جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

الثالث عشر : لو سعت الزوجة الصغيرة فارتضعت من الزوجة الكبيرة وهي نائمة ، رجع في مال الصغيرة بمهر الكبيرة ، أو نصفه على اشكال.

فإن أرضعتها عشر رضعات ، ثم نامت فارتضعت خمسا ، احتمل الحوالة بالتحريم على الأخيرة ، فالحكم كما لو كانت نائمة في الجميع ، والتقسيط ، فيسقط ثلث مهر الرضيعة بسبب فعلها ، ونصف المهر بوجود الفرقة قبل الدخول ، ويسقط ثلثا مهر الكبيرة.

______________________________________________________

ومن أنه إتلاف لمتقوم مضمون ، فلا يفرق الحال فيه بقصد الإفساد وعدمه ، كسائر الإتلافات.

ولقائل أن يقول : إن كان اباحة السبب موجبا لسقوط الضمان ، لم يتحقق الضمان في شي‌ء من الصور المذكورة أصلا ، لأنّا لا نسلّم تحريم الإرضاع على تقدير قصد الإفساد وإن حرم القصد ، ولأنه يلزم عدم الضمان للمهر لو أقرّت لزيد بالنكاح لاعتقادها كونها زوجة له ثم تغيّر اعتقادها فأقرت لعمرو ، ولأن إقرارها الأول مباح ، وهي محسنة بزعمها ، وللنظر فيه مجال.

قوله : ( يج : لو سعت الزوجة الصغيرة فارتضعت من الزوجة الكبيرة وهي نائمة رجع في مال الصغيرة بمهر الكبيرة أو نصفه على إشكال ).

فإن أرضعتها عشر رضعات ، ثم نامت فارتضعت خمسا ، احتمل الحوالة بالتحريم على الأخير والحكم كما لو كانت نائمة في الجميع. والتقسيط فيسقط ثلث مهر المرضعة بسبب فعلها ، ونصف المهر بوجود الفرقة قبل الدخول ويسقط ثلثا مهر الكبيرة ).

٢٦١

فإن كانت غير مدخول بها سقط الباقي ، لأنه أقل من النصف الساقط بالفرقة. ويغرم للصغيرة سدس مهرها ، ويرجع به على الكبيرة.

ويحتمل سقوط سدس مهر الصغيرة ، ويغرم الكبيرة ثلثه وسقوط ثلث مهر الكبيرة ، وتغرم الصغيرة سدسه إن كان قبل الدخول ، وبعده على اشكال.

______________________________________________________

فإن كانت غير مدخول‌ بها سقط الباقي ، لأنه أقل من النصف الساقط بالفرقة ، ويغرم للصغيرة سدس مهرها ويرجع به على الكبيرة ، ويحتمل سقوط سدس مهر الصغيرة وتغرم الكبيرة ثلثه ، وسقوط مهر الكبيرة وتغرم الصغيرة سدسه إن كان قبل الدخول ، وبعده اشكال ).

هنا مسألتان :

أ : إذا تولّت الزوجة الصغيرة الرضاع من الكبيرة بلبن غيره وليس للكبيرة شعور بذلك ـ بأن كانت نائمة ونحو ذلك ـ فانّ النكاح ينفسخ على ما سبق ، ويجب للكبيرة مع عدم الدخول جميع المهر أو نصفه على القولين.

وهل يرجع بذلك في مال الصغيرة؟ فيه إشكال ، ينشأ من التردد في اشتراط انتفاء القصد إلى الإفساد في ثبوت الغرم وعدمه ، ويمكن أن يكون الاشكال باعتبار التردد في الرجوع بعوض البضع ، وقد سبق الكلام فيه.

وقول المصنف : ( رجع في مال الصغيرة بمهر الكبيرة أو نصفه ) أشار به إلى التردد في استحقاق المهر كلّه أو نصفه بالانفساخ قبل الدخول ، لأن الفسخ بعد الدخول يوجب المهر جميعه ، ولا يستحق الزوج الرجوع به ، لسبق استقراره بالوطء ، فلا أثر للتردد بالرجوع بالمهر أو نصفه على تقدير الدخول أو عدمه.

ب : لو أرضعت الكبيرة الصغيرة عشر رضعات ثم نامت فارتضعت الصغيرة‌

٢٦٢

______________________________________________________

خمسا اخرى انفسخ النكاح ، لبلوغ النصاب المقتضي للتحريم ، وحينئذ ففي حوالة التحريم على الرضاع الأخير أو على مجموع الرضعات احتمالان :

أحدهما : الحوالة على الأخير ، لانتفاء التحريم قبله وتحققه مع حصوله ، فيكون هو السبب وما تقدمه شرط ، ومثله ما إذا كان الصيد يمتنع بسببين العدو والطيران ، فأبطل واحد عدوه وآخر طيرانه ، فإنه يكونه للأخير ، فعلى هذا يسقط مهر الصغيرة ويضمن مهر الكبيرة قبل الدخول ، إما جميعه أو نصفه على ما سبق.

الثاني : اعتبار سببية المجموع في الضمان ، للإطباق على أنّ المقتضي للتحريم هو مجموع خمس عشرة رضعة أو ما جرى مجراها ، وأبعاضها أجزاء العلة ، فكلّ بعض منها جزء علة ، ولا ريب أنّ الجزء الأخير من العلّة ليس هو العلّة ، فعلى هذا يقسّط المهر على أجزاء السبب ، وفيه احتمالان :

أحدهما : اعتبار المقسط ، وهو فعل الزوجة من أصل المهر الواجب بالعقد مع ما يسقط بالفرقة قبل الدخول على القول بسقوط النصف بها ، فيجب للصغيرة سدس المهر ، وذلك لأن فعلها ثلث السبب ، فيسقط به ثلث مجموع المهر ونصفه بالفرقة قبل الدخول ، فيبقى سدس يدفعه إليها ويرجع به على الكبيرة.

