جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

وحدّ الإيقاب إدخال بعض الحشفة ولو قليلا.

أما الغسل فإنما يجب بغيبوبة الجميع ، ولا يحرم على المفعول بسببه شي‌ء.

هـ : لو عقد المحرم فرضا أو نفلا إحرام حج أو عمرة بعد إفساده‌

______________________________________________________

وأحدهما غير الأخر ، لكن جدوى ذلك قليلة ، لأن التحريم مستند إلى الاشتباه ، وإذا زال اتضح الحال بالنسبة إلى ما نحن فيه أيضا.

قوله : ( وحد الإيقاب إدخال بعض الحشفة ولو قليلا ، أما الغسل فإنما يجب بغيبوبة الجميع ).

وقب الشي‌ء يقب وقبا : أي دخل ، ووقبت الشمس وقبا ووقوبا غابت ، والقمر دخل في الكسوف ، ووقب الظلام دخل.

والحاصل : إن الإيقاب دائر مع الإدخال ، وهو متحقق في إدخال بعض الحشفة. بخلاف الغسل ، فإنما يثبت مع تغيبها ، وقد نصّ على ذلك ابن إدريس (١) ، وكذا الدخول بالمرأة قبلا أو دبرا إنما يتحقق مع تغيبها.

قوله : ( ولا يحرم على المفعول بسببه شي‌ء ).

أي : فلا يحرم عليه أم اللائط ولا بنته ولا أخته عند جميع علمائنا ، للأصل ، ولقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٢) مع انتفاء المعارض ، وعن أحمد رواية أنه يحرم على الغلام أم اللائط وبنته (٣).

قوله : ( الخامسة : لو عقد المحرم ـ فرضا أو نفلا ، إحرام حج أو عمرة ،

__________________

(١) السرائر : ٢٨٧.

(٢) النساء : ٢٤.

(٣) انظر : المغني لابن قدامة ٧ : ٤٨٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٤٨٢.

٣٢١

أولا على امرأة عالما بالتحريم ، حرمت أبدا وإن لم يدخل. وإن كان جاهلا فسد عقده ، وجاز له العود بعد الإحلال ، فإن دخل قيل : تحرم مؤبدا ،

______________________________________________________

بعد إفساده أولا ـ على المرأة عالما بالتحريم حرمت أبدا وإن لم يدخل ، وإن كان جاهلا فسد عقده وجاز له العود بعد الإحلال ، فإن دخل قيل : يحرم مؤبدا ).

إذا عقد المحرم على امرأة عالما بالتحريم ، فقد أطلق الشيخ في النهاية تحريمها عليه مؤبدا ، وإن جهل التحريم فقد أطلق عدم التحريم ، إلاّ أن العقد فاسد فيفرّق بينهما ، ولهما تجديده بعد الإحلال ، ولم يفرق في الموضعين بين الدخول وعدمه (١) فمقتضاه التحريم مع العلم مطلقا وعدمه مع الجهل مطلقا.

وتبعه ابن البراج (٢) ، وكذا ابن إدريس في الحج (٣) ، وكذا أطلق المفيد التحريم مؤبدا بالعقد مع العلم بالتحريم ، ولم يتعرض بحال الجهل (٤) ، وأطلق سلار التحريم مؤبدا بالعقد ، ولم يتعرض إلى التقييد بالعلم والجهل ولا إلى التفصيل بالدخول وعدمه (٥) ، وكذا ابن بابويه (٦).

وذهب في الخلاف الى التحريم مؤبدا بالعقد مع العلم وإن لم يدخل ومع الجهل إن دخل (٧) ، ويلوح من كلام ابن حمزة موافقته (٨) وقريب منه كلام أبي الصلاح (٩).

__________________

(١) النهاية : ٤٥٣.

(٢) المهذب ٢ : ١٨٣.

(٣) السرائر : ١٣٠.

(٤) المقنعة : ٧٧.

(٥) المراسم : ١٤٩.

(٦) المقنع : ١٠٩.

(٧) الخلاف ٢ : ٢٢٠ مسألة ٩٩ كتاب النكاح.

(٨) الوسيلة : ٣٤٣.

(٩) الكافي في الفقه : ٢٨٦.

٣٢٢

ولا تحرم الزوجة بوطئها في الإحرام مطلقا.

و : المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان تحرم مؤبدا ، ولا يشترط التوالي ، فلو تخلل التسع طلقات للسنة وكملت التسع للعدة حرمت ابدا.

______________________________________________________

قال المصنف في المختلف : والذي بلغنا في هذا الباب ما رواه زرارة عن الصادق عليه‌السلام : « والمحرم إذا تزوّج وهو يعلم أنه حرام عليه لا يحل له أبدا » (١) ، قال : ومقتضى هذه الرواية التحريم مع العلم سواء دخل أو لا ، وعدمه مع الجهل سواء دخل أو لا عملا بالمفهوم ، هذا كلامه (٢) ، وهو صحيح في موضعه.

وضعف دلالة المفهوم غير قادح ، لاعتضادها بالأصل ، على أنها لو لم يعتبر هنا لزم الحكم بالتحريم المؤبد على كل حال ، مع العلم والجهل ، مع الدخول وعدمه ، إلاّ أن يقال : انتفاء التحريم مع الجهل وعدم الدخول بالإجماع ، والأصح مختار المصنف.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا فرق بين أن يكون الإحرام فرضا أو نفلا ، بحج أو عمرة ، لنفسه ولغيره ، أفسده أو لا ، لإطلاق النص (٣).

