جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

وإن حلف أحدهما ونكل الآخر حكمنا بصحة نكاح الحالف ، وإن اعترفت لهما دفعة احتمل الحكم بفساد العقدين.

والأقرب مطالبتها بجواب مسموع ، لأنها أجابت بسبق كل منهما ، وهو محال.

وان اعترفت لأحدهما ثبت نكاحه على اشكال ينشأ : من كون الخصم هو الزوج الآخر.

وهل تحلف للآخر؟ فيه إشكال ينشأ : من وجوب غرمها بمهر المثل للثاني لو اعترفت له ، وعدمه. وكذا لو ادعى زوجيتها اثنان فاعترفت لأحدهما ثم للآخر.

فإن أوجبنا اليمين حلفت على نفي العلم ، فإن نكلت حلف الآخر.

فإن قلنا : اليمين مع النكول كالبينة ، انتزعت من الأول للثاني ، لأن البينة أقوى من إقرارها.

______________________________________________________

وإن حلف أحدهما ونكل الآخر حكمنا بصحة نكاح الحالف.

وإن اعترفت لهما دفعة احتمل الحكم بفساد العقدين ، والأقرب مطالبتها بجواب مسموع ، لأنها أجابت بسبق كل منهما ، وهو محال.

وإن اعترفت لأحدهما ثبت نكاحه على إشكال ، ينشأ : من كون الخصم هو الزوج الآخر ، وهل تحلف للآخر؟ إشكال ، ينشأ : من وجوب غرمها لمهر المثل للثاني لو اعترفت له ، وعدمه.

وكذا لو ادعى زوجيتها اثنان فاعترفت لأحدهما ثم للآخر ، فإن أوجبنا اليمين حلفت على نفي العلم ، فان نكلت حلف الآخر ، فان قلنا اليمين مع النكول كالبينة انتزعت من الأول للثاني ، لأن البينة أقوى من‌

١٨١

وإن جعلناه إقرارا ، ثبت نكاح الأول وغرمت للثاني على اشكال.

______________________________________________________

إقرارها ، وإن جعلناه إقرارا ثبت نكاح الأول وغرمت للثاني على إشكال ).

هذا من أحكام مسألة عقد الوليين لرجلين ، وتحقيقه : أنه إذا ادعى كل من المعقود لهما على المعقود عليها سبق عقده على عقد الآخر لم تتحقق الدعوى عليها حتى يدعيا عليها العلم بالسبق ، لأن ذلك فعل الغير ، فإذا ادعيا علمها والفرض أنه لا بينة ، فلا يخلو إما أن تجيب بإنكار العلم بالسبق ، أو العلم بعدم سبق واحد.

ففي الأول تحلف لكل منهما على نفي علمها بسبق عقده ، فتسقط دعواهما عنها ويبقى التداعي بينهما ، كما لو ادعيا عينا في يد ثالث وأحلفاه على نفي العلم بالمستحق.

وفي الثاني تحلف لكل منهما على عدم سبق عقده ، فينتفي سبقهما بيمينها ، ويحكم بفساد العقدين ، لاقتضاء اليمين اقترانهما.

وإن نكلت عن اليمين لكل منهما ردت اليمين عليهما ، فإذا حلف كل منهما على وفق دعواه بطل النكاحان أيضا ، للتدافع ، وكذا لو نكلا.

ولو حلفت لواحد ونكلت عن اليمين للآخر فحلف هو بالرد وثبت نكاحه ، وكذا لو نكلت هي عن اليمين لهما وحلف أحدهما ونكل الآخر ، لثبوت دعواه بيمينه من غير معارض.

وإن اعترفت لهما دفعة كأن قالت : نكاح كل منهما سابق ، ففي المسألة احتمالان :

أحدهما : الحكم بفساد العقدين لتدافعهما ، وفساده ظاهرا ، لأن إقرارها ليس حجة عليهما ، مع أن هذا الإقرار معلوم الفساد ، لأن سبق كل منهما محال ، فتطالب بجواب مسموع ، وهذا الاحتمال الثاني ، وهو الأقرب عند المصنف وعليه الفتوى.

وقال الشارح الفاضل هنا : وهذه المسألة مبنية على المسألة الآتية : أنها لو اعترفت لأحدهما هل يثبت نكاحه؟ فان ثبت كان إقرارها موجبا لثبوته فقد وقع موجب ثبوت كل واحد منهما مع موجب ثبوت الأخر ، فكان كالعقد فنشأ الاحتمال‌

١٨٢

______________________________________________________

الأول (١).

وليس بجيد هذا البناء ، لأن الذي سيأتي هو احتمال ثبوت نكاح أحدهما إذا اعترفت له خاصة بالسبق لا مطلقا ، وقد حكم المصنف في التذكرة بأن هذا الاحتمال غلط (٢).

وإن اعترفت لأحدهما بسبق عقده ثبت نكاحه على إشكال ، ينشأ : من أن الخصم في ذلك هو الزوج الآخر ، وقد ثبت له عليها حق باعتبار تحقق صدور عقد نكاح صحيح يحتمل أن يكون نكاحه ، فلا ينفذ إقرارها لمخالفة ، فلا يقبل إقرارها في إبطال حقه ، كما لو أقرت عليه بطلاق.

ومن أنها أقرت للمدعي بما ادعاه عليها ، فوجب أن يسمع إقرارها ، عملا بعموم قوله عليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٣) كما لو ادعى زوجيتها رجلان فأقرت لأحدهما ، وكما لو ادعى اثنان عينا في يد ثالث فصدق أحدهما ، وهذا أقوى ، وهو مختار المصنف في التذكرة (٤).

