مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

إلا إذا كان تركه هتكا [١] ، ولم يمكن الاستيذان منه ، فإنه حينئذ لا يبعد وجوبه.

[ مسألة ٣٠ ] يجب إزالة النجاسة عن المأكول [٢] ، وعن ظروف الأكل والشرب ، إذا استلزم استعمالها تنجس‌

______________________________________________________

على توقف جواز التصرف عليه ، لانصراف أدلة الحرمة عن مثل ذلك. ولا سيما وكون التطهير لمصلحة المصحف. وفيه أن الانصراف ممنوع ، فالإطلاق محكم.

ثمَّ إن الاشكال يختص بما إذا لم يكن المالك في مقام التطهير ، ولا الاذن لمن هو مقدم عليه ، ولا كان يأذن لو استؤذن ، والا فلا تزاحم حينئذ بين وجوب التطهير وحرمة التصرف بلا إذن ، فلا مقتضي لرفع اليد عن الحرمة المذكورة ، فلا يجوز التطهير بلا إذن. ثمَّ إن الكلام المذكور بعينه جار فيما لو توقف التطهير على استعمال الماء المغصوب أو الآلة المغصوبة فإن التزاحم والترجيح جار هنا أيضاً.

[١] فلا ريب حينئذ في أهمية التطهير ، فيجب ولو بلا إذن المالك. لكن ذلك حيث لا يمكن الاستيذان ، أو كان ممتنعاً عن التطهير وعن الاذن فيه. أما لو كان مقدماً على التطهير ، أو على الاذن فيه ، وأمكن الاستيذان منه ، فلا بد من الاستيذان منه.

[٢] وكذا المشروب : يعني : لا يجوز أكله أو شربه مع النجاسة. ولعل هذا الحكم من الضروريات. ويستفاد من النصوص المتقدمة في الماء القليل والمضاف ، وفي الزيت والسمن والعسل إذا مات فيها جرذ أو فأرة [١] وغير ذلك.

__________________

(١) تقدمت الإشارة إلى بعضها في أوائل فصل كيفية تنجس المتنجسات ، وأشرنا هناك الى مصادرها.

٥٢١

المأكول والمشروب.

[ مسألة ٣١ ] : الأحوط ترك الانتفاع بالأعيان النجسة [١] ، خصوصاً الميتة ، بل والمتنجسة إذا لم تقبل التطهير ، إلا ما جرت السيرة عليه من الانتفاع بالعذرات وغيرها ، للتسميد والاستصباح بالدهن المتنجس. لكن الأقوى جواز الانتفاع بالجميع ، حتى الميتة ، مطلقاً في غير ما يشترط فيه الطهارة. نعم لا يجوز بيعها للاستعمال المحرم ، وفي بعضها لا يجوز بيعه مطلقا كالميتة والعذرات.

[ مسألة ٣٢ ] : كما يحرم الأكل والشرب للشي‌ء النجس كذا يحرم التسبيب لأكل الغير أو شربه [٢]. وكذا التسبب‌

______________________________________________________

[١] خروجاً عن شبهة الخلاف ، كما تقدمت الإشارة الى ذلك في مبحث نجاسة الميتة ، فراجعه يتضح لك وجه الأحكام المذكورة في هذه المسألة. وتفصيل الكلام في ذلك موكول الى محله من المكاسب المحرمة.

[٢] التسبب إلى الشي‌ء عبارة عن فعل الشي‌ء بواسطة السبب ، فيعتبر فيه القصد الى المسبب ، بخلاف التسبيب ، فإنه مجرد فعل السبب ، ولو مع الغفلة عن ترتب المسبب عليه. وكيف كان فدليل الحرام ان كان ظاهرا في توجه الخطاب بتركه الى خصوص من قام به الفعل ، لم يحرم التسبب اليه من غيره ، فضلا عن التسبيب. وان كان ظاهراً في توجه الخطاب بتركه الى كل أحد حرم التسبب اليه ، والتسبيب مع الالتفات الى ترتبه على السبب ، بل يجب على كل أحد دفع وقوعه وان لم يكن على وجه التسبيب ولو لم يكن ظاهرا في أحد الوجهين كان مقتضى الأصل جواز التسبب اليه والتسبيب. وعلى هذا فحرمة التسبب إلى أكل النجس وشربه من غير‌

٥٢٢

______________________________________________________

المتسبب تتوقف على ظهور الدليل في كون الخطاب بالحرمة على النحو الثاني ، وهو غير ظاهر. نعم قد يستفاد من صحيح معاوية الوارد في بيع الزيت المتنجس‌ لقوله (ع) فيه : « ويبينه لمن اشتراه ليستصبح به » (١) من جهة أن الاستصباح ليس محبوباً ومأموراً به ، ولا مما يترتب على التنبيه والاعلام ، فلا بد أن يكون التعليل به عرضياً ، والعلة في الحقيقة هي ترك الأكل ، فيكون ترك أكل المشتري واجباً على البائع ، كما تقدم بيان ذلك في مبحث الماء المتنجس. وتقدم أيضاً الاستدلال على حرمة التسبب الى فعل غيره للحرام : بأن استناد الفعل الى السبب أقوى. فنسبة الفعل إليه أولى ، كما تقدم الاشكال فيه فراجع.

ثمَّ إن الصحيح المتقدم وان كان مورده الزيت المتنجس ، لكن يجب التعدي عنه الى مطلق المأكول والمشروب ، بقرينة التعليل ، المحمول على الارتكاز العرفي ، فإن مقتضاه عدم الفرق بين الزيت وغيره. نعم يشكل التعدي عن المأكول والمشروب الى غيرهما من المحرمات. لعدم مساعدة الارتكاز عليه. فالاقتصار عليهما متعين. ويشير الى ذلك موثق ابن بكير (٢) المتضمن للنهي عن اعلام المستعير إذا أعاره ثوباً لا يصلي فيه‌. وعليه فلا يجب الاعلام إذا كان يتوقف ترك استعمال النجس في غير الأكل والشرب عليه ، وكذا في سائر المحرمات غير النجس إذا كان يتوقف تركها عليه.

ومن ذلك يظهر لك الفرق بين مقتضى الصحيح المذكور ومقتضى الاستدلال المتقدم على حرمة التسبيب ، فان بينهما عموماً من وجه ، إذ مقتضى الصحيح وجوب الاعلام وان لم يكن هناك تسبيب. ولكنه يختص بالنجس من حيث استعماله في الأكل والشرب ، فلا يشمل غير النجس ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الأطعمة المحرمة ملحق حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

٥٢٣

لاستعماله فيما يشترط فيه الطهارة ، فلو باع أو أعار شيئاً نجساً قابلا للتطهير يجب الاعلام بنجاسته [١] وأما إذا لم يكن هو السبب في استعماله بأن رأى أن ما يأكله شخص أو يشربه أو يصلي فيه نجس ، فلا يجب إعلامه [٢].

[ مسألة ٣٣ ] : لا يجوز سقي المسكرات للأطفال [٣].

______________________________________________________

ولا النجس بلحاظ استعماله فيما يعتبر فيه الطهارة غير الأكل والشرب. ومقتضى الاستدلال حرمة التسبