، لأن العتق الصادر منه صحيح ظاهرا ، لأنه عتق صدر من أهله في محله.
إما أنه صدر من أهله فلأنه مالك مستقل بالتصرف ، والناس مسلطون على أموالهم ، وعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٥) يقتضي النفوذ ظاهرا.
وإما أنه في محلّه فلأن الفرض أن الأمة قابلة للعتق ، ولا مانع منه إلاّ حق الوارث ، وحقه بعد الموت لا قبله.
والمراد من الحجر على المريض فيما زاد على الثلث : المنع من نفوذ تصرفه فيه
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٧.
(٢) في « ش » و « ض » : هو ، والمثبت من النسخة الحجرية وهو الأولى.
(٣) المهذب ٢ : ١٩٤.
(٤) المختلف : ٥٣٨.
(٥) المائدة : ١.
ولا ولاية على البالغ الرشيد الحر إجماعا ، ولا على البالغة الرشيدة الحرة وإن كانت بكرا على الأصح في المنقطع والدائم.
______________________________________________________
ظاهرا وباطنا بحيث لا يبقى للوارث عند الموت حق فيما تصرف فيه أصلا ، لا بطلانه في الحال ، إذ لا دليل عليه ، ولأن تعلق حق الوارث بالأمة غير معلوم ، فإنه إنما يكون إذا مات المعتق في مرضه ذلك ، والأصل بقاء حياته.
وعلى تقدير الموت فلا بد من كون الثلث حينئذ أقل من قيمة الأمة ، ولا اعتبار بما قبله ، وهذا مشكوك فيه ، فلا يكون مجرد الاحتمال مانعا من نفوذ التصرف الصادر من المالك المستند إلى الدلائل السابقة.
فإذا ثبت نفوذ العتق ظاهرا أجريت عليه أحكامه : من صحة استقلالها بالنكاح وغيره من التصرفات ، وجواز عقد المعتق عليها.
ثم إذا رجعت ـ كلّها رقا لظهور دين مستغرق عند الموت ، أو بعضها إذا لم يف الثلث بقيمتها ـ تبيّنا بطلان العقد ، إلاّ أن يكون المولى قد أجاز عقد الغير عليها قبل موته أو يجيزه الوارث بعد الموت ، فإنه لا يبطل.
ويحتمل العدم ، لأن الاستقلال فرع الحرية بجميعها ، وحصولها وعدمه إنما يعلم عند الموت أو البرء من ذلك المرض ، وجهالة الأصل تقتضي جهالة فرعه.
ويضعّف بأن فرع الحرية ظاهرا لا باطنا ، والمجهول حصوله هو الحرية بحسب الواقع ، ومدار الأحكام الشرعية على الأمور الظاهرة ، فإن من اشترى مالا من مالك ظاهرا أو وكيله إنما يحكم بنفوذ البيع ظاهرا ، حتى لو تبيّن أن الملك لغيره أو أن مدعي الوكالة كان كاذبا أو طرأ العزل الشرعي على وكالته ، تبيّنا بطلان البيع وجميع التصرفات المترتبة عليه من نكاح وغيره ، وما نحن فيه كذلك من غير فرق.
قوله : ( ولا ولاية على البالغ الرشيد الحر إجماعا ، ولا على البالغة الرشيدة الحرة ـ وإن كانت بكرا على الأصح ـ في المنقطع والدائم ،
ولو زوجها أبوها أو جدها وقف على إجازتها كالأجنبي ، لكن يستحب لها أن لا تستقل من دونهما بالنكاح ، وأن توكل أخاها مع عدمهما ، وأن تخلد إلى أكبر الاخوة ، وأن تتخير خيرته لو اختلفوا.
______________________________________________________
ولو زوجها أبوها أو جدها وقف على إجازتها كالأجنبي ، لكن يستحب لها أن لا تستقل بالنكاح ، وأن توكل أخاها مع عدمهما ، وأن تخلد إلى أكبر الاخوة ، وأن تتخير خيرته لو اختلفوا ).
أجمع علماء الإسلام على أن الحر البالغ الرشيد لا ولاية لأحد عليه في نكاح ولا غيره ، كما أجمعوا على ثبوت الولاية على [ الصغيرة والبالغ غير الكامل وكذا الصغيرة والمجنونة ، واختلف أصحابنا في ثبوت الولاية على البكر ] (١) البالغة الرشيدة على أقوال خمسة : ـ بعد اتفاقهم على سقوطها عن الثيب البالغة الرشيدة ، إلاّ الحسن (٢).
أ : نفي الولاية عنها في الدائم والمنقطع ، اختاره المفيد في أحكام النساء (٣) وابن الجنيد (٤) والمرتضى (٥) وسلار (٦) والمصنف وأكثر المتأخرين (٧) ، وهو الأصح.
لنا : ظاهر قوله تعالى ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٨) جعل النكاح إليها ، وهو على إطلاقه شامل للمدخول بها وغيرها ، كذا احتج المصنف.
وفيه نظر ، لأن المطلقة ثلاثا مرتبة لا يكون إلاّ مدخولا بها ، إلاّ أن يقال :
__________________
(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في « ش » و « ض » وأثبتناه من النسخة الحجرية ، لاختلال المعنى بدونه.