وأما الكبيرة إذا كانت غير مدخول بها ، فإنّها لا تستحق شيئا ، لأنّ فعلها ثلثا السبب ، فيسقط به ثلثا المهر ، ويسقط بالفرقة قبل الدخول نصف المهر ، والباقي بعد الثلثين أقل منه ، فلا يبقى لها شي‌ء.

ووجه هذا الاحتمال : أنه بتمام الرضاع يتحقق المقتضي ، للفرقة والمسقط لبعض المهر دفعة واحدة ، فيوفر على كلّ مقتضاه ، وفي هذا الاحتمال قوة.

الاحتمال الثاني : اعتبار المسقط من الواجب بعد الفرقة ، وذلك هو النصف ، بناء على أن الفرقة قبل الدخول تشطر المهر ، فيسقط بفعل الصغيرة ثلث الواجب‌

٢٦٣

______________________________________________________

بعد الفرقة ، وهو السدس ، لأن فعلها ثلث السبب ، والواجب بعد الفرقة هو النصف ، وثلثه سدس الأصل ، ويبقى لها الثلثان ، وهما ثلثا مجموع المسمّى ، فيغرمه الزوج لها ويرجع به على الكبيرة.

وأما الكبيرة إذا لم يكن مدخولا بها ، فإنه يسقط بفعلها ثلثا الواجب بعد الفرقة ، وهما ثلث الأصل ، ويبقى لها سدس هو ثلث الواجب بعد الفرقة ، فيغرمه الزوج لها ويرجع به على الصغيرة.

ويجي‌ء هنا احتمال آخر ، وهو : أن يقسط المهر على فعل الكبيرة والصغيرة بالسوية ، لأن لكل فعل منهما مدخلا ، وهو جزء علّة ، فلا ينظر إلى قلته وكثرته ، كما لو ضربه واحد ضربة وآخر عشرا ومات بالجميع ، هذا حكم ما إذا وقع الرضاع والكبيرة غير مدخول بها.

أما مع الدخول ففي الحكم إشكال ، ينشأ :

من أنّ المهر قد استقر بالدخول ، فلا يسقط منه شي‌ء بالسبب الطارئ الموجب للفسخ ، ولا يضمن فاعل سبب الفسخ شيئا ، لأن استدامة النكاح ليس في مقابلها مهر ، ولهذا لو قتل الزوجة قاتل أو قتلت نفسها ، أو اشتركا في سبب القتل لم يستحق الزوج الرجوع بشي‌ء من المهر بسبب القتل ، فلا تضمن للكبيرة الصغيرة شيئا من مهر الكبيرة بالرضاع بعد الدخول.

ومن أنّ البضع متقوّم كما قدّمناه غير مرة ، وتقرر المهر بالدخول لا يخرج البضع عن كونه متقوما ، ومن أتلف متقوما مقابلا بالمال ضمنه ، للإجماع على أنّ الإتلاف يقتضي الضمان ، وإلحاق الحكم هنا بحكم القتل قياس باطل ، مع أنه منقوض بالقتل فعل الدخول.

فعلى هذا إن كان قد سلّم الكبيرة المهر رجع عليها بثلثيه وعلى الصغيرة بثلث ، وإلاّ دفع الثلث ورجع به في مال الصغيرة.

٢٦٤

خاتمة : الأقرب قبول شهادة النساء منفردات ، فلا بد من الأربع. ويكفي الشاهدان والشاهد والمرأتان. ولا يقبل في الإقرار به إلاّ شاهدان ،

______________________________________________________

وهنا شي‌ء ، وهو أنه على هذا الاحتمال ينبغي أن يكون المضمون بالرضاع بعد الدخول مهر المثل ، لأنه قيمة المثل بالنسبة إلى البضع ، والتوقف في هذه الأحكام أسلم ، وإن كان الاحتمال الأول من احتمالي التقسيط والثاني من احتمالي الضمان بعد الدخول لا يخلو من قوة.

قوله : ( خاتمة : الأقرب قبول شهادة النساء منفردات ، فلا بد من الأربع ، ويكفي الشاهدان والشاهد والمرأتان ، ولا يقبل في الإقرار به إلاّ شاهدان ).

اختلف الأصحاب في أنه هل تقبل شهادة النساء في الرضاع منفردات على قولين :

فذهب الشيخ في الخلاف (١) وابن إدريس (٢) إلى عدم قبولهن.

وذهب المفيد (٣) والسيد (٤) وسلار (٥) وابن حمزة (٦) وجمع من الأصحاب إلى القبول ، لأن ذلك من الأمور الخفية التي تعم بها البلوى ولا يطّلع عليها غالبا إلاّ النساء ، فوجب قبول شهادتهن فيه كسائر امورهن الخفية على الرجال ، ولمفهوم رواية‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٨٥ مسألة ١٩ من كتاب الرضاع.

(٢) السرائر : ٢٨٦.

(٣) المقنعة : ١١٢.

(٤) الانتصار : ٢٤٨.

(٥) المراسم : ٢٣٣.

(٦) الوسيلة : ٢٥١.

٢٦٥

ويفتقر إلى التفصيل ، فلا تسمع الشهادة به مطلقة ، وتسمع في الإقرار به.