قوله : ( ولا تحرم الزوجة بوطئها في الإحرام مطلقا ).

أراد بالإطلاق ما يعم الأحوال من علمه بالتحريم وعدمه ، والدخول وعدمه ، وكون الإحرام فرضا أو نفلا إلى آخره. دليل ذلك قبل الإجماع أصالة عدم التحريم ، وانتفاء المعارض.

قوله : ( السادسة : المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان تحرم مؤبدا ، ولا يشترط التوالي ، فلو تخلل التسع طلقات للسنة وكملت التسع‌

__________________

(١) المختلف : ٥٣٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٠٥ حديث ١٢٧٢.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٠٥ حديث ١٢٧٢.

٣٢٣

وفي الأمة اشكال ، أقربه التحريم في التسع إذا نكحها بعد كل طلقتين رجل.

______________________________________________________

للعدة حرمت أبدا ، وفي الأمة اشكال ، أقربه التحريم في التسع إذا نكحها بعد كل طلقتين رجل ).

اتفق أصحابنا على أن المطلقة تسعا للعدة تحرم على زوجها مؤبدا ، وبذلك وردت الأخبار عن أهل البيت عليهم‌السلام (١).

والمراد بذلك أن يطلقها على الشرائط ثم يراجعها في العدة ويطأ ، ثم يطلق في طهر آخر ، ثم يراجع في العدة ويطأ ، ثم يطلق الثالثة فينكحها بعد عدتها زوج آخر ، ثم يفارقها بعد أن يطأها فيتزوجها الأول بعد العدة ، ويفعل كما فعل أولا فينكحها زوجا غيره بعد انقضاء عدتها من التطليقة الثالثة ويطأ ، فيتزوجها الأول بعد مفارقة هذا الزوج لها وانقضاء عدتها منه ، ويفعل كما فعل أولا وثانيا.

فحينئذ يتحقق كونها مطلقة تسعا للعدة ، ينكحها بينها رجلان فتحرم مؤبدا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا يشترط التوالي في تطليقات العدة ليثبت التحريم المؤبد ، لانتفاء الدليل الدال على ذلك ، فإن كلام الأصحاب ونصوصهم بذلك مطلقة خالية من هذا القيد ، فلو تخلل التسع للعدة طلقات للسنة ، فإنها بعد استكمال التسع للعدة تحرم مؤبدا ، وإنما عبّر المصنف بالطلقات جمعا ولم يذكر تخلل الطلقة الواحدة ، لأن الطلقة الثالثة لا تكون إلاّ للسنة. وإنما يجعل في حكم العدة إذا كانت الأوليان للعدة على ما سيأتي في كلامه إن شاء الله تعالى.

فمتى وقعت الأولى أو الثانية للسنة لم تكن الثانية للعدة ، فلا يتصور تخلل طلقة واحدة للسنة ، هذا حكم الحرة. أما الأمة ففي حكمها إشكال ينشأ : من تعدد الاحتمالات ، وتعارض الأمارات.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٨ حديث ٩ و ١٣ ، التهذيب ٧ : ٣١١ حديث ١٢٨٩.

٣٢٤

______________________________________________________

وتحقيق ذلك أن النص ورد بأن من يطلّق امرأته تسعا للعدة ينكحها بينهما رجلان حرمت عليه مؤبدا (١) ، وهذا إنما يكون في الحرة ، لأن الافتقار إلى المحلل بعد الثلاث إنما يكون في الحرة ، فيحتمل في الأمة التحريم مؤبدا بالست ، لأن كل طلقتين في الأمة بمنزلة الثلاث في الحرة ، ولأنه أحوط ، ولأن نكاح رجلين المعتبر بين التسع في الحرة يتحقق بين الست في الأمة.

ويحتمل اعتبار التسع فيها كالحرة بطريق أولى ، ولأنها إذا طلّقت تسعا ينكحها بعد كل طلقتين رجل ، صدق أنه نكحها بين التسع رجلان ، فإن نكاح أكثر من رجلين لها لا يمنع صدق نكاح رجلين إياها.

ويحتمل عدم التحريم أصلا ، لأن ظاهر النص أن مورده الحرة ، فيتمسك في الأمة بأصالة بقاء الحل ، ولأن شرط التحريم أمران : التسع ، ونكاح رجلين بينها ، والتسع في الأمة ينكحها بينها أربعة رجال.

لا يقال : إذا نكحها أربعة فقد نكحها اثنان ، فلا يمنع الصدق.

لأنا نقول : المتبادر نكاح رجلين خاصة ، فعلى احتمال التسع ـ وهو مقرب المصنف هنا ـ يحتمل اعتبار التسع للعدة حقيقة ، على خلاف حكم الحرة ، لأن التسع فيها إنما يقع منها ست للعدة وثلاث للسنة ، وإطلاق اسم العدة عليها مجاز تسميته للجميع باسم الأكثر.

أو من باب المجاورة ، والمجاز لا يطرد ، فيعتبر في التسع للعدة في الأمة الحقيقة ، ولا يتحقق إلاّ بثماني عشرة تطليقة ، إذ لا تكون السابعة عشرة للعدة إلاّ إذا رجع في العدة ووطأ ، ولا تتحقق البينونة بعده بغير طلاق ، إذ يبعد حصول التحريم بالوطء بعد الرجوع.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٠٥ حديث ١٢٧٢.

٣٢٥

تنبيه : إطلاق الأصحاب كون التسع للعدة مجاز ، لأن الثالثة من كل ثلاث ليست منها بل هي تابعة للأوليين ، فلو وقعت الثانية للسنة فالذي للعدة الاولى لا غير ، ولو كانت الاولى فكذلك على الأقوى.

______________________________________________________

ويحتمل الاكتفاء بالتسع ، لأن النص (١) غير مقيّد بالحرة ، والمجاز لا بد من ارتكابه ، فيكون فيها أربع للعدة وخمس للسنة ، وأنا في هذه والثانية من المتوقفين.

قوله : ( تنبيه : إطلاق الأصحاب كون التسع للعدة مجاز ، لأن الثالثة من كل ثلاث ليست منها ، بل هي تابعة للأولتين ، فلو وقعت الثانية للسنة فالذي للعدة الاولى لا غير ، ولو كانت الاولى فكذلك على الأقوى ).

نقّح المصنف رحمه‌الله هذا المبحث بأنه ليس المراد من كون التسع تطليقات للعدة الحقيقة ، لامتناع كون التسع للعدة إذا تخللها نكاح رجلين فقط كما هو واضح ، فيتعيّن ارادة المجاز بإطلاق اسم طلاق العدة هنا على إطلاق السنة.

ولا ريب أن هذا الإطلاق المجازي يحتمل نوعين من أنواع المجاز : أحدهما المجاز للمجاورة ، وثانيهما تسمية الكل باسم أكثر اجزاءه.

ويتفرع على هذا مسألتان :

الاولى : لو طلّق الأولى للعدة والثانية للسنة فلا ريب في انتفاء اسم العدة عن الثالثة ، لانتفاء كل من المعنيين الذين هما علاقة التجوز هنا.

الثانية : لو كانت الأولى للسنة والثانية للعدة فهل الثالثة للعدة؟ فيه احتمالان :

أحدهما : نعم ، لأن المعنى الأول موجود هنا ، فيتحقق الصدق مجازا ، بناء على أن ذلك المعنى هو علاقة التجوز هنا.

وثانيهما : ـ وهو الأقوى عند المصنف وعليه الفتوى ـ لا ، لأن تبعية الطلقة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٥ حديث ١٢٧٢.

٣٢٦

أما الأمة فإن قلنا بتحريمها في الست فالأقوى تبعية الثانية للأولى.

ز : من فجر بعمته أو خالته ، قربتا أو بعدتا ، حرمت عليه بنتاهما أبدا. ولو وطأ لشبهة فالأقرب عدم التحريم ، ولو سبق العقد الزنا فلا تحريم ،

______________________________________________________

لغيرها على خلاف الأصل ، من حيث أنه مجاز ، ومن جهة استلزامه التحريم المؤبد ، فيقتصر فيه على مورد النص ، فإن من خواص المجاز عدم الاطراد ، ولإمكان أن يكون علاقة التجوز هو المعنى الثاني.

قوله : ( أما الأمة ، فإن قلنا بتحريمها في الست فالأقوى تبعية الثانية للأولى ).

مقصود العبارة أن كون الأقوى اعتبار تبعية الثالثة في صدق كونها للعدة للأولتين إذا كانتا للعدة دون الثانية إذا كانت هي خاصة للعدة ، إنما هو في الحرة خاصة دون الأمة لو قلنا بتحريمها في الست ، فهنا يحكم بتبعية الثانية للأولى لعلاقة المجاورة ، لانتفاء علاقة الأكثرية ، فإن ذلك في الأمة ممتنع ، لافتقارها إلى المحلل بعد كل تطليقتين.

ويحتمل على هذا القول اعتبار اثني عشرة تطليقة فيها ، إذ لا يلزم من انتفاء احدى علاقتي التجوز وجوب اعتبار الأخرى ، إذ لا دليل على وجوب ارتكاب المجاز هنا ، والأصل الحقيقة ، فلا يعدل عنه إلاّ لدليل.

ولا يخفى أن هذين الاحتمالين يتأتيان على مقرب المصنف أيضا ، وهو تحريم الأمة بالتسع كالحرة.

قوله : ( السابعة : من فجر بعمته أو خالته ، قربتا أو بعدتا ، حرمت عليه بنتاهما أبدا ، ولو وطأ بشبهة فالأقرب عدم التحريم ).

أطبق أكثر الأصحاب على أن من زنى بعمته أو خالته حرمت عليه ابنتاهما مؤبدا ، وقد رواه أبو أيوب عن الصادق عليه‌السلام قال : سأله محمد بن مسلم وأنا‌

٣٢٧

______________________________________________________

جالس عن رجل نال من خالته وهو شاب ثم ارتدع أيتزوج ابنتها؟ قال : « لا » قال : إنه لم يكن أفضى إليها إنما كان شي‌ء دون ذلك ، قال « كذب » (١) ، وهذه الرواية إنما تضمنت حكم الخالة.

وأما العمة فذكرها الأصحاب ، ولم يصرح أحد منهم بمخالفته في ذلك إلاّ ابن إدريس ، فإن كلامه يشعر بتوقفه في التحريم فإنه قال : إن كان على المسألة إجماع فهو الدليل ، ثم قال ما حاصله : إن الإجماع لا يتحقق بقول جماعة عرفت أسماؤهم وأنسابهم ، فإن حجية الإجماع إنما هي بدخول المعصوم ، ولا يتحقق دخوله على الوجه المذكور (٢).

قال المصنف في المختلف : ولا بأس بالتوقف في هذه المسألة (٣). وما ذكره عجيب فإنه ذهب في المختلف إلى أن الزنا ينشر حرمة المصاهرة (٤) ، وذلك في العمة والخالة أولى ، لأن ذلك أفحش ، والمختار التحريم لما سبق من أن الزنا مطلقا ينشر.

ويزيد عليه عدم وجود مخالف من الأصحاب ، فلا أقل من أن يكون ذلك إجماعا سكوتيا ، ولا يضر توقف ابن إدريس للعلم باسمه ونسبه ، وللرواية المذكورة ، فإنها متقوية ومنجبرة بعمل أكثر الأصحاب ، واشتهارها في المذهب ، وعدم وجود المعارض ، وهي وإن لم تتضمن سوى الخالة إلاّ أنه ليس في الأصحاب من فرق بينهما.

ولا فرق بين كون العمة والخالة قريبتين أو بعيدتين ، لإطلاق كلام الأصحاب (٥) ، والرواية (٦) ، ولما سبق من أن الزنا ينشر حرمة المصاهرة مطلقا.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣١١ حديث ١٢٩١.

(٢) السرائر : ٢٨٨.

(٣) المختلف : ٥٢٥.

(٤) المختلف : ٥٢٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٣١٣ حديث ١٢٩١.

(٦) منهم الشيخ المفيد في المقنعة ٧٧ ، والسيد المرتضى في الانتصار : ١٠٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية.

٣٢٨

وفي بنتيهما مجازا أو رضاعا إشكال.

______________________________________________________

إذا عرفت ذلك ، فهذا حكم ما إذا كان الوطء بالزنا ، فلو وطأ بالشبهة فالأقرب عند المصنف عدم التحريم ، وذلك بناء منه على أن الوطء بالشبهة مطلقا لا ينشر الحرمة.

أما على القول بأنه ينشر فالتحريم هنا بطريق أولى ، نظرا إلى شدة الفحش ، وورود النص على التحريم بالزنا.

ووجه القرب : أصالة الحل ، وانتفاء المقتضي للتحريم على ذلك التقدير. والنص إنما ورد على الزنا فيقتصر على مورده ، ويحتمل التحريم حينئذ ، لأن الزنا إذا قام مقام النكاح الصحيح في تحريم المصاهرة فالشبهة بطريق أولى ، لأنه أقرب إلى النكاح الصحيح من الزنا ، فهو أحرى بلحوق أحكامه به. وهذا كله بناء على عدم ثبوت حرمة المصاهرة بمطلق وطء الشبهة ، ونحن لا نقول به ، فالمختار حينئذ التحريم بالشبهة هنا.

ولا يخفى أن ذلك إنما هو إذا تقدّم الفجور على النكاح ، أما إذا تقدّم النكاح الصحيح فإنه لا يفسد بذلك ، لأن الحرام لا يفسد الحلال كما ورد في عدة أخبار (١).

قوله : ( وفي بنتهما مجازا أو رضاعا اشكال ).

المراد بـ ( بنتهما مجازا ) هنا : هو بنتهما وإن نزلتا.

وأشار بقوله : ( مجازا ) الى أن الاشكال إنما يجي‌ء على القول بأن بنت البنت بنت مجازا ، أما على القول بأنها بنت حقيقة فلا شبهة في تحريمهما مؤبدا كالبنتين للصلب.

ومنشأ الاشكال : من وقوع اسم البنت على بنت البنت في الجملة ، ولمشاركتها لبنت الصلب في المقتضي لتحريم هذا الفعل الفاحش إياها مؤبدا. ومن عدم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١٥ حديث ١ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٣٠ حديث ١٣٥٨.

٣٢٩

ح : لا يحل وطء الزوجة الصغيرة قبل أن تبلغ تسعا ، فإن فعل لم تحرم على الأصح إلاّ مع الإفضاء ،

______________________________________________________

اندراجها في النص وكلام الأصحاب ، والأصل الإباحة.

وهذا إنما هو على القول بأن مطلق الزنا لا ينشر حرمة المصاهرة ، أما على القول به كما اخترناه فلا بحث في التحريم هنا ، وبدونه الاشكال قائم.

وأما بنتاهما من الرضاع فمنشأ الإشكال فيهما : من أن الرضاع يحرم منه ما يحرم من النسب كما سبق غير مرة. ومن عدم تناول النص وكلام الأصحاب للبنت من الرضاع ، والأصل الإباحة. والأصح هنا التحريم ، لعموم « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (١).

قوله : ( الثامنة : لا يحل وطء الزوجة الصغيرة قبل أن تبلغ تسعا ، فإن فعل لم تحرم على الأصح إلاّ مع الإفضاء ).

لا خلاف في أنه لا يحل الدخول بالزوجة حتى تبلغ تسع سنين ، فإن أقدم على ذلك لم تحرم على أصح القولين إلاّ مع الإفضاء.

قال الشيخ في النهاية : إنما تحرم بالدخول مؤبدا (٢) ، لمرسلة يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرّق بينهما ولم تحل له أبدا » (٣).

والأصح الأول اقتصارا في التحريم المؤبد على موضع الوفاق ، والرواية مرسلة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٢ حديث ٩ ، الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٣ حديث ١٩٣٧.

