مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

[ مسألة ٣١ ] : إذا تبدل رأي المجتهد لا يجوز للمقلد البقاء على رأيه الأول [١].

[ مسألة ٣٢ ] : إذا عدل المجتهد عن الفتوى الى التوقف والتردد يجب على المقلد الاحتياط أو العدول إلى الأعلم بعد ذلك المجتهد [٢].

[ مسألة ٣٣ ] : إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم كان للمقلد تقليد أيهما شاء [٣]. ويجوز التبعيض في المسائل [٤].

______________________________________________________

الامتثال التفصيلي ، فلو بني على عدم جوازه تعين تقييد الجواز في العبارة بصورة عدم التمكن من الاجتهاد أو التقليد. هذا إذا كان المورد من العبادات ـ كما هو ظاهر العبارة ـ وإلا فلا حاجة إلى التقييد.

[١] هذا ينبغي أن يكون من الواضحات ، لاختصاص أدلة جواز رجوع الجاهل إلى العالم بصورة عدم اعترافه بخطإ الواقع.

[٢] هذا نظير ما سبق ، لاعتراف المفتي بالخطإ في الاستناد وان لم يعترف بخطإ الواقع لجهله بذلك.

[٣] إجماعا من القائلين بجواز التقليد ، من دون فرق بين صورة الاتفاق في الفتوى والاختلاف ، وموافقة فتوى أحدهما للاحتياط المطلق دون الآخر وغيرها. نعم مع الاتفاق في الفتوى قد عرفت أنه يجوز تقليدهما معاً كما يجوز تقليد أحدهما بعينه (١).

[٤] قد عرفت أنه مع اختلاف المجتهدين في الفتوى تسقط إطلاقات أدلة الحجية عن المرجعية ، وينحصر المرجع بالإجماع ، فمشروعية التبعيض تتوقف على عموم الإجماع على التخيير بينهما لصورة التبعيض. لكن لم‌

__________________

(١) راجع المسألة : ٨.

٦١

وإذا كان أحدهما أرجح من الآخر في العدالة أو الورع أو نحو ذلك ، فالأولى بل الأحوط اختياره [١].

[ مسألة ٣٤ ] : إذا قلد من يقول بحرمة العدول حتى إلى الأعلم ، ثمَّ وجد أعلم من ذلك المجتهد ، فالأحوط العدول الى ذلك الأعلم [٢] وان قال الأول بعدم جوازه.

______________________________________________________

يتضح عموم الإجماع ولم أقف عاجلا على من ادعاه ، بل يظهر من بعض أدلة المانعين عن العدول في غير المسألة التي قد قلد فيها المنع عن التبعيض فراجع كلماتهم. ومثلها دعوى السيرة عليه في عصر المعصومين (ع). فالتبعيض إذاً لا يخلو من إشكال. نعم بناء على كون التقليد هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين لا مانع من التبعيض لإطلاق أدلة الحجية. إذ قد أشرنا في أوائل الشرح (١) الى أن اختلاف المجتهدين في الفتوى لا يوجب سقوط أدلة الحجية على هذا المبنى. فلاحظ.

[١] لما عرفت آنفا (٢) من نسبة القول بوجوب تقديم الأورع إلى جماعة ، وأنه الذي تقتضيه أصالة التعيين عند الدوران بينه وبين التخيير في الحجية من دون ظهور دليل على خلافها. وبناء العقلاء على التخيير وعدم الترجيح بالأورعية غير ثابت ، بل الظاهر عدم ثبوت بنائهم مع اختلاف الفتوى ، كسائر إطلاقات أدلة الحجية ، فإنها جميعاً لا تشمل صورة التعارض.

[٢] أقول : المسألة لها صورتان :

الاولى : أن يقلد أحد المجتهدين المتساوين في الفضل في المسائل الفرعية غير مسألة جواز العدول إلى الأعلم ، ثمَّ بعد مدة يصير غيره أعلم منه ، فاذا‌

__________________

(١) راجع المسألة : ٨.

(٢) راجع المسألة : ١٣.

٦٢

______________________________________________________

التفت المقلد الى ذلك شك في جواز البقاء وحرمته ، وحينئذ يمتنع أن يرجع في جواز البقاء الى المجتهد الذي قد قلده ، للشك في حجية فتواه ، فلا بد أن يرجع الى غيره. نظير ما لو مات المجتهد ، فان الشك في حجية فتواه بعد الموت لا يرتفع بفتواه بجواز البقاء على تقليد الميت ، فيتعين على المقلد بمقتضى حكم عقله الرجوع الى الحي. وكذا في مسألتنا يتعين عليه الرجوع الى الأعلم ، ولا يلتفت الى فتوى من قلده مهما كانت ولو كانت حرمة العدول ، لامتناع رجوعه إليه في ذلك بعد كون مناط الشك في الحجية موجوداً في مسألة جواز البقاء كسائر المسائل الفرعية. هذا حال المقلد في نفسه بملاحظة شكه. وأما حكمه بعد الرجوع إلى الأعلم في مسألة جواز البقاء وعدمه فهو وجوب العدول ، لأن بناء العقلاء على وجوب الرجوع الى الأعلم لا فرق فيه بين الابتداء والاستدامة ، وكما يجب الرجوع إليه في الابتداء يجب العدول إليه في الاستدامة.

