جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

وكذا لا يفسخ لو ظهر لمن تزوج بالعفيفة أنها كانت قد زنت ، ولا رجوع على الولي بالمهر.

______________________________________________________

اختلف الأصحاب في‌ حكم المسألة ، فقال الشيخ في النهاية : إذا انتمى الرجل إلى قبيلة وتزوج فبان على خلاف ذلك بطل التزويج (١) ، واختاره ابن الجنيد (٢) وابن حمزة (٣) ، وقال في المبسوط : الأقوى أنه لا خيار لها ، ومن الناس من قال لها الخيار (٤) ، واختار ابن إدريس أن لها الخيار إذا شرط ذلك في نفس العقد وخرج بخلافه (٥) ، وقال المصنف في المختلف : إذا انتسب إلى قبيلة فبان من أدنى منها بحيث لا يلائم شرف المرأة كان لها الخيار في الفسخ (٦).

وقول ابن إدريس هو المختار ، لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٧) و « المؤمنون عند شروطهم » (٨).

ورواية الحلبي في الصحيح ـ قال : في رجل تزوج المرأة فيقول : أنا من بني فلان فلا يكون كذلك ، قال : « تفسخ النكاح » أو قال « لا ترد » (٩) ـ لا دلالة فيها على أن ذلك بدون الاشتراط في العقد ، فلا يعدل عن ظاهر الآية والحديث السابقين.

قوله : ( وكذا لا فسخ لو ظهر لمن تزوج بالعفيفة أنها كانت قد زنت ، ولا رجوع على الولي بالمهر ).

__________________

(١) النهاية : ٤٨٩.

(٢) المختلف : ٥٥٥.

(٣) الوسيلة : ٣٦٧.

(٤) المبسوط ٤ : ١٨٩.

(٥) السرائر : ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

(٦) المختلف : ٥٥٥.

(٧) المائدة : ١.

(٨) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣.

(٩) التهذيب ٧ : ٤٣٢ حديث ١٧٢٤ ، وفيه :. أو قال ترد النكاح ، وفي « ض » : أو قال ترد.

١٤١

______________________________________________________

إذا تزوج امرأة‌ ثم علم أنها كانت قد زنت ، فللأصحاب أقوال :

أ : ثبوت الخيار للزوج سواء كانت قد حدّت أم لا ، وهو قول الصدوق ، وحكم بثبوت الخيار للمرأة بزنا الرجل وإن حدث بعد العقد (١).

ب : أن له الخيار في المحدودة خاصة ، قاله المفيد (٢) وجماعة (٣).

ج : الرجوع على الولي بالمهر من غير فسخ (٤).

د : عدم الفسخ والرجوع ، اختاره المصنف (٥) والمحقق (٦) ، وعبارة المصنف هنا جارية على ذلك ، فان المراد منها : أن من تزوج بمن ظاهر حالها كونها عفيفة ثم ظهر أنها كانت زنت.

ولا يخفى أنه على القول بثبوت الخيار والرجوع بالمهر بذلك لا يكفي الظهور عنده ، بل لا بد من الثبوت شرعا ، وإن كان قوله : ( لو ظهر لمن تزوج ) قد يوهم خلاف ذلك.

إذا عرفت ذلك فأصح الأقوال مختار المصنف ، وتقريبه معلوم من المسألة السابقة.

نعم لو شرط في العقد كونها عفيفة ثم ظهر خلافه ثبت له الفسخ ورجع على المدلس بالمهر ، لرواية (٧) عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل تزوج امرأة ، فعلم بعد ما تزوجها أنها كانت قد زنت ، قال : « إن شاء زوجها أخذ‌

__________________

(١) المقنع : ١٠٩.

(٢) المقنعة : ٨٠.

(٣) منهم ابن الجنيد كما عنه في المختلف : ٥٥٣ ، وأبو الصلاح في الكافي : ٢٩٥ ، والقاضي في المهذب ٢ : ٢٣١.

(٤) ذهب اليه الشيخ في النهاية : ٤٦٤ ، وابن إدريس في السرائر : ٣٠٩.

(٥) المختلف : ٥٥٣.

(٦) الشرائع ٢ : ٣٢٠.

(٧) في « ش » و « ض » والنسخة الحجرية : ورواية ، وما أثبتناه هو الصحيح الموافق للسياق.

١٤٢

ولو زوجها الولي بالمجنون أو الخصي صح ، ولها الخيار عند البلوغ ، وكذا لو زوج الطفل بذات عيب يوجب الفسخ.

______________________________________________________

الصداق ممن زوجها ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وإن شاء تركها » (١) ، وفي معناها رواية الحلبي عنه عليه‌السلام (٢).

ولما لم تكن في الرواية دلالة على عدم اشتراط عفتها في العقد حملناها على اشتراطها ، لأن سبق الزنا لم يثبت كونه من العيوب بل صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعقل » (٣) ولفظة إنما تدل على الحصر.

قوله : ( ولو زوجها الولي بالمجنون أو الخصي صح ولها الخيار عند البلوغ ، وكذا لو زوج الطفل بذات عيب يوجب الفسخ ).

