الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١
______________________________________________________
التحريم ، لقوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١) فإنها كما تتناول الوطء بالنكاح الصحيح تتناول الوطء بالزنا والشبهة.
فإن قيل : النكاح حقيقة في العقد فلا حجة في الآية.
قلنا : قد ثبت أنه حقيقة لغوية في الوطء ، والأصل عدم النقل.
فإن قيل : قد استعمل شرعا في العقد ، بل استعماله فيه أشيع.
قلنا : مجازا ، لأن الاشتراك مع كونه على خلاف الأصل مرجوح إذا عارضه المجاز ، وإذا ثبت التحريم بذلك في حق الابن فكذا في الأب ، لعدم القائل بالفرق.
ولما رواه عمار الساباطي عن الصادق عليهالسلام : في الرجل يكون له الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجد ، أو الرجل يزني بالمرأة ، هل يحل لابنه أن يتزوجها؟ قال : « لا ، انما ذلك إذا تزوجها فوطأها ثم زنا ابنه لم يضره ، لأن الحرام لا يفسد الحلال ، فكذلك الجارية » (٢).
ولا يضر ضعف سندها ، لاعتضادها بظاهر الآية ، وغير ذلك من الروايات.
ونفى ابن إدريس التحريم (٣) ، تمسكا بالأصل ، وبظاهر قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٤) ونحوه ، وبقوله عليهالسلام : « لا يحرّم الحرام الحلال وإنما يحرم ما كان بنكاح » (٥).
وجوابه : إن الأصل يترك للدليل والآية مخصوصة بما قدمناه ، والحديث يراد به الحرام اللاحق ، والحصر المستفاد من قوله : « وإنما يحرم ما كان بنكاح » معارض بما سبق
__________________
(١) النساء : ٢٢.
(٢) الكافي ٥ : ٤٢٠ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٢٨٣ حديث ١١٩٦ ، الاستبصار ٣ : ١٦٤ حديث ٥٩٧.
(٣) السرائر : ٢٨٧.
(٤) النساء : ٢٤.
(٥) سنن البيهقي ٧ : ١٦٩.
وليس لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر إلاّ بعقد أو ملك أو اباحة ، وللأب التقويم مع الصغر.
ولو وطأ الأب أو الابن زوجة الآخر أو مملوكته الموطوءة بزنا أو بشبهة ، فالأصح أنه لا يوجب التحريم ،
______________________________________________________
من الدلائل الدالة على أن الزنا ينشر حرمة المصاهرة ، والأصح التحريم.
واعلم أن المملوكة وإن كانت أعم من الموطوءة وغيرها ، إلاّ أن تعليق الحكم على مملوكتها يقتضي ثبوت التردد في تحريمها إذا لم يكن المالك قد وطأها ، ولا يدل على أن الموطوءة لا يتعلق بها حكم التحريم بذلك ، إلاّ أن ذلك سيأتي صريحا في قوله : ( ولو وطأ الأب أو الابن زوجة الآخر أو مملوكته الموطوءة ... ).
قوله : ( وليس لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر إلاّ بعقد أو ملك أو اباحة ، وللأب التقويم مع الصغر ).
كما لا يحل لواحد من الأب والابن التصرف في مال الآخر إلاّ بإذن المالك ، لأن المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ، وكذا لا يحل لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر إلاّ بسبب صحيح ، وهو إما العقد أو الملك الشرعيان ، والإباحة دائرة بينهما على ما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
وإنما أفردها بالذكر لوقوع النزاع في أنها من قسم العقد أو من قسم الملك ، فربما لم ينتقل الذهن فعطفها على القسمين من قبيل عطف الخاص على العام لهذه النكتة ، ويجوز لكل من الأب والجد تقويم جارية الابن الصغير على نفسه بأن يتملكها بعقد شرعي ممّلك ، ولا يكفي مجرد التقويم قطعا ، إذ لا ينتقل المملّك إلاّ بسبب ناقل ، وقبل الانتقال لا يجوز التصرف ، ولا اثر للتقويم بدون العقد المملّك ، ولا خلاف في شيء من هذه الأحكام ، ولا فرق بين كون الأب والجد مليا أم لا.
قوله : ( ولو وطأ الأب أو الابن زوجة الآخر أو مملوكته بزنا أو شبهة ، فالأصح أنه لا يوجب التحريم ).
ولا حد على الأب في الزنا بمملوكة ابنه ، ويحد الابن مع انتفاء الشبهة.
ولو حملت مملوكة الأب بوطء الابن لشبهة ، عتق ولا قيمة على الابن ،
______________________________________________________
المراد انه إذا وطأ أحدهما زوجة الآخر وإن لم يكن مدخولا بها ، أو مملوكته التي قد وطأها المالك بالملك أو بسبب آخر وإن تقدّم على زمان الملك بزنا أو شبهة ، ففي تحريمها على الزوج والمالك قولان :
أحدهما : التحريم ، لظاهر قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١) وهو ضعيف ، لأن الآية مخصوصة بقوله عليهالسلام : « لا يحرّم الحرام الحلال » (٢).
وأصحهما ـ وهو مختار الأكثر (٣) ـ عدم التحريم ، ولا يخفى أن الجار في قوله : ( بزنا ) يتعلق بقوله : ( ولو وطأ الأب ).
قوله : ( ولا حدّ على الأب في الزنا بمملوكة ابنه ، ويحدّ الابن مع انتفاء الشبهة ).
لا خلاف في ذلك ، والفرق أن الأب لما كان أصلا في وجود الابن اثبت له الشارع هذه المزية ونحوها ، وفي قوله عليهالسلام : « أنت ومالك لأبيك » (٤) إيماء إلى ذلك.
