جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١

______________________________________________________

ولا بد من ارادة العقد في الحديث قطعا ، إذ العقد ممنوع منه ، والمشترك لا يستعمل في معنييه حقيقة ، وفي بعض الأخبار التصريح بالتزويج.

ولو وطأ العمة بالملك فهل يحرم عليه العقد على بنت الأخ؟ فيه اشكال ، لا يخلو من ضعف ، يعلم مما سبق في العقد على أخت الموطوءة بالملك.

وهل يحرم عليه وطء العمة بعد ذلك؟ الظاهر لا ، لأن العقد على بنت الأخ حيث يمنع منه إنما هو لتكريم العمة ، لتوقفه على اذنها ، فلو كان العقد على بنت الأخ موجبا لتحريم وطء العمة لكان ذلك موجبا لزيادة إهانتها.

ولو عقد على العمة ، ثم أراد وطء بنت الأخ بالملك فهل يتوقف فيه على الرضى؟ فيه اشكال يعلم وجهه مما سبق في أول هذه المسائل.

ويمكن ادعاء التوقف هنا بطريق أولى ، لأنه لما كان المقتضي لتحريم بنت الأخ تكريم العمة ، فإذا كانت بنت الأخ مملوكة كان امتهان العمة بذلك أشد ، فكيف كان فتوقف الحل على الاذن في الثالثة أقوى.

واعلم أن قوله عليه‌السلام : « حرتين أو أمتين » المراد بهما العمة وبنت الأخ أو الخالة وبنت الأخت ، كما أن قوله من النسب مرتبط بهما. ويحتمل ارتباط بنت الأخ أو الأخت ، لأنهما المحدث عنه ، أو بالعمة والخالة لقربهما.

وقوله : « لا ملك يمين » معطوف على جملة لو تزوج بتقدير محذوف صورته : لا أن الملك ملك يمين ، ولا بد من ارتكاب التوسع ، لأن المراد الوطء بملك اليمين.

وقول المصنف : ( فإن أجازت العمة أو الخالة ... ) متفرع على القول بوقوع العقد الطارئ موقوفا. ووجه قوله : ( ولا مهر قبل الدخول ) ظاهر ، لأنه لا نكاح ثم على تقدير الفسخ.

ولا يخفى أن القول ببطلان العقد الطارئ لا يخلو من قوة ، فإن النصوص دالة عليه ، إلاّ أن المشهور خلافه.

٣٦١

وهل للعمة أو الخالة فسخ عقدهما والاعتزال؟ قيل : نعم ، وفيه نظر ، فتقع العدة حينئذ بائنة.

ح : لو عقد على الأمة من دون إذن الحرة بطل ، أو كان موقوفا على رأي ، وتتخيّر الحرة في فسخه وإمضائه. وهل لها فسخ عقدها السابق؟ قيل : نعم.

______________________________________________________

قوله : ( وهل للعمة أو الخالة فسخ عقدهما والاعتزال؟ قيل : نعم ، وفيه نظر فتقع حينئذ العدة بائنة ).

قد عرفت الخلاف في أن العمة والخالة هل لهما فسخ عقد نفسهما في الصورة المذكورة أم لا ، وان أكثر الأصحاب وهم : الشيخان (١) ، وسلار (٢) ، وابن إدريس (٣) قائلون بذلك ، وقد عرفت ضعف دليل هذا القول.

ولذلك قال المصنف : ( وفيه نظر ) ، والأصح خلافه ، لانتفاء الدليل عليه. فعلى القول به تقع العدة حينئذ ـ أي حين فسخها ـ بائنة ، فإن عدة الفسخ لا تكون إلاّ كذلك.

قوله : ( الثامنة : لو عقد على الأمة من دون إذن الحرة بطل ، أو كان موقوفا على رأي ، وتتخير الحرة في فسخه وإمضائه ، وهل لها فسخ عقدها السابق؟ قيل : نعم ).

لو عقد من تحته حرة النكاح على الأمة ، بناء على أنه يجوز نكاح الأمة بالعقد.

وقد يقال : لا يلزم هذا البناء ، لأن الحرة ربما كانت بعيدة عنه بحيث لا يمكنه الوصول إليها ، ولا بد له من نكاح الأمة ، فهل يقع العقد على الأمة باطلا في نفسه ، أم‌

__________________

(١) المقنعة : ٧٧ ، النهاية : ٤٥٩.

(٢) المراسم : ١٥٠.

(٣) السرائر : ٢٩٢.

٣٦٢

______________________________________________________

يقع موقوفا على رضى الحرة ، فإن أجازته صح وإن ردته بطل؟ قولان للأصحاب :

ثم هل للحرة فسخ عقد نفسها السابق على العقد على الأمة فيه قولان ايضا فهنا بحثان :

الأول : قال الشيخان (١) ، وابن البراج (٢) ، وابن حمزة : إن عقد الأمة بوقوعه يقع موقوفا (٣) ، واختاره المصنف في المختلف في أول كلامه (٤) ، وقال ابن أبي عقيل وابن الجنيد (٥) وابن إدريس : انه يقع باطلا (٦).