(٢) فإنه قال بثبوت الولاية عليها ، انظر : المغني لابن قدامة ٧ : ٣٨٥.
(٣) أحكام النساء ، ضمن رسائل الشيخ المفيد : ٢٠.
(٤) نقله عنه العلامة في المختلف : ٥٣٤.
(٥) الانتصار : ١٢٢ ، المسائل الموصلية ضمن رسائل الشريف المرتضى المجموعة الأولى : ٢٣٥.
(٦) المراسم : ١٤٨.
(٧) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٢١ ، والشهيد في اللمعة : ١٨٤.
(٨) البقرة : ٢٣٠.
______________________________________________________
الدخول قد يكون بالوطء في الدبر ، وهو غير مناف لبقاء البكارة.
وما روي أن فتاة جاءت إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : إن أبي زوجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة ، فقال : « اجيزي ما صنع أبوك » فقالت : لا رغبة لي فيما صنع أبي ، قال : « فاذهبي فانكحي من شئت » فقالت : « لا رغبة لي عما صنع أبي ، وإنما أردت أن اعلم النساء أن ليس للآباء في أمور بناتهم شيء » (١).
وما رواه في الحسن الفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم وزرارة ويزيد بن معاوية عن الباقر عليهالسلام قال : « المرأة التي ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولّى عليها أن تزويجها بغير ولي جائز » (٢).
قيل : لا دلالة فيها ، لأنه إن ادعي خروج البكر من المولّى عليها فهو المتنازع ، وإلاّ لم يفد.
قلنا : إن المتبادر ان قوله المرأة مبتدأ ، وقوله غير المولّى عليها خبره ، والمراد بالمولّى عليها من ثبتت الولاية عليها في المال ، هذا هو المتبادر من اللفظ ، ولا شك أن ذلك لا يشمل البكر التي لا حجر عليها في مالها.
وما رواه زرارة عن الباقر عليهالسلام قال : « إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت ، فإن أمرها جائز » (٣).
أورد عليه : عدم ما يدل على اندراج البكر في قوله مالكة أمرها.
وجوابه : أن المتبادر من قوله تبيع وتشتري إلى آخره تفسير المالكة أمرها.
وما رواه منصور بن حازم في الصحيح عن الصادق عليهالسلام قال : « تستأمر
__________________
(١) سنن ابن ماجة ١ : ٦٠٢ حديث ١٨٧٤ ، سنن البيهقي ٧ : ١١٨.
(٢) الكافي ٥ : ٣٩١ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥١ حديث ١١٩٧ ، التهذيب ٧ : ٣٧٧ حديث ١٥٢٥ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٧.
(٣) التهذيب ٧ : ٣٧٨ حديث ١٥٣٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٤ حديث ٨٤٢.
______________________________________________________
البكر وغيرها ولا تنكح إلاّ بأمرها » (١).
وهذه لا تنفي التشريك ، لكنه منتف بالأصل.
وما رواه سعدان بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : « لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها » (٢).
ب : قول الشيخ في النهاية أن الولاية عليها للأب والجد دونها (٣) ، وهو اختيار ابن بابويه (٤) وابن أبي عقيل (٥) وابن البراج (٦).
لما رواه ابن أبي يعفور في الصحيح عن الصادق عليهالسلام قال : « لا تزوج ذات الآباء من الأبكار إلاّ بإذن أبيها » (٧).
ولرواية إبراهيم بن ميمون عن الصادق عليهالسلام : « إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر ، وإذا كانت قد تزوجت لم يزوجها إلاّ برضا منها » (٨).
ولصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : « لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ، ليس لها مع الأب أمر ، وقال : يستأمرها كل أحد ما عدا الأب » (٩).
__________________
(١) التهذيب ٧ : ٣٨٠ حديث ١٥٣٥.
(٢) التهذيب ٧ : ٣٨٠ حديث ١٥٣٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٦ حديث ٨٥٠.
(٣) النهاية : ٤٦٥ ، وفي « ض » ذكر أن هذا القول للشيخ في المبسوط ، وهو خطأ ، لأن الشيخ في المبسوط ٤ : ١٦٢ ذهب إلى أن المرأة الحرة إذا بلغت رشيدة ملكت عقد النكاح.
(٤) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٥٠.
(٥) المختلف : ٥٣٤.
(٦) المهذب ٢ : ١٩٣ ـ ١٩٥.
(٧) الكافي ٥ : ٣٩٣ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥٠ حديث ١١٩٠ ، التهذيب ٧ : ٣٧٩ حديث ١٥٣١ ، وفي هذه المصادر : « لا تزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن » إلا أن في الفقيه : « لا تنكح ذوات. ».
(٨) التهذيب ٧ : ٣٨٠ حديث ١٥٣٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٥ حديث ٨٤٨.
(٩) الكافي ٥ : ٣٩٣ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٨٠ حديث ١٥٣٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٥ حديث ٨٤٩.