ويتحمل الشاهد بأربع شرائط : أن يعرفها ذات لبن ، وأن يشاهد الصبي قد التقم الثدي ، وأن يكون مكشوفا لئلا يلتقم غير الحلمة ، وأن يشاهد امتصاصه للثدي وتحريك شفتيه والتجرع وحركة الحلق ، ثم يشهد على القطع بأن بينهما رضاعا محرما.

______________________________________________________

عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه‌السلام في امرأة أرضعت غلاما وجارية ، قال : « يعلم ذلك غيرها؟ » قلت : لا ، قال : « لا تصدق إن لم يكن غيرها » (١) ، فانّ مفهوم الشرط أنها تصدق إذا كان معها غيرها ، وهو أعم من الرجال والنساء.

ويضعّف : بأنّ المفهوم لا عموم له ، وسيأتي كمال البحث في المسألة إن شاء الله تعالى في كتاب القضاء ، والأصح القبول.

وعلى هذا فلا بد من أربع ، فإنّ كلّ امرأتين بمنزلة رجل واحد.

ولا تكفي شهادة المرضعة عندنا ، وتقبل شهادة رجلين إجماعا ورجل وامرأتان ، وأما الإقرار بالرضاع فلا يقبل فيه إلاّ شهادة رجلين ، لأن الإقرار مما يطلع عليه الرجال غالبا ، بخلاف نفس الإرضاع.

قوله : ( ويفتقر إلى التفصيل ، فلا تسمع الشهادة به مطلقة ، وتسمع في الإقرار به ، ويتحمل الشاهد بأربع شرائط : أن يعرفها ذات لبن ، وأن يشاهد الصبي قد التقم الثدي ، وأن يكون مكشوفا لئلا يلتقم غير الحلمة ، وأن يشاهد امتصاصه للثدي وتحريك شفتيه والتجرع وحركة الحلق ، ثم يشهد على القطع أنّ بينهما رضاعا محرما.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٢٣ حديث ١٣٣٠.

٢٦٦

وإن شهد على فعل الإرضاع فليذكر الوقت والعدد ، والأقرب أنه ليس عليه ذكر وصول اللبن إلى الجوف.

ولا تكفي حكاية القرائن بأن يقول : رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرك.

______________________________________________________

وإن شهد على فعل الإرضاع فليذكر الوقت والعدد ، والأقرب أنه ليس عليه ذكر وصول اللبن إلى الجوف ، ولا يكفي ذكر حكاية القرائن ، بأن يقول : رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرك ).

صرح المصنف وغيره من الأصحاب بأنّ الشهادة على الرضاع لا تسمع مطلقة ، بأن يقول الشاهد : ان أشهد أنّ بينهما رضاعا محرما ، أو حرمة الرضاع ، أو اخوته أو بنوته ، لأن الرضاع الذي به يتعلق التحريم مختلف فيه ، فبعضهم حرّم بالقليل وبعضهم بالإيجاز ونحو ذلك ، فلا بد من ذكر الكمية والكيفية التي هي مناط الاختلاف ، ليعمل الحاكم باجتهاده.

ولا يكفي إطلاق الشهادة ، لأن الشاهد ربما عوّل في شهادته على معتقده ولم يكن مرضيا عند الحاكم ، فيشهد الشاهد بأنّ الصغير ارتضع من الفلانية من الثدي من لبن الولادة خمس عشرة رضعة تامّات في الحولين من غير أن يفصل بينها برضاع امرأة أخرى.

وزاد المصنف في التذكرة (١) في الرضعات أن يقول : متفرقات ، ولا حاجة إليه ، لأن التعرض إلى الرضعات يغني عنه ، إذ مع عدم التفرق يكون الحاصل رضعة طويلة لا رضعات.

وبالجملة فلا بد من التعرض إلى جميع الشرائط.

وهل يشترط أن يتعرض إلى وصول اللبن إلى الجوف؟ فيه وجهان ، أقربهما عند‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٢٨.

٢٦٧

______________________________________________________

المصنف العدم ، لأن المقتضي لوجوب التفصيل في الشهادة بالرضاع هو وقوع الخلاف في كميته وشرائطه ، فاعتبر ذكر ما يدفع احتمال استناد الشاهد بالرضاع المحرم إلى اعتقاده الذي لا يكون مقبولا عند الحاكم ، ووصول اللبن إلى الجوف ليس من هذا القبيل ، فيكفي فيه إطلاق الشهادة ، وأيضا فإنه ليس بمحسوس ، فلا يعتبر تصريح الشاهد به.

ويحتمل أنّ عليه ذكره ، لتقبل شهادته ، كما في ذكر الإيلاج في شهادة الزنا ، ولأن متعلق الحرمة هو ذلك.

والأول أصح ، لأن الشهادة بالرضاع يقتضيه ، فيكفي عن ذكره.

ولا يكفي ذكر حكاية القرائن ، بأن يقول : رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرك ، لأن حكاية ذلك لا تعد شهادة ، ولأن الشاهد قد يستفيد العلم بوصول اللبن إلى الجوف بمعاينة هذه الأمور ، والحكاية لا تثمره عند الحاكم.

وتحرير المبحث يتم بأمور :

أ : يصير الشاهد للرضاع شاهدا به بشروط أربعة :

أن يعرف المرأة ذات لبن ، فلو لم يعلم ذلك لم يصر شاهدا ، لأن الأصل عدم اللبن.

وأن يشاهد الصبي قد التقم الثدي ، فلا يكفي سماع صوت الامتصاص ، لأنها قد توجره لبن غيرها ، وربما امتص إصبعه أو إصبعها.

وأن يكون الثدي مكشوفا ليعلم أنه قد التقم الحلمة ، ويغني عن هذا والذي قبله مشاهدته قد التقم الحلمة.