قوله : ( ولو حملت مملوكة الأب بوطء الابن شبهة عتق ولا قيمة على الابن ).
__________________
(١) النساء : ٢٢.
(٢) سنن البيهقي ٧ : ١٦٩.
(٣) منهم الشيخ في النهاية : ٤٥٢ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٨٧ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ١٨٣.
(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٩ حديث ٢٢٩١.
ولا عتق مع الزنا.
ولو حملت مملوكة الابن بذكر لم ينعتق ، وعلى الأب فكه مع الشبهة.
ولو حملت بأنثى عتقت على الابن ولا قيمة ، ولا عتق مع الزنا.
وعلى كل من الأب والابن مهر المثل لو وطأ زوجة الآخر للشبهة ، فإن حرمنا بها فعاودها الزوج وجب عليه مهر آخر وإلاّ فلا ،
______________________________________________________
وذلك لأن النسب يثبت مع الشبهة ، فيكون ابن ابن مالك الأمة ، فيعتق عليه لو كان رقا ، فلا تجب عليه قيمته.
قوله : ( ولا عتق مع الزنا ).
وجهه انتفاء النسب بالزنا ، فإذا كان الابن زانيا لم يتحقق النسب الموجب للعتق ، ولا يخفى أنه قد سبق في كلام المصنف التردد في أن الزنا هل يثبت معه العتق كالصحيح والشبهة ، وجزم هنا بالعدم ، فيكون رجوعا عن الجزم السابق.
قوله : ( ولو حملت مملوكة الابن بذكر لم ينعتق ، وعلى الأب فكه مع الشبهة ، ولو حملت بأنثى عتقت على الابن ولا قيمة ، ومع الزنا لا عتق ).
أي : لو حملت مملوكة الابن من الأب ، فإن كان بذكر لم ينعتق ، لأن الأخ لا ينعتق على أخيه لو ملكه كما هو مقرر في موضعه ، بخلاف الأخت.
فلو حملت بأنثى عتقت ، ولم يجب على الأب للابن قيمتها ، وتجب القيمة في الذكر. وهذا كله إنما هو مع الشبهة ، أما مع الزنا فلا نسب ولا عتق ولا قيمة.
قوله : ( وعلى كل من الأب والابن مهر المثل لو وطأ زوجة الآخر للشبهة ، فإن حرّمنا بها فعاودها الزوج وجب عليه مهر آخر ، وإلاّ فلا ).
لا ريب أن الوطء بالشبهة يوجب على الواطئ مهر المثل إذا لم تكن الموطوءة عالمة بالحال ، فإذا وطأ الأب أو الابن زوجة الآخر للشبهة ، وقلنا بتحريمها على الزوج بذلك ، فعاودها الزوج ، أي : وطأها بعد ذلك ، وجب عليه مهر آخر لها ، لأن وطء
والرضاع في ذلك كله كالنسب.
الفصل الثالث : في باقي الأسباب ، وفيه مسائل :
أ : من لاعن امرأته حرمت عليه ابدا ، وكذا لو قذف زوجته الصماء أو الخرساء بما يوجب اللعان لو لا الآفة.
______________________________________________________
الشبهة لا يخلو عن المهر ، وهذا إذا لم تكن عالمة بالحال.
وقوله : ( وإلاّ فلا ) معناه وإن لم نحرمها بذلك على الزوج ، أو لم يعاودها الزوج فليس لها مهر آخر ، وهو ظاهر.
قوله : ( والرضاع في ذلك كله كالنسب ).
أي : حكم الأب من الرضاع كحكم الأب من النسب ، والابن من الرضاع كالابن من النسب ، وبنت الزوجة من الرضاع وأمها كالبنت والام لها من النسب.
وكذا القول في الأخت والعمة والخالة ، ففي كل موضع حكمنا بتحريم المصاهرة لأحد المذكورين من النسب ، حكمنا به في نظيره من الرضاع ، وقد سبق هذا مستوفى.
قوله : ( الفصل الثالث : في باقي الأسباب ، وفيه مسائل :
الاولى : من لاعن امرأته حرمت عليه أبدا ، وكذا لو قذف زوجته الصمّاء والخرساء بما يوجب اللعان لو لا الآفة ).
أجمع الأصحاب على أن من لاعن امرأته حرمت عليه أبدا ، وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث طويل : « والملاعنة لا تحل له أبدا » (١).
وكذا أجمعوا على أن من قذف زوجته وهي صماء أو خرساء قذفا يوجب اللعان لو لا الافة وهي الصمم والخرس ، بأن يرميها بالزنا مع دعوى المشاهدة وعدم البينة.
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤٢٨ حديث ٩.
ب : لو تزوج امرأة في عدتها عالما حرمت عليه أبدا دون أبيه وابنه ، وإن جهل العدة أو التحريم : فإن دخل فكذلك في حقه وحقهما ، وإلاّ بطل واستأنف بعد الانقضاء.
ويلحق به الولد مع الجهل إن جاء لستة أشهر فصاعدا من حين الوطء ، ويفرق بينهما ، وعليه المهر مع جهلها لا علمها ، وتعتد منه بعد إكمال الاولى ، ولو كانت هي العالمة لم يحل لها العود إليه أبدا.
ولو تزوج بذات بعل ففي إلحاقه بالمعتدة إشكال ينشأ : من عدم التنصيص ، ومن أولوية التحريم.
ولا فرق في العدة بين البائن والرجعي وعدة الوفاة.