وضعف الأول ظاهر ، لأن عقد الآخر لم يجعل له سلطنة عليها ، لأنها مشروطة بكونه سابقا ، والشرط مجهول ، وحيث لم يكن له عليها سلطنة لم نمنع إقرارها لغيره ، كما إذا ادعيا زوجيتها من أول الأمر فأقرت لأحدهما.

وحينئذ فهل تحلف للآخر على نفي العلم بالسبق ، أو على عدم السبق على حسب جوابها؟ فيه إشكال ، ينشأ : من التردد في وجوب غرمها لمهر المثل للثاني لو اعترفت له ، وعدمه.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٣٩.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٩٨.

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧ حديث ٥.

(٤) التذكرة ٢ : ٥٩٨.

١٨٣

______________________________________________________

والحاصل أن الاشكال في توجه اليمين هنا مبني على الإشكال في الغرم لو أقرت للثاني بعد الإقرار للأول ، ووجه البناء : أن اليمين إنما يتوجه على المنكر مع الفائدة ، وإنما يتحقق إذا كان بحيث لو أقر لنفع إقراره.

ولو نكلت فردت اليمين على المدعي فحلف استحق شيئا ، فإن غاية مطالبته باليمين أن يقر أو ينكل ، وإذا انتفت الفائدة على التقديرين لم يكن لليمين فائدة أصلا ، فلم يتوجه.

ولا يخفى أنه لو ذكر في منشأ الاشكال حصول الفائدة لو أقرت أو نكلت ـ ليشمل حكم ما إذا نكلت فحلف بالرد ، وقلنا إن المردودة كالبينة ، وأنها تقتضي انتزاع الزوجة على ما ذكره المصنف ـ لكان أولى ، لأن مقتضى ما ذكره توجه اليمين على تقدير ثبوت الغرم مع الإقرار خاصة ، وليس كذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن في الغرم في هذه الصورة وأمثالها قولين ، قد تقدم ذكرهما قبل الفصل الثاني ، وأن ثبوت الغرم لا بأس به ، كما إذا أقر بعين لزيد ثم أقر بها لعمرو ، فلا حاجة إلى إعادتها ، وسيأتيان بعد ذلك أيضا إن شاء الله تعالى.

ومثله في ثبوت التردد في الغرم ما إذا ادعى زوجيتها اثنان فاعترفت لأحدهما ، فإنه يثبت نكاحه على ما سبق ، فإذا اعترفت بعد ذلك للآخر ففي وجوب غرمها لمهر المثل ـ بسبب تفويتها حقه من البضع بإقرارها للأول ـ القولان ، وإلى هذا أشار بقوله : ( وكذا لو ادعى زوجيتها اثنان فاعترفت لأحدهما ثم للآخر ) (١).

وأما قوله : ( فإن أوجبنا اليمين ... ) فإنه من أحكام قوله : ( وهل تحلف للآخر؟ فيه اشكال ) وما وقع في اليمين معترض ، فإن أوجبنا اليمين إذا طلبه الزوج الآخر حلفت على نفي العلم ، بمعنى أنها لا تكلف البينة.

__________________

(١) في « ش » جاء بعد هذا : لا يخفى أن قوله : ( وكذا لو ادعى زوجيتها ... ) المتبادر منه أن في وجوب تحليفها اشكالا ، وليس بمراد. ولم ترد هذه العبارة في « ض ».

١٨٤

______________________________________________________

ولو علمت بالحال حلفت على البت على ما سبق ، فان نكلت حلف الزوج الآخر.

ثم ينظر فان جعلنا اليمين المردودة كالبينة انتزعت من الأول وسلمت إلى الثاني ، لأن البينة أقوى من إقرارها.

ويشكل بأن اليمين المردودة وإن جعلت كالبينة فإنما يجعل مثلها في حق الحالف والناكل لا في حق شخص آخر ، لانتفاء الدليل على ذلك ، فان اليمين المردودة لما كانت حجة للمدعي فهي إما كالبينة أو كإقرار الخصم ، لأن حجته دائرة بين الأمرين ، وإذا كانت كالبينة فكونها مثلها في حقه وحق غيره لا يدل عليه دليل ، وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى في كتاب القضاء.

وإن جعلنا المردودة كالإقرار استقر نكاح الثاني ، لأن الإقرار الطارئ لا يزيل حكم السابق ، وفي غرمها مهر المثل للثاني الإشكال السابق ، إذا قلنا اليمين المردودة كالإقرار ـ ربما يشترط أن يحلفا دفعة ، وإلاّ لكان حلف الثاني كالإقرار للثاني بعد الإقرار للأول ، فلا يؤثر إلاّ غرم مهر المثل ـ قلنا بالغرم في نظائره.

واعلم : أن هذه دعوى واحدة متضمنة لدعويين ، فلذلك سمعتا معا ، فان ثبوت أيهما كانت تقتضي نفي الأخرى.

وقد ذهب بعض العامة إلى أنها إذا أنكرت السبق حلفت لهما معا يمينا واحدة إن كانا حاضرين في مجلس الحكم ورضيا باليمين الواحدة ، ولو حضر أحدهما وادعى فحلفت له ثم حضر الآخر وأراد تحليفها ففي وجوب اجابته وجهان عندهم ، وأجروا هذا الخلاف في كل شخصين يدعيان شيئا واحدا (١).

والظاهر التعدد ، لأنهما دعويان تضمنتهما دعوى واحدة ، نعم لو تراضيا بيمين‌

__________________

(١) المجموع ١٦ : ١٩٢ ، الوجيز ٢ : ٩.