______________________________________________________
وفي هذه دلالة على أنها غير صغيرة ، وفيها ما ينفي القول بانفرادها والتشريك بينها وبين الأب ، ولأن الحكمة تقتضي ذلك ، فان البكر لا معرفة لها بأحوال الرجال ، فلو لم يجعل أمرها منوطا بنظر الأب لم يؤمن أن ترتكب ما يترتب عليه فساد وضرر.
وأجيب بحمل الروايات على كراهية التفرد وأولوية استئذان الأب جمعا بين الأدلة ، والتعليل الأخير ضعيف ، لأن الرشيدة تستعلم أحوال الزوج بالتفحص عنه ، كما تستعلم طرق المصلحة في التصرف في الأموال.
ج : التشريك بينها وبين الأب ، فليس لأحدهما الاستقلال بالعقد ، وبه قال المفيد في المقنعة (١) وأبو الصلاح (٢) ، إلاّ أنه زاد التشريك بينها وبين الجد.
والحجة موثقة صفوان قال : استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليهالسلام في تزويج ابنته لابن أخيه فقال : « افعل ويكون ذلك برضاها ، لأن لها في نفسها نصيبا ».
قال : واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر عليهالسلام في تزويج ابنته علي ابن جعفر قال : « افعل ويكون ذلك برضاها ، فان لها في نفسها حظا » (٣).
وجوابه : أنّ قوله عليهالسلام : « لها في نفسها نصيبا ، لا يدل على أن للأب معها ولاية بمنطوق اللفظ ، بل بمفهومه ، ودلالة المفهوم ضعيفة ، فيكف تعارض دلالة المنطوق؟ فتحمل على الأولوية دفعا للتنافي.
د : إجازة تفردها بالمتعة دون الدوام ، واختاره الشيخ في كتابي الأخبار (٤) جمعا بين الأدلة.
وجوابه : أن بقاء الحجر على البكر إنما يكون لنقص رأيها ، فلا يفرق فيه بين
__________________
(١) المقنعة : ٧٨.
(٢) الكافي في الفقه : ٢٩٢.
(٣) التهذيب ٧ : ٣٧٩ حديث ١٥٣٤.
(٤) التهذيب ٧ : ٣٨٠ ـ ٣٨١ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٦.
ولو عضلها الولي ـ وهو أن لا يزوجها بالأكفاء مع رغبتها ـ استقلت إجماعا.
______________________________________________________
الدائم والمتعة ، وكذا عدمه ، فالحمل على الأولوية أولى ، بل موقع الضرر والفضيحة في المتعة أشد.
هـ : عكسه ، وهو قول محكيّ لا يعرف قائله ، وقد يحتج له بالجمع بين الأدلة ، وضعفه معلوم مما قبله.
إذا عرفت ذلك فاعلم : أنه على القول بسلب الولاية عن الحرة البالغة الرشيدة يستحب لها أن لا تستقل بالنكاح من دونهما ، لأنهما أبصر منها بأحوال الرجال ، ولما فيه من أمن حصول ما لا ينبغي ، فان لم يكن لها أب ولا جد استحب لها أن توكل أخاها ، وأن تعوّل على رأي أخيها الأكبر لو تعددت الاخوة ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى من الرواية المتضمنة لتقديم عقد الأخ الأكبر (١).
وكذا يستحب له أن تخلد إلى أكبر الإخوة ـ أي : تركن إليه وتصير إلى رأيه ، والخلد محركا : القلب ـ وأن تتخير خيرته لو اختلفوا.
قوله : ( ولو عضلها الولي ـ وهو : أن لا يزوجها بالأكفاء مع رغبتها ـ استقلت إجماعا ).
العضل هو : المنع ، والمراد هنا : منعها من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه ، والمحدّث عنه هو البالغة الرشيدة ، والإجماع على استقلالها حينئذ من جميع (٢) علمائنا ، وفيه اعتراف بأن لها أهلية تولي النكاح ، والعامة يجعلون الولاية حينئذ إلى الحاكم (٣).
واعلم : أنه لا فرق في تحقق العضل ـ إذا منع الولي تزويجها من الكفء ـ بين
__________________
(١) التهذيب ٧ : ٣٨٧ حديث ١٥٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٩ حديث ٨٥٨.
(٢) لفظ جميع لم يرد في « ش ».
(٣) المجموع ١٦ : ١٨٥ و ١٨٦ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٣٦٨.
المطلب الرابع : الكفاءة معتبرة في النكاح ، فليس للمرأة ولا للولي التزويج بغير كفء.
والمراد بها التساوي في الإسلام والايمان ، فلا يصح تزويج المسلمة المؤمنة إلاّ بمثلها.
ويجوز للمؤمن أن يتزوج بمن شاء من المسلمات ،
______________________________________________________
أن يكون النكاح بمهر المثل أو لا ، نعم لو منع من غير الكفء لم يكن عضلا.
قوله : ( المطلب الرابع : الكفاءة معتبرة في النكاح ، فليس للمرأة ولا للولي التزويج بغير كفء ، والمراد بها : التساوي في الإسلام والايمان ، فلا يصح تزويج المسلمة المؤمنة إلاّ بمثلها ، ويجوز للمؤمن أن يتزوج بمن شاء من المسلمات ).
