جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

وإذا أسلم الحر عن أكثر من أربع حرائر مدخول بهن وثنيات انتظرت العدة ، فإن لحق به أربع كان له الانتظار ، فإن اختار المسلمات انقطعت عصمة البواقي.

ثم إن أسلمن قبل انقضاء العدة ، علمت البينونة باختياره للأربع ، وكانت عدتهن من ذلك الوقت.

وإن أقمن على كفرهن إلى الانقضاء ، علمت البينونة منهن باختلاف الدين.

______________________________________________________

والفرق هو المختار.

واعلم أن قول المصنف : ( لأنه حينئذ حر ) تعليل لقوله : ( وكان له العقد على اثنتين اخرتين ) لا لما قبله ، لمنافاته الحكم.

قوله : ( وإذا أسلم الحر عن أكثر من أربع حرائر مدخول بهن وثنيات انتظرت العدة ، فإن لحق به أربع كان له الانتظار ، فإن اختار المسلمات انقطعت عصمة البواقي. ثم إن أسلمن قبل انقضاء العدة علمت البينونة باختياره للأربع ، وكانت عدتهن من ذلك الوقت ، وإن أقمن على كفرهن إلى الانقضاء علمت البينونة منهن باختلاف الدين ).

هذا الفرض المذكور في كلام المصنف هو بعينه ما تقدم في كلامه قبل هذا بأسطر ، وهو قوله : ( ولو أسلم عن أكثر من أربع وثنيات مدخول بهن ... ).

وإنما ذكر هذا الفرض لذكر الأحكام التي زادها هنا ، وقد كان يمكنه ذكرها هناك فيستغني عن الإطالة ، لكنه لما لم يقيّد فيما سبق المسلم بكونه حرا والمسلمات بكونهن حرائر شمل الفرض العبد والإماء ، ولا منافاة باعتبار ذلك ، لأن لكل من الحر والعبد اختيار أربع في الجملة وإن اختلف الحكم باعتبار كونهن حرائر وإماء.

إذا تقرر ذلك فاعلم أنه إذا أسلم الحر عن أكثر من أربع حرائر مدخول بهن‌

٤٤١

وإن انتظر إسلام البواقي : فإن أقمن على الكفر حتى خرجت العدة ظهرت البينونة من حين الاختلاف ، وأن عددهن انقضت ، وأن الأول قد لزمه نكاحهن بغير اختياره ، لأن اختياره إنما يكون بين عدد لا يجوز له جمعه.

______________________________________________________

وثنيات ، انتظرت العدة في اندفاع نكاحهن بالإسلام وعدمه كما علم غير مرة ، فإن لم يلحق به أحد فظاهر اندفاع نكاح الجميع بالإسلام.

وإن لحق به أربع كان له انتظار البواقي ، فلا يحدث اختيارا ولا بما يستلزمه إلى أن ينتظر ما يكون منهن ، وله أن لا ينتظر بأن يصرح باختيار المسلمات أو يطلقهن ، فإن الطلاق يستلزم الاختيار ، أو تفسخ نكاحهن ، فهذه أقسام أربعة :

الأول : أن يختار المسلمات فتنقطع عصمة البواقي قطعا ، وهل هو باختلاف الدين أو بالاختيار؟ ينظر فإن أسلمن قبل انقضاء العدة علمت البينونة باختياره للأربع وكانت عدتهن من ذلك الوقت ، لأنهن بالإسلام والعدة صالحات لاستدامة نكاحهن كغيرهن ، فلا يبن إلاّ بالاختيار.

وإن أقمن على كفرهن حتى انقضت عددهن علمت البينونة باختلاف الدين ، ولم يكن للاختيار أثر لتعيّن المسلمات للنكاح ، وهذا ضابط مستمر ، وهو أنه متى كان الاختيار هو المقتضي للبينونة فالعدة من حينه ، ومتى كان البقاء على الكفر إلى انقضاء العدة هو المقتضي لها فالعدة من حين الإسلام.

واعلم أن قول المصنف : ( فإن لحق به ... ) لا معادل له في كلامه ، استغناء بما تقدم في الفرض المذكور سابقا.

قوله : ( وإن انتظر إسلام البواقي ، فإن أقمن على الكفر حتى خرجت العدة ظهرت البينونة من حين الاختلاف ، وإن عددهنّ انقضت ، وان الأول قد لزمه نكاحهن بغير اختياره ، لأن اختياره إنما يكون بين عدد لا يجوز له جمعه.

٤٤٢

وإن أسلمن في العدة ، فإن اختار أربعا انفسخ نكاح البواقي من حين الاختيار ويعتددن من وقته ، فإن طلق المسلمات انقطعت عصمة الباقيات.

ثم إن أقمن على الكفر حتى انقضت العدة بنّ باختلاف الدين ، وإن أسلمن فيها بنّ من حين الطلاق.

______________________________________________________

وإن أسلمن في العدة ، فإن اختار أربعا انفسخ نكاح البواقي من حين الاختيار ويعتدون من وقته ).

هذا هو القسم الثاني من أقسام الأربعة ، وهو انتظار إسلام البواقي وعدمه ، وكان الأحسن أن يقدّمه على الأقسام الثلاثة أو يؤخره عنها ، لأنها مقابل الانتظار.

وتحقيقه أنه إذا انتظر إسلامهن ، فإن بقين على الكفر حتى انقضت العدة ، تبين بينونتهن باختلاف الدين وانتقضت عددهن ولزمه نكاح الاولى ، وإن أسلمن في العدة فمتى اختار أربعا انفسخ نكاح البواقي من حين الاختيار ويعتدون من وقته.