(٢) النهاية : ٤٥٣.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢٩ حديث ١٢ ، التهذيب ٧ : ٣١١ حديث ١٢٩٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٩٥ حديث ١١١١.

٣٣٠

وهو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا ، أو مسلك الحيض والغائط على رأي ، فتحرم مؤبدا.

قيل : ولا تخرج من حباله ، وفيه نظر ،

______________________________________________________

فلا تنهض حجة على الإطلاق. أما مع الإفضاء فلا بحث في التحريم.

قال المصنف في المختلف : إطلاق الشيخ في النهاية مشكل والظاهر أن مراده ذلك (١) ، يريد به اختصاص التحريم بالإفضاء.

قوله : ( وهو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا أو مسلك الغائط والحيض على رأي ).

المشهور أن الإفضاء هو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا بذهاب الحاجز بينهما ، ونقل المصنف قولا آخرا ، وهو صيرورة مسلك الغائط والحيض واحدا ، وبعده ظاهر ، لشدة بعد ما بين المسلكين وقوة الحاجز بينهما ، فلا يكاد يتفق زواله بالجماع. والأول أصح ، وسيأتي إن شاء الله تعالى لذلك مزيد تحقيق في الديات.

قوله : ( فتحرم مؤبدا ، قيل : ولا تخرج من حباله ، وفيه نظر ).

قد قررنا أنه إذا تحقق الإفضاء حرمت الزوجة مؤبدا ، وعلى هذا فهل تخرج من حباله ، أي : تبين منه وينفسخ نكاحها ، أم تبقى على الزوجية مع التحريم المؤبد؟ فيه قولان :

أحدهما ـ واختاره ابن إدريس (٢) ـ أنها لا تخرج من حباله استصحابا للنكاح ، ولا منافاة بين التحريم وبينه ، لرواية يزيد العجلي عن الباقر عليه‌السلام : في رجل افتض جارية يعني امرأته ـ فأفضاها ، قال : « عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ‌

__________________

(١) المختلف : ٥٢٥.

(٢) السرائر : ٢٨٨.

٣٣١

ويجب عليه الإنفاق عليها ، إلاّ أن يموت أحدهما وإن طلقها وتزوجت بغيره على اشكال.

______________________________________________________

تسع سنين » ، قال : أمسكها ولم يطلقها فلا شي‌ء عليه وإن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه إن شاء أمسك وإن شاء طلق (١).

دل على أن له إمساكها وتطليقها لقوله : « فإن أمسكها ولم يطلقها » ، وذلك يقتضي بقاء النكاح. وطعن المصنف في هذا القول بقوله : ( وفيه نظر ) ووجهه : أن التحريم المؤبد ينافي مقتضى النكاح ، إذ ثمرته حل الاستمتاع ، ولأن التحريم المؤبد يمنع النكاح سابقا فيبطله لاحقا ، كالرضاع واللعان والقذف للزوجة الصماء.

وثانيهما ـ واختاره ابن حمزة ـ أنها تبين منه بذلك (٢) ، وهو الظاهر من كلام الشيخ في النهاية (٣). ويدل عليه قوله عليه‌السلام في الرواية الأولى : « فرق بينهما ولم تحل له ابدا » ، وتوقف المصنف في المختلف ، لعدم الظفر بقاطع من الجانبين (٤).

وقول ابن حمزة ليس ببعيد ، والتوقف طريق السلامة.

قوله : ( ويجب عليه الإنفاق عليها إلى أن يموت إحداهما وإن طلقها وتزوجت بغيره على اشكال ).

من أحكام المفضاة وجوب الإنفاق عليها إلى أن يموت إحداهما ، والأصل فيه ما رواه الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن رجل تزوج جارية فوقع بها فأفضاها ، قال : « عليه الاجراء عليها ما دامت حية » (٥).

وهذا الحكم لا كلام فيه إذا لم يتزوج ، فإن طلقها بناء على عدم خروجها من‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣١٤ حديث ١٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٩ حديث ٩٨٤ ، الاستبصار ٤ : ٢٩٤ حديث ١١٠٩.

(٢) الوسيلة : ٣٤٣.

(٣) النهاية : ٤٥٣.

(٤) المختلف : ٥٢٥.

(٥) الفقيه ٤ : ١٠١ حديث ٣٣٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٩ حديث ٩٨٥ ، الاستبصار ٤ : ٢٩٤.

٣٣٢

وهل تثبت هذه الأحكام في الأجنبية؟ الأقرب نعم ، وفي النفقة إشكال.

______________________________________________________

حباله بالإفضاء فتزوجت بغيره ، ففي وجوب الإنفاق إشكال ينشأ : من عموم الرواية ، فإن ( ما ) من أدوات العموم فيعم ما إذا تزوجت.

ومن أن الظاهر أن اجراء النفقة عليها إنما وجب ، لأنها بالإفضاء خرجت عن أن يرغب فيها الأزواج ، فأوجب الشارع على المفضي النفقة ارتفاقا بحالها ، فإذا تزوجت انتفى المقتضي للإنفاق ، ولأن نفقة امرأة لا تجب على اثنين.

ولا يخفى أن الوجه الثاني مشتمل على تخصيص النص بغير دليل مخصص ، وهو باطل. والذي يجب أن يقال : إن الرواية إن كانت معتبرة وجب العمل بظاهرها ، فلا يسقط وجوب الإنفاق بالتزويج.