الكفيء على وزن فعيل : النظير ، وكذلك الكفء على وزن فعل والكفوء على وزن فعول ، والمصدر الكفاءة بالفتح والمد.
ولا خلاف بين أهل (١) الإسلام في اعتبار الكفاءة في النكاح ، لكنهم اختلفوا في تفسيرها ، فذهب جمع من علمائنا إلى أنها عبارة عن الايمان والتمكن من النفقة ، واقتصر بعضهم على الأول ، وبعضهم لم يعتبر الايمان بل اكتفي بالإسلام عنه ، فحصل ثلاثة أقوال :
أ : اعتبار الأمرين معا ، اختاره الشيخ في المبسوط (٢) والمصنف في التذكرة (٣) ، لقول الصادق عليهالسلام : « الكفء أن يكون عفيفا عنده يسار » (٤).
__________________
(١) في « ض » علماء.
(٢) المبسوط : ٤ : ١٧٨.
(٣) التذكرة : ٢ : ٦٠٣.
(٤) الكافي ٥ : ٣٤٧ حديث ١.
______________________________________________________
ب : الاكتفاء بالايمان ، اختاره جمع من الأصحاب (١) والمصنف هنا ، لقوله تعالى : ( إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (٢).
ولما روي عن الصادق عليهالسلام قال : « إن الله عز وجل لم يترك شيئا مما يحتاج إليه إلاّ علّمه نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكان من تعليمه إيّاه أن صعد المنبر ذات يوم فحمد الله واثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنّ جبرئيل أتاني من اللطيف الخبير فقال :
إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمارها فلم يجن أفسدته الشمس ونثرته الرياح ، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما يدرك النساء ، فليس لهنّ دواء إلاّ البعولة ، وإلاّ لم يؤمن عليهن الفساد ، لأنهن بشر.
قال : فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله فمن نزوج؟ قال : الأكفاء ، قال : يا رسول الله من الأكفاء؟ فقال : المؤمنون بعضهم أكفاء بعض » (٣).
ج : الاكتفاء بالإسلام ، اختاره المفيد (٤) والمحقق ابن سعيد (٥) ، إما لأن الإيمان هو الإسلام ، أو لعدم الدليل الدال على اشتراط الإيمان ، أما اشتراط الإسلام فإنه ثابت بالإجماع.
والأكثر على خلافه ، لمفهوم قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه ، ( إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ ) » ، ولما مرّ من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في بيان الكفء : « المؤمنون بعضهم أكفاء بعض » فلا يكون غير
__________________
(١) منهم الشيخ في النهاية : ٤٦٣ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ١٧٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٤٠ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٩٥.
(٢) النور : ٣٢.
(٣) الكافي ٥ : ٣٣٧ حديث ٢.
(٤) المقنعة : ٧٨.
(٥) الشرائع : ٢ : ٢٩٩.
______________________________________________________
المؤمن كفئا للمؤمنة ، وإلاّ لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولأن المرأة تأخذ من دين بعلها ، فلا يؤمن على المؤمنة أن يخدعها المخالف ، لأن النساء ناقصات عقل ودين.
فان قيل : فعلى هذا إذا أمن على المرأة انخداعها لقوة دينها وعشيرتها مثلا جاز ، كما يجوز للرجل المؤمن نكاح المخالفة ، ويؤيده أن التحريم في المرأة لو كان بمجرد الخلاف لاستوى فيه الرجل والمرأة كالكفر.
قلنا : الحديث دال على أن المخالف ليس كفئا للمؤمنة ، ولا دلالة فيه على المنع من جانب الرجل ، فيتمسك فيه بالأصل ، والمرأة مظنّة الفتنة وإن كانت قوية الدين ، والأحوال لا تنضبط ، فلا بد من حسم المادة وسد الباب.
ولا يجب مساواة المخالف في الدين للكفر من جميع الوجوه مع قيام الدليل على خلافه ، فإن الإجماع على الجواز في الرجل ، وهذا في غير الناصب فإنه كافر.
قال الصادق عليهالسلام : « تزوّجوا في الشكاك ولا تزوجوهم ، لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه » (١).
وفي الصحيح عن الفضيل بن يسار عن الصادق عليهالسلام قال قال له الفضيل : أزوج الناصب؟ قال : « لا ولا كرامة » الحديث (٢).
وعنه قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إن لامرأتي أختا عارفة على رأينا وليس على رأينا بالبصرة إلاّ قليل ، فأزوجها ممن لا يرى رأيها؟ قال : « لا ولا نعمة إن الله عز وجل يقول( فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) » (٣).
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٤٨ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥٨ حديث ١٢٢٦ ، التهذيب ٧ : ٣٠٤ حديث ١٢٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٨٤ حديث ٦٧٠.
(٢) الكافي ٥ : ٣٤٨ حديث ٤ ، وفيه :. قال له الفضيل : أتزوج الناصبة؟ قال : « لا ولا كرامة ».
(٣) الكافي ٥ : ٣٤٩ حديث ٦ ، سورة الممتحنة : ١٠.
وليس له أن يتزوج بكافرة حربية إجماعا ، وفي الكتابية خلاف ، أقربه جواز المتعة خاصة.