لمّا لم يكن من شرط الكفاءة الخلوّ من العيب لا في الزوج ولا في الزوجة ، لم يكن إنكاح الولي الصغير ـ من ذات عيب كالمجنونة والرتقاء والصغيرة ، ومن ذي عيب كالمجنون والخصي ـ باطلا ، لا سيما إذا لم يعلم بالعيب ، كما لو اشترى له شيئا فظهر معيبا ، فان المبيع لا يقع باطلا ويثبت للطفل الخيار بعد بلوغه ، لأن ذلك مقتضى العيب.

وهل للولي الفسخ؟ فيه احتمالان :

أحدهما : نعم ، لأنه قائم مقام الطفل في التصرفات ، كما يفسخ البيع إذا ظهر المبيع معيبا.

والثاني : العدم ، لأن الفسخ في النكاح منوط بالشهوة ، والشهوات مختلفة ، فلا يتسلط الولي على ذلك.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٢٥ حديث ١٦٩٨.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٨ حديث ١٥.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٧٣ حديث ١٢٢٩ ، التهذيب ٧ : ٤٢٦ حديث ١٧٠١ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٦ حديث ٨٨٠.

١٤٣

ولو زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت ، وكذا الطفل لو زوجه بالأمة إن لم يشترط خوف العنت.

المطلب الخامس : في الأحكام ، إذا زوج الأب أو الجد له أحد الصغيرين لزم العقد ولا خيار له بعد بلوغه ، وكذا المجنون أو المجنونة لا خيار له بعد رشده لو زوجه أحدهما.

______________________________________________________

واعلم : أن الحكم فيما إذا زوج الولي ولم يعلم بالعيب واضح ، أما إذا علم به ثم زوج فان فيه إشكالا ، لأنه إن راعى الغبطة والمصلحة كان في ثبوت الفسخ للطفل بعد البلوغ إشكال ، ينشأ : من أن تصرف الولي بالغبطة ماض عليه ، ومن أن النكاح يتعلق بالشهوة فلا يكون رضاه بالعيب ماضيا على العيب ، وإن لم يراع الغبطة فالذي يقتضيه النظر عدم صحة العقد بل يكون فضوليا ، وعبارة الكتاب مطلقة.

قوله : ( ولو زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت ، وكذا الطفل لو زوجه بالأمة إن لم يشترط خوف العنت ).

لا ريب أن الحرية عندنا ليست شرطا في الكفاءة ولا هي من العيوب الموجبة للفسخ ، فإذا زوج الحرة الصغيرة بمملوك مع وجود الغبطة صح النكاح ولم يكن لها الخيار بعد البلوغ ، وكذا لو زوج المجنونة البالغة بمملوك.

ولو زوج الصغير بمملوكة مع الغبطة بني على أن نكاح الحر الأمة مشروط بعدم الطول للحرة وخوف العنت وعدمه ، فعلى القول بالاشتراط تمتنع صحته ، لفقد الأمر الثاني في الطفل ، وعلى العدم يصح النكاح ولا خيار له بعد البلوغ ، وسيأتي تحقيق ذلك كله إن شاء الله تعالى ، وأن الأصح الاشتراط.

قوله : ( المطلب الخامس : في الأحكام

إذا زوج الأب أو الجد له أحد الصغيرين لزم العقد ولا خيار له بعد بلوغه ، وكذا المجنون أو المجنونة لا خيار له بعد رشده لو زوجه أحدهما ).

وذلك لانه عقد صدر من أهله في محله ، لأنه المفروض ، فان جميع تصرفات الأب‌

١٤٤

وكذا كل من له ولاية على النكاح ، إلاّ الأمة فإن لها الخيار بعد العتق وإن زوجها الأب على اشكال.

______________________________________________________

والجد له ماضية على الطفل والمجنون ، ذكرا كان أو أنثى ، مع وقوعها على وجه الغبطة والمصلحة ، ولا يتغير هذا الحكم لو بلغ الصبي وكمل أو أفاق المجنون ، لانتفاء المقتضي.

قوله : ( وكذا كل من له ولاية على النكاح ، إلاّ الأمة فإنّ لها الخيار بعد العتق وإن زوجها الأب على إشكال ).

أي : وكذا كل من له ولاية على النكاح إذا زوّج المولّى عليه حيث يجوز له تزويجه ، فانّ الحجر إذا زال عنه لم يكن له فسخ العقد ، إلاّ الأمة ، فإنها إذا زوّجت ثم أعتقت كان لها فسخ النكاح على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، سواء زوّجها المولى ، أم الأب أم الجد له الحرين بأذن المولى ، والحال أنها صغيرة ، على إشكال في الأخيرة ، ينشأ :

من أنها صغيرة زوّجها الأب أو الجد له ، ولا فسخ للصغير إذا أنكحه أحدهما إجماعا.

ومن عموم الدال على ثبوت الخيار للأمة في النكاح إذا أعتقت (١) وهو يتناول صورة النزاع.

ويمكن بناء الاشكال على أن ولاية الأب مع الرق هل هي باقية وحق المولى مانع من مقتضاها ، أم هي زائلة؟ وهذا التزويج بالنيابة عن المولى ، فعلى الأول لا خيار ، لأن التزويج بمحض ولاية الأبوة وإذن المولى فائدته زوال المانع ، وعلى الثاني يثبت ، لأنه مستند إلى المولى.

والأصح ثبوت الخيار في تزويج الأب ، تمسكا بالعموم الدال على ثبوته.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٤١ حديث ١٣٩٤.