١٨٥

الباب الثالث : في المحرمات ، التحريم إما مؤبد أولا ، فهنا مقصدان :

الأول : في التحريم المؤبد ، وسببه إما نسب أو سبب.

القسم الأول : النسب ، وتحرم به الام وإن علت ، وهي كل أنثى ينتهي إليها نسبه بالولادة ولو بوسائط لأب أو لام.

والبنت وهي كل من ينتهي إليك نسبها ولو بوسائط وإن نزلت ، وبنات الابن وإن نزلن.

والأخت لأب أو لام أو لهما ، وبناتها وبنات أولادها وإن نزلن.

______________________________________________________

واحدة فلا مشاحة.

فرع : لو ادعيا عليها زوجية مطلقة ولم يتعرضا للسبق ولا لعلمها به ، فعليها أن تجيب جوابا قاطعا ، ولا يكفيها نفي العلم بالسابق ، لأنها إذا لم تعلم فلها الجواب البات والحلف على انها ليست زوجة ، كما إذا ادعي على إنسان أن أباه أتلف عليه كذا وأراد تغريمه ، فالوارث يحلف أنه لا يعلم به ، ولو ادعي عليه أن عليه تسليم كذا من التركة حلف على أنه لا يلزمه التسليم.

قوله : ( الباب الثالث في المحرمات : التحريم إما مؤبد أو لا ، فهنا مقصدان :

الأول : في التحريم المؤبد ، وسببه إما نسب أو سبب.

القسم الأول : النسب ، وتحرم به : الام وإن علت وهي كل أنثى ينتهي إليها نسبه بالولادة ولو بوسائط لأب أو لام ، والبنت وهي كل من ينتهي إليك نسبها ولو بوسائط وإن نزلت ، وبنات الابن وإن نزلن ، والأخت لأب أو لام أو لهما ، وبناتها ، وبنات أولادها وإن نزلن.

١٨٦

وبنات الأخ ، لأب كان أو لام أو لهما ، وبنات أولاده وإن نزلوا.

وبنات الأخت لأب أو لام أو لهما وإن نزلوا.

والعمة ، لأب كانت أو لام أو لهما وإن علت.

والخالة ، لأب كانت أو لام أو لهما وإن علت ، ولا تحرم أولاد الأعمام والأخوال.

والضابطة : أنه يحرم على الرجل أصوله وفروعه ، وفروع أول أصوله وأول فرع من كل أصل وإن علا.

______________________________________________________

وبنات الأخ ، لأب كان أو لام أو لهما ، وبنات أولاده وإن نزلوا. وبنات الأخت لأب أو لام أو لهما وإن نزلوا.

والعمة ، لأب كانت أو لام أو لهما وإن علت.

والخالة ، لأب كانت أو لام أو لهما وإن علت ، ولا تحرم أولاد الأعمام والأخوال.

والضابط : أنه يحرم على الرجل أصوله وفروعه ، وفروع أول أصوله ، وأول فرع من كل أصل وإن علا (١).

المحرمات بنص القرآن في قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) (٢) الآية ثلاث عشرة امرأة : سبع بالنسب ، واثنتان بالرضاع ، وأربع بالمصاهرة.

فاما المحرمات بالنسب :

فمنهن الام وإن علت ، وهي : كل أنثى ينتهي إليها نسب الشخص بالولادة ، بواسطة كان ذلك أم لا ، لأب كانت أم لأم.

والبنت ، وهي : كل أنثى ينتهي إليك نسبها بالولادة ولو بوسائط وإن نزلت ،

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في نسخ جامع المقاصد ، وأثبتناه من خطية القواعد لاقتضاء الشرح له.

(٢) النساء : ٣٣.

١٨٧

______________________________________________________

لبنت كانت أم لابن.

والأخت ، وهي كل أنثى ولدها أبواك أو أحدهما.

وبنات أولادها وإن نزلوا.

وبنات الأخ وأولاده وإن نزلوا ، لأب كان أم لام أم لهما.

والعمة ، وهي : كل أنثى هي أخت ذكر ولدك بواسطة أو بغير واسطة ، وقد يكون من جهة الأم ، كأخت أبي الأم.

والخالة ، وهي : كل اثنى هي أخت أنثى ولدتك بواسطة أو بغير واسطة ، وقد تكون من جهة الأب ، كأخت أم الأب.

وقد ضبطهن المصنف بعبارة وجيزة وهي : أن ( يحرم على الرجل أصوله وفروعه ، وفروع أول أصوله ، وأول فرع من كل أصل وإن علا ).

فالأصول : الأمهات ، والفروع : البنات ، وفروع أول الأصول : الأخوات وبناتهن وبنات الأخ ، وأول فرع من كل أصل (١) وإن علا : الأخوات مرة أخرى.

والأحسن تقييده بما يخرجهن ، مثل أن يقال : وأول فرع من كل أصل بعده ، أي : بعد أول أصوله ، وهو الأصل الأول ، وهنا مباحث :

أ : للفقهاء خلاف مشهور في أن بنات الأولاد يشملهن اسم البنات حقيقة ، وكذا الجدات بالنسبة إلى لفظ الأمهات.

فعلى القول بشمولهن حقيقة ما سبق من تفسير الام والبنت ، وهو المعنى الحقيقي.

وعلى المختار ، وهو تفسير المراد هنا ، وليس هو الحقيقة ، بل هو معنى مجازي ، وإن كان اللفظ يقع على البعض حقيقة ، لأن مدلول اللفظ هو المعنى الشامل للجميع ، وذلك مجازي لا محالة.

