جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

ولو أسلمت قبل الدخول سقط وبعده لها المسمى.

______________________________________________________

ويحتمل وجوب المتعة ، لبطلان المسمّى فصار كالتفويض ، وضعفه ظاهر. هذا إذا كان المهر مباحا ، فإن كان محرما في شرع الإسلام كالخمر والخنزير وجب نصف مهر المثل ، بناء على بطلان المسمى ، والرجوع إلى مهر المثل إن لم يكن قبضت منه شيئا ، وإلاّ فبالنسبة.

وقد تقدم في كلام المصنف أول الباب أن الأقرب وجوب القيمة عند مستحليه وانه الأصح ، فعلى هذا تجب أما القيمة أو نصفها.

أما لو لم يسمّ مهرا بل كانت مفوضة فلا بحث في وجوب المتعة ، وإن أسلم بعد الدخول وجب المسمّى إن كان مباحا ، لاستقراره بالدخول ، فلا يسقط بما يطرأ وإن كان غير مباح وجب مهر المثل إن لم يكن قد قبضت منه شيئا.

فإن كانت قد قبضت الجميع بري‌ء منه ، وإن قبضت البعض بري‌ء منه ووجب من مهر المثل بنسبة الباقي على ما سبق بيانه مفصلا ، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله : ( على التفصيل ) فإنه يريد التفصيل الذي سبق في أول الباب.

وذكر الشارح الفاضل أن المراد بالتفصيل تقسيم الحال إلى كون الإسلام بعد قبض المهر كله محللا أو محرما ، أو بعد قبض البعض خاصة ، أو قبل قبض شي‌ء منه ، والظاهر أنه أعم من ذلك.

ومن لحظ الكلام السابق في أول الباب علم بأدنى تأمل ما قلناه ، وعلى المختار فالواجب إنما هو مجموع القيمة إن لم تكن قبضت شيئا من المحرم ، وإلاّ فبالنسبة.

قوله : ( ولو أسلمت قبل الدخول سقط ، وبعده لها المسمّى ).

أي : إذا سبق إسلام المرأة قبل الدخول سقط المسمّى وينفسخ النكاح ، وإنما يسقط مع كونها محصنة بالإسلام وهي مأمورة به ، لأن الفسخ جاء من قبلها ، والمهر عوض ، فيسقط بتفويت العاقد والمعقود عليه ، وإن كان معذورا كما لو باع طعاما ثم كله وهو مضطر إليه ، بخلاف ما لو كان الإسلام بعد الدخول ، فإن المسمّى بحاله ،

٤٨١

ولو اعترفا بالسبق ولو يعلم أيهما السابق قبل الدخول لم يكن للمرأة المطالبة بشي‌ء من المهر ان لم تقبض وان قبضته فللزوج المطالبة بنصفه خاصة ثم يوقف على التقديرين حتى يتبين ،

______________________________________________________

لاستقراره بالدخول.

قوله : ( ولو اعترفا بالسبق ولم يعلم أيهما السابق قبل الدخول ، لم يكن للمرأة المطالبة بشي‌ء من المهر إن لم يقبض ، فإن قبضته فللزوج المطالبة بنصفه خاصة ، ثم يوقف على التقديرين حتى يتبين ).

أي : لو اعترف الزوجان وتصادقا بعد إسلامهما على أن أحدهما سبق إلى الإسلام ، وقالا : لا نعلم السابق بعينه ، وكان ذلك قبل الدخول. ولا بد من التقييد بكون الزوجة وثنية ، إذ لو كانت كتابية لبقي النكاح لو كان المسلم الزوج ، وحينئذ فإن النكاح ينفسخ ، لاتفاقهما على ما يقتضي فسخه.

ثم المهر إن كانت المرأة لم تقبض منه شيئا لم يكن لها المطالبة به ، لجواز أن تكون هي السابقة ، فيكون قد سقط مهرها فيقف حتى يعلم.

لا يقال : ثبوت المهر بالنكاح متحقق ، والأصل بقاؤه ، والمسقط تقدم إسلامها ، وهو غير معلوم فيتمسك بالأصل.

لأنا نقول : لما طرأ فسخ النكاح المستند إلى تقدم إسلام أحدهما ، وأمكن كون المتقدم المرأة ، لم يبق الأصل ، كما كان لتكافؤ احتمال كون السابق الرجل أو المرأة.

وفيه نظر ، فإن الماء القليل لا يجب اجتنابه لو علم وقوع شي‌ء فيه واحتمل كونه نجاسة.

وإن كان قد قبضته فله المطالبة بنصفه ، لأنه يستحق ذلك على كل من تقديري تقدم إسلامها وإسلامه ، بناء على تشطره بالفسخ بالإسلام قبل الدخول ، ويقف النصف الآخر إلى أن يعلم الحال ، للشك في سبب المطالبة وهو تقدم إسلامها ، إذ يجوز أن يكون المتقدم إسلامه.

٤٨٢

وروي ان إباق العبد طلاق زوجته وانه بمنزلة الارتداد فان رجع في العدة فهو أملك بها وان عاد وقد تزوجت بعد العدة فلا سبيل عليها والطريق ضعيف.

______________________________________________________

ولو أوجبنا الجميع ـ كما سبق في نظائر ذلك في الرضاع ـ فليس له المطالبة بشي‌ء ، وأراد المصنف بالتقديرين في قوله : ( توقف على التقديرين حتى يتبين ) تقدير عدم قبضها ، وتقدير قبضها إياه ، أي : بعد الحكم بعدم المطالبة في الصورة الاولى ، وبرجوع الزوج بالنصف خاصة في الثانية.

وإبقاء النصف الآخر عندها لا يحكم بعدم استحقاقها أصلا ، وبراءة الزوج في الصورة الاولى واستحقاقها النصف في الثانية ، بل يتوقف في ذلك للشك في المقتضي للاستحقاق وعدمه إلى أن يتبين الحال.

قوله : ( وروي أن إباق العبد طلاق زوجته ، وأنه بمنزلة الارتداد ، فإن رجع في العدة فهو أملك بها ، وإن عاد وقد تزوجت بعد العدة فلا سبيل عليها ، والطريق ضعيف ).

هذه رواية عمار الساباطي عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن رجل أذن لعبده في تزويج امرأة فتزوجها ، ثم ان العبد أبق قال : « ليس لها على مولاه نفقة وقد بانت عصمتها منه ، فإن إباق العبد طلاق امرأته ، وهو بمنزلة المرتد عن الإسلام » ، قلت : فإن رجع إلى مواليه ترجع عليه امرأته؟ » ، قال : إن كانت قد انقضت عدتها منه ثم تزوجت غيره فلا سبيل له عليها وإن لم تتزوج ولم ينقض العدة فهي امرأته على النكاح الأول » (١).

وقد افتى بمضمونها الشيخ في المبسوط (٢) ، وكذا ابن حمزة ، إلاّ أنه فرض‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٨٨ حديث ١٣٧٢ ، التهذيب ٨ : ٢٠٧ حديث ٧٣١.

(٢) النهاية : ٤٩٨.

٤٨٣

خاتمة : يكره العقد على القابلة المربية وبنتها ، وتزويج ابنه بنت امرأته إذا ولدتها بعد مفارقته ، ولا يكره قبل نكاحه بها. والتزويج بضرة الأم مع غير الأب ، وبالزانية قبل أن تتوب ، ولو لم يعلم لم يكن له الفسخ ولا الرجوع على وليها بشي‌ء.

______________________________________________________

المسألة فيما إذا تزوج العبد بأمة الغير باذن السيدين (١).

وذهب ابن إدريس إلى بقاء النكاح وثبوت النفقة على السيد كما كانت ، تمسكا بأصالة البقاء واستضعافا للرواية ، فإن عمار فطحي لا يعوّل على ما ينفرد به (٢) ، وإليه ذهب المصنف في المختلف (٣) ، وأشار إليه هنا بقوله : ( والطريق ضعيف ).

قوله : ( خاتمة : يكره العقد على القابلة المربية وبنتها ، وتزويج ابنه بنت امرأته إذا ولدتها بعد مفارقته ، ولا يكره قبل نكاحه بها ، والتزويج بضرة الأم مع غير الأب ، وبالزانية قبل أن تتوب ، ولو لم يعلم لم يكن له الفسخ ولا الرجوع على وليها بشي‌ء ).

هنا مسائل :

الأولى : المشهور بين الأصحاب أن العقد على القابلة المربية وعلى ابنتها من الولد الذي ربته جائز على كراهية (٤) ، ومنعه الصدوق في المقنع وجعلها كبعض أمهاته (٥) ، وفي الحديث : « إن قبلت ومرّت فالقوابل أكثر من ذلك ، فإن قبلت وربّت‌

__________________

(١) الوسيلة : ٣٦٢.

(٢) السرائر : ٣١٦.

(٣) المختلف : ٥٧٤.

(٤) انظر : التنقيح الرائع ٣ : ١١٥ ، المختصر النافع : ١٨١ ، اللمعة الدمشقية : ١٩٣.

(٥) المقنع : ١٠٩.

٤٨٤

______________________________________________________

حرمت عليه » (١) والأصح الأول.

لنا على الحل التمسك بالأصل ، ولصحيحة محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام قال : قلت له : يتزوج الرجل التي قبّلته؟ فقال : « سبحان الله ما حرم الله عليه من ذلك » (٢).

احتج ابن بابويه برواية أبي نصر عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا تتزوج المرأة التي قبّلته ولا ابنتها » (٣).

وبرواية جابر عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن القابلة أيحل للمولود أن ينكحها؟ قال : « لا ، ولا ابنتها ، هي من بعض أمهاته » (٤).

والجواب الطعن بالسند أولا ، ثم الحمل على الكراهية ، لما رواه إبراهيم بن عبد الحميد قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن القابلة تقبّل الرجل إله أن يتزوجها فقال : « إن كان قبلته المرة والمرتين والثلاث فلا بأس ، وإن كانت قد قبّلته وكفلته فإني أنهى نفسي عنها وولدي » (٥) ، وفي خبر آخر « وصديقي » (٦) فإن ظاهره الكراهية.

الثانية : يكره أن يتزوج بضرة امرأة أبيه من غير الأب إذا ولدتها بعد مفارقة الأب ، ولا تحرم ، لرواية العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يطلق امرأته ثم حلف عليها رجل بعده ، ثم ولدت للآخر ، هل يحل ولدها‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٨ ذيل حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٥٩ حديث ١٢٣٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٥٥ حديث ١٨٢١ ، الاستبصار ٣ : ١٧٦ حديث ٦٣٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٥٥ حديث ١٨٢٢ ، الاستبصار ٣ : ١٧٦ حديث ٦٣٨.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٥٩ حديث ١٣٣١ ، التهذيب ٧ : ٤٥٥ حديث ١٨٢٣ ، الاستبصار ٣ : ١٧٦ حديث ٦٣٩.

(٥) التهذيب ٧ : ٤٥٥ حديث ١٨٢٤ ، الاستبصار ٣ : ١٧٦ حديث ٦٤٠.

(٦) التهذيب ٧ : ٤٥٦ حديث ١٨٢٥ ، الاستبصار ٣ : ١٧٦ ذيل لحديث ٦٤٠.

٤٨٥

______________________________________________________

من الآخر لولد الأول من غيرها؟ قال : « نعم ».

قال : وسألته عن رجل أعتق سرية له ثم خلف عليها رجل بعده ، ثم ولدت للآخر ، هل يحل ولدها لولد الذي أعتقها؟ قال : « نعم » (١) ، وهو شامل لما إذا كان ولد كل منهما ذكرا أو أنثى.

ولو قال المصنف : وتزويج ولده بولد منكوحة له ، لكان أشمل وأوفق للرواية.

ووجه الكراهية ما رواه إسماعيل بن همام قال : قال : أبو الحسن : قال محمد بن علي عليه‌السلام : في الرجل يتزوج المرأة ويتزوج بنتها ابنه فيفارقها ويتزوجها آخر بعد فتلد منه بنتا فكره أن يتزوجها أحد من ولده لأنها كانت امرأته فطلقها فصار بمنزلة الأب وكان قبل ذلك أبا لها.

ويلوح من ظاهر خبرين (٢) آخرين المنع من تزويج الولد بمن ولدت بعد المفارقة ، وهما منزلان على الكراهية كما دل عليه هذا الخبر.

الثالثة : يكره للرجل أن يتزوج بضرة امه مع غير أبيه ، لأن زوجة الأب حرام ، ويدل على ذلك ما رواه زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « ما أحب للرجل المسلم أن يتزوج ضرة كانت لامه مع غير أبيه » (٣) وهذا شامل لما إذا كان تزوج ذلك الغير بأمه قبل أبيه وبعده.

الرابعة : يكره التزويج بالزانية ما لم تتب ولا يحرم ، للأصل ، ولأن الزنا لا حرمة له ، ولأنه لو منع ابتداء النكاح لمنع في الدوام ، والتالي باطل ، لما تقدم من أن الزوجة لا تحرم بالإصرار على الزنا.

بيان الملازمة : اشتراكهما في المقتضي ، وهو خوف اختلاط الأنساب.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٩٩ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ١٤٥١ حديث ١٨٠٨ ، الاستبصار ٣ : ١٧٣ حديث ٦٣١.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٥٢ حديث ١٨١٠ ـ ١٨١١ ، الاستبصار ٣ : ١٧٤ حديث ٦٣٣ ـ ٦٣٤.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٥٣ حديث ١٨١٢ ، الاستبصار ٣ : ١٧٥ حديث ٦٣٥.

٤٨٦

ويحرم نكاح الشغار ، وهو جعل نكاح المرأة مهر اخرى فتبطل الممهورة ، ولو دار بطل.

______________________________________________________

وعدّ أبو الصلاح في المحرمات الزانية حتى تتوب ، وأطلق حجته قوله تعالى : ( الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (١) وأن الغرض الأصلي من النكاح التناسل ، والزنا مفوت له ، لأنه يقتضي الاختلاط (٢).

وجوابه : أنه لا صراحة فيها بتحريم تزويج الزانية ، لاحتمال أن المشار إليه بقوله تعالى ( وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) هو الزنا.

قوله : ( ويحرم نكاح الشغار ، وهو جعل نكاح امرأة بمهر اخرى فتبطل الممهورة ، ولو دار بطلا ).

أجمع الأصحاب (٣) وأكثر العلماء على أن نكاح الشغار باطل ، وهو بالشين ، والغين المعجمتين : نكاح كان في الجاهلية ، وحقيقته تزويج امرأة برجل وجعل نكاح (٤) امرأة أخرى مهرا للأولى ، سواء جعل تزويج الثانية مهرا للأولى ـ وهو الذي فيه الدور ـ أو لا.

ومعناه أن يكون بضع المنكوحة ملكا للرجل بالنكاح ، وملكا للمرأة الأخرى ، لكونه مهرا لها ، فإن دار كان ذلك في الجانبين ، وإلاّ كان في أحدهما خاصة ، فيبطل‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٨٦.

(٢) النور : ٣.

(٣) انظر : الخلاف ٢ : ٢٢٥ مسألة ١٨ كتاب النكاح ، شرائع الإسلام ٢ : ٣٠١ ، المختصر النافع : ١٨١.

(٤) في « ش » : بضع.

٤٨٧

______________________________________________________

نكاح الممهورة دون الأخرى.