ولا يخفى أنه لو قال : فمتى اختار أربعا بدل قوله : ( فإن اختار ... ) كان أحسن ، فإنه لا يستدعي معادلا ، ولأنه لا بد من الاختيار.

قوله : ( فإن طلق المسلمات انقطعت عصمة الباقيات لاستحالة توجه الطلاق إلى غير زوجة ، ثم إن أقمن على الكفر حتى انقضت العدة بنّ باختلاف الدين ، وإن أسلمن فيها بنّ من حين الطلاق ).

هذا هو القسم الثالث من الأقسام الأربعة ، وهو ثاني الأقسام الثلاثة المقابلة للانتظار ، وهو أن يطلق المسلمات ، وحكمه أنه بمنزلة الاختيار ، لاستحالة توجه الطلاق إلى غير زوجة ، ولا يخفى أن الفاء في قوله ( فإن طلق ... ) لا موقع لها والأحسن عطفه بالواو.

٤٤٣

ولو اختار فسخ المسلمات لم يكن له إلاّ بعد إسلام أربع ، لإمكان أن لا يسلمن في العدة فيلزمه نكاح المسلمات. فلو اختار الفسخ ولم تسلم الباقيات في العدة انفصل نكاحهن ، ولزمه نكاح من اختار فسخهن.

وإن أسلمن ، فإن اختار منهن أربعا انفسخ الزائد والأوائل.

وإن اختار الأوائل احتمل الصحة ، لأن فسخه الأول لم يكن صحيحا وقت وقوعه ، والبطلان ، لأن بطلان الفسخ إنما يتم لو أقام البواقي على الكفر ، لأنا نتبيّن لزوم نكاح المسلمات.

فأما إذا أسلم البواقي ، فإذا فسخ فيه نكاح من شاء جاز ولم يكن له أن يختارها.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اختار فسخ المسلمات لم يكن له إلاّ بعد إسلام أربع ، لإمكان أن لا يسلمن في العدة فيلزمه نكاح المسلمات ).

هذا هو القسم الرابع ، وهو أن يختار فسخ نكاح المسلمات ، وقد حكم المصنف بأنه ليس له ذلك إلاّ بعد إسلام أربع أخر في العدة ، لإمكان أن لا يسلم غير الأول فيلزمه نكاحهن ، فيقع الفسخ باطلا ، ومراده على ما يرشد اليه التعليل.

ويدل عليه ما سيأتي من كلامه أنه ليس له الفسخ المحكوم بتأثره في الحال ، أما غيره فسيأتي في كلامه تردد فيه ، فلو لا هذا الحمل لتدافع كلامه.

قوله : ( فلو اختار الفسخ ولم تسلم الباقيات في العدة انفصل نكاحهن ، ولزمه نكاح من اختار فسخهن ، وإن أسلمن فإن اختار منهن أربعا انفسخ الزائد والأوائل ، وإن اختار الأوائل احتمل الصحة ، لأن فسخه الأول لم يكن صحيحا وقت وقوعه. والبطلان ، لأن بطلان الفسخ إنما يتم لو أقام البواقي على الكفر لأنا تبينا لزوم نكاح المسلمات ، فأما إذا أسلم البواقي ، فإذا فسخ فيه نكاح من شاء جاز ولم يكن له أن يختارها ).

٤٤٤

______________________________________________________

هذا من أحكام القسم‌ الرابع ، أي : فلو أقدم على اختيار الفسخ للمسلمات ولم تسلم الباقيات ، فظاهر انفصال نكاحهن ، باختلاف الدين فيقع الفسخ لاغيا ، ويلزمه نكاح من اختار فسخ نكاحهن.

وإن أسلمن في العدة ، فإن اختار منهن أربعا ـ لو كن أزيد من أربع ـ انفسخ نكاح الزائد والأوائل قطعا. وإن اختار الأوائل ـ وهي التي فسخ نكاحهن ـ ففي صحة اختياره وفساده وجهان :

أحدهما : الصحة ، لأن فسخه الأول لم يكن صحيحا وقت وقوعه ، وذلك لأنه لا يترتب عليه أثر فاسد.

ولمانع أن يمنع عدم ترتب أثره عليه ، فإن عدم ظهور ترتبه في الحال لا يمنع انكشاف ترتبه فيما بعد.

والحاصل أن صحة الفسخ مشروطة بكون الزوجات عددا يبقى منه بعد فسخ الأربع أربع فصاعدا ، وبإسلام البواقي في العدة انكشف حصول الشرط في وقت الفسخ ، فوجب أن يكون صحيحا.

نعم ، قد يقال : يشترط في الفسخ أن لا يقع على التردد ، وحين إيقاعه كان حصول الشرط مشكوكا فيه ، فوقع على التردد فلا يكون صحيحا.

وثانيهما : البطلان ، أي : بطلان اختيار الأوائل ، وذلك لأن الفسخ وقع صحيحا ، لأن بطلانه إنما يتم لو أقام البواقي على الكفر ، لانتفاء الشرط حينئذ ، وهو الزيادة على العدد وهي منتفية فتبين لزوم نكاح المسلمات.

فأما إذا أسلم البواقي في العدة فإن الشرط حاصل ، فإذا فسخ في حال إسلامهن نكاح من شاء جاز ووقع الفسخ صحيحا ، وإن تقدم الفسخ على إسلامهن بحصول شرطه بحسب الواقع ، وحينئذ فمن فسخ نكاحها ليس له أن يختارها بعد.

والتحقيق أنه لا مانع من صحة الفسخ على تقدير إسلام البواقي ، إلاّ جهله‌

٤٤٥

ولو أسلم عن أربع إماء وحرة فأسلمن وتأخرت الحرة وأعتقن ، لم يكن له اختيار واحدة منهن إن منعنا من نكاح الأمة للقادر على الحرة ، لجواز إسلام الحرة.