الصورة الثانية : أن يقلده في هذه المسألة بالخصوص ثمَّ يصير غيره أعلم فإن الرجوع إليه في هذه المسألة ممتنع ، لأنه من إثبات حجية الفتوى بالفتوى نفسها ، ولأجل ذلك كان عدم جواز رجوع المقلد اليه فيها أوضح من الصورة السابقة لاختلاف الموضوع فيها ، لأن الرجوع إليه في المسألة الأصولية بلحاظ البقاء في المسألة الفرعية ، وفي هذه الصورة يكون الرجوع إليه في المسألة الأصولية بلحاظ البقاء فيها نفسها ، فيتعين عليه الرجوع فيها الى غيره ، ولا يلتفت الى فتوى مرجعه الأول أصلا ، وحكمه بعد الرجوع الى الأعلم أيضاً وجوب العدول في المسائل الفرعية ، وأما المسألة الأصولية ـ أعني : مسألة جواز البقاء وعدمه ـ فلا يمكن فيها البقاء والعدول لكون المفروض الرجوع فيها الى غيره ، فلو كانت فتوى غيره الأعلم وجوب البقاء فالمراد البقاء في المسائل الفرعية لا المسألة الأصولية ، كما هو‌

٦٣

[ مسألة ٣٥ ] إذا قلد شخصاً بتخيل أنه زيد فبان عمراً [١] ، فان كانا متساويين في الفضيلة ولم يكن على وجه التقييد صح ، والا فمشكل [٢].

______________________________________________________

واضح بالتأمل.

هذا وكأن تعبير المصنف [ ره ] بقوله : « فالأحوط العدول » ، مبني على عدم جزمه بوجوب تقليد الأعلم وأنه أحوط كما تقدم. لكن قد يشكل : بأن كونه أحوط يختص بالتقليد الابتدائي ، وأما في مسألة العدول فليس العدول أحوط ، لوجود القول بحرمة العدول ، فالأحوط فيها الرجوع الى أحوط القولين اللهم إلا أن يختص كلامه بصورة كون قول المعدول إليه أحوط ، فيرجع الى الأخذ بأحوط القولين. أو يختص بالصورة الأولى مع البناء على أن الرجوع في مسألة جواز العدول والبقاء من قبيل التقليد الابتدائي ، لان تقليده الأول كان في غيرها من المسائل الفرعية. لكنهما معا خلاف ظاهر العبارة.

[١] يشكل فرضه بناء على أن التقليد هو العمل وقد كان المجتهدان متفقين في الفتوى. نعم مع الاختلاف فيها ، أو القول بأنه الالتزام ، يكون الفرض ظاهراً.

[٢] بل الظاهر جريان حكم العمل بلا تقليد ، لأن فوات القيد يستلزم فوات المقيد. [ ودعوى ] : أن الشخص الذي قلده جزئي حقيقي ، والجزئي لا يقبل الإطلاق كي يقبل التقييد ، فلا بد أن يرجع القيد إلى الداعي ، وحينئذ لا يقدح تخلفه لأن الداعي إنما يؤثر بوجوده العلمي لا بوجوده الخارجي ، والوجود العلمي غير منتف ، بل المنتفي إنما هو الوجود الخارجي. [ مندفعة ] : بأن ذلك يتم بالإضافة إلى العوارض الطارئة على نفس الوجود الخارجي ، أما ما كان طارئاً حقيقة على الصورة الذهنية ـ مثل الإرادة والكراهة والايتمام والتقليد‌

٦٤

[ مسألة ٣٦ ] : فتوى المجتهد تعلم بأحد أمور [ الأول ] أن يسمع منه شفاها [١]. [ الثاني ] : أن يخبر بها عدلان [٢] [ الثالث ] : إخبار عدل واحد [٣]. بل يكفي إخبار شخص موثق [٤] يوجب قوله الاطمئنان وان لم يكن عادلا [ الرابع ] الوجدان في رسالته ، ولا بد أن تكون مأمونة من الغلط [٥].

______________________________________________________

والبيع والطلاق ونحوها ـ فلا مانع من تقييد تلك الصورة في مقام الموضوعية لهذه الطوارئ ، فالموضوع الخارجي إذا كان فاقداً لقيد الصورة لا يصح أن يكون موضوعا للطارئ ولو بالعناية والمجاز ، فالشخص الذي لم يكن زيداً في فرض المسألة غير مقلد ، لأن التقليد إنما طرأ على المقيد بزيد ، وكذا الحال في غيره. فان كان من يقلده بعد الالتفات هو الذي قلده أولا ـ لكونه أعلم ، أو مساويا وقد اختاره ـ صح العمل ، وان كان قد قلد غيره ـ إما لكونه أعلم أو مساويا فاختاره ـ تعين العمل على طبق فتواه من حيث صحة العمل الأول وفساده.

[١] فيأخذ ولو بظاهر كلامه ، الذي هو حجة بلا إشكال.

[٢] بناء على ثبوت عموم يقتضي حجية البينة بنحو يشمل المقام ، كما ادعاه شيخنا الأعظم [ ره ] في رسالة الجماعة ونسب الى المشهور في كلام غير واحد. ويأتي ـ إن شاء الله ـ في مبحث المياه (١) تقريبه.

[٣] لا يخفى ما في المقابلة بينه وبين البينة.

[٤] بناء على عموم حجية خبر الثقة في الأحكام الكلية لمثل المقام ، من جهة دلالة الخبر عن الفتوى بالالتزام على ثبوت الحكم الكلي ، كما أشرنا الى ذلك في المسألة العشرين.