قوله : ( وهل تثبت هذه الأحكام في الأجنبية؟ الأقرب نعم ، وفي النفقة إشكال ).

أي : هل تثبت الأحكام المذكورة ـ وهي : التحريم المؤبد ، ووجوب الإنفاق إلى ان يموت إحداهما ، واحتمال السقوط لو تزوجت ـ في الأجنبية إذا أفضاها بوطئه إياها قبل البلوغ بزنا أو شبهة؟

ووجه القرب أن هذا الفعل حيث اقتضى التحريم المؤبد في الزوجة ففي الأجنبية أولى ، لأنه أفحش فيناسبه زيادة العقوبة ، ولأن النكاح سبب للحل فيمتنع كونه سببا للتحريم ، وانحصر السبب في الصغيرة والإفضاء بالوطء ، وذلك قائم في محل النزاع.

ويقرب منه القول بوجوب الإنفاق دائما ، فإن المقتضي في الزوجة هو العقوبة بارتكاب الوطء المحرم ، وهو في الأجنبية أفحش ، ولحصول الضرر بعدم رغبة الأزواج فيها للإفضاء. وعلى هذا فلو تزوجت وقلنا بوجوب الإنفاق ، ففي بقاء الوجوب وعدمه‌

٣٣٣

وهل يشترط في التحريم المؤبد في طرف الأجنبي نقص السن عن تسع؟ فيه نظر ينشأ : من كون التحريم المؤبد مستندا إلى تحريم الوطء في طرف الزوج ، وهو هنا ثابت في التسع ،

______________________________________________________

اشكال ، ومقتضى كلام المصنف أن ما ثبت في الزوجة ثبت هنا.

ويحتمل عدم ثبوت شي‌ء من هذه الأحكام هنا ، لورود النص على الزوجة ، وهذه الأحكام على خلاف الأصل ، فيقتصر فيها على مورد النص ، لأن القياس عندنا باطل ، وألحق في الخلاف بإفضاء الزوجة الإفضاء بوطء الشبهة في التحريم ووجوب الإنفاق (١) ، ومنعه ابن إدريس (٢).

والذي يقتضيه النظر ثبوت التحريم المؤبد بإفضاء الأجنبية بزنا أو شبهة من باب مفهوم الموافقة ، فإن وطء الزوجة قبل البلوغ وإن حرم ، إلاّ أن وطء الأجنبية أبلغ منه في التحريم وأفحش.

وأما باقي الأحكام فإن إثباتها مشكل ، إذ لا دليل قويا عليه. وهذا المعنى هو الذي حاوله المصنف بقوله : ( وفي النفقة إشكال ) بعد قوله : ( وهل تثبت هذه الأحكام في الأجنبية؟ الأقرب نعم ) ، فإنه لا يراد بالأحكام إلاّ ما ذكرناه ، فيكون قوله ( وفي النفقة إشكال ) كالاستثناء مما قربه في الأحكام المذكورة.

قوله : ( وهل يشترط في التحريم المؤبد في طرف الأجنبي نقص السن عن تسع؟ فيه نظر ينشأ : من كون التحريم المؤبد مستندا الى تحريم الوطء في طرف الزوج ، وهو هنا ثابت في التسع ).

أي : هل يشترط في ثبوت التحريم المؤبد لو وطأ أجنبي أجنبية فأفضاها في‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١٢ مسألة ٤١ كتاب النكاح.

(٢) السرائر : ٢٨٩.

٣٣٤

والاشكال في الأجنبي قبل التسع أضعف.

والأقرب عدم تحريم الأمة ، والمفضاة بالإصبع.

______________________________________________________

أقل من تسع سنين؟ فيه نظر ينشأ : من أن التحريم المؤبد يستند إلى تحريم الوطء حينئذ ، والتحريم ثابت في الأجنبية قبل التسع وبعدها ، فحينئذ تلخص كون عليّة التحريم المؤبد ترتب ، الإفضاء على الوطء المحرم ، فيكون إفضاء الأجنبية بعد البلوغ بمنزلة إفضاء الزوجة قبله.

وهذا إن تم فإنما يثبت في الزنا دون وطء الشبهة : لانتفاء التحريم فيه بعد تحقق البلوغ ، ومن أن مورد النص هو الزوجة قبل بلوغ التسع ، فإن ثبت الإلحاق اقتصر فيه على ما قبل البلوغ ، لأن شرط مفهوم الموافقة تعقّل العلة قطعا ، والعلم بثبوتها في المسكوت عنه.

ولا ريب أن الصغر جزء من العلة في المنصوص ، ولهذا لو كان وطء الزوجة بعد البلوغ لم يحرم بالإفضاء قطعا ، فكيف تحرم الأجنبية قبل البلوغ.

قوله : ( والاشكال في الأجنبي قبل التسع أضعف ).

لما كان الأقرب عنده تحريم الأجنبية مؤبدا إذا أفضاها بالوطء قبل التسع ، ظهر الاشكال أن تحريمها حينئذ أضعف من الإشكال في تحريمها بعد التسع.

فإن قيل : مع ترجيح أحد الطرفين لا يبقى اشكال.

قلنا : إذا لم يكن الترجيح قاطعا يبقى أصل الاحتمال ، فلا يمتنع معه إطلاق اسم الاشكال مجازا. ويمكن أن يكون المراد بالإشكال : هو الطرف الآخر ، وهو عدم التحريم استعمالا لاسم الكل في الجزء مجازا.

