جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

المطلب الأول : في أركانه ، وهي ثلاثة :

الأول : المرضعة ، وهي كل امرأة حية حامل عن نكاح صحيح أو شبهة ، فلا حكم للبن البهيمة ، فلو ارتضعا من لبنها لم يحرم أحدهما على الآخر ، ولا الرجل ولا الميتة وإن ارتضع وأكمل حال الموت باليسير.

ولو در لبن امرأة من غير نكاح لم ينشر حرمة ، سواء كانت بكرا أو ذات بعل ، صغيرة أو كبيرة.

ولا يشترط وضع الحمل ، بل كون اللبن عن الحمل بالنكاح.

ولو أرضعت من لبن الزنا لم ينشر حرمة ، أما الشبهة فكالصحيح على الأقوى.

______________________________________________________

المطلب الأول : في أركانه ، وهي ثلاثة :

الأول : المرضعة ، وهي كل امرأة حية حامل عن نكاح صحيح أو شبهة ، فلا حكم للبن البهيمة ، فلو ارتضعا من لبنها لم يحرم أحدهما على الآخر ، ولا الرجل ولا الميتة ، وإن ارتضع أو كمل حال الموت باليسير ، ولو درّ لبن امرأة من غير نكاح لم ينشر حرمة ، سواء كانت بكرا أو ذات بعل ، صغيرة أو كبيرة ، ولا يشترط وضع الحمل ، بل كون اللبن عن الحمل بالنكاح ، ولو أرضعت من لبن الزنا لم ينشر ، أما الشبهة فكالصحيح على الأقوى ).

روى الأصحاب عن الباقر عليه‌السلام أنه قال : « لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة » (١) وفيه دلالة على‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٩٣ حديث ٦٩٦.

٢٠١

______________________________________________________

أن الرضاع من لبن البهيمة والرجل والخنثى المشكل لا يفيد التحريم ، ولا خلاف في ذلك عند الأصحاب.

وعن مالك أن لبن البهيمة يتعلق به التحريم (١) ، وذهب بعض الشافعية إلى تعلق التحريم بلبن الرجل (٢) ، وبعض الآخر إلى أن لبن الخنثى يعرض على القوابل ، فان قلن مثل هذا اللبن لا يكون إلاّ للنساء لغزارته حكم بأنوثيته (٣) ، وكل ذلك غير معتد به عندنا.

واما اشتراط الحياة في المرضعة ، فلظاهر قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (٤) مع قوله سبحانه ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٥) فان الميتة لا تعد مرضعة ، فهي مما وراء ذلكم ولأن الأصل الإباحة ، فيتمسك به إلى قيام المحرم.

فلو ارتضع طفل من ميتة كمال الرضعات ، أو ارتضع المعظم حال الحياة وكمل الباقي بعد الموت لم يتعلق به تحريم ، وتردد المحقق في الشرائع (٦) في الحكم ، نظرا إلى صدق اسم الرضاع ، واستصحابا للحكم الذي كان ثابتا حال الحياة ، وعدم التحريم أظهر ، للمعارضة بأصالة بقاء الحل ، والترجيح معنا ، لأن المتفاهم من الألفاظ الواردة‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في المصادر المتوفرة لدينا ، بل في المدونة ٢ : ٤١٥ قال سحنون بن سعيد قلت لعبد الرحمن ابن القاسم : أرأيت لو أن صبيين غذيا بلبن بهيمة من البهائم أيكونان أخوين في قول مالك؟ قال : ما سمعت من مالك منه شيئا ، ولكني أرى ألاّ تكون الحرمة في الرضاع إلاّ في لبن بنات آدم.

(٢) المجموع ١٨ : ٢٢١ و ٢٣ ، المغني لابن قدامة ٩ : ٢٠٦.

(٣) المجموع ١٨ : ٢٢١.

(٤) النساء : ٢٣.

(٥) النساء : ٢٤.

(٦) الشرائع ٢ : ٢٨٣.

٢٠٢

______________________________________________________

بتحريم الرضاع هو الرضاع من المرأة الحية ، فتعين الحمل عليه لرجحانه.

ولا يخفى أن في قول المصنف : ( وإن ارتضع أو كمل حال الموت ... ) مناقشة ، وقد كان الأولى أن يقول : وإن كمل حال الموت باليسير ، ليكون المعطوف مع إن الوصلية هو الفرد الأخفى ، واشتراط كون اللبن عن نكاح بإجماع الأصحاب.

وروى يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له امرأة درّ لبنها من غير ولادة فأرضعت ذكرانا واناثا ، أيحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع؟ فقال لي : « لا » (١).

ويراد بالنكاح هنا الوطء دون العقد ، فيندرج فيه الوطء بالعقد دائما ومتعة وبالملك وما في معناه ، والشبهة صادقة إذا حصلت من الطرفين أو من أحدهما ، والتحريم ثابت في حق من ثبت النسب بالإضافة إليه.

وحاول بقوله : ( سواء كانت بكرا أو ذات بعل صغيرة أو كبيرة ) الرد على الشافعي ، حيث قال بأن المحرّم لبن الكبيرة دون الصغيرة (٢) ، وله قول بأن لبن البكر لا يحرم (٣).