[٥] بل يكفي أن تكون مورداً لأصالة عدم الخطأ المعول عليها عند‌

__________________

(١) في المسألة : ٦ من الفصل المتعرض لأحكام البئر.

٦٥

[ مسألة ٣٧ ] : إذا قلد من ليس له أهلية الفتوى ثمَّ التفت وجب عليه العدول [١]. وحال الأعمال السابقة حال عمل الجاهل غير المقلد. وكذا إذا قلد غير الأعلم وجب على الأحوط [٢] العدول إلى الأعلم. وإذا قلد الأعلم ثمَّ صار بعد ذلك غيره أعلم وجب العدول الى الثاني ، على الأحوط.

[ مسألة ٣٨ ] : ان كان الأعلم منحصراً في شخصين ولم يمكن التعيين ، فإن أمكن الاحتياط بين القولين فهو الأحوط [٣] ، والا كان مخيراً بينهما.

______________________________________________________

العقلاء والظاهر أنه يكفي في جريانها عدم الظن بالغلط الناشئ من كثرته. هذا إذا كانت الرسالة بخط المجتهد ، أما لو كانت بغير خطه اعتبر أن يكون الكاتب ثقة لأن الكتابة نوع من الخبر عن الفتوى.

[١] بل هو في الحقيقة تقليد ابتدائي لا عدول. وكذا الحال فيما بعده.

[٢] قد عرفت سابقا أنه الأقوى. وكذا ما بعده. مضافا الى ما عرفت في المسألة الرابعة والثلاثين من أن كون العدول في الفرض أحوط غير ظاهر ، لوجود القول بحرمة العدول حتى إلى الأعلم.

[٣] تقدم التعرض لهذا في المسألة الحادية والعشرين ، وذكرنا هناك أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم وجوب الاحتياط على العامي ، من دون فرق بين أن يتردد الأعلم بين اثنين أو عشرة ـ مثلا ـ وبين غيره من الفروض. ولا تبعد دعوى السيرة أيضاً على ذلك ، لندرة تساوي المجتهدين ، وغلبة حصول التفاوت بينهم ولو يسيرا ، وشيوع الجهل بالأفضل وفقد أهل الخبرة في أكثر البلاد. وكون بنائهم على الاحتياط في مثل ذلك بعيد جدا.

٦٦

[ مسألة ٣٩ ] : إذا شك في موت المجتهد ، أو في تبدل رأيه ، أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده ، يجوز له البقاء [١] الى أن يتبين الحال.

[ مسألة ٤٠ ] : إذا علم أنه كان في عباداته بلا تقليد مدة من الزمان ، ولم يعلم مقداره ، فان علم بكيفيتها وموافقتها للواقع ، أو لفتوى المجتهد الذي يكون مكلفاً بالرجوع اليه [٢] فهو ، والا فيقضي المقدار الذي يعلم معه بالبراءة على الأحوط وان كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالقدر المتيقن [٣].

______________________________________________________

[١] للاستصحاب.

[٢] يعني : بالرجوع اليه حين الالتفات إلى ذلك ، لا حين العمل ، كما تقدم في المسألة السادسة عشرة. لكن سيأتي في المسألة الثالثة والخمسين تفصيل في المسألة. فانتظر.

[٣] يعني : المتيقن بطلانه ، إما يقينا وجدانيا ، لليقين بمخالفته للواقع ، أو تنزيلا ، لمخالفته لفتوى من يجب الرجوع اليه بذلك. ووجه عدم وجوب قضاء المشكوك أصالة الصحة ، لاحتمال مصادفته للواقع ، بناء على جريانها في مثل ذلك ، وعدم اختصاصها بصورة عدم الشك على تقدير الالتفات ، كما يشهد به خبر الحسين بن أبي العلاء (١). ولعله مورد لبناء العقلاء. وسيأتي التعرض لذلك في مباحث الوضوء (٢) إن شاء الله. وان كان الظاهر من المصنف [ ره ] في جملة من الفروع الآتية هناك هو التأمل والاشكال في ذلك.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) راجع المسألة : ٥١ من فصل شرائط الوضوء. ويأتي أيضا في المسألة : ١١ من فصل الماء المشكوك من مباحث المياه.

٦٧

[ مسألة ٤١ ] : إذا علم أن أعماله السابقة كانت مع التقليد ، لكن لا يعلم أنها كانت عن تقليد صحيح [١] أم لا ، بنى على الصحة.

______________________________________________________

ويحتمل أن يكون الوجه في عدم وجوب القضاء : أنه بأمر جديد وموضوعه فوت الواجب ، ولا يمكن إحرازه بالأصل. لكن يشكل : بأن مقتضى الجمع بين أدلة القضاء والأداء ، أنه بالأمر الأول ، وأن وجوب الأداء في الوقت بنحو تعدد المطلوب ، فيكفي في وجوب القضاء استصحاب التكليف. مع أن الظاهر من أدلة القضاء أن الفوت المأخوذ موضوعا مجرد ترك الواجب في وقته ، وهو مما يمكن إثباته بالأصل. نعم مع العلم بالكيفية لو جهل انطباق الواجب على المأتي به ، أشكل جريان أصالة عدم الواجب ، لأنه من قبيل الأصل الجاري في المفهوم المردد بين معلوم الوجود ومعلوم الانتفاء ، المحقق في محله عدم جريانه.

