جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

وكذا لو أوقع طلاقا مشروطا فقال : كلما أسلمت واحدة منكن فقد طلقها.

ولو قال : إن دخلت الدار فقد اخترتك للنكاح أو الفراق لم يصح ، للتعليق.

______________________________________________________

فإن قيل : الرجعة تصح بالكناية ، فالاختيار كذلك بطريق أولى ، لأن الرجعة تفيد إبطال الطلاق ، والاختيار إنما يميز الزوجة عن غيرها.

قلنا : الاختيار تضمن فسخ نكاح ما زاد على الأربع ، فلذلك لم يكتف فيه بالكناية المحتملة ، فإن القصد النفسي وحده لا أثر له ، والأقرب ما قربه المصنف.

واعلم أن الضمير في قوله : ( به ) من قوله : ( وإن قصد به الطلاق ) يعود إلى ما دل عليه الكلام السابق وهو : ( ذلك ) ونحوه ، أي : وإن قصد بذلك من قوله : ( الطلاق ونحوه ).

قوله : ( وكذا لو أوقع طلاقا مشروطا فقال كلما أسلمت واحدة منكن فقد طلقها ).

لا شك أن الطلاق المعلق لا يقع عندنا ، فلو أتى به هنا ففي كونه اختيارا اشكال أقربه العدم كما سبق.

قوله : ( ولو قال : إن دخلت الدار فقد اخترتك للنكاح أو الفراق لم يصح التعليق ).

قد سبق أن الاختيار لا يصح معلقا ، ويزيده بيانا انا إن نزلناه منزلة الابتداء كان تعليقه كتعليق النكاح ، وإن نزلناه منزلة الاستدامة كان تعليقه كتعليق الرجعة.

ولأن الزوج مأمور بالتعيين ، والاختيار المعلق ليس بتعيين ، وكما أنه لا يفيد تعيين الزوجة لا يفيد تعيين المطلوب فراقها لمثل ما ذكرناه.

٤٦١

ولو رتب الاختيار ثبت عقد الأول واندفع البواقي.

ولو قال لما زاد على أربع : اخترت فراقكن ، انفسخ عقدهن وثبت عقد الأربع. ولو قصد الطلاق : فإن قلنا إن الكناية كالطلاق في الاختيار ، ثبت عقد المطلقات ولم يطلقن ، وإلاّ فلا.

ولو قال لواحدة : طلقتك ، صح نكاحها وطلقت وكانت من الأربع.

______________________________________________________

قوله : ( ولو رتب الاختيار ثبت عقد الأول واندفع نكاح البواقي ).

المراد بترتيب الاختيار أن يختار واحدة بعد واحدة إلى آخرهن ، وحكمه أن كل واحدة اختارها وهي صالحة لذلك صح اختيارها إلى أن يكملن أربعا ، وحينئذ فيندفع نكاح البواقي ويلغو اختيارهن.

قوله : ( ولو قال لما زاد على أربع : اخترت فراقكن ، انفسخ عقدهن وثبت عقد الأربع ، ولو قصد الطلاق : فإن قلنا الكناية كالطلاق في الاختيار ثبت عقد المطلقات ولم يطلقن ، وإلاّ فلا ).

لو كان له ثمان فقال لأربع منهن : اخترت فراقكن ، انفسخ عقدهن وثبت عقد الأربع البواقي مع صلاحيتهن لذلك ، ولو قصد بذلك الطلاق كان كناية ، لأن الفراق ليس صريحا في الطلاق ، فيبني على ما سبق من تنزل الكناية منزلة الطلاق في الاختيار.

فإن قلنا : إنها كالطلاق ثبت عقد المطلقات ولم يطلقن قطعا ، لأن الطلاق لا يقع بالكناية عندنا ، فيكون مفاد الكناية على هذا التقدير هو لازم الطلاق وهو الزوجية ، وإن لم نقل بذلك كان اللفظ لاغيا.

قوله : ( ولو قال لواحدة : طلقتك ، صح نكاحها وكانت من الأربع ).

لا ريب أنه إذا طلق واحدة من المذكورات يصح الطلاق ويكون ذلك اختيارا لها ، فتكون واحدة من الأربع ، فيختار من البواقي ثلاثا أخر ، لكن لا يخفى أنه يشترط صلاحيتها للطلاق والاختيار.

٤٦٢

وأما الفعل فكالوطء فلو وطأ أربعا ثبت عقدهن واندفع البواقي ، فإن وطأ الخامسة جاهلين فعليه مهر المثل.

______________________________________________________

بقي شي‌ء وهو أن قول المصنف : طلقتك أن المراد إيقاع الطلاق بهذه الصيغة ، فسيأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق أن هذه الصيغة لا يقع بها الطلاق ، وإن كان المؤاخذة بذلك على أنه إقرار والطلاق بصيغة أخرى فهو حق.

ويمكن أن يريد بذلك تطليق واحدة في الجملة ، والحوالة في الصيغة الشرعية على ما سيأتي.

قوله : ( وأما الفعل فكالوطء ، فلو وطأ أربعا ثبت عقدهن واندفع البواقي ، فإن كان وطأ الخامسة جاهلين فعليه مهر المثل ).

حكى المصنف رحمه‌الله في التذكرة خلافا في أن الوطء اختيار أم لا (١) ، وصرح الشيخ المصنف وجماعة بأنه اختيار.

ويظهر من قوله بعد : ( ولو وطأ أربعا صح نكاحهن عندنا ) عدم الخلاف في كونه اختيارا عندنا.