وقول المصنف : ( ولا يشترط وضع الحمل ، بل كون اللبن عن الحمل بالنكاح ) ذكر مثله في التذكرة ، وحكاه قولا عن بعض فقهائنا ، وحكى عن الشيخ في المبسوط (٤) نحوه ، ثم حكى أنه قال قبل ذلك ما ينافيه ، وأن اللبن الذي ينزل على الأحمال لا حرمة له ، وإنما الحرمة لما ينزل على الولادة (٥) ، ويلوح من التذكرة الميل إليه ، حيث‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٦ حديث ١٢ ، الفقيه ٣ : ٣٠٨ حديث ١٤٨٤ وفيه عن يونس بن يعقوب ، التهذيب ٧ : ٣٢٥ حديث ١٣٣٩.

(٢) الوجيز ٢ : ١٠٥.

(٣) الوجيز ٢ : ١٠٥.

(٤) المبسوط ٥ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

(٥) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٧.

٢٠٣

______________________________________________________

احتج له برواية يعقوب بن شعيب السابقة ، فإنها تدل على أن اللبن الحاصل من غير ولادة لا يحرم (١) ، وصرح بذلك في التحرير حيث قال : ولا من درّ لبنها من غير ولادة (٢) وهذا أصح ، وقوفا مع الرواية التي لا معارض لها.

ولا خلاف في أن اللبن الحاصل عن الوطء زنا لا ينشر ، لأن الزنا لا حرمة له ولا يلحق به النسب ، وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال سألته عن لبن الفحل؟ فقال : « هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك [ ولد ] (٣) امرأة أخرى فهو حرام » (٤) ، خص عليه‌السلام لبن الفحل بما يحصل من امرأته ، ولا يكون ذلك إلاّ مع النكاح الصحيح ، ولأن اللبن لو درّ عن غير نكاح لم يعتد به ، والزنا ساقط لا اعتبار به شرعا ، فاللبن الحاصل في حكم الذي درّ عن غير نكاح.

أما الشبهة فإنه كالصحيح على أقوى القولين ، وهو اختيار الشيخ (٥) وأكثر الأصحاب (٦) ، لأن قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (٧) يتناوله.

وتردد ابن إدريس (٨) في ذلك ، نظرا إلى أنه ليس وطئا صحيحا ، وضعفه ظاهر ، تمسكا بظاهر الآية ، ولأنه كالصحيح في النسب ، واللبن تابع له.

ولو اختصت الشبهة بالرجل أو المرأة فالتحريم بالرضاع إنما هو بالنسبة إلى من يثبت النسب في حقه ، لعدم القائل بالفصل ، ولأن اللبن تابع للنسب.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) تحرير الأحكام ٢ : ٩.

(٣) زيادة من مصادر الحديث.

(٤) الكافي ٥ : ٤٤٠ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣١٩ حديث ١٣٦٠ ، الاستبصار ٣ : ١٩٩ حديث ٧١٩.

(٥) المبسوط ٥ : ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(٦) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٢ ، والشهيد في اللمعة : ١٨٨.

(٧) النساء : ٢٣.

(٨) السرائر : ٢٩٣.

٢٠٤

ولا يشترط اذن المولى في الرضاع ولا الزوج.

ولو طلق الزوج وهي حامل منه أو مرضعة ، فأرضعت من لبنه ولدا ، نشر الحرمة كما لو كانت تحته.

ولو تزوجت بغيره ودخل الثاني وحملت ، ولم يخرج الحولان وأرضعت من اللبن الأول ، نشر الحرمة من الأول.

أما لو انقطع ثم عاد في وقت يمكن ان يكون للثاني ، فهو له دون الأول.

ولو اتصل حتى تضع من الثاني كان ما قبل الوضع للأول ، وما بعده للثاني.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يشترط اذن المولى في الإرضاع ولا الزوج ).

أما الزوج فظاهر ، لأنه لم يملك الزوجة ولا لبنها وإن كان منسوبا إليه ، وغاية ما هناك أنه يلزم من الإرضاع ارتكاب محرم بتعطيل بعض حقوق الزوج من الانتفاع بها ، وهذا لا ينفي تعلق التحريم بالإرضاع.

وكذا القول في الأمة ، فإن تصرفها في لبنها وإن كان محرما لأنه مال الغير ، إلاّ أنه لا منافاة بين التحريم وبين كون الإرضاع محرما ، وإطلاق النصوص يتناول هذا الإرضاع.

قوله : ( ولو طلق الزوج وهي حامل منه أو مرضع فأرضعت من لبنه ولدا نشر الحرمة كما لو كانت تحته ، ولو تزوجت بغيره ودخل الثاني وحملت ولم يخرج الحولان وأرضعت من لبن الأول نشر الحرمة من الأول ، أما لو انقطع ثم عاد في وقت يمكن أن يكون للثاني فهو له دون الأول ، ولو اتصل حتى تضع من الثاني كان ما قبل الوضع للأول وما بعده للثاني ).

إذا طلق الزوج أو مات والزوجة حامل منه فوضعت أو كانت مرضعا فأرضعت‌

٢٠٥

______________________________________________________

ولدا ، فهناك صور :

أ : أن يكون إرضاعها قبل أن تنكح زوجا غيره ، فاللبن للأول قطعا ، والموت والطلاق لا يقطع نسبة اللبن عنه ، ولا فرق بين ان ترضع في العدة أو بعدها ، ولا بين أن ينقطع اللبن ثم يعود وعدمه مع حصول باقي الشرائط ، لأنه لم يحدث ما يحال اللبن عليه ، فهو على استمراره ، لكن إن اشترطنا كون الرضاع وولد المرضعة في الحولين اعتبر كون الرضاع قبل مضي حولين من حين الولادة ، وإلاّ فلا.

ب : أن يكون بعد أن تزوجت ولم تحمل من الثاني ، فالحكم كما لو لم تتزوج.