وأصل الشغر الرفع ، قال في القاموس شغر الكلب كمنع : رفع احدى رجليه بال أو لم يبل ، أو فبال. والرجل المرأة [ شغورا ] : رفع رجلها للنكاح كأشغرها فشغرت والأرض لم يبق لها أحد يحميها ويضبطها فهي شاغرة.

والشغار بالكسر : أن تزوج الرجل امرأة على أن يزوجّك اخرى بغير مهر ، صداق كل واحدة بضع الأخرى ، أو يخصّ بها القرائب (١). هذا كلامه.

وذكر ابن إدريس في السرائر فيه الكسر والفتح واشتقاقه من الشغر وهو رفع الرجل ، لأن النكاح يفضي إلى ذلك وسمّي به هذا العقد ، كما قيل في الزنا سفاح ، لأن الزانيين يتسافحان الماء أي يسكبانه ، والماء هو النطفة (٢).

ومن هذا قول زياد لبنت معاوية زوجة ابنه وقد تطاولت عليه وافتخرت ، فشكاها إلى أبيه زياد فدخل عليها وضربها بالدرة : اشغرا أو فخرا.

ولأن هذا النكاح يتضمن رفع المهر ، أو هو من قبيل شغر البلد إذا خلا من القاضي والسلطان لخلوه من المهر.

والأصل في تحريمه ما روي من طرق العامة (٣) والخاصة (٤) ، روى رافع عن ابن‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ٦٠ « شغر ».

(٢) السرائر : ٣٠١.

(٣) انظر : سنن أبي داود ٢ : ٢٢٧ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٠٠.

(٤) انظر : الكافي ٥ : ٣٦١ باب نكاح الشغار ، معاني الأخبار : ٢٧٤ ، التهذيب ٧ : ٣٥٥ حديث ١٤٤٥ و ١٤٤٦.

٤٨٨

ولو زوّج كل من الوليين صاحبه على مهر معلوم صح ،

______________________________________________________

عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الشغار ، والشغار أن يقول : زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك على أن يكون بضع كل واحدة منهما مهرا للأخرى (١).

قال الشيخ في الخلاف : إن كان هذا التفسير من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الظاهر ، فإنه أدرجه في كلامه فهو نص ، وإن كان من الراوي وجب المصير إليه ، لأنه أعرف بما نقله واعلم بما سمعه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وفي حواشي شيخنا الشهيد : ان في الملاذ روايتين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدهما : « لا شغار في الإسلام » (٣) وفي الأخرى انه عليه‌السلام : نهى عن الشغار (٤) ، وزعم أن في طريقهما ضعفا ، قال : وظاهر بيننا العمل بهما.

وذهب أبو حنيفة وجماعة إلى صحة النكاح المذكور وبطلان المهر (٥) ، والنص حجة عليه.

قوله : ( ولو زوّج كل من الوليين صاحبه على مهر معلوم صح ).

لوجود المقتضي وانتفاء المانع ، لسلامته عن جعل البضع مهر المفضي إلى عدم‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ : ١٥ ، سنن البيهقي ٧ : ١٩٩.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٢٥ مسألة ١١٨ كتاب النكاح.

(٣) الكافي ٥ : ٣٦١ حديث ٢ ، معاني الأخبار : ٢٧٤ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٥٥ حديث ١٤٤٦ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠٣٥ حديث ٦٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٣١ حديث ١١٢٣ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٠٠.

(٤) الكافي ٥ : ٣٦١ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٥٥ حديث ١٤٤٦ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠٣٥ حديث ٦٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٠٠.

(٥) المبسوط للسرخسي ٥ : ١٠٥ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٥٦٨.

٤٨٩

ولو شرط كل منهما تزويج الأخرى بمهر معلوم صح العقدان وبطل المسمى ، لأنه شرط معه تزويج وهو غير لازم.

والنكاح لا يقبل الخيار فيثبت مهر المثل ، وكذا لو زوّجه وشرط أن ينكحه ابنته ولم يذكر مهرا.

______________________________________________________

المهر.

قوله : ( ولو شرط كل منهما تزويج الأخرى بمهر معلوم صح العقدان وبطل المسمّى ، لأنه شرط معه تزويج وهو غير لازم ، والنكاح لا يقبل الخيار فيثبت مهر المثل. وكذا لو زوّجه وشرط أن ينكحه ابنته ولم يذكر مهرا ).

البحث في هذا الباب عن مسائل :

الأول : أن ينكح كل من الوليين الآخر امرأة ويشترط عليه في العقد نكاح الأخرى ، على أن يكون بضع كل منهما مهرا للأخرى أو إحداهما ، وقد سبق بطلان ذلك.

الثاني : الصورة بحالها لكن جعل البضع جزء المهر ، وسيأتي إن شاء تعالى.

الثالث : أن يزوجه جاريته على أن يزوجه الآخر بنته ، وتكون رقبة الجارية مهرا للبنت وسيأتي إن شاء تعالى أيضا.

الرابع : أن يزوّج كلا منهما الآخر فإن لم يشترط واحد منهما تزويج الأخرى فقد تقدم صحة ذلك ، وإن اشترطا ذلك : فإما أن يذكرا معه مهرا أو لا ، وعلى التقديرين فالنكاح صحيح والمهر حيث سمّي بطل.

