جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

ولو أكمل الأخيرة بعد الحولين لم ينشر ، وينشر لو تمت مع تمام الحولين.

______________________________________________________

ولو أكمل الأخيرة بعد الحولين لم ينشر ، وينشر لو تمت مع تمام الحولين ).

الشرط الثاني من شرائط الرضاع المحرّم : كون الرضاع واقعا قبل أن يستكمل المرتضع الحولين ، بإجماع أصحابنا ، وهو قول أكثر أهل العلم ، ويدل عليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا رضاع إلاّ ما كان في الحولين » (١). ومن طرقنا قول الصادق عليه‌السلام : « لا رضاع بعد فطام » قلت : جعلت فداك وما الفطام؟ قال : « الحولين اللذين قال الله عز وجل » (٢).

ولا فرق بين أن يفطم قبل الرضاع في الحولين وعدمه ، لظاهر النصوص ، فلو ارتضع بعد الحولين لم يفد تحريما وإن لم يكن قد فطم ، وصرح المصنف وغيره (٣) بأنه لو أكمل الرضعة الأخيرة مع تمام الحولين نشر الحرمة ، ويدل عليه قوله عليه‌السلام : « لا رضاع بعد فطام » مع قوله سبحانه ( وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ) (٤) فإن ظاهرهما اعتبار ما لم يكن واقعا بعد الحولين.

والمعتبر في الحولين الأهلّة كما في سائر الأبواب الفقهية ، ولو انكسر الشهر الأول فاحتمالان.

وهذا كلّه في المرتضع ، أما ولد المرضعة ـ وهو الذي حصل اللبن من ولادته ـ فهل يشترط كونه في الحولين حين الارتضاع بحيث لا يقع شي‌ء من الرضاع بعد تجاوزه إياهما؟ فيه قولان :

أحدهما : الاشتراط ، فلا يحرم الرضاع لو وقع شي‌ء منه بعد استكماله حولين ،

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ٤٦٢ ، كنز العمال ٦ : ٢٧٩ حديث ١٥٧٠.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤٣ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣١٨ حديث ١٣١٣.

(٣) كالمحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٤ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٤٨.

(٤) النساء : ٢٣.

٢٢١

الرابع : اتحاد الفحل وهو صاحب اللبن ، فلو تعدد لم ينشر ، كما لو أرضعت بلبن فحل صبيا وبلبن آخر صبيه : لم تحرم الصبية على الصبي.

ولو أرضعت بلبن فحل واحد مائة حرم بعضهم على بعض ، ولو أرضعت منكوحاته وإن كن مائة صغارا كل واحدة واحدا حرم بعضهم على‌

______________________________________________________

وهو قول أبي الصلاح (١) وابن حمزة (٢) وابن زهرة (٣) ، لظاهر قوله عليه‌السلام : « لا رضاع بعد فطام » فإنه يتناول ولد المرضعة.

والثاني : عدم الاشتراط ، وهو مختار ابن إدريس (٤) وجماعة منهم المصنف ، لعموم قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (٥) والمتبادر من قوله عليه‌السلام : « لا رضاع بعد فطام » المرتضع دون ولد المرضعة ، ولم يصرح الشيخان في ولد المرضعة بالاشتراط ولا بعدمه ، وتوقف المصنف في المختلف (٦) ، وعدم الاشتراط أقوى (٧) ، تمسكا بأصالة عدم الاشتراط.

قوله : ( الرابع : اتحاد الفحل ، وهو صاحب اللبن ، فلو تعدد لم ينشر ، كما لو أرضعت بلبن فحل صبيا وبلبن آخر صبية لم تحرم الصبية على الصبي ، ولو أرضعت بلبن فحل واحد مائة حرم بعضهم على بعض ، ولو أرضعت منكوحاته وإن كن مائة صغارا كل واحدة واحدا حرم بعضهم على‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٨٥.

(٢) الوسيلة : ٣٥٥.

(٣) الغنية : ٥٤٧.

(٤) السرائر : ٢٨٦.

(٥) النساء : ٢٣.

(٦) المختلف : ٥١٩.

(٧) في « ش » : قوي.

٢٢٢

بعض.

ولو ارتضع خمسا من لبن فحل ثم اعتاض بالغذاء وفارقت ونكحت آخر ، فأكملت العدد من لبن الثاني ولم يتخلل رضاع اخرى لم تصر أما ، ولم تحرم هي ولا أولادها عليه.

______________________________________________________

بعض ، ولو ارتضع خمسا من لبن فحل ثم اعتاض بالغذاء وفارقت ونكحت آخر فأكملت العدد من لبن الثاني ولم يتخلل رضاع اخرى ، لم تصر اما ولم تحرم هي ولا أولادها عليه ).

لا خلاف بين أصحابنا في أن الرضاع المثمر للتحريم ـ بين رضعتين فصاعدا ، المقدّر بأحد الأمور المذكورة ـ يشترط أن يكون جميعه من لبن فحل واحد وهو الشرط الثالث.

ولا يخفى أن هذا الشرط ليس كالأولين ، لأن أصل التحريم لا يثبت بالرضاع في حال من الأحوال بدون الشرطين الأولين ، فإذا حصل أحدهما كان وجوده كعدمه ، بخلاف هذا الشرط ، فإنه إنما يعتبر لثبوت التحريم بين المرتضعين لا مطلقا.