__________________

(١) جاء في « ض » بعد هذا : إن علا كالعمات والخالات وان علون لكي يدخل في قوله : ( أول فرع بعد كل أصل ).

١٨٨

ويحرم على المرأة ما يحرم على الرجل ، كالأب وإن علا ، والولد وإن نزل ، والأخ وابنه وابن الأخت والعم وإن علا ، وكذا الخال.

والنسب يثبت شرعا بالنكاح الصحيح والشبهة دون الزنا ، لكن‌

______________________________________________________

ب : على القول المختار لا حاجة إلى تقييد تفسير الأخت بأنها كل أنثى ولدها أبواك الادنيان ، إذ لا يقع الأب على الجد على هذا القول إلاّ مجازا.

ج : ذكر في تفسير الام أنها ( كل أنثى ينتهي إليها نسبه بالولادة ) ولم يذكر قيد الولادة في البنت ، فان كان محتاجا إليه في الأول فلا بد منه في الثاني ، وإلاّ فهو مستدرك ، والظاهر أنه لا بد منه ، لأن النسب هو القرابة ، وهي أعم من الأبوة والبنوة وغيرهما ، حتى لو قال قائل : الأخت هي كل أنثى ينتهي إليك نسبها أو ينتهي إليها نسبك ـ لأن أبويك أو أحدهما ولدها ـ لكان معنى صحيحا ، وكان المصنف إنما أهمل ذكره في الثاني اكتفاء بذكره في الأول ، فإنه بينة على الثاني.

د : لو قال : ولو بواسطة وإن تعددت بدل قوله : ( ولو بوسائط ) لكان أحسن ، لأنه حينئذ يكون معطوفا على مقدر ، وهو لو كان بغير واسطة ، لأنه حينئذ يكون أبلغ ، حيث أن المهم بذكره هو الفرد الأخفى ، وغيره مسكوت عنه ، وعلى صنعه فبعض المسكوت عنه من الأخفى ، وهو ما إذا كان ذلك بواسطة فقط.

قوله : ( ويحرم على المرأة ما يحرم على الرجل ، كالأب وإن علا ، والولد وإن نزل ، والأخ وابنه ، وابن الأخت ، والعم وإن علا ، وكذا الخال ).

لما كان تحريم النكاح من أحد الطرفين يقتضي ثبوت التحريم أيضا من الطرف الآخر لا محالة ، كان الحكم بتحريم الام وإن علت على الولد وإن نزل مقتضيا لتحريم الولد وإن نزل على الام وإن علت ، وكذا القول في الأب بالنسبة إلى البنت ، وكذا البواقي.

قوله : ( والنسب يثبت شرعا بالنكاح الصحيح والشبهة دون الزنا ،

١٨٩

التحريم يتبع اللغة ، فلو ولد له من الزنا بنت حرمت عليه وعلى الولد وطء امه وإن كان منفيا عنهما شرعا ، وفي تحريم النظر اشكال ، وكذا في العتق والشهادة والقود.

وتحريم الحليلة وغيرها من توابع النسب.

______________________________________________________

لكن التحريم يتبع اللغة ، فلو ولد له من الزنا بنت حرمت عليه وعلى الولد وطء أمه وإن كان منفيا عنهما شرعا ، وفي تحريم النظر إشكال ، وكذا في العتق والشهادة والقود وتحريم الحليلة وغيرها من توابع النسب ).

لا خلاف بين أهل الإسلام في أن النسب الذي هو مناط كثير من الأحكام الشرعية ـ مثل تحريم النكاح ونحوه ـ يثبت بالنكاح الصحيح ، والمراد به : الوطء المستحق شرعا بعقد صحيح أو ملك وإن حرم بعارض كالوطء في الحيض.

ولا يعتبر علمه بكون الوطء جائزا له ، فلو وطأ حليلته بظن أنها أجنبية مقدما على الزنا لم يقدح في كون الوطء شرعيا ، وإن أثم بإقدامه عليه معتقدا حرمته.

ويلحق به وطء الشبهة ، والمراد به : الوطء الذي ليس بمستحق شرعا مع ظنه أنه مستحق ، ويلحق به وطء المجنون والنائم ومن في معناه والصبي غير المميز ـ وفي المميز. (١) ـ فيثبت به النسب كما يثبت بالنكاح الصحيح.

وأما الزنا ، وهو : الوطء الذي ليس بمستحق شرعا مع العلم بالتحريم ، فلا يثبت به النسب إجماعا ، لكن أجمع أصحابنا على أن التحريم المتعلق بالنسب يثبت مع الزنا إذا تولد به ولد ، فيحرم على الزاني المخلوقة من مائه ، كما يحرم على الزانية المتولد منها بالزنا ، فان ذلك يعد ولدا لغة ، وإن كانت تسميته ولدا منتفية شرعا ، فيتبع التحريم اللغة.

__________________

(١) كذا في « ش » النسخة الحجرية ، وفي « ض » ويلحق به وطء المجنون والنائم ، وفي معناه وطء الصبي غير المميز وفي المميز. والظاهر أن كلمة ( اشكال ) بعد قوله : ( وفي المميز ) ساقطة من نسخ جامع المقاصد.

١٩٠

______________________________________________________

ولقائل أن يقول : إن المتبع إن كان هو الحقيقة اللغوية وجب الحكم بثبوت باقي الأحكام الثابتة مع صدق اسم الولد ، وإنما يكون ذلك مع عدم النقل عن المعنى اللغوي ، وإلاّ لم يثبت التحريم أيضا.