______________________________________________________
وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليهالسلام : النهي عن تزويج الناصب المؤمنة والمستضعفة المؤمنة (١).
وعن الصادق عليهالسلام : « إن العارفة لا توضع إلاّ عند العارف » (٢).
والأصح اشتراط الايمان في تزويج المؤمنة واشتراط التمكن من النفقة في وجوب الإجابة على الولي ـ لأن الصبر على الفقر ضرر عظيم ـ لا في الجواز ، لأن المال غاد ورائح ، وليس محط نظر أهل المروآت وذوي البصائر.
قوله : ( وليس له أن يتزوج بكافرة حربية إجماعا ، وفي الكتابية خلاف ، أقربه جواز المتعة خاصة ).
اختلف الأصحاب في جواز نكاح المسلم الكافرة على أقوال ستة :
أ : التحريم بجميع أنواع نكاحهن ـ اختاره المرتضى (٣) والشيخ في أحد قوليه (٤) ، وهو أحد قولي المفيد (٥) ، وقواه ابن إدريس (٦) ـ لوجوه :
أ : قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ) (٧) وجه الاستدلال به عمومه لجميع أهل الكفر ، وهو ظاهر في غير أهل الكتاب ، وأما أهل الكتاب فيدل على كونهم مشركين قوله تعالى : ( وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٤٩ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٠٢ حديث ١٢٦١.
(٢) الكافي ٥ : ٣٥٠ حديث ١١.
(٣) الانتصار : ١١٧.
(٤) تفسير التبيان ٢ : ٢١٧.
(٥) المقنعة : ٧٦.
(٦) السرائر : ١٩١ و ٣١١.
(٧) البقرة : ٢٢١.
______________________________________________________
الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ) إلى قوله سبحانه ( عَمّا يُشْرِكُونَ ) (١) سماهم مشركين ، وقال سبحانه ( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ) (٢).
ب : قوله تعالى ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (٣) وبين الزوجين عصمة ، فيدخل النكاح تحت النهي.
ج : قوله تعالى ( لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ) (٤) ونفي الاستواء للعموم ، فيعم جميع الأحكام التي من جملتها حل التناكح.
د : النكاح يتضمن الموادّة ، وموادّة من حادّ الله محرمة ، فكذا نكاحه.
هـ : رواية الحسن بن جهم عن الرضا عليهالسلام (٥) تقتضي أن قوله تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) (٦) نسخ قوله تعالى ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) (٧) ورواية زرارة بن أعين عن الباقر عليهالسلام (٨) صريحة في ذلك.
ب : جواز متعة اليهود والنصارى اختيارا والدوام اضطرارا ، وهو اختيار الشيخ في النهاية (٩) وابن حمزة (١٠) وابن البراج (١١).
__________________
(١) التوبة : ٣٠.
(٢) التوبة : ٣١.
(٣) الممتحنة : ١٠.
(٤) الحشر : ٢٠.
(٥) الكافي ٥ : ٣٥٧ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٩٧ حديث ١٢٤٣ ، الاستبصار ٣ : ١٧٨ حديث ٦٤٧.
(٦) البقرة : ٢٢١.
(٧) المائدة : ٥.
(٨) الكافي ٥ : ٣٥٨ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٢٩٨ حديث ١٢٤٥ ، الاستبصار ٣ : ١٧٩ حديث ٦٤٩.
(٩) النهاية : ٤٥٧.
(١٠) الوسيلة : ٣٤٠.
(١١) المهذب : ٢ : ١٨٧.
______________________________________________________
ج : عدم جواز العقد بحال وجواز ملك اليمين ، وهو أحد قولي. (١).
د : جواز المتعة وملك اليمين باليهودية والنصرانية وتحريم الدوام ، وهو اختيار أبي الصلاح (٢) وسلار (٣) وأكثر المتأخرين (٤).
هـ : تحريم نكاحهن مطلقا اختيارا وتجويزه مطلقا اضطرارا وتجويز الوطء بملك اليمين ، وهو اختيار ابن الجنيد (٥).
و : التجويز مطلقا ، وهو اختيار ابن أبي عقيل (٦) وابن بابويه (٧) ، لقوله تعالى : ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (٨) وقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٩).
ولرواية أبي مريم الأنصاري عن الباقر عليهالسلام قال : سألته عن طعام أهل الكتاب ونكاحهم؟ فقال : « نعم قد كانت تحت طلحة يهودية » (١٠).
وعن محمد بن مسلم عن الباقر عليهالسلام قال : سألته عن نكاح اليهودية
__________________
(١) العبارة ناقصة كما ترى ، والظاهر أن النسخة الأصلية كانت هكذا : وهو أحد قولي دد ، فحذف النساخ أحد الدالين لتصورهم زيادتهم ، ولم يعلموا أن أحد الدالين إشارة إلى المفيد والأخرى إشارة إلى الفرع ، ويؤيده ايضا أن هذا هو القول الثاني للمفيد في المقنعة : ٧٨ في باب عقد الإماء ، والقول الأول له قد مر في فرع ( أ ).
(٢) الكافي في الفقه : ٢٢٩ ـ ٣٠٠.
(٣) المراسم : ١٤٨.