فلو ارتضع اثنان من لبن فحل واحد دفعة أو على التراخي ثبتت (١) الاخوة بينهما ، فلو كانا ذكرا وأنثى حرم كل منهما على الآخر ، ولا فرق بين أن يرتضعا معا من امرأة واحدة أو من منكوحتين لصاحب اللبن بحيث يرتضع أحدهما من أحدهما كمال النصاب والآخر من الأخرى كذلك.

ولو تعددوا فبلغوا مائة وأكثر ـ كالمنكوحات بالمتعة أو بملك اليمين ـ ثبت التحريم بينهم مع رعاية ما قلناه.

ولو تعدد الفحل بحيث ارتضع أحد الصغيرين من امرأة من لبن فحل والآخر منها من لبن فحل آخر فلا اخوّة ولا تحريم عندنا ، لقول الباقر عليه‌السلام : « لا يحرم‌

__________________

(١) في « ش » و « ض » : اختل ، والمثبت من النسخة الحجرية وهو الأوفق بالسياق.

٢٢٣

المطلب الثالث : في الأحكام.

إذا حصل الرضاع بشرائطه نشر الحرمة ، ولو شككنا في العدد فلا تحريم.

______________________________________________________

من الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد » (١).

وسأل عمّار الساباطي الصادق عليه‌السلام عن غلام رضع من امرأة ، أيحلّ أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاع؟ قال فقال : « لا قد رضعا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة » قال قلت : يتزوج أختها من الرضاعة؟ قال : « لا بأس بذلك ، إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل الذي أرضعت الغلام ، فاختلف الفحلان ، فلا بأس » (٢).

وذهب أبو علي الطبرسي صاحب مجمع البيان في التفسير إلى التحريم بذلك ، لثبوت الاخوّة من الام (٣) ، وهو نادر ، لمخالفته النصوص عن أهل البيت عليهم‌السلام.

واعلم أن قوله : ( ولو ارتضع خمسا ... ) قد سبق بيانه عند ذكر الشرط الأول ، فإعادته تكرار.

قوله : ( المطلب الثالث : في الأحكام ، إذا حصل الرضاع بشرائطه نشر الحرمة ، ولو شككنا في العدد فلا تحريم.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٩٣ حديث ٦٩٦.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤٢ حديث ١٠ ، التهذيب ٧ : ٣٢٠ حديث ١٣٢١ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٠ حديث ٧٢٤.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٢٨.

٢٢٤

ولو شككنا في وقوعه بعد الحولين تقابل أصلا البقاء والإباحة ، لكن الثاني أرجح.

ولو كان له خمس عشرة مستولدة ، فأرضعته كل واحدة رضعة لم تحرم المرضعات ولا الفحل للفصل ، ولا يصير الفحل أبا ولا المرضعات أمهات.

ولو كان بدلهن خمس عشرة بنتا لم يكن الأب جدا.

______________________________________________________

ولو شككنا في وقوعه بعد الحولين تقابل أصل البقاء والإباحة ، لكن الثاني أرجح ، ولو كان له خمس عشرة مستولدة فأرضعته كل واحدة رضعة لم تحرم المرضعات ولا الفحل للفصل ، ولا يصير أبا ولا المرضعات أمهات ، ولو كان بدلهنّ خمس عشرة بنتا لم يكن الأب جدا ).

لا خلاف في أنه إذا حصل الرضاع بشرائطه المعتبرة فيه نشر الحرمة في الجملة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفاصيل ذلك.

ولو حصل الشك في بلوغ النصاب أو في وصول اللبن إلى الجوف في بعض المرات لم تثبت الحرمة ، لأن الأصل عدم المحرم والأصل الإباحة ، ولا شك أن الورع يقتضي الاحتراز عنه.

أما لو حصل الشك في وقوع الرضاع في الحولين ، فإنّ أصل بقاء الحولين مقابل لأصل الإباحة ، فإن الإباحة كانت ثابتة قبل النكاح ، والأصل بقاؤها ، وكون المرتضع في الحولين كان ثابتا قبل الرضاع والأصل البقاء ، وترجّح الإباحة لوجوه :

أ : أن التقابل والتكافؤ يقتضي التساقط ، فينتفي التحريم قطعا لانتفاء سببه ، ويلزم من انتفائه ثبوت الإباحة ، إذ لا يعقل ارتفاع النقيضين.

ب : أنّ الشك في وقوع الرضاع في الحولين يقتضي الشك في تقدّم الرضاع وتأخّره ، والأصل عدم التقدّم.

٢٢٥

______________________________________________________

لا يقال : كما أنّ الأصل عدم التقدّم فكذا الأصل عدم التأخّر.

لأنا نقول : هو كذلك إلاّ أنّ الأصل حصل بطريق آخر ، وهو أنّ التقدّم يقتضي تحقق الرضاع في أزمنة تزيد على أزمنة تأخره ، والأصل عدم الزيادة ، وإذا وجد هذا الأصل مع أصل الإباحة قوي جانبه فرجّح به.

ج : قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (١) بعد قوله سبحانه : ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (٢) فإنّ المراد والله أعلم : اللاتي أرضعنكم الرضاع المحكوم شرعا بوقوعه في الحولين ، لأن ذلك شرط قطعا ، وليس محكوما بكون الرضاع في محلّ النزاع واقعا في الحولين ، لتقابل الأصلين ، فيندرج المتنازع في حلّ نكاحها في عموم ما وراء ذلكم ، وهو من أبين المرجّحات.