وأن يشاهد امتصاصه للثدي ، وتحريك شفتيه ، والتجرع ، وحركة الحلق ، لأنه ربما التقم الحلمة ولم يرتضع.

ب : قد يستفاد من قوله : ( ثم يشهد على القطع بأنّ بينهما رضاعا محرما ، وإن‌

٢٦٨

______________________________________________________

شهد على فعل الرضاع فليذكر الوقت والعدد ) أنّ الشهادة بالرضاع تسمع مطلقة ، فيكون منافيا لما ذكره في أول الكلام ، وذلك لأنه جعل لأداء الشهادة صورتين : الشهادة بأنّ بينهما رضاعا محرما ، وأن يشهد على فعل الإرضاع ، فلا بد من التعرض إلى ذكر العدد والوقت المعتبرين في التحريم ، لأن مطلق الإرضاع أعم من الرضاع المحرم ، بخلاف ما إذا شهد بالرضاع المحرم.

ويمكن أن يجاب : بأنه لمّا حكى الأمور المعتبرة في صيرورة الشخص متحملا للشهادة بالرضاع المحرم ، خشي أن يتوهم متوهم أنّ حكاية الأمور التي هي طريق التحمل للشهادة بالرضاع كاف في الشهادة ، فدفعه بأنه لا بد من الشهادة بالرضاع المحرم على القطع والبت بصورة الجزم من غير تردد ، كما هو وظيفة الشهادة.

والحق أن قوله : ( وإن شهد على فعل الإرضاع ... ) مشعر بأنّ الشهادة عليه مفصلة غير لازمه ، فيستفاد منه أنّ أحد الأمرين كاف ، وذلك ينافي عدم سماع الشهادة مطلقة.

فلو قال : بأن يشهد على فعل الإرضاع. لا ندفع هذا المحذور ، على أنّ ظاهر العبارة أنه إذا شهد على الفعل كفاه التعرض إلى الوقت والعدد ، ولا ريب إنه لا يكفي.

ج : لو كان الشاهد بالرضاع فقيها مؤتمنا وعلم الحاكم موافقته إياه في أحكام الرضاع كلّها ، فقضية التعليل السابق الاكتفاء بالشهادة مطلقة ، لاندفاع المحذور حينئذ ، كما لو كان الشاهد بنجاسة الماء فقيها موافقا في أسباب التنجيس ، فإنّ الشهادة تسمع من دون اشتراط التفصيل ، وهذا أقوى ، لكن لا تجد به قائلا من الأصحاب ، فاعتبار التفصيل أولى.

د : هل يشترط أن يشهد الشاهد بأنّ الرضيع بقي اللبن في جوفه ، لأنه لو قاء لم يثمر الرضاع التحريم؟ مقتضى التعليل السابق اعتباره ، لأن هذا من الأمور‌

٢٦٩

وتقبل شهادة أمها وجدتها ، وأم الزوج وجدته ، سواء ادعى الزوج أو الزوجة.

ولو شهدت أم الزوجة وبنتها أو أم الزوج وبنته ، سمعت ما لم يتضمن شهادة على الوالد.

______________________________________________________

المختلف فيها ، ولم أجد به تصريحا ، إلاّ أنه ينبغي اعتباره.

هـ : تسمع الشهادة بالإقرار مطلقة ولا تفتقر إلى التفصيل ، فلو شهد أنه أقر بأن فلانة أخته من الرضاع مثلا سمعت ، ولم يحتج إلى تفصيل الشرائط في الإقرار.

وجملة القول في ذلك : أن الإقرار بالرضاع المحرم مسموع ، بخلاف الشهادة به ، وفرّق بينهما : بأن المقر يحتاط لنفسه فلا يطلق القول بالتحريم إلاّ بعد تحققه ، وهذا الفرق لا يشفي ، لأنه ربما بنى على رأيه في التحريم أو رأي لا يعول عليه عند الحاكم.

ويمكن الفرق : بأنّ حكم الحاكم على رجل وامرأة بأنّ بينهما علاقة الرضاع المحرمة ، وهذا أمر خطير ، فلا بد من الاحتياط فيه باستفصال ما يدفع الإجمال ، بخلاف إقرار المرء على نفسه ، فانّ عموم قوله عليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) فيجب مؤاخذته بظاهر إقراره حتى لو فسر بما لا يثمر التحريم عند الحاكم يقبل منه وهذا الفرق وجيه.

قوله : ( وتقبل شهادة أمها وجدتها وأم الزوج وجدته ، سواء ادعى الزوج أو الزوجة ، ولو شهدت أم الزوجة وبنتها وأم الزوج وبنته سمعت ، ما لم يتضمن شهادة على الوالد ).

لو شهدت أم المرأة أو بنتها أو جدتها أو أم الزوج أو بنته أو جدته مع تتمة النصاب بالرضاع بينها وبين الزوج قبل عندنا مع الشرائط ، لانتفاء المانع ، سواء كان المدعي للرضاع الزوج أو الزوجة ، إلاّ أن يتضمن شهادة البنت الشهادة على الوالد ، بأن يكون المدعي للرضاع الزوجة ، فتشهد بنت الزوج به ، فإنها شهادة على الوالد.

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٢ حديث ٥.

٢٧٠

ولو شهدت المرضعة أن بينهما رضاعا قبلت ، ولا تقبل لو شهدت مع ثلاث أنها ولدته ، لترتب النفقة والميراث هنا ، ولو شهدت بأني أرضعته فالأقرب القبول ما لم تدّع اجرة.