هذا لو كان الشك حادثا بعد العمل ، أما إذا كان مقارنا ، بأن كان المكلف ملتفتا حين العمل الى عدم التقليد في عمله ، فلا مجال لأصالة الصحة ، لاختصاص أدلتها بصورة حدوث الشك بعد العمل. كما أنه لو كان الشك في القضاء ناشئاً من الشك في التكليف بالأداء ـ كما لو كان عمره عشرين سنة ، وشك في أن بلوغه كان في سن خمس عشرة أو أربع عشرة ـ فإنه لا ريب في عدم وجوب القضاء ، لأصالة البراءة.

[١] صحة التقليد وفساده إنما يكونان مجرى للأصول الشرعية إذا كانا مورداً لأثر عملي ، ولا يتضح ذلك إلا في فروض عدول العامي عن المجتهد إلى غيره مع اختلافهما في الفتوى ، بأن كان رأي الثاني بطلان العمل المطابق لفتوى الأول. فإن قلنا بعدم لزوم التدارك بالقضاء إذا كان تقليده للأول صحيحاً ، كانت صحة التقليد موضوعا للأثر العملي ، فيجري الأصل لإثباتها‌

٦٨

[ مسألة ٤٢ ] : إذا قلد مجتهداً ، ثمَّ شك في أنه جامع للشرائط أم لا وجب عليه الفحص [١].

[ مسألة ٤٣ ] : من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الإفتاء [٢].

______________________________________________________

كما في سائر موارد الشك في الصحة. غاية الأمر أن الصحة هنا إنما صارت موضوعا للأثر العملي بلحاظ كونها قيد موضوع الأثر ، وهو صحة العمل المستوجبة للاجزاء ، نظير صحة الوضوء المأخوذة قيدا في موضوع صحة الصلاة. وكذا الحال لو شك في كون عمله عن تقليد صحيح مع شكه في أصل التقليد ، فإن أصل الصحة في عمله كاف في الاجتزاء به ، وعدم الاحتياج إلى الإعادة أو القضاء. هذا وسيأتي في المسألة الثالثة والخمسين ما له نفع في المقام فانتظر.

[١] إذ لا فرق بين الابتداء والبقاء ، فكما يجب الفحص في التقليد الابتدائي ـ لعدم حجية مشكوك الحجية ـ كذلك في البقاء على التقليد. نعم لو علم باجتماع الشرائط فيه سابقاً بنى على بقائها ، للاستصحاب ، كما تقدم.

[٢] كما صرح به جماعة من الأعيان ، مرسلين له إرسال المسلمات ، وظاهر المسالك وغيرها : أنه إجماعي.

إما لأنها منصب للنبي (ص) والامام علي (ع) من بعده ، فلا تجوز بغير إذنهما ، ولا إذن مع فقد بعض الشرائط. لكن دليله غير ظاهر ، إذ ما تقدم من أدلة الشرائط إنما يدل على اعتبارها في حجية الفتوى لا في جوازها تكليفاً ، ولا على كونها من المناصب المختصة بالمعصوم. وأما ما دل على حرمة القول على الله سبحانه بغير علم (١) ، فإنما يقتضي حرمة الفتوى‌

__________________

(١) أما من الكتاب العزيز فكثير من الآيات. وأما من السنة فاحاديث كثيرة ارجع الى بعضها في الوسائل باب : ٤ من أبواب صفات القاضي.

٦٩

وكذا من ليس أهلا للقضاء يحرم عليه القضاء بين الناس [١].

______________________________________________________

من غير المجتهد لا من المجتهد الفاقد لبقية الشرائط. بل يشكل اقتضاؤه الحرمة في غير المجتهد إذا كانت فتواه تطابق فتوى مرجعه في العمل ، لأن حجية فتواه كافية في صدق العلم بالحكم ، فالفتوى ـ اعتماداً عليها ـ قول على الله بعلم. نعم لو اعتمد على رأيه الناقص ، كان تشريعاً منه في حجية رأيه ، فيكون به آثما ، لا أنه قول بغير علم.

وإما لأنها إغواء وإضلال ، لأن تكليف المفتي له لزوم العمل بغيرها. ولكنه يشكل [ أولا ] : بأنه لا يتم ذلك مع موافقتها لفتوى الجامع للشرائط. [ وثانياً ] : بأن المفتي إذا كان عالماً بالحكم ولو من جهة قيام الحجة عنده عليه تكون الفتوى موافقة لما دل على وجوب الاعلام ، وعدم الحجية لا ينافي ذلك. نظير ما لو أخبر غير الثقة عند المخبر بثبوت الحكم الواقعي المعلوم لديه ، فإنه اخبار عن الحكم الواقعي ولا يكون إضلالا ولا إغواء أصلا. ولا سيما إذا قال المفتي ـ بعد أن أفتى بوجوب شي‌ء ـ : أن فتواي ليست بحجة ، وليس عليك العمل بها ، وانما عليك العمل بفتوى فلان.

فالمتحصل إذاً : أنه لا دليل على حرمة الفتوى ممن فقد بعض الشرائط إلا إذا صدق عليها أنها فتوى بغير علم. وان كان الذي يظهر منهم ـ قدس‌سرهم ـ التسالم على إطلاق الحرمة. فراجع كلماتهم.