وعلل ابن إدريس المنع بكون المتولد من الزنا كافرا ، فلا يحل على المسلم (١).

وفيه نظر أيضا ، لتخلفه فيما إذا كان الزاني كافرا ، فان مقتضاه حل نكاح المتولدة عنه بالزنا.

إذا عرفت ذلك ففي تحريم نظر الزاني إلى بنته والزانية إلى ابنها فيه إشكال ، ينشأ : من كونه ولدا حقيقة لغة ، لأن الولد حيوان يتولد من نطفة آخر ، والنقل على خلاف الأصل ، ولم يقم دليل على ثبوته ، وانتفاء بعض الأحكام كالإرث جاز أن يستند إلى فقد بعض الشروط ، ولا يتعين استناده إلى انتفاء الاسم شرعا.

ومن أن حلّ النظر حكم شرعي ، فلا يثبت مع الشك في سببه ، ولأن التحريم هو المناسب للاحتياط المطلوب في هذا الباب ، والظاهر من قوله عليه‌السلام : « وللعاهر الحجر » (٢) ان الزاني لا ولد له ، والأصح التحريم.

وكذا يأتي الإشكال في العتق ، بمعنى أنه لو ملك ابنه من الزنا ومن جرى مجراه ففي انعتاقه بالقرابة الاشكال ، ومنشؤه يعلم مما سبق ، والأصح العدم ، للشك في السبب ، فيتمسك بالأصل المقتضي لبقاء الملك.

وكذا القول في ردّ شهادة ولد الزنا على أبيه حيث تقبل شهادته على غيره ، وفيه الاشكال ، ومنشؤه معلوم مما سبق ، والأصح القبول ، لمثل ما سبق.

وكذا القول في القود ، بمعنى أنّ الزاني لو قتل ولده من الزنا هل يقاد به؟ فيه‌

__________________

(١) السرائر : ٢٨٧.

(٢) الكافي ٧ : ١٦٣ حديث ١ ، التهذيب ٩ : ٣٤٦ حديث ١٢٤٢ ، الاستبصار ٤ : ١٨٥ حديث ٦٩٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٤٧ حديث ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧ ، مسند احمد ٦ : ١٢٩.

١٩١

ولو ولدت المطلقة لأقل من ستة أشهر من حين الطلاق فهو للأول ، ولستة أشهر من وطء الثاني فهو له ، ولو كان لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ولأكثر من أقصى مدة الحمل من وطء الأول انتفى عنهما ، ولو كان لستة أشهر من وطء الثاني ولأقل من أقصى المدة من وطء الأول قيل : يعمل بالقرعة ، والأقرب أنه للثاني واللبن تابع.

______________________________________________________

الاشكال ، والأصح أنه يقاد ، للشك في المسقط.

وكذا القول في تحريم حليلة ولد الزنا على الزاني وزوج بنت الزنا على أمها الزانية ، فيه الاشكال.

وكذا حبس الأب في دينه لو منعناه في الأب شرعا ، وغير ذلك من توابع النسب.

والأصح عدم اللحاق في شي‌ء من هذه الأحكام ـ أخذا بمجامع الاحتياط ، وتمسكا بالأصل ـ حتى يثبت الناقل ، ولا ينافي ذلك تحريم النكاح ، لأن حل الفروج أمر توقيفي ، فيتوقف فيه على النص ، وبدونه ينتفي بأصالة عدم الحل ، فلا يكفي في حل الفروج عدم القطع بالمحرم ، لأنه مبني على كمال الاحتياط.

قوله : ( ولو ولدت المطلقة لأقل من ستة أشهر من حين الطلاق فهو للأول ، ولستة أشهر من وطء الثاني فهو له ، ولو كان لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ، ولأكثر من أقصى الحمل من وطء الأول انتفى عنهما ، ولو كان لستة أشهر من وطء الثاني ولأقل من أقصى المدة من وطء الأول قيل : بالقرعة ، والأقرب أنه للثاني ، واللبن تابع ).

موضع هذه المسائل أحكام الأولاد ، لكن ذكرها هنا لمتعلق أحكام النسب بها ، وهي أربع مسائل ، لأنه إما أن يمتنع لحاقه بالثاني خاصة ، أو بالأول خاصة ، أو بهما معا ، أو يمكن لحاقه بهما معا.

١٩٢

______________________________________________________

الأولى : إذا ولدت المطلقة المدخول بها بعد أن قضت عدتها وتزوجت بآخر ودخل بها لأقل من ستة أشهر من دخول الثاني ولدون أقصى مدة الحمل من وطء الأول ، فهو للأول قطعا ، لأن الفراش في المدة كلها منحصر فيهما ، وقد امتنع اللحاق بالثاني ، فتعين اللحاق بالأول.

الثانية : ولدت لستة أشهر من وطء الثاني ولزيادة عن أقصى مدة الحمل من وطء الأول ، فهو للثاني قطعا ، لانتفاء اللحاق بالأول.

الثالثة : ولدت لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ولأكثر من أقصى مدة الحمل من وطء الأول ، فهو منتف عنهما قطعا ، لامتناع اللحاق بواحد منهما.

الرابعة : ولدت لستة أشهر من وطء الثاني ولأقصى مدة الحمل فما دون من وطء الأول ، ففي الحكم قولان :

أحدهما : القرعة ، فمن أخرجته له لحق به ، لأنه أمر مشكل ، فإنها فراش لكل منهما ، واللحاق بكل منهما ممكن شرعا ، فلا ترجيح ، واختار هذا القول الشيخ في المبسوط (١).

