جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

______________________________________________________

وتحقيقه أنه إذا تزوج عمة زوجته أو خالتها مع علم العمة والخالة صح النكاح ، ولم يلتفت إلى رضى بنت الأخ وبنت الأخت ، ولو جهلتا فالأقرب عند المصنف أن لهما فسخ عقدهما إذا علمتا ، وليس لهما فسخ عقد المدخول عليها ، هذا هو الظاهر.

ويمكن أن يكون المراد : لا المدخول عليها ، فإنه ليس لهما فسخ عقدها.

يدل على الحكم الأول ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا تزوج ابنة الأخت على خالتها إلاّ بإذنها ، وتزوج الخالة على ابنة الأخت بغير أذنها » (١). ولم يفرق الأمر بين العمة والخالة فالفرق احداث.

وروى محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام قال : « لا تزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما » (٢).

وأما الحكم الثاني فوجه القرب فيه أن الجمع بدون الاذن ممنوع منه ، لما سبق ، ولرواية أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها » (٣).

ولا سبيل إلى بطلان عقد السابقة ، لسبق صحته ، ولا إلى تزلزله ، لسبق لزومه ، ولا إلى بطلان عقد اللاحقة ، لأن الجمع وإن كان ممنوعا منه إلاّ أن المنع ينتفي بالرضى ، فحينئذ يكون موقوفا على رضى العمة والخالة ، فإن رضيتا لزم ، وإلاّ كان لهما الفسخ. ويؤيده أن الحق في ذلك لهما ، لأن التحريم لحرمتهما ، فإذا رضيتا انتفى السبب.

ويحتمل بطلان العقد الطارئ من رأس ، لثبوت النهي عنه ، والنهي في غير العبادة إنما لا يدل على الفساد إذا لم يكن راجعا إلى شي‌ء من أركان العقد ، فأما إذا‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٥ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤١.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٣.

٣٤١

د : لا يجوز نكاح الأمة لمن عنده حرة إلاّ بإذنها.

هـ : لا تحل ذات البعل أو العدة لغيره إلاّ بعد مفارقته والعدة وإن كانت من أهلها.

______________________________________________________

رجع إلى بعض الأركان ، كبيع المجهول والعقد على بعض المحرمات ، فإن العقد يقع باطلا قطعا.

والتحقيق في هذه المسألة : إن رضى العمة والخالة إن كان شرطا لصحة العقد ، كان العقد المشروط بالرضى إذا وقع بدونه باطلا ، وإن كان من جملة السبب لم يحكم بالبطلان ، لكن يقع العقد متزلزلا ، واللائح من النصوص الاشتراط.

فإن قوله : « لا تزوج ابنة الأخت على خالتها إلاّ بإذنها » ، وكذا قوله عليه‌السلام : « لا تزوج الخالة والعمة على ابنة الأخ » ظاهره اشتراط الأول في التزويج على حد لا يدخل الدار إلاّ بإذن مالكها ، وسيجي‌ء تمام البحث في ذلك إن شاء الله تعالى ، وهنا احتمال ثالث : وهو تزلزل العقدين معا ، لأن كلا من العقدين بالنظر إلى ذاته صحيح ، وصحته تنافي صحة الآخر ولا أولوية فيتدافعان. وضعفه ظاهر ، فإن الأولوية للعقد السابق محققة ، ولم يتعرض الشارح الفاضل لهذا الاحتمال هنا ، وسيأتي مثله قولا في نظير هذه المسألة ، وكأنه لم يلتفت إليه لضعفه وانتفاء القائل به.

قوله : ( الرابعة : لا يجوز نكاح الأمة لمن عنده حرة إلاّ بإذنها ).

المراد بذلك النكاح بالعقد لا الملك فإنه يجوز مطلقا إجماعا ، وسيأتي الخلاف في جواز نكاح الأمة اختيارا وتحقيق القول في ذلك ان شاء الله تعالى.

فرع : ينبغي بناء الحل والتحريم في التحليل على كونه عقدا أو ملك منفعة ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( الخامسة : لا تحل ذات البعل أو العدة لغيره ، إلاّ بعد مفارقته ، والعدة إن كانت من أهلها ).

٣٤٢

و : لو تزوج الأختين نسبا أو رضاعا على التعاقب كان الثاني باطلا ، سواء دخل بها أو لا.

وله وطء زوجته في عدة الثانية ، فإن اشتبه السابق منع منهما ، والأقرب إلزامه بطلاقهما

______________________________________________________

لا خلاف في هذا الحكم‌ بين أهل الإسلام قاطبة ، سواء كانت العدة بائنا أو رجعيا ، لطلاق أو فسخ أو وفاة ، وقد سبق في كلامه ما يغني عن ذكر هذه المسألة ، ولا يخفى أنه لو عقد ولم يعلم ثم علم تبين فساد العقد.

قوله : ( السادسة : لو تزوج الأختين نسبا أو رضاعا على التعاقب كان الثاني باطلا ، سواء دخل بها أو لا. وله وطء زوجته في عدة الثانية ، فإن اشتبه السابق منع منهما ، والأقرب إلزامه بطلاقهما ).

قد علم تحريم نكاح الأختين من النسب والرضاع ، فلو فعله المكلف ، فإما أن يكون العقد عليهما واقعا على التعاقب ، أو دفعه. فإن كان الأول كان العقد الثاني باطلا ، لسبق صحة الأول وانعقاده ، وانحصار المنع في الثاني.