١٤٥

ولكل من الأب والجد له تولي طرفي العقد ، وكذا غيرهما على الأقوى ، إلاّ الوكيل فإنه لا يزوجها من نفسه إلاّ إذا أذنت له فيصح على رأي.

ولوكيل الجد عن حافديه تولي طرفيه ، وكذا وكيل الرشيدين.

______________________________________________________

قوله : ( ولكل من الأب والجد له تولي طرفي العقد ، وكذا غيرهما على الأقوى ، إلاّ الوكيل ، فإنّه لا يزوجها من نفسه إلاّ إذا أذنت له فيصح على رأي ، ولوكيل الجد عن حافديه تولّي طرفيه ، وكذا لوكيل الرشيدين ).

يتصور في الجد أن يتولّى طرفي العقد بالولاية بالنسبة إلى بنت أحد ابنيه وابن الابن الآخر.

وأما الأب فلا يتصور فيه ذلك ، فمتى كان وليا لأحد الزوجين فلا بد أن يكون وكيلا عن الآخر أو عن وليه ، فالعبارة تحتاج إلى تنقيح ، إذا عرفت ذلك فاعلم : أن ولي الطرفين له أن يتولّى النكاح لهما جزما ، فإنّ إثبات الولاية شرعا له عليهما يقتضي ذلك.

وأما الوكيل ، فهل يعقد عنهما لو كان وكيلا لهما؟ فيه قولان ، أقربهما (١) الجواز ، لأن عموم النص (٢) يتناول ذلك ، ولا مانع إلاّ كون العاقد للطرفين واحد ، ومانعيته منتفية بالأصل ، والتغاير الاعتباري كاف ، كما في الجد والوصي ، والحاكم كالوكيل ، وهذا إذا لم يزوجها الوكيل من نفسه.

فإن أراد تزويجها من نفسه لم يكن له ذلك بمجرد توكيلها إياه في إنكاحها ، ما لم ينص له على ذلك أو يستفيد ذلك بقرينة قوية صالحة للدلالة ، لأن المفهوم من إطلاق الاذن في التزويج تزويجها من غيره ، فان المتعارف والمتفاهم غالبا أن الوكيل‌

__________________

(١) في « ش » : أقواهما.

(٢) الكافي ٥ : ٣٧٠ حديث ٢.

١٤٦

ولو زوج الولي بدون مهر المثل فالأقرب أن لها الاعتراض.

______________________________________________________

غير الزوجين.

وأما مع الإذن فإنّه يصح على أصح الوجهين (١) ، وهو مختار ابن الجنيد (٢) ، ونقل عن بعض علمائنا المنع ، لما رواه عمار الساباطي قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهل بيتها ، هل يحل لها أن توكل رجلا يريد أن يتزوجها ، تقول له : قد وكلتك فاشهد على تزويجي؟ قال : « لا » قلت : جعلت فداك وإن كانت أيما؟ قال : « وإن كانت أيما » قلت : فان وكلت غيره فتزوجها منه؟ قال : « نعم » (٣).

وضعف سندها بعمار قادح في جعلها متمسكا ، على أنه لا دلالة فيها ، فان مجرد الاشهاد غير كاف ، ولعل هذا هو المراد بقوله عليه‌السلام : « لا ».

ومن هذا البيان علم أن لوكيل الجد ذي الحافدين ـ أعني : ابن ابنه الأخر ـ أن يتولى طرفي العقد إذا وكله في توليتهما ، كما يتولاهما الجد ، وكذا القول في وكيل الرشيدين ووكيل الوليين.

قوله : ( ولو زوج الولي بدون مهر المثل ، فالأقرب أن لها الاعتراض ).

أي : لو زوج الولي البنت بدون مهر مثلها حيث تكون المصلحة في ذلك ـ كما لو لم يوجد من يليق بحالها ويصلح لها سوى من لا يرضى بمهر مثلها ونحو ذلك ـ فهل لها الاعتراض بعد الكمال؟ فيه قولان :

أقربهما عند المصنف أن لها ذلك ، لأن النكاح عقد معاوضة ، ومقابلة البضع بدون عوض مثله تخيير ، ووجوب الرضا به ضرر.

__________________

(١) في « ش » : القولين.

(٢) المختلف : ٥٤١.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧٨ حديث ١٥٢٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٣ حديث ٨٤١ ، وفيهما :. فان وكلت غيره بتزويجها منه.

١٤٧

______________________________________________________

وقال الشيخ في الخلاف (١) والمبسوط (٢) بلزومه ، لأنه أولى من العفو ، وهو جائز للذي بيده عقدة النكاح ، ولأن البضع ليس مالا حقيقة ، وليس الغرض الأصلي من النكاح هو المهر ، بل التحصين والنسل ، وحكى الشيخ في المبسوط (٣) بطلان المسمّى ، لأن الأموال يراعى فيها قيمة المثل ، فكذا في البضع.

وضعفه ظاهر ، فان الغرض وجود المصلحة المجوزة ، والفرق قائم كما بيناه.

فعلى الأول لها الاعتراض في المسمّى ، فإذا فسخته ثبت لها مهر المثل بالدخول ، وهل لها الاعتراض في العقد؟ فيه وجهان :

أحدهما : لا ، لأن المهر ليس ركنا في النكاح ، فلا مدخل له في صحته وفساده.

والثاني : لها ذلك ، لأن العقد الذي جرى عليه التراضي هو المشتمل على المسمّى ، فمتى لم يكن ماضيا كان لها فسخه من أصله.

ويمكن أن يجعل الخيار في العقد ـ إذا فسخت المسمّى ـ مختصا بالزوج ، لأنه إنما رضي بالعقد على الوجه المخصوص ، وقد فات ، فيثبت له الخيار ، وأيضا فإن إلزامه بمهر المثل على وجه قهري فيه ضرر.

ويحتمل ضعيفا بطلان العقد من رأس إذا فسخت المسمّى ، لفوات ما وقع عليه التراضي بالفسخ ، وغيره غير واقع.

وفي عبارة شيخنا في شرح الإرشاد إيماء إليه ، فإنه قال : إذا زوج الولي الإجباري كالأب والجد المولّى عليها بدون مهر مثلها فالوجه صحة العقد ، إلى آخره.

وضعفه ظاهر ، فان المهر ليس ركنا في العقد.

ولو زوجها بدون مهر المثل مع عدم المصلحة المقتضية لنقص المهر ، ففي صحة‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١١ مسألة ٣٧ من كتاب الطلاق.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٩٧.

(٣) المصدر السابق.

١٤٨

______________________________________________________

النكاح وبطلان المسمّى أو بطلانهما وجهان ، لأن دليلهما معلوم مما سبق ، ومختاره في الإرشاد صحة النكاح ووجوب مهر المثل ، ويلوح منها أنه يجب بالعقد ، لأنه قال : لو زوجها الولي بدون مهر المثل أو مفوضة البضع فالأقرب الصحة مع المصلحة وإلاّ مهر المثل ، وفيه نظر بين.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن فرض المسألة في العبارة لا بد أن يكون مقيدا بالمصلحة ، إذ بدونها يجب أن يكون لها الاعتراض جزما ، لأنه عقد جرى على خلاف المصلحة فلا يكون ماضيا.

ويحتمل عدم اعتبار التقييد بها ، لأن ظاهر كلام الشيخ وتعليله جواز العقد من الولي بدون مهر المثل اختيارا لا لسبب باعث عليه ، حيث علل بأن له العفو عن الصداق فله أن يعقد على بعضه (١) ، فعلى هذا يختص الحكم بالولي الإجباري ، إذ هو الذي يعفو.

وعلى الأول لا يختص ، فيعم الحكم الحاكم ، لأن المناط في تصرف الجميع المصلحة.

وعبارة المصنف في التحرير تشعر بذلك ، فإنه قال : ولا للولي أن يزوجها بدون مهر المثل ، فان فعلا كان لها فسخ المسمّى (٢).

وهل لها فسخ النكاح؟ فيه نظر ، والمعتمد في الفتوى أنه إذا زوجها كذلك مع المصلحة فلا اعتراض لها أصلا ، وإلاّ كان لها فسخ المسمّى والنكاح معا ، لأنه عقد على خلاف المصلحة.

وهل لها فسخ الصداق وحده حيث يكون إنشاء النكاح من الولي جائزا؟ يحتمل ذلك ، فان فسخته كان للزوج فسخ النكاح.

__________________

(١) النهاية : ٤٦٨.

(٢) التحرير ٢ : ٦.

١٤٩

ويصح للمرأة أن تعقد على نفسها وغيرها إيجابا وقبولا.

ولو زوج الفضولي وقف على الإجازة من المعقود عليه أن كان حرا رشيدا أو من وليه إن لم يكن ، ولا يقع العقد باطلا في أصله على رأي.

______________________________________________________

قوله : ( ويصح للمرأة أن تعقد على نفسها وغيرها إيجابا وقبولا ).

فان عبارتها في النكاح معتبرة عندنا كما سبق ، وهذا تكرار محض.

قوله : ( ولو زوج الفضولي وقف على الإجازة من المعقود عليه إن كان حرا رشيدا أو من وليّه إن لم يكن ، ولا يقع العقد باطلا من أصله على رأي ).

اختلف الأصحاب في عقد النكاح الصادر من الفضولي ، وهو : الذي ليس له ولاية ولا وكالة : فالأكثر على أنه يقع موقوفا على الإجازة من المتناكحين أو من يقوم مقامهما ، اختاره المفيد (١) والمرتضى (٢) والشيخ في النهاية (٣) وعامة الأصحاب ، وهو مختار المصنف.

وذهب الشيخ في المبسوط (٤) والخلاف (٥) إلى بطلانه من رأس.

وذهب ابن حمزة إلى أن النكاح لا يقف على الإجازة إلاّ في تسعة مواضع ، وهي : عقد البكر الرشيدة مع حضور الولي على نفسها ، وعقد الأب على ابنه الصغير ، وعقد الام عليه ، وعقد الجد مع عدم الأب ، وعقد الأخ ، والام ، والعم على صبية ، وتزويج الرجل عبده بغير إذنه ، وتزويج العبد إذن سيده ، فإن أجاز الولي والمعقود له أو عليه أو سيده صح ، وإلاّ انفسخ (٦).

__________________

(١) المقنعة : ٧٨.

(٢) الانتصار : ١٢٢ ، الناصريات : ٢٤٧.

(٣) النهاية : ٤٦٥.

(٤) المبسوط ٤ : ١٦٣.

(٥) الخلاف ٣ : ٢٠٦ مسألة ١١ من كتاب النكاح.

(٦) الوسيلة : ٣٥٣.