قوله : ( والأقرب عدم تحريم الأمة والمفضاة بالإصبع ).

وجه القرب : أن التحريم حكم شرعي خصوصا في الفروج ، فيتوقف على ورود النص ، ولا يخفى أن مورد النص هو الزوجة المفضاة بالوطء قبل البلوغ وذلك لا‌

٣٣٥

ولو كان الإفضاء بعد بلوغ الزوجة لم يكن على الزوج شي‌ء إن كان بالوطء.

المقصد الثاني : في التحريم غير المؤبد ، وفيه فصول :

الأول : في المصاهرة ، وفيه مسائل :

أ : تحرم بنت الزوجة وإن نزلت إذا لم يكن قد دخل بالأم تحريم جمع ، بمعنى أنه إذا أبان الأم بفسخ أو طلاق أو موت حلّت له البنت ، ومع الدخول تحرم بناتها وإن نزلن مؤبدا.

______________________________________________________

يتناول الأمة والمفضاة بالإصبع كما هو معلوم ، ولا دليل يدل على إلحاقهما بالزوجة ، والقياس عندنا باطل ، فيتمسك فيهما بالأصل إلى أن يثبت الناقل.

ولا ريب أن الإفضاء بالإصبع ليس أفحش من الوطء. ويحتمل تحريمها بذلك ، لأن الأمة كالزوجة ، والإفضاء بالإصبع كالافضاء بالوطء ، وضعفه ظاهر.

قوله : ( ولو كان الإفضاء بعد بلوغ الزوجة لم يكن على الزوج شي‌ء إن كان بالوطء ).

لأن الوطء مأذون فيه شرعا محلل حينئذ ، فإذا حصل بسببه الإفضاء لم يثبت على الزوج شي‌ء من هذه الأحكام ، لانتفاء الدليل ، وسيأتي لهذه المسألة مزيد تحقق في باب الجنايات إن شاء الله تعالى.

قوله : ( المقصد الثاني : في التحريم غير المؤبد ، وفيه فصول : الأول : في المصاهرة ، وفيه مسائل : الأولى : تحرم بنت الزوجة وإن نزلت إذا لم يكن قد دخل بالأم تحريم جمع ، بمعنى أنه إذا أبان الأم بفسخ أو طلاق أو موت حلت له البنت ، ومع الدخول تحرم بناتها وإن نزلن مؤبدا ).

لا خلاف بين أهل الإسلام في تحريم البنت مع الام جمعا إذا لم يدخل بالأم ، فإن فارق الام حل له نكاح البنت ، وإن دخل بالأم حرمت البنت عينا ، وقد سبق‌

٣٣٦

والأقرب مساواة الوطء في الفرجين ، وعدم اشتراط البلوغ والعقل في الواطئ والموطوءة ، ولا الإباحة كالوطء في الإحرام والحيض ، ولا دوام النكاح

______________________________________________________

الكلام على ذلك.

قوله : ( والأقرب مساواة الوطء في الفرجين ، وعدم اشتراط البلوغ والعقل في الواطئ والموطوءة ، ولا الإباحة كالوطء في الإحرام والحيض ، ولا دوام النكاح ).

هنا مسائل : الأولى : هل الوطء في الدبر مساو للوطء في القبل في كونه دخولا ، بحيث تحرم به بنت الزوجة عينا؟ فيه وجهان ، أقربهما عند المصنف المساواة. ووجه القرب : أنه لو لم يعد دخولا شرعا لما استقر به المهر ، والثاني باطل.

بيان الملازمة : أن المهر إنما يستقر بالدخول اتفاقا ، فلو لم يعد دخولا شرعيا لم يستقر به.

وأما بيان بطلان الثاني ، فلأن المهر يستقر بالوطء في الدبر كالقبل على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وكذا يثبت به الحد ، ويجب به العدة في الطلاق ويلحق به النسب ، وكل هذه تابعة للدخول. وثبوت التابع من حيث هو تابع يستلزم ثبوت المتبوع.

ويحتمل ضعيفا عدم المساواة ، لعدم ثبوت الإحصان ، ويرده أن الإحصان ليس من توابع الدخول ، والأصح المساواة.

الثانية : لا يشترط البلوغ والعقل في الواطئ ولا الموطوءة ، لأن الدخول بالنسبة إلى التحريم سبب ، والأسباب لا يشترط فيها التكليف كالإتلاف. ومن ثم لو وطأ ساهيا أو جاهلا بكونها الزوجة ، كما لو زوجه إياها وكيله وهو لا يعلم ، أو استدخلت ذكره في حال نومه وإغمائه ثبت التحريم.

٣٣٧

والعقد والملك واحد.

ب : تحرم أخت الزوجة بالعقد دائما ومنقطعا تحريم جمع ، سواء دخل بالأخت أو لا ، وسواء كانت لأب أو لام أو لهما ، ولا تحرم أخت الأخ إذا لم تكن أختا ، ولا يحرم الجمع بينهما في الملك.

______________________________________________________

ويحتمل ضعيفا اشتراطهما في الواطئ ، لظاهر قوله تعالى ( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) (١) فإنه خطاب ويمتنع تعلقه بغير المكلف.

الثالثة : لا يشترط في الوطء مع الزوجية الإباحة ، فلو وطأ في حال إحرام إحداهما ، أو في الحيض ، أو في الصوم ثبت التحريم ، لأن الحكم معلق بالدخول ، وكذا لا يشترط دوام النكاح قطعا ، لصدق الزوجات والنساء في المتعة والدوام.