ولا فرق في ذلك بين أن يدخل بالثانية وعدمه ، فمرجع الضمير في قوله : ( سواء دخل بها ) هو الثانية ، للدلالة عليه بالثاني في قوله : ( كان الثاني باطلا ). ولا ريب أن له وطء زوجته في عدة الثانية حيث تجب العدة ، وإنما تجب إذا دخل بالثانية جاهلا بكونها أخت الزوجة ، عملا بالاستصحاب ولأن الحرام لا يحرّم الحلال.

نعم يكره له ذلك ، الحديث زرارة السابق (١) ، وظاهر كلام الشيخ في النهاية التحريم (٢) ، لهذه الرواية ، والأصح الأول ، فإن اشتبه السابق من عقدي الأختين وجب عليه اجتنابهما ، لأن إحداهما محرمة عليه فيجب اجتنابهما ، ولا يتم إلاّ باجتناب كل منهما ، وما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب. والأقرب عند المصنف إلزامه بطلاقهما‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٧٤٣ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٦٤ حديث ١٢٥٨ ، التهذيب ٧ : ٢٨٥ حديث ١٢٠٤.

(٢) النهاية : ٤٥٤.

٣٤٣

______________________________________________________

بأن يجبره الحاكم على ذلك.

ووجه القرب : أن البقاء على الزوجية موجب للضرر بالنسبة إليه وإليهما ، لتعلق أحكام الزوجية به ومنعه من الاستمتاع ، ولأن تحصيل البراءة من حقوق الزوجية واجب ، ولا يتم إلاّ بالطلاق.

ولقائل أن يقول : نمنع كونه واجبا مطلقا بحيث يعم الأحوال كلها فيتناول حال الاشتباه ، ولو سلّم فالبراءة تحصل بالتسليم إلى الحاكم أو بالبدل للمستحقة منهما ، فالمنع متوجه إما إلى المقدمة الأولى أو الثانية ، لظاهر قوله تعالى ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (١).

ولا ريب أن الإمساك مع الاشتباه موجب للضرر ، فلا يكون إمساكا بمعروف ، فيتعين الثاني.

لا يقال : الطلاق مع الإكراه باطل.

لأنا نقول : الطلاق المكره عليه شرعا هو المأمور به فكيف يكون باطلا ، ولا ريب أن كلما اكره عليه شرعا من العبادات وغيرها مقطوع بصحته شرعا ، وإلاّ لامتنع ، فيسد باب الإكراه شرعا ، وهو باطل ويحتمل تسليط المرأتين على الفسخ ، أو فسخ الحاكم تفصيا من الإكراه ، وليس ببعيد من الصواب إلزامه بالطلاق ، فإن امتنع فسخت هي أو الحاكم.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه إن طلّق كل واحدة منهما صح ، نظرا إلى وجوب تطليق كل منهما ، ولأن الزوجة منهما غير معلومة بل هي مشتبهة. ولو قال : زوجتي منهما طالق فالقول بالصحة أقرب ، لأن التطليق لمعيّنه بحسب الواقع ، ولأن المقصود بالتطليق هو الزوجة على التقديرين.

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

٣٤٤

فيثبت لهما ربع المهرين مع اتفاقهما واختلافهما على اشكال.

______________________________________________________

ويجي‌ء على قول الشيخ في المبسوط : فيما لو عقد الوليان متعاقبين ولم يعلم السابق أصلا (١) انه يبطل البطلان هنا.

قوله : ( فيثبت لهما ربع المهرين مع اتفاقهما واختلافهما على اشكال ).

أي : إذا طلق الأختين المعقود عليهما ، والفرض أنه قبل الدخول ، ثبت لهما ربع المهرين ، لأن الزوجة واحدة منهما والواجب لها بالطلاق نصف المهر ، فمع اشتباه المهر الثابت وتردده بين المهرين يوزع عليهما ، لعدم الترجيح وانتفاء الأولوية ، فيجب لكل منهما ربعه ، وهذا واضح مع اتفاق المهرين جنسا ووصفا وقدرا إذا كانا في الذمة ، فإن ربع المجموع مساو لنصف أحدهما كما لو كان على كل منهما مائة دينار.

أما مع اختلافهما في الجنس أو الوصف أو القدر ، وكذا لو تشخص أحدهما فإشكال ينشأ : من أن الواجب في نفس الأمر هو نصف أحدهما ، وليس ربع المجموع هو نصف أحدهما بخصوصه ، لأن الغرض اختلافهما ببعض الأمور المذكورة كما هو واضح ، فإيجابه يستلزم وجوب ما ليس بواجب وسقوط ما هو واجب.

ومن أن المستحق ـ وهو نصف أحدهما ـ غير متعيّن وإنما هو مشتبه ودائر بين المهرين ، فحيث انتفى الترجيح والأولوية وجب تقسيطه عليهما ، فيؤخذ من كل منهما ربعه.

وعلى هذا فيحتمل أن يقسم المجموع بينهما لعدم الأولوية ، ويحتمل أن يصرف إلى كل واحدة ربع مهرها ، لأنه إن كان نكاحها هو الصحيح استحقت نصف مهرها ، وإن كان نكاح الأخرى استحقت هي نصف مهرها ، فلحصول الاشتباه وانتفاء المرجح رددنا كل واحدة إلى نصف الحق وهو ربع المهر.

ويحتمل القرعة ، لأنه أمر مشكل ، والإيقاف حتى يصطلحا أو يتبين الحال ،

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٨١.