وقد يقال : يرجّح التحريم : بأنه إذا تعارض الناقل والمقرّ رجّح الناقل ، لأن التأسيس خير من التأكيد ، ولأنه إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام.

وضعفه ظاهر ، لأن ترجيح الناقل في النصوص من حيث اشتماله على زيادة لا ينافيها الآخر ، أما في الأصلين كما هنا فغير واضح.

وإنما يغلب الحرام على الحلال إذا ثبت التحريم شرعا ، كما إذا اشتبهت محرمة بأجنبية ، وقد علم مما تقدّم أنّه لا بدّ من استكمال الرضعات من امرأة واحدة بلبن فحل واحد ، فلا حاجة إلى إعادته.

ويلوح من كلام الشارح الفاضل أن قول المصنف : ( لكن الثاني أرجح ) إشارة إلى خلاف ، حيث قال في آخر البحث : والأقوى عندي ما هو الأرجح عند المصنف (٣) ، والظاهر أنه لا خلاف هنا يعرف ، وإنما أراد المصنف بيان دليل المسألة والإشارة إلى تقابل الأصلين وأنّ أحدهما مرجّح على الآخر.

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) النساء : ٢٣.

(٣) إيضاح الفوائد ٣ : ٤٩.

٢٢٦

والأصول في التحريم ثلاثة : المرتضع ، والمرضعة ، والفحل. فيحرم المرتضع عليهما ، وبالعكس.

وتصير المرضعة اما والفحل أبا ، وآباؤهما أجدادا وأمهاتهما جدات ، وأولادهما اخوة وأخوات ، وإخوتهما أخوالا وأعماما. فكما حرمت المرضعة على المرتضع حرم عليه أمهاتها وأخواتها وبناتها من النسب ، وكذا أولاد الرضيع أحفاد المرضعة.

وكل من ينسب إلى الفحل من الأولاد ولادة ورضاعا يحرمون على المرتضع ، وبالعكس.

ولا يحرم عليه من ينسب إلى المرضعة بالبنوة رضاعا من غير لبن هذا الفحل ، بل كل من ينسب إليها بالولادة وإن نزل.

______________________________________________________

قوله : ( والأصول في التحريم ثلاثة : المرتضع والمرضعة والفحل ، فيحرم المرتضع عليهما وبالعكس ، وتصير المرضعة امّا والفحل أبا وآباؤهما أجدادا وجدات وأولادهما اخوة وأخوات وأخواتهما أخوالا وأعماما ، فكما حرمت المرضعة على المرتضع حرم عليه أمهاتها وأخواتها وبناتها من النسب ، وكذا أولاد الرضيع أحفاد المرضعة ، وكل من ينسب إلى الفحل من الأولاد ولادة ورضاعا يحرمون على المرتضع وبالعكس ، ولا يحرم عليه من ينسب إلى المرضعة بالبنوّة رضاعا من غير لبن هذا الفحل ، بل كل من ينسب إليها بالولادة وإن نزل ).

أراد بقوله : ( والأصول في التحريم ثلاثة ) أنّ الذين ثبت لهم التحريم الناشئ عن الرضاع المحرّم بدون واسطة غير ثلاثة ومن عداهم فإنما يتعلق بهم التحريم بسبب هذا الرضاع بتوسط واحد من الثلاثة.

٢٢٧

______________________________________________________

وتحقيقه : أنه إذا حصل الرضاع المحرّم ، فان كان المرتضع ذكرا حرم على المرضعة نكاحه ، لأنه ابنها ، وإن كان أنثى حرم على الفحل نكاحها ، لأنها بنته ، وكما يحرم عليهما نكاح المرتضع ، فكذا يحرم عليه نكاحهما ، لأن التحريم من الجانبين ، وحيث أنّ المرضعة أمّ للمرتضع والفحل أب له فآباؤهما أجداد وجدات قطعا ، وكذا أولادهما اخوة وأخوات وأخواتهما أخوال وأعمام ، ضرورة أنّ الأبوّة والأمومة يقتضيان ذلك.

إذا تقرر هذا ، فكما حرمت المرضعة على المرتضع حرم عليه أمهاتها وأخواتها وبناتها من النسب.

ولو قال : فكما حرمت المرضعة والفحل على المرتضع حرم عليه أمهاتهما وأخواتهما وأولادهما ، لكان أشمل وأوفق لما تقدّم من كلامه وأخصر ، حيث جعل أصول التحريم ثلاثة : المرتضع والمرضعة والفحل.

ويتعدى التحريم إلى الباقين.

وكأنّه اعتمد على ظهور ذلك ، فمال إلى الاختصار بالسكوت عمن يتعدّى التحريم من الفحل إليهم ، وكذا سكت عن حكم الرضيعة.

وقوله : ( من النسب ) يمكن أن يريد اختصاصه بالبنات ، لما علم من أن الرضاع لا يفيد التحريم بين المرتضعين إلاّ مع اتحاد صاحب اللبن الذي ارتضعا به ، ويمكن أن يريد شموله للأمّهات والأخوات أيضا ، نظرا إلى أن التحريم لا يكون إلاّ مع اتحاد صاحب اللبن ، وهو منتف فيهن ، وسيأتي التصريح بذلك في كلام المصنف في عاشر الفروع.