ووجه العمل بظاهر الحال ، وهو أنه لا يطأ إلاّ من يختار نكاحها ، فإنه يدل على الرغبة فيها ، ولظاهر حال المسلم وهو صيانته عن الزنا ، ولهذا عد الوطء في بيع الأمة بشرط الخيار فسخا للبيع.

وكذا الرجعة فإنها تحصل بالوطء عندنا ، ولا استبعاد في كون الفعل اختيارا ، لأنه استدامة في النكاح ، ويغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء.

فعلى هذا لو وطأ أربعا ثبت عقدهن واندفع نكاح البواقي ، فإن وطأ الخامسة : فإن كانا جاهلين فهو شبهة من الطرفين ، ويكفي لثبوت مهر المثل بالوطء جهلها ، ولا يعتبر جهلها كما تشعر به العبارة ، ولو انتفى الجهل عن أحدهما فهو زان.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٥٨.

٤٦٣

وهل التقبيل أو اللمس بشهوة اختيار؟ أقربه ذلك ، كما أنه رجعة.

ولو تزوج بأخت إحداهن لم يصح ، وهل يكون اختيارا لفسخ عقدها؟

اشكال.

______________________________________________________

قوله : ( وهل التقبيل واللمس بشهوة اختيار؟ اشكال أقربه ذلك ، كما أنه رجعة ).

وجه القرب أن المعنى المقتضي لكون الوطء اختيارا قائم فيهما ، فإنهما يدلان على الرغبة في الملموسة والمقبلة ، لأن الأصل في فعل المسلم الصحة وصيانته عن ارتكاب المحرم ، فيحمل على ارادة الاختيار كما في الرجعة ، وليس ذلك قياسا ، إذ ليس المراد الحمل عليها بل التشبيه والتنظير.

ويحتمل العدم ، لأنهما قد يوجدان في الأجنبية ، فإن دلالتهما أضعف من دلالة الوطء ، وما قرّبه المصنف أقرب.

قوله : ( ولو تزوج بأخت إحداهن لم يصح ، وهل يكون اختيارا لفسخ عقدها؟ إشكال ).

أي : لو أسلم على أزيد من أربع فعقد على أخت إحداهن ، فهل يكون ذلك اختيارا لفسخ نكاح أختها؟ فيه إشكال ينشأ : من أن العقد على إحدى الأختين أعم من الاختيار وعدمه ، ولا دلالة للعام على الخاص بشي‌ء من الدلالات.

ومن أن العقد على إحداهما مناف لنكاح الأخرى ، فيكون العقد على الأخت دالا على ارادة فسخ نكاح أختها ، لتنافيهما وامتناع الجمع بينهما ، وارادة أحد المتنافيين يقتضي نفي ارادة الآخر. وفيه نظر ، إذ قد تحصل الغفلة عن المنافي الآخر مع إرادة منافيه فكيف يلزم ارادة نفيه.

ولأن الأصل في العقود الصحة ، فإذا أوقع العقد على الأخت وجب الحكم بصحته فيمتنع بقاء نكاح الأخرى.

٤٦٤

ولو قال : حصرت المختارات في ست ، انحصرن ، ولو لحقه أربع وتخلف أربع فعيّن الأوائل للنكاح صح.

ولو عينهن للفسخ لم يصح إن كان الأواخر وثنيات ، وإلاّ صح ، ويحتمل الوقف.

______________________________________________________

لا يقال : إنما يجوز العقد على الأخت مع نقص عددهن عن أربع وانما يجوز الفسخ مع الزيادة عليها فكيف يجتمعان. لأنا نقول : يمكن العقد متعة.

لا يقال : شرط صحة العقد كون الأخت ليست زوجة ، فإذا عقد على الأخت لم يقع صحيحا ، إذ لم يصادف محلا فيقع فاسدا ، ولا يحصل به الاختيار.

لأنا نقول : لا تمتنع صحته وحصول الفسخ كما في بيع البائع ذا الخيار وبيع المدبر والموهوب من الواهب ، حيث يجوز الرجوع في الهبة. وقد يتصور فرض المسألة فيمن أنشأ العقد على الأخت معتقدا صحته ، قاصدا بذلك فسخ نكاح الأخرى.

وفي كونه فسخا تأمل ، لأنه بنفسه لا يقتضيه ، والإرادة وحدها لا أثر لها ، وللتردد في ذلك مجال.

قوله : ( ولو قال : حصرت المختارات في ست انحصرن ).

هذا إذا عيّن الست ، وإلاّ كان لغوا. ووجه الانحصار أن ذلك مستلزم لفسخ نكاح البواقي ، ويصح الفسخ بما يدل عليه صريحا وبما يستلزمه.

قوله : ( ولو لحقه أربع وتخلف أربع فعيّن الأوائل للنكاح صح ، ولو عينهن للفسخ لم يصح إن كان الأواخر وثنيات على الأصح ، ويحتمل الوقف ).

وجه صحة تعيين الأوائل للنكاح ظاهر ، فإنهن مسلمات لا مانع من تعيينهن ، وكذا لو عينهن للفسخ والأواخر كتابيات ، لأن استدامة نكاح الكتابية جائز ، وكذا اختيارهن على المسلمات على الأصح كما سبق.

٤٦٥

ولو عين المتخلفات للفسخ صح ، وللنكاح لا يصح ، إلاّ ان جوزنا‌

______________________________________________________

وأما إذا كان الأواخر وثنيات ، فإن في تعيين الأوائل للفسخ وجهين :

أحدهما : البطلان ، لأنه لو صح لوجب عليه أن يترتب عليه أثره ، وهو بينونة المسلمات وبقاء نكاح الوثنيات.