قوله : ( والعقد والملك واحد ).

أي واحد في ذلك ، ووجهه أن الشارع أثبت حرمة المصاهرة في كل منهما ، ولأن النساء يشتمل الموطوءة بالملك.

قوله : ( الثانية : تحرم أخت الزوجة بالعقد دائما ومنقطعا تحريم جمع ، سواء دخل بالأخت أو لا ، وسواء كانت لأب أو لام أو لهما ، ولا تحرم أخت الأخ إذا لم تكن أختا ، ولا يحرم الجمع بينهما في الملك ).

قد تطابق النص والكتاب (٢) والسنة وإجماع المسلمين على تحريم أخت الزوجة جمعا ، ولا فرق في ذلك بين كون العقد دائما أو منقطعا ، لتناول النص لكل منهما ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون قد دخل بالزوجة وعدمه ، لأن المناط الجمع بين‌

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) النساء : ٢٣.

٣٣٨

ولو طلق رجعيا حرمت الأخت حتى تخرج العدة.

ولو طلق بائنا أو فسخ لعيب حلّت في الحال على كراهية حتى تخرج العدة.

______________________________________________________

الأختين في النكاح ، وهو صادق في العقد.

وكذا لا فرق في الأختين بين كونهما لأب أو لام أو لهما.

ولا تحرم أخت الأخ إذا لم تكن أختا ، وذلك مع اختلاف الجهة ، كما لو كان الأخ لأب مثلا والأخت بالنسبة إليه لأم ، وعكسه. ولا يحرم الجمع بين الأختين في الملك ، لأن الأغلب في الملك جانب المالية وليس الغرض منه الوطء وإن تعلق به جوازه.

قوله : ( ولو طلق رجعيا حرمت الأخت حتى تخرج العدة ، ولو طلق بائنا أو فسخ لعيب حلت في الحال على كراهية حتى تخرج العدة ).

لما كانت المطلقة رجعيا زوجة لم تحل أخت المطلقة رجعيا للمطلق حتى تخرج العدة ، أما البائن بطلاق أو فسخ لعيب من الزوج أو من الزوجة ، فان أختها تحل في الحال لخروجها عن الزوجية ، فلم يتحقق الجمع بين الأختين في النكاح ، إلاّ أنه يكره نكاحها ما دامت المبانة في العدة لبقاء أثر النكاح.

ولصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : سألته عن رجل تزوج امرأة بالعراق ، ثم خرج الى الشام فتزوج امرأة أخرى ، فإذا هي أخت زوجته التي بالعراق ، قال : « يفرّق بينه وبين التي تزوجها في الشام ، ولا يقرب المرأة حتى تنقضي عدة الشامية » الحديث (١).

وهو محمول على الكراهية ، لأن المحرم بنص الكتاب والسنة الجمع بين الأختين في النكاح ، وهو منتف هنا. وينبغي أن يقرأ فسخ للمجهول ليتناول فسخ‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣١ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٦٤ حديث ١٢٥٨ ، التهذيب ٧ : ٢٨٥ حديث ١٢٠٤.

٣٣٩

ج : تحرم بنت أخت الزوجة معها وبنت أخيها وإن نزلتا على اشكال تحريم جمع إن لم تجز الزوجة ، فإن أجازت صح.

وله إدخال العمة والخالة على بنت الأخ وبنت الأخت وإن كرهتا.

والأقرب أن للعمة والخالة فسخ عقدهما لو جهلتا لا المدخول عليها.

______________________________________________________

الرجل وفسخ المرأة.

قوله : ( الثالثة : تحرم بنت أخت الزوجة معها وبنت أخيها وإن نزلتا على اشكال تحريم جمع إن لم تجز الزوجة ، فإن أجازت صح ).

قد سبق الكلام في تحريم بنت أخت الزوجة وبنت أخيها جمعا ، وإنما أعاده هنا لبيان أن التحريم كما يتعلق ببنت الأخ والأخت للصلب كذا يتعلق بغيرهما على اشكال ، وهو المراد بقوله : ( وإن نزلتا ).

ومنشأ الاشكال : من أن المفهوم من تحريم إدخال بنت أخت الزوجة وبنت أخيها عليها إنما هو احترام العمة والخالة ، ولهذا لو رضيتا انتفى التحريم ، وإذا انتفى التحريم ففي بناتهما أولى ، لأن بعد الدرجة يقتضي زيادة الاحترام.

ومن حيث أن النص لم يرد إلاّ على بنت الأخ والأخت ، ولا يصدق ذلك إلاّ على بنت الصلب ، لأن بنت البنت لا يصدق إلاّ على البنت إلاّ مجازا. والأول أرجح ، نظرا إلى استفادة ذلك بالفحوى ، ولأن الاحتياط في الفروج هو المطلوب.

قوله : ( وله إدخال العمة والخالة على بنت الأخ وبنت الأخت وإن كرهتا ، والأقرب أن للعمة والخالة فسخ عقدهما لو جهلتا ، لا المدخول عليها ).

قد سبق الكلام أيضا في جواز إدخال العمة والخالة على بنت الأخ وبنت الأخت وإن كرهتا ، وإنما أعاده ليبني عليه قوله : ( والأقرب أن للعمة والخالة فسخ عقدهما ).

٣٤٠