______________________________________________________
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام : أنه سئل عن رجل قذف امرأته بالزنا وهي خرساء صماء لا تسمع ما قال ، فقال : « إن كان لها بيّنة تشهد عند الإمام جلده الحد وفرق بينهما ، ثم لا تحل له أبدا ، وإن لم يكن لها بينة فهي حرام عليه ما أقام معها ولا اثم عليها منه » (١).
قوله : ( الثانية : لو تزوج امرأة في عدتها عالما حرمت عليه أبدا دون ابنه وأبيه ، وإن جهل العدة أو التحريم ، فإن دخل فكذلك في حقه وحقهما ، وإلاّ بطل واستأنف بعد الانقضاء ، ويلحق به الولد مع الجهل إن جاء لستة أشهر فصاعدا من حين الوطء ، ويفرّق بينهما ، وعليه المهر مع جهلها لا علمها ، ويعتد منه بعد إكمال الاولى.
ولو كانت هي العالمة لم يحل لها العود إليه أبدا ، ولو تزوج بذات بعل ، ففي إلحاقه بالمعتدة إشكال ينشأ : من عدم التنصيص ، ومن أولوية التحريم. ولا فرق في العدة بين البائن والرجعي وعدة الوفاة ).
__________________
(١) الكافي ٦ : ١٦٦ حديث ١٨ ، التهذيب ٨ : ١٩٣ حديث ٦٧٥.
______________________________________________________
إذا تزوج رجل امرأة في عدتها فله صور ، لأنهما إما أن يكونا عالمين ، أو جاهلين بالعدة أو التحريم ، أو أحدهما عالما والآخر جاهلا ، وعلى التقديرات فإما أن يحصل الدخول ، أو لا :
الاولى : أن يكونا عالمين بالعدة والتحريم ويدخل.
الثانية : الصورة بحالها ولا دخول ، فتحرم عليه مؤبدا في الصورتين ، لما رواه زرارة بن أعين وداود بن سرحان عن أبي عبد الله عليهالسلام. وعبد الله بن بكير عن أديم بياع الهروي عنه عليهالسلام إنه قال : « الذي يتزوج المرأة في عدتها وهو يعلم لا تحل له أبدا » (١).
وروى عبد الرحمن بن الحجاج عنه عليهالسلام قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة ، أهي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال : « لا ، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها ، وقد يعذر الناس في الجهالة ما هو أعظم من ذلك ».
فقلت : بأي الجهالتين أعذر ، بجهالته أن يعلم أن ذلك محرم عليه أبدا ، أم بجهالة أنها في عدة؟
فقال : « احدى الجهالتين أهون من الأخرى ، الجهالة بأن الله تعالى حرّم ذلك عليه ، وذلك أنه لا يقدر على الاحتياط معها ».
قلت : فهو في الأخرى معذور؟ قال : « نعم ، إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها ».
فقلت : وإن كان أحدهما متعمدا والآخر بجهالة؟ فقال : « الذي تعمد لا يحل له أن يرجع الى صاحبه ابدا » (٢) وغير ذلك من الروايات (٣).
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٠٥ حديث ١٢٧٢.
(٢) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٦ حديث ١٢٧٤.
(٣) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٤ ، ٥ ، ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٢٧٥ و ١٢٧٧.
______________________________________________________
إذا تقرر ذلك فاعلم أنها كما تحرم على العاقد تحرم على أبيه وابنه ، لكن في الأولى دون الثانية ، وذلك على أصح القولين من أن الزنا يحرم المزني بها على أبي الزاني وابنه ، وأطلق المصنف عدم التحريم عليهما ، وإطلاقه يتناول ما إذا حصل مع العقد دخول ، على أن المصنف لم يرجّح فيما سبق القول بالتحريم ولا عدمه.
الثالثة : أن يكونا جاهلين بالعدة أو التحريم ويدخل فتحرم أبدا ، لرواية الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحل له أبدا ، عالما كان أو جاهلا ، وإن لم يدخل بها حلت للجاهل ولم تحل للآخر » (١).
وإلى هذه الصورة أشار المصنف بقوله : ( وإلاّ بطل واستأنف بعد الانقضاء ).
أي : وإن لم يدخل بطل النكاح واستأنفه بعد انقضاء العدة إن شاء.
الرابعة : الصورة بحالها ولا دخول ، فلا تحريم ، ولا فرق بين كونه جاهلا بالعدة وبالتحريم ، لأن الجاهل في سعة. ولرواية عبد الرحمن السالفة (٢).
ولمقطوعة محمد بن مسلم قال : قلت له المرأة الحبلى يتوفى عنها زوجها فتضع وتتزوج قبل أن تعتد أربعة أشهر وعشرا.
فقال : « ان كان الذي تزوجها دخل بها فرّق بينهما ولم تحل له أبدا ، أو اعتدت بما بقي عليها من عدة الأول واستقبلت عدة اخرى من الآخر ثلاثة قروء. وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما وأتمت ما بقي من عدتها وهو خاطب من الخطاب » (٣). والمراد مع عدم الدخول لروايتي الحلبي وعبد الرحمن السالفتين.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنها مع الدخول تحرم على أبي العاقد وابنه ، لأن الوطء
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٢٧٦.
(٢) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٦ حديث ١٢٧٤.
(٣) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٢٧٧ ، الاستبصار ٣ : ١٨٧ حديث ٦٨٠.
______________________________________________________
بالشبهة كالصحيح في أحكام المصاهرة ، وقد صرح المصنف بالتحريم هنا بقوله : ( فكذلك في حقه وحقهما ) أي : حرمت مؤبدا في حق العاقد وابنه وأبيه ، ولم يصرّح بإلحاق الوطء بالشبهة بالصحيح في التحريم فيما سبق ، بل اقتصر على حكاية الخلاف ، وهنا مسائل :
الأولى : إذا حصل الدخول في صورة الجهل فأتت بولد لستة أشهر فصاعدا من حين الوطء ، كان لاحقا بالعاقد ، لرواية جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهماالسلام في المرأة تزوج في عدتها ، قال : « يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا ، وإن جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فهو للأخير ، وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فهو للأول » (١).
الثانية : يفرّق بينهما قطعا ، لأنها في عدة الغير ، وقد سبق في رواية محمد بن مسلم.
الثالثة : يجب على العاقد المهر بالدخول إذا كانت جاهلة بالتحريم ، وبه رواية مقطوعة (٢) ، إلاّ إذا كانت عالمة ، لأنها زانية ، وهو مهر المثل ، ويجيء على قول الشيخ السالف (٣) لزوم المسمّى.
الرابعة : تعتد منه بعد إكمال العدة الاولى ، ولا يكفيها عدة واحدة ، لأن تعدد الأسباب يقتضي تعدد المسببات ولمقطوعة محمد بن مسلم (٤). وما يوجد في بعض الأخبار من الاكتفاء بعدة واحدة (٥) ، محمول على عدم الدخول ، جمعا بين الأدلة ،
__________________
(١) التهذيب ٧ : ٣٠٩ حديث ١٢٨٣.
(٢) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٠٨ حديث ١٢٨١.
(٣) المبسوط ٥ : ٣١٤.
(٤) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٢٧٧ ، الاستبصار ٣ : ١٨٧ حديث ٦٨٠.
(٥) التهذيب ٧ : ٣٠٨ حديث ١٢٧٨ ، الاستبصار ٣ : ١٨٨ حديث ٦٨١.
______________________________________________________
وسيأتي ذلك في العدد إن شاء الله تعالى.
الخامسة : لو كان العلم بالتحريم والعدة من أحد الجانبين خاصة والآخر جاهل بأحدهما ، فالتحريم إنما هو من طرف العالم دون الجاهل حيث ينتفي التحريم بالجهل ، وذلك مع عدم الدخول ، وهو مفهوم رواية عبد الرحمن بن الحجاج السالفة (١).
فإن قيل : كيف يعقل التحريم من أحد الجانبين خاصة ، فإن أحدهما متى حرم على الآخر لم يجز للآخر التزويج به ، لما في ذلك من المعاونة على الإثم والعدوان.
قلنا : يمكن التوصل إلى النكاح من المحلل له حيث لا يشعر من تعلق به التحريم بالحال ، إما بأن يجهل التحريم ، أو يخفى عليه عين الشخص بتخلل مدة طويلة ، ونحو ذلك. واستشكله شيخنا الشهيد في بعض حواشيه بعدم النظير ، ولا اشكال مع ورود النص (٢) بذلك.
لكن يشكل بوجه آخر ، وهو إنّا لو جوّزنا العقد في صورة جهل من تعلق به التحريم بالحال لكان إذا تجدد علمه بذلك بعد العقد يلزم اما الحكم ببطلان النكاح الصحيح ، أو صحته مع وجود المانع ، وكلاهما باطل. ووجه اللزوم أنه إن حكم على من تعلق به التحريم بصحة النكاح لزم الأمر الثاني ، أو بفساده لزم الأمر الأول.
والحق أن النكاح لا يعقل صحته من أحد الجانبين دون الآخر ، فلا يعقل ثبوت التحريم من أحدهما خاصة ، وليس هذا كما لو اختلفا في صحة النكاح وفساده فالحكم ظاهر بالصحة ، فإن مدعي الفساد تلحقه أحكام الزوجية ظاهرا ، ويجب عليه فيما بينه وبين الله تعالى العمل بما يعلمه بحسب مقدوره ، فاختلف الحكم نظرا إلى الظاهر ، وما في نفس الأمر والحكم هنا إنما هو بالنظر إلى نفس الأمر.
السادسة : لا فرق في ذلك بين كون العدة بائنة أو رجعية أو عدة وفاة أو عدة
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٦ حديث ١٢٧٤.
(٢) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٢ و ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٢٧٤ و ١٢٧٦.
______________________________________________________
شبهة ، لإطلاق العدة في النصوص (١) ، ولان ترك الاستفصال في حديث عبد الرحمن بن الحجاج (٢) يدل على العموم ، ولم يتعرض المصنف لذكر عدة الشبهة لكن الدليل يقتضيه.
وكذا لا فرق في الدخول بين القبل والدبر على أقرب الوجهين ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى من أن الوطء في الدبر يعد دخولا كالقبل.
وكذا لا فرق بين كون النكاح متعة ودواما سوى النكاح الذي منه العدة والنكاح الطارئ ، لعموم النص (٣).
السابعة : لو تزوج بذات بعل ودخل بها عالما بالحال حرمت مؤبدا ، لأنه زان ، والزنا بذات البعل يقتضي التحريم المؤبد.
وكذا لو دخل جاهلا على أقرب الوجهين ، لأن علاقة الزوجية أقوى من علاقة الاعتداد ، فيثبت التحريم مع الزوجية بطريق أولى.
ولرواية زرارة عن الباقر عليهالسلام : في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها ، فتزوجت ، ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلّقها قال : « تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة ، وليس للأخير أن يتزوجها أبدا » (٤) ، وفي طريقها ابن بكير وهو فطحي ، ومع ذلك فقد دلت على الاكتفاء بعدة واحدة منهما ، والمعتمد خلافه.