وقوله : ( وكذا أولاد الرضيع أحفاد المرضعة ) يريد به كما أن المرضعة صارت امّا والفحل أبا ، فكذا أولاد المرتضع صاروا أحفادا ، ومن هذا يعلم أنه لو قال : وكذا أولاد الرضيع أحفاد المرضعة والفحل ، لكان أولى.

٢٢٨

ولا تحرم المرضعة على أب المرتضع ولا على أخيه.

ويحرم أولاد الفحل ولادة ورضاعا ، وأولاد زوجته المرضعة ولادة لا رضاعا على أب المرتضع على رأي ،

______________________________________________________

وقوله : ( وكل من ينسب إلى الفحل من الأولاد ولادة ورضاعا يحرمون على المرتضع وبالعكس ، ولا يحرم عليه ... ) قد سبق بيانه غير مرة ، وذكرنا دليل الفرق بين المرضعة والفحل في ذلك وخلاف الطبرسي في ذلك.

قوله : ( ولا تحرم المرضعة على أب المرتضع ولا على أخيه ، ويحرم أولاد الفحل ولادة ورضاعا وأولاد زوجته المرضعة ولادة لا رضاعا على أب المرتضع على رأي ).

لا ريب أن المرضعة لا تحرم على أب المرتضع ، إذ لا مقتضي لذلك بوجه من الوجوه ، فإن أم الولد من النسب ليست حراما ، فكيف من الرضاع ، وكذا لا تحرم على أخ المرتضع ، لانتفاء المقتضي ، وأمّ الأخ من النسب إنما حرمت على أخيه لأنها منكوحة الأب ، وهذا المعنى منتف هنا.

وأما أولاد الفحل ولادة ورضاعا ، فانّ في تحريمهنّ على أب المرتضع قولين للأصحاب :

أحدهما : ـ واختاره الشيخ في المبسوط (١) ـ عدم التحريم ، لأن أخت الابن من النسب إنما حرمت لكونها بنت الزوج المدخول بها ، فتحريمها بسبب الدخول بأمها ، وهذا المعنى منتف هنا ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إنّما يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٢) ولم يقل يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة ، وقال في النهاية (٣)

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٠٤ و ٥ : ٢٩٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٧ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠٧ حديث ٩ و ١٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٣ حديث ١٩٣٧ ، مسند أحمد ١ : ٢٧٥.

(٣) النهاية : ٤٦٢ ، وفي نسخة « ض » : الخلاف.

٢٢٩

______________________________________________________

بالتحريم ، وهو ظاهر اختيار ابن إدريس (١) ، واختاره المصنف هنا وفي المختلف (٢) والتذكرة (٣) معترفا فيهما بقوّة كلام الشيخ في المبسوط.

لصحيحة علي بن مهزيار ، قال : سأل عيسى بن جعفر أبا جعفر الثاني عليه‌السلام عن امرأة أرضعت لي صبيا هل يحل لي أن أتزوج بنت زوجها؟ فقال لي : « ما أجود ما سألت ، من ها هنا يؤتى أن يقول الناس : حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل ، هذا هو لبن الفحل لا غيره » فقلت له : إنّ الجارية ليست بنت المرأة التي أرضعت لي هي بنت زوجها ، فقال : « لو كنّ عشرا منفردات ما حلّ لك شي‌ء منهن وكن في موضع بناتك » (٤).

وروى ابن يعقوب في الصحيح عن عبد الله بن جعفر قال : كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام أنّ امرأة أرضعت ولدا لرجل هل يحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرأة أم لا؟ فوقّع عليه‌السلام : « لا يحل ». (٥)

وروى أيوب بن نوح في الصحيح قال : كتب علي بن شعيب إلى أبي الحسن عليه‌السلام : امرأة أرضعت بعض ولدي هل يجوز لي أن أتزوج بعض ولدها؟ فكتب : « لا يجوز ذلك ، إنّ ولدها صارت بمنزلة ولدك » (٦).

قال المصنف في المختلف بعد إيراد الرواية الاولى ـ ونعم ما قال ـ : وقول الشيخ في غاية القوة ، ولو لا هذه الرواية الصحيحة لاعتمدت على قول الشيخ (٧).

__________________

(١) السرائر : ٢٩٤.

(٢) المختلف : ٥٢٠.

(٣) التذكرة ٢ : ٦٢٢.

(٤) الكافي ٥ : ٤٤٢ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٢٠ حديث ١٣٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٩٩٩ حديث ٧٢٣.

(٥) الكافي ٥ : ٤٤٧ حديث ١٨.

(٦) الفقيه ٣ : ٣٠٦ حديث ١٤٧٠ ، التهذيب ٧ : ٣٢١ حديث ١٣٢٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٠١ حديث ٧٢٧.

(٧) المختلف : ٥٢٠.

٢٣٠

ولأولاد هذا الأب الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن النكاح في أولاد المرضعة وأولاد فحلها ولادة ورضاعا على رأي.

______________________________________________________

والأصح التحريم ، وإنما لم يحرم أولاد المرضعة رضاعا ، لما عرفت من أنّ التحريم بالرضاع مشروط باتحاد الفحل.

قوله : ( ولأولاد هذا الأب الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن النكاح في أولاد المرضعة وأولاد فحلها ولادة ورضاعا على رأي ).