والثاني : باطل قطعا ، فإن الوثنية يمتنع نكاحها للمسلم.

بيان الملازمة أن الفسخ إنما يقع لما زاد على أربع فنكاحهن لازم قطعا ، وليس بعد المسلمات إلاّ الوثنيات ، وفيه نظر ، لأن الفسخ يجوز أن يقع مراعى ، وتنكشف صحته بإسلام الوثنيات في العدة ، فيكون صحيحا بحسب الواقع ، يترتب عليه أثره وانكشافه عندنا بتحقق إسلامهن.

ولأن ظاهر قوله عليه‌السلام : « أمسك أربعا وفارق سائرهن » (١) يقتضي وقوع الفرقة في الحال ، وهو ممتنع في الفرض المذكور ، لأن إمساك الوثنيات ممتنع. وفيه نظر ، لأن الفرقة قد تحصل في الحال ويصح نكاح الوثنيات وينكشف بإسلامهن في العدة.

والحاصل أن الفسخ كما يحتمل صحته وبطلانه على وجه الجزم ، كذا يحتمل التوقف في الحكم بأحدهما ، لخفاء الشرط وهاهنا كذلك ، فإن شرط صحة الفسخ كون البواقي زوجات ، كما أن شرط فساده انتفاء زوجيتهن وإنما يتبين بقاء زوجيتهن وانفساخها بإسلامهن في العدة وعدمه ، فوجب أن لا يحكم بأحد الأمرين إلى أن يحصل الكاشف ، وهذا هو الوجه الثاني ، وهو الذي أراد بقوله : ( ويحتمل الوقف ) وهو الأصح ، لامتناع الحكم بأحدهما مع خفاء شرطه.

فإن قيل : الفسخ الواقع حينئذ متردد فيه فيمتنع صحته.

قلنا : لا تردد ، إذ الأصل بقاء الزوجية ، والمانع غير معلوم الحصول.

قوله : ( ولو عين المتخلفات للفسخ صح ، وللنكاح لا يصح إلاّ إذا‌

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٨١.

٤٦٦

الوقف.

ولو أسلمت ثمان على الترتيب ، فخاطب كل واحدة بالفسخ عند إسلامها تعيّن للفسخ الأربع المتأخرات ، وعلى الوقف المتقدمات.

ويجب الاختيار وقت ثبوته ، فإن امتنع حبس عليه ، فإن أصر عزر.

______________________________________________________

جوزنا الوقف ).

أي : لو عيّن في المسألة المذكورة المتخلفات للفسخ صح ، لصحة نكاح الأوائل ، بخلاف ما لو عينهن للنكاح فإنه لا يصح ، لأنهن وثنيات ، فلا يصح اختيار نكاحهن.

نعم لو جوزنا الوقف وهو وقوع التعيّن مراعى ، لم يمتنع تعيينهن للنكاح ، وتنكشف صحته وفساده بالإسلام وعدمه.

قوله : ( ولو أسلم ثمان على الترتيب ، فخاطب كل واحدة بالفسخ عند إسلامها ، تعيّن للفسخ الأربع المتأخرات ، وعلى الوقف المتقدمات ).

وجه الأول أن فسخ الأربع الأول وقع باطلا ، لامتناع اختيار الوثنيات ، فسخ الأربع الأخر.

ووجه الثاني : أن الفسخ للأول وقع مراعى وقد انكشف صحته بإسلام الأخر ، فتعين للنكاح المتأخرات.

قوله : ( ويجب الاختيار وقت ثبوته ، فإن امتنع حبس عليه ، فإن أصر عزر ).

لا ريب أنه متى ثبت للمكلف الاختيار بالنسبة إلى جميع الزوجات ، اما بأن أسلم جميعهن ، أو كن كتابيات ، أو أسلم البعض والبعض الآخر كتابيات ، وجب عليه الاختيار. والأصل فيه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لغيلان بن سلمة الثقفي : « أمسك أربعا وفارق سائرهن » (١) والأمر للوجوب.

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٨١.

٤٦٧

فإن مات اعتدت كل واحدة بأبعد الأجلين ، فالحائل بالأبعد من أربعة أشهر وعشرة أيام ومن ثلاثة أقراء ، والحامل بالأبعد من أربعة أشهر وعشرة أيام ومن الوضع.

______________________________________________________

ولأنه لو لم يختر لكان متمسكا بنكاح الجميع بعد الإسلام والثاني باطل فان المسلم كما لا يجوز له ان ينكح أكثر من اربع كذا لا يجوز له استدامة نكاحهن.

ولأن حق الاستمتاع ثابت للزوجات ، وهو ممتنع قبل الاختيار ، فإن امتنع حبسه الحاكم ، فإن أصر أخرجه وعزره ويحذره بما يراه من الضرب وغيره ، فإن فعل ، وإلاّ رده إلى الحبس والضرب حتى يختار.

وكذا من وجب عليه دين حال ، وكان له مال يعرف الحاكم به ، وهو يسره وينكره ولا مال له سواه ، فإن الحاكم يجبره على قضاء الدين ، فإن فعل ، وإلاّ حبسه ، فإن فعل ، وإلاّ أخرجه وعزره ولا يزال يخرجه ويعزره حتى يقضي الدين.

والمولى إذا امتنع من الفئة والطلاق يحبسه الحاكم كذلك ، ولا يطلق عليه عندنا.

وذهب بعض الشافعية إلى أن المأمور بالاختيار إذا امتنع فحبس لا يعزر على الفور ، فلعل عليه في التعيين فكر أو أقرب معتبر فيه مدة الاستنابة (١).