١٥٠

______________________________________________________

والأصح الأول ، لما رواه ابن عباس : أن جارية بكرا أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرت أن أباها زوّجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، وفي خبر آخر : أن رجلا زوج ابنته وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : اخترت ما صنع أبي ، وإنما أردت أن اعلم النساء أن ليس للآباء من أمر أبنائهم شي‌ء (٢).

وما رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، أنه سأله عن رجل زوجته امه وهو غائب؟ قال : « النكاح جائز إن شاء المتزوج قبل وإن شاء ترك ، فان ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لامه » (٣).

وفي الصحيح عن أبي عبيدة الحذاء قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين؟ فقال : « النكاح جائز ، وأيهما أدرك كان له الخيار ، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلاّ أن يكونا قد أدركا ورضيا » (٤).

وحمل في المختلف الولي هنا على غير الأب والجد له ، كالأخ والعم والخال (٥) ، ولو حمل على الحاكم ووصي المال كان أوفق.

وعن زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن رجل تزوج عبده بغير اذنه فدخل بها ثم اطّلع على ذلك مولاه؟ قال : « ذلك لمولاه إنشاء فرّق بينهما ، وإن شاء‌

__________________

(١) سنن ابي داود ٢ : ٢٣٢ حديث ٢٠٩٦. سنن الكبرى ٧ : ١١٧.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ١١٨.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠١ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٧٦ حديث ١٥٢٣.

(٤) الكافي ٧ : ١٣١ ـ ١٣٢ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٨٨ حديث ١٥٥٥.

(٥) المختلف : ٥٣٦.

١٥١

______________________________________________________

أجاز نكاحهما » (١) وفي الحسن عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام مثله (٢).

وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم‌السلام : أنه أتاه رجل بعبده فقال : إنّ عبدي تزوج بغير إذني ، فقال علي عليه‌السلام لسيده : « فرق بينهما » فقال السيد لعبده : يا عدوّ الله طلّق ، فقال علي عليه‌السلام : « كيف قلت له؟ » قال : قلت له طلّق ، فقال علي عليه‌السلام للعبد : « الآن فإن شئت فطلّق وإن شئت فأمسك » فقال السيد : يا أمير المؤمنين أمر كان بيدي ثم جعلته بيد غيري ، فقال : « ذلك لأنك حيث قلت له : طلّق ، أقررت له بالنكاح » (٣).

والحجة في الحكم بالنكاح بعد قوله فرق بينهما ، ويمكن أن يقال : لا حجة فيه لاستلزام الأمر بالطلاق حصول النكاح ، وهو أعم من كونه فضوليا.

احتج القائل بالبطلان : بأن العقد سبب الإباحة ، فلا يصح صدوره من غير معقود عليه أو وليّه.

وهو عين المتنازع.

وبأن رضى المعقود عنه أو وليّه شرط ، والشرط مقدم.

والأولى ممنوعة.

وبما روت عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « أيّما امرأة نكحت بغير اذن وليّها فنكاحها باطل » (٤) وهذه نكحت بغير اذن وليها ، وبما روى جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « أيّما عبد تزوج بغير اذن مواليه فنكاحه باطل » (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٨ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٨٣ حديث ١٣٤٩ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ حديث ١٤٣١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٨ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٥٠ حديث ١٦٧٥ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ حديث ١٤٣٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٥٢ حديث ١٤٣٣.

(٤) سنن ابي داود ٢ : ٢٢٩ حديث ٢٠٨٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٠٧ حديث ١١٠٢ ، مسند احمد ٦ : ٦٦.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٢٢٨ حديث ٢٠٧٨.

١٥٢

ويكفي في البكر السكوت عند عرضه عليها ، ولا بد في الثيب من النطق. ولو زوج الأب أو الجد له الصغيرين فمات أحدهما ورثه الآخر.

ولو عقد الفضولي فمات أحدهما قبل البلوغ بطل العقد ، ولا مهر ولا ميراث.

ولو بلغ أحدهما فأجاز لزم في طرفه ، فإن مات الآخر فكالأول.

وإن مات المجيز عزل للآخر نصيبه ، فإن فسخ بعد البلوغ فلا مهر ولا ميراث ، فإن أجاز أحلف على عدم سببية الرغبة في الميراث للإجازة وورث.

______________________________________________________

والروايتان ضعيفتان ، فإنهما ليستا من طرقنا.

وبأن العقود الشرعية تحتاج إلى أدلة شرعية ، ولا دليل على أن هذه واقفه على الإجازة.

وضعفه ظاهر ، فإن الدلائل قد بيناها.

قوله : ( ويكفي في البكر السكوت عند عرضه عليها ، ولا بد في الثيب من النطق ).

كما يكفي في اذن البكر في إيقاع عقد النكاح سكوتها ، كذا يكفي في إجازتها العقد الفضولي السكوت ، لأن المقتضي للاكتفاء به هو الحياء ، وهو قائم في الموضعين ، أما الثيب فلا بد من تصريحها بالاذن.

قوله : ( ولو زوج الأب أو الجد له الصغيرين فمات أحدهما ورثه الآخر ، ولو عقد الفضولي فمات أحدهما قبل البلوغ بطل العقد ولا مهر ولا ميراث ، ولو بلغ أحدهما فأجاز لزم في طرفه ، فان مات الآخر فكالأول ، وإن مات المجيز عزل للآخر نصيبه ، فان فسخ بعد البلوغ فلا مهر ولا ميراث ، وإن أجاز أحلف على عدم سببية الرغبة في الميراث للإجازة وورّث ).

