جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

ولو أقر برضاع ممتنع لم يلحق به حكم قبل العقد وبعده.

______________________________________________________

وحكى عن أبي حنيفة قبول الرجوع من المقر عن إقراره من غير فرق بين الرجل والمرأة (١) ، ولو سبق الإقرار العقد لم يجز العقد قطعا ، سواء الرجل والمرأة ، وسواء صدّقه الآخر أم لا. ولو رجع المعترف منهما بدعوى ذلك عليه من الزوج الآخر ، أو من الحاكم الآخر لم يقبل رجوعه قطعا ، لأنه رجوع عن الإقرار بالدعوى فلا يقبل.

قوله : ( ولو أقر برضاع ممتنع لم يلحق به حكم قبل العقد وبعده ).

هذا مقابل قوله في أول الكلام : ( وأمكن ) وذلك لأنه إقرار باطل ، لأن ممتنع الوقوع معلوم الانتفاء ، فلا يلزم مقتضاه ، سواء كان قبل العقد أو بعده. وذهب أبو حنيفة إلى القبول عملا بمقتضى الإقرار كما إذا كان ممكنا (٢) ، والفرق ظاهر.

* * *

__________________

(١) بدائع الصنائع ٤ : ١٤.

(٢) بدائع الصنائع ٤ : ١٥.

٢٨١

الفصل الثاني : في المصاهرة : كل من وطأ بالعقد الصحيح الدائم أو المنقطع أو الملك حرمت عليه أم الموطوءة وإن علت وبناتها وإن سفلت ، سواء تقدمت ولادتهن أو تأخرت وإن لم يكن في حجره تحريما مؤبدا ، وأخت الزوجة جمعا ، وكذا بنت أختها وبنت أخيها إلاّ أن ترضى الزوجة ، وله إدخال العمة والخالة عليهما وإن كرهت المدخول عليها.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثاني : في المصاهرة : كل من وطأ بالعقد الصحيح الدائم ، أو المنقطع ، أو الملك ، حرم عليه أم الموطوءة وإن علت وبناتها وإن نزلن ، سواء تقدّمت ولادتهن أو تأخرت وإن لم يكن في حجره تحريما مؤبدا ، وأخت الزوجة جمعا وكذا بنت أختها وبنت أخيها إلاّ أن ترضى الزوجة ، وله إدخال العمة والخالة عليهما وإن كرهت المدخول عليها ).

عرّف بعضهم المصاهرة بأنها جهة توجب الحرمة بين أقرباء الزوجين بعقد أو وطء صحيح ، أو شبهة ، أو زنا ، مؤبدا عليه أو لا. ويلزم عليه أن يكون لفظ المصاهرة منقولا عن معناه الغوي ، ولم يثبت ، والأصل عدمه.

والأولى أن يقال : أنها علاقة مخصوصة حدثت بين الزوجين وبين اقربائهما بسبب النكاح توجب الحرمة. والحق بالنكاح الوطء والنظر واللمس في مواضع مخصوصة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن السبب المحرم في هذا الباب إما العقد ، أو الوطء ، أو النظر ، أو اللمس. وقدّم الوطء ، لأن التحريم به أشمل ، ونحن نقدمه.

فنقول : كل من وطأ امرأة بالعقد الصحيح الدائم أو المنقطع أو الملك ، حرم عليه أم الموطوءة وإن علت وبناتها وإن نزلن ، سواء تقدمت ولادتهن على الوطء أو تأخرت عنه ، وسواء كن في حجره أم لا ، تحريما مؤبدا متعلقا بعينهن.

٢٨٢

______________________________________________________

والأصل في ذلك قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) (١) والأمهات بصيغة الجمع يتناول الأم حقيقة ومجازا.

وروى غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه الباقر عليهما‌السلام ان عليا عليه‌السلام قال : « إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأم ، فإذا لم يدخل بالأم فلا بأس أن يتزوج بالابنة ، فإذا تزوج الابنة فدخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الام » (٢) ، وإجماع المسلمين على تحريم المذكورات.

وكذا تحرم أخت الموطوءة بالعقد جمعا ، وأما أخت الموطوءة بالملك فإنما يحرم وطؤها ، ولهذا غيّر المصنف الأسلوب فقال : ( وأخت الزوجة جمعا ) ولم يقل : وأخت الموطوءة ، أي : تحرم جمعا في النكاح بينها وبين أختها لا عينا ، ولا يحرم الجمع بينهما في الملك.

وكذا القول في العمة وبنت أخيها ، والخالة وبنت أختها ، فإنه لا يحرم إدخال الصغيرتين في الملك ويحرم في النكاح ، إلاّ أن ترضى الكبيرتان.

ودليل ذلك قوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (٣).

والأخبار في ذلك متواترة ، مثل صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام فيمن تزوّج امرأة بالعراق واخرى بالشام فإذا هي أخت العراقية ، قال : « يفرّق بينه وبين التي تزوجها بالشام ، ولا يقرب المرأة حتى تنقضي عدة الشامية » (٤).

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٧٣ حديث ١١٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٥٧ حديث ٥٧٠.

(٣) النساء : ٢٣.