وإنما تعتبر حالهن حال ثبوت الخيار ، وهو حال اجتماع إسلامه وإسلامهن ، وقد كن حينئذ إماء ، فإن أسلمت الحرة بنّ ، وإن تأخرت حتى انقضت بانت ، وكان له اختيار اثنتين لا غير اعتبارا بحال اجتماع الإسلامين.

______________________________________________________

بحصول شرطه في وقت إيقاعه وذلك يقتضي إيقاعه على التردد ، وعدم الجزم بكونه فسخا ، فإن كان ذلك منافيا للصحة وقع فاسدا ، وإلاّ فلا.

ومثله نقول في سائر العقود والإيقاعات ، فلو باع مال مورثه لاحتمال موته وانتقال الملك اليه فصادف موته.

وكذا لو وهبه لآخر ، أو أصدقه امرأة ، أو طلق زوجته جاهلا بانتقالها من طهر إلى آخر حيث يشترط ذلك ، ثم تبين حصول الشرط بحسب الواقع ، ففي الصحة في ذلك تردد.

وما ذكره الأصحاب من أن العقود بالقصود قد يقال : إنه يقتضي الفساد ، وإنا في ذلك من المتوقفين.

قوله : ( ولو أسلم عن أربع إماء وحرة فأسلمن وتأخرت الحرة وأعتقن لم يكن له اختيار واحدة منهن إن منعنا من نكاح الأمة للقادر على الحرة لجواز إسلام الحرة ، وإنما يعتبر حالهن حال ثبوت الخيار ، وهو حال اجتماع إسلامه وإسلامهن وقد كن حينئذ إماء.

فإن أسلمت الحرة بنّ وإن تأخرت حتى انقضت بانت وكان له اختيار اثنتين لا غير اعتبارا بحال اجتماع إسلامهن ).

٤٤٦

______________________________________________________

لو أسلم الحر‌ عن أربع إماء وحرة وثنيات مدخول بهن ، فأسلمن الإماء وتأخرت الحرة وأعتقن ، فقد حكم المصنف بأنه ليس له اختيار واحدة من الإماء ، لا قبل العتق ولا بعده على القول بمنع الحر القادر على نكاح الحرة من نكاح الأمة.

أما قبل العتق فظاهر ، لأنه متمسك بنكاح حرة ، فإنه يجوز أن يسلم في العدة.

وأما بعده ، فلأن الاعتبار بحريتهن وضدها وقت اجتماع إسلامه وإسلامهن ، لأن وقت الاختيار حينئذ ، وفي هذه الحالة كن إماء إذ المفروض أن اعتاقهن بعد إسلامهن وإسلامهن بعد إسلامه ، بل ينتظر إن أسلمت الحرة بن ، أعني الإماء.

ومتى تكون بينونتهن ينبغي أن يكون من حين إسلامه ، لأنه وقت التزامه بأحكام الإسلام ، وقد تبيّن أن له حينئذ زوجة حرة.

وإن تأخرت الحرة حتى انقضت العدة بانت باختلاف الدين ، وكان له اختيار أمتين لا غير ، اعتبارا بوقت اجتماع إسلامهن مع إسلامه.

وقد حذف المصنف لفظة مع إسلامه اكتفاء بدلالة اجتماع عليه ، وفي بعض النسخ : اعتبارا بحال اجتماع الإسلامين.

واعلم أن هذا الذي ذكره المصنف نحو ما ذكره الشيخ في المبسوط (١) ، لكنه زاد فيه قوله : ( إن منعنا من نكاح الأمة إلى أخره ، وعليه ثلاث إشكالات ) :

الأول : إن بناء قوله : ( لم يكن له اختيار واحدة منهن على منع نكاح القادر على نكاح الحرة من نكاح الأمة ) بناء غير ظاهر ، وذلك لأنه يقتضي عدم الفرق بين ابتداء الأول نكاح الأمة واستدامته ، وقد صرح الأصحاب بالفرق.

وان اشتراط نكاح الأمة بالعجز عن نكاح الحرة إنما هو في الابتداء لا في الاستدامة ، ولو لا ذلك لزم أنه متى أسلم الحر على إماء وكان قادرا على نكاح الحرة ،

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٢٥.

٤٤٧

ولو أعتقن قبل إسلامه ، ثم أسلم وأسلمن أو أعتقن بعد إسلامه على اشكال ، ثم أسلمن بعد إسلامه ، كان له اختيار الأربع ، لأن حالة الاختيار حال اجتماع الإسلامين وهن حينئذ حرائر ، فإن اختارهن انقطعت الخامسة.

______________________________________________________

ينفسخ نكاحهن. وكذا إذا أسلم وتحته حرة.

وأما ينفسخ نكاح الإماء إذا أسلمت الحرة وإن رضيت بنكاحهن ، وليس بمرضي عندنا ، وقد صرح الأصحاب بخلافه ، وإنما يجب أن يقال : ينتظر إسلام الحرة ، فإن أسلمت توقف على رضاها ، وإلاّ اختار أمتين.

الثاني : اعترافه بأن الاعتبار في الرقية والحرية بوقت اجتماع إسلامه وإسلامهن ، ينافي ما سبق من أنه إذا أسلم العبد على أربع حرائر ثم أعتق وأسلمن في العدة يختار أمتين فقط ، لأن وقت اجتماع الإسلامين كان حرا ، فكان حقه أن يختار أربعا.