______________________________________________________

وقالت العامة : إن كانت المرأة مدعية والرجل منكر لم تقبل شهادة أم المرأة وبنتها ، لأنها شهادة للبنت أو الأم ، وتقبل لو كان المدعي الزوج ، لأنها شهادة على الأم أو البنت (١).

وهذا عندنا ساقط ، لأن البعضية غير مانعة من قبول الشهادة.

وحكى المصنف في التذكرة عن الشافعية : أنه لا يتصور شهادة البنت على أمها بأنها ارتضعت من أم الزوج ، لأن الشهادة على الرضاع يشترط فيها المشاهدة ، ولم يتعرض إلى ذلك بقبول ولا رد (٢).

وقد يقال : إنّ تحمل الشهادة قد يحصل بقبول الثقات على وجه يثمر اليقين ، ولو شهدت الأم أو البنت من غير تقديم دعوى على طريق الحسبة قبلت ، كما إذا شهد أب الزوجة وابنها أو ابناها على أنّ زوجها قد طلقها ابتداء ، فإنه يقبل ، ولو ادعت الطلاق فشهدا لم يقبل.

قوله : ( ولو شهدت المرضعة أنّ بينهما رضاعا قبلت ، ولا يقبل لو شهدت مع ثلاث أنها ولدته ، لترتب النفقة والميراث هنا ، ولو شهدت بأنّي أرضعته فالأقرب القبول ما لم تدّع اجرة ).

قد سبق أنّ المرضعة إذا شهدت على الرضاع وحدها لم يقبل عندنا ، فأما إذا شهدت مع ثلاث نسوة ـ بناء على قبول شهادة النساء منفردات في الرضاع ـ فلا يخلو إمّا أن تشهد بالرضاع في الجملة من غير أن تسند هذه إلى نفسها ، أو تشهد بأنّها‌

__________________

(١) الوجيز ٢ : ٢٠٩ ، مغني المحتاج ٣ : ٤٢٤ و ٤٢٥ ، السراج الوهاج : ٤٦٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٢٨ ، وانظر أيضا المصدر السابق.

٢٧١

______________________________________________________

أرضعته ، فاما أن تدعي مع ذلك أجرة ، أم لا ، فهذه صور ثلاث : فان شهدت وادعت الأجرة لم تقبل شهادتها ، للتهمة ، لأنها تشهد لنفسها ، وفي وجه للشافعية أنها لا تقبل في الأجرة وتقبل في ثبوت الحرمة (١).

وإن شهدت بالرضاع ولم تسنده إلى نفسها ، كما لو شهدت بإخوة الرضاع بينهما مثلا مع التفصيل المعتبر أو بأنهما ارتضعا منها ، فإنه لا يتضمن فعلا منها ، إذ ربما كانت نائمة ، قبلت لانتفاء المانع ، ولا نظر الى ما يتعلق به من ثبوت المحرمية وجواز الخلوة والمسافرة ، فإن الشهادة لا ترد بمثل ذلك ، فإن شهادة الشاهدين بأن فلانا طلّق زوجته أو أعتق أمته تقبل وان كان يسندان حل المناكحة.

وفي وجه للشافعية أن المعزول لو شهد بالحكم ولم يسنده الى نفسه ، بأن قال : حكم حاكم به ، لم يقبل ، وذكروا مجي‌ء مثله في الرضاع (٢).

ولو أسندت الرضاع إلى نفسها ، فشهدت بأنها أرضعتهما بالشرائط ، فأقرب الوجهين عند المصنف القبول ، لأنها لا تجر بهذه الشهادة نفعا ولا تدفع ضررا وعلمها أقوى من علم غيرها ، ورواية ابن بكير (٣) السالفة تشعر بذلك.

ويحتمل العدم ، لأن شهادة الإنسان على فعل نفسه لا يقبل ، كما لو شهد الحاكم على حكم نفسه بعد العزل لا يقبل.

وكذا القسام لو شهد على القسمة ، والأصح الأول ، وهذا بخلاف ما لو شهدت بأنهما ولداها ، أو بأنهما ولدتهما فإنه لا يقبل هنا جزما.

والفرق أن الولادة يتعلق بها حق النفقة والميراث وغير ذلك من الحقوق المقصودة ، وفرق بين الحاكم والقسام وبين المرضعة بأن فعلهما مقصود يتعلق به الحكم‌

__________________

(١) الوجيز ٢ : ١٠٩ ، مغني المحتاج ٣ : ٤٢٤ و ٤٢٥ ، السراج الوهاج : ٤٦٤.

(٢) المصادر السابقة.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٢٣ حديث ١٣٣٠.

٢٧٢

ولو ادعى بعد العقد أنها أخته من الرضاع أو امه وأمكن ، فإن صدقته قبل الدخول بطل العقد ولا مهر ولا متعة ، وإن كان بعد الدخول فلها المسمّى مع الجهل ، ولا شي‌ء مع العلم بالتحريم ، ويحتمل مع الجهل مهر المثل.

______________________________________________________

المتنازع فيه ، وفعل المرضعة غير مقصود بالإثبات ، فإن التحريم لا يتعلق بفعلها بل بوصول اللبن إلى الجوف.

فلو اتفق ذلك وهي نائمة أو مكرهة أثمر التحريم وبأن الحاكم والقاسم متهمان ، لأنهما يثبتان لأنفسهما العدالة ووجوب اتباع حكمها بخلاف المتنازع.

قوله : ( ولو ادعى بعد العقد أنها أخته من الرضاع أو أمه وأمكن ، فإن صدقته قبل الدخول بطل العقد ولا مهر ولا متعة ، وإن كان بعد الدخول فلها المسمّى مع الجهل ، ولا شي‌ء مع العلم بالتحريم ، ويحتمل مع الجهل مهر المثل ).