١٥٣

______________________________________________________

إذا زوّج الأب‌ أو الجد له الصغيرين لزم العقد كما سبق ، ولم يكن لأحدهما خيار بعد البلوغ ، فلو مات أحدهما ورثه الآخر ، لصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ قال : « إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم » قلت : فهل يجوز طلاق الأب؟ قال : « لا » (١) وقد تقدم حكاية خلاف الشيخ وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس (٢).

ولو كان العاقد لهما فضوليا فلا إرث ، إلاّ إذا مات المجيز بعد بلوغه ثم أجاز الآخر بعد بلوغه فإنه يرث إذا حلف أنه لم يجز رغبة في الإرث ، فلو ماتا أو أحدهما قبل الإجازة فلا إرث قطعا ، لبطلان العقد بتعذر الإجازة.

ويدل على هذه الأحكام صحيحة أبي عبيدة الحذاء عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن غلام وجارية زوّجهما وليّان لهما وهما غير مدركين؟ فقال : « النكاح جائز وأيّهما أدرك كان له الخيار ، فان ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلاّ أن يكونا قد أدركا ورضيا » قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال : « يجوز ذلك عليه إن هو رضي » قلت فان كان الرجل الذي قد أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال : « نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضى بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر » قلت : فان ماتت الجارية ولم تكن أدركت أيرثها الرجل المدرك؟ قال : « لا ، لأن لها الخيار إذا أدركت » قلت : فان كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال : « يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام والمهر على الأب للجارية » (٣).

وهذه الرواية وإن تضمنت صدور العقد من وليّين ، إلاّ أنها لا دلالة لها على‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٨٢ حديث ١٥٤٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٦ حديث ٨٥٤.

(٢) انظر النهاية : ٤٦٦ ، المهذب ٢ : ١٩٧ ، الوسيلة : ٣٠٠ ، السرائر : ٢٩٧.

(٣) الكافي ٧ : ١٣١ ـ ١٣٢ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٨٨ حديث ١٥٥٥.

١٥٤

فإن مات بعد الإجازة وقبل اليمين فإشكال ،

______________________________________________________

كونهما وليّين في النكاح ، وقد تضمنت ذكر الأب وأنّ تزويجه ماض على الصغيرين ، وفي ذلك دلالة على أن المراد بالولي غيره وغير الجد ، لدلالة عدة روايات اخرى على أنه كالأب (١).

ولا ريب أن من لا ولاية له في النكاح فضولي فيه ، فلا يفرق بينه وبين من لا ولاية له أصلا ، لأنه لا فارق من العلماء ، وهذه الرواية من أقوى الدلائل على عدم بطلان عقد الفضولي في النكاح من رأس.

والظاهر أن المجنونين كالصغيرين في ذلك.

وقد يقال عليها (٢) : إنها تضمنت ثبوت نصف المهر للجارية ، والموت يقتضي تقرر الجميع.

وجوابه : الحمل على أنه قد سبق دفع نصف المهر كما هو المعتاد من تقديم شي‌ء قبل الدخول وأن الباقي هو النصف خاصة.

واعلم أن قول المصنف : ( ولو بلغ أحدهما فأجاز لزم في طرفه ) ينبغي أن يكون مبنيا على أن القبول كاشف ، إذ لو كان جزء السبب لكان إما رضي بالإيجاب أو بالقبول ، والإيجاب لو صدر لم يكن لازما بحيث يمتنع الرجوع عنه ، فكيف الرضى به.

واعلم أيضا أن الجار في قوله : ( في الميراث ) متعلق بـ ( الرغبة ) والجار في قوله : ( للإجازة ) متعلق بـ ( سببية ).

قوله : ( فان مات بعد الإجازة وقبل اليمين فإشكال ).

أي : فان مات البالغ المجيز آخرا بعد موت الأول بعد الإجازة وقبل اليمين ،

__________________

(١) اي : على أن الجد كالأب ، بل في كثير منها انه اولى منه ، انظر : الكافي ٥ : ٣٩٥ باب الرجل يريد أن يزوج ابنته ويريد أبوه أن يزوجها رجلا أخر ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ حديث ١٥٦١ ـ الى ـ ١٥٦٤ ، الوسائل ١٤ : ٢١٧ باب ١١.

(٢) أي : الرواية.

١٥٥

ولو جن عزل نصيبه ، ولو نكل ففي المهر وارثه منه إشكال.

______________________________________________________

ففي ثبوت الإرث وعدمه إشكال ، ينشأ : من أن استحقاق الإرث دائر مع العقد الكامل ، وقد كمل بالإجازة من الطرفين ، فوجب أن يثبت الإرث. ومن أن النص اعتبر في ثبوت الإرث الإجازة واليمين ، وقد تعذرت ، فلا يثبت ، وهذا أصح ، لأن الإرث على خلاف الأصل ، فيقتصر في ثبوته على موضع النص.

ولا نمنع أن العقد يكمل هنا بالإجازة ، ولم لا يكون كماله بالإجازة الدالة على الرغبة في النكاح حيث أن التهمة قائمة؟! لأن الإجازة هنا محض فائدة لا تعب فيها ، فكل أحد يميل إلى الفائدة ويتوصل إليها بالإجازة ـ وإن كان بحيث لو لا الإرث لم يرغب في النكاح ـ فما دام لم يحلف على ذلك لا يتحقق حصول الإجازة المعتبرة الصادرة عن الرغبة في النكاح.