اختلف الأصحاب في أنّ أخ المرتضع وأخته من النسب هل يحل نكاحهما لأولاد المرضعة وأولاد فحلها سواء كانوا من النسب أم من الرضاع ـ والحال أن الأخ والأخت لم يرتضعا من لبن هذا الفحل ـ فقال الشيخ في الخلاف : لا يجوز (١) ، وكذا قال في النهاية (٢) ، لأن أخت الأخ (٣) من النسب لا يجوز نكاحها ، فكذا من الرضاع ، ولأن تعليل التحريم على أب المرتضع في الروايات السالفة ـ بأنهن بمنزلة ولده ـ قائم هنا.

وذهب ابن إدريس (٤) وجمع من المتأخرين إلى عدم التحريم ، منهم المصنف ، لكنه توقف في المختلف (٥) ، وهو الأصح ، فإن دليل التحريم ضعيف ، فإن أخت الأخ من النسب لا تحرم إلاّ على من هي أخت له من الأب أو من الام ، ولهذا لا تحرم أخت الأخ مع اختلاف الجهة ، كالأخ من الأب إذا كان له أخت من الأم ، فإنها لا تحرم على أخيه ، لانتفاء سبب التحريم.

__________________

(١) الخلاف : كتاب الرضاع ، مسألة ١.

(٢) النهاية : ٤٦٢.

(٣) في « ش » : الأب.

(٤) السرائر : ٢٩٤.

(٥) المختلف : ٥٢١.

٢٣١

ولإخوة المرتضع نكاح اخوة المرتضع الآخر إذا تغاير الأب وإن اتحد اللبن.

وكما يمنع الرضاع النكاح سابقا كذا يبطله لاحقا ، فلو أرضعت امه‌

______________________________________________________

والتعليل السابق في الروايات لا يقتضي التحريم هنا ، لأن منصوص العلة حجّة ، بمعنى أنه حيث تثبت تلك العلة يثبت التحريم ، والعلة المذكورة هي كونهن بمنزلة أولاد أبي المرتضع ، وهذه غير موجودة في محل النزاع ، وليس المراد بحجية منصوص العلة أنه حيث ثبتت العلة وما جرى مجراها يثبت الحكم (١).

قوله : ( ولإخوة المرتضع نكاح اخوة المرتضع الآخر إذا تغاير الأب وإن اتحد اللبن ).

المراد : أنه إذا ارتضع أجنبيان من لبن امرأة ـ سواء كان اللبن كلّه لفحل واحد ، أم ارتضع أحدهما بلبن فحل والآخر بلبن فحل آخر ـ صارا أخوين ، فلاخوة أحدهما أن ينكحوا في إخوة المرتضع الآخر ، لأن هؤلاء ليسوا بمنزلة أولاد صاحب اللبن ولا بمنزلة إخوة المرتضع ، وإنما أولئك أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا وأولاد المرضعة ولادة خاصة.

واحترز المصنف بقوله : ( إذا تغاير الأب ) عما إذا كان أبو كلّ من إخوة أحد المرتضعين هو أبو إخوة المرتضع الآخر ، فإنه لا يجوز النكاح ، وهو ظاهر ، وأراد بقوله : ( وإن اتحد اللبن ) أنّ اللبن الذي ارتضع به كلّ من الصبيين لفحل واحد.

قوله : ( وكما يمنع الرضاع النكاح سابقا كذا يبطله لاحقا ، فلو‌

__________________

(١) في « ض » : التحريم.

٢٣٢

أو من يحرم النكاح بإرضاعه كأخته وزوجته وزوجة أبيه من لبن الأب زوجته فسد النكاح وعليه نصف المهر.

ولو لم يسمّ فالمتعة ويرجع به على المرضعة إن تولت الإرضاع وقصدت الإفساد ، وإن انفردت المرتضعة به بأن سعت وامتصت من ثديها من غير شعور المرضعة سقط المهر.

______________________________________________________

أرضعت امّه أو من يحرم النكاح بإرضاعه ـ كأخته وزوجته وزوجة أبيه من لبن الأب ـ زوجته فسد النكاح وعليه نصف المهر ، ولو لم يسم (١) فالمتعة ويرجع به على المرضعة إن تولّت الإرضاع وقصدت الإفساد ، وإن انفردت المرتضعة به بأن سعت وامتصت من غير شعور المرضعة سقط المهر ).

لا خلاف في أن الرضاع الذي إذا حصل سابقا على النكاح يمنعه ـ لأنه يثمر التحريم ـ لو حصل لاحقا أبطله ، فلو أرضعت أخته أو زوجته أو زوجة أبيه من لبن الأب زوجته الرضاع المحرّم فسد النكاح ، لأن الزوجة تصير بنت أخته بإرضاع أخته إياها ، وبنت الأخت من النسب حرام.

وإذا أرضعتها زوجته ، فان كان بلبنه صارت بنتا ، وإن كان بلبن غيره ، فان كانت المرضعة مدخولا بها حرمتا معا ، وإلاّ انفسخ النكاح وحرمت المرضعة مؤبدا على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.