(٤) الكافي ٥ : ٤٣١ حديث ٤ الفقيه ٣ : ٢٦٤ حديث ١٢٥٨ ، التهذيب ٧ : ٢٨٥ حديث ١٢٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٦٩ حديث ٦١٧.

٢٨٣

وهل يلحق الوطء بالشبهة والزنا بالصحيح؟ خلاف.

ولا يحرم الزنا المتأخر عن العقد وإن قلنا بالتحريم به مع السبق.

______________________________________________________

وروى محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام قال : « لا تزوج ابنة الأخت على خالتها إلاّ بإذنها ، وتزوج الخالة على ابنة الأخت بغير اذنها » (١).

وعن علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه‌السلام قال : سألته عن امرأة تزوج على عمتها أو خالتها قال : « لا بأس » وقال : « تزوج العمة أو الخالة على ابنة الأخ أو الأخت ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلاّ برضى منهما ، فإن فعل فنكاحه باطل » (٢) ، وأكثر أهل الإسلام أطبقوا على التحريم في ذلك.

وذهب ابن أبي عقيل وابن الجنيد إلى عدم التحريم (٣) ، وهو قول ضعيف متروك ، كما ضعّف قول الصدوق في المقنع بالتحريم مطلقا (٤).

والقائلون بالتحريم من أصحابنا أجمعوا على جواز الجمع بين العمة والخالة ، وبين بنت الأخ وبنت الأخت برضى الكبيرتين ، سبق نكاحهما أو تأخر ، وخالف في ذلك العامة كافة (٥).

قوله : ( وهل يلحق الوطء بالشبهة والزنا بالصحيح؟ خلاف ، ولا يحرم الزنا المتأخر عن العقد وإن قلنا بالتحريم مع السبق ).

قد عرفت أن الوطء بالعقد والملك الصحيحين يثمر تحريم الام والبنت بغير خلاف بين المسلمين ، وهذا هو الوطء الصحيح فأما الوطء بالزنا والشبهة ففي‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٥ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٣٣ حديث ١٣٦٨ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٥.

(٣) نقله عنهما العلاّمة في المختلف : ٥٢٧.

(٤) المقنع : ٩٦.

(٥) انظر : المجموع ١٦ : ٢٢٣ ، المغني ٧ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ٧ : ٤٨٥.

٢٨٤

______________________________________________________

إلحاقهما بالوطء الصحيح في إفادة تحريم المصاهرة خلاف.

وأما الوطء بالشبهة : فالمراد به الوطء في نكاح فاسد أو شراء فاسد لا يعلم بفسادهما ، وإذا ظن أن المرأة زوجته أو أمته فوطأها ، وكذا وطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره ، وأمثال ذلك.

قال المصنف في التذكرة : وهذا يتعلق به التحريم إجماعا ، لتعلقه بالوطء المباح ، ثم حكى عن ابن المنذر انه قال : أجمع كل من نحفظ عنه العلم من علماء الأمصار على أن الرجل إذا وطأ امرأة بنكاح فاسد أو شراء فاسد انها تحرم على أبيه وابنه وأجداده وولد ولده ، وهذا مذهب مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي وأصحاب النص وهم الإمامية (١).

هذا كلامه ، وظاهره عدم الخلاف في ذلك ، إلاّ أن ابن إدريس منع التحريم فيه (٢) ، وقد حكاه المصنف عنه في المختلف (٣) ، وكذا غيره (٤) ، والأصح التحريم.

لنا : الإجماع المنقول في كلام المصنف وغيره ، ولا يضر مخالفة معروف الاسم والنسب ، وأن الزنا يحرم كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

فالوطء بالشبهة أولى ، لأنه وطء محترم شرعا ، فيكون لحاقه بالوطء الصحيح في ثبوت حرمة المصاهرة أولى من الزنا ، ولأن معظم أحكام الوطء الصحيح لاحقة به ، فإن أعظم أحكام النسب وهو في الشبهة كالصحيح.

وكذا وجود المهر ، وتخلّف المحرمية لا يضر ، فإنها متعلقة بكمال حرمة الوطء ، لأنها إباحة لحل النظر ، ولأن الموطوءة لم يستبح النظر إليها ، فلا يجوز لأجل ذلك أن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٣١ ، المغني ٧ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٧ : ٤٧٨.

(٢) السرائر : ٢٨٩.

(٣) المختلف : ٥٣٣.

(٤) المحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٩.

٢٨٥

______________________________________________________

يستبيح النظر إلى أمها وبنتها.

واختلف الأصحاب أيضا في إلحاق الزنا بالصحيح في إفادته حرمة المصاهرة ، فقال الشيخ (١) ، وأبو الصلاح (٢) ، وابن البراج (٣) ، وابن زهرة (٤) ، وابن حمزة (٥) ، وأكثر المتأخرين بالتحريم (٦) ، وهو الأصح ، لصحيحة منصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام في رجل كان بينه وبين امرأة فجور ، فهل يجوز أن يتزوج بابنتها؟ فقال : « إذا كان قبلة أو شبهها فليتزوج بابنتها ، وإن كان جماع فلا يتزوج ابنتها » (٧). والنهي للتحريم ، ولأن أم المزني بها وبنتها من الرضاعة تحرم ، فمن النسب أولى.

أما الأولى ، فلصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : في رجل فجر بامرأة أيتزوج أمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال : « لا » (٨).