قوله : ( ولو جنّ عزل نصيبه ، ولو نكل ففي المهر وإرثه منه إشكال ).

إذا جن المجيز الثاني بعد موت المجيز الأول قبل اليمين لم يحكم ببطلان الإرث ، بل يعزل نصيبه وينتظر زمان إفاقته ، لعدم اليأس منها ، فإن أفاق وحلف ورث ، وإن استمر إلى الموت ففيه الاشكال المتقدم.

ولو نكل عن اليمين فلا إرث له من غير المهر قطعا ، لتوقف الإرث على اليمين ، لكن هل يلزمه المهر لو كان هو الزوج أم لا؟ فيه إشكال ، وبتقدير لزومه هل ترث منه أم لا؟ فيه إشكال أيضا.

فإما الإشكال الأول فمنشؤه : من أن النكاح إنما يحكم بصحته ولزومه إذا حصلت الإجازة مع اليمين ، وقد انتفت اليمين بالنكول ، فينتفي الحكم بصحة النكاح ، وثبوت المهر دائر معها.

ومن أن إجازته للنكاح تتضمن الإقرار بثبوت المهر في ذمته تبعا لصحة النكاح ، وإقرار العقلاء على أنفسهم ماض ، والعمل بالأصلين المتنافين في نظائر ذلك ثابت ، كما لو اختلف الزوجان في إيقاع النكاح في الإحرام أو الإحلال ، وكذا اختلاف‌

١٥٦

______________________________________________________

الرجل والمرأة في حصول النكاح ، فان مدعي النكاح الصحيح نؤاخذه بما تضمنته دعواه من الإقرار ، فنمنع الرجل من الخامسة وأخت المرأة وأمها وبنتها ، ونمنعها لو كانت هي المدعية من التزوج بآخر ونحو ذلك.

ومنشأ الاشكال الثاني : من أن الإرث دائر مع صحة النكاح كما أن لزوم المهر دائر معها ، فمتى لزم المهر وجب أن ترث منه.

ومن أن ثبوت الإرث متوقف على اليمين لما سبق ، فينتفي بدونها.

ولقائل أن يقول : إن كان مراده بالإشكال في إرثه من المهر على تقدير لزومه له : أنه على أحد الوجهين يجب تسليم جميعه ، فليس بجيد ، لأن حاصل إقراره اقتضى أن الذي في ذمته من المهر هو ما زاد على قدر نصيبه من الإرث لو كان وارثا بالزوجية ، ولم يقع منه إقرار بزيادة على ذلك.

فان قيل : إقراره بالنكاح بكذا يقتضي ثبوت جميع المهر في ذمته ، واستحقاقه البعض بالإرث موقوف على ثبوت النكاح شرعا ، وليس بثابت.

قلنا : الأمران معا من لوازم النكاح ، فإقراره به يقتضي إقراره بما زاد على نصيبه دون ما عداه ، إذ لا يقتضي النكاح سوى ذلك ، وهذا بخلاف ما لو أقر شخص بأن في ذمته مائة مثلا ثم زعم أنها مهر نكاح ، فإن إرثه منها في هذه الصورة يتوقف على ثبوت النكاح.

وإن كان مراده به : أن مقدار ما يسقط عنه من المهر ـ وهو : قدر نصيبه ـ هل هو لاستحقاقه إياه بالإرث أم لا؟ فمع أنه ليس في ذلك كثير فائدة الإشكال ضعيف جدا ، لأن المهر والإرث كلاهما بحسب الواقع فرع النكاح الصحيح ، أما ظاهرا فليس ذلك لأن المهر إنما وجب بإقراره وإن أسند اللزوم إلى سبب لم يعلم ثبوته ، وهذا القدر لا يكفي لثبوت الإرث ظاهرا.

والأصح أنه إنما يجب عليه من المهر ما زاد على قدر استحقاقه لو كان وارثا ،

١٥٧

وفي انسحاب الحكم في البالغين إذا زوجهما الفضولي اشكال ، أقربه البطلان.

ولو زوّج أحدهما الولي أو كان بالغا رشيدا ، وزوج الآخر الفضولي ، فمات الأول عزل للثاني نصيبه واحلف بعد بلوغه.

ولو مات الثاني قبل بلوغه أو قبل أجازته بطل العقد.

______________________________________________________

وذلك القدر ساقط عنه ، لعدم إقراره به لا لارثه.

قوله : ( وفي انسحاب الحكم في البالغين إذا زوجهما الفضولي ، إشكال ، أقربه البطلان ).

ينشأ : من أن العقد في الصغيرين إنما كان فضوليا ، ولا يتفاوت الحال بالصغر والكبر ، فيكون الحكم في البالغين كذلك.

ومن أن هذا الحكم ثبت على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النص ، ويحكم ببطلان العقد إذا مات أحد المعقود عليهما بعد أجازته وقبل اجازة الآخر.