قوله : ( فان مات اعتدت كل واحدة بأبعد الأجلين ، فالحائل بالأبعد من أربعة أشهر وعشرة أيام ومن ثلاثة أقراء ، والحامل بالأبعد من أربعة أشهر وعشرة ومن الوضع ).

لو مات الزوج قبل التعيين وجبت العدة على الجميع ، لأن الزوجات لا يتعين منهن وإن لم يكن دخل بهن ، كما لو أسلم عن ثمان كتابيات وجب على كل منهن الاعتداد بأربعة أشهر وعشرة أيام ، لأن كلا منهن يحتمل زوجيتها.

وإن كان قد دخل بهن اعتددن بأبعد الأجلين من عدة الوفاة وعدة الطلاق ،

__________________

(١) انظر المجموع ١٧ : ٣٠٣.

٤٦٨

ونوقف لهن الربع أو الثمن حتى يصطلحن ، فإن طلبت إحداهن منه شيئا لم تعط.

ولو طلبت خمس دفع إليهن ربع النصيب ، والست نصفه.

ولو كانت إحداهن مولى عليها لم يكن لوليها أن يأخذ لها أقل من الثمن ، ويحتمل القرعة والتشريك.

______________________________________________________

والحائل بالأبعد من أربعة أشهر وعشرة أيام ومن ثلاثة أقراء ، والحامل بأبعد الأجلين من أربعة أشهر وعشرة أيام ومن الوضع ، فأيهما انقضت قبل أتمت الأخرى.

وإنما وجب ذلك ، لتوقف يقين البراءة عليه ، فإن كل واحدة يحتمل أن تكون مختارة ومفارقة ، وعدة المختارة عدة الوفاة وعدة المفارقة عدة الطلاق.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ابتداء الأشهر من حين الوفاة قطعا ، وأما الأقراء فقد قال في التذكرة : يحتمل الاعتبار من وقت إسلامهما إن اقترنا ، ومن حين إسلام من سبق إسلامه إن تعاقبا فيه ، لأن الأقراء إنما تجب لاحتمال أنها مفارقة قد انفسخ نكاحها ، والانفساخ يحتمل من ذلك الوقت (١).

ولقائل أن يقول : إن الانفساخ إنما يحصل من حين المفارقة بالاختيار ، ولم يتحقق ذلك ، فيتعيّن أن يكون ابتداء عدته من حين الوفاة ، لامتناع التأخر عنه وانتفاء ما يدل على التقديم عليه ، لأن إسلامهما أو إسلام الأسبق منهما لا يقتضي المفارقة قطعا.

قوله : ( ويوقف لهن الربع أو الثمن حتى يصطلحن ، فإن طلبت إحداهن منه شيئا لم تعط ، ولو طلبت خمس دفع إليهن ربع النصيب والست نصفه ، ولو كانت إحداهن مولى عليها لم يكن لوليها أن يأخذ لها أقل من الثمن ، ويحتمل القرعة والتشريك ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٦٠.

٤٦٩

______________________________________________________

إذا مات الزوج بعد إسلامه وإسلام الزوجات الثمان وقبل الاختيار ، ففي‌ استحقاق الزوجات من الإرث احتمالات ثلاثة ذكرها المصنف :

أحدها : أن يوقف لهن نصيب الزوجية ، وهو الربع مع عدم الولد والثمن معه حتى يصطلحن ، لأن الحق منحصر فيهن ، ولا طريق إلى معرفة المستحق ، ولا يتوقع حصوله ولا أولوية لبعض على بعض. ويظهر من المصنف اختيار هذا الاحتمال ، ويتفرع على هذا الاحتمال أمران :

أ : أن إحداهن لو طلبت من النصيب شيئا لم يدفع إليها شي‌ء ، لانتفاء تعيين الاستحقاق ، لإمكان أن لا تكون زوجة ، وكذا لو طلبت اثنتان أو ثلاث أو أربع.

أما لو طلبت خمس ، فإنه يدفع إليهن ربع النصيب ، وهو ربع الربع أو ربع الثمن ، لأن فيهن واحدة زوجة قطعا ، والست نصفه والسبع ثلاثة أرباعه لمثل ذلك.

ب : لو كانت إحداهن مولى عليها ، كما لو كانت صغيرة أو مجنونة ، ففي القدر الذي يتعيّن على وليها الصلح به فما زاد احتمالان :

أحدهما : ربع النصيب ، فلا يجوز له الرضى بما دونه ، لوجوب الاحتياط في تصرف الولي.

وأصحهما عند المصنف أنه يجوز النقص عن الربع ، لعدم تعيّن زوجيتها ، ولا يجوز النقص عن الثمن ، لكون النصيب موقوفا بين الثمان ، فكل واحدة صاحبة ثمن.

ولقائل أن يقول : إنه لو علم الولي أنه إذا لم يصالح على الأقل فات حظها من النصيب تعيّن القول بجواز الصلح حينئذ.

ويمكن الجواب بأن أخذ الأقل ظاهر ، وإن كان على جهة الصلح لا يكون لازما بحيث يسقط حقها من تتمة الثمن ، فللولي ولها بعد الكمال المطالبة بالتتمة ، وعلى هذا فمختار المصنف هو المفتي به.

الاحتمال الثاني : القرعة ، لأنه أمر مشكل ، وقد ورد عنهم عليهم‌السلام : « في‌

٤٧٠

______________________________________________________

كل أمر مشكل القرعة ».