والثاني : ـ وهو الأقرب ـ كونه للثاني ، لأن فراش الأول قد زال ، وفراش الثاني ثابت ، والثابت أقوى من الزائل ، فالترجيح له ، وهذا هو الأصح ، وستأتي هذه المسألة إن شاء الله تعالى في إلحاق الأولاد.

إذا تقرر ذلك فاعلم : أن كل من حكم بلحاق الولد به في هذه الصورة حكم بكون اللبن له ، فيترتب عليه أحكام الرضاع وغير ذلك من أحكام النسب.

ويمكن أن يجعل قوله : ( واللبن تابع ) راجعا إلى ما تقدم من المسائل كلها ، من عند قوله : ( والنسب يثبت شرعا ... ) ويكون المعنى : أن كل موضع يثبت فيه النسب‌

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٢٠٥.

١٩٣

______________________________________________________

يتبعه اللبن ، وما لا فلا.

وتردد ابن إدريس في اعتبار اللبن الحاصل عن وطء الشبهة بحيث ينشر الحرمة (١) ، والشيخ (٢) وجماعة (٣) على تعلق التحريم به ، وهو المعتمد ، لأنه لبن درّ عن وطء محترم شرعا يثبت به النسب ، فيندرج في ظاهر قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (٤).

ثم تنبه لأمور :

الأول : قوله : ( ولو ولدت المطلقة لأقل من ستة أشهر من حين الطلاق ) لو قال بدله : لو ولدت المطلقة لأقل من ستة أشهر من حين دخول الثاني ، لكان أولى ، لأنه يشمل ما إذا كان لأقل من ستة أشهر من حين وطئه ، ولستة أشهر فصاعدا من حين الطلاق ، فان لحاقه بالثاني ممتنع هنا أيضا ، إذ مجرد الزوجية لا يكفي في اللحاق من دون الدخول.

الثاني : قوله : ( ولستة أشهر من وطء الثاني ) أراد به المسألة الثانية ، والواجب أن يقيد بقيد آخر ، وهو كونه لأكثر من أقصى مدة الحمل من وطء الأول ، وإلاّ لدخلت الرابعة في هذه ، وكأن المصنف اكتفي بأن مخالفة حكم الرابعة لحكم هذه كاف في الاكتفاء بتقييد الرابعة عن تقييدها ، فيكون المعتبر هنا مقابل قيد الرابعة.

الثالث : لو قال في الرابعة : ولأقصى مدة الحمل من وطء الأول ، لكان أولى ، إذ لا يشترط في إمكان لحاقه بالأول كونه لأقل من أقصى مدة الحمل ، بل اللحاق ممكن ما لم يتجاوز الوضع أقصى مدة الحمل من وطئه (٥).

__________________

(١) السرائر : ٢٩٣.

(٢) المبسوط ٥ : ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(٣) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٢ ، والشهيد في اللمعة : ١٨٨.

(٤) النساء : ٢٣.

(٥) جاء في « ش » بعد هذا : الظاهر ان الوطء بملك اليمين كالنكاح.

١٩٤

ولو نفي الولد باللعان تبعه اللبن ، فإن أقر به بعده عاد نسبه ، ولا يرث هو الولد.

القسم الثاني : السبب ، وتحرم منه بالرضاع ، والمصاهرة ، والتزويج ، والزنا وشبهه واللعان ، والقذف ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو نفي الولد باللعان تبعه اللبن ، فإن أقر به بعده عاد نسبه ، ولا يرث هو الولد ).

لا ريب أنه إذا نفي الولد باللعان انتفى عنه ، فان كان بنتا لم يجز له نكاحها إن كان قد دخل بالملاعنة قطعا ، وإن لم يكن دخل فوجهان يلتفتان إلى انتفائهما عنه ، وأن الانتفاء إنما يثبت ظاهرا ، ولهذا لو استلحقها لحقت به.

وعلى هذا ففي ثبوت القصاص بقتل هذا الولد والحد بقذفه والقطع بسرقة ماله وقبول شهادته عليه وجهان ، واختار المصنف في التذكرة (١) ثبوتها ، لأنه نفي نسبه باللعان فانتفت توابعه ، وإقراره بعد ذلك بالولد لا يسقط ما ثبت عليه ، كما أن الولد يرثه ، ولا يرث هو الولد ، لأن اعترافه إنما يثبت في حقه لا في حق الولد.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن اللبن ينتفي عن الملاعن كما ينتفي عنه الولد ، وهل يعود إذا اعترف بالولد؟ لم يتعرض إليه المصنف ، وكان حقيقا بذكره ، لأن المتبادر أن المقصود بهذه المسألة هو بيان حكم اللبن ، على ما يرشد إليه قوله : ( ولو نفي الولد باللعان تبعه اللبن ) ولم أقف فيه على شي‌ء.

والذي يقتضيه النظر أنه يعود أيضا بالنسبة إليه خاصة ، فلو ارتضع من هذا اللبن مرتضع وكان رقيقا الرضاع المحرم ثم ملكه الملاعن مع اعترافه بالولد المنفي عتق عليه ، أخذا له بإقراره.

قوله : ( القسم الثاني : السبب ، ويحرم منه بالرضاع والمصاهرة والتزويج والزنا وشبهه واللعان والقذف ).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٤.

١٩٥

فهنا فصول :

الفصل الأول : الرضاع ، ويحرم به ما يحرم بالنسب فالام من الرضاع محرمة.