وأما الثانية ، فلأن النسب أصل للرضاع في التحريم ، والرضاع فرعه وتابعه ، لظاهر قوله عليه‌السلام : « الرضاع لحمة كلحمة النسب ».

وقوله عليه‌السلام : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٩).

ويمنع ثبوت الحكم في التابع حيث هو تابع بدون المتبوع ولظاهر قوله تعالى : ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (١٠) ، وهو شامل للمزني بها ، لأن الإضافة يكفي فيها أدنى‌

__________________

(١) النهاية : ٤٥٢.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٨٤.

(٣) المهذب ٢ : ١٨٣.

(٤) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٢٢.

(٥) الوسيلة : ٣٤٥.

(٦) منهم الشهيد في اللمعة : ١٨٨ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٩ ، وولد العلاّمة في الإيضاح ٣ : ٦٣.

(٧) الكافي ٥ : ٤١٦ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٣٣٠ حديث ١٣٥٧ ، الاستبصار ٣ : ١٦٧ حديث ٦٠٨.

(٨) الكافي ٥ : ٤١٦ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٣١ حديث ١٣٦٠ ، الاستبصار ٣ : ١٦٧ حديث ٦١١.

(٩) الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٣ حديث ١٩٣٧.

(١٠) النساء : ٢٣.

٢٨٦

______________________________________________________

ملابسة.

وقال المفيد (١) ، والمرتضى (٢) ، وسلار (٣) ، وابن إدريس بعدم التحريم (٤) ، لقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٥) ، وقوله سبحانه ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٦).

ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن الرجل يأتي المرأة حراما أيتزوجها؟ قال : « نعم وأمها وبنتها » (٧).

وفي رواية عنه عليه‌السلام في رجل فجر بامرأة أيحل له بنتها؟ قال : « نعم إن الحرام لا يفسد الحلال » (٨).

والجواب : ان عموم الآيات مخصوص بأخبار التحريم ، والإتيان وإن كان استعماله في الوطء أكثر إلاّ أنه يحتمل غيره ، فلا يعارض الصريح الصحيح. والرواية الأخيرة منزلة على كون الزنا بعد نكاح البنت ، لأن فيه جمعا بين الدلائل ، فظاهر الرواية لا يأبى ذلك.

فعلى هذا يثبت تحريم الام والبنت إن لم يسبق نكاح إحداهما ، فإن سبق لم تحرم المنكوحة. ولا فرق في عدم تحريم المنكوحة بين كونها معقودا عليها أو موطوءة بالملك وان كان المذكور في العبارة هو العقد.

__________________

(١) المقنعة : ٧٧.

(٢) الناصريات : ٢٤٥.

(٣) المراسم : ١٤٩.

(٤) السرائر : ٢٨٧.

(٥) النساء : ٢٤.

(٦) النساء : ٣.

(٧) التهذيب ٧ : ٣٢٦ حديث ١٣٤٣ ، الاستبصار ٣ : ١٦٥ حديث ٦٠٠.

(٨) التهذيب ٧ : ٣٢٨ حديث ١٣٥٠ ، الاستبصار ٣ : ١٦٥ حديث ٦٠١.

٢٨٧

أما النظر واللمس بما يحرم على غير المالك والقبلة فلا ، وقيل : إنما تحرم على أب اللامس والناظر وابنه خاصة فيما يملكانه ، دون أم المنظورة والملموسة وابنتهما وأختهما ، والأقرب الكراهية.

ولا خلاف في انتفاء التحريم بما يحل لغير المالك ، كنظر الوجه ولمس الكف.

______________________________________________________

واعلم أن الأصح أيضا أن المزني بها محرّمة على ابي الزاني وابنه ، والخلاف كما تقدّم ، ويدل على ذلك الإجماع المركب ، فإن كل من أثبت التحريم في السابق أثبته هنا ، ومن نفى ثم نفى هنا ، فالفرق احداث قول ثالث. ولظاهر قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١) ، والنكاح حقيقة لغوية في الوطء ، والنقل على خلاف الأصل.

قوله : ( أما النظر واللمس بما يحرم على غير المالك ، والقبلة ، فلا. وقيل : إنما يحرم على أبي اللامس والناظر وابنه خاصة فيما يملكانه ، دون أم المنظورة أو الملموسة أو ابنتهما أو أختهما ، والأقرب الكراهية. ولا خلاف في انتفاء التحريم بما يحل لغير المالك كنظر الوجه ولمس الكف ).

المراد ان النظر إلى ما يحرم على غير المالك النظر اليه وكذا اللمس ما يحرم على غير المالك لمسه والقبلة هل يثمر شي‌ء من ذلك تحريم المصاهرة؟ فيه اختلاف ، وتحريره بمباحث ، لأن البحث في تحريم هذه :

اما في المملوكة بالنسبة إلى أب المالك وابنه ، أو بالنسبة إلى أم المرأة وبنتها وإن لم تكن مملوكة ، أو في الأجنبية :

الأول : إذا ملك جارية ونظر أو لمس منها ما يحرم على غير المالك ، فهل تحرم على أبيه وابنه؟ فيه أقوال :

__________________

(١) النساء : ٢٢.