الاحتمال الثالث : التشريك فيقسم بينهن على التساوي ، لانحصار الحق فيهن ، والبيان غير متوقع ، وهن جميعا معترفات بأن الإشكال ثبت في الجميع ، ولا مزية لبعض على بعض آخر في الظاهر ولا في الواقع ، لأن المقتضي لزوجية بعض هو الاختيار ، وبدونه فجميعهن سواء في ذلك ، وهذا الاحتمالان ضعيفان.

أما القرعة ، فلأنها إنما تجري في الأمور المشتبهة ظاهرا مع التعيين في نفس الأمر ، كما لو اشتبه مستحق المال من الشخصين ، فإن أحدهما مالك بحسب نفس الأمر دون الآخر ، فينكشف ما في نفس الأمر بالقرعة.

وكما لو حلف ليطلقن زينب إن كان هذا الطائر غرابا ، وعمرة إن لم يكن ، فإن اليمين واقع بالنسبة إلى إحداهما بعينها ، والاشتباه إنما هو عندنا دون الله سبحانه فإنه يعلم حال الطائر ، بخلاف ما نحن فيه ، لانتفاء تعيّن الزوجات في نفس الأمر ، لأن ثبوت الزوجية لبعض دون بعض إنما يكون بالاختيار ، والله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه ، والمعيّن في نفسه يعلمه معينا ، والمبهم في نفسه يعلمه مبهما.

فإن قيل : إنه تعالى يعلم من كان يختار على تقدير الاختيار.

قلنا : المقتضي للزوجية الموجبة للإرث هو الاختيار لبعض ، وذلك منتف فينتفي أثره ، كما أنه لو أراد زيد نقل ملكه إلى عمرو ، وعلم الله تعالى أنه لو بقي لنقله فإن ذلك لا يثمر ملكا لعمرو ولا انتقالا عن زيد.

واما التشريك فلاستلزامه إعطاء من لا حق لها وتوريث من ليست بزوجة ، بخلاف ما لو تعارضت الدعويان ، فإن اشتراك المدعيين غير معلوم الانتفاء ، بخلاف ما نحن فيه ، فالأقرب الأول.

ومما قررناه علم أن قوله : ( ويحتمل القرعة والتشريك ) أي : ويحتمل التشريك ، عديلان لقوله : ( يوقف لهن الربع أو الثمن ).

٤٧١

ولو كان فيهن وارثات وغير وارثات فلا إيقاف ، كما لو كان معه اربع وثنيات وأربع كتابيات فأسلم الوثنيات ثم مات ، وكذا لو كن كتابيات فأسلم معه أربع ومات.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان فيهن وارثات وغير وارثات فلا إيقاف ، كما لو كان معه أربع وثنيات وأربع كتابيات فأسلم الوثنيات ثم مات ، وكذا لو كن كتابيات فأسلم معه أربع ومات ).

ما مضى حكم ما إذا قطع باستحقاق الزوجات للميراث ، فأما إذا كان كل من الأمرين محتملا على حد سواء ، كما إذا أسلم على أربع كتابيات وأربع وثنيات فأسلم الوثنيات ، أو أسلم على ثمان كتابيات فأسلم منهن أربع ثم مات قبل الاختيار ، فإن في وجوب إيقاف النصيب هنا وجهين :

الأول : وهو مقرب التذكرة : أنه يوقف ، لأنا لا نعطي الورثة إلاّ ما نعلم أنه لهم ، ويوقف مع الشك كما يوقف الميراث إذا كان هناك حمل ، واستحقاق سائر الورثة قدر نصيب الزوجات غير معلوم ، والشك في أصل الاستحقاق لا يمنع الوقف كمسائل الحمل.

والثاني : وهو مختاره هنا : أنه لا يوقف للزوجات بشي‌ء ، لأن ارثهن غير معلوم ، لجواز أن يكون الزوجات الكتابيات ولا يرث الكافر المسلم.

ويضعّف بأن الإيقاف لا ينافيه الشك في الاستحقاق كما في الحمل ، فإن قلنا بالأول لم يدفع إلى المسلمات نصيب الزوجية حتى يصطلحن مع باقي الورثة ، للشك في أصل إرث الزوجات.

والقول بالإيقاف قريب ، لأن نصيب الزوجية دائر بين المسلمات وسائر الورثة.

ولا ترجيح لبعض على بعض ، ولا أصل لواحد من الفريقين بخصوصه يرجع اليه ، فالحكم بصرفه إلى الورثة دونهن تحكم وترجيح بلا مرجح.

٤٧٢

ولو أسلم الكتابيات بعد الموت قبل القسمة فالأقرب إيقاف الحصة.

ولو أسلمت واحدة فالموقف كمال الحصة ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو أسلم الكتابيات بعد الموت قبل القسمة فالأقرب إيقاف الحصة ).

هذا بناء على عدم إيقاف شي‌ء على تقدير أن يكون أربع كتابيات ، وتحقيقه أنه لو أسلم الكتابيات الأربع بعد الموت قبل قسمة التركة فالأقرب إيقاف حصة الزوجات حينئذ.

ووجه القرب أن الكافر إذا أسلم على ميراث قبل القسمة ورث ، فباسلام الكتابيات قبل القسمة ساوين المسلمات في استحقاق الإرث ، فيقطع بأن نصيب الزوجة لا يستحقه باقي الورثة فيتعين إيقافه.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأن الإسلام قبل القسمة إنما يثمر الإرث في غير الزوجة ، لأن إرث الزوجة منوط بزوجيتها وإسلامها معا ، وفي محل النزاع الإسلام منتف عند الموت والزوجية منتفية بعده.