[١] بلا إشكال فيه ، ولا خلاف ظاهر. وفي المسالك : أنه موضع وفاق بين أصحابنا ، وقد صرحوا بكونه إجماعياً انتهى. ويقتضيه ظهور النصوص والفتاوى في كونه من المناصب المختصة بالإمام ، على نحو لا يجوز لغيره التصدي له إلا بإذنه. ففي رواية إسحاق بن عمار أنه قال أمير المؤمنين (ع) لشريح : « يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلا نبي ، أو وصي نبي ،

٧٠

وحكمه ليس بنافذ. ولا يجوز الترافع اليه [١]. ولا الشهادة عنده [٢]. والمال الذي يؤخذ بحكمه حرام وان كان الآخذ محقاً [٣].

______________________________________________________

أو شقي » (١). ورواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) : « اتقوا الحكومة ، فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء ، العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي » (٢).

[١] وفي المسالك : « إن ذلك كبيرة عندنا ». ويقتضيه ما دل على حرمة الإعانة على الإثم (٣) ، وما دل على حرمة الأمر بالمنكر ‌(٤) ، وفي مقبولة ابن حنظلة الواردة في التحاكم إلى السلطان وإلى القضاة قال (ع) : « من تحاكم إليهم في حق أو باطل ، فإنما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنما يؤخذ سحتاً وان كان حقاً ثابتاً له ، لأنه أخذه بحكم الطاغوت ، وقد أمر الله تعالى أن يكفر به ... » (٥) ‌، ونحوها غيرها.

[٢] بلا إشكال ظاهر ، لأنها معاونة على الإثم إذا كانت بقصد فصل الخصومة ، وإلا ففي صدق المعاونة على الإثم إشكال ، بل لا يبعد عدم الصدق. وحينئذ يشكل تحريمها ، إلا من باب الأمر بالمعروف ، على تقدير اجتماع شرائطه.

[٣] كما هو المعروف والمدعى عليه الإجماع. ويقتضيه صريح ما تقدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب صفات القاضي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب صفات القاضي حديث : ٣.

(٣) قال تعالى ( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) ـ المائدة : ٢ ـ ووردت به أحاديث كثيرة ارجع الى بعضها في الوسائل باب : ٨٠ من أبواب جهاد النفس ، وباب : ٧١ ، ٧٢ من أبواب مقدمات التجارة.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب الأمر بالمعروف حديث : ١١ ، ١٢ ، ١٤.

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب صفات القاضي حديث : ٤.

٧١

إلا إذا انحصر استنقاذ حقه بالترافع عنده [١].

______________________________________________________

من مقبولة ابن حنظلة‌. وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين الدين والعين ، بل لعل ظاهر ما في صدرها من فرض التنازع في الدين أو الميراث ذلك ، إذ حمل الميراث على ما كان دينا بعيد جداً. وعلى هذا فالتحريم المذكور من قبيل التحريم بالعنوان الثانوي ، فيحرم التصرف فيه ، كما يحرم التصرف في المغصوب. وحملها على مجرد العقاب في الأخذ ـ وان جاز التصرف في المأخوذ ـ خلاف الظاهر بلا موجب له. واستبعاد ذلك لا يجدي في رفع اليد عن ظاهر الدليل. نعم مورد الرواية المأخوذ بحكم السلطان والقضاة ، فلا يعم المأخوذ بحكم غيرهم من فاقدي شرائط القضاء. اللهم إلا أن يستفاد العموم من التعليل‌ بقوله (ع) : « لأنه أخذه بحكم الطاغوت ... » إذ الظاهر شمول الطاغوت لكل متصد للقضاء المحرم. فتأمل جيداً.

هذا وقد يتوهم معارضة المقبولة‌ بخبر ابن فضال في تفسير قوله تعالى : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ ) (١) فكتب (ع) اليه بخطه : « الحكام القضاة » قال : « ثمَّ كتب تحته : هو أن يعلم الرجل أنه ظالم فيحكم له القاضي ، فهو غير معذور في أخذ ذلك الذي حكم به إذا كان قد علم أنه ظالم » (٢). ويدفعه ـ مع أن الخبر وارد في تفسير الآية الشريفة ، لا في بيان موضوع الحرمة مطلقاً ، واعتبار الظلم في صدق الباطل لا ينافي عدم اعتباره في صدق الحرمة ولو بعنوان آخر ـ : أنه لا يظهر منه أن المراد من القضاة قضاة الجور ، فيمكن حمله على قضاة العدل ولو من جهة الجمع العرفي بينه وبين المقبولة.

[١] فإنه يجوز ، كما عن جماعة منهم الشهيدان في الحواشي والمسالك.

__________________

(١) البقرة : ١٨٨.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب صفات القاضي حديث : ٩.

٧٢

[ مسألة ٤٤ ] : يجب في المفتي والقاضي العدالة [١]. وتثبت العدالة [٢] بشهادة عدلين ، وبالمعاشرة المفيدة للعلم‌

______________________________________________________

وعن الأكثر المنع ، بل عن الروضة الإجماع عليه. وكأنه لإطلاق النصوص. ولكن لو سلم ـ ولم تتم دعوى الانصراف عن صورة الانحصار ـ فمحكوم بحديث نفي الضرر‌ (١). ومنه يظهر الإشكال في الاستدلال على المنع بأن الترافع إعانة على الإثم ، فإنه مسلم ، لكن حديث نفي الضرر حاكم عليه. وكذلك الاستدلال على المنع بأن الترافع إليه أمر بالمنكر ، وهو حرام ، فان دليل تحريمه محكوم أيضاً لعموم نفي الضرر ، لحكومته على جميع أدلة التكاليف مهما كانت. ويؤيد الجواز ما ورد من الحلف كاذباً بالله تعالى لدفع الضرر المالي‌ (٢).