٢٨٨

______________________________________________________

أ : عدم التحريم ، اختاره المصنف وجماعة (١) ، للأصل ، ولعموم الآيات مثل : ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٢) ، ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٣) و ( ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (٤).

ولموثقة علي بن يقطين عن العبد الصالح عليه‌السلام : في الرجل يقبّل الجارية ويباشرها من غير جماع داخل أو خارج ، أتحل لابنه وأبيه؟ قال : « لا بأس » (٥).

ويرد عليه بأن النصوص الواردة في التحريم ناقلة عن حكم الأصل ومخصصة للعموم ، والرواية ليس فيها تصريح بأن ذلك عن شهوة ، فيقيد بأن ذلك عن غير شهوة ، والمطلق يحمل على المقيد ، ولو ثبت عمومها من جهة ترك الاستفصال خصّت بما دلّ على التحريم بفعل ذلك مع الشهوة.

ب : التحريم بالنظر واللمس إذا كان بالشهوة كالوطء ، وهو قول الشيخ في النهاية (٦) ، واتباعه (٧) ، واختاره المصنف في المختلف (٨) ، وهو الأصح ، لقوله تعالى : ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) (٩).

وجه الاستدلال : ان مقتضاه التحريم بمجرد الملك ، لكن خرج عنه ما إذا تجرد‌

__________________

(١) منهم ابن إدريس في السرائر : ٣١٥ ، والمصنف في التذكرة ٢ : ٦٣٣.

(٢) النساء : ٣.

(٣) النساء : ٢٤.

(٤) النساء : ٣٦.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٠٩ حديث ٧٤١ ، الاستبصار ٣ : ٢١٢ حديث ٧٦٨.

(٦) النهاية : ٤٩٦.

(٧) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٨٦ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ١٨٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٣.

(٨) المختلف : ٥٢٤.

(٩) النساء : ٢٣.

٢٨٩

______________________________________________________

عن الجماع والنظر واللمس بالإجماع ، فيبقى الباقي على العموم.

وكذا احتج المصنف في المختلف ، وفيه نظر ، لأن الظاهر أن الحليلة هي الزوجة ، ولأن النظر واللمس بشهوة أقوى من العقد المجرد ، فيكون التحريم به أولى.

ولصحيحة محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه‌السلام وقد سأله عن الرجل يكون له الجارية فيقبّلها ، هل تحل لولده؟ فقال : « بشهوة »؟ فقلت : نعم ، فقال : « ما ترك شيئا إذا قبلها بشهوة » ، ثم قال ابتداء من نفسه : « إن جردها ونظر إليها بشهوة حرمت على أبيه وابنه » ، قلت : فإذا نظر إلى جسدها ، فقال : « إذا نظر إلى فرجها وجسدها بشهوة حرمت عليه » (١).

وفي صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا جرد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحل لابنه » (٢).

لا يقال : ما دلت عليه الرواية أخص من المدعى ، فإن الرواية دلّت على التحريم بالنظر إلى العورة ، والمدعى التحريم بالنظر الى ما يحرم على غير المالك.

لأنا نقول : لا قائل بالفرق ، فإذا ثبت التحريم في بعض الصور للنص ثبت في الباقي للإجماع المركب.

ج : القول بأن النظر واللمس يحرّمان منظورة الأب وملموسته على ابنه دون العكس ، وهو قول المفيد (٣). وقد يحتج له بصحيحة محمد بن مسلم السابقة (٤) ، ولا حجة فيها ، لأن التحريم من الجانبين بذلك ثبت بنصوص اخرى (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١٨ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٨١ حديث ١١٩٢.

(٢) الكافي ٥ : ٤١٩ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٢٨٢ حديث ١١٩٣.

(٣) المقنعة : ٧٧.

(٤) الكافي ٥ : ٤١٩ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٢٨٢ حديث ١١٩٣.

(٥) الكافي ٥ : ٤١٨ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٦٠ حديث ١٢٣٥ ، التهذيب ٨ : ٢١٢ حديث ٧٥٨ ، الاستبصار ٣ : ٢١٢ حديث ٧٦٩.

٢٩٠

______________________________________________________

الثاني : الحكم بالتحريم السابق إنما هو في الأمة ، لأن الحرة تحرم على الأب والابن بمجرد العقد عليها ، وسيأتي ذلك في عبارة الكتاب ، وعلى ذلك فالتحريم بالنظر واللمس إنما هو بالنسبة إلى الأب والابن.

أما بنت الملموسة المنظورة المعقود عليها وبنتها وأمها إذا كانت مملوكة ، ففي تحريمهن بالنظر واللمس قولان للأصحاب :

أحدهما : قول ابن الجنيد فإنه قال : إن اللمس والقبلة والنظر إلى العورة وما جرى مجراها عمدا تحرم البنت من نسب كانت أو رضاع (١). وقال الشيخ في الخلاف : إن القبلة واللمس يحرّم الام وإن علت والبنت وإن نزلت ، وقال في مسألة أخرى : إذا نظر إلى فرجها تعلّق به تحريم المصاهرة (٢).

والثاني : عدم التحريم بذلك ، وهو مختار أكثر المتأخرين (٣) ، وهو الأصح.

لنا : قوله تعالى ( فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (٤) ، والنظر واللمس والتقبيل لا يطلق على شي‌ء منها الدخول.