٣٤٥

ويحتمل القرعة في مستحق المهر ، والإيقاف حتى تصطلحا.

______________________________________________________

تفصيا من دفع الحق إلى غير مستحقه. وعلى الاحتمال الأول فإنما يحتمل العمل بالقرعة ، لأنه أمر مشكل ، والإيقاف حتى يصطلحا أو يتبين الحال ، والقول بالقرعة قوي.

قوله : ( ويحتمل القرعة في مستحق المهر ، والإيقاف حتى يصطلحا ).

وجه الأول : أنه أمر مشكل لوقوع اللبس فتجب القرعة.

ووجه الثاني : ان أحدهما غير مستحق ، ولا يؤمن دفع الحق الى غير مستحقه ، فإن تراضيا اندفع المحذور ويحصل يقين البراءة ، فإذا عرفت ذلك فهنا كلامان :

الأول : ظاهر عبارة المصنف أن احتمال القرعة في مستحق المهر جار مع اختلاف المهرين وإيجاب ربع كل منهما. وظاهر أنه غير مستقيم ، لأن كل من خرج بالقرعة استحقاقها لم يجب لها سوى نصف مهرها ، ولم يجب من مهر الأخرى شي‌ء.

وما ذكره الشارح السيد من أن القرعة إذا أخرجت استحقاق ذات المهر الأقل رد ما زاد على نصفه على الزوج ، فإن ربع المجموع أزيد من نصف الأقل وهي لا تستحق الزائد قطعا.

الثاني : احتمال القرعة إنما يستقيم إذا جهل السابق كل من الزوج والزوجتين ، وانتفاء البينة ، وإذا ادعت كل منهما السبق ولم يصدّق الزوج واحدة منهما ولا بينة ، ولم يدعيا عليه العلم ، أو ادعتا فحلف ، أو رد فنكلتا ، أما مع الثبوت بواحد من طرقه فلا بحث في وجوب نصف مهر من ثبت عقدها دون الأخرى.

ولا يخفى أن المصنف لو قال : والأقرب إلزامه بطلاقهما ، فيحتمل القرعة في مستحق نصف المهر منهما ، والإيقاف حتى يصطلحا ، ويحتمل ثبوت ربع المهرين مع اتفاقهما واختلافهما على اشكال ، لكان أسلم.

لكن يلزم أن يراد بقوله : ( حتى يصطلحا ) الزوج والزوجتان معا فريق ، وعلى ثبوت ربع المهرين يحتمل الإيقاف حتى يصطلح الزوجتان ، والتشريك. والقول‌

٣٤٦

ومع الدخول يثبت المهران مع الجهل ، فليس له حينئذ تجديد عقد إلاّ بعد العدة.

ولو أوجبنا في الفاسد مهر المثل واختلف فالقرعة ،

______________________________________________________

بالقرعة مشكل ، وإلا لم يتم وجوب ربع المهرين على إطلاقه كما سبق.

قوله : ( ومع الدخول يثبت المهران مع الجهل ، فليس له حينئذ تجديد عقد ، إلاّ بعد العدة ).

يفهم من قوله : ( ومع الدخول ) أن ما سبق حكم ما إذا طلّق قبل الدخول ، ولا ريب أنه إذا دخل بهما وكانتا جاهلتين بالتحريم ، أو جهلت كل واحدة منهما عقد الأخرى ، أو جهلت تقدم عقد الأخرى واشتباه السابق ، وجب مهران قطعا.

وظاهر قول المصنف : ( يثبت المهران ) وجوب كل من المسميين وفاقا لقول الشيخ ان الدخول في العقد الفاسد يوجب المسمى (١) ، وكيف كان فليس له مع الدخول بهما إذا طلقهما تجديد العقد على إحداهما حتى تنقضي عدة الأخرى ، إذا كان الطلاق بالنسبة إلى كل منهما رجعيا على تقدير صحته.

وكذا لو كان طلاق إحداهما رجعيا وأراد العقد على الثانية ، لجواز كون الزوجة ذات العدة الرجعية ، ولا يجوز العقد على الأخت في العدة الرجعية ، لأن المعتدة رجعيا زوجة.

أما لو كانتا بائنتين أو إحداهما وعقد على الرجعية فلا حرج ، لأن تجديد النكاح في العدة الرجعية لا يقصر عن الرجعة ، ولو ضم إلى النكاح الرجعة كان أولى.

قوله : ( ولو أوجبنا في الفاسد مهر المثل واختلف فالقرعة ).

قد سبق في الرضاع أنه إذا ثبت أن المعقود عليها أمه أو أخته من الرضاع وقد‌

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٣١٤.

٣٤٧

ولو اتحد العقد بطل ، وقيل : يتخير.

______________________________________________________

دخل بها. ثبت لها المسمّى ، ثم احتمل وجوب مهر المثل ، فنقول : إن أوجبنا في الفاسد المسمّى فلا بحث هنا في وجوب المسمّى لكل منهما ، وإن أوجبنا فيه مهر المثل فلا يخلو : إما أن يتفق مسمّى كل منهما ومهر مثلها ، أو يختلفا. فإن اتفقا فلا إشكال في أن كل واحدة منهما يدفع إليها مهرها ، لأنه إن كان السابق عقدها فقد استحقت بالنكاح الصحيح ، وإلا فبالعقد الفاسد. وإن اختلف مسمّى كل منهما ومهر مثلها ، أو مسمّى إحداهما ومهر مثلها ، فلا بد من القرعة في تعيين الزوجة ، فمن أخرجته القرعة منهما استحقت المسمّى ووجب للأخرى مهر المثل.