ج : أن يكون بعد الحمل من الثاني وقبل الولادة واللبن بحاله لم ينقطع ولم يحدث فيه زيادة ، فهو للأول قطعا ، قال في التذكرة : ولا نعلم فيه خلافا (١) ، ويؤيده العمل بالاستصحاب حيث لم يتجدد ناقل.

د : أن يكون بعد الحمل من الثاني وقبل الوضع وقد تجدد في اللبن زيادة يمكن استنادها إلى الحمل من الثاني ، فاللبن للأول ، وقد صرح به في التذكرة (٢) ، استصحابا لما كان ، والحمل لا يزيل الحكم السابق ، والزيادة لا أثر لها ، لأن اللبن قد يزيد عن غير إحبال.

وللشافعي تفصيل ، محصّله : أنه إن زاد اللبن بعد أربعين يوما من الحمل الثاني ، فأحد القولين أنه لكل من الزوجين ، عملا بالظاهر ، وهو أن بلوغ الحمل المدة المذكورة يستدعي وجود اللبن غالبا ، فيكون المتجدد مضافا إلى السابق ، وإلاّ فهو للأول (٣) ، ولا اعتبار بهذا التفصيل عندنا.

هـ : أن ينقطع اللبن انقطاعا بيّنا ، أعني مدة طويلة لا يتخلل مثلها اللبن‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٦.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المجموع ١٨ : ٢٢٤ ـ ٢٢٦.

٢٠٦

______________________________________________________

الواحد غالبا ، فلا اعتبار بالانقطاع زمانا يسيرا ثم يعود في وقت يمكن أن يكون للثاني ، وذلك بعد مضي أربعين يوما من الحمل الثاني على ما حكاه المصنف في التذكرة (١) عن العامة ، ولم يردّه ، فإنه يكون للثاني ، صرح به الشيخ (٢) والجماعة ، لأنه لما انقطع زال حكم الأول ، فإذا عاد وقد وجد بسبب يقتضيه وجب احالته عليه ، لزوال حكم الأول بالانقطاع ، فعوده يحتاج إلى دليل ، بخلاف ما إذا لم يتجدد سبب آخر يحال عليه ، فإنه يكون للأول ، لانتفاء ما يقتضي خلافه.

وللعامة في هذا اختلاف على أقوال :

أحدها هذا (٣) ، والثاني أنه للأول (٤) ، والثالث أنه لهما (٥) ، والمختار عندنا الأول.

و : أن يكون بعد الوضع ، فهو للثاني قطعا ، ونقل المصنف فيه الإجماع في التذكرة (٦) ، وعلى هذا فإذا اتصل اللبن إلى وضع الحمل الثاني ، فما قبل الوضع للأول وما بعده للثاني ، وتقريبه معلوم مما سبق.

واعلم : أن عبارة الكتاب تضمنت أربع صور من هذه الصور ، وهي : الاولى وهو ظاهر ، وكل من الثالثة والرابعة مشمولة بقوله : ( ولو تزوجت بغيره ودخل الثاني وحملت ... ) فإنه بإطلاقه [ يتناولهما ] (٧) لكن قوله : ( وأرضعت من لبن الأول ) قاصر عن بيان حكمهما ، إذ المقصود من هذه المسائل هو بيان كون اللبن للأول أو للثاني ، وأما ترتب التحريم بالنسبة إلى صاحب اللبن فليس مقصودا بهذه المسائل ، وقوله : ( أما لو‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٦.

(٢) المبسوط ٥ : ٣١١.

(٣) المجموع ١٨ : ٢٢٦.

(٤) المصدر السابق.

(٥) المصدر السابق.

(٦) تذكرة الفقهاء ٢ : ١١٦.

(٧) في جميع النسخ : يتناولها ، والمثبت هو الأنسب للسياق.

٢٠٧

وتستحب أن تسترضع العاقلة العفيفة المؤمنة الوضيئة.

ولا تسترضع الكافرة ، فإن اضطر استرضع الكتابية ومنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.

ويكره أن يسلمه إليها لتحمله إلى منزلها ، واسترضاع من ولادتها عن زنا ، وروي إباحة الأمة منه ليطيب اللبن واسترضاع ولد الزنا ، وتتأكد الكراهية في المجوسية.

______________________________________________________

انقطع ... ) مبين لحكم السادسة. وقوله : ( ولو اتصل ... ) منقح لحكم الثالثة والرابعة ، فإن محصّله أن كون اللبن للأول مستمرا إلى وضع الحمل.

قوله : ( ويستحب العاقلة المؤمنة العفيفة الوضيئة ، ولا تسترضع الكافرة ، فإن اضطرّ استرضع الكتابية ومنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، ويكره أن يسلّمه إليها لتحمله إلى منزلها واسترضاع من ولادتها عن زنا ، وروي إباحة الأمة منه ليطيب اللبن واسترضاع ولد الزنا ، وتتأكد الكراهية في المجوسية ).

أفضل ما يرضع به الصبي لبن امه ، لما رواه طلحة بن زيد في الموثق عن الصادق عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن امه » (١).

ويستحب استرضاع العاقلة المؤمنة العفيفة الوضيئة الحسنة ، لما رواه محمد بن مروان عن الباقر عليه‌السلام قال قال لي : « استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح ، فان اللبن قد يعدي » (٢).

وفي الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : « عليكم بالوضاءة من‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٠ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٥ ، التهذيب ٨ : ١٠٨ حديث ٣٦٥.

(٢) الكافي ٦ : ٤٤ حديث ١٢ ، التهذيب ٨ : ١١٠ حديث ٣٧٦.