أي : لو ادعى الزوج بعد العقد على الزوجة بأنها أخته من الرضاع أو امه ، وأمكن ذلك بأن لم يكذبه الحس ، فإما أن تصدقه الزوجة أو تكذبه ، فإن صدقته فإما أن يكون ذلك قبل الدخول أو بعده.

فإن كان قبله فالعقد باطل ولا مهر ولا متعة لها ، لانتفاء النكاح. وإن كان بعد الدخول فلها المسمّى في قول الشيخ (١) إن كانت جاهلة بالتحريم ، وإن كانت عالمة فلا شي‌ء لها إذ لا مهر لبغي.

ووجه قول الشيخ أن العقد هو سبب ثبوت المهر ، لأنه مناط الشبهة ، فكان كالصحيح المقتضي لتضمين البضع بما وقع التراضي عليه في العقد ، وينبه عليه قوله تعالى ( إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ) ـ الى قوله ـ ( وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ) (٢).

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٣١٤.

(٢) الممتحنة : ١٠.

٢٧٣

وإن كذبته قبل الدخول ولا بينة ، حكم عليه بالحرمة ونصف الصداق ، ويحتمل الجميع وبعده الجميع.

______________________________________________________

ويحتمل وجوب مهر المثل مع الجهل ، لأن العقد باطل فلا يلزم من جهته مهر ، لبطلان ما تضمنه ، وقد تقرر في الأصول أن الباطل لا يترتب عليه أثره ، وإنما الموجب له وطء الشبهة ، ولا تعلق له بالمسمى ، لأن الواجب في الإتلاف إنما هو قيمة المثل ، وقيمة منافع البضع هو مهر المثل فوجب ضمانه ، وهذا هو الأصح. والآية إنما هي في النكاح الصحيح دون غيره.

وهنا ضابط وهو : ان كل موضع حكم فيه بفساد العقد يجب بالوطء فيه مهر المثل إن كانت المرأة جاهلة ، وكل عقد صحيح يعقبه فسخ بعد الدخول يجب فيه المسمى.

قوله : ( وإن كذبته قبل الدخول ولا بينة حكم عليه بالحرمة ونصف الصداق ، ويحتمل الجميع ).

قد سبق حكم ما إذا صدقته الزوجة على أن بينهما رضاعا محرما ، فأما إذا كذبته : فإن كان قبل الدخول ولا بينة حكم عليه بالحرمة ، لعموم « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » ، ولأنه يملك الفرقة ، فإذا اعترف بما تضمنها قبل ، ولا يقبل قوله بالنسبة إلى المرأة في فساد أصل النكاح ، فعلى هذا فله إحلافها إن ادعى عليها العلم ، ويجب نصف الصداق ، لأنها فرقة قبل الدخول من طرف الزوج فأشبهت الطلاق.

ويحتمل الجميع ، لوجوبه بالعقد ، وتشطره بالطلاق لا يقتضي لحاق غيره به ، فإن القياس عندنا باطل ، وهذا أصح ، والأول أشهر.

وبعد الدخول يجب الجميع قطعا ويحكم بالفرقة ، لما قلناه. وهذا كله إذا لم يكن بينة ، أما معها فإن الحكم كما لو صدقته.

وكذا الحكم لو ردت عليه اليمين فحلف ، أما لو حلفت هي أو نكل هو بعد الرد فإن الحكم كما سبق.

٢٧٤

ولو ادعت هي سمعت وإن كانت هي التي رضيت بالعقد ، لجواز جهلها به حالة العقد وتجدد العلم بخبر الثقات ، فإن صدقها الزوج وقعت الفرقة وثبت المهر مع الدخول وجهلها ، وإلاّ فلا.

ولو كذبها لم تقع الفرقة ، وليس لها المطالبة بالمسمّى قبل الدخول وبعده ، ويحتمل مطالبته مع الدخول بمهر المثل.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ادعت هي سمعت ، وإن كانت هي التي رضيت بالعقد ، لجواز جهلها به حالة العقد وتجدد العلم بخبر الثقات ، فإن صدقها الزوج وقعت الفرقة ويثبت المهر مع الدخول وجهلها ، وإلاّ فلا. ولو كذبها لم تقع الفرقة ، وليس لها المطالبة بالمسمّى قبل الدخول وبعده ، ويحتمل مطالبته بمهر المثل بعد الدخول ).

لو كان المدعي للرضاع هي الزوجة سمعت دعواها وإن كانت هي التي رضيت بالعقد ، لجواز جهلها به حالة العقد وتجدد العلم بخبر الثقات ، فلا يكون فعلها مكذّبا لدعواها. وقضية هذا التعليل أنها لو أخبرت بأنها كانت عالمة بالتحريم حين العقد لا تسمع الدعوى لمنافاتها لفعلها ، ويجي‌ء مثله في طرف الزوج.

إذا تقرر ذلك فاعلم أنه إن صدقها الزوج على دعواها وقعت الفرقة ، وثبت مهر المثل بالدخول مع جهلها على الاحتمال السابق. وإن لم يدخل أو كانت عالمة فلا شي‌ء ، لما مر. وإن كذبها فالنكاح باق ولا يقبل قولها في الفسخ ، لأنه حق عليها ، وليس لها المطالبة قبل الدخول بالمسمى ، لأن العقد فاسد بزعمها ، والفاسد لا يستحق به مهرا ، وكذا بعد الدخول لبطلان المسمّى.