ووجه الاستدلال به أن الآية دلت على عدم تحريم بنت المعقود عليها ما لم يدخل ، فيثبت ذلك في أم المملوكة وبنتها بالإجماع المركب ، إذ لا قائل بالفرق ، ذكره المصنف في المختلف (٥) لصحيحة عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل باشر امرأة وقبّل ، غير أنه لم يفض إليها ثم تزوج ابنتها ، قال : « إن لم يكن أفضى فلا بأس ، وإن كان افضى فلا يزوج » (٦).

__________________

(١) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٢٥.

(٢) الخلاف ٣ : ٢١٨ مسألة ٨١ كتاب النكاح.

(٣) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٩ ، وولد المصنف في الإيضاح ٣ : ٦٦.

(٤) النساء : ٢٣.

(٥) المختلف : ٥٢٥.

(٦) الكافي ٥ : ٤١٥ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٨٠ حديث ١١٨٦ ، الاستبصار ٣ : ١٦٢ حديث ٥٨٩.

٢٩١

______________________________________________________

احتج الشيخ في الخلاف (١) بإجماع الفرقة واخبارهم وطريقة الاحتياط ، وبما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « لا ينظر الله إلى رجل نظر الى فرج امرأة وبنتها » (٢) ، وبقوله عليه‌السلام : « من كشف قناع امرأة حرّمت عليه أمها وبنتها » (٣).

ويحتج له بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن رجل تزوج امرأة فنظر الى رأسها وبعض جسدها ، أيتزوج ابنتها؟ قال : « لا ، إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوج بنتها » (٤).

وقريب منها رواية أبي الربيع عن الصادق عليه‌السلام (٥) ، ورواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام (٦).

وجمع الشيخ بين هذه الأخبار وبين ما سبق من دلائل عدم التحريم بالحمل على الكراهية ، لأن الآية صريحة في عدم التحريم ، وهو جمع ظاهر ، وبه أجاب المصنف في المختلف (٧).

الثالث : حكم الشيخ في الخلاف بأن اللمس والقبلة بشبهة يحرّم الام وإن علت والبنت وإن نزلت ، وساوى بينه وبين اللمس والقبلة المباحين (٨) ، وهو ضعيف.

الرابع : اختلف القائلون بأن الزنا ينشر حرمة المصاهرة ، في أن النظر المحرم إلى الأجنبية هل ينشر الحرمة ، فتحرم به الام وإن علت والبنت وإن نزلت. كذا نقل‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٢١٨ مسألة ٨٢ كتاب النكاح.

(٢) عوالي اللآلئ ٣ : ٣٣٣ ، كنز العمال ١٦ : ٥١٧ حديث ٤٥٧٠٥.

(٣) عوالي اللآلئ ٣ : ٣٣٣.

(٤) الكافي ٥ : ٤٢٢ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٨٠ حديث ١١٨٧ ، الاستبصار ٣ : ١٦٢ حديث ٥٩٠.

(٥) الكافي ٥ : ٤٢٣ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ٣٥٧ حديث ١٧٠٨.

(٦) التهذيب ٧ : ٤٥٨ حديث ١٨٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١٦٣ حديث ٥٩٢.

(٧) المختلف : ٥٢٥.

(٨) الخلاف ٣ : ٢١٨ مسألة ٨١ كتاب النكاح.

٢٩٢

أما العقد المجرد عن الوطء فإنه يحرّم أم الزوجة وإن علت تحريما مؤبدا على الأصح.

وهل يشترط لزومه مطلقا ، أو من طرفه ، أو عدمه مطلقا؟ نظر.

فلو عقد عليه الفضولي عن الزوجة الصغيرة ، ففي تحريم الام قبل الإجازة أو بعد فسخها مع البلوغ نظر.

______________________________________________________

الشارح الفاضل (١) ، ولا شبهة في ضعف القول بالتحريم.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المراد بالشهوة في قوله : ( إن اللمس بشهوة والنظر بشهوة يحرمان ) هي الميل الطبيعي ، فلو كان لغرض أخر كلمس العضو المريض ليعلم حاله ونحو ذلك ، فليس من قبيل المحرم ، ولا يعتبر انتشار العضو ولا حركته عندنا.

ويستفاد من قول المصنف : ( ولا خلاف في انتفاء التحريم بما يحل لغير المالك كنظر الوجه ولمس الكف ) انه يحل النظر واللمس المذكوران في الأمة للأجنبي ، وفي حل اللمس تردد ، ثم ارجع الى قول المصنف : ( وقيل : إنما يحرم على أب الملامس والناظر وابنه خاصة فيما يملكانه ).

واعلم أن الضمير في قوله : ( يحرم ) يعود إلى الملموسة والمنظورة ، وأراد بقوله الاحتراز عما صرح به بقوله : ( دون أم المنظورة ). وقوله : ( فيما يملكانه ) ، احتراز عن النظر واللمس في محل لا يملكانه ، فإن النظر واللمس المحرمين لا يحرمان عنده ، وإنما اقتصر على حكاية الخلاف في المنظورة والملموسة بالنسبة إلى أب اللامس وابنه مع أن الخلاف في أمها وبنتها استضعافا له ، فكأنه عنده غير ملتفت إليه.