٢٠٨

______________________________________________________

الظؤرة فان اللبن قد يعدي » (١) ولأن الرضاع مؤثر في الطباع والأخلاق ، روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « أنا سيد ولد آدم بيد أني من قريش ونشأت في بني سعد وارتضعت من بني زهرة » ويروى : « أنا أفصح العرب بيد أني من قريش » إلى آخره ، وكانت هذه القبائل أفصح العرب ، فافتخر بالرضاع كما افتخر بالنسب ، وعن الصادق عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : انظروا من ترضع أولادكم فإن اللبن يشب عليه » (٢).

ومنه يعلم كراهية استرضاع الكافرة والمجوسية أشد ، لقول الصادق عليه‌السلام : « لا يسترضع للصبي المجوسية ، ويسترضع له اليهودية والنصرانية ، ولا يشربن الخمر ، ويمنعهن من ذلك » (٣).

وقال عليه‌السلام وقد سئل عن مظائرة المجوسي؟ فقال : « لا ولكن أهل الكتاب » (٤).

والحاصل أنه إذا اضطر استرضع اليهودية والنصرانية ، ويمنعها من شرب الخمر.

وهل هو على طريق الوجوب؟ ظاهر الأمر في قول الصادق عليه‌السلام : « إذا أرضعن لكم فامنعوهن من شرب الخمر » (٥) ذلك ، وليس ببعيد ، لأن أثره في طباع الولد خبيث ، ويتصور المنع إذا كانت المرضعة أمة للمسترضع ، أو استأجرها للرضاع وشرط عليها الامتناع من ذلك.

ولا ريب أنه يكره تسليم الولد إليها لتحمله الى منزلها ، إذ ليست مأمونة عليه ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٤ حديث ١٣ ، الفقيه ٣ : ٣٠٧ حديث ١٤٧٩ ، التهذيب ٨ : ١١٠ حديث ٣٧٧ ، وفي جميع المصادر : «. فان اللبن يعدي ».

(٢) الكافي ٦ : ٤٤ حديث ١٠.

(٣) الكافي ٦ : ٤٤ حديث ١٤ ، الفقيه ٣ : ٣٠٨ حديث ١٤٨٢ ، التهذيب ٨ : ١١٠ حديث ٣٨٤.

(٤) الكافي ٦ : ٤٢ حديث ٢ ، التهذيب ٨ : ١٠٩ حديث ٣٧٢.

(٥) الكافي ٦ : ٤٢ حديث ٣.

٢٠٩

الركن الثاني : اللبن ويشترط وصول عينه خالصا إلى المحل من الثدي ، فلو احتلب ثم وجر في حلقه ، أو أوصل إلى جوفه بحقنة أو سعوط ، أو تقطير في إحليل أو جراحة ، أو جبن له فأكله ، أو ألقي في فم الصبي مائع‌

______________________________________________________

وكذا يكره استرضاع الحمقاء ، وكذا من ولادتها عن زنا ، وكذا من كانت بنت زنا ، لموثقة عبد الله (١) الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له امرأة ولدت من الزنا اتخذها ظئرا؟ فقال : « لا تسترضعها ولا ابنتها » (٢).

وأشار المصنف بقوله : ( وروي ... ) إلى ما رواه إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : سألته عن غلام لي وثب على جارية لي فأحبلها فولدت واحتجنا إلى لبنها ، فإن أحللت لهما ما صنعا أيطيب لبنها؟ قال : « نعم » (٣).

وروي في الحسن عن هشام بن سالم وجميل بن دراج وسعد بن أبي خلف عن الباقر (٤) عليه‌السلام ، في المرأة يكون لها الخادم قد فجرت يحتاج إلى لبنها ، قال : « مرها فلتحللها يطيب اللبن » (٥). ولا معارض لهما ، فان قلنا بهما فهل يتعدى الحكم إلى التحليل من المالك ليطيب لبن بنت الزانية وهي المخلوقة من الزنا إذا كانت أمها أمه (٦)؟

قوله : ( الركن الثاني : اللبن ، ويشترط وصول عينه خالصا إلى المحل من الثدي ، فلو احتلب ثم وجر في حلقه ، أو أوصل إلى جوفه بحقنة أو سعوط أو تقطير في إحليل أو جراحة أو جبن له فأكله ، أو ألقي في فم‌

__________________

(١) كذا « ش » و « ض » وفي المصادر : عبيد الله ، والظاهر هو الصحيح.

(٢) الكافي ٦ : ٤٢ حديث ١ ، التهذيب ٨ : ١٠٨ حديث ٣٦٧ ، الاستبصار ٣ : ٣٢١ حديث ١١٤٣.

(٣) الكافي ٦ : ٤٣ حديث ٦ ، التهذيب ٨ : ١٠٩ حديث ٣٦٩ ، الاستبصار ٣ : ٣٢٢ حديث ١١٤٥.

(٤) كذا في نسخ جامع المقاصد كافة ، لكن في مصادر الحديث وإيضاح الفوائد ٣ : ٤٥ والجواهر ٣٩ : ٣٠٨ وبقية الكتب الفقهية : عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٥) الكافي ٥ : ٤٧٠ حديث ١٢ و ٦ : ٤٣ حديث ٧ ، التهذيب ٨ : ١٠٩ حديث ٣٧٠ ، الاستبصار ٣ : ٣٢٢ حديث ١١٤٦.

(٦) كذا ، ولم يجب عن هذه المسألة المصنف.