(٤) منهم المحقق في الشرائع ٣ : ٢٩٤ ، والشهيد في اللمعة : ١٩١ ، وغيرهما.
(٥) المختلف : ٥٣٠ ، إيضاح الفوائد ٣ : ٢٢.
(٦) المصدر السابق.
(٧) المصدر السابق.
(٨) المائدة : ٥.
(٩) النساء : ٢٤.
(١٠) التهذيب ٧ : ٢٩٨ حديث ١٢٤٦ ، الاستبصار ٣ : ١٧٩ حديث ٦٥٠.
______________________________________________________
والنصرانية؟ قال : « لا بأس به ، أما علمت أنه كان تحت طلحة بن عبد الله يهودية على عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم » (١).
وفي الصحيح عن معاوية بن وهب وغيره عن أبي عبد الله عليهالسلام ، في الرجل المؤمن يتزوج اليهودية والنصرانية ، قال : « إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية » فقلت له : يكون له فيها الهوى ، فقال : « إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير واعلم ان عليه في دينه غضاضة » (٢).
قال المصنف في المختلف : وهذا الحديث من صحاح الأحاديث الواصلة إلينا في هذا الباب (٣).
إذا عرفت ذلك فاعلم : أن الدلائل من الطرفين عامة ، وليس فيها ما يدل على تحريم نكاح مخصوص أو حلّه ، فطريق الجمع بينهما بالحمل على تحريم بعض الأنكحة وحل بعض.
ولا ريب أن حمل دلائل الحل على الدوام والباقي على المتعة حمل غير جيد ، لأن في الأخبار إيماء إلى أن ارتكاب نكاح الكافرة لا يكون إلاّ في محل الحاجة ، والنكاح المعد لدفع الحاجة هو نكاح المتعة دون الدوام ، لأنه النكاح المطلوب للسنة ، ولحصول النسل ، وهو المتضمن للموادّة ، وأيضا فإن نكاح المتعة في معنى ملك اليمين ، فهو أولى بأن تحمل دلائل الحل عليه.
وهذا أصح وأقرب من الحمل على محل الضرورة بالنسبة إلى الدوام ، على أن رواية معاوية بن وهب تأبى هذا الحمل ، فإنها ظاهرة في جواز فعله اختيارا ، وقوله تعالى
__________________
(١) التهذيب ٧ : ٢٩٨ حديث ١٢٤٧ ، الاستبصار ٣ : ١٧٩ حديث ٦٥١.
(٢) الكافي ٥ : ٣٥٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٩٨ حديث ١٢٤٨ ، الاستبصار ٣ : ١٧٩ حديث ٦٥٢.
(٣) المختلف : ٥٣١.
وله استصحاب عقدهن دون الحربيات ، والمجوسية كتابية.
ولا يتزوج بالناصبية المعلنة بعداوة أهل البيت عليهمالسلام.
ويستحب للمؤمن أن يتزوج بمثله ، وللحر أن يتزوج بالأمة ، وللحرة أن تتزوج بالعبد ، وكذا شريفة النسب بالأدون كالهاشمية والعلوية بغيرهما ،
______________________________________________________
في الآية السابقة ( إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (١) فيه إيماء إلى المتعة.
قوله : ( وله استصحاب عقدهن دون الحربيات ).
أي : للمسلم استصحاب عقد الكتابيات من الكفر إلى الإسلام ، فإذا أسلم زوج الكتابية بقي نكاحها إجماعا ، بخلاف الحربيات ، فان نكاحهن ينفسخ إذا كان الإسلام قبل الدخول ، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة.
قوله : ( والمجوسية كتابية ).
لقوله عليهالسلام : « سنّوا بهم سنة أهل الكتاب » وفيه إيماء إلى أنهم ليسوا أهل كتاب.
قوله : ( ولا يتزوج بالناصبية المعلنة بعداوة أهل البيت عليهمالسلام ).
لأنها كافرة ، والناصب شرّ من اليهودي والنصراني على ما روي في أخبار أهل البيت عليهمالسلام ، ولا خلاف في ذلك عندنا ، سواء المتعة والدوام.
قوله : ( ويستحب للمؤمن أن يتزوج بمثله ).
ويكره بالمخالفة غير الناصبية ، فانّ المؤمنة أعون على الدين وولدها أحرى بأن يكونوا مؤمنين.
قوله : ( وللحر أن يتزوج بالأمة ، وللحرة أن تتزوج بالعبد ، وكذا شريفة النسب بالأدون ، كالهاشمية والعلوية بغيرهما والعربية بالعجمي
__________________
(١) المائدة : ٥.
والعربية بالعجمي ، وبالعكس ، وكذا أرباب الصنائع الدنيئة بالأشراف.
______________________________________________________
وبالعكس ، وكذا أرباب الصنائع الدنيئة بالأشراف ).
قد قدمنا أن الكفاءة منحصرة في الايمان إذا كانت الزوجة مؤمنة ، وإن كانت مسلمة اكتفي بالإسلام ، ولا يعتبر أمر آخر سوى ذلك.