قوله : ( أما العقد المجرد عن الوطء فإنه يحرّم أم الزوجة وإن علت تحريما مؤبدا على الأصح ، وهل يشترط لزومه مطلقا ، أو من طرفه ، أو عدمه مطلقا؟ نظر. فلو عقد عليه الفضولي عن الزوجة الصغيرة ، ففي تحريم الام به قبل الإجازة أو بعد فسخها مع البلوغ نظر ).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٣١٩.

٢٩٣

______________________________________________________

هذا بيان حكم‌ ترتب تحريم المصاهرة على العقد خاصة ، وأخره عن بيان حكم النظر واللمس في ذلك ، لأنهما من توابع الوطء.

وتحقيق الكلام في ذلك أن العقد المجرد عن الوطء يحرّم أم الزوجة وإن علت تحريما مؤبدا عند أكثر فقهاء الإسلام (١) ، وخالف ابن أبي عقيل من أصحابنا في ذلك ، فاشترط في تحريمها الدخول بالزوجة كالبنت (٢) ، وهو أحد القولين للشافعي من الفقهاء الأربعة (٣).

والمذهب هو التحريم ، لأن قوله سبحانه ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) (٤) صريح في اعتبار الدخول في تحريم الربيبة دون أم الزوجة من وجهين :

الأول : أن : ( من ) في قوله سبحانه ( مِنْ نِسائِكُمُ ) وإن علقها ب( نِسائِكُمْ ) من قوله عز وجل( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) كانت لبيان النساء ، وتميز المدخول بهن من غير المدخول بهن. وإن علقها ب( رَبائِبُكُمُ ) من قوله تقدس وعلا( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ ) كانت من لابتداء الغاية ، كما تقول بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خديجة ، ويمتنع أن يعني بالكلمة الواحدة في خطاب واحد معنيان مختلفان.

فإن قيل : تعلق الجار بهما يجعل معناه مجرد الاتصال على حد من في قوله تعالى : ( الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) (٥) ، ولا ريب أن أمهات النساء متصلات‌

__________________

(١) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٨٦ ، والشيخ في المبسوط ٤ : ١٩٦ ، وسلار في المراسم : ١٤٧ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٦٦.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٢٢.

(٣) انظر : المجموع ١٦ : ٢١٧ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٤٧٢ ، السراج الوهاج : ٣٧٣.

(٤) النساء : ٢٣.

(٥) التوبة : ٦٧.

٢٩٤

______________________________________________________

بالنساء ، لأنهن أمهاتهن ، كما أن الربائب متصلات بأمهاتهن لأنهن بناتهن.

قلنا : في ذلك ارتكاب خلاف الظاهر من غير ضرورة ، وآية المنافقين لا تحتمل غير ذلك ، على أن المنقول في كلامهم أن تحريم أمهات النساء مبهم دون تحريم الربائب على ما عليه ظاهر كلامه ، وقد روى أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام عن الباقر عليه‌السلام أن عليا عليه‌السلام كان يقول : « إن الربائب إنما يحرمن مع الدخول بأمهاتهن ، وان أمهات النساء حرام مطلقا ، فحرموا وأبهموا ما أبهم الله » (١).

الثاني : قد تقرر في الأصول أن رجوع الشرط والوصف والاستثناء بعد جملتين متعاقبتين فصاعدا إنما هو إلى الأخيرة ، إلاّ أن يدل دليل على خلافه ، وفي عدة أخبار التصريح بتحريم الام وإن لم يدخل بالبنت من طرق الخاصة والعامة (٢).

وقد روى أصحابنا وغيرهم روايات كثيرة صريحة بعدم التحريم إلاّ مع الدخول كالربيبة (٣) ، وبعضها صحيحة لا تقبل التأويل ، وحكم الشيخ بشذوذها لمخالفتها لكتاب الله (٤) ، وصرح المصنف في المختلف بقوة هذه الأخبار ومنع مخالفتها للكتاب العزيز وأظهر التوقف ، ثم رجح التحريم بالاحتياط وفتوى الأكثر (٥).

ولقائل : أن يقول : إن تعلق ( من ) بالنساء والربائب معا إنما يستقيم بارتكاب خلاف الظاهر كما بيناه فالمخالفة ثابتة ، وأخبار الآحاد المخالفة لما عليه أكثر أهل الإسلام ولظاهر كتاب الله كيف يمكن التمسك بها والحكم بقوة العمل بها ، مع أنهم‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٧٣ حديث ١١٦٥ ، الاستبصار ٣ : ١٥٦ حديث ٥٦٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٧٣ حديث ١١٦٥ و ١١٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٥٦ حديث ٥٦٩ و ٥٧٠ ، سنن البيهقي ٧ : ١٥٩.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢٢ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٢٧٣ حديث ١١٦٨ ، الاستبصار ٣ : ١٥٧ حديث ٥٧٢.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٧٥ ، الاستبصار ٣ : ١٥٨.

(٥) المختلف : ٥٢٢.