ويجي‌ء احتمال الإيقاف حتى يصطلحا وإن لم يذكره المصنف ، واعلم أن الضمير في قوله : ( واختلف ) يعود إلى كل من الفاسد ومهر المثل ، ووحده باعتبار كل واحد ، وهو صادق إذا كان الاختلاف المذكور بالنسبة إليهما أو الى واحدة منهما خاصة.

والظاهر أنه لا فرق في هذه الأحكام كلها بين ما إذا علم السابق ثم اشتبه ، أو علم سبق واحدة في الجملة من أول الأمر. ولو اشتبه السبق والاقتران فالإلزام بالطلاق ظاهر الوجه ، أما وجوب نصف المهر ففيه نظر.

قوله : ( ولو اتحد العقد بطل ، وقيل يتخير ).

أي : لو عقد على الأختين معا عقدا واحدا ، وهذا هو القسم الثاني من قسمي العقد على الأختين. وقد اختلف الأصحاب في حكمه ، فقال ابن حمزة (١) ، وابن إدريس (٢) ، والمصنف هنا ، وأكثر المتأخرين (٣) بالبطلان ، لثبوت النهي الناشئ عن عدم صلاحية المعقود عليها فيكون فاسدا.

وإنما قلنا إنه ناشئ عن عدم صلاحية المعقود عليها ، لأن كل واحدة منهما‌

__________________

(١) الوسيلة : ٣٤٤.

(٢) السرائر : ٢٨٦.

(٣) منهم ولد العلاّمة في الإيضاح ٣ : ٨٥ ، والشهيد في اللمعة : ١٨٩.

٣٤٨

______________________________________________________

يمتنع نكاحها مع نكاح الأخرى ، ولأن العقد على كل واحدة منهما مانع من العقد على الأخرى ومبطل له ، ونسبة العقد إليهما واحدة ولا ترجيح فتعيّن البطلان.

ولأن العقد لو صح ، فإما بالإضافة إليهما أو إلى إحداهما ، معينة أو غير معينة ، والكل باطل.

أما الأول والثاني فطاهر ، وأما الثالث فلأن صحة ما ليس معينا في حد ذاته لا يعقل ، لأن ما ليس معينا في ذاته لا وجود له ، ومتى بطل اللازم بأقسامه انتفى الملزوم ، فثبت البطلان.

لا يقال : نمنع الحصر في الصحة والبطلان ، لأنهما من أحكام السبب ، والعقد المذكور ليس هو السبب بل جزؤه ، والجزء الآخر هو هنا اختيار الزوج.

لأنا نقول : السبب هو العقد على ما دل قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ، وقال الشيخ في النهاية : يتخير فمن اختارها بطل نكاح الأخرى (٢) ، وهو قول ابن الجنيد (٣) ، وابن البراج (٤) ، والمصنف في المختلف (٥) ، لما رواه جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام : في رجل تزوج أختين في عقد واحد ، قال : « هو بالخيار أن يمسك أيتهما شاء ويخلي سبيل الأخرى » (٦).

ولأن ضميمة العقد على إحداهما إلى العقد على الأخرى لا ينافي صحة العقد كما لو جمع في العقد بين محللة ومحرمة.

وجوابه : إن الرواية مرسلة ، ولا صراحة فيها بالنسبة الى المدعي ، لأن قوله‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) النهاية : ٤٥٤.

(٣) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٢٦.

(٤) المهذب ٣ : ١٨٤.

(٥) المختلف : ٥٢٦.

(٦) الكافي ٥ : ٤٣١ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٨٥ حديث ١٢٠٣.

٣٤٩

ولو وطأ أمة بالملك حرمت عليه أختها به حتى يخرج الاولى عن ملكه ببيع أو هبة أو غيرهما.

وفي اشتراط اللزوم أو الاكتفاء بالتزويج أو الرهن أو الكتابة إشكال ،

______________________________________________________

عليه‌السلام : « يمسك أيتهما شاء ويخلي سبيل الأخرى » يحتمل أن يراد به أن إحداهما حلال له دون الأخرى ، فيجدد العقد على من يريد. ولا دلالة فيها على أن الإمساك بذلك العقد وإن كان يفهم من اللفظ ذلك ، لأن الاحتياط في الفروج مطلوب.

والفرق بين ما نحن فيه والعقد على المحللة والمحرمة ظاهر ، لأن المقتضي لصحة العقد في المحللة دون المحرمة قائم ، فيثبت المرجح ، بخلاف محل النزاع ، والأصح البطلان.

قوله : ( ولو وطأ أمة بالملك حرمت عليه أختها به حتى تخرج الاولى عن ملكه ببيع أو هبة أو غيرهما ، وفي اشتراط اللزوم ، أو الاكتفاء بالتزويج أو الرهن أو الكتابة إشكال ).

لا خلاف في أنه يجوز الجمع بين الأختين في الملك ، لأن الغرض الأصلي في الملك المالية ، حتى لو اشترى جارية فوطأها لم يحرم عليه شراء أختها ، ومن ثم جاز شراء من يمتنع الاستمتاع بها كالوثنية المرتدة والمعتدة والمزوجة والمحرمة بالمصاهرة ، وإنما يحرم الجمع بينهما في النكاح ، لعموم قوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (١).