فللحر أن يتزوج بالأمة اختيارا عند المصنف (١) وقوم (٢) ، واضطرارا عند آخرين (٣) ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
وللحرة أن تتزوج بالعبد ، وكذا من كانت شريفة النسب كالهاشمية والعلوية ، وكالمنتمية إلى العلماء وإلى الصلاح والتقوى بمن ليس كذلك ، وكذا العربية بالعجمي كعكسه ، وكذا من كانت من أرباب الصنائع الشريفة بمن ليس كذلك ، لما قدمناه.
واعتبر الشافعي في الكفاءة ستة أمور : الحرية ، والدين ، والنسب ، واليسار ، والحرفة ، والخلوّ من العيوب الأربعة (٤).
وقد روي عنه عليهالسلام أنه قال : « إنّ الله تعالى اختار العرب من سائر الأمم ، واختار من العرب قريشا ، واختار من قريش بني هاشم وبني المطلب » (٥).
ولا دلالة في هذا على اعتبار الكفاءة في النسب.
وروى الأصحاب عن الصادق عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم زوج ضبيعة بنت الزبير بن عبد المطلب من مقداد بن الأسود ، فتكلمت في ذلك بنو هاشم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنما أردت أن تتضع المناكح » (٦).
__________________
(١) هنا ، وفي المختلف : ٥٦٥.
(٢) منهم الشيخ في النهاية : ٤٧٦ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٧ ، وغيرهما.
(٣) منهم ابن الجنيد ، وابن ابي عقيل كما عنهما في المختلف ٥٦٥ ، وغيرهما.
(٤) انظر : المجموع ١٦ : ١٨٢ ، الوجيز ٢ : ٨ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٣٧٤.
(٥) انظر : سنن البيهقي ٧ : ١٣٤ ، كنز العمال ١١ : ٤٥٠ حديث ٣٢١١٩ و ٣٢١٢٠ ، باختلاف.
(٦) التهذيب ٧ : ٣٩٥ حديث ١٥٨١.
وهل التمكن من النفقة شرط؟ قيل : نعم ، والأقرب العدم.
ولو تجدد عجزه عنها فالأقرب عدم التسلط على الفسخ.
______________________________________________________
قوله : ( وهل التمكن من النفقة شرط؟ قيل : نعم ، والأقرب العدم ).
القول المحكي للشيخ في المبسوط (١) ، والأكثر على خلافه (٢) ، وقوله تعالى ( إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (٣) صريح في الجواز ، وقد تقدم تحقيق ذلك وأن الأصح عدم الاشتراط ، فان قلنا به فالمراد كونه مالكا لها بالفعل أو بالقوة القريبة منه : بأن يكون قادرا على تحصيلها عادة بتجارة وغيرها.
قوله : ( ولو تجدد عجزه عنها فالأقرب عدم التسلط على الفسخ ).
وجه القرب : أن النكاح عقد لازم وقد انعقد على اللزوم ، وثبوت العجز بتجدد الإعسار عن النفقة خلاف الأصل ، فيتوقف على الدليل ، وقوله تعالى ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (٤) وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، وبه قال ابن حمزة (٥) وابن إدريس (٦).
وقال ابن الجنيد لها الخيار (٧) ، ونقل المحقق نجم الدين عن بعض علمائنا أن الحاكم يبينها (٨) ، ووجهه قوله تعالى ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ
__________________
(١) المبسوط ٤ : ١٧٨.
(٢) منهم ابن الجنيد كما عنه في إيضاح الفوائد ٣ : ٢٣ ، والشيخ في النهاية : ٤٦٣ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ١٧٩ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٢٣.
(٣) النور : ٣٢.
(٤) البقرة : ٢٨٠.
(٥) الوسيلة : ٣٣٤.
(٦) السرائر : ٣٠٤.
(٧) المختلف : ٥٨٢.
(٨) قال في الشرائع ٢ : ٣٠٠ : ولو تجدد عجز الزوج عن النفقة ، هل تتسلط على الفسخ؟ فيه روايتان ، أشهرهما أنه ليس لها ذلك. انتهى ، وهو كما ترى لا يوافق ما نقله عنه المحقق هنا ، وليس في بقية كتبه هذا القول ، إلا أن يقال إن المصنف استفاد من قوله : فيه روايتان أن الرواية الثانية هي ان الحاكم يبينها لا
ولو خطب المؤمن القادر وجبت اجابته وإن كان اخفض نسبا ، ولو
______________________________________________________
بِإِحْسانٍ ) (١) والإمساك مع تعذر الإنفاق خلاف المعروف.
وروى ربعي والفضيل (٢) بن يسار جميعا عن الصادق عليهالسلام قال : « إن أنفق عليها ما يقيم حياتها مع كسوة وإلاّ فرّق بينهما » (٣).
وكل ذلك ضعيف ، فانّ كون الإمساك مع الإعسار إمساكا بغير المعروف لا دليل عليه ، ولو سلّم فلا دلالة له على التسلط على فسخ النكاح بخصوصه ، وكذا الرواية ، مع المعارضة بما روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، أنّ امرأة استعدت على زوجها أنه لا ينفق عليها وكان زوجها معسرا ، فأبى أمير المؤمنين عليهالسلام أن يحبسه ، وقال( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) (٤).