٢١٠

فامتزج باللبن حال ارتضاعه حتى يخرجه عن مسمى اللبن لم ينشر حرمة.

______________________________________________________

الصبي مائع فامتزج باللبن حال ارتضاعه حتى يخرجه عن مسمى اللبن لم ينشر حرمة ).

لا خلاف عند أصحابنا في أن المعتبر في الرضاع المحرم وصول عين اللبن خالصا إلى المحل ، فلو جبن له فأكله ، أو امتزج بمائع أخرجه عن مسمى اللبن لم ينشر ، ويدل عليه ظواهر النصوص (١) التي علق الحكم بالتحريم فيها على اسم الرضاع ، فان مثل ذلك لا يسمى رضاعا ، ومثله الإيصال إلى جوفه بحقنة أو سعوط أو تقطير في إحليل أو جراحة.

واختلفوا في اشتراط الامتصاص من الثدي ، فالأكثر (٢) على اشتراطه ، فلو احتلب اللبن ثم وجر في حلق الرضيع لم ينشر حرمة.

وقال ابن الجنيد ينشر (٣) ، وهو قول الشيخ في المبسوط (٤) ، لظاهر قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة جميل بن دراج : « إذا رضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل شي‌ء من ولدها » (٥).

وجوابه : أنا نمنع صدق الرضاع مع الوجور.

والأصح الأول ، لقول الصادق عليه‌السلام : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين » (٦).

وظاهر أن المراد به في مدة حولين كاملين ، لدلالة النصوص على الاكتفاء بخمس عشرة رضعة ، ولقول الباقر عليه‌السلام : « لا يحرّم الرضاع أقل من رضاع يوم‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣١٣ و ٣١٥ حديث ١٢٩٨ و ١٣٠٤ و ١٣٠٦.

(٢) منهم المصنف في المختلف : ٥١٩ ، والتذكرة ٢ : ٦١٨ والمحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٣ ، وغيرهما.

(٣) المختلف : ٥١٩.

(٤) المبسوط ٥ : ٢٩٥.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٢٢ حديث ١٣٢٥ ، الاستبصار ٣ : ٢٠١ حديث ٧٢٨.

(٦) الفقيه ٣ : ٣٠٧ حديث ١٤٧٦ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٣١٠ ، الاستبصار ٣ : ١٩٧ حديث ٧١٣.

٢١١

الركن الثالث : المحل ، وهو معدة الصبي الحي ، فلا اعتبار بالإيصال إلى معدة الميت ، فلو وجر لبن الفحل في معدته لم يصر ابنا ولا زوجته حليلة ابن ، ولا بالإيصال إلى جوف الكبير بعد الحولين.

______________________________________________________

وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة » (١) وجعل الرضاع المحرم ما كان مبدأه من المرأة ، ولأن الأصل الإباحة حتى يثبت المحرم (٢).

قوله : ( الركن الثالث : المحل ، وهو معدة الصبي الحي ، فلا اعتبار بالإيصال إلى معدة الميت ، فلو وجر لبن الفحل في معدته لم يصر ابنا ، ولا زوجته حليلة ابن بالإيصال إلى جوف الكبير بعد الحولين ).

يشترط في وصول اللبن في الرضاع ليثبت التحريم وصوله إلى معدة الصبي ، فلا اعتبار بوصوله إلى دماغه أو حلقه ـ بغير خلاف عندنا ـ ما لم يبلغ المعدة.

ويشترط بقاؤه فيها ، فلو تقيأه في الحال لم يعتد به ، وهو مقرّب التذكرة (٣) ، لعدم صلاحية الاغتذاء (٤) به ، وانتفاء إنبات اللحم وشدّ العظم عنه.

وكذا يشترط كون الصبي حيا ، فلو وجر لبن الفحل في معدة الميت لم يتعلق به التحريم ، لعدم صدق الرضاع والارتضاع اللذين وردت بهما النصوص ، ولا يصير بذلك ابنا للفحل ولا زوجته حليلة ابن ، إلى غير ذلك من أحكام الرضاع.

وكذا يشترط كون الرضاع في الحولين عند جميع علمائنا ، فلو ارتضع بعد الحولين لم ينشر حرمة لما رووه من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا رضاع إلاّ ما كان في حولين » (٥) وروى الأصحاب عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « لا رضاع بعد‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٩٣ حديث ٦٩٦.

(٢) في « ش » جاء بعد هذا : لو قاء اللبن في الحال بعد وصوله الى الجوف لم يؤثر ، ولو تراخى زمانه فإشكال.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٧٢.

(٤) في « ش » : الاعتداد.

(٥) سنن البيهقي ٧ : ٤٦٢ ، كنز العمال ٦ : ٢٧٩ حديث ١٥٧٠٥.

٢١٢

المطلب الثاني : في شرائطه ، وهي أربعة :

الأول : الكمية ، ويعتبر التقدير بأحد أمور ثلاثة : أما ما أنبت اللحم وشد العظم ، أو رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة ، وفي العشر قولان ، ولا حكم لما دون.

الثاني : يشترط كمالية الرضعات وتواليها والارتضاع من الثدي ،

______________________________________________________

فطام ، قيل له : وما الفطام؟ قال الحولين اللذين قال الله عز وجل » (١) وقال عليه‌السلام : « الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم » (٢) أراد به عليه‌السلام قبل أن يفطم غالبا.

فرعان : الأول اعتبار الشهور في الحولين بالأهلّة ، فلو انكسر الأول أكمل ثلثين من الشهر الخامس والعشرين واعتبر ثلاثة وعشرون هلالا ، ذكره في التذكرة (٣) ، ويجي‌ء فيه الخلاف المشهور في نظائره.