ولا تختص الأم بمرضعة الطفل ، بل كل امرأة أرضعتك أو رجع نسب من أرضعتك أو صاحب اللبن إليها ، أو أرضعت من يرجع نسبك إليه من ذكر أو أنثى فهي أمك.

فأخت المرضعة خالتك وأخوها خالك ، وكذا سائر أحكام النسب.

______________________________________________________

القسم الثاني من‌ القسمين اللذين هما سبب التحريم المؤبد : السبب ، ويحرم منه بسبب الرضاع من سيأتي ذكره في أحكام الرضاع إن شاء الله تعالى.

وكذا بالمصاهرة ، وكذا بالتزويج ، كزوجة كلّ من الأب والابن بالنسبة إلى الآخر ، وكالتي تزوجها في عدتها ونحوها ، وينبغي أن يراد بالتزويج هنا العقد والوطء معا ليعم المعقود عليها الموطوءة ، وكذا بالزنا وشبهه وهو اللواط ، وكذا باللعان ، وكذا بالقذف ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تعيين من تحرم بهذه الأسباب مجمعا عليه أو مختلفا فيه.

واعلم : أن الضمير في قوله : ( ويحرم منه ) يعود إلى ( السبب ) ومن هذه ابتدائية ، وفاعل يحرم مدلول عليه بسوق الكلام ، أي : يحرم منه بهذه الأمور من سنذكر استناد تحريم نكاحه إلى واحد منها.

قوله : ( فهنا فصول : الفصل الأول : الرضاع ، ويحرم به ما يحرم بالنسب ، فالام من الرضاع محرمة ، ولا تختص الأم بمرضعة الطفل ، بل كل امرأة أرضعتك ، أو رجع نسب من أرضعتك أو صاحب اللبن إليها ، أو أرضعت من يرجع نسبك إليه من ذكر أو أنثى فهي أمك ، فأخت المرضعة خالتك وأخوها خالك ، وكذا سائر أحكام النسب ).

١٩٦

______________________________________________________

لما بين أن السبب‌ يحرم منه ما كان بأحد الأمور المذكورة ، عقد لبيان المحرمات بهذه الأمور فصولا ثلاثة : الأول في الرضاع ، والثاني في المصاهرة ، والثالث في باقي الأسباب.

واعلم : أن الرضاع يحرم منه ما يحرم من النسب ، لما روي من (١) طرقنا عن الصادق عليه‌السلام في الصحيح أنه قال : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٢) فالام من الرضاع محرمة ، وكذا البنت ، وغيرهما ممن سبق ذكر تحريمه بالنسب.

ولا يختص اسم الأم بمرضعة الطفل ، بل كل امرأة أرضعتك على الشرائط الآتية ، أو رجع نسب من أرضعتك إليها ، وهو أمهات المرضعة وإن علون ، أو رجع نسب صاحب اللبن الذي ارتضعت منه إليها ، وهو أمهات صاحب اللبن وإن علون ، أو أرضعن من يرجع نسبك إليه من ذكر أو أنثى وإن علا ، وهي مرضعة أحد أبويك أو أحد أجدادك أو جداتك ، فهذه المذكورة في المواضع كلها أمك من الرضاعة.

وحينئذ فأخت المرضعة خالتك وأخوها خالك وأبوها جدك ، كما أن ابنها أخ وبنتها أخت ، إلى آخر أحكام النسب.

والبنت من الرضاع هي : كل امرأة أرضعت بلبنك ، أو بلبن من ولدته ، أو أرضعتها امرأة ولدتها ، فهي بنتك ، وكذا بناتها من النسب والرضاع.

والأخت هي : كل امرأة أرضعتها أمك أو أرضعت بلبن أبيك ، وكذا كل امرأة ولدتها المرضعة أو الفحل ، أو أرضعت باللبن الذي للفحل الذي أرضعت بلبنه.

والعمات والخالات أخوات الفحل والمرضعة ، وأخوات من ولدهما من النسب والرضاع ، وكذا كل امرأة أرضعتها واحدة من جداتك ، أو أرضعت بلبن واحد من‌

__________________

(١) « ش » : لما روي من طرق العامة ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » وما روي من.

(٢) الكافي ٥ : ٤٣٧ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٩٢ حديث ١٢٢٤ و ١٢٢٥.

١٩٧

ولو امتزجت أخت الرضاع أو النسب بأهل قرية جاز أن ينكح واحدة منهن أو أكثر.

ولو اشتبهت بمحصور العدد عادة حرم الجميع.

______________________________________________________

أجدادك من النسب والرضاع.

وبنات الأخ وبنات الأخت بنات أولاد المرضعة والفحل من الرضاع والنسب ، وكذا كل أنثى أرضعتها أختك أو أرضعت بلبن أخيك وبناتها وبنات أولادها من الرضاع والنسب بنات أختك وأخيك ، وبنات كل ذكر أرضعته أمك أو أرضع بلبن أبيك وبنات أولاده من الرضاع والنسب بنات أخيك ، وبنات كل امرأة أرضعتها أمك أو أرضعت بلبن أبيك وبنات أولادها من الرضاع والنسب بنات أختك.

واعلم : أنه قد أورد على [ أن ] (١) أخت المرضعة خالة وأخاها خال وسائر ما لم يرد في اللسان العربي إطلاقه ، أن المجاز لا يطرد ، لامتناع نحلة لغير الأنساب.

وجوابه : أن إطلاق الأم على المرضعة إنما يكون مجازا مع الإطلاق ، أما مع تقييده بالأم من الرضاعة ، فإنه إطلاق حقيقي ، فيطرد.