٤٩٠

______________________________________________________

أما صحته فلانتفاء المقتضي للفساد ، فإنه لا تشريك في البضع هنا ، بحيث يكون ملكا للزوج والمنكوحة الممهورة به.

وأما بطلان المسمّى فقد علّله المصنف بأن المسمّى شرط معه تزويج ، وإنما كان الشرط مع المسمّى ، لأن الشرط من جملة المعوض في سائر المعاوضات ، فمن أي الجانبين كان من جملة العوض الذي يصير إليه مثلا الشرط الواقع في البيع من البائع محسوب من الثمن ، ومن المشتري محسوب من المبيع.

ولهذا نجد الثمن في بيع النسيئة أزيد منه في النقد ، وكذا نجد البيع سلفا المثمن فيه أزيد مما لو بيع نقدا. ولا ريب أن الشرط ـ وهو التزويج ـ غير لازم ، لما عرفت فيما تقدّم ان العقد اللازم إذا اقترن به شرط صار جائزا ، فتكون فائدة الشرط التسلط على الفسخ.

ويمكن أن يقال : إنّ التزويج لما كان متعلقا بما ليس للعاقد ـ وهو المرأة الأخرى ـ لم يكن لازما ، إذ لا يلزم بالإضافة إليها شي‌ء شرطه الولي يتعلق به ، فوجب أن يتسلط الآخر على الفسخ ، لفوات الشرط ، والنكاح لا يقبل الخيار بوضع الشرع اتفاقا ، فيكون الشرط المذكور فاسدا ، لاقتضائه الخيار ، فيجب أن يرد المسمّى ما نقص من المهر لأجل الشرط ، وذلك القدر مجهول.

وإذا أضيف المجهول إلى معلوم صار الكل مجهولا ، فبطل الصداق ، للجهالة ، ووجب مهر المثل ، فإن النكاح لا يفسد بفساد الصداق.

ويمكن توجيه الفساد بأن يقال : إن الشرط لا يعود إلى أحد المتعاوضين ، وإنما يصح إذا كان عائدا إلى أحدهما ، كما في سائر المعاوضات ، فيفسد بفساده الصداق ، لأنه محسوب من جملته. ويبطل المسمّى بفوات بعض مجهول منه ، ويرجع إلى مهر‌

٤٩١

ولو قال : زوجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك ، على أن يكون نكاح بنتي مهرا لبنتك ، بطل نكاح بنت المخاطب.

ولو قال : على أن يكون نكاح بنتك مهرا لبنتي ، بطل نكاح بنته.

______________________________________________________

المثل.

واعلم أنه ينبغي أن يقرأ قوله : ( لأنه شرط معه تزويج ) بصيغة المجهول ، والمعنى أن التزويج قد شرط معه تزويج آخر ، والتزويج المشترط غير لازم ، ولو قرئ على غير ذلك لفسد المعنى.

وينبغي التنبيه لشي‌ء ، وهو أن المسمّى إنما يبطل من الجانبين إذا كان الشرط المذكور من الجانبين ، أما إذا كان من جانب واحد فإنما يبطل المسمّى من ذلك الجانب خاصة.

ولا شك أن اشتراط تزويج الاولى في عقد الثانية بعد تزويجها لا يكاد يعقل ، إلاّ أن يفرض وقوعه مع عدم العلم بوقوع العقد على الاولى كأن يجري العقد مع الوكيل.

قوله : ( ولو قال : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يكون نكاح بنتي مهرا لبنتك بطل نكاح بنت المخاطب ، ولو قال : على أن يكون نكاح بنتك مهرا لبنتي بطل نكاح بنته ).

وجهه معلوم مما سبق ، فإن التي جعل بضع الأخرى مهرا لها يبطل نكاحها دون الأخرى. ويجب قراءة المخاطب بصيغة اسم المفعول ، والضمير في قوله : ( بنته ) يعود إلى المتكلم.

ولا يخفى أن نكاح بنت المخاطب إنما يبطل إذا جرى العقد عليها على وفق الشرط المذكور ، واكتفى المصنف بذكر الشرط تنبيها على أن العقد يجري على ذلك.

٤٩٢

ولا فرق بين أن يكون البضع مهرا أو جزأه فلو قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ، ويكون بضع كل واحدة مع عشرة دراهم صداقا للأخرى بطلا.

ولو قال : زوجتك جاريتي على أن تزوّجني بنتك ، وتكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك ، صح النكاحان ، لقبول الرقبة للنقل ، وليس تشريكا فيما تناوله عقد النكاح.

ويبطل المهر ، لأنه شرط نكاح إحداهما في الأخرى ، ويجب لكل‌

______________________________________________________

قوله : ( ولا فرق بين أن يكون البضع مهرا أو جزء مهر ، فلو قال : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ، ويكون بضع كل واحدة مع عشرة دراهم صداقا للأخرى بطلا ).

هذه هي الصورة الثانية الموعود بها ، أي : ولا فرق في بطلان النكاح لكونه نكاح الشغار ، بين أن يكون البضع في كل من النكاحين أو أحدهما هو تمام المهر ، وبين أن يكون جزأه بأن يضم إليه ضميمة أخرى كالعشرة الدراهم ، فإنه إذا تضمّن كل من النكاحين ذلك بطلا ، وان تضمن أحدهما خاصة اختص بالبطلان.