وما سيأتي من قوله : ( أو أعتقن بعد إسلامه على اشكال ) فإن الإشكال لا يتجه إذا كنا لا نعتبر إلاّ وقت اجتماع الإسلامين.

الثالث : قوله : ( وإن تأخرت حتى انقضت بانت وكان له اختيار اثنتين لا غير بناء على منع القادر على نكاح الحرة من نكاح الأمة ) مشكل ، فإن نكاح الأمتين على هذا التقدير ممنوع منه ، وظاهره بناء المسلمة على ذلك القول.

قوله : ( ولو أعتقن قبل إسلامه ثم أسلم وأسلمن أو أعتقن بعد إسلامه على اشكال ، ثم أسلمن بعد إسلامه كان له اختيار الأربع ، لأن حالة الاختيار حال اجتماع الإسلامين وهن حينئذ حرائر ، فإن اختارهن انقطعت الخامسة ).

هذه من شعب المسألة السابقة ، وفيها صورتان :

أ : عتقهن قبل إسلامه وإسلامهن معا.

٤٤٨

______________________________________________________

ب : عتقهن بعد إسلامه وقبل إسلامهن.

وبقي صورة وهي عتقهن بعد إسلامهن وقبل إسلامه ، والذي سبق في أول المسألة عتقهن بعد الإسلامين.

فأما إذا كان عتقهن قبل إسلامه وإسلامهن معا ، فلا إشكال في أن له اختيار أربع ، لأنهن في وقت التزامه بأحكام الإسلام وجريان الأحكام عليه حرائر ، فكان لهن حكم الحرائر في الأصل فيختار أربعا.

وأما إذا كان عتقهن بعد إسلامه وقبل إسلامهن ، فقد ذكر المصنف فيه إشكالا ينشأ : مما ذكره المصنف ، وهو أن حالة الاختيار حال اجتماع الإسلامين ، وهنّ في هذه الحالة حرائر فله أن يختار أربعا.

ومن أن حالة إسلامه هي حالة التزامه بأحكام الإسلام وحالة جريانها عليه ، فيكون المعتبر حالة إسلامه فقط ، وهن حينئذ إماء فيختار اثنتين فقط ، وهذا أقوى.

لا يقال : قبل اجتماع الإسلامين ليس له اختيار قطعا ، فيكون وقت الاختيار حين اجتماعهما ، فتجري عليه الأحكام باعتبار تلك الحالة.

لأنا نقول : المانع من الاختيار قبل اجتماع الإسلامين هو عدم العلم ببقاء الزوجية ، والاختيار فرعها ، وإنما يتبين ذلك بالإسلام في العدة وعدمه ، حتى لو علم بقاء الزوجية بسبب من الأسباب الموجبة للعلم كاخبار المعصوم ، لم يمنع من الاختيار قبل اجتماع الإسلامين ، ومن ثم يجعل الاختيار الواقع قبل اجتماع الإسلامين مراعى ، وكذا الطلاق.

فعلى هذا إنما يختار اثنتين من الإماء مع الحرة إذا أسلمت في العدة ، وعلى الأول له اختيار الأربع فتبين الخامسة وإن أسلمت في العدة ، وأما إذا أعتقن بعد إسلامهن وقبل إسلامه فإن له أن يختار الأربع.

أما على اعتبار اجتماع الإسلامين فظاهر ، وأما على اعتبار إسلامهن ، فلانه‌

٤٤٩

ولو أسلم عن خمس فلحق به أربع ، فله اختيار ثلاث وانتظار الخيار في الرابعة حتى تخرج عدة الخامسة على الشرك.

وهل له انتظار الخيار في الجميع؟ الأقرب المنع ، لأنه يلزمه نكاح ثلاث منهن فيختار ثلاثا ، فإن أسلمت الخامسة تخيّر ، وإلاّ لزمه نكاح الرابعة.

______________________________________________________

إنما أسلم بعد أن صرن حرائر.

واعلم أن الدليل الذي علل به المصنف ، وهو قوله : ( لأن حالة الاختيار حالة اجتماع الإسلامين ) إن تم لم يتجه الإشكال الذي ذكره في المسألة الثانية ، ولم يسلم له ما افتى به فيما إذا أسلم العبد ثم أعتق ثم أسلم الزوجات.

قوله : ( ولو أسلم على خمس فلحق به أربع ، فله اختيار ثلاث ، وانتظار الخيار في الرابعة حتى تخرج عدة الخامسة على الشرك ، وهل له الانتظار في الجميع؟ الأقرب المنع ، لأنه يلزمه نكاح ثلاث منهن فيختار ثلاثا ، فإن أسلمت الخامسة تخيّر ، وإلاّ لزمه نكاح الرابعة ).

توضيح ما ذكره المصنف وجها للأقرب أن هذا يلزمه نكاح ثلاث منهن على كل تقدير من تقديري إسلام الخامسة وعدمه ، وكل من كان كذلك تعين عليه الاختيار من غير تأخير ، فالكبرى محذوفة ، ووجه صحتها أن للزوجات حقا ، فلا يجوز تضييعه بالتأخير.

وأما الصغرى فللناظر أن ينظر فيها ، فإنه إن أراد بها أنه يلزمه نكاح ثلاث على التعيين ، فمعلوم أنه ليس كذلك ، إذ لو كان هكذا لم يكن للاختيار معنى. وإن أراد أنه لا على التعين ، فالكبرى ممنوعة ، فإنه من المعلوم أنه ليس كل من يلزمه نكاح ثلاث أو أربع في الجملة يجب عليه تعجيل الاختيار.