ويلوح من أخر كلامه في المختلف الميل إليه ، لأنه قال فيه : وإن كان ما قالوه ليس بعيدا من الصواب (٧).

احتج الأولون بعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٨) ، فإنه عقد صدر بدون رضى من يعتبر رضاه ، فوجب أن يقف على رضاه كالفضولي.

وبما رواه سماعة عن الصادق عليه‌السلام : في رجل تزوج أمة فقال : « إن شاءت الحرة أن تقيم مع الأمة أقامت ، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها » (٩) الحديث.

واحتج الآخرون بما رواه الحلبي في الحسن عن الصادق عليه‌السلام قال : « تزوج الحرة على الأمة ولا تزوج الأمة على الحرة ، ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه‌

__________________

(١) المقنعة : ٧٧ ، النهاية : ٤٥٩.

(٢) المهذب ٢ : ١٨٨.

(٣) الوسيلة : ٣٤٥.

(٤) المختلف : ٥٢٩.

(٥) نقله عنهما العلاّمة في المختلف : ٥٢٩.

(٦) السرائر : ٢٩٢.

(٧) المختلف : ٥٢٩.

(٨) المائدة : ١.

(٩) الكافي ٥ : ٣٥٩ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٤٥ حديث ١٤١٢.

٣٦٣

______________________________________________________

باطل » (١).

وعن حذيفة بن منصور قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج أمة على حرة لم يستأذنها قال : « يفرق بينهما » ، قلت : عليه أدب قال : « نعم اثنى عشر سوطا ونصف ثمن حد الزاني وهو صاغر » (٢).

وجه الاستدلال بهذه أن السؤال يحتمل رضى الحرة بعد العقد وعدمه ، وترك الاستفصال دليل العموم ، والتعزير إنما هو مع الدخول مع علمه بالتحريم.

أجاب المصنف في المختلف بأن المراد من كونه باطلا أنه آئل إلى البطلان على تقدير اعتراض الحرة (٣) ، وهو ضعيف ، لأن ذلك خلاف الظاهر ، ورواية سماعة (٤) لضعفها لا تصلح للمعارضة.

الثاني : قال الشيخان (٥) ، وابن البراج (٦) ، وابن حمزة (٧) ، وسلار : للحرة فسخ عقد نفسها (٨). وبه قال ابن إدريس (٩) ثم رجع عنه. قال المصنف في المختلف : ويحتمل المنع على قول ابن أبي عقيل (١٠) ، وكأنه إنما قال ذلك لعدم تصريح ابن أبي عقيل بالمنع‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٥٩ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٤ حديث ١٤٠٨.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٤٤ حديث ١٤١١ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٩ حديث ٧٥٥.

(٣) المختلف : ٥٢٩.

(٤) الكافي ٥ : ٣٥٩ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٤٥ حديث ١٤١٢.

(٥) المقنعة : ٧٧ ، النهاية : ٤٥٩.

(٦) المهذب ٢ : ١٨٨.

(٧) الوسيلة : ٣٤٥.

(٨) المراسم : ١٥٠.

(٩) السرائر : ٢٩٢.

(١٠) المختلف : ٥٢٩.

٣٦٤

ولو تزوج الحرة على الأمة مضى العقد ، وتتخيّر مع عدم العلم في إمضاء عقدها وفسخه ، لا عقد الأمة.

ولو جمع بينهما صح عقد الحرة ، وكان عقد الأمة موقوفا أو باطلا.

ولو عقد على من يباح نكاحها ويحرم ، دفعة ، صح عقد الاولى دون الثانية.

______________________________________________________

هنا ، بخلاف العمة والخالة ، والتقريب من الجانبين كما تقدم هناك ، والأصح المنع.

قوله : ( ولو تزوج الحرة على الأمة مضى العقد ، ويتخير مع عدم العلم في إمضاء عقدها وفسخه لا عقد الأمة. ولو جمع بينهما صح عقد الحرة وكان عقد الأمة موقوفا أو باطلا ، ولو عقد على من يباح نكاحها ويحرم دفعة صح عقد الاولى دون الثانية ).

إذا تزوج الحرة على الأمة فالعقد ماض وليس للأمة اعتراض ، بخلاف الحرة ، للأصل ، ولأن المنع من العقد على الأمة لمن عنده حرة مكرمة للحرة ، وذلك منتف في الأمة.

إذا عرفت ذلك فاما أن تكون الحرة عالمة بأن للزوج زوجة أخرى هي الأمة ، أو لا. فإن كانت عالمة لم يكن لها اختيار في فسخ عقد نفسها ، ولا في فسخ عقد الأمة ، لأن دخولها على الأمة مع علمها يتضمن رضاها. وان لم تكن عالمة ، ولم ترض بعد العلم كان لها فسخ عقد نفسها لا فسخ عقد الأمة ، لأن عقد الأمة قد سبق لزومه فلا سبيل إلى إبطاله.

ولصحيحة يحيى الأزرق عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن رجل كانت له امرأة وليدة ، فتزوج حرة ولم يعلمها أن له امرأة وليدة ، فقال : « إن شاءت الحرة أقامت ، وإن شاءت لم تقم » (١) الحديث.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٤٥ حديث ١٤١٣.