ومقطوعة محمد بن مسلم قد تضمنت وجوب العدتين (٥) ، ونزلها الشيخ في التهذيب على عدم الدخول (٦) ، وقوله عليهالسلام : « تعتد منهما جميعا » ينافيه ، ولو صح
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ١ ـ ١٥ ، التهذيب ٧ : ٣٠٥ حديث ١٢٧٢ ـ ١٢٧٦.
(٢) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٦ حديث ١٢٧٤.
(٣) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٢٧٦.
(٤) التهذيب ٧ : ٣٠٨ حديث ١٢٧٩ ، الاستبصار ٣ : ١٨٨ حديث ٦٨٢.
(٥) التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٢٧٧ ، الاستبصار ٣ : ١٨٧ حديث ٦٨.
(٦) التهذيب ٧ : ٣٠٨ ذيل الحديث ١٢٨٠.
وهل وطء الأمة في الاستبراء كالوطء في العدة؟ إشكال.
______________________________________________________
التنزيل أشكلت بوجه آخر ، وهو ثبوت التحريم المؤبد بمجرد العقد مع الجهل بالزوجية ، فإنه مع بعده لا قائل به.
ويحتمل عدم التحريم ، لعدم التنصيص عليه ، فيتمسك بأصالة الحل ، والقياس باطل ، والمعتمد الأول ولا قياس بل الحكم من باب التنبيه كما أشار إليه المصنف هنا.
وصرّح به في التحرير وافتى فيه بالتحريم (١) ، واستشكله هنا. واعترض بعضهم على أول وجهي الإشكال بوجود النص الدال على التحريم كما اعترف به في التحرير ، ولعله لما رأى أن دلالته على المراد غير واضحة لم يلتفت إليه.
ولو تزوج بذات البعل ولم يدخل ، فإن كان جاهلا فلا تحريم ، لانتفاء المقتضي والتمسك بالأصل ، ولو كان عالما فإشكال ينشأ : من عدم التنصيص ، ومن أن الحكم بالتحريم هنا بطريق أولى.
ولا يخفى أن قول المصنف : ( ولو تزوجت بذات بعل ... ) يقتضي أن الاشكال في لحاقه بالتزوج بالمعتدة في جميع الصور ، لكن ينبغي استثناء ما إذا تزوج بذات البعل جاهلا ولم يدخل ، فإن المتجه هنا عدم التحريم بغير اشكال ، وكذا لو تزوج ودخل عالما ، لأنه زان بذات بعل.
الثانية : لو وطأ المعتدة بملك اليمين فهل هو كما لو تزوج في العدة ودخل؟ فيه إشكال ينشأ : من عدم التنصيص ، ومن مساواة الوطء بملك اليمين للوطء بالنكاح.
قوله : ( وهل وطء الأمة في الاستبراء كالوطء في العدة؟ إشكال ).
أي : لو وطأ الأمة في زمان الاستبراء ، اما بالنكاح أو بملك اليمين ، جاهلا بكونها مستبرأة أو بالتحريم ، أو عالما ، فهل هو كالوطء للمعتدة في العدة؟ فيه إشكال ينشأ : من أن الاستبراء من أقسام العدة فيتناوله النص.
__________________
(١) التحرير ٢ : ١٤.
ولو تزوج بعد الوفاة المجهولة قبل العدة ، فالأقرب عدم التحريم المؤبد ، ويحتمله وإن زادت المدة عن العدة ، وفي المسترابة إشكال.
______________________________________________________
ومن أنه نوع بانفراده ، ولهذا اختص باسم يدل عليه ، فلا يتناوله النص الوارد في المعتدة ، والأصل. والأصح عدم التحريم ، وان المصنف لو قال : ولو تزوج بمستبرأة ففي لحاقه بالمعتدة إشكال ، لكان أشمل.
قوله : ( ولو تزوج بعد الوفاة المجهولة قبل العدة ، فالأقرب عدم التحريم المؤبد ، ويحتمله وإن زادت المدة عن العدة ).
لما كانت المتوفى عنها زوجها إنما تحتسب عدتها من حين علمها بالوفاة ، فقبله لا تكون معتدة ولا زوجة ، كان الأقرب عند المصنف عدم التحريم المؤبد لو تزوجها آخر ، عالما أو جاهلا ، دخل أو لا ، لانتفاء المقتضي للتحريم ، وهو كونها مزوجة أو معتدة. والأصل الحل ، فيتمسك به إلى أن يحصل الناقل.
ويحتمل التحريم المؤبد ، لأنه لو تزوجها بعد هذا الزمان في زمان العدة لاقتضى التحريم ، ففيه أولى ، لأنه أقرب إلى زمان الزوجية. ولا فرق بين كون المدة المتخللة بين الوفاة والعدة زائدة على قدر العدة أو مساوية أو ناقصة ، لأن العدة إنما تكون بعد العلم بالوفاة ، وإن تراخى زمانه فجميع ما قبله سواء في الحكم ، قل أو كثر ، ولا يخفى أن الأولوية ممنوعة ، والقياس لا نقول به ، وعدم التحريم أقرب.
واعلم أن الضمير المستتر في قوله : ( ويحتمل ) يعود إلى ما دل عليه السياق ، وهو المبحث أو المقام ، والبارز يعود إلى التحريم المؤبد ، أي : ويحتمل هذا المبحث التحريم المؤبد إلى آخره.
قوله : ( وفي المسترابة إشكال ).