ووجهه أيضا بأن الاختيار إنما يكون عند الزيادة على الأربع ، ولم يوجد ، وليس بشي‌ء ، وبأنه للثلاث عليه حقوق الزوجية ، فلا يحل تأخيرها كالمباينة ، وفيه نظر ، لأن‌

٤٥٠

ولو أسلم تحت العبد المشرك أربع إماء ثم أعتقن قبل إسلامه ، كان لهن الفسخ ، فإن لم يسلم بن بالاختلاف من حين إسلامهن وظهر فساد الفسخ ويكملن عدة الحرائر وإن أسلم في العدة بن بالفسخ.

ولو أخرن الفسخ حتى أسلم كان لهن الفسخ ، لأنهن تركنه اعتمادا على الفسخ بالاختلاف كالمطلقة رجعيا إذا أعتقت وأخرت الفسخ.

______________________________________________________

ذلك حيث لا يكون التأخير لانتظار إسلام بعض الزوجات.

وأما إذا كان للانتظار فقد تعارض الحقان فيطلب المرجح ، والأصل عدم تحتم الاختيار.

قوله : ( ولو أسلم تحت العبد المشرك أربع إماء ، ثم أعتقن قبل إسلامه ، كان لهن الفسخ ، فإن لم يسلم بن بالاختلاف من حين إسلامهن وظهر فساد الفسخ ، ويكملن عدة الحرائر.

وإن أسلم في العدة بن بالفسخ ، ولو اخترن الفسخ حتى أسلم كان لهن الفسخ ، لأنهن تركنه اعتمادا على الفسخ بالاختلاف ، كالمطلقة رجعيا إذا أعتقت وأخرت الفسخ ).

إذا كانت تحت العبد المشرك أربع إماء مدخول بهن فأسلمن ثم أعتقن قبل إسلامه ، فقد حكم المصنف بأن لهن الفسخ ، نظرا إلى أن كل أمة أعتقت تخيرت في النكاح.

لكن يرد عليه أن هذا الفسخ إنما يكون مع بقاء النكاح ، ومن الممكن أن لا يسلم في العدة ، فيكون النكاح قد انقطع باختلاف الدين ، وقد سبق للمصنف تردد في نظير هذه المسألة ، وهي قوله : ( ولو اختار فسخ المسلمات ... ).

ويمكن الجواب بأن الأصل بقاء النكاح ، فيجوز إنشاء الفسخ فيقع مراعى ولا بأس بذلك ، فعلى هذا إذا فسخن ينظر فإن لم يسلم في العدة تبيّن بينونتهن‌

٤٥١

وإن أسلم في العدة اخترن فراقه فعليهن عدة الحرائر ، وإن اخترن نكاحه اختار اثنتين.

وإن اخترن المقام معه قبل إسلامه لم يصح ، ولم يسقط حقهن من الفسخ عند إسلامه على اشكال.

______________________________________________________

باختلاف الدين من حين إسلامهن وظهر فساد الفسخ ، ويكملن عدة الحرائر لأنهن حرائر حينئذ.

وإن أسلم في العدة بن بالفسخ ، لبقاء النكاح إلى حينه. ولو أخرن الفسخ حتى أسلم لم يبطل حقهن منه وإن كان فوريا ، لأنهن تركنه اعتمادا على الفسخ بالاختلاف ، لأنه سبب ظاهر في قطع عصمة النكاح ، فلا يعد التأخير معه إهمالا كالمطلقة رجعيا إذا أعتقت ، فإنها لو أخرت الفسخ لا يعد إهمالا ، ولم يسقط حقها من الفسخ ، فيكون ذلك جوابا عن سؤال مقدّر.

قوله : ( وإن أسلم في العدة فاخترن فراقه فعليهن عدة الحرائر ، وإن اخترن نكاحه اختار اثنتين ، وإن اخترن المقام معه قبل إسلامه لم يصح ، ولم يسقط حقهن من الفسخ عند إسلامه ).

هذا من جملة شعب المسألة السابقة.

وتحقيقه : إنه إذا أسلم في العدة ، وقد أخرن الفسخ فاخترن فراقه فعليهن عدة الحرائر من حين الفسخ ، وإن اخترن نكاحه لم يجز له أن يختار سوى اثنتين ، لأنهن في وقت ثبوت الاختيار حرائر ، ولا يسوغ للعبد أزيد من حرتين.

ولو صرحن باختيار المقام معه قبل إسلامه لم يصح ، لأنه حينئذ كافر ، ولا يملك الكافر نكاح المسلمة ، فعلى هذا لا يسقط حقهن من الفسخ عند إسلامه.

ولقائل أن يقول : إنه كما لا يمتنع فسخهن قبل إسلامه ويقع مراعى ، كذا لا يمتنع اختيارهن المقام معه قبل الإسلام أيضا ويقع مراعى.

٤٥٢

ولو أسلم قبلهن فأعتقن ، فإن اخترن المقام لم يصح ، لأنهن جاريات إلى بينونة ، وإن اخترن الفسخ فلهن ذلك.

______________________________________________________

وفي بعض النسخ : على اشكال ومنشؤه من وجود المانع من اختيار المقام معه وهو الكفر ، فيقع لاغيا. ومن إمكان وقوعه مراعى ، بل هو الظاهر ، لأن عصمة النكاح مستصحبة إلى أن يعلم القاطع.

والذي أراه أنه لا فرق بين اختيارهن الفسخ والمقام معه ، فكل ما يقال في إحداهما يقال في الآخر مثله ، ففرّق المصنف بينهما في الفتوى أو في الجزم ، والاشكال لا يخلو من نظر ، وهنا فائدتان :

الاولى : ينبغي أن يقرأ المقام من قوله : ( وإن اخترن المقام ) بضم الميم على أنه مصدر ميمي ، إذ لا موقع له هنا مع الفسخ.