وإن أرضعتها زوجة أبيه ، فإن كان بلبن الأب حرمت مؤبدا ، لأنها أخته ، وإلاّ فلا ، وكذا القول في زوجة الابن إذا أرضعت بلبن الابن ، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أنه يجب على الزوج للرضيعة نصف المهر ، أما الوجوب فلأن الفسخ ليس من طرف الزوجة ، وأما وجوب النصف خاصة فلأن الفسخ‌

__________________

(١) أي : المهر.

٢٣٣

______________________________________________________

قبل الدخول يجري مجرى الطلاق.

ويحتمل وجوب الجميع ، لأن الأصح ـ على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ـ أن المهر يجب بالعقد جميعه ويستقر بالدخول ، ويتشطّر بالطلاق قبله (١) ، ولم يثبت تشطّره بسبب آخر ، فيستصحب وجوب جميعه إلى أن يثبت السبب المسقط لشي‌ء ، وهذا متجه.

هذا كلّه إذا كان قد سمّى مهرا.

ولو لم يسمّ مهرا ، بل كانت مفوّضة البضع ، وجبت المتعة ، إلحاقا لهذا الفسخ بالطلاق ، ويحتمل السقوط كما لو ماتت ، ووجوب مهر المثل أو نصفه ، لاختصاص المتعة بالطلاق ، حيث أن القرآن إنما ورد بها في الطلاق ، فلا يتعدّى الحكم مورده ، والبضع لا يخلو من عوض. وصرح المصنف في التذكرة بوجوب المتعة (٢) ، وحكاه عن الشافعي (٣) ، ولم يذكر احتمالا آخر.

ثم يرجع الزوج بما اغترمه على المرضعة المتولية للإرضاع إن قصدت الإفساد ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٤) ، لأن البضع مضمون كالأموال ، لأنه يقابل بمال في النكاح والخلع ، ولا يجب على المريض المهر لو نكح بمهر المثل فما دون ، وكذا المريضة المختلعة بمهر المثل.

أما إذا لم تقصد الإفساد فإنها لا تضمن ، لأن السبب مباح ، كما لو احتفر بئرا في ملكه فتردّى فيها متردّ ، ولأنها محسنة إلى المرتضعة حيث لا يوجد من يرضعها ، و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٥).

__________________

(١) أي : قبل الدخول.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٢٤.

(٣) المجموع ١٨ : ٢٣٠.

(٤) المبسوط ٥ : ٢٩٨.

(٥) التوبة : ٩١.

٢٣٤

ولو أرضعت كبيرة الزوجتين صغيرتهما حرمتا أبدا مع الدخول بالكبيرة ، وإلاّ الكبيرة ، وللكبيرة المهر مع الدخول ، وإلاّ فلا ، وللصغيرة‌

______________________________________________________

والذي ينساق إليه النظر عدم الفرق بين الحالتين في الضمان وعدمه ، لأن إتلاف الأموال موجب للضمان على كلّ حال ، والفرق بين هذا وبين حفر البئر في الملك قائم ، إذ لا إتلاف من الحافر أصلا ، على أنّا نقول إن كان الضمان دائرا مع العدوان فيمنع أن إرضاع الصغيرة عدوان في محل النزاع ، فان القصد لا يصيّر ما ليس بعدوان عدوانا ، حتى لو حفر في ملكه بئرا ليردي (١) فيها الناس لم يضمن بذلك.

وأطلق الشيخ في الخلاف عدم الضمان على التقديرين (٢) ، والضمان قريب ، وسيأتي إن شاء الله تعالى له مزيد تحقيق.

ولو انفردت المرتضعة بالارتضاع : بأن سعت وامتصت من ثديها من غير شعور المرضعة سقط مهرها ، لأن الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول ، فكان كالردة قبل الدخول ، وهو الذي قوّاه المصنف في التذكرة (٣) ، وللشافعي وجه بعدم السقوط بذلك وأنها تستحق نصف المسمّى (٤).

وتقييد المصنف بقوله ( من غير شعور المرضعة ) يقتضي أنه مع شعورها لا يسقط ، وكأنه نظر إلى إن تخليتها إيّاها لترضع بمنزلة الفعل ، وفيه نظر ، ولعلّه يريد أنه مع التخلية يكون الفعل مستندا إليهما ، فكل منهما جزء السبب ، وهو محتمل.

قوله : ( ولو أرضعت كبيرة الزوجين صغيرتهما حرمتا أبدا مع الدخول بالكبيرة ، وإلاّ الكبيرة ، وللكبيرة المهر مع الدخول ، وإلاّ فلا ، وللصغيرة‌

__________________

(١) في « ض » : فتردّى.

(٢) الخلاف ٣ : ٨٤ مسألة ١٦ من كتاب الرضاع.

(٣) التذكرة ٢ : ٦٢٣.

(٤) المجموع ١٨ : ٢٣١.

٢٣٥

النصف أو الجميع على اشكال ، ويرجع به على الكبيرة مع التفرد بالإرضاع.

______________________________________________________

النصف أو الجميع على إشكال ، ويرجع به على الكبيرة مع التفرد بالإرضاع ).

إذا كان لشخص زوجتان إحديهما كبيرة والأخرى صغيرة في محل الرضاع ، فأرضعت الكبيرة الصغيرة الرضاع المحرّم ، فان كان قد دخل بالكبيرة حرمتا أبدا ، أما الكبيرة فلأنها أم الزوجة ، وأما الصغيرة فلأنها بنت الزوجة المدخول بها ، وهذا إذا لم يكن الرضاع من لبنه ، فإن كان من لبنه حرمتا مؤبدا وإن لم يدخل ، لأن الصغيرة قد صارت بنتا له ، ولا خلاف في ذلك كله.