لو طلّق المسترابة بالحمل بائنا ، وفرضها أن تعتد بثلاثة أشهر ، فرأت الدم قبل انقضاء الشهر الثالث ، فإنه سيأتي إن شاء الله تعالى أنها تتربص مدة الحمل ثم تعتد بثلاثة أشهر ، فإذا تزوجها آخر في مدة التربص عالما بالحال والتحريم ودخل بها ، ففي
ج : لو زنا بذات البعل أو في عدة رجعية ، حرمت عليه أبدا. ولو لم يكن إحداهما لم تحرم ، سواء كانت ذات عدة بائن أو لا وإن كانت مشهورة بالزنا ،
______________________________________________________
تحريمها مؤبدا إشكال ينشأ : من أن ذلك ليس زمان العدة ، لقولهم انها تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر فليست معتدة ولا زوجة ، فينتفي التحريم ، ومن أنها في حكم المعتدة ، لأن الطلاق يقتضي وجوب الاعتداد ، ولا يزول ذلك ، إلاّ بانقضاء العدة ، ولأن هذا أقرب إلى زمان الزوجية من زمان العدة ، فيثبت التحريم بطريق أولى.
واعلم أن المصنف إنما افتى بعدم التحريم في الوفاة المجهولة ، واستشكل هنا ، لأن المدة بعد الوفاة المجهولة لا تعد عدة بحال من الأحوال ، وفي المسترابة يتحقق الشروع في العدة بالأشهر ، ثم تبين بطلان ذلك بحصول الحيض ، ويعيّن الاعتداد بالأقراء ، وصار ما قبل الحيض وما بعده محسوبا منها ، فلما تأخر الحيض وجب التربص مدة الحمل ثم الاعتداد ، فظهر أن تلك المدة أقرب إلى العدة من المدة بعد الوفاة المجهولة ، وفي الحكم عندي تردد ، والتحريم أحوط.
قوله : ( الثالثة : لو زنا بذات بعل أو في عدة رجعية ، حرمت عليه أبدا ، ولو لم تكن إحداهما لم تحرم ، سواء كانت ذات عدة بائن أو لا وإن كانت مشهورة بالزنا ).
أجمع الأصحاب على أن من زنا بذات بعل حرمت عليه مؤبدا ، وقد روى محمد ابن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، رفعه : « إن الرجل إذا تزوج المرأة وعلم أن لها زوجا فرّق بينهما ولم تحل له أبدا » (١). وهو شامل لمحل النزاع ، لأن ذلك شامل لما إذا دخل بها عالما بأن لها زوجا فإنه زان حينئذ ، وإن احتمل اختصاص الحكم بحال العقد دون مطلق الزنا.
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤٢٩ حديث ١١.
______________________________________________________
وذات العدة الرجعية زوجة بخلاف البائن ، فلو زنا بذات العدة البائن لم تحرم عليه ، للأصل ، واختصاص النص بما إذا عقد عليها (١).
وأشار بقوله : ( وإن كانت مشهورة بالزنا ) إلى رد قول المفيد (٢) ، والشيخ في النهاية (٣) ، وأتباعهما (٤) ، فإنهم قالوا : إن من فجر بامرأة وهي غير ذات بعل لم يكن له العقد عليها إلاّ إذا ظهر منها التوبة والإقلاع.
واعتبر في النهاية في توبتها أن يدعوها إلى الزنا فلا تجيبه ، والأصح مختار المصنف ، للأصل ، ولما رواه الحلبي في الصحيح ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : « أيما رجل فجر بامرأة حراما ، ثم بدا له أن يتزوجها ، قال : أوله سفاح وآخره نكاح ، فمثله كمثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها ثم اشتراها بعده فكانت له حلالا » (٥).
احتجوا بما رواه أبو بصير ، قال : سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد بعد أن يتزوجها ، قال : « إذا تابت حل له نكاحها ». قلت : كيف تعرف توبتها؟ قال : « يدعوها إلى ما كان عليه من الحرام ، فإن امتنعت واستغفرت ربها عرف توبتها » (٦) ، وفي معناها رواية عمار الساباطي عن الصادق عليهالسلام (٧).
أجاب في المختلف بالطعن في سند الروايتين ، مع أن رواية أبي بصير غير مسندة إلى امام. وبالحمل على الكراهية ، قال : مع أن في مضمونها اشكالا (٨).
__________________
(١) البقرة : ٢٣٥.
(٢) المقنعة : ٧٧.
(٣) النهاية : ٤٥٨.
(٤) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٨٦ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ١٨٨.
(٥) الكافي ٥ : ٣٥٦ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٢٧ حديث ١٣٤٥.
(٦) الفقيه ٣ : ٢٦٤ حديث ١٢٥٧ ، التهذيب ٧ : ٣٢٧ حديث ١٣٤٨ ، الاستبصار ٣ : ١٦٨ حديث ٦١٤.
(٧) الكافي ٥ : ٣٥٥ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٢٨ حديث ١٣٤٩ ، الاستبصار ٣ : ١٦٨ حديث ٦١٥.
(٨) المختلف : ٥٢٧.
ولو أصرت امرأته على الزنا فالأصلح أنها لا تحرم.
وهل الأمة الموطوءة كذات البعل؟ نظر.
______________________________________________________
قلت : لعل الاشكال من جهته أن دعائه إياها إلى الحرام يتضمن اغرائها بالقبيح ، وهو محرّم.
قوله : ( ولو أصرت امرأته على الزنا فالأصح أنها لا تحرم ).