قوله : ( ولو امتزجت أخت رضاع أو نسب بأهل قرية جاز أن ينكح واحدة منهن ، ولو اشتبهت بمحصور العدد عادة حرم الجميع ).

هذه المسألة من مكملات هذا البحث ، وتحقيقها : أنه إذا اختلطت محرم كالأخت من الرضاع أو النسب بأجنبيات وحصل الاشتباه ، فهناك صورتان :

إحداهما : أن يكون الاختلاط بعدد غير محصور في العادة ، كنسوة بلدة أو قرية كبيرة ، فله نكاح واحدة منهن ، إذ لو لا ذلك لسد عليه باب النكاح ، لأنه لو انتقل إلى بلدة اخرى لم يؤمن مسافرتها إليها.

ومثله ما إذا اختلط صيد مملوك بصيود مباحة لا تنحصر ، فإنه لا يحرم الاصطياد ، وكذا لو تنجس مكان واشتبه بأرض غير محصورة ، فإنه لا يمنع من الصلاة‌

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في « ش » و « ض » وأثبتناه من النسخة الحجرية.

١٩٨

______________________________________________________

على تلك الأرض.

والظاهر أنه لو أمكنه نكاح امرأة لا يتمارى فيها لم يمنع من النكاح من اللواتي يرتاب فيهن ، لأن عسر اجتناب غير المحصور أسقط وجوب الاجتناب.

الثانية : أن يكون الاختلاط بعدد محصور في العادة ، فيمنع من النكاح هنا ، لوجوب اجتناب المحرم ، ولا يتم إلاّ باجتناب الجميع ، ولا عسر في اجتناب العدد المحصور ، ولو بادر وعقد على واحدة كان العقد باطلا ، لثبوت المنع من جميعهن ، فلو زال اللبس بعد العقد وتبيّن أن المعقود عليها غير المحرم ففي الحكم بصحة النكاح حينئذ تردد ، لسبق الحكم ببطلانه ، ولأنه وقع مع اعتقاد العاقد عدم صحته.

واعلم : أن في قول المصنف : ( ولو اشتبهت بمحصور العدد عادة ) إشارة إلى المراد من المحصور وغير المحصور ، وفيه أيضا تنقيح لقوله قبله : ( بأهل قرية ) حيث أنه يعلم منه أن المراد قرية لا ينحصر عدد نسائها عادة.

وتوضيحه : أن المراد من عدم الانحصار عسر عدّهن على آحاد الناس ، نظرا إلى أن أهل العرف إذا نظروا إلى مثل ذلك العدد أطلقوا عليه أنه ليس بمحصور لكثرته ، وإلاّ فلو عمد أحد إلى أكبر بلدة ليعد سكانها لأمكنه ذلك.

وقال بعض المحققين : كل عدد لو اجتمعوا على صعيد واحد يعسر على الناظر عدهم بمجرد النظر ـ كالألف والألفين ـ فهو غير محصور ، وإن سهل كالعشر والعشرين فهو محصور ، وبين الطرفين وسائط يلحق بأحدهما بالظن ، وما وقع الشك فيه فالأصل وجوب الاجتناب.

واعلم أيضا : أن قوله : ( جاز أن ينكح واحدة منهن ) ينبغي أن لا يراد به أنه لا يجوز نكاح ما سوى الواحدة ، إذ لا فرق بين الواحدة والمتعددة منهن في عدم المنع ، حتى لو نكح وطلق مرارا لم يمنع من النكاح ، إلا إذا أفحش ، فإن فيه ترددا ، ولو بقي بعد تكرار النكاح عدد محصور فالمنع قريب ، مع احتمال الجواز إلى أن تبقى واحدة ،

١٩٩

وتثبت بالرضاع المحرمية كالنسب ، فللرجل أن يخلو بأمه وأخته وابنته وغيرهن بالرضاع كالنسب.

ولا يتعلق به التوارث واستحقاق النفقة ، وفي العتق قولان. والنظر في الرضاع يتعلق بأركانه ، وشروطه ، وأحكامه :

______________________________________________________

استصحابا لما كان ، ولأن الاشتباه في المجموع.

قوله : ( وتثبت بالرضاع المحرمية كالنسب ، وللرجل أن يخلو بأمه وأخته وبنته وغيرهن بالرضاع كالنسب ، ولا يتعلق به التوارث واستحقاق النفقة ، وفي العتق قولان ).

لا ريب أن كل موضع تثبت المحرمية بالنسب تثبت المحرمية بمثل تلك القرابة من الرضاع ، فالام من الرضاع محرم كالأم من النسب ، وكذا البنت والأخت وغيرهن ، ومتى تثبت المحرمية بأحد الأمرين ثبت جواز الخلوة ، بمعنى : أن ينفرد الرجل بمحرمة من النساء ، كأمه وأخته وبنته ، من غير أن يكون هناك شخص ثالث له تمييز ، ولا يجوز ذلك في الأجنبية ، لما اشتهر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما » (١) رواه العامة.

ولا يثبت التوارث بالرضاع إجماعا ، وكذا استحقاق النفقة والولاية والحضانة وتحمل العقل وسقوط القود والمنع من الشهادة والحبس بالدين.

وفي ثبوت العتق إذا ملك امه وأخته من الرضاع ونحوهما ممن ينعتق مثلهن من النسب إذا ملكه قولان ، تقدما في البيع ، وسيأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى في العتق ، والأصح الثبوت.

قوله : ( والنظر في الرضاع يتعلق بأركانه وشروطه وأحكامه :

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ١٨ و ٢٦.

٢٠٠