والمراد في النكاح كما يقتضيه سياق الآية ، فيتناول العقد والوطء ، وكذا توابع الوطء من الاستمتاعات. فمتى وطأ أمته المملوكة حرم عليه أختها بالملك ، فلو كانت الأخت مملوكة حرم عليه الاستمتاع بها ما دامت الاولى في ملكه ، ولا خلاف في ذلك.

فلو خرجت الاولى عن ملكه حلّت الثانية ، لانتفاء الجمع المحرم حينئذ ، لكن‌

__________________

(١) النساء : ٢٣.

٣٥٠

______________________________________________________

هل يشترط لحل الثانية أن يكون خروج الاولى بعقد لازم ، أم يكفي مطلق العقد الناقل وإن كان معه خيار ، كالبيع بخيار والهبة التي يجوز الرجوع فيها؟ فيه إشكال ينشأ : من أن غاية التحريم في النص خروج الاولى عن ملكه وذلك متحقق مع الخيار.

واشتراط اللزوم يقتضي كون ما جعله الشارع غاية ليس بغاية ، وهو معلوم البطلان.

ومن أن ثبوت الخيار يقتضي كونها بحكم المملوكة ، فإن له الرجوع والتصرف فيها متى شاء ما دام الخيار باقيا.

ويضعف بأن الخروج عن الملك الذي هو غاية التحريم قد حصل ، وتمكنه من التصرف بالفسخ بالخيار غير قادح ، لانتفاء الدليل ، ولأنه بعد الإخراج اللازم متمكن من التصرف دائما بالشراء والاتهاب ، وغير ذلك من العقود الناقلة ، فلو أثر ثم لأثر هنا ، والأقرب عدم اشتراط اللزوم.

ولو لم تخرج الاولى عن الملك ، لكن فعل ما يقتضي تحريم وطئها عليه ، كأن زوجها أو رهنها أو كاتبها ، ففي الاكتفاء به في حل الثانية إشكال ينشأ : من أن الحل منوط بإخراج الأولى عن الملك ، لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « فلا يطأ الأولى حتى تخرج الأخرى عن ملكه فلا يحل بدونه » (١).

ومن أن الغرض من إخراجها عن الملك تحريم الوطء وقد حصل ، على أن الكتابة مع إفادتها التحريم آيلة إلى الخروج عن الملك ، والأصح عدم الاكتفاء بشي‌ء من ذلك وما جرى مجراه مما لا يفيد نقل الملك.

وجزم المصنف في التذكرة بأنها لا تحل برهن الأولى ، لأن منع الراهن منها لحق‌

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٦٤.

٣٥١

______________________________________________________

المرتهن لا لتحريمها ، ولهذا تحل بإذنه في وطئها (١) ، والحكم صحيح ، إلاّ أن التعليل لا يخلو من شي‌ء ، فإن تعلق حق المرتهن بها اقتضى تحريمها ، غاية ما في الباب انه تعلق ضعيف يزول حكمه بالاذن ، وهنا مباحث :

أ : قال في التذكرة : لو باع بشرط الخيار ، فكل موضع يجوز للبائع الوطء لا تحل فيه الثانية ، وحيث لا يجوز فوجهان للشافعية (٢) ، هذا كلامه (٣) ، وظاهر النص يقتضي عدم الفرق بين أقسام الخيار ، لتحقق الإخراج مع كل منهما.

ب : الوطء في القبل والدبر سواء في تحريم الثانية ، لتحقق الدخول والنكاح والفراش بكل منهما ، وفي اللمس والقبلة والنظر بشهوة تردد.

ج : لو أخرج إحداهما عن ملكه بأحد الأسباب الناقلة ، ثم فسخ البيع مثلا أو ردت بعيب أو إقالة ، فلا بد من الاستبراء للملك الحادث ، وكذا لو طلقها زوجها أو عجزت المكاتبة فاسترقها.

د : لو كان الوطء بشبهة فهل هو كغيره؟ يحتمل العدم ، لأنها لا تزيد بذلك عن حال الأجنبية ، ولو كانت إحدى الأختين محرمة بسبب آخر كالوثنية فوطأها بشبهة ، جاز وطء الأخرى ، لأن الأولى محرمة ، ذكره في التذكرة (٤).

هـ : لو ملك اما وبنتها فوطأ إحداهما حرمت الأخرى مؤبدا ، فلو وطأ الأخرى بعده جاهلا التحريم حرمت مؤبدا عند الشافعية (٥) ، ذكره في التذكرة (٦) ، وما روي من قولهم عليه‌السلام : « لا يحرّم الحرام الحلال » (٧) يدفعه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٣٧.

(٢) مغني المحتاج ٣ : ١٨٠.

(٣) التذكرة ٢ : ٦٣٧.

(٤) التذكرة ٢ : ٦٣٧.

(٥) المجموع ١٦ : ٢٢٩ ، مغني المحتاج ٣ : ١٨٠.

(٦) التذكرة ٢ : ٦٣٧.

(٧) التهذيب ٧ : ٢٨٣ حديث ١١٩٨ ، الاستبصار ٣ : ١٦٥ حديث ٥٩٥ ، سنن البيهقي ٧ : ١٦٩.

٣٥٢

فإن وطأ الثانية أيضا قبل إخراج الأولى ، قيل : إن كان عالما بالتحريم حرمت الاولى حتى تموت الثانية ، أو يخرجها عن ملكه لا للعود إلى الأولى ، فإن أخرجها لذلك لم تحل الاولى.