٢٩٥

______________________________________________________

يتمسكون بالإجماع فيما يكون الخلاف فيه أظهر من الخلاف هنا ، فإن ابن ابي عقيل قد انقرض القائل بمقالته ولحقه الإجماع ، فالتحريم هو المفتي به.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه هل يشترط لتحريم أم المعقود عليها ، بل كل تحريم يترتب على العقد ، أن يكون عقد النكاح لازما من الطرفين ، وهو الذي أراده المصنف بقوله : ( مطلقا ) أم يكفي للتحريم لزومه من طرف الزوج فقط ، أم لا يشترط واحد منهما فيثبت التحريم بمجرد حصول العقد الفضولي وإن كان فضوليا من الطرفين؟ فيه نظر ينشأ : من قيام الدليل على كل من الاحتمالات الثلاث :

أما الأول فلعموم الآيات الدالة على اباحة النكاح من تناول محل النزاع ، مثل قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (١) ، خرج منه ما إذا كان العقد لازما من الطرفين ، لأنه العقد الصحيح الذي يترتب عليه أثره بالنسبة إلى كل من الزوجين ، فيبقي النكاح على أصل الحل.

ويحتمل الثاني ، لأن التحريم دائر مع لزوم العقد.

ويحتمل الثالث ، لقوله تعالى ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (٢).

والإضافة تصدق بأدنى ملابسة ، فعلى هذا لو عقد الفضولي عن الزوجة الصغيرة على رجل مباشر للعقد هو أو وكيله ، بدليل قوله : ( أو بعد فسخها ) حيث خص الفسخ بها ، على أن كون الفسخ منها لا يمنع جوازه من الزوج ، فلا يستلزم كونه غير فضولي من طرفه.

ففي تحريم الام قبل حصول الإجازة نظر يعلم مما سبق ، وكذا في تحريمها بعد فسخ الصغيرة مع كونها قد بلغت ، إذ لا يعتد بفسخها قبله نظر ينشأ : من ثبوت العقد اللازم من طرفه ، وذلك يقتضي تحريم الام فلا يزول ، ومن أنه بالفسخ تبيّن أن لا‌

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) النساء : ٢٣.

٢٩٦

______________________________________________________

نكاح ، وقد سبق الكلام على ذلك في المطلب الخامس في أحكام الأولياء.

والتحقيق أن يقال : إن حكمنا بكون الإجازة من الزوجين أو أحدهما جزء السبب ، فالذي يقتضيه صحيح النظر عدم التحريم ، لأن إطلاق العقد إنما يحمل على الصحيح وهو الذي يترتب عليه أثره ، والحاصل في العقد الفضولي إنما هو جزء السبب ، ويمنع صدق النساء على التي عقد عليها الفضولي.

وكون الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة ، معناه إنه إذا أريد إضافة شي‌ء إلى شي‌ء كفى لصحة الإضافة أن يكون بينهما أدنى ملابسة ، وليس معناه أنه إذا وجد بين شيئين أدنى ملابسة وجب حمل اللفظ المضاف منهما إلى الآخر على جميع محتملاته القريبة والبعيدة ، لأن الواجب الحمل على المعنى الحقيقي الذي يتبادر إلى الفهم عند إطلاق اللفظ.

والمعقود عليها فضولا من الطرفين معا أو من أحدهما لا يعد من النساء بالنسبة إلى المعقود له ، ولا من زوجاته ومنكوحاته ، لما قلناه من أن الحاصل جزء العقد لا كله ، وإن حكمنا بكون الإجازة كاشفة عن حصول العقد الصحيح والرد كاشفة عن عدمه فالتحريم الحقيقي الثابت لغير الام بحسب الواقع وعدمه موقوف على انكشاف الحال عندنا بالإجازة أو الرد ، لكن قبل حصول أحدهما وتبين الحال ينبغي أن يحكم بالمنع من تزوج أم المعقود عليها وأختها وبنتها ، لأن العقد الواقع بمعرض أن ينكشف صحته ولزومه من الجانبين.

فإن قيل : كيف حرمن بمجرد الاحتمال والأصل الإباحة.

قلنا : لما حصل عقد وترددنا في سببيته وعدمه على حد سواء ، وكان له أمد ينتظر انكشاف حاله عندنا ، لم يجز الهجوم على نكاح من يترتب على هذا العقد تحريم نكاحه.

ولم يبق أصل الإباحة كما كان ، لأن حصول ما وقع اللبس في سببيته نقل عن‌

٢٩٧

______________________________________________________

حكم الأصل الذي كان ، وليس هذا بأدون من المعقود عليها عقدان لاثنين وقد التبس العقد السابق منهما ، فإن أم المرأة حرام على كل منهما لا محالة.

وكذا لو عقد عاقد على امرأة والتبست المعقود عليها بأخرى ، فإن أم كل منهما حرام عليه.

والحق أن بين هاتين والمعقود عليها فضولا فرقا ، لثبوت السبب التام الناقل عن حكم الأصل فيهما ، بخلاف المتنازع ، وكيف كان فالاحتياط التحريم وإن كان الطرف الآخر لا يخلو من وجه.

ولا فرق في هذا بين كون العقد فضوليا من الطرفين أو أحدهما ، من جانب الزوج أو الزوجة ، لأن كون الإجازة كاشفة لا تفاوت فيه بين الأمور الثلاثة ، فإذا حصل الرد انكشف لنا بطلان العقد من حين وقوعه.