الثانية : الظاهر أن المراد بقوله : ( وإن أسلم في العدة فاخترن فراقه ) انهن أخرن الفسخ أو المقام حتى أسلم ، ثم اخترن أحد الأمرين ، وظاهر أن العبارة غير وافية بذلك وأن نظمها غير حسن.

وقوله : ( وإن اخترن المقام معه قبل إسلامه ) شعبة اخرى من شعب المسألة ، هي مقابل تعجيل الفسخ قبل إسلامه ، وهو ظاهر ، فيكون المذكور ثلاث شعب : تعجيل الفسخ ، وتعجيل اختيار المقام ، وتأخيرهما إلى زمان إسلامه.

قوله : ( ولو أسلم قبلهن فأعتقن ، فإن اخترن المقام لم يصح ، لأنهن جاريات إلى بينونة ، فإن اخترن الفسخ فلهن ذلك ).

أي : لو كان تحت العبد المشرك أربع إماء فأسلم قبلهن ، ثم أعتقن قبل إسلامهن ، فإن اخترن المقام معه لم يصح ، وذلك لأنهن جاريات إلى بينونة ، لأن الفرض انهن وثنيات ، فلا يصح استدامة نكاحهن للمسلم.

ومن الجائز أن لا يسلمن في العدة فيقع الاختيار لاغيا ، أما إذا اخترن الفسخ فإن لهن ذلك ، لوجود العتق المقتضي له. هذا ظاهر مراد المصنف من هذه العبارة ،

٤٥٣

ولو أسلم الكافر بعد أن زوّج ابنه الصغير بعشر تبعه في الإسلام ، فإن أسلمن اختار بعد البلوغ ، ويمنع من الاستمتاع بهن وتجب النفقة عليهن.

ولو أسلم أب المجنون ففي التبعية إشكال ، فإن قلنا به تخيّر الأب أو الحاكم.

______________________________________________________

والفرق ليس بجيد ، لأن الفسخ واختيار المقام بمنزلة واحدة ، لأن شرط كل منهما بقاء النكاح ، فإن صح أحدهما لزم صحة الآخر.

وكذا القول في الفساد ، والقول بوقوع كل منهما مراعى متجه.

قوله : ( ولو أسلم الكافر بعد أن زوّج ابنه الصغير بعشر تبعه في الإسلام ، فإن أسلمن اختار بعد البلوغ ، ويمنع من الاستمتاع ، وتجب النفقة عليهن ).

لا ريب أنه إذا أسلم الكافر تبعه ولده الصغير ، فلو كان قد زوجه بعشر قبل الإسلام وأسلمن مع إسلام الأب ، فإن الزوج يختار أربعا بعد البلوغ لا قبله ، إذ لا عبرة باختيار الصبي ، وليس للولي الاختيار هنا قطعا ، لأن طريقة التشهي والبلوغ أمد ينتظر ، بل ينفق عليهن من ماله لأنهن محبوسات لأجله.

ولا ريب أنه يمنع من الاستمتاع بهن ، لأن الزائد على أربع نكاحهن مندفع.

قوله : ( ولو أسلم أب المجنون ففي التبعية إشكال ، فإن قلنا به تخيّر الأب أو الحاكم ).

لو كان المجنون متزوجا زيادة على أربع إماء ، بأن تزوج ثم جن ، أو زوجه من يعدونه وليا له ثم أسلم الأب ، ففي تبعية الابن المجنون له في الإسلام إشكال ينشأ : من أن السبب المقتضي للتبعية في الصغير هو سلب عبارته وعدم أهليته لأحكام التكليف قائم هنا فتثبت التبعية.

٤٥٤

المطلب الرابع : في كيفية الاختيار.

الاختيار إما باللفظ أو بالفعل. أما اللفظ فصريحه : اخترتك ، أو أمسكتك ، أو ثبتك ، أو اخترت نكاحك ، أو أمسكته ، أو ثبته وشبهه منجزا على الأقوى.

______________________________________________________

ومن أن لحوق الأحكام بالتبعية للغير على خلاف الأصل ، فيقتصر ذلك على الصغير ، لخروجه بالإجماع ، ويبقى ما عداه على الأصل.

فإن قلنا بالتبعية فالخيار في تعيين الأربع إلى الأب أو الجد له ، ومع فقدهما فالحاكم ، لأن انتظار الإفاقة ضرر منفي بالسنة والفرق بينه وبين الصبي أن للبلوغ أمد ينتظر يقطع بحصوله فيه ، بخلاف الإفاقة.

وقيل : لا ولاية في الاختيار هنا ، لأن طريقه الشهوة ، ولا يطلع عليها الأب ولا الحاكم. والأول أصح كالطلاق عن المجنون ، فإنه يتولاه الولي.

واعلم أن قول المصنف : ( تخير الأب أو الحاكم ) يريد به مع عدم الأب ، ولا يريد به التخيير بين الأب والحاكم.

إذا عرفت ذلك فقد يفرّق بين من بلغ فاسد العقل ، ومن بلغ عاقلا وتجدد جنونه ، لأن التبعية في الأول تثبت بحكم الاستصحاب ، بخلاف الثاني.

قوله : ( المطلب الرابع : في كيفية الاختيار : الاختيار إما باللفظ أو بالفعل ، أما اللفظ فصريحه : اخترتك ، أو أمسكتك ، أو ثبتك ، أو اخترت نكاحك ، أو أمسكته ، أو ثبته وشبهه ).

شبه ذلك : اخترت نكاحك ، أو اخترت تقرير نكاحك ، أو اخترت حبسك على النكاح ، أو اخترت عقدك ، أو ما جرى هذا المجرى.