ذهب المفيد (١) وسلار (٢) إلى أن من أصرت زوجته والعياذ بالله على الزنا حرمت عليه ، لأن أعظم فوائد النكاح التناسل ، والغرض من شرعية الحد والرجم للزاني حفظ الأنساب عن الاختلاط ، وهذا المحذور قائم مع إصرار الزوجة على الزنا.
وجوابه : إن الزاني لا نسب له ولا حرمة لمائه ، والأصح عدم التحريم ، لقوله عليهالسلام : « لا يحرّم الحرام الحلال » (٣) ، وما رواه عباد بن صهيب عن الصادق عليهالسلام قال : « لا بأس بأن يمسك الرجل زوجته إذا رآها تزني إذا كانت تزني وإن لم يقم عليها الحد فليس عليه من إثمها شيء » (٤).
قوله : ( وهل الأمة الموطوءة كذات البعل؟ نظر ).
أي : هل الأمة الموطوءة بالملك كذات البعل في أنها تحرم مؤبدا على من زنا بها؟ فيه نظر ينشأ : من أصالة الحل وانتفاء النص ، ومن أن الوطء بملك اليمين كالنكاح. ومن ثم تعلق به أحكام المصاهرة ، ولاشتراكهما في المعنى المقتضي لتحريم الزنا ، وهو صيانة الأنساب عن الاختلاط.
والكل ضعيف ، فإن المساواة في بعض الأحكام لا يقتضي المساواة في الجميع ، والاشتراك في المعنى المقتضي لتحريم الزنا لا يقتضي التحريم المؤبد ، والأصح عدم التحريم.
__________________
(١) المقنعة : ٧٧.
(٢) المراسم : ١٤٩.
(٣) التهذيب ٧ : ٢٨٣ حديث ١١٩٨ ، الاستبصار ٣ : ١٦٥ حديث ٥٩٥ ، سنن البيهقي ٧ : ١٦٩.
(٤) التهذيب ٧ : ٣٣١ حديث ١٣٦٢.
د : لو أوقب غلاما أو رجلا حيا أو ميتا على اشكال ، حرمت عليه أم الغلام أو الرجل وأخته وبنته مؤبدا من النسب ، وفي الرضاع والفاعل الصغير اشكال.
______________________________________________________
قوله : ( الرابعة : لو أوقب غلاما أو رجلا حيا أو ميتا على اشكال ، حرم عليه أم الغلام أو الرجل وبنته وأخته مؤبدا من النسب ، وفي الرضاع والفاعل الصغير إشكال ).
أطبق الأصحاب على أن من لاط بغلام أو رجل فأوقبه حرمت عليه أم الغلام وأخته وبنته ، والأصل في ذلك ما رواه ابن أبي عمير في الصحيح عن رجل عن الصادق عليهالسلام : في الرجل يلعب بالغلام قال : « إذا أوقب حرم عليه أخته وبنته » (١).
وروى إبراهيم بن عمير عن الصادق عليهالسلام : في رجل لعب بغلام هل تحل له امه؟ قال : « إن كان قد ثقب فلا » (٢) ، ولأنه يصدق أنها بنت من وطأه وامه ، فحرمتا عليه كالأنثى ، وهنا مسألتان :
الاولى : لا خلاف في تعلق التحريم بالفعل المذكور إذا كان المفعول به حيا ، أما الميت ففيه إشكال ينشأ : من عموم النص الصادق على الميت ، ومن خروجه بالموت عن كونه مشتهى طبعا وتعلق أحكام الأحياء به ، ومن أن المتبادر إلى الفهم من النص إنما هو الحي دون الميت ، والتحريم ليس ببعيد.
الثانية : هل الام والأخت والبنت من الرضاع كاللاتي من النسب في التحريم؟ فيه إشكال ينشأ : من أن صدق الام والبنت والأخت عليهن إنما هو بطريق المجاز ، لأن الحقيقة إنما هي مع الولادة ، فلا يتناولهن النص الوارد بالتحريم (٣).
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤١٧ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣١٠ حديث ١٢٨٦.
(٢) التهذيب ٧ : ٣١٠ حديث ١٢٨٧.
(٣) المصدرين السابقين.
ويتعدى التحريم إلى الجدات وبنات الأولاد ، دون بنت الأخت.
ولو سبق العقد لم يحرم ، وكذا دون الإيقاب لا يحرم.
______________________________________________________
ومن عموم قوله عليهالسلام : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (١) مع إمكان ادعاء الحقيقة ، لأنه سبحانه سمّى المرضعة اما ، والأصل في الاستعمال الحقيقة. وكيف كان فالتحريم أقوى ، لعموم الأحاديث في الرضاع.
وكذا الاشكال لو كان الفاعل صغيرا ، ومنشؤه : من أن التحريم الوارد في النص دليل على أن هذا الحكم إنما هو في البالغ ، لامتناع تعلق التحريم بالصبي. ومن أن النص خرج مخرج الغالب ، لأن هذا الفعل إنما يقع غالبا من البالغ.
ولأنه بعد البلوغ يصدق عليه أنه رجل أوقب غلاما فيتعلق به التحريم ، لعموم النص (٢) لمن تقدم إيقابه على البلوغ ومن تأخر عنه ، وحينئذ فيكون الحكم بالتحريم قبل البلوغ متعلقا بالولي ولأن أحكام المصاهرة لا يفرق فيها بين البالغ والصبي ، والفرد النادر يلحق بالأعم الغالب ، والتحريم أقوى.
قوله : ( ويتعدى التحريم إلى الجدّات وبنات الأولاد دون بنت الأخت ).