بخلاف غير الزوجية من أسباب الإرث ، فإن وصف القرابة لا ينتفي بالموت وليس بشي‌ء ، لأن الزوجية ثابتة بعد الموت ، للاستصحاب ولثبوت أحكامها. ومن ثم جاز التغسيل ولم يحرم النظر ، وقدّم الزوج على باقي الورثة في أحكام الزوجية كلها ، والأقرب ما قربه المصنف.

قوله : ( ولو أسلمت واحدة فالموقف كمال الحصة ).

أي : لو أسلمت واحدة من الأربع في الصورة السابقة فالموقف كمال الحصة ، بناء على الإيقاف في الصورة المتقدمة.

ووجهه أنه لو أسلمت واحدة والزوجات أربع كتابيات ، استحقت كمال نصيب الزوجية ، فيكون الاشتباه في نصيب الزوجية من حيث ان الاستحقاق دائر بين الأربع المسلمات ، وبين ثلاث مع التي أسلمت بعد الموت ، وبين كل واحدة من الخمس ، لإمكان‌

٤٧٣

وكذا لو كان معه كتابية ومسلمة وقال : إحداكما طالق ومات قبل التعيين.

المطلب الخامس : في النفقة ، إذا أسلم وأسلمن وجب نفقة الجميع ، حتى يختار أربعا فتسقط نفقة البواقي. وكذا لو كن كتابيات وجبت النفقة وإن لم يسلمن ، وكذا لو أسلمن أو بعضهن قبله وهو على كفره وإن انتفى التمكين من الاستمتاع.

______________________________________________________

كونها المختارة مع الثلاث الكتابيات.

قوله : ( وكذا لو كان معه كتابية ومسلمة وقال : احديكما طالق ومات قبل التعيين ).

أي : وكذا لا إيقاف لو كان مع الزوج الذي أسلم كتابية ومسلمة ، وطلق إحديهما من غير تعيين ، وقلنا بصحة هذا الطلاق ، ثم تعيين من شاء ومات قبل التعيين ، فإنه يحتمل أن تكون المطلقة المسلمة والكتابية لا يرث ، فلا يوقف بشي‌ء للزوجة للشك في سبب الإرث ، وهذا أحد الوجهين على ما عرفت.

وعلى الوجه الثاني يجب الإيقاف ، للشك في استحقاق باقي الورثة النصيب ، كما شككنا في استحقاق الزوجة إياه فامتنع الترجيح ، فعلى هذا لا بد من اعتبار الصلح بين الزوجتين وباقي الورثة إن قلنا بالإيقاف إلى الصلح في المسألة المذكورة أولا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق أن مثل هذا التطليق لا يجوز.

فقول المصنف : ( وكذا لو كان معه كتابيات ) إشارة إلى قوله سابقا : ( ولو كان فيهن وارثات وغير وارثات فلا إيقاف ).

قوله : ( المطلب الخامس : في النفقة : إذا أسلم وأسلمن وجب نفقة الجميع حتى يختار أربعا فتسقط نفقة البواقي ، وكذا لو كن كتابيات وجبت النفقة وإن لم يسلمن. وكذا لو أسلمن أو بعضهن قبله وهو على كفره وإن انتفى التمكين من الاستمتاع.

٤٧٤

ويشترط عدم النشوز فيما له السلطنة فيه كالسكنى ، وحل نذرها موقوف.

______________________________________________________

ويشترط عدم النشوز فيما له السلطنة فيه كالسكنى ).

لا ريب أنه إذا أسلم الزوج الكافر وأسلمت الزوجات وهن أكثر من النصاب يجب عليه نفقة الجميع ، استصحابا للوجوب قبل الإسلام ولم يوجد ناقل عنه ، ولأنهن محبوسات لأجله وتحت حجره إلى زمان الاختيار ، فإن اختار أربعا اندفع نكاح البواقي وسقطت نفقتهن.

وكذا لو كن جميعا كتابيات ولم يسلمن ، وكذا لو أسلمن أو بعضهن قبله وهو على كفره ، وإن انتفى التمكين من الاستمتاع في هذه الصورة كلها ، لأن المانع من قبله بترك الاختيار في الأولتين ، وبترك الإسلام والاختيار في الأخيرة.

ولأن المنع قبل الاختيار شرعي ، فهو كالمنع من الاستمتاع في حال الإحرام ، لكن يشترط عدم النشوز فيما للزوج السلطنة فيه ، كالسكنى في مكان مخصوص لائق بحال المرأة ، وعدم الخروج من المسكن من دون إذنه ، لأن لذلك دخلا في التمكين ، ولا يلزم من سقوط التمكين في الاستمتاع سقوط ما عداه. ولأن كل واحدة في كل زمان معرضة لأن تكون زوجة بأن يختارها ، فلا بد من أن يكون الاستمتاع من قبلها لا مانع منه من جهة المسكن ، وغيره من الأمور التي لها تعلق بالاستمتاع كإزالة المنفر وما جرى هذا المجرى.

قوله : ( وحل نذرها موقوف ).

أي : وحل نذر احدى الزوجات للاختيار موقوف ، أي : موقوف على اختياره إياها ، فلو اختار من عداها كان نذرها لازما. وهذا واضح ، إذا قلنا بأن نذر الزوجة ينعقد وللزوج الحل ، إذ لا مقتضى للحل حينئذ ، لزوال الزوجية.

ولو قلنا بعدم انعقاده من رأس أمكن القول بعدم الانعقاد حينئذ ، لأنها زوجة ، وإنما تندفع زوجيتها بالاختيار.

٤٧٥

ولو لم يدفع النفقة كان لهن المطالبة بها عن الحاضر والماضي ، سواء أسلم أو لا.