قوله : ( منجزا على الأقوى ).

٤٥٥

ولو طلق فهو تعيين للنكاح ، فلو طلق أربعا صح نكاحهن وطلقن وانفسخ نكاح البواقي ، وليس الظهار والإيلاء اختيارا على اشكال.

______________________________________________________

أي : فلا يصح معلقا‌ وفاقا للشيخ في المبسوط (١) ، وهو الأصح ، لأن اختيار بعض الزوجية دون بعض إنما يكون بالسبب الموظف شرعا لذلك ، ولم يثبت كون المعلق سببا فينتفي بالأصل ، ولأنه بعيد عن شبه الاختيار ، لانتفاء الجزم عنه.

ولأن المفهوم من قوله عليه‌السلام : « أمسك أربعا وفارق سائرهن » (٢) هو الاختيار المنجز ، ويحتمل ضعيفا الاكتفاء بالمعلق ، وحكاه الشارح الفاضل قولا شاذا ، تمسكا بالأصل وبعدم وجود المنافي لصحته في الكتاب أو السنة (٣).

ويرده ان الأصل عدم سببيته لا جوازه ، ويكفي ذلك في المنافي.

قوله : ( ولو طلق فهو تعيين للنكاح ، فلو طلق أربعا صح نكاحهن وطلقن وانفسخ نكاح البواقي ).

وجهه : إن الطلاق لا تخاطب به إلاّ الزوجة ، لأنه موضوع لازالة قيد النكاح ، فالنكاح لازم له لزوما بينا فيلزم تصوره ، فمتى طلق فقد أثبت النكاح. فإذا طلق أربعا ثبت نكاحهن وطلقن واندفع نكاح البواقي ، وفي وجه للعامة أنه ليس تعيينا للنكاح ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفيروز الديلمي : « طلق أيتهما شئت » (٤). ولو كان الطلاق تعيينا للنكاح لكان ذلك تفويتا لنكاحهما عليه. وجوابه : إن ذلك لو صح فالمراد بالطلاق مجازه ، وهو مطلق الفراق.

قوله : ( وليس الظهار والإيلاء اختيارا على اشكال ).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٣١.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ١٨١.

(٣) إيضاح الفوائد ٣ : ١١٤.

(٤) سنن البيهقي ٧ : ١٨٥.

٤٥٦

فإن اختار التي ظاهر منها أو آلى صحا ، ويكون العود عقيب الاختيار إن لم يفارقها ، ومدة الإيلاء من حين الاختيار.

______________________________________________________

ينشأ : من أنهما تصرفان‌ مخصوصان بالنكاح فأشبها لفظ الطلاق ، فإن الظهار وصف بالتحريم للزوجة على وجه مخصوص ، والإيلاء هو الحلف على الامتناع من وطء الزوجة ، وهو قول الشيخ رحمه‌الله.

ومن أن الظهار إنما هو وصف بالتحريم ، والإيلاء حلف على الامتناع من الوطء ، وكل منهما بالأجنبية أليق منه بالزوجة.

ولأن الظهار إن خوطبت به الزوجة ترتب عليه أحكام مخصوصة ، وإن خوطبت به الأجنبية لم تثبت بذلك أحكام ، لكن معناه صحيح بالنسبة إليها ، وفي الإيلاء لو حلف على وطء الأجنبية وتزوجها ووطأها كان عليه الكفارة.

والحاصل أن نفس المخاطب بهما لا يستلزم الزوجية ، فلا يكون أحدهما اختيارا ، وهو الأصح. أما لو قصد الظهار الذي يترتب عليه أحكام تتعلق بالزوجة ، وكذا الإيلاء فإنه غير المبحوث عنه.

قوله : ( فإن اختار التي ظاهر منها أو آلى صح ، ويكون العود عقيب الاختيار إن لم يفارقها ، ومدة الإيلاء من حين الاختيار ).

هذا تفريع على القول الثاني ، وهو الذي يتبادر من قوله : ( وليس الظهار والإيلاء اختيارا على اشكال ).

وتحقيقه : أنه لو ظاهر أو آلى من إحداهن ، ثم اختار التي ظاهر منها أو آلى ، فقد تبيّن صحة الظهار والإيلاء ، لأنه قد ظهر أن المخاطبة بذلك زوجة. ويكون ابتداء مدة الإيلاء من وقت الاختيار ، ويكون العود عقيب الاختيار إن لم يفارقها ، لانتفاء تحقق الزوجية قبله. هذا إن اختار التي ظاهر منها أو آلى ، فإن اختار غيرها سقط حكمها.

واعلم أن قوله : ( ويكون العود عقيب الاختيار ) لا يتأتى على قولنا من أن‌

٤٥٧

ولو قذف واحدة فاختار غيرها وجب الحد ، وسقط بالبينة خاصة.

ولو اختارها أسقطه باللعان أيضا ، ولو طلق أو ظاهر أو آلى أو قذف بعد إسلامه حال كفرهن : فإن خرجت العدة عليه فلا حكم ، بل التعزير في القذف ، ويسقط بالبينة خاصة ، وإن أسلمن فيها فالأقرب وقوع الطلاق.

أما الظهار والإيلاء فإن اختار من أوقع عليها ذلك صح.

______________________________________________________

العود هو ارادة الوطء. نعم يتأتى ذلك على قول الشافعي ، وهو أن العود إمساكها زوجة بعد الظهار مع قدرته على الطلاق.

ويمكن أن يريد بالعود مطالبة الحاكم به أو بالطلاق ، لكن لا ريب أنه لا بد من مدة التربص ، ولا منافاة ، لأن ضرب المدة إنما هو للنظر في اختيار أحد الأمرين.