الثاني : لو خرج بعض الصبي فارتضع قبل انفصاله وأكمل النصاب بعده ففي ثبوت التحريم إشكال.

قوله : ( المطلب الثاني : في شرائطه وهي أربعة : الكمية ، ويعتبر التقدير بأحد أمور ثلاثة : إما ما أنبت اللحم. وشدّ العظم ، أو رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة ، وفي العشر قولان ، ولا حكم لما دون العشر ، ويشترط كمالية الرضعات وتواليها والارتضاع من الثدي ).

قد ذكر أن شرائط الرضاع ليثمر التحريم أربعة ، وعدّ ثلاثة :

أ : الكمية ، وقد قدرها الأصحاب بأحد أمور ثلاثة ، وهي : ما أنبت اللحم وشدّ‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٣ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣١٨ حديث ١٣١٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤٣ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣١٨ حديث ١٣١٢.

(٣) التذكرة ٢ : ٦١٩.

٢١٣

______________________________________________________

العظم ، أو رضاع يوم وليلة ، أو التقدير بالعدد ، وهو خمس عشرة رضعة ، أو العشر على اختلاف القولين.

والأصل في ذلك ما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الرضاع ما أنبت اللحم وشدّ العظم » (١).

وروى الأصحاب عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم وشدّ العظم » (٢).

وسأل عبد الله بن سنان الكاظم عليه‌السلام قال : قلت له : يحرم من الرضاع الرضعة والرضعتان والثلاث؟ قال : « لا ، إلاّ ما اشتدّ عليه العظم ونبت اللحم » (٣).

وعن الباقر عليه‌السلام : « لا يحرم من الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة » الحديث (٤).

وهنا مباحث :

أ : هذه التقادير الثلاثة أصول لورود النص بكل منها ، وقال في المبسوط : إن الأصل هو العدد والباقيان إنما يعتبران عند عدم انضباطه (٥) ، وهو اللائح من عبارة التذكرة حيث قال : الرضاع المحرم ما حصل به أحد التقادير الثلاثة : إما رضاع يوم وليلة لمن لم يضبط العدد إلى آخره (٦).

ويمكن أن يقال لو جعل كل واحد من هذه التقديرات أصلا لزم عدم اعتبار العدد في حصول التحريم ، فإنه لو فرض حصول رضاع ينبت اللحم ويشد العظم أو‌

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٢٢٢ حديث ٢٠٥٨.

(٢) الكافي ٥ : ٤٣٨ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣١٢ حديث ١٢٩٣ ، الاستبصار ٣ : ١٩٣ حديث ٦٩٨.

(٣) الكافي ٥ : ٤٣٨ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٣١٢ حديث ١٢٩٥ ، الاستبصار ٣ : ١٩٣ حديث ٧٠٠.

(٤) التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٩٢ حديث ٦٩٦.

(٥) المبسوط ٥ : ٢٩٢.

(٦) التذكرة ٢ : ٦٢٠.

٢١٤

______________________________________________________

رضاع يوم وليلة ولم يبلغ العدد المذكور ، لثبت التحريم بدون ثبوت العدد ، فلا يكون العدد معتبرا ، وهو باطل ، فتعين حينئذ التأليف بالحمل الذي ذكره.

وقد يجاب بإمكان التأليف بوجه آخر ، وهو أن يحمل اعتبار العدد على ما إذا لم يحصل رضاع يوم وليلة على الوجه المعتبر وتخلل بين الرضعات تراخ استغنى الرضيع فيه بالطعام ، فلم يتحقق إنبات اللحم وشد العظم ، فإنه لا بد من حصول العدد كله ، وليس بعيد هذا ، لأن ظاهر النصوص أنه متى حصل رضاع يوم وليلة تحقق التحريم وإن لم يبلغ العدد ، فيكون كل منهما أصلا برأسه.

ب : المراد برضاع يوم وليلة الرضاع الذي تقتضيه العادة في طول اليوم والليلة من غير اعتبار عدد ، وأما ما أنبت اللحم وشدّ العظم فإن الأصحاب لم يذكروا له حدا يرجع إليه فيه ، ويمكن اعتبار الرجوع فيه إلى قول طبيبين (١) عادلين عارفين بذلك ، وقد اختلفت الروايات في أن العشر رضعات تنبت اللحم وتشدّ العظم ، ففي بعضها أنها تنبت (٢) ، وفي بعضها لا (٣).

ج : اختلف الأصحاب في عدد الرضاع المحرّم ، فقال ابن الجنيد إن ما وقع عليه اسم الرضعة محرّم ، وقال المفيد (٥) والتقي (٦) وسلار (٧) وابن البراج (٨) وأبو الصلاح (٩)

__________________

(١) لفظ اطيبين ما لم يرد « ض ».

(٢) التهذيب ٧ : ٣١٤ و ٣١٥ حديث ١٣٠٢ و ١٣٠٣ و ١٣٠٥ ، الاستبصار ٣ : ١٩٤ و ١٩٦ حديث ٧٠٢ و ٧٠٣ و ٧٠٩.

(٣) التهذيب ٧ : ٣١٣ حديث ١٢٩٨ و ١٢٩٩ ، الاستبصار ٣ : ١٩٥ حديث ٧٠٤ و ٧٠٥.

(٥) المقنعة : ٧٧.

(٦) نقله عن التقي العلاّمة في المختلف : ٥١٨.

(٧) المراسم : ١٤٩.

(٨) المهذب ٢ : ١٩٠.

(٩) الكافي في الفقه : ٢٨٥.

٢١٥

______________________________________________________

وابن حمزة (١) وابن أبي عقيل (٢) : إن العشر محرّمة ، واختاره المصنف في المختلف (٣) ، لعموم قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (٤) ونظائره من العمومات ، ولصحيحة الفضيل بن يسار عن الباقر عليه‌السلام قال : « لا يحرم من الرضاع إلا المحبور » (٥) قال قلت : وما المحبور؟ قال « أم ظئر تستأجر أو أمة تشترى ثم ترضع عشر رضعات يروى الصبي وينام » (٦) ولان العشر ينبت اللحم ، لصحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق عليه‌السلام إلى أن قال : فقلت وما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال : « كان يقال عشر رضعات » (٧).

__________________

(١) الوسيلة : ٣٥٥.

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٥١٨.

(٣) المصدر السابق.

(٤) النساء : ٢٣.

(٥) اختلفت المصادر في ضبط هذه الكلمة ، ففي نسخة « ض » : المحبور ، وفي نسخة « ش » والمختلف : ٥١ وإيضاح الفوائد ٣ : ٣٦ والوسائل ١٤ : ٢٨٥ المخبور ، وفي التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٥ والاستبصار ٣ : ١٩٦ حديث ٧٠٩ والفقيه ٣ : ٣٠٧ حديث ١٤٧٤ : المجبور ، ونقل الطريحي في مجمعه ٣ : ٢٤٣ عن شارح الشرائع إنه وجد لفظة المجبور مضبوطة بخط الصدوق بالجيم والباء في كتابه المقنع ، وقال الطريحي في مجمعه أيضا ٣ : ٢٥٧ : وقد اضطربت النسخ في ذلك ففي بعضها بالحاء المهملة وفي بعضها بالجيم وفي بعضها بالخاء المعجمة ولعله الصواب.

(٦) نقل هذا الحديث بهذا النص العلاّمة في المختلف : ٥١٨ وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٤٦ ، وذكره الصدوق في الفقيه ٣ : ٣٠٧ حديث ١٤٧٤ من دون ذكر عبارة : ثم ترضع عشر. ، وذكره الشيخ في التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٥ والاستبصار ٣ : ١٩٦ حديث ٧٠٩ بهذه اللفظة : عن ابي جعفر « عليه‌السلام » قال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ المجبورة أو خادم أو ظئر ثم يرضع عشر رضعات يروى الصبي وينام ».

(٧) الكافي ٥ : ٤٣٩ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٣١٣ حديث ١٢٩٦ ، الاستبصار ٣ : ١٩٤ حديث ٧٠١.

٢١٦

______________________________________________________

وذهب الشيخ في كتبه إلى عدم التحريم إلاّ بخمس عشرة (١) ، واختاره ابن إدريس (٢) والمصنف في أكثر كتبه (٣) ونجم الدين بن سعيد (٤) وعامة المتأخرين ، وهو الأصح ، للأصل والاستصحاب.

ولما رواه زياد بن سوقة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : هل للرضاع حد يؤخذ به؟ فقال : « لا يحرّم الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهم رضعة امرأة غيرها » الحديث (٥).

ولصحيحة علي بن رئاب عن الصادق عليه‌السلام قال قلت : ما يحرم من الرضاع؟ قال : « ما أنبت اللحم وشدّ العظم » قلت : فتحرم عشر رضعات؟ قال : « لا إنها (٦) لا تنبت اللحم ولا تشد العظم عشر رضعات » (٧).

وقريب منه موثقة عبيد بن زرارة عنه عليه‌السلام (٨) ، وموثقة عبد الله بن بكير عنه عليه‌السلام (٩).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٠٤ و ٥ : ٢٩٢ ، النهاية : ٤٦١ ، الخلاف ٣ : ٨١ مسألة ٣.

(٢) السرائر : ٢٩٣.

(٣) منها التذكرة ٢ : ٦٢٠ ، والتحرير ٢ : ٩.

(٤) الشرائع ٢ : ٢٨٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٩٢ حديث ٦٩٦.

(٦) في التهذيب والاستبصار : لأنها.

(٧) التهذيب ٧ : ٣١٣ حديث ١٢٩٨ ، الاستبصار ٣ : ١٩٥ حديث ٧٠٤.

(٨) التهذيب ٧ : ٣١٣ حديث ١٢٩٩ ، الاستبصار ٣ : ١٩٥ حديث ٧٠٥.

(٩) التهذيب ٧ : ٣١٣ حديث ١٣٠٠ ، الاستبصار ٣ : ١٩٥ حديث ٧٠٦.

٢١٧

فلو ارتضع رضعة ناقصة لم تحسب من العدد ، والمرجع في كمالية الرضعة إلى العرف.

وقيل : ان يروي ويصدر من قبل نفسه ، فلو لفظ الثدي ثم عاوده ، فإن كان قد أعرض أولا فهي رضعة وإن كان للتنفس أو الالتفات إلى ملاعب أو الانتقال إلى ثدي آخر كان الجميع رضعة.

______________________________________________________

وظاهر قوله عليه‌السلام في الرواية السالفة (١) : « كان يقال » عدم الرضى بذلك ، وتمام الحديث أنه سأله هل يحرم بعشر رضعات؟ فقال : « دع ذا » وقال : « ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع » وإعراضه عن الجواب يشعر بالتقية.