إذا تقرر ذلك فلا ريب أن الكبيرة تستحق المهر المسمّى إن كان قد دخل بها ، لاستقراره بالدخول ، فلا يسقط بسبب طارئ ، وإن لم يكن قد دخل بها فلا شي‌ء لها ، لأن الفسخ من جهتها ، فكان كالردة.

ولقائل أن يقول : إن كان التسبب الى فسخ النكاح بالإرضاع موجب لاستحقاق الرجوع على المرضعة بالمهر ، فليكن موجبا للرجوع عليها بمهرها بعد الدخول ، لأنها تسبب إلى فسخ نكاحها ، كما إذا طلّق الزوجة بعد الدخول طلقة واحدة وراجعها وادّعى وقوع الرجعة في العدة ، وأنكرت وحلفت فنكحت زوجا آخر ، ثم كذّبت نفسها في اليمين وصدّقت الزوج ، لم يقبل قولها على الثاني ، ورجع الأول عليها بمهر المثل وإن كان قد وطأها.

وأجيب عنه بالفرق : بأن الغرم هنا للحيلولة بينه وبين البضع المستحق له ، لأنها زوجة ، بخلاف المتنازع ، فإن الزوجية زالت بالفسخ المترتب على الرضاع ، وهذا الجواب غير دافع لأصل السؤال.

هذا حكم الكبيرة واما الصغيرة ، فانّ في استحقاقها المسمّى أو نصفه إشكالا ، ينشأ : من أنه فراق قبل الدخول فينتصف به المهر كالطلاق ، ومن أنّ الجميع وجب بالعقد فيستصحب حكمه ، ولم يثبت شرعا سقوط النصف إلاّ في الطلاق ، والإلحاق‌

٢٣٦

ولو أرضعت الكبيرة الصغائر حرمن جمع إن دخل بالكبيرة ، وإلاّ الكبيرة.

ولو أرضعت الصغيرة زوجتاه على التعاقب فالأقرب تحريم الجميع ، لأن الأخيرة صارت أم من كانت زوجته إن كان قد دخل بإحدى الكبيرتين ، وإلاّ حرمت الكبيرتان مؤبدا وانفسخ عقد الصغيرة.

ولا فرق بين الرضاع قبل الطلاق لهما أو لإحداهما ، أو بعده وينفسخ نكاح الجميع للجمع والمؤبد على ما فصل.

______________________________________________________

به قياس ، وهذا قويّ.

نعم على القول بأنّ المهر يستقر بالعقد والنصف الآخر بالدخول أو بالموت ، وجوب النصف خاصة متّجه ، ومهما غرمه الزوج للصغيرة مهرا ـ سواء المسمّى أو نصفه ـ يرجع به على الكبيرة مع التفرد بالإرضاع ، بشرط قصدها إلى الإفساد على القول باشتراطه ، ومطلقا على القول بالعدم ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو أرضعت الكبيرة الصغائر حرمن جمع إن دخل بالكبيرة ، وإلاّ الكبيرة ).

هذا أيضا إذا لم يكن اللبن له ، وإلاّ حرمن مؤبدا جميعا مع الدخول وعدمه ، ولا يخفى أنه إذا كان اللبن لغيره ولم يكن دخل بالكبيرة انفسخ نكاح الصغائر أيضا وحرمن على الجميع لأنهن أخوات ، وسيأتي لذلك مزيد تحقيق إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو أرضعت الصغيرة زوجتاه على التعاقب فالأقرب تحريم الجميع ، لأن الأخيرة صارت أم من كانت زوجته ، إن كان قد دخل بإحدى الكبيرتين ، وإلاّ حرمت الكبيرتان مؤبدا وانفسخ عقد الصغيرة ، ولا فرق بين الرضاع قبل الطلاق لهما أو لأحدهما أو بعده ، وينفسخ نكاح الجميع للجمع والمؤبد على ما فصّل ).

٢٣٧

______________________________________________________

لا نزاع في تحريم المرضعة الاولى وكذا الصغيرة إن كان قد دخل بإحدى الكبيرتين ، ونقل الشارح الفاضل فيه الإجماع (١) ، وينبه عليه أنّ المرضعة أم الزوجة والصغيرة بنت زوجة مدخول بها ، سواء كانت المدخول بها هي الأولى أم الثانية ، وإنما النزاع في تحريم المرضعة الثانية.

وبالتحريم قال ابن إدريس (٢) وجمع من المتأخرين كأبي القاسم بن سعيد (٣) والمصنف ، وهو المختار ، ووجهه ما ذكره المصنف : من أنها أمّ من كانت زوجته ومن كانت زوجته فاسم الزوجة صادق عليها ، لانه لا يشترط في صدق المشتق بقاء المعنى المشتق منه على ما قرر في الأصول ، فيندرج في عموم قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (٤).