٣٦٥

______________________________________________________

وإذا جمع بين الأمة والحرة في عقد واحد ، كأن يزوج رجل ابنته وأمته من رجل بعقد واحد ، أو يزوج أمته وبنت غيره بالوكالة ، ونحو ذلك ، فإن كانت الحرة عالمة راضية فالعقد ماض ، وإن لم تكن راضية ولم ترض بطل نكاح الأمة. وكذا لو لم تعلم ثم علمت ، ولا يفسد العقد على الحرة عندنا ، لانتفاء المقتضي.

وفي صحيحة أبي عبيدة الحذّاء عن الباقر عليه‌السلام : في رجل تزوج حرة وأمتين مملوكتين في عقد واحد ، قال : « أما الحرة فنكاحها جائز ، وإن كان قد سمّى لها مهرا فهو لها. وأما المملوكتان فإن نكاحهما في عقد مع الحرة باطل ، يفرق بينه وبينهما » (١).

وذهب المصنف في المختلف إلى أن للحرة فسخ عقد نفسها ، لأنه عقد واحد وقع متزلزلا ولا أولوية (٢). وفيه منع ، لأنها إذا لم ترض بعقد الأمة فسد فتحققت الأولوية ، وللرواية. والشافعي أجرى فيه القولين في تفرق الصفقة في البيع (٣).

فإن قيل : يجب مراعاة لما سبق أن يكون عقد الحرة باطلا إذا لم تعلم بالأمة ، كما إذا أدخل العمة على بنت أخيها وهي جاهلة.

قلنا : الفرق ثبوت الخلاف وانتفاؤه هنا ، ووجود الدليل الدال على البطلان هناك وانتفاؤه هنا فلا يتعرض به.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٦٦ حديث ١٢٦٤ ، التهذيب ٧ : ٣٤٥ حديث ١٤١٤.

(٢) المختلف : ٥٢٩.

(٣) الفتح العزيز ( المطبوع بهامش المجموع ) ٨ : ٢٣٢.

٣٦٦

ط : قيل يحرم على الحر العقد على الأمة إلاّ بشرطين : عدم الطول وهو المهر والنفقة ، وخوف العنت وهو مشقة الترك. وقيل : يكره.

فعلى الأول تحرم الثانية ، ولا خلاف في تحريم الثالثة.

______________________________________________________

ومثله ما لو جمع بين من يباح نكاحها ويحرم دفعة ، كالعمة وبنت أخيها مع عدم رضى العمة ، وكعمة نفسه وبنتها توفيرا على كل منهما حكمة ، ولا يضر اتحاد العقد ، لأن تفريق الصفقة غير قادح عندنا.

واعلم أن قول المصنف : ( لو جمع بينهما ) يتناول ما إذا جمع بينهما في عقد وبين ما إذا عقد على كل منهما عقدا مستقلا واقتران العقدان ، وكذا لو عقد على من يباح نكاحها ويحرم دفعة.

قوله : ( التاسعة : قيل : يحرم على الحر العقد على الأمة إلاّ بشرطين : عدم الطول وهو المهر والنفقة ، وخوف العنت وهو مشقة الترك. وقيل : يكره ، فعلى الأول تحرم الثانية ولا خلاف في تحريم الثالثة ).

لا خلاف بين علماء الإسلام في جواز نكاح الأمة بالعقد لمن فقد طول الحرة وخشي العنت ، واختلفوا في الجواز إذا انتفى أحد الأمرين. والمشهور بين متقدمي الأصحاب التحريم ، ذهب إلى ذلك الشيخ في الخلاف والمبسوط (١) ، وهو قول المفيد (٢) ، وابن ابي عقيل وابن الجنيد (٣) ، وابن البراج (٤).

وذهب الشيخ في النهاية إلى الجواز على كراهية (٥) ، وتبعه ابن حمزة (٦) ، وابن‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٢١٨ مسألة ٨٦ كتاب النكاح ، المبسوط ٤ : ٢١٤.

(٢) المقنعة : ٧٧.

(٣) نقله عنهما العلاّمة في المختلف : ٥٦٥.

(٤) المهذب ٢ : ٢١٥.

(٥) النهاية : ٤٧٦.

(٦) الوسيلة : ٣٥٧.

٣٦٧

______________________________________________________

إدريس (١) ، واختاره المصنف في المختلف (٢).

احتج الأولون بقوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ).( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) (٣).

وجه الاستدلال انه سبحانه شرط في نكاح الأمة عدم الطول ، لأن من للشرط وشرط خوف العنت بقوله جل وعلا( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) ، وبما رواه محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المملوكة قال : « إذا اضطر إليها فلا بأس » (٤) دل على ثبوت البأس مع انتفاء الضرورة.

والمراد بالاضطرار ما ذكر في الآية ، وبأن البضع مبني على الاحتياط التام ، فيقتصر في الحل على مورد النص.

واحتج الآخرون بأن الأصل الإباحة ، وبعمومات الكتاب مثل قوله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (٥) وهو شامل للمتنازع.