واعلم أنه يلوح من قول المصنف : ( ولا حكم لما دون العشر ) بعد قوله : ( وفي العشر قولان ) أن ما دون العشر لا خلاف فيه عندنا ، وكأنه لم يلتفت إلى خلاف ابن الجنيد (٢).

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه يعتبر في الرضعات ليتحقق العدد قيود ثلاثة : كمالية كل واحدة منها ، وتواليها ، والارتضاع من الثدي.

أما الكمالية فلعدم صدق الرضعة إذا كانت ناقصة ، وأما التوالي فلما دل عليه حديث زياد بن سوقة السالف ، وأما الارتضاع من الثدي فلما تقدم من أنه لو وجر اللبن بعد احتلابه في حلق الطفل لم يصدق الرضاع ولم يثبت التحريم.

قوله : ( فلو ارتضع رضعة ناقصة لم يحسب من العدد ، والمرجع في كمالية الرضعة إلى العرف ، وقيل : أن يروي ويصدر من قبل نفسه ، فلو لفظ الثدي ثم عاوده ، فان كان قد أعرض أولا فهي رضعة ، وإن كان للتنفس أو الالتفات إلى ملاعب أو الانتقال إلى ثدي آخر كان الجميع رضعة ، ولو منع‌

__________________

(١) وهي رواية عبيد بن زرارة المتقدمة.

(٢) المختلف : ٥١٨.

٢١٨

ولو منع قبل استكماله لم تحسب ، ولو لم يحصل التوالي لم ينشر ، كما لو أرضعت امرأة خمسا كاملة ، ثم ارتضع من اخرى ، ثم أكمل من الاولى العدد لم ينشر ، وبطل حكم الأول وان اتحد الفحل.

ولو تناوب عليه عدة نساء لم ينشر ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعة كاملة ولاء.

ولو ارتضع من كل واحدة خمس عشرة رضعة كاملة متوالية حرمن كلهن ولا يشترط عدم تخلل المأكول والمشروب بين الرضعات ، بل عدم تخلل الرضاع وإن كان أقل من رضعة.

______________________________________________________

قبل استكماله لم يحتسب ، ولو لم يحصل التوالي لم ينشر ، كما لو أرضعت امرأة خمسا كاملة ثم ارتضع من اخرى ثم أكمل من الاولى العدد لم ينشر وبطل حكم الأول وإن اتحد الفحل ، ولو تناوب عليه عدة نساء لم ينشر ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعة كاملة ولاء ، ولو ارتضع من كل واحدة خمس عشرة رضعة متوالية كاملة حرمن كلهن ، ولا يشترط عدم تخلل المأكول والمشروب بين الرضعات ، بل عدم تخلل رضاع وإن كان أقل من رضعة ).

لا ريب أنه لو ارتضع رضعة ناقصة لم يحتسب من العدد ، ولكن لو أكملها احتسب ، كما لو التفت إلى ملاعب أو حصل نوم خفيف ثم عاد ، ولو طال الزمان كثيرا ففي اعتبار إكمالها نظر ، ينشأ : من انتفاء الوحدة عرفا ، ومن أن الفرض حصول القدر الذي يساوي الرضعة الواحدة ، ويلوح من تقديرهم الزمان المتخلل بالقليل ـ كما قيد في التذكرة النوم بكونه خفيفا (١) ونحو ذلك في كلامه هنا وهناك ـ أن تخلل الكثير مانع من الاحتساب.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦٢٠.

٢١٩

الثالث : أن يكون الرضاع في الحولين وإن كان بعد فطامه ، ويعتبر في المرتضع إجماعا دون ولد المرضعة على الأقوى.

______________________________________________________

والمرجع في كمالية الرضعة إلى العرف ، إذ الشارع لم يعين لها قدرا مضبوطا ولم يحدّها بزمان ، فدل ذلك على أنه جعل المرجع العرف ، كما هو عادته في أمثاله ، ولأن الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية ، وقيل أن يروي ويصدر عن ري من قبل نفسه ، والقولان للشيخ (١) ، وهما في المعنى واحد.

وكان المصنف أراد بقوله : ( وقيل ) حكاية اختلاف العبارة في ضبط الكمالية ، إلاّ أنه قول مستقل ، وينبه عليه أنه في التذكرة قال : إن المرجع في الكمالية إلى العرف ، ثم قال : إذا ارتضع الصبي وروى وقطع قطعا بيّنا باختياره وأعرض إعراض ممتل باللبن كان ذلك رضعة (٢) ، فجعل العبارتين معا حد الكمالية.

واما التوالي فيتحقق بأن لا يرتضع من امرأة خلال رضاعه من اخرى وإن كان لبن كل منهما لفحل واحد عندنا ـ خلافا لبعض العامة (٣) ـ لقول الباقر عليه‌السلام : « لا يحرّم الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد » (٤).

وأشار عليه‌السلام بقوله : « من امرأة واحدة » إلى آخره ، إلى تفسير متواليات ، فيعلم منه أن تخلل المأكول أو المشروب أو طول الزمان لا يخل بالتوالي.

قوله : ( الثالث : أن يكون الرضاع في الحولين وإن كان بعد فطامه ، ويعتبر في المرتضع إجماعا دون ولد المرضعة على الأقوى.

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٢٩٤ ، الخلاف ٣ : ٨٢ مسألة ٣ وص ٨٣ مسألة ٦ من كتاب الرضاع.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٢٠.

(٣) انظر : المجموع ١٨ : ٢٢٨ ، المغني لابن قدامة ٩ : ٢٠٧.

(٤) التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٩٢ حديث ٦٩٦.

٢٢٠