فان قيل : هذا إنما يستقيم على القول بأن الإجازة في الفضولي جزء السبب ، أما على القول بأنها كاشفة فلا ، لأن الإجازة تكشف عن سبق النكاح على الموت ، فكيف لا يثبت الإرث؟! قلنا : قد عرفت أن الإجازة وحدها لا تكفي في ثبوت الإرث ، إذ لا يتحقق النكاح بمجردها ، بل لا بد من اليمين ، وثبوت الإرث باليمين مخالف للأصل ، فلا يتعدّى مورده ، وهذا هو وجه القرب لمقرّب المصنف ، وهو المفتي به.

قوله : ( ولو زوج أحدهما الولي أو كان بالغا رشيدا وزوج الآخر الفضولي فمات الأول عزل للثاني نصيبه واحلف بعد بلوغه ، ولو مات الثاني قبل بلوغه أو قبل أجازته بطل العقد ).

المراد : أنه إذا كان التزويج من أحد الطرفين لازما ـ إما لكون المعقود له‌

١٥٨

ولو تولى الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حق المباشر تحريم المصاهرة ، فإن كان زوجا حرم عليه الخامسة والأخت والبنت والام ، إلاّ إذا فسخت على اشكال في الأم.

______________________________________________________

النكاح قد عقد له من له ولاية النكاح كالصغير إذا زوجه أبوه أو جده لأبيه والبالغ إذا كان فاسد العقل ، أو لأنه قد باشر عقد النكاح بنفسه وهو ممن يصح منه كالبالغ الرشيد أو السفيه إذا أذن له الولي ـ ومن الطرف الآخر فضوليا مع كون المعقود عليه صغيرا.

فإنه إذا مات الأول وجب أن يعزل نصيب الثاني من إرثه ، فإذا بلغ وأجاز أحلف على ما سبق وورث ، والدليل على ذلك : أن النص (١) ورد على الصغيرين إذا كان العقد فضوليا بالإضافة إليهما ، فإذا كان أحدهما صغيرا والعقد من طرفه فضوليا ومن الطرف الآخر لازما ـ سواء كان صغيرا أم لا ـ وجب أن يثبت الحكم بطريق أولى.

أما لو مات الثاني قبل بلوغه أو بعده قبل الإجازة ، فإن العقد باطل ، ولا إرث لانتفاء المقتضي وهو الإجازة.

قوله : ( ولو تولّى الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حق المباشر تحريم المصاهرة ، فإن كان زوجا حرم عليه الخامسة والأخت والام والبنت ، إلاّ إذا فسخت على إشكال في الأم ).

لو تولّى العقد عن الرجل أو المرأة فضوليّ وباشر الآخر منهما العقد بنفسه ، فقد علم من ما مضى أن العقد لازم بالنسبة إلى المباشر ، وحينئذ فيثبت تحريم المصاهرة بالنسبة إليه ، لأن ذلك دائر مع النكاح الصحيح ، وقد علمت أن النكاح صحيح بالنسبة إليه حيث أنه لازم من طرفه.

فالمباشر إما زوج أو زوجة ، فإن كان زوجا حرم عليه نكاح الخامسة لو كانت‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣١ ـ ١٣٢ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٨٨ حديث ١٥٥٥.

١٥٩

______________________________________________________

المعقود عليها فضولا رابعة وحرم عليه أخت المعقود عليها وأمها وبنتها ، لأن ذلك أثر النكاح الصحيح ، إلاّ إذا فسخت المعقود عليها ، فان التحريم ينتفي حينئذ لانتفاء مقتضيه.

وذلك واضح في الأخت ، فإنها لا تحرم إلاّ جمعا لا عينا وقد انفسخ النكاح ، وكذا البنت ، فإنّها لا تحرم عينا إلاّ مع الدخول بأمها.

أما الأم ، فان في بقاء تحريمها بعد الفسخ وزواله إشكال ، ينشأ : من أن تحريم الام يثبت بالعقد الصحيح اللازم ، وقد تبين أن العقد صحيح لازم من طرف المباشر ، فيتعلق به تحريم الام. ومن أنّ الفسخ رفع النكاح من أصله ، فارتفعت أحكامه.

وأيضا فإن النكاح لا يعقل ثبوته بمجرد القبول المعتبر من دون الإيجاب الشرعي ، وإيجاب الفضولي لا أثر له من دون الرضى ، وإذا لم يثبت النكاح لم يثبت التحريم.

والتحقيق : أن المباشرة من أحد الطرفين لا تقتضي ثبوت النكاح من ذلك الطرف الآخر لأن النكاح أمر واحد نسبيّ لا يعقل ثبوته إلاّ من الجانبين.

وإنما قلنا إنه يلزم في حق المباشر ، بناء على أن الإجازة كاشفة عن ثبوت العقد ولزومه من حين وقوعه ، كما أن عدمها كاشف عن عدم ذلك.

فلو فسخ المباشر ثم أجاز الآخر تبينا أن فسخه وقع بعد ثبوت العقد ولزومه فلم يؤثر شيئا ، والحكم بثبوت حرمة المصاهرة إنما كان لأن العقد الواقع نقل عن حكم الحل الذي كان قبله ، وإن كانت سببيته وعدم سببيته الآن غير معلومة ، فلم يبق حكم الأصل كما كان.

ومثله ما لو اشتبهت الزوجة المعقود عليها عقدا صحيحا لازما بغيرها ، فان تحريم المصاهرة ثابت بالنسبة إليهما معا ، وكذا القول فيما لو اشتبه الطاهر بالنجس والحلال بالحرام.

١٦٠