وانه لا مصاهرة بسببه فلا تحريم ، وإطلاق الفسخ في مثل ذلك مجاز لا محالة ، وإن كان قد حصلت الإجازة انكشفت صحته ولزومه من حين وقوعه.

ويتفرع على ذلك أن الصداق لو كان عينا من أموال الزوج فنمت قبل الإجازة انكشف بالإجازة أن النماء للزوجة وبالرد أنه للزوج ، وهذا بحمد الله تعالى واضح.

واعلم أن في قوله : ( هل يشترط لزومه مطلقا ) أمران :

الأول : ان التفسير باشتراط اللزوم وعدمه يندرج فيه ما إذا كان النكاح متزلزلا ، فيما إذا وجد عيب أو شرط أو تدليس يقتضي التسلط على الفسخ ، فإن اللزوم بمعنى عدم التزلزل بهذا الاعتبار غير شرط في ثبوت تحريم الام قطعا ، لأن النكاح هنا حقيقي محرّم للام بنص الكتاب (١) والسنة (٢) ، وإنما التردد في النكاح الفضولي ،

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٧٣ حديث ١١٦٥ و ١١٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٥٦ حديث ٥٦٩ و ٥٧٠.

٢٩٨

وتحرم المعقود عليها على أب العاقد وإن علا وابنه وإن نزل. ولا تحرم بنت الزوجة على العاقد عينا بل جمعا ، فلو فارقها قبل الدخول حل العقد على البنت ، وكذا أخت الزوجة وبنت أخيها وأختها إلاّ أن ترضى العمة أو الخالة.

______________________________________________________

لأنه ليس نكاحا حقيقيا جزما ، والاقتصار على نص يعم الفضولي غير كاف ، بل كان ينبغي التعبير بما لا يشمل غير الفضولي.

الثاني : قوله : ( أو عدمه مطلقا ) المتبادر منه أنه هل يشترط عدمه مطلقا ، وليس بجيد. وكان الأولى أن يقول : أو لا يشترط مطلقا ، فيجب التنبيه لذلك.

قوله : ( ويحرم المعقود عليها على أب العاقد وإن علا وابنه وإن نزل ، ولا تحرم بنت الزوجة على العاقد عينا بل جمعا ، فلو فارقها قبل الدخول حل له العقد على البنت ، وكذا أخت الزوجة وبنت أخيها وأختها ، إلاّ أن ترضى العمة والخالة ).

قد سبق الوعد بأنه سيأتي في كلام المصنف أن الزوجة تحرم على أبي الزوج وإن علا وابنه وإن نزل بمجرد العقد ، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.

أما بنت الزوجة فلا تحرم على الزوج بمجرد العقد عينا ، أي حرمة متعلقة بعينها ، بل إنما تحرم جمعا ، بمعنى أن الأم ما دامت في النكاح حرمت البنت ، فإذا فارقها قبل الدخول حلّت البنت وإن لمس أو قبّل بشهوة على الأصح كما سبق.

وكذا القول في أخت الزوجة فإنها تحرم جمعا ولا تحرم عينا بحال ، فمتى فارق الزوجة حلّت أختها ، سواء كانت قبل الدخول أم بعده.

وكذا بنت أخي الزوجة وبنت أختها تحرم كل منهما على من عنده العمة والخالة إلاّ أن ترضى العمة والخالة ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك عندنا.

٢٩٩

ويحرم وطء مملوكة كل من الأب وإن علا والابن وإن نزل على الآخر بالوطء لا بالملك.

ولا يحرم الملك مع الوطء ، ولو وطأ أحدهما مملوكة الآخر بزنا أو بشبهة ففي التحريم نظر.

______________________________________________________

قوله : ( ويحرم وطء مملوكة كل من الأب وإن علا وابنه وإن نزل على الآخر بالوطء لا بالملك ، ولا يحرم الملك مع الوطء ).

قد سبق حكم الزوجة بالنسبة إلى أب الزوج وابنه ، وهذا حكم المملوكة بالنسبة إليها ، وجعل متعلق التحريم وطء مملوكة الأب والابن ، لأن الملك لا يمنع منه قطعا إذ لا منافاة بين تحريم الوطء وثبوت الملك.

وقد صرح به المصنف بقوله : ( ولا يحرم الملك مع الوطء ، وإنما يحرم وطء مملوكة الأب والابن مع وطء الأب أو الابن لا بمجرد الملك ) ، لكن قد سبق أنها تحرم بنظر ما لا يحل لغير المالك نظره بشهوة ، وكذا لمسه بشهوة على أحد القولين ، إلاّ أنه غير مرضي عند المصنف.

قوله : ( ولو وطأ أحدهما مملوكة الآخر بزنا أو بشبهة ففي التحريم نظر ).

يريد بذلك ما إذا وطأ الأب أو الابن مملوكة الآخر بزنا أو بشبهة قبل أن يطأها المالك ، فإن في تحريمها على المالك بذلك نظر ، ينشأ من اختلاف الأصحاب ، وتعارض الدلائل عنده.

قال الشيخ رحمه‌الله (١) ، وابن الجنيد (٢) ، وابن البراج (٣) ، وجماعة (٤) على‌

__________________

(١) النهاية : ٤٥٢.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٢٤.

(٣) المهذب ٢ : ١٨٣.

(٤) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٨٦ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٦٨.

٣٠٠