ثمَّ إن مقتضى عموم نفي الضرر عدم الفرق بين صورة فقد وجود الجامع للشرائط ، وصورة تعسر الوصول اليه ، وصورة عدم نفوذ قضائه مطلقاً أو على خصوص المدعى عليه ، وصورة عدم إمكان إثبات الحق عنده ، لفقد مقدمات الحكم لمن له الحق. نعم تختص بصورة العلم بالحق وجداناً ، أو تعبداً ، لقيام حجة عليه من إقرار أو بينة أو غيرهما ، ولا تشمل صورة الجهل بالحق ، لعدم ثبوت الضرر المالي كي ينفى بدليل نفيه.

[١] أما في الأول فلما تقدم (٣). وأما في القاضي فللإجماع.

[٢] قد تقدم الكلام في طرق ثبوتها (٤). كما تقدم منه ـ قدس‌سره ـ

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٦ من أبواب الخيار في كتاب البيع ، وباب : ٥ من كتاب الشفعة ، وباب : ٧ ، ١٢ من كتاب احياء الموات.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٢ ، ٤٢ من كتاب الايمان.

(٣) في المسألة : ٢٢.

(٤) في المسألة : ٢٣.

٧٣

بالملكة ، أو الاطمئنان بها ، وبالشياع المفيد للعلم.

[ مسألة ٤٥ ] : إذا مضت مدة من بلوغه وشك بعد ذلك في أن أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا ، يجوز له البناء على الصحة في أعماله السابقة [١] وفي اللاحقة يجب عليه التصحيح فعلا [٢].

[ مسألة ٤٦ ] : يجب على العامي أن يقلد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم أو عدم وجوبه [٣] ، ولا يجوز أن يقلد غير الأعلم إذا أفتى بعدم وجوب تقليد الأعلم. بل لو أفتى الأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم يشكل جواز الاعتماد عليه [٤]. فالقدر المتيقن للعامي تقليد الأعلم في الفرعيات.

______________________________________________________

الاكتفاء بحسن الظاهر المفيد للظن. وتقدم وجهه واشكاله. فراجع.

[١] كما سبق في المسألة الواحدة والأربعين.

[٢] بالرجوع إلى المجتهد الجامع للشرائط. ولا يجوز له البناء على صحة الأعمال اللاحقة المطابقة للأعمال الماضية من جهة تلازمهما في الصحة ، لأن أصل الصحة ـ سواء قلنا أنه من الامارات أم من الأصول ـ لا يثبت اللوازم العقلية لقصور دليله عن ذلك. فالمقام نظير ما لو شك في الطهارة بعد الفراغ من الصلاة فإن قاعدة الفراغ الجارية في الصلاة لا تثبت جواز الدخول في الصلاة الثانية بلا طهارة.

[٣] فإن جواز تقليد الأعلم وان كان متيقناً لا يحتاج إلى التقليد ، لكن وجوبه وعدمه ، بحيث يجوز تقليد غير الأعلم مشكوك ، فلا بد فيه من التقليد.

[٤] هذا الاشكال غير ظاهر ، لإطلاق دليل التقليد الشامل للمسألة‌

٧٤

[ مسألة ٤٧ ] : إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات والآخر أعلم في المعاملات ، فالأحوط تبعيض التقليد [١] وكذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات ـ مثلا ـ والآخر في البعض الآخر.

[ مسألة ٤٨ ] : إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ يجب عليه إعلام من تعلم منه. وكذا إذا أخطأ المجتهد في بيان فتواه يجب عليه الإعلام [٢].

______________________________________________________

المذكورة وعموم بناء العقلاء عليه. وإلا أشكل تقليد الحي في جواز البقاء على تقليد الميت ـ الذي قد سبق منه قدس‌سره الجزم به (١) ـ مع أنه تقليد في حكم التقليد كمفروض المسألة. على أن وجوب تقليد الأعلم وعدمه ، كجواز البقاء على تقليد الميت ، من قبيل المسائل الفرعية ، لعدم وقوعها في طريق استنباط الاحكام لتكون من المسائل الأصولية.

[١] بل الأقوى ، لما عرفت آنفاً (٢) من وجوب تقليد الأعلم ولو مع التبعيض ، لعدم الفرق في بناء العقلاء عليه.

[٢] المستفاد من آية النفر الشريفة (٣) وجوب الاعلام حيث يترتب عليه إحداث الداعي العقلي إلى العمل بالواقع الذي هو متعلق الاعلام ، لاختصاص الإنذار بذلك ، فاذا كان المكلف غافلا عن الحكم الكلي أو قاطعاً بالخلاف ، أو متردداً على نحو يكون جهله عذراً ، وجب إعلامه ، لما يترتب عليه من إحداث الداعي العقلي ، وإذا كان جاهلا جهلا لا يعذر فيه لا يجب إعلامه. وكذا لو انحصر الاعلام بطريق الخبر الذي لا يكون‌

__________________

(١) في المسألة : ١٥.

(٢) في المسألة : ١٢.

(٣) تقدم ذكرها في شرح المسألة الثامنة.

٧٥

______________________________________________________

حجة في نظر السامع ، فإنه لا يجب ، لعدم ترتب الأثر المذكور. ولا تبعد استفادة ذلك أيضاً مما تضمن أن الغرض من إرسال الرسل قطع اعذار المكلفين واقامة الحجة عليهم ، مثل قوله تعالى ( أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ) (١) ( لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (٢) ( فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) (٣) ونحوه. فتأمل. ثمَّ إن الظاهر اختصاص هذا الصنف من الآيات بالحكم الإلزامي ، فإذا كان المجهول حكما غير إلزامي لم يجب إعلامه.

وأما آية الكتمان (٤) فظاهرها وجوب الإظهار في مقام الاستعلام ، سواء ترتب عليه الإنذار أم لا ، وسواء اكان الاستعلام بطريق السؤال ـ كما في المتردد إذا سأل عن الحكم ـ أم بمحض وجود الداعي إلى معرفة الحكم والعلم به وان كان غافلا عن ذلك ، سواء اكان معتقداً لخلاف الواقع أم غافلا عنه ، أم متردداً غافلا عن وجود من يجب سؤاله ، أم غير ذلك من موارد وجود الرغبة النفسانية في معرفة الحكم ، ولو لم تدفع إلى السؤال لوجود المانع. فيكون بين مفاد الآية الشريفة وما سبق العموم من وجه ، ولعدم التنافي بين المفادين ـ لكونهما من قبيل المثبتين ـ يتعين العمل بهما معاً. ولازم ذلك وجوب البيان مع السؤال وان لم يكن السائل معذوراً في جهله. بل لعلها تقتضي وجوبه مع عدم اعتقاد السائل حجية الخبر ، وقد عرفت عدم اقتضاء آية النفر وجوب الإعلام حينئذ.

__________________

(١) المائدة : ١٩.

(٢) النساء : ١٦٥.

(٣) الانعام : ١٤٩.

(٤) وهي قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ ) البقرة : ١٥٩.

٧٦

[ مسألة ٤٩ ] : إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها يجوز له أن يبني على أحد الطرفين بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الصلاة [١] ، وانه إذا كان ما أتى به على خلاف الواقع يعيد صلاته ، فلو فعل ذلك ، وكان ما فعله مطابقاً للواقع ، لا يجب عليه الإعادة.

______________________________________________________

وكيف كان ففي فرض المسألة ، كما يجب على الناقل أو المفتي خطأ إخبار الجاهل ، كذلك يجب على غيره من المكلفين ، لعموم الأدلة الدالة على وجوب الاعلام. نعم بناء على حرمة التسبيب إلى فعل الحرام يتأكد وجوب الاعلام بالنسبة إلى الناقل والمفتي خطأ ، لاستناد عمل العامي إلى فعلهما. لكنه يختص بصورة الفتوى بإباحة الواجب ، أو الحرام ، ولا يطرد في غيرهما. مع أن الاستناد إلى الفتوى إنما يقتضي حرمتها لو كانت عمداً ، والمفروض خلافه ، وترك الإعلام الذي هو محل الكلام غير مستند اليه العمل.

وأما ما دل على أن من أفتى الناس بغير علم لحقه وزر من عمل بفتواه‌ (١) ، فهو وان دل على وجوب الإعلام فطرة وعقلا على خصوص المفتي تخفيفاً للوزر ، لكنه مختص بالفتوى بخلاف الواقع عمداً ، فلا يشمل ما نحن فيه. وسيأتي في بعض مباحث النجاسات (٢) التعرض إلى قاعدة حرمة التسبيب فانتظر.

[١] قد عرفت في المسألة السادسة عشرة صحة الصلاة مع المطابقة للواقع ، ولو لم يكن المصلي قاصداً للسؤال وللامتثال على الوجه الصحيح على تقدير الخطأ ، حتى مع قصد الاقتصار على بعض المحتملات. نعم لا بد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب صفات القاضي حديث : ١.

(٢) في المسألة : ٣٢ من فصل أحكام النجاسات.

٧٧

[ مسألة ٥٠ ] : يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد ، أو عن الأعلم ، أن يحتاط في أعماله [١].

[ مسألة ٥١ ] : المأذون والوكيل ، عن المجتهد في التصرف في الأوقات أو في أموال القصر ، ينعزل بموت المجتهد [٢]. بخلاف المنصوب من قبله ، كما إذا نصبه متولياً للوقف أو قيما على القصر ، فإنه لا تبطل توليته وقيمومته على الأظهر [٣].

______________________________________________________

من الإتمام في الفرض برجاء الواقع ، وإلا كان تشريعاً محرما ، فيلحقه حكمه من البطلان في بعض صوره ، حسبما حررناه في الأصول.

[١] لعدم الأمن من العقاب بدونه ، ويكفي في الاحتياط الأخذ بأحوط القولين أو الأقوال. لكن في وجوب الاحتياط على العامي في صورة الفحص عن الأعلم تأمل ، لاحتمال عموم دعوى الاتفاق على جواز التقليد للفرض ، وان لم يحضرني عاجلا من ادعاه صريحاً ، فلا بد من مراجعة كلماتهم.

[٢] لارتفاع الاذن بالموت ، وبطلان الوكالة به إجماعا.

[٣] أقول : المجتهد الجاعل للولاية ، [ تارة ] : يجعلها عن نفسه للولي ، بحيث تكون ولاية الولي من شؤون ولاية المجتهد الذي نصبه. [ وأخرى ] : يجعلها عن الامام (ع) ، فتكون من شؤون ولاية الإمام (ع) وان كان الجاعل لها المجتهد ، بناء على أن له ولاية الجعل عنهم (ع). وما ذكره في المتن ، يتم في الثانية لا في الاولى. وحينئذ فاللازم التفصيل بين الصورتين. إلا أن يقوم إجماع على خلافه ، كما يظهر مما عن الإيضاح من نفي الخلاف عن عدم انعزال الأولياء والقوام المجعولين من قبل المجتهدين‌

٧٨

______________________________________________________

ولذلك قال في الجواهر في كتاب القضاء ـ بعد ما حكى ما عن الإيضاح ـ : « إن تمَّ إجماعا فذاك ، وإلا كان المتجه ما ذكرنا [ يعني : الانعزال ] نعم لو كان النصب وكيلا أو ولياً عن الامام ، وكان ذلك جائزاً له ، لم ينعزل قطعاً ».

نعم قد يستشكل في صحة الصورة الأولى : بأن النيابة عن المجتهد إنما تصح لو كانت الولاية ثابتة للمجتهد بما هو في مقابل الامام ، أما إذا كانت ثابتة له بما هو نائب عن الامام ، فلا يصح منه جعلها لغيره بعنوان كونه نائباً عنه ، إذ ليس لذاته موضوعية في الأثر المذكور ، فلا معنى للنيابة عنه فيه ، إذ لا معنى للاستخلاف عن شخص فيما ليس له. ولكن يدفعه : أن نيابة الولي عن المجتهد على الأول ليس في نفس الولاية بل في نيابته عن الإمام في الولاية ، فالمقام نظير ما لو كان في ذمة زيد واجب فاستناب فيه عمراً ، فلما اشتغلت ذمة عمرو بالواجب المستناب فيه مات فاستناب وارثه بكراً عنه ، فبكر ينوب عن عمرو في النيابة عن زيد بالواجب ، لا أنه ينوب عن زيد بالواجب. وهكذا لو استناب بكر شخصاً ثالثاً ـ كخالد ـ فإنه ينوب عن بكر في النيابة عن عمرو في النيابة عن زيد بالواجب. فاذاً لا مانع ثبوتاً من جعل المجتهد الولاية لشخص على كل من النحوين.

نعم قد يشكل إثباتا جعلها على النحو الثاني ، كما تقدمت الإشارة إليه في عبارة الجواهر المتقدمة ، من جهة عدم ظهور دليل عليه ، فان العمدة في ولاية الفقيه ما دل على كونه حاكما وقاضيا ، وثبوت ذلك للحكام والقضاة الذين كانوا في عصر صدور النصوص المتضمنة لذلك غير ظاهر ، والمتيقن ثبوتها على النحو الأول ، فإذا جعلها المجتهد على النحو الثاني فالمرجع أصالة عدم ترتب الأثر. ويدفع ذلك أن المرتكز في أذهان المتشرعة ويستفاد‌

٧٩

[ مسألة ٥٢ ] : إذا بقي على تقليد الميت من دون أن يقلد الحي في هذه المسألة كان كمن عمل من غير تقليد [١].

______________________________________________________

من النصوص‌ (١) : أن منصب القضاء منصب نيابي ، فجميع الوظائف التي يؤديها القاضي ـ من فصل خصومة ونصب قيم ونحو ذلك ـ يؤديه نيابة عن الامام ، فمنصوبه منصوب الامام ، ولا يقصد به كونه نائباً عن الإمام أو عن المجتهد ، ولازم ذلك البناء على عدم البطلان بالموت. مع أنه لو سلم كون منصوب المجتهد نائبا عنه فانعزاله بالموت غير ظاهر ، لجواز كون نيابته من قبيل نيابة الوصي لا الوكيل الذي قام الإجماع على انعزاله بالموت.

ثمَّ لو بني على جواز الجعل لكل من النحوين ، وأنه على التقدير الأول ينعزل بموت المجتهد ، فشك في كيفية الجعل امتنع الاستصحاب ، لتردد المجعول بين فردين معلوم الزوال ومعلوم البقاء ، ولا أثر للجامع ليجري استصحابه. وأما استصحاب جواز التصرف فهو من الاستصحاب التعليقي المعارض بأصالة عدم ترتب الأثر ، كما حقق في محله.

[١] لأن المراد من صحة التقليد كونه جاريا على الموازين العقلائية ، وهذا المعنى مفقود في صورة الشك في جواز البقاء. وكذا في صورة الغفلة عن ذلك واعتقاده جواز البقاء ، فإنه وان كان معذوراً في هذه الصورة عند العقل ، لكنه لا يخرج عن كونه غير جار على الموازين العقلائية ، لأن جواز البقاء على تقليد الميت مشكوك ، والغفلة عن ذلك لا تجعله صحيحاً ، كما لو غفل وقلد من لا يكون واجدا للشرائط كالكافر والفاسق. كما أن كون رأي الحي جواز البقاء على تقليد الميت لا يجعله صحيحا ، إذ لا يكون به جاريا على الموازين اللازمة في التقليد. نعم لو كان قد اجتهد في مسألة‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١١ من أبواب صفات القاضي.

٨٠