وقوله تعالى ( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ) (٦) ، وقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٧) وقوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٨) ،

__________________

(١) السرائر : ٢٩٢.

(٢) المختلف : ٥٦٥.

(٣) النساء : ٢٥.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٣٤ حديث ١٣٧١.

(٥) المؤمنون : ٥ ـ ٦.

(٦) البقرة : ٢٢١.

(٧) النساء : ٢٤.

(٨) النساء : ٣.

٣٦٨

______________________________________________________

وقوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) (١).

وما رواه ابن بكير عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا ينبغي أن يزوج الحر المملوكة اليوم ، إنما ذلك حيث قال الله عز وجل( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً ) ، والطول المهر ، ومهر الحرة اليوم مثل مهر الأمة أو أقل » (٢) وجه الاحتجاج بذلك أن قوله : « لا ينبغي » ظاهر في الكراهية.

وأجاب المصنف في المختلف عن حجة الأولين بأن الآية إنما تدل من حيث المفهوم ، وهو ضعيف ، فإذا عارضه المنطوق خرج عن الدلالة ، على أن المعلق الأمر بالنكاح اما إيجابا أو استحبابا ، وإذا انتفى الأمر المعلق عليه انتفى الوصف الزائد على الجواز.

وأيضا انه خرج مخرج الأغلب ، فلا يدل على نفي الحكم عما عداه ، وكذا الجواب عن الخبر (٣).

وفيه نظر ، لأن مفهوم الشرط معتبر عند المحققين ، ودلالة قوله تعالى ( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) (٤) لا ينحط عن المنطوق ، ثم انه ليس ثم منطوق يعارض ذلك ، فإن قوله سبحانه ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ) (٥) إنما يتناول الزوجة شرعا ، وليس النزاع إلاّ في كون الأمة زوجة.

وقوله تعالى ( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ) (٦) نقول بموجبه ، ولا دلالة‌

__________________

(١) النور : ٣٢.

(٢) الكافي ٥ : ٣٦٠ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٣٤ حديث ١٣٧٢.

(٣) المختلف : ٥٦٥.

(٤) النساء : ٢٥.

(٥) المؤمنون : ٥.

(٦) البقرة : ٢٢١.

٣٦٩

______________________________________________________

على جواز النكاح مطلقا.

وقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (١) الظاهر أن المراد به من الحرائر بدليل قوله تعالى ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (٢) وأجر الأمة لسيدها فلا تعطاه.

والمراد بما طاب من النساء : ما حل منهن ، والكلام في محل النزاع إنما هو في الحل ، وإنكاح الإماء في الجملة لا يدل على الإنكاح في محل النزاع. ثم قوله : المعلق الأمر بالنكاح غير ظاهر ، لأن ذلك إنما يكون إذا قدر فلينكح مما ملكت ايمانكم ، والآية المشرفة مسوقة لبيان الحل والحرمة ، فلا يقدر إلاّ ما يناسب ذلك مثل قوله : فنكاحه مما ملكت ايمانكم ، ونحو ذلك.

وقوله انه خرج مخرج الأغلب خلاف الظاهر ، ورواية ابن بكير (٣) ضعيف ، والقول بالتحريم أقوى.

ويحكى عن بعض الأصحاب قول ثالث وهو تحريم الأمة لمن عنده حرة (٤). وقد يستدل بقوله في رواية الحلبي : « ولا تزوج أمة على حرة ، ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه باطل » (٥) ، ولا دلالة فيه على حل ما سوى ذلك ، وفائدة الخلاف ـ أعني القولين الأولين ـ يظهر في حل الثانية وتحريمها.

فعلى القول بالتحريم إلاّ بشرطين يحل معها الواحدة وتحرم الثانية ، لانتفاء خوف العنت. وعلى القول بالكراهة من دونها تحل الثانية على كراهية ، أما الثالثة‌

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) النساء : ٢٤.

(٣) الكافي ٥ : ٣٦٠ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٣٤ حديث ١٣٧٢.

(٤) نسب العلاّمة في المختلف : ٥٦٥ هذا القول لأبي حنيفة والى بعض أصحابنا.

(٥) الكافي ٥ : ٣٥٩ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٤ حديث ١٤٠٨.

٣٧٠

______________________________________________________

فتحرم اتفاقا.

ولقائل أن يقول : تحريم الثانية على القول الأول إنما يظهر إذا كان الزوج قريبا منها ، فأما إذا كان بعيدا بحيث لا يمكنه الوصول إليها فلا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الطول في اللغة : الزيادة والفضل ، والمراد به هنا الزيادة في المال وسعته بحيث يتمكن معها من نكاح الحرة ، فيقوم بما لا بد منه من مهرها ونفقتها ، ويكفي لنحو النفقة وجود المال بالقوة القريبة ، كما في غلة الملك وكسب ذي الحرفة.

والعنت : الإثم الذي يؤدي إليه غلبة الشهوة.