وقال الشيخ في النهاية (٥) وابن الجنيد (٦) : لا يحرم ، لما رواه علي بن مهزيار عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قيل له : إن رجلا تزوج بجارية صغيرة ، فأرضعتها زوجته ثم أرضعتها امرأة أخرى ، إلى قوله فقال عليه‌السلام : « حرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أوّلا ، أما الأخيرة لم تحرم عليه » (٧) والمستمسك ضعيف ، لأن سند الرواية غير معلوم ، فلا يعارض حجة الأولين.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أنه لا فرق في التحريم المذكور بين كون الرضاع المذكور قبل الطلاق للزوجتين الكبيرتين أو بعد طلاقهما أو طلاق إحديهما ، لأن الطلاق لا ينفي كون المطلقة زوجة.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٥٢.

(٢) السرائر : ٢٩٤.

(٣) الشرائع ٢ : ٢٨٦.

(٤) النساء : ٢٧.

(٥) النهاية : ٤٥٦.

(٦) كما عنه في المختلف : ٥٢١.

(٧) الكافي ٥ : ٤٤٦ حديث ١٣.

٢٣٨

ولو أرضعت أمته الموطوءة زوجته حرمتا عليه ، وعليه المهر أو نصفه ، ولا رجوع إلاّ أن تكون مكاتبة. ولو كانت موطوءة بالعقد تبعت به على اشكال.

______________________________________________________

نعم لو طلق الكبيرتين ولم يدخل بهما ثم أرضعتا الصغيرة بلبن غيره حرمتا مؤبدا ، وتبقى زوجيّة الصغيرة بحالها.

والمراد بقول المصنف : ( وينفسخ نكاح الجميع للجمع ) ما إذا كان الإرضاع قبل طلاق الكبيرتين أو إحديهما ، إذ لا يتصور الجمع بعد طلاقهما.

قوله : ( والمؤبّد على ما فصّل ).

المراد به : تحريم الكبيرتين مطلقا والصغيرة مع الدخول بإحداهما ، كما علم في السابق غير مرة.

وقوله أول البحث : ( ولو أرضعت الصغيرة زوجتاه على التعاقب ) لا يخفى أنه لا يتصور إرضاعهما إياها ـ عندنا ـ الرضاع المحرم إلاّ على التعاقب ، وعند الشافعي (١) أنه يتصور الإرضاع دفعة : بأن يحلب لبنها ويخلط ويؤجره الصغيرة ، ولعل المصنف حاول بالتقييد بكونه على التعاقب الرد عليه.

قوله : ( ولو أرضعت أمته الموطوءة زوجته حرمتا وعليه المهر أو نصفه ، ولا رجوع إلاّ أن تكون مكاتبة ، ولو كانت موطوءة بالعقد تبعت به على اشكال ).

أي : لو كانت له أمة فأرضعت زوجته الصغيرة الرضاع المحرم بلبن غيره ، فإن الأمة إن كانت موطوءة حرمت كل منهما عليه ، أما الأمة فلأنها أم الزوجة ، وأما الصغيرة فلأنها بنت مدخول بها.

ثم نقول : يجب للصغيرة جميع المهر المسمّى أو نصفه على اختلاف الوجهين ،

__________________

(١) المجموع ١٨ : ٢٣٣.

٢٣٩

ويحتمل قويا عدم التحريم بالمصاهرة ، فلأب المرتضع النكاح في أولاد صاحب اللبن ، وأن يتزوج بأم المرضعة نسبا ، وبأخت زوجته من الرضاع ، وأن ينكح الأخ من الرضاع أم أخيه نسبا ، وبالعكس.

والحرمة التي انتشرت من المرتضع إلى المرضعة وفحلها ، بمعنى أنه صار كابن النسب لهما ، والتي انتشرت منهما إليه موقوفة عليه وعلى نسله ،

______________________________________________________

وقد سبق بيانهما ، وأنّ المتجه وجوب الجميع ، ولا رجوع له على الأمة بحال ، لأن السيد لا يثبت له على مملوكته مال إلاّ أن تكون مكاتبة مطلقة أو مشروطة ، لانقطاع سلطنة المولى عن المكاتب وصيرورته بحيث ثبت له عليه مال.

ولو لم تكن الأمة موطوءة أصلا فالنكاح بحاله ، وتحريم الأمة مؤبدا ، لأنها أم الزوجة ، ولو كان اللبن للمولى حرمتا مؤبدا قطعا ، لأن الصغيرة صارت بنته والأمة أم الزوجة.

ولو كانت الأمة موطوءة بالعقد تبعت بالمهر الذي غرمه للصغيرة ، الجميع أو النصف ، على الاشكال السابق : في أنّ المرضعة يرجع عليها بما اغترمه مهرا أو عدمه ، نظرا إلى أن البضع كالأموال فيضمن قيمته ، أو لا فلا ضمان.

فان قلنا بالضمان رجع وتبعت به الأمة المرضعة إذا أعتقت ، كما في سائر الإتلافات المالية ، واعتبار القصد إلى الإفساد وعدمه هنا كباقي النظائر ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ويحتمل قويا عدم التحريم بالمصاهرة ، فلأب المرتضع النكاح في أولاد صاحب اللبن ، وأن يتزوج بأم المرضعة نسبا وبأخت زوجته من الرضاع ، وأن ينكح الأخ من الرضاع أم أخته نسبا وبالعكس ، والحرمة التي انتشرت من المرتضع إلى المرضعة وفحلها ـ بمعنى : أنه صار كابن النسب لهما ـ والتي انتشرت منهما إليه موقوفة عليه وعلى نسله ، دون من هو في طبقته‌

٢٤٠