ولا يخفى أن النكاح الآخر إنما يبطل إذا جرى على وفق الشرط المذكور في العقد المذكور في كلام المصنف ، واكتفى المصنف به اعتمادا على وقوع العقد الآخر موافقا له.

فإن قيل : ليس هذا من نكاح الشغار في شي‌ء ، لوجود المهر فيه.

قلنا : لما وقع التشريك في البضع من حيث جعل جزء المهر تحقق معنى النكاح المذكور.

قوله : ( ولو قال : زوجتك جاريتي على أن تزوجني بنتك ، وتكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك صح النكاحان ، لقبول الرقبة النقل ، وليس تشريكا فيما يتناوله عقد النكاح. ويبطل المهر ، لأنه شرط إحداهما في الأخرى ،

٤٩٣

منهما مهر المثل.

ولو زوّج عبده من امرأة وجعل رقبته صداقا بطل المهر ، لأن الملك يمنع العقد ، فيبطل المهر ويثبت مهر المثل ويصح العقد.

______________________________________________________

ويجب لكل منهما مهر المثل ).

هذه الصورة الثالثة التي سبق ذكرها ، وليست من الشغار في شي‌ء ، وقد نبّه المصنف على ذلك بقوله : ( وليس تشريكا إلى آخره ). وتحريرها : إنه إذا زوّج أحدهما الآخر جاريته على أن يزوّجه الآخر ابنته ، وتكون رقبة الجارية صداقا للبنت فإن كلا من النكاحين صحيح.

أما نكاح البنت ، فلأن المجعول مهرا هو رقبة الجارية ، وهي قابلة للنقل من مالك إلى آخر كسائر المملوكات ، وليس ثمّ تشريك فيما يتناوله عقد النكاح ، أعني البضع ، وهو ظاهر ، وذلك هو المقتضي للبطلان.

وأما الجارية ، فلأن نكاحها اشتمل على شرط التزويج ، ولا يلزم من بطلان الشرط بطلان النكاح ، فيبطل الشرط المذكور ، ويجب للجارية مهر المثل ، سواء سمي لها مهرا أم لا.

وأما البنت فإنما يجب لها مهر المثل مع تسمية الجارية إذا حصل مبطل ، فإن سمّي للجارية تسمية صحيحة فالمسمّى والنكاح صحيحان ، فيجب تقييد قوله : ( ويجب لكل منهما مهر المثل ). ومعنى قوله : ( لأنه شرط إحداهما في الأخرى ) أنه شرط تزويج إحداهما في عقد الأخرى ، وهو ظاهر.

قوله : ( ولو زوّج السيد عبده من امرأة حرة ، وجعل رقبته صداقا بطل المهر ، لأن الملك يمنع العقد ، فيبطل المهر ويثبت مهر المثل ويصح العقد ).

ولو زوّج السيد عبده من امرأة حرة ، وجعل رقبته صداقا لها ، فإن المهر يبطل ، لأنه يتضمن ثبوت نفيه ، فإنه لو صح الصداق لدخل العبد في ملكها ، والملك يمنع العقد ويقتضي بطلانه ، فيبطل الصداق ببطلانه ، فلو صح الصداق لبطل ، وكلما أدى‌

٤٩٤

ولو شرطت على المحلّل رفع النكاح بعد التحلل فالأقرب بطلان العقد.

______________________________________________________

ثبوته إلى نفيه فهو باطل ، وسيأتي في كلام المصنف في الصداق الفاسد بطلان النكاح من أصله.

ووجهه : إنّ الملك لو عرض في دوام النكاح لأبطله ، فإذا قارن الابتداء منع الانعقاد ، لأن الابتداء أضعف من الدوام ، لأن النكاح قد اقترن به ما يضاده ، فكان كاشتراط الطلاق ، وفيه نظر ، لأن المانع هو الملك ولم يحصل هنا ، لأن الحاصل الاصداق ، وربما كان غير مثمر للملك ، لجواز فساده.

والفرق بين هذا وبين اشتراط الطلاق قائم ، لأنه لا ارتباط للنكاح بالصداق ، فلا يلزم من بطلانه بطلانه.

ويصح النكاح ابتداء بغير صداق ومع اشتراط عدمه ، بخلاف الشرط الذي لم يقع الرضي بالعقد إلاّ به ومتى فسد الصداق خاصة ثبت مهر المثل لا محالة ، وسيأتي كلام بعد في ذلك إن شاء تعالى.

قوله : ( ولو شرطت على المحلل رفع النكاح بعد التحليل فالأقرب بطلان العقد والمهر ).

أي : لو شرطت المطلقة ثلاثا على المحلل في العقد رفع النكاح بعد حصول التحليل بالوطء ، أي يرتفع النكاح حينئذ بحيث لا يحتاج إلى طلاق ففي ، الصحة قولان.

ولا ريب في بطلان هذا الشرط ، لأن مقتضى النكاح بقاء العلاقة إلى أن يحصل ما يزيله من طلاق ونحوه مما عيّنه الشارع ، فإذا شرط ارتفاعه بنفسه في وقت معيّن فقد شرط ما ينافي مقتضاه ، ويخالف الحكم الثابت شرعا وانما الكلام في بطلان النكاح ، لاقترانه بهذا الشرط ، وفيه قولان :

أقربهما عند المصنف البطلان ، لأن التراضي بالنكاح إنما وقع على هذا الوجه‌

٤٩٥

ولو شرطت الطلاق ، قيل : صح العقد دون الشرط ، فلو دخل فلها مهر المثل ، ولو لم يصرحا به وكان في نيتهما صح العقد والمهر ،

______________________________________________________

المخصوص ، ولما كان الشرط فاسدا انتفى الوجه الذي حصل التراضي به ، فلو لم يبطل النكاح لصح من دون التراضي ، وهو باطل.

والثاني ـ ينسب إلى الشيخ (١) رحمه‌الله ـ صحة العقد دون الشرط ، لأنهما شيئان كل منهما غير الآخر ، فإذا بطل الشرط لم يبطل العقد تمسكا بالأصل ، إذ لا دليل على البطلان ، والعقد غير معلّق على هذا الشرط فلا يفوت بفواته ، وكان وجوده كعدمه.

واختار في المبسوط الأول (٢) ، وادعى عليه الإجماع ومن نقل الثاني قولا لأبي القاسم ابن سعيد (٣).

قوله : ( ولو شرطت الطلاق قيل : صح العقد دون الشرط ، ولو دخل فلها مهر المثل ).

أي : ولو شرطت الطلاق بعد التحليل ، والقائل بصحة العقد دون الشرط الشيخ في المبسوط (٤) ، ووجهه معلوم مما سبق ، والبطلان أقوى في الموضعين.

وعلى الأول يلزم من فساد الشرط فساد المهر ، لأنه محسوب منه على ما بيناه فيصير مجهولا فيجب بالدخول مهر المثل ، وعلى ما اخترناه فلو وطأ بهذا العقد كان شبهة يوجب مهر المثل ايضا.

قوله : ( ولو لم يصرحا به وكان في نيتهما صح العقد والمهر ).

أي : لو لم يصرح المحلل والزوجة بالشرط المذكور ، وهو الطلاق أو رفع النكاح بعد التحليل ، لكن كان ذلك في نيتهما وقصدهما فالعقد والمهر صحيح ، لانتفاء‌

__________________

(١) نقله عنه ولد العلاّمة في الإيضاح ٣ : ١٢٣.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٤٧.

(٣) شرائع الإسلام ٢ : ٣٠١.

(٤) المبسوط ٤ : ٢٤٧.

٤٩٦

وتحل على المطلق في كل موضع يصح العقد مع الدخول ، ولا تحل مع بطلانه.

تتمة : الوطء في الدبر مكروه وليس محرما ،

______________________________________________________

المفسد ، إذ مجرد قصد المفسد لا يؤثر إجماعا.

قوله : ( ويحل على المطلق في كل موضع يصح العقد مع الدخول ، ولا يحل مع بطلانه ).

لما كان التحليل بالوطء إنما يحصل إذا كان عن نكاح لم يتحقق إلاّ حيث يكون عقد النكاح صحيحا فإذا شرطت أحد الشرطين المذكورين أو غيرهما ، فكل موضع يكون العقد صحيحا فإذا شرطت أحد الشرطين المذكورين أو غيرهما ، فكل موضع يكون العقد صحيحا ولا يخل الشرط بصحته يحصل التحليل بالدخول على الوجه المعتبر ، وتحل المطلقة على المطلق ، وكل موضع يحكم بفساد العقد فالدخول لا يفيد الحل ، ويبقى التحريم كما كان. فعند القائل ببطلان الشرط خاصة في الصورتين المذكورتين يحصل التحليل بالدخول دون غيره.

قوله : ( تتمة : الوطء في الدبر مكروه وليس محرما ).

اختلف العلماء في وطء المرأة في الدبر ، فقال أكثر الأصحاب كالشيخين (١) ، والمرتضى : بأنه مكروه (٢) ، وهو مذهب مالك من العامة (٣).

وقال القميون (٤) ، وابن حمزة : إنه حرام (٥) ، وهو اختيار أكثر العامة (٦).

والأصح الأول.

لنا مع الأصل قوله تعالى ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (٧) ،

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٤٣.

(٢) الانتصار : ١٢٥.

(٣) أحكام القرآن لابن العربي ١ : ١٧٤ ، أحكام القرآن للقرطبي ٣ : ٩٣ ، التفسير الكبير ٦ : ٧٥.

(٤) انظر : الفقيه ٣ : ٢٩٩ حديث ١٤٣٠ ، التنقيح الرائع ٣ : ٢٣.

(٥) الوسيلة : ٣٦٩.

(٦) انظر : أحكام القرآن لابن العربي ١ : ١٧٤ ، أحكام القرآن للجصاص ١ : ٣٥١.

(٧) البقرة : ٢٢٣.

٤٩٧

______________________________________________________

وجه الاستدلال به : إن كلمة ( أنى ) للتعميم في المكان بمعنى أين ، وهي تستدعي تعدد الأمكنة ، يقال : اجلس أنى شئت وأين شئت أي : في أي مكان شئت ، وحيث كان كذلك كانت الآية دليلا على جواز الإتيان في الدبر ، إذ لا يتحقق تعدد المكان إلاّ بذلك.

ويؤيد هذا ما روى العامة عن ابن عباس أن سبب نزول الآية ان عمر جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله هلكت ، وحكى وقوع هذا الفعل منه فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

قيل : إنّ المراد بالآية التخيير بين إتيان المرأة في قبلها من قبلها وبين إتيانها من دبرها في قبلها. ويؤيده ما روي في سبب النزول من أن اليهود قالوا : من أتى امرأة من دبرها في قبلها كان ولدها أحول ، فذكر ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : « كذبت اليهود » (٢) فنزلت. وكذا يؤيده قوله تعالى ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) (٣) أي مزرع ومنبت الولد ، شبّههن بالأرض من حيث أن النطفة التي تلقى في أرحامهن للنسل كالبذر ، فيكون المعنى لقوله تعالى ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) : فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم ، لا يحظر عليكم جهة دون جهة ، أي : جامعوهن من أي شق أردتم بعد أن يكون المأتي واحدا وهو موضع الحرث.

وكذا قوله تعالى ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) فإن المراد به القبل ، فإن الدبر لا يؤمر به إجماعا.

قلنا : قد بينا أن المراد بالآية التخيير بين الأمكنة ، وذلك يقتضي تعددها ، والإتيان من القبل والدبر في القبل انما فيه اختلاف طريق المكان والمكان واحد ،

__________________

(١) التفسير الكبير ٦ : ٧٥.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ١٩٤ مع اختلاف يسير.

(٣) البقرة : ٢٢٣.

٤٩٨

______________________________________________________

واللائق به كلمة كيف لا كلمة أنى.

وما ذكر في سبب النزول معارض بما تقدّم ، ولو سلّم فلا منافاة فيه ، لتعدد المكان ، فإن التخيير في المكان ينبّه على التخيير في الجهة بطريق أولى.

وتشبيه النساء بالحرث لا يقتضي حصر الإتيان في القبل ، مع وجود اللفظ الدال على تعميم المكان ، فإن إتيان الحرث الحقيقي لا ينحصر في الإتيان للزرع ، وقوله تعالى ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) نقول بموجبه ، فإن الإتيان في القبل إذا كان واجبا لا ينافي جواز الإتيان في الدبر ، إذ ليس في الآية ما يدل على الحصر.

وكأنه لما منع سبحانه من الإتيان في موضع الحيض ، رفع ذلك المنع بعد الطهر بقوله تعالى ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) (١) ثم عمّم الإتيان في الأمكنة تحرزا من توهم منع ما سوى القبل.

ويزيد ذلك قوة ما روي أن مالكا قال : ما أدركت أحدا اقتدي به في ديني يشك في أن وطء المرأة في دبرها حلال ، ثم قرأ هذه الآية (٢).

وقد روى الأصحاب في الجواز عدّة أخبار منها صحيحة عبد الله بن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال : « لا بأس به » (٣).

ومنها ما رواه ابن أبي يعفور أيضا ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال : « لا بأس إذا رضيت » قلت : فأين قول الله تعالى : ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ )؟ قال : « هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

(٢) أحكام القرآن للجصاص ١ : ٣٥١.

(٣) التهذيب ٧ : ٤١٥ ، حديث ١٦٦٢ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٣ حديث ٨٧١.

٤٩٩

______________________________________________________

أمركم الله إن الله تعالى يقول( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (١).

ومنها رواية صفوان عن الرضا عليه‌السلام إنه سأله : الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال : « نعم له ذلك » قال : قلت : وأنت تفعل ذلك؟ فقال : « إنّا لا نفعل ذلك » (٢).

ومنها ما رواه موسى بن عبد الملك ، عن رجل قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن إتيان الرجل المرأة من خلفها قال : « أحلها من كتاب الله تعالى قول لوط ( هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) (٣) ، وقد علم أنهم لا يريدون الفرج (٤) ، وفي دلالة هذه بحث ، وهو أن ذلك في غير شرعنا ، وغير ذلك من الاخبار الكثيرة (٥).

احتج المانع بما رواه سدير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : محاش النساء على أمتي حرام » (٦) ، والمراد بالمحاش الأدبار.

وقريب من هذا ما رواه هاشم وابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٧).

وفي رواية معمّر بن خلاد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام تفسير الآية السابقة ، وهي قوله سبحانه ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) بأن المراد بها الإتيان من خلف أو قدام لا الإتيان في الإدبار (٨).

والجواب عن الخبرين الأولين أنهما ضعيفان. قال الشيخ في التهذيب : إنهما‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤١٤ حديث ١٦٥٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٣ حديث ٨٦٧.

(٢) الكافي ٥ : ٥٤٠ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٤١٥ حديث ١٦٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٣ حديث ٨٧٢.

(٣) هود : ٧٨.

(٤) التهذيب ٧ : ٤١٥ حديث ١٦٥٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٣ حديث ٨٦٩.

(٥) انظر : التهذيب ٧ : ٤١٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٤.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٩٩ حديث ٤٣٠ ، التهذيب ٧ : ٤١٦ حديث ١٦٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٤ حديث ٨٧٤.

(٧) التهذيب ٧ : ٤١٦ حديث ١٦٦٥ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٤ حديث ٨٧٥.

(٨) التهذيب ٧ : ٤١٥ حديث ١٦٦٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٥ حديث ٨٧٧.

٥٠٠