فان قيل : لا دلالة في هذه ، لأن الحبس لا يجب قطعا ، وإنما المتنازع فيه هو الفسخ ، وهو لا يدل على نفيه.
قلنا : لو كان لها الفسخ لعرّفها عليهالسلام ذلك ، ليدفع عنها الضرر الذي استعدت لأجله ، والقول بالفسخ ضعيف.
واعلم أن الشارح الفاضل قال : إنه على القول بأن اليسار بالنفقة شرط في العقد تتسلط المرأة على الفسخ بتجدد الإعسار (٥) ، وهذا غير واضح ، بل هو محتمل ، لأن الذي يمنع لزوم العقد ابتداء لا يجب ثبوت الخيار بتجدده.
قوله : ( ولو خطب المؤمن القادر وجبت إجابته وإن كان أخفض نسبا ،
__________________
انها تتسلط على فسخ العقد ، والله العالم.
(١) البقرة : ٢٢٩.
(٢) في « ض » و « ش » : والفضل ، والصحيح ما أثبتناه وهو الموجود في مصادر الحديث.
(٣) الفقيه ٣ : ٢٧٩ حديث ١٣٣١ ، التهذيب ٧ : ٤٦٢ حديث ١٨٥٣ ، ورواه الكليني في الكافي ٥ : ٥١٢ حديث ٧ بسند آخر.
(٤) سورة الانشراح : ٦ ، التهذيب ٧ : ٤٥٤ حديث ١٨١٧.
(٥) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٤.
امتنع الولي كان عاصيا ، إلاّ للعدول إلى الأعلى.
______________________________________________________
ولو امتنع الولي كان عاصيا ، إلاّ للعدول إلى الأعلى ).
إذا خطب المؤمن القادر على النفقة ـ والمرأة بالغ تريد التزويج ـ وجبت الإجابة على الولي قطعا وحرم المنع ، وهذا إنما يتأتّى على القول بأن للأب والجد ولاية على البكر البالغ الرشيدة.
وكذا إذا دعت حاجة المرأة إلى ذلك ، لوجوب القيام بمقتضى حاجة المولّى عليه إذا أمكن.
ومتى امتنع الولي في الموضعين المذكورين كان عاصيا ، ولا أثر لكون الخاطب أخفض نسبا ، لما روي عنه عليهالسلام : « إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه » (١).
ولو أراد الولي العدول إلى الأعلى من الخاطب لم يكن عاصيا بالتأخير ، لظهور المصلحة في ذلك ، نعم لو كان للمرأة ضرورة لم يجز التأخير.
وعلى القول بأن البكر البالغ الرشيدة لا ولاية لأحد عليها ، فالنكاح منوط باختيارها ، وأثر منع الولي على هذا القول سقوط اعتباره إجماعا.
ولو كانت البنت صغيرة فخطبها الكفء القادر وكان في النكاح غبطة ، ففي وجوب الإجابة على الولي وجهان :
أحدهما : الوجوب ، كما يجب بيع مال الطفل إذا طلب بزيادة ، ولأن الكفء قد يتعذر حصوله بعد ذلك ، فيترتب على التأخير فساد ، ولقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام : « لا تؤخر أربعا » وعدّ منها تزويج البكر إذا وجد كفئا.
والثاني : العدم ، لانتفاء الحاجة ، وفي الأول قوة.
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٤٧ حديث ٢ و ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٩٤ و ٣٩٦ حديث ١٥٧٨ و ١٥٨٤ و ١٥٨٥ و ١٥٨٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٣٢ حديث ١٩٦٧.
ويكره تزويج الفاسق خصوصا شارب الخمر.
ولو انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها فالأقرب انتفاء الفسخ ،
______________________________________________________
قوله : ( ويكره تزويج الفاسق ، خصوصا شارب الخمر ).
لا ريب في أنه يستحب أن لا تزوج المؤمنة إلاّ بعدل ، وأنه يكره تزويجها بالفاسق ، خصوصا شارب الخمر.
قال الصادق عليهالسلام : « من زوّج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها » (١).
وفي الحسن عن الصادق عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : شارب الخمر لا يزوج إذا خطب » (٢).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من شرب الخمر بعد ما حرمها الله على لساني فليس بأهل أن يزوج » (٣).
وهو محمول إما على المستحلّ ، أو على شدة الكراهة.
وقال الشافعي (٤) : الفاسق ليس بكفء للعدل ولا للعفيف ، لقوله تعالى : ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (٥).
وجوابه : أن المراد بالفاسق هنا : الكافر ، لمقابلته بالمؤمن ، ومطلق الفسق عندنا لا يخرج المؤمن عن إيمانه.
قوله : ( ولو انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها ، فالأقرب انتفاء الفسخ ).
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٤٧ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٩٨ حديث ١٥٩٠.
(٢) الكافي ٥ : ٣٤٨ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٩٨ حديث ١٥٩١.
(٣) الكافي ٥ : ٣٤٨ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٩٨ حديث ١٥٨٩.
(٤) المجموع ١٦ : ١٨٢ ، السراج الوهاج : ٣٧٠ ، مغني المحتاج ٣ : ١٦٦.
(٥) السجدة : ٣٢.