ولو أسلم دون الوثنيات لم يكن لهن نفقة ، لأن تفويت الاستمتاع منهن.

ولو تداعيا السبق إلى الإسلام قدّم قول الزوج ، لأصالة براءته.

______________________________________________________

واعلم أن الضمير في : ( نذرها ) لا مرجع له في اللفظ لكنه ظاهر.

قوله : ( ولو لم يدفع النفقة كان لهن المطالبة بها عن الحاضر والماضي ، سواء أسلم أو لا ).

وذلك لأن هذه النفقة نفقة زوجية لا تسقط بالفوات ، بل هي دين لازم لهن المطالبة به كنفقة سائر الزوجات.

قوله : ( ولو أسلم دون الوثنيات لم يكن لهن نفقة ، لأن تفويت الاستمتاع منهن ).

هذا هو أصح الوجهين ، وقوّاه الشيخ (١) ، وإنما كان تفويت الاستمتاع منهن ، لأنهن مسببات بالتخلف عن الإسلام وهو فرض عليهن ، فأشبه ما إذا سافر الزوج وأراد مساعدتها فتخلفت ، ولأنهن منعن أنفسهن بمعصية ، أو منعها بمعنى لا يمكنه تلافيه كما لو نشزت.

والآخر لهن النفقة إذا أسلمن في العدة ، لظهور أنهن قد كن زوجات ، ولم يحدثن شيئا ، والزوج هو الذي بدل الدين وهو ضعيف ، لأن تخلفها عن الإتيان بالإسلام مع وجوبه هو المقتضي لمنع الاستمتاع ، وذلك نشوز ، ومثله ما لو لم تغتسل من الحيض إن شرطنا الوطء بالغسل.

قوله : ( ولو تداعيا السبق إلى الإسلام قدم قول الزوج ، لأصالة البراءة ).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٣٤.

٤٧٦

ولو ادعى السبق بالإسلام قبل الوطء فالقول قولها ، لأن الأصل بقاء المهر.

______________________________________________________

هذا تفريع على الوجه‌ الأصح ، وتحقيقه إنه لو تداعى الزوجان السبق إلى الإسلام ، فادعته الزوجة لتبقى نفقتها ، وادعاه الزوج لتنتفي ، فإن القول قول الزوج بيمينه ، لأن النفقة إنما تجب يوما فيوما ، وكل يوم تجب عند صلاة الغداة ، والاختلاف حينئذ في أصل الوجوب والزوج ينكره ، فيكون الأصل معه والزوجة تدعي خلاف الأصل فعليها البينة.

ويحتمل أن القول قولها ، لأن النفقة كانت واجبة ، والأصل البقاء ، والزوج يدعي المسقط ، وكان كما لو ادعى عليها النشوز فأنكرت بعد تحقق التمكين.

ويمكن الفرق بأنه مع تحقق التمكين لا شبهة في أن من يدعي النشوز مدع ، بخلاف ما إذا تحقق المانع من الاستمتاع ، وهو بقاء أحدهما على الكفر فإنه لا تمكين حينئذ فإذا ادعت معه كونها غير ناشزة لم يقبل منها إلاّ بالبينة ، وهذا إذا اتفقا على تقدم إسلام أحدهما واضح.

أما إذا اختلفا في التقدم والتقارن فإنه يبنى على تقديم الأصل أو الظاهر فيما سيأتي ، فإن قدمنا الظاهر فلا نفقة على ما سبق ، وإن قدمنا الأصل فالنفقة كما كانت.

قوله : ( ولو ادعى السبق بالإسلام قبل الوطء فالقول قولها ، لأن الأصل بقاء المهر ).

أي : لو كان اختلاف الزوجين بعد تحقق إسلامهما أيهما سبقت بالإسلام قبل الدخول فلا مهر لها ، وأنكرت هي ذلك وادعت بقاء المهر ، فإن القول قولها بيمينها ، لأن المهر معلوم الثبوت ، فمدعي المسقط مطالب بالبينة. وليس هذا كما لو اختلفا في السبق بالنسبة إلى النفقة ، لأن عدم التمكين هناك متحقق.

وكونه غير مؤثر غير معلوم ، فمتى ادعى عدم تأثيره طولب بالبينة ، ولا فرق‌

٤٧٧

ولو قالت : أسلمنا معا فالنكاح باق ، قدّم قوله ، لندور التقارن في الإسلام على اشكال.

______________________________________________________

في ذلك بين أن تكون الزوجة وثنية أو كتابية.

وكذا الزوج ، فإن إسلام الزوجة أولا قبل الدخول يقتضي الفسخ ، وسقوط المهر على كل تقدير على ما سبق.

ولو قالا : سبق إسلام أحدنا الآخر ولا نعلم السابق ، انفسخ النكاح باتفاقهما على السبق المقتضي له. كذا ذكره المصنف في التذكرة (١) ، ويجب أن يقيّد بكون الزوجة وثنية ، لأنها لو كانت كتابية لأمكن تقدم إسلامه ، فيبقى النكاح على ما تقدم.

ثم المهر إن كانت المرأة لم تقبض منه شيئا لم يكن لها المطالبة به ، لجواز أن تكون هي السابقة ، فيكون قد سقط مهرها فيقف حتى تعلم. وإن كانت قد قبضته فلها المطالبة بنصفه ، لأنه لا يستحق ذلك على كل من تقديري تقدم إسلامها وإسلامه ، ويقف النصف الآخر إلى أن يعلم الحال ، وهذا إنما هو إذا لم يوجب مع تقدم إسلامه قبل الدخول إلاّ نصف المهر.