وهل تطالب بمهر المثل؟ ظاهر العبارة يشعر بأنه ليس لها ذلك ، فإن قوله : ( ويحتمل مطالبته بمهر المثل ) تشعر بذلك ، وقد حكى الشارح الفاضل (١) قولا‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٦١.

٢٧٥

______________________________________________________

للشيخ (١) ، ووجه الاحتمال أن الوطء المحترم إذا لم يكن بعقد صحيح أو ملك يجب له مهر المثل كما نبهنا عليه.

فإذا جهلت التحريم استحقت بالوطء ذلك ، أما إذا عملت فلا شي‌ء لها ، إذ لا مهر لبغي واختار المصنف في التذكرة أن لها أقل الأمرين من المسمّى ومهر المثل (٢) ، لأنه إن كان المسمّى أقل فلا يقبل قولها في وجوب زائد عليه بل القول قوله بيمينه.

وإن كان الأقل مهر المثل لم يستحق أكثر منه ، لاعترافها بأن استحقاقها للمهر بوطء الشبهة لا بالعقد ، وهذا هو الأصح.

ولعل مراد الشارح الفاضل (٣) من قول الشيخ (٤) هو ما مر في المسألة السابقة من قوله : ( فإن كان بعد الدخول فلها المسمّى ) فإنه يوجب المسمى وإن كان العقد فاسدا ، إلاّ أن عبارة المصنف هنا لا تعرض فيها لقول الشيخ أصلا ، بل أطلق الحكم بأنها لا تستحق المسمّى ، فيبقى الاحتمال بغير مقابل ، وكأنه أراد به مقابل الاحتمال بوجوب أقل الأمرين.

قوله : ( ولو كذبها لم تقع الفرقة ).

هنا صور :

الاولى : أن يكذبها ولا يدعي عليه العلم.

الثانية : يدعيه ويحلف على نفيه.

الثالثة : ينكل فيرد اليمين عليها فتحلف.

الرابعة : ينكل.

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٣١٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٢٩.

(٣) إيضاح الفوائد ٣ : ٦١.

(٤) المبسوط ٥ : ٣١٤.

٢٧٦

ولها إحلافه على نفي العلم ، فإن نكل حلفت على البت ، فيحكم بالفرقة والمهر مع الدخول لا قبله.

ولو نكلت أو كان قد حلف الزوج أولا ، فإن كان قد دفع الصداق لم يكن له مطالبتها به ، وإلاّ لم يكن لها المطالبة فكان العقد ثابتا.

______________________________________________________

والحكم بعدم وقوع الفرقة يستقيم فيما عدا الثالثة ، ويطالب بالمسمّى إذا كان بقدر مهر المثل أو دونه فيما عداها أيضا. أما في الثالثة فيطالب بمهر المثل بالغا ما بلغ.

ومن هذا يعلم أن إطلاق قوله : ( لم تقع الفرقة ) ، وقوله : ( فليس لها المطالبة بالمسمى قبل الدخول وبعده ) ليس بجيد. وقوله : ( ويحتمل المطالبة بمهر المثل ) إنما يستقيم في موضع يجي‌ء احتمال المطالبة بأقل الأمرين من المسمّى ومهر المثل.

وقوله آخرا : ( ولو نكلت ، أو كان قد حلف الزوج أولا ، فإن كان قد دفع الصداق لم يكن له مطالبتها ، وإلاّ لم يكن لها المطالبة ) معترض ، فإنه ينبغي أنه في جميع الصور متى دفع الصداق ليس له المطالبة ، ومتى لم يدفعه فلها المطالبة بمهر المثل إذا حلفت اليمين المردودة ، وفيما عداها إن طابق المسمّى مهر المثل طالبته به ، وإلاّ طالبته بأقل الأمرين ، فكيف يستقيم نفي المطالبة مطلقا.

اعلم أن المصنف لو أحكام المهر بقوله : ( ولو كذبها لم تقع الفرقة ـ إلى قوله ـ بعد الدخول ) عن قوله : ( وكان العقد ثابتا ) وما بعده ، كان أولى ، لأنها أحكام ما إذا حلف الزوج أو ردّ فنكلت ، لا ما إذا حلفت.

قوله : ( ولها إحلافه على نفي العلم ، فإن نكل حلفت على البت ، فيحكم بالفرقة والمهر مع الدخول لا قبله ، ولو نكلت أو كان قد حلف الزوج أولا ، فإن كان قد دفع الصداق لم يكن له مطالبتها به ، وإلاّ لم يكن لها المطالبة ، وكان العقد ثابتا ).

أي : للزوجة في الصورة المذكورة إحلاف الزوج على نفي العلم بالرضاع‌

٢٧٧

والأقرب أنه ليس لها مطالبته بحقوق الزوجية على اشكال.

______________________________________________________

المحرم بينهما ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى في أحكام القضاء أن الحالف على نفي فعل الغير يحلف على نفي العلم.

والحالف على إثبات فعل الغير ، أو إثبات فعل نفسه ، أو نفي فعل إنما يحلف على القطع والبت ، فان حلف اندفعت دعواها ظاهرا وبقي النكاح ، لكن فيما بينها وبين الله تعالى إن كانت صادقة فيما أقرت به لا يحل لها مساكنته ولا تمكينه من وطئها ، وعليها أن تفر منه وتفدي نفسها بما أمكنها ، لأن وطأه لها زنا ونظره وخلوته محرمان ، فعليها التخلص بكل طريق ممكن ، كالتي عرفت أنها مطلقة وجحد زوجها ذلك.

وإن نكل ردت اليمين عليها فتحلف على البت لما ذكرناه ، فإذا حلفت حكم بالفرقة ووجب بالدخول مهر المثل إذا لم تكن عالمة بالتحريم حين الوطء ، لثبوت دعواها بحلفها ، وقبله لا تستحق شيئا.