والأقرب أنه متى أخرج إحداهما حلت الأخرى ، سواء كان للعود أو لا ، وسواء علم التحريم أولا. وإن لم يخرج إحداهما فالثانية محرّمة دون الاولى.

______________________________________________________

قوله : ( فإن وطأ الثانية أيضا قبل إخراج الأولى قيل : إن كان عالما بالتحريم حرمت الاولى حتى تموت الثانية ، أو يخرجها عن ملكه لا للعود إلى الأولى فإن أخرجها لذلك لم تحل الاولى ، والأقرب أنه متى أخرج إحداهما حلت الأخرى ، سواء كان للعود أو لا ، وسواء علم التحريم أو لا ، وإن لم يخرج إحداهما فالثانية محرمة دون الأولى ).

أي : لو وطأ أمة بالملك حرمت عليه أختها به حتى تخرج الاولى عن ملكه ، فإن وطأ الثانية أيضا قبل إخراج الأولى فللأصحاب قولان :

أحدهما ـ واختاره الشيخ في النهاية (١) ، وابن البراج (٢) ، وابن حمزة (٣) ، والمصنف في المختلف (٤) ، وحكاه هنا بقوله قيل ـ إن كان عالما إلى أخره انه إن وطأ الثانية عالما بالتحريم حرمت عليه الاولى ايضا إلى أن تموت الثانية أو يخرجها عن ملكه لا لغرض العود إلى الأولى فإن اتفق إخراجها لا لذلك حلت له الثانية ، فإن أخرجها عن ملكه ليرجع إلى الأولى فالتحريم باق.

__________________

(١) النهاية : ٤٥٥.

(٢) المهذب ٢ : ١٨٥.

(٣) الوسيلة : ٣٤٦.

(٤) المختلف : ٥٢٦.

٣٥٣

______________________________________________________

وان وطأ الثانية جاهلا بالتحريم لم تحرم عليه الاولى إذا أخرج الثانية عن ملكه ، ويدل عليه ما رواه الحلبي في الحسن عن الصادق عليه‌السلام قال : سئل عن رجل كان عنده اختان مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى قال ، « إذا وطأ الأخرى فقد حرمت عليه الاولى حتى تموت الأخرى ».

قلت : أرأيت إن باعها أتحل له الاولى فقال : « إن كان بيعها لحاجة ولا يخطر على قلبه من الأخرى شي‌ء فلا أرى بذلك بأسا ، وإن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الاولى فلا ولا كرامة » (١).

وروى أبو الصباح الكناني في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام نحو ذلك (٢) ، ولأن المقابلة بنقيض المقصود واقعه شرعا ، كما في منع القاتل من الإرث. هذا إذا كان عالما ، أما مع الجهل فلا تحرم عليه الاولى ، للأصل ، ولأن الجهل عذر في كثير من المواضع.

ولما رواه الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : الرجل يشتري الأختين فيطأ إحداهما ثم يطأ الأخرى بجهالة ، قال : « إذا وطأ الأخيرة بجهالة لم تحرم عليه الاولى ، وإن وطأ الأخيرة وهو يعلم أنها عليه حرام حرمتا جميعا » (٣).

وهي صريحة في أن وطء الثانية مع جهل التحريم لا تحرّم الأولى ، إلاّ أن عبارة الشيخ (٤) تؤذن بتحريم الاولى إلى أن تخرج الثانية عن ملكه. والقول الثاني هو اختيار ابن إدريس (٥) ، ونجم الدين بن سعيد (٦) ، ومقرب المصنف هنا ، واختار في التذكرة عدم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣٢ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٩٠ حديث ١٢١٧.

(٢) الكافي ٥ : ٤٣٢ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٩٠ حديث ١٢١٦.

(٣) الكافي ٥ : ٤٣٣ حديث ١٤ ، التهذيب ٧ : ٢٩٠ حديث ١٢١٩.

(٤) النهاية : ٤٥٥.

(٥) السرائر : ٣٩٠.

(٦) الشرائع ٢ : ٢٩٠.

٣٥٤

ولو وطأ أمة بالملك ، قيل : جاز أن يتزوج بأختها ، فتحرم الموطوءة ما دامت الثانية زوجة.

______________________________________________________

تحريم الاولى بوطء الثانية (١).

ومتى أخرج إحداهما عن ملكه حلت الاولى ، سواء قصد به العود إلى الأولى أم لا.

أما الحكم الأول فلأن الحرام لا يحرم الحلال ، والتحريم إنما يتعلق بوطء الثانية فيستصحب ، ولأن الأصل الإباحة.

وأما الحكم الثاني ، فلأنه متى أخرج إحداهما لم يبق جامعا بين الأختين ، فينتفي التحريم بانتفاء سببه ، والأصح الأول ، واحتجاج ابن إدريس ضعيف ، فإن الروايات الواردة بذلك خالية عن معارض فلا سبيل الى ردها.

واعلم أنه إذا وطأ الثانية عالما بالتحريم فلا حد عليه ، لقيام الملك ، نعم يعزر.

قوله : ( ولو وطأ أمة بالملك قيل : جاز أن يتزوج بأختها فتحرم الموطوءة ما دامت الثانية زوجة ).

القول المشار إليه في العبارة هو قول الشيخ في المبسوط والخلاف (٢) ، واختاره المصنف في التحرير (٣) ، وهو ظاهر اختياره في التذكرة (٤) ، ولم يصرح هنا بشي‌ء ، والأصح الجواز ، لعموم قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٥) ، وقوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٦) وغيرهما.