أي : يتعدى التحريم على الفاعل إلى جدّات المفعول وإن بعدن ، لأب كن أو لام ، لصدق الام على كل منهن ، وكأن هذا الحكم متفق عليه بين الأصحاب. وكذا القول في بنات أولاده ، سواء بنات الذكور أو الإناث ، أما بنت الأخت فلا ، للأصل ، ولأن اسم الأخت لا يقع عليها بحال من الأحوال.
قوله : ( ولو سبق العقد لم يحرم ، وكذا دون الإيقاب ).
أما إذا سبق العقد فلقولهم عليهمالسلام : « لا يحرّم الحرام الحلال » (٣) ، وأما إذا
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٣ حديث ١٩٣٧.
(٢) الكافي ٥ : ٤١٧ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣١٠ حديث ١٢٨٦.
(٣) التهذيب ٧ : ٢٨٣ حديث ١١٩٨ ، الاستبصار ٣ : ١٦٥ حديث ٥٩٥ ، سنن البيهقي ٧ : ١٦٩.
ولو أوقب خنثى مشكل أو أوقب فالأقرب عدم التحريم ،
______________________________________________________
لم يوقب فلمفهوم قوله عليهالسلام : « إذا أوقب حرم عليه أخته وابنته » (١). وكذا في الحديث الآخر (٢) ، وقد تقدما ، وللأصل.
فرع : لو أوقب ثم طلّق إحدى الثلاث فهل يجوز تجديد النكاح؟ فيه تردد.
قوله : ( ولو أوقب خنثى مشكل أو أوقب فالأقرب عدم التحريم ).
أي : لو أوقب خنثى مشكل ذكرا أو أوقب أي : أوقبه ذكر فالأقرب عند المصنف عدم التحريم.
ووجه القرب : إن السبب المقتضي للتحريم هو إيقاب الذكر ذكرا ، والذكورية مشكوك فيها في الصورتين ، والشك في السبب يقتضي الشك في المسبب فينتفي التحريم ، تمسكا بأصالة الإباحة. ويحتمل التحريم ، للاحتياط ، ولأن ذلك يجري مجرى اشتباه المحرم بالأجنبية ، ولأن الحرام يغلب الحلال عند التعارض. وفيه ضعف ، لأن الاحتياط لا يجب المصير إليه.
والفرق بين هذا وبين اشتباه المحرم بالأجنبية وجود من يقطع بتحريم نكاحه في الثاني ، بخلاف ما نحن فيه ، وأغلبية الحرام الحلال دائرة مع تحقق الحرام ، والأقرب ما قرّبه المصنف. واعلم أن شيخنا الشهيد ذكر هنا بحثين :
الأول : إنه ينبغي الجزم بتحريم الام والبنت إذا كان مفعولا ، لأن التحريم فيهما لازم على تقدير ذكوريته وأنوثيته ، فيكون الإشكال في الأخت لا غير على القول بنشر الزنا ، وفيه نظر ، لأن مناط هذا البحث هو الإيقاب الذي هو أعم من إدخال الحشفة ، والتحريم به للام والبنت إنما هو في الذكر دون الأنثى.
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤١٧ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣١٠ حديث ١٢٨٦.
(٢) التهذيب ٧ : ٣١٠ حديث ١٢٨٧.
______________________________________________________
نعم ، لو بلغ بالإيقاب إدخال الحشفة تم ما ذكره ، فما أورده غير وارد. نعم ينبغي أن يفصل في هذا المقام بأن تغييب الحشفة في دبر الخنثى يقتضي تحريم الام والبنت عند من ينشر الحرمة بالزنا ، وبدونه الأقرب عدم التحريم.
الثاني : إن الاشكال هنا غير وارد أصلا ، سواء كان فاعلا أو مفعولا ، لأن البحث إما مع بقاء الاشتباه أو مع زواله ، فإن كان فاعلا فمع الاشتباه يحرم عليه جميع بنات آدم ويحرم على رجالهم ، لاشتراط التزويج بتحقق الذكورة والأنوثة.
ومع الوضوح أظهر ، لأنه إن كان فاعلا فظهرت الذكورة يتحقق الحكم بالتحريم ، وإلاّ تحقق عدمه. وإن كان مفعولا فمع الذكورة يثبت التحريم على الفاعل ، وبدونه يتخلف في الأخت ، فلا يتأتى الإشكال هنا أصلا ، إلاّ على تقدير الحكم بجواز تزويج الخنثى المشكل.
قال : وفي الإرث في قولهم : إذا كان زوجا أو زوجة ، اشعار بجوازه.
قلت : لا ريب أن المصنف لا يريد بما ذكره ما إذا وضح الحال ، بل حيث يكون الاشتباه حاصلا.
ولا يرد عليه ما أورده إذا كان مفعولا ، لأن تحريم امه وأخته وبنته على تقدير عدم إدخال الحشفة محتمل ، نظرا إلى أن الخنثى مأخوذ فيه بأحوط الأمرين ، ولهذا حكم بتحريم النظر إليه على الرجال والنساء. وهذا وإن كان محتملا إلاّ أنه ضعيف ، لأن حل النظر وما جرى مجراه ليس له أصل يتمسك فيه ، بخلاف أم الخنثى وابنته وأخته ، لأن الأصل فيهن الحل ، فلا ينتقل عنه بمجرد الاحتمال.
نعم ، ما أورده على تقدير كونه فاعلا وارد. ولك أن تقول : ما أورده على هذا التقدير أيضا غير وارد ، لأن البحث في ثبوت التحريم بهذا الفعل وهو غير معلوم ، للشك في سببه.
والتحريم المحكوم بثبوته هو التحريم بسبب اشتباه ذكوريته وأنوثيته ،