أما إذا أوجبنا الجميع ـ كما سبق في نظائره في الرضاع ـ فليس له المطالبة بشي‌ء.

قوله : ( ولو قالت : أسلمنا معا فالنكاح باق قدّم قوله لندور التقارن في الإسلام على اشكال ).

ما سبق اختلافهما في التقدم ، لبقاء المهر وعدمه ، والاختلاف هنا في التقدم لبقاء النكاح وعدمه.

وتصويره أنه إذا قالت الزوجة أو الزوج : أسلمنا معا قبل الدخول فالنكاح باق ، وقال الآخر : بل تقدّم إسلام أحدنا وكانت الزوجة وثنية ، أو إسلام الزوجة إن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٥٩.

٤٧٨

ولو قال : أسلمت بعد إسلامي بشهرين ، فقالت : بل بشهر ، أو قال : أسلمت بعد العدة ، فقالت : بل فيها ، قدّم قوله.

______________________________________________________

كانت كتابية فقد انفسخ النكاح ، قدّم قول مدعي التقدم الموجب للفسخ ، وقد فرضه المصنف الزوج على اشكال ينشأ : من تعارض الأصل والظاهر ، فإن الأصل بقاء النكاح وعدم تجدد المفسد.

والظاهر عدم التقارن ، لأن اتفاق ذلك عزيز نادر ، فيقدّم قول نافيه كما يقدّم قول صاحب اليد وتعارض الأصل والظاهر.

والبحث في ترجيح أيهما على الآخر أصل معروف بين الفقهاء تبنى عليه من المسائل ما لا يكاد يتناهى ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب القضاء ما له مزيد بحث ، والأكثر على ترجيح الظاهر.

وقد يحتج له بأن الظاهر ناقل فيقدّم على الأصل ، لأنه مقرر ، وبأن صاحب اليد مقدّم وهو من قبيل الظاهر ، فاعتباره يشعر بقوة جانب الظاهر في نظر الشارع.

وربما احتج على ترجيح الأصل بأنهما لو اختلفا في السابق إلى الإسلام قبل الدخول قدّم قول المرأة في بقاء المهر عملا بأصالة بقائه. وجوابه ظاهر ، فإن أصالة بقاء المهر لا يعارضها ظاهر ، بخلاف ما هنا ، فعلى هذا ترجيح الظاهر أقوى.

قوله : ( ولو قال : أسلمت بعد إسلامي بشهرين ، فقالت : بل بشهر أو قال : أسلمت بعد العدة ، فقالت : بل فيها ، قدّم قوله ).

وجه تقديم قوله أما في الاولى ، فلأن الأصل براءة ذمته من النفقة مدة الشهر المختلف فيه ، والأصل عدم تقدم إسلامها على الوجه الذي يدعيه.

وأما في الثانية ، فلأن إسلامها في العدة يقتضي استحقاق النفقة ، لبقاء النكاح ، والأصل عدمه ، وكذا الأصل عدم تقدّم الإسلام على انقضاء العدة.

فإن قيل : تأخر إسلامها عن العدة يقتضي زوال النكاح ، والأصل بقاؤه.

قلنا : بعد أن تحقق اختلاف الدين وانقضاء العدة المقتضي لفسخ النكاح ،

٤٧٩

ولا يعد الفسخ في الطلقات وإن ساواه في المهر ، فلو أسلم الوثني قبل الدخول وجب نصف المسمّى إن كان مباحا ، وإلاّ نصف مهر المثل ، ويحتمل المتعة ، ولو لم يسم مهرا فلها المتعة.

وان كان بعده وجب المسمى أو مهر المثل على التفصيل.

______________________________________________________

وشك في المانع وهو إسلامها قبل الانقضاء ، لم يبق الأصل المذكور فلا يكون متمسكا.

ولو انعكس الفرض فادعى إسلامه في العدة بعد أن تقدّم إسلامها ، وادعت كونه بعدها ، فالظاهر عدم الفرق ، فيكون القول قولها.

قوله : ( ولا يعد الفسخ في الطلقات وإن ساواه في المهر ).

وذلك لأن عدة الطلقات يقتضي تحريمها بطلقتين معه ، وذلك تشريع يتوقف على توقيف الشارع ، والمهر إنما وجب بالعقد لا بالفسخ ، فلا يلزم من وجوب المهر أو نصفه مع الفسخ كالطلاق مساواته للطلاق في باقي الأحكام.

قوله : ( فلو أسلم الوثني قبل الدخول وجب نصف المسمى إن كان مباحا ، وإلاّ نصف مهر المثل ، ويحتمل المتعة. ولو لم يسمّ مهرا فلها المتعة ، وإن كان بعده وجب المسمى أو مهر المثل على التفصيل ).

لما ذكر أن الفسخ بالإسلام يساوي الطلاق في المهر ، ولم يكن ذلك على إطلاقه ، وإنما هو إذا كان بعد الدخول أو قبله إذا كان من قبل الزوج بين حكمه.

ولا ريب أن الوثني إذا أسلم قبل الدخول أو الكتابي انفسخ النكاح إذا كانت الزوجة وثنية على ما سبق ، وحينئذ فإن كان المهر المسمّى مباحا وجب نصفه ، لأنه فرقة قبل الدخول ، فكان موجبا لتنصيف المهر كالطلاق.

ويشكل بأن المهر يجب كله بالعقد على أصح القولين كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وتشطره بالطلاق ثبت بالنص والإجماع ، وإلحاق غيره به قياس ، وقد سبق في الرضاع أن الفسخ الحاصل به يجب معه جميع المهر ، وهو المتجه هنا.

٤٨٠