وكذا قوله : ( ومدة الإيلاء من حين الاختيار ) لا يستقيم على ظاهره ، إذ لا بد من المرافقة ، ولعله إنما أطلق ذلك اعتمادا على ما بيّن في باب الظهار والإيلاء ، والأمر في ذلك سهل.

قوله : ( ولو قذف واحدة فاختار غيرها ، وجب الحد وسقط بالبينة خاصة ، ولو اختارها أسقطه باللعان أيضا ).

وجهه أن قذف الزوجة يوجب الحد ويسقط إلاّ بالبينة واللعان بشروطه ، وأما الأجنبية فإن قذفها يوجب الحد ولا يسقط إلاّ بالبينة ، والاختيار يحقق الزوجية ويدفع غيرها ، فإن اختار المقذوفة تعلق بقذفها أحكام الزوجة.

قوله : ( ولو طلق أو ظاهر أو آلى أو قذف بعد إسلامه حال كفرهن ، فإن خرجت العدة عليه فلا حكم ، بل التعزير في القذف ، ويسقط بالبينة خاصة ، وإن أسلمن فيها فالأقرب وقوع الطلاق.

أما الظهار والإيلاء ، فإن اختار من أوقع عليها ذلك صح.

٤٥٨

وأما القذف فإن اختار المقذوفة فعليه التعزير ، ويسقط باللعان أو البينة ، وإن لم يخترها أسقط بالبينة.

______________________________________________________

وأما القذف فإن اختار المقذوفة فعليه التعزير ويسقط باللعان أو البينة ، وإن لم يخترها أسقط بالبينة ).

إذا أسلم الزوج وتخلف الزوجات فطلق بعضا أو ظاهر أو آلى أو قذف حال كفرهن ، فإن خرجت العدة فلا حكم للطلاق ولا الإيلاء ولا الظهار ، لأنهن بن باختلاف الدين حين أسلم.

وأما القذف فيجب عليه التعزير دون الحد ، لأنه قذف مشرك ، وله إسقاطه بالبينة دون اللعان ، لأنه قذفها وهي بائن.

وإن أسلمن قبل انقضاء عددهن : فأما التي طلقها فالأقرب وقوع الطلاق عليها ، ويكون ذلك اختيارا لها ، ويكون إسلامها كاشفا عن وقوعه. ووجهه معلوم مما سبق ، فإن الطلاق لا يواجه به إلاّ الزوجة ، ووقوعه مراعى لا امتناع فيه ، والأصل فيه الصحة ، فلا يحكم ببطلانه مع إمكان الصحة.

وحكى الشارح الفاضل قولا ولم يذكر قائله ، أنه لا يقع ، لأنه طلاق معلق على شرط ، وهو تجدد إسلامها ، وبطلانه ظاهر ، لأن الشرط الزوجية والإسلام كاشف (١).

وقال بعض الشافعية : إنه إن اختارها وقع عليها الطلاق وصح ظهارها والإيلاء منها (٢) ، والأصح الأول.

وأما الظهار والإيلاء فإنهما ليسا باختيار كما عرفت ، فإن اختار التي ظاهر منها أو آلى صح ذلك ، وإلاّ فلا.

وأما القذف : فإن اختار المقذوفة فعليه التعزير ، لأنه قذفها وهي مشركة ، وله‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١١٥.

(٢) المجموع ١٦ : ٣١٣.

٤٥٩

وهل تنزل الكنايات منزلة الطلاق في الاختيار؟ اشكال أقربه العدم وإن قصد به الطلاق.

______________________________________________________

إسقاطه باللعان أو البينة ، لأنها زوجة. وإن لم يخترها فعليها التعزير أيضا لما سبق ، وله إسقاطه بالبينة دون اللعان ، لأنه قذف أجنبية.

وهنا سؤال وهو أنهم مصرحون بكون غير المختارة إنما تبين بالاختيار ، ومن حينئذ تعتد ، وذلك يستلزم بقاء الزوجية إلى حين الاختيار ، وهذا يستلزم كون المقذوفة زوجة على كل حال.

ويمكن الجواب بأنها لما كانت زائدة على العدد الشرعي كانت زوجيتها كلا زوجية.

وفي قول المصنف : ( فإن خرجت العدة عليه فلا حكم ) حذف تقديره : فلا حكم لشي‌ء عن ذلك أو نحوه.

قوله : ( وهل تنزل الكنايات منزلة الطلاق في الاختيار؟ اشكال أقربه العدم وإن قصد به الطلاق ).

لا ريب أن الطلاق لا يقع بالكنايات عندنا ، لكن هل تنزل الكنايات منزلة الطلاق في كونها اختيارا؟ إشكال ينشأ : من أن الطلاق إنما كان اختيارا لدلالته على الزوجية بنفسه ، ولا كذلك الكناية فلا تكون اختيارا.

ومن أن الاختيار النفسي هو المقتضي لتقرير النكاح ، فبأي لفظ أتى به مما يدل عليه كان كافيا قضاء للدلالة ، والأقرب عند المصنف العدم ، لأن الاختيار يقتضي ثبوت زوجية بعض دون بعض ، ويترتب على ذلك أحكام شرعية ، فلا تثبت بمجرد اللفظ المحتمل ، حتى أنه لو قصد بالكناية الطلاق لا يكون اختيارا عندنا ، لأن الطلاق لا يقع بالكناية فلا يحصل بها لازمه وهو الفسخ.

وأما العامة القائلين بوقوع الطلاق بالكناية فلا كلام عندهم بحصول الاختيار بها ، سواء قصد بها الطلاق أم لا.

٤٦٠