قال في الكشاف : وأصل العنت انكسار العظم بعد الجبر ، فاستعير لكل مشقة وضرر ، ولا ضرر أعظم من مواقعة المآثم (١). وقد فسر جمع العنت بأنه الزنا (٢) ، وزعم الشارح الفاضل والمصنف بأنه مدلوله شرعا (٣).

وكذا فسر الطول شرعا بأنه مهر الزوجة ونفقتها ووجودها ، وليس بجيد ، لأن إرادة هذا المعنى في الآية لا يقتضي النقل ، فإن ذلك بعض استعمالات اللفظ ، ويتحقق العنت بقوة الشهوة وضعف التقوى.

وينبغي أن يكون خوف الضرر الشديد مع قوة التقوى أيضا كذلك ، ويقبل قوله في ذلك إلاّ أن يعلم كذبه ، ولا يبطل النكاح بتجدد زوال الشرطين ، ولم يذكر في الشرط عدم التمكن من ملك اليمين ، وكأنه لم ينظر اليه شرعا في النكاح بالعقد ، وسيأتي في كلام المصنف في نكاح الإماء تحقيق ذلك.

__________________

(١) الكشاف ١ : ٥٢١.

(٢) منهم الشيخ في المبسوط ٤ : ٢١٤ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ٢١٥.

(٣) إيضاح الفوائد ٣ : ٩٣.

٣٧١

الفصل الثاني : في استيفاء عدد الطلاق والموطوءات : أما الأول : فمن طلق حرة ثلاث طلقات تتخللها رجعتان حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره وإن كان المطلق عبدا ، وتحرم الأمة بطلقتين بينهما رجعة حتى تنكح زوجا غيره وإن كان المطلق حرا.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثاني : في استيفاء عدد الطلاق والموطوءات :

أما الأول فمن طلّق حرة ثلاث طلقات يتخللها رجعتان حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره وإن كان المطلق عبدا ، وتحرم الأمة بطلقتين بينهما رجعة حتى تنكح زوجا غيره وإن كان المطلق حرا ).

أجمع علماء الإسلام على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة ثلاث طلقات بينهما رجعتان حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ، سواء كان في نكاح واحد أو أكثر ، في مجلس واحد أو أكثر ، قبل الدخول أو بعده ، ولا بد أن يدخل بها الزوج الثاني ويفارقها بطلاق أو غيره وتنقضي عدتها.

قال الله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (١) والمراد المطلقة الثالثة.

وروى أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام : عن المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره : « هي التي تطلق ثم تراجع ثم تطلق ثم تراجع ثم تطلق الثالثة ، فهي التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره ويذوق عسيلتها » (٢) ، هذا حكم الحر بالنسبة إلى الزوجة الحرة.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٠.

(٢) الكافي ٦ : ٧٦ حديث ٣ ، التهذيب ٨ : ٣٣ حديث ٩٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٧٤ حديث ٩٧٣.

٣٧٢

وأما الثاني : فالحر إذا تزوج دائما أربع حرائر حرم عليه ما زاد غبطة حتى تموت واحدة منهن ، أو يطلقها بائنا ، أو يفسخ عقدها بسبب ، فإن طلق رجعيا لم تحل له الخامسة حتى تخرج العدة ، ولو كان الطلاق بائنا حلّت في الحال على كراهية.

______________________________________________________

أما حكمه بالنسبة إلى الأمة فقد أطلق الأصحاب على أن الاعتبار في الطلاق بحال الزوجة ، فإن كانت حرة لم تحرم إلاّ بطلقات ثلاث وإن كان الزوج عبدا ، وإن كانت أمة حرمت بطلقتين بينهما رجعتان إلى أن تنكح زوجا غيره.

وإن كان الزوج حرا ، والعامة جعلت الاعتبار بالزوج فإن كان حرا اعتبروا الطلاق ثلاثا وإن كانت الزوجة أمة ، وإن كان عبدا ثبت التحريم بعد طلقتين وإن كانت زوجته حرة.

وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « طلاق المرأة إذا كانت تحت مملوك ثلاث تطليقات ، وإن كانت مملوكة تحت حر فتطليقتين » (١).

وروى الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : « طلاق الحرة إذا كانت تحت العبد ثلاث تطليقات ، وطلاق الأمة إذا كانت تحت الحر تطليقتان » (٢).

قوله : ( وأما الثاني فالحر إذا تزوج دائما أربع حرائر حرم ما زاد عليه غبطة حتى تموت واحدة منهن ، أو يطلقها بائنا ، أو يفسخ عقدها بسبب ، فإن طلق رجعيا لم تحل له الخامسة حتى تخرج العدة ، ولو كان الطلاق بائنا حلت في الحال على كراهية ).

أجمع أهل الإسلام على أنه يجوز للحر أن يتزوج بالعقد الدائم أربع حرائر ،

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٨٣ حديث ٢٨١.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٥١ حديث ١٦٧٧ ، التهذيب ٨ : ٨٣ حديث ٢٨٢.

٣٧٣

______________________________________________________

ولا يجوز له الزيادة عليهن غبطة ، أي دواما. يقال : أغبطت السماء أي دام مطرها ، ذكر نحوه في القاموس (١). والأصل في ذلك قوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) (٢) والواو للتخيير لا للجمع وإلاّ لجاز نكاح ثماني عشرة ، لأن معنى قوله ( مثنى ) اثنتين اثنتين ، وكذا قوله : ( وثلاث ) معناه ثلاثا ثلاثا ، وقوله ( ورباع ) معناه أربعا أربعا.

وروى العامة أن غيلان بن مسلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أمسك أربعا وفارق سائرهن » (٣).

ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة بن أعين أو محمد بن مسلم في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا يجمع ماءه في خمس » (٤).

وفي الحسن عن جميل بن دراج عن الصادق عليه‌السلام : في رجل تزوج خمسا في عقد ، قال : « يخلي سبيل أيتهن شاء ويمسك الأربع » (٥).

ويحكى عن بعض الزيدية جواز العقد على تسع وهم القاسمية ، قال الشيخ رحمه‌الله : هذه حكاية الفقهاء عنهم ولم أجد أحدا من الزيدية يعرف بذلك بل أنكروها أصلا (٦).

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه متى طلق واحدة من الأربع بائنا ، أو فسخ نكاحها بسبب من الأسباب الموجبة للفسخ ، حلت له الخامسة في الحال ، لانقطاع العصمة‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ٣٧٥ « غبط ».

(٢) النساء : ٣.

(٣) سنن البيهقي ٧ : ١٨٢.

(٤) الكافي ٥ : ٤٢٩ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٩٤ حديث ١٢٣٣.

(٥) الكافي ٥ : ٤٣٠ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٦٥ حديث ١٢٦٠ ، التهذيب ٧ : ٢٩٥ حديث ١٢٣٧.

(٦) الخلاف ٢ : ٢١٤ مسألة ٦٢ كتاب النكاح.

٣٧٤

ولو تزوج اثنتين دفعة حينئذ ، قيل : يتخيّر ، وقيل : يبطل.

______________________________________________________

بذلك وصيرورتها كالأجنبية ، ولهذا يجوز لمن طلق زوجته بائنا أن ينكح أختها في العدة ، وهو مروي عن الصادق عليه‌السلام (١).

وما رواه زرارة في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام انه قال : « إذا جمع الرجل أربعا فطلق إحداهن ، فلا يتزوج الخامسة حتى تخرج عدة المرأة التي طلق » وقال : « لا يجمع ماءه في خمس » (٢) محمول على الطلاق الرجعي ، لأن الطلاق البائن لا يبقى معه جمع الماء في خمس وإن بقيت العدة ، لأنها بالخروج من عصمة النكاح كالأجنبية ، وان ذلك على جهة الأفضل.

نعم يكره العقد على الخامسة ما دامت المطلقة بائنا في العدة ، لتحرمها بحرمة النكاح ، وللرواية المذكورة.

ومن هذا يعلم أن ذا الثلاث لو وطأ رابعة بشبهة حل العقد على أخرى في عدتها ، لانتفاء الزوجية.

قوله : ( ولو تزوج اثنتين دفعة حينئذ قيل : يتخير ، وقيل : يبطل ).

أي : لو تزوج ذو الأربع اثنتين دفعة ـ أي في عقد واحد ، بأن كان وليهما أو وكيلهما واحدا فعقد عليهما معا ، أو في عقدين في زمان واحد ، بأن جرى العقد معه ومع وكيله حينئذ ، أي حين إذ طلق واحدة من الأربع بائنا ـ فللأصحاب قولان :

أحدهما : أنه يتخير من شاء منهما فيمسكها ويخلي سبيل الأخرى ، اختاره الشيخ في النهاية (٣) ، وابن البراج (٤) ، وهو قول ابن الجنيد (٥) ، لوجود المقتضي لصحة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣١ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٨٦ حديث ١٢٠٧ ، الاستبصار ٣ : ١٧٠ حديث‌

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٩ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٩٤ حديث ١٢٣٣.

(٣) النهاية : ٤٥٤.

(٤) المهذب ٢ : ١٨٤.

(٥) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٢٦.

٣٧٥

______________________________________________________

العقد فيمن يختارها ، وهو كونها محللة. وانتفاء المانع ، إذ ليس إلاّ انضمام العقد على الأخرى إليه وهو لا يصلح للمانعية ، فإن ضميمة المحرم إلى المباح لا يقتضي تحريم المباح ، كما لو عقد على محرمة ومحللة ، ولأنه لو عقد على أختين دفعة تخير ، فكذا هنا.

أما الأولى فلما رواه جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليه‌السلام : في رجل تزوج أختين في عقد واحد قال : « هو بالخيار أن يمسك أيهما شاء ، ويخلي سبيل الأخرى » (١).

وأما الثانية فللاتفاق على عدم الفرق بينهما ، ولأنه لو عقد على خمس دفعة تخير أربعا ، فكذا هنا.

أما الأولى فلحسنة جميل بن دراج عن الصادق عليه‌السلام : في رجل تزوج خمسا في عقد قال : « يخلي سبيل أيتهن شاء ويمسك الأربع » (٢).

وأما الثانية فللاتفاق على عدم الفرق بينهما.

والثاني : بطلان العقد ، وهو قول ابن إدريس (٣) ، وابن حمزة (٤) ، لأن العقد عليهما معا لا يجوز قطعا ، ولا على واحدة بعينها ، لأن نسبة العقد إليهما على حد سواء ، وكل واحدة منهما ممنوع من نكاحها مع الأخرى فتعين البطلان.

ويمكن الجواب عن حجج الأولين : أما عن الاولى فلأن المانعية إنما نشأت عن ضميمة كل منهما إلى الأخرى ، ولو لا ذلك لم يكن للتحريم مقتضي ، وليس ذلك كالعقد على المحرمة والمحللة ، لأن التحريم ثابت بدون العقد ، فيكون العقد بالنسبة إلى المحرمة فاسدا ، ولا وجه لفساده بالنسبة إلى الأخرى.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣١ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٨٥ حديث ١٢٠٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٣٠ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٦٥ حديث ١٢٦٠ ، التهذيب ٧ : ٢٩٥ حديث ١٢٣٧.

(٣) السرائر : ٢٨٩.

(٤) الوسيلة : ٣٤٤.

٣٧٦

ولو تزوج الحر حرة في عقد واثنتين في عقد وثلاثا في عقد واشتبه السابق ، صح نكاح الواحدة على الثاني.

______________________________________________________

ومنشأ المنع من العقد على الاثنتين فيما نحن فيه هو ضميمة إحداهما إلى الأخرى ، وهو معنى مشترك بينهما ، لا أولوية لإحداهما فيه على الأخرى ، فيكون كل منهما ممنوعا من العقد عليها على هذا الوجه.

وقول المصنف في المختلف : إن العقد على الاثنتين معا مثل العقد على المحرمة والمحللة عينا ، إذ لا فرق إلاّ الإطلاق والتعيين ، ولا أثر له في التحريم ، إذ في التعيين تحرم المعينة فيبطل العقد عليها.

ويحل العقد على الأخرى ، وفي الإطلاق على واحدة مطلقة وتحرم اخرى مطلقة وقد عقد عليهما معا فيدخلان في العقد ، إذ لا وجود للكلي إلاّ في جزئياته محصله (١) ، يقتضي تعلق العقد بغير معينة ثم يعينها هو باختياره ، وفيه نظر لأن المعقود عليها لا بد من تعيينها ، ولا يجوز العقد على إحدى المرأتين.

وأما الروايتان فلا دلالة فيهما على أن الإمساك بالعقد الأول. لأن من جدد العقد صدق أنه ممسك ، وبه أجاب المصنف في التذكرة (٢) ، والأصح البطلان.

قوله : ( ولو تزوج الحر حرة في عقد واثنتين في عقد ، وثلاثا في عقد ، واشتبه السابق ، صح نكاح الواحدة على الثاني ).

هذا فرع على الخلاف في المسألة السابقة ، وتقريره انه لو عقد الحر على حرة عقدا دائما ، وعلى اثنتين عقدا آخرا ، وعلى ثلاث عقدا آخرا ، واشتبه السابق من العقود ، فإن قلنا في المسألة السابقة وهي ما إذا عقد ذو الثلاث على اثنتين دفعة ببطلان العقد عليهما ، وهو الأصح وهو القول الثاني ، صح نكاح الواحدة خاصة وبقي‌

__________________

(١) المختلف : ٥٢٦.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٣٥.

٣٧٧

______________________________________________________

الاشتباه في العقدين الآخرين.

أما الواحدة ، فلأن عقدها إن تقدم أو توسط أو تأخر ، لم يزد به العدد على النصاب ، لأن أحد العقدين الأخرين فاسد ، فهي اما ثالثة أو رابعة.

وأما العقدان الآخران فأيهما تأخر عن الآخر تحقق حصول الزيادة على النصاب ، فكان باطلا ، فيكون الاشتباه في الاثنتين والثلاث ثابتا ، وقد علم حكم الاشتباه مما مضى. هذا حكم الفرع بناء على القول الثاني في المسألة السابقة.

وأما على القول الأول وهو التخيير فلم يتعرض المصنف لبيان الحكم هنا ، وتحقيقه : ان نكاح واحدة من الثلاث صحيح على كل تقدير من التقديرات الممكنة ، لأنه إن تقدم عقد الثلاث صح نكاح الجميع ، وكذا إن وقع بعد عقد الواحدة.

ولو وقع بعد عقد الاثنتين صح نكاح الاثنتين من الثلاث ، ولو وقع بعد عقد الواحدة والاثنتين صح نكاح واحدة من الثلاث ، فنكاح واحدة على كل تقدير صحيح ، والاشتباه في كونها بالتخيير أو لا ، فإذا اختار واحدة منهن بقي الاشتباه في اثنتين باعتبار صحة نكاحهما وفساده ، وصحة نكاح واحدة وفساد نكاح الأخرى فيتخير.

وأما عقد الواحدة فلا اشتباه في صحته جزما إن تقدم ، أو كان بعد عقد الثلاث ، أو بعد عقد الاثنتين ، وفساده جزما إن وقع بعد العقدين وعقد الاثنتين ، لاشتباه في صحته جزما فيهما ، وذلك إن تقدم أو كان بعد عقد الواحدة ، وفساده كذلك فيهما إذا تأخر عن العقدين الأخرين ، وصحته في واحدة وفساده في أخرى ، فيتخير ، وذلك إذا وقع بعد عقد الثلاث وقبل عقد الواحدة.

والحاصل أن له التخيير في تعيين واحدة من الثلاث اللواتي في عقد ، والخمس البواقي منهن ثلاث نكاحهن صحيح لازم ، واثنتان نكاحهما باطل ، وقد وقع الاشتباه فتجري أحكامه السابقة.

٣٧٨

ويحل له بملك اليمين والمتعة ما شاء مع الأربع وبدونهن ،

______________________________________________________

إذا عرفت ذلك فعلى القول الأول حقوق الزوجية ثابتة للمنفردة قطعا ، لصحة نكاحها ولها ربع الربع أو ربع الثمن باعتبار وجود الولد وعدمه ، مع التفاوت بين الربع والثلث وهو نصف سدس يكون موقوفا بين المنفردة ، والثلث لاحق للاثنتين فيه ولإمكان صحة عقدهما بسبقه على عقد الثلث ، فيكون الربع أو الثمن بين الواحدة والاثنتين ، ويبقى ثلث الربع أو الثمن موقوفين بين الاثنتين ، والثلاث لاحق للواحدة فيهما.

فإن تبين الخلاف أو قلنا بالقرعة ، فلا بحث. وإن أفضى الحال إلى الصلح اعتبر فيه رضى من يحتمل استحقاقه ، فلا يعتبر رضى الاثنتين في نصف السدس ولا رضي الواحدة في الثلثين.

وعلى القول بالتخيير ربع نصيب الزوجية لمن يختارها من الثلاث ، وثلاثة أرباعه موقوفة بين الكل إلى أن يتبين الحال بالتذكر أو القرعة أو يجري الصلح.

قوله : ( ويحل له بملك اليمين والمتعة ما شاء مع الأربع وبدونهن ).

أجمع علماء الإسلام على أنه يجوز للرجل أن ينكح بملك اليمين ما شاء من غير حصر في عدد ، والأصل فيه عموم قوله تعالى ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (١). وأطبق القائلون بإباحة نكاح المتعة على أنه يجوز للرجل أن يتمتع بأكثر من أربع حرائر ، ويدل عليه عموم قوله تعالى ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (٢).

وما رواه زرارة بن أعين في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت ما‌

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) النساء : ٢٤.

٣٧٩

ولا تحل له من الإماء بالعقد الدائم أكثر من أمتين من جملة الأربع.

ولا يحل له ثلاث إماء وإن لم تكن معه حرة ولا أمتان مع ثلاث‌

______________________________________________________

يحل من المتعة قال : « كم شئت » (١).

وسأل أبو بصير الصادق عليه‌السلام عن المتعة أهي من الأربع فقال : « لا ، ولا من السبعين » (٢).

وعن زرارة عن الصادق عليه‌السلام قال : ذكر له المتعة أهي من الأربع قال : قال : « تزوج منهن ألفا فإنهن مستأجرات » (٣).

وعن محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام في المتعة قال : « ليست من الأربع لأنها لا تطلق ولا ترث ، وإنما هي مستأجرة » وقال : « عدتها خمس وأربعون ليلة » (٤) لكن يكره الزيادة فيهن على الأربع حملا على الدائم.

ولرواية عمار الساباطي عن الصادق عليه‌السلام في المتعة قال : « هي إحدى الأربع » (٥) ، ونزلت على الاستحباب جمعا بينها وبين ما سبق.

ولصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « اجعلوهن من الأربع » ، فقال له صفوان بن يحيى : على الاحتياط؟ قال : « نعم » (٦).

قوله : ( ولا يحل له من الإماء بالعقد الدائم أكثر من اثنتين من جملة الأربع ، ولا يحل له ثلاث إماء وإن لم يكن معه حرة ، ولا أمتان مع ثلاث‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٥١ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٥٨ حديث ١١١٨ ، الاستبصار ٣ : ١٤٧ حديث ٣٦.

(٢) الكافي ٥ : ٤٥١ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٢٥٨ حديث ١١١٩ ، الاستبصار ٣ : ١٤٧ حديث ٥٣٧.

(٣) الكافي ٥ : ٤٥٢ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٥٨ حديث ١١٢٠ ، الاستبصار ٣ : ١٤٧ حديث ٥٣٨.

(٤) الكافي ٥ : ٤٥١ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٢٥٩ حديث ١١٢١ ، الاستبصار ٣ : ١٤٧ حديث ٥٤٠.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٥٩ حديث ١١٢٢ ، الاستبصار ٣ : ١٤٧ حديث ٥٤٠.

(٦) التهذيب ٧ : ٢٥٩ حديث ١١٢٤ ، الاستبصار ٣ : ١٤٨ حديث ٥٤٢.

٣٨٠