فإن كان الزوج قد حلف أو نكل فردت اليمين عليها فنكلت هي أيضا ، وكان قد دفع المسمّى لم يكن له مطالبتها به ، لأنها تستحقه بزعمه ، فكيف يطالب به ، وإن لم يكن دفعه لم يكن لها المطالبة به ، لأنها بزعمها لا تستحقه بل مهر المثل فلا يجوز مطالبتها ، ومع ذلك فالنكاح ثابت ظاهرا.

ولا يخفى أنه لو كان المدعي هو كان له إحلافها على نفي العلم إن ادعى عليها العلم ، وحينئذ فإن حلفت طالبت بالمسمّى ، وإن نكلت فحلف هو انفسخ النكاح ، ولم يكن لها المطالبة بشي‌ء قبل الدخول ، وبعده يطالب بمهر المثل ولو نكل فكما لو حلفت هي.

قوله : ( والأقرب أنه ليس لها مطالبته بحقوق الزوجية على اشكال‌ في النفقة ).

يريد أنه إذا حلف الزوج فيما إذا كانت هي المدعية ، أو نكل فردت اليمين عليها فنكلت أيضا ، كان النكاح باقيا ، وعلى هذا فالأقرب عنده أنه ليس لها مطالبته‌

٢٧٨

______________________________________________________

بحقوق الزوجية ، لأن حقوق الزوجية تابعة للزوجية ، وهي منتفية بإقرارها ، فلا يمكن من المطالبة بما لا تستحقه.

ويحتمل ضعيفا أن لها ذلك ، لأن الزوجية ثابتة في نظر الشرع فاستحقت شرعا توابعها.

ويضعف بأن ثبوت الزوجية ظاهرا لا يقتضي ثبوت توابعها مع اعتراف الزوجة بعدم الاستحقاق ، فإن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، لكن في النفقة إشكال ينشأ : من انتفاء مقتضيها بزعمها ، ومن أنها معطلة لأجله وممنوعة من التزويج بسببه ، فلو لم يجب عليه نفقتها لزم الإضرار بحالها مع أنه معترف بوجوبها عليه.

والفرق بين النفقة وغيرها من الحقوق : أن النفقة لو بذلها لم يحرم عليها أخذها ، وأما النظر والقسم والاستمتاع فلو أراده منها وجب عليها الامتناع بمقتضى دعواها.

واعلم أن الشارح الفاضل ولد المصنف خصّ حقوق الزوجية التي قرّب المصنف المطالبة بها بما عدا الوطء ومشاهدة ما يحرم على غير الزوج ، قال : فإنه ليس لها ذلك قطعا ، بل بما لا يستلزم ذلك ، كما لو أوصى مورثه لزوجاته أو نذر ، وكالكفن ، وغير ذلك (١).

وما ذكره قريب ، لأنه يبعد احتمال المصنف جواز مطالبة الزوجة في المحل المفروض للزوج بالوطء ونحوه من الاستمتاعات ، حتى القسم والخلوة ، فإن ذلك حرام عليها بزعمها فكيف تطالب به.

ويمكن أن يقال : إنما يحرم عليها ذلك فيما بينها وبين الله تعالى إن كانت صادقة ، وأما ظاهرا فلا ، لأن النكاح ثابت ظاهرا.

ولو رجعت عن دعواها وصدّقت الزوج في عدم التحريم قبل ذلك منها ، ولم تمنع من المطالبة بالحقوق حينئذ ، فلا أقل من أن يجعل لها مطالبتها بها بمنزلة الرجوع ،

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٦٢.

٢٧٩

ولو رجع بعد إقراره بالرضاع عنه بعد الفرقة لم يقبل رجوعه فيه وإن ادعى الغلط.

ولو اعترف قبل العقد بالرضاع لم يجز له العقد عليها ، وكذا المرأة ، سواء صدّقه الآخر أو لا. ولو رجع المعترف منهما لم يقبل رجوعه فيه.

______________________________________________________

وللنظر في ذلك كله مجال.

وعلى ما ذكره المصنف من أنه إن كان دفع إليها الصداق لم يكن له مطالبتها به ، وإلاّ لم يكن لها المطالبة ، وما سيأتي من أنه لو رجع المعترف منهما لم يقبل رجوعه ، ينبغي الجزم والقطع بأنه ليس لها المطالبة بشي‌ء من ذلك إلاّ النفقة ، فإن فيها احتمالا ضعيفا ، وهذا هو المختار.

قوله : ( ولو رجع بعد إقراره بالرضاع عنه بعد الفرقة ، لم يقبل رجوعه وان ادعى الغلط ، ولو اعترف قبل العقد بالرضاع لم يجز له العقد عليها ، وكذا المرأة ، سواء صدّقه الآخر أو لا ، ولو رجع المعترف منهما لم يقبل رجوعه ).

أي : لو رجع المقر بعد إقراره بالرضاع المحرم عن الإقرار بعد الحكم بالفرقة بين الزوجين لم يقبل رجوعه ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، فلا يقبل الإنكار بعده.

ويلوح من التقييد بقوله : ( بعد الفرقة ) أن الرجوع لو كان حيث لم يحكم بالفرقة بينهما يقبل ، ويمكن توجيهه بثبوت النكاح وبقائه شرعا ، فرجوعه بمنزلة الرجوع عن إنكار النكاح الذي تضمنه الإقرار.

وأطلق في التذكرة عدم قبول الرجوع عن الإقرار (١) ، فيتناول ما إذا حكم بالفرقة وعدمه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٢٩.

٢٨٠