__________________

(١) التذكرة ٧ : ١٦٩.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٠٧ ، الخلاف ٢ : ٢١٧ مسألة ٧٧ كتاب النكاح.

(٣) التحرير ٢ : ١٣.

(٤) التذكرة ٢ : ٦٣٦.

(٥) النساء : ٢٤.

(٦) النساء : ٣.

٣٥٥

ز : لو تزوج بنت الأخ أو الأخت على العمة أو الخالة من النسب أو الرضاع حرتين أو أمتين لا ملك يمين على اشكال ، فإن كان بإذنهما صح ، وإلاّ بطل على رأي ، ووقع موقوفا على رأي ، فإن أجازت العمة أو الخالة لزم ، ولا يستأنف آخر ، وإن فسختاه بطل ولا مهر قبل الدخول.

______________________________________________________

والنكاح أقوى من الوطء بملك اليمين ، فإذا اجتمعا وجب تقديم الأقوى. وإنما قلنا انه أقوى ، لأن النكاح يتعلق به الظهار والطلاق والإيلاء واللعان والميراث ، والغرض الأصلي في الملك المالية فلا ينافي النكاح.

وكذا حل الوطء به كأمه الغير إذا أحلها مالكها ، فعلى هذا تحرم الموطوءة ما دامت الثانية زوجة. ويحتمل المنع ، لأن الأمة تصير بالوطء فراشا ، فلم يجز أن يرد النكاح عليه كما لا يرد نكاح الأخت على نكاح أختها.

وجوابه : ان القياس باطل مع وجود الفرق ، فإن النكاح أقوى من الوطء بملك اليمين.

قوله : ( السابعة : لو تزوج بنت الأخ أو بنت الأخت على العمة أو الخالة من النسب أو الرضاع ، حرتين أو أمتين لا ملك يمين على اشكال ، فإن كان بإذنهما صح ، وإلاّ بطل على رأي ، ووقع موقوفا على الإجازة على رأي ، فإن أجازت العمة أو الخالة لزم ، ولا يستأنف آخر ، وإن فسختا بطل ، ولا مهر قبل الدخول ).

إذا كانت العمة أو الخالة عنده فعقد على بنت الأخ أو بنت الأخت ، فإن كان العقد بإذن العمة أو الخالة فلا بحث في الصحة ، وإن كان بغير إذنهما فللأصحاب أقوال :

أ : بطلان العقد من رأس وتزلزل عقد المدخول عليها ، فلها أن تفسخ عقد نفسها ، وهو قول ابن إدريس. واحتج على البطلان بأن العقد على بنت أخت الزوجة‌

٣٥٦

______________________________________________________

أو بنت أخيها منهي عنه ، والنهي يدل على الفساد (١).

أما أنه منهي عنه فلقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها » (٢) ، والمراد بالنكاح هنا العقد.

ولصحيحة أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها » (٣).

وصحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : « لا ينكح الرجل المرأة على عمتها ولا على خالتها ، ولا على أختها من الرضاعة » (٤) ، وهذا إنما هو مع عدم الاذن ، وكون الطارئ نكاحها هي بنت الأخ أو بنت الأخت ، أما مع الاذن أو كون الطارئ نكاح العمة أو الخالة ، فلا خلاف عندنا في الصحة.

ويدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام قال : « لا تزوج ابنة الأخت على خالتها إلاّ بإذنها ، وتزوج الخالة على ابنة الأخت بغير اذنها » (٥) ، والإجماع على مساواة العمة والخالة في ذلك.

وأما أن النهي يدل على الفساد فقد تبيّن في الأصول ، وأما تزلزل عقد المدخول عليها فلم يتعرض للاحتجاج عليه ، واعترض عليه المصنف في المختلف بأن النهي لا يدل على الفساد في المعاملات ، إنما ذلك في العبادات (٦).

وبأنه لو وقع العقد الطارئ فاسدا لم يكن لتخييرها في فسخ عقد نفسها وجه :

__________________

(١) السرائر : ٢٩٢.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ١٠٢٩ حديث ٣٧ ، سنن البيهقي ٧ : ١٦٥.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٣.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٦٠ حديث ١٢٣٦ ، التهذيب ٧ : ٣٣٣ حديث ١٣٦٩ ، الاستبصار ٣ : ١٧٨ حديث ٦٤٦.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٥ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٢.

(٦) المختلف : ٥٢٨.

٣٥٧

______________________________________________________

لأن المقتضي للفسخ الجمع ، ومع وقوع العقد فاسدا لا جمع.

ولقائل أن يقول : إنّ النهي في المعاملات وإن لم يدل على الفساد بنفسه ، لكنه إذا دل على عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح فهو دال على الفساد من هذه الجهة ، كالنهي عن نكاح الأخت والعمة والخالة ، وكما في النهي عن بيع الغرر في البيع ، والنهي في محل النزاع من هذا القبيل.

ب : تزلزل العقد الطارئ بحيث يقع موقوفا على رضى العمة والخالة ، مع كون عقد العمة والخالة لازما كما كان ، اختاره المحقق (١) ، والمصنف ، وجمع من المتأخرين (٢).

أما الحكم الأول وهو تزلزل الطارئ وعدم وقوعه فاسدا فلعموم قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٣) فإن المتنازع فيه إذا تعقبه رضى من يعتبر رضاه اندرج في هذا العموم ، فوجب الحكم بصحته ، فقبل الرضى لا يكون فاسدا ، وإلاّ لم ينقلب صحيحا.

ولا نعني بالموقوف إلاّ ذلك ، ولأنه عقد صدر بدون رضى من يعتبر رضاه في صحته فكان كالفضولي ، ولا دلالة في الأخبار السابقة على أنه بدون الرضى يقع فاسدا ، لأن الحاصل من الأخبار بعد الجمع بينها هو المنع من العقد بدون الاذن ، وذلك أعم من كون الأذن سابقا أو لاحقا.

على أن لقائل أن يقول : إن رواية محمد بن مسلم (٤) تدل على اعتبار سبق الإذن ، لأن قوله عليه‌السلام : « لا تزوج ابنة الأخت على خالتها إلاّ بإذنها » ظاهره ذلك ، لأن أعم معاني الباء الإلصاق ، فيجب حصوله في وقت التزويج ، والسابق إلى الفهم في مثل ذلك المصاحبة أو السببية ، وكلاهما يعطي المراد.

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٢٨٨.

(٢) منهم الشهيد في اللمعة : ١٨٨ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٦٢.

(٣) المائدة : ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٥ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٢.

٣٥٨

______________________________________________________

وأظهر منه دلالة ما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى عليه‌السلام أنه قال في حديث : « ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلاّ برضى منهما ، فمن فعل فنكاحه باطل » (١).

فإن قيل : الرضى اللاحق رضى منهما.

قلنا : ليس هو تزويجا بالرضى ، لأن المتبادر كون الرضى حين التزويج ، ولا يفهم من هذا اللفظ الا هذا.

وأما الحكم الثاني وهو كون عقد العمة والخالة لازما كما كان ، فلأنه صح ولزم ، والأصل بقاء ذلك ، ولأن المنهي عنه هو الطارئ فيختص بمقتضى النهي ، وإن فسد فلا بحث ، وإن كان موقوفا يرجح الأول ، لسبق لزومه ، فلا يلزم تجدد تزلزله.

ج : تزلزل كل من العقدين السابق والطارئ ، اختاره الشيخان (٢) وسلار (٣) ، لأن العقد الطارئ صحيح فيتدافع العقدان.

قال المصنف في المختلف : كلام الأصحاب ليس فيه استبعاد ، لأن عقد الداخلة صحيح في نفسه ، لصدوره من أهله في محله جامعا لشرائطه ، وإذا وقع صحيحا تساوت نسبته ونسبة عقد المدخول عليها ، وكما كان لها فسخ عقد الداخلة كان لها فسخ عقد نفسها (٤).

وما ذكره المصنف ضعيف ، لثبوت الأولوية ، لسبق اللزوم وانتفاء التكافؤ ، وعدم الدليل الدال على انقلاب اللازم جائزا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن قول المصنف : ( من النسب أو الرضاع ، حرتين أو أمتين ) يريد به عدم الفرق في الحكم المذكور بين كون العمومة والخؤولة في المذكورات‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٣٣ حديث ١٣٦٨ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٥.

(٢) المقنعة : ٧٧ ، النهاية : ٤٥٩.

(٣) المراسم : ١٥٠.

(٤) المختلف : ٥٢٨.

٣٥٩

______________________________________________________

من النسب أو الرضاع ، لعموم قوله عليه‌السلام : « الرضاع لحمة كلحمة النسب ».

وقوله عليه‌السلام : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (١) ، ولرواية أبي عبيدة الحذّاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) ، وأنه لا فرق بين كون العمة وبنت الأخ والخالة وبنت الأخت حرتين أو أمتين أو بالتفريق ، لشمول النصوص السابقة للأمة كما يشمل الحرة ، وهذا إنما هو في النكاح بالعقد.

أما الوطء بملك اليمين ففيه اشكال ، ويتصور فيه صور : كون العمة وبنت أخيها مثلا مملوكتين للواطئ.

وكون العمة مملوكة له وبنت الأخ معقودا عليها ، وعكسه.

فإذا وطأ العمة بالملك فهل يحرم عليه وطء بنت الأخ بالملك؟ فيه إشكال ينشأ : من أن قوله عليه‌السلام : « لا تنكح المرأة على عمتها » (٣) يتناول محل النزاع ، بناء على أن النكاح حقيقة في الوطء ، وقد صرح به أئمة اللغة (٤).

ولرواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها » (٥) ، والنكرة في سياق النفي للعموم ، فيعم كل جمع حتى الجمع في الوطء بملك اليمين.

ومن أن استعماله في العقد شرعا شائع ، ولأن سلطنة النكاح بالنسبة إلى الأمة لمولاها ، ولا اعتبار لاذنها معه ، فكيف يكون لها سلطنة عليه بحيث يتوقف نكاحه على اذنها ، على أن اذنها لا يعتد به أصلا ، وإنما المعتبر اذن سيدها.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٢ حديث ٩ ، الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٣ حديث ١٩٣٧.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٦٠ حديث ١٢٣٦ ، التهذيب ٧ : ٣٣٣ حديث ١٣٦٩ ، الاستبصار ٣ : ١٧٨ حديث ٦٤٦.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ١٠٢٩ حديث ٣٧ ، سنن البيهقي ٧ : ١٦٥.

(٤) الصحاح ١ : ٤١٣ « نكح » ، القاموس المحيط ١ : ٢٥٤ « نكح ».

(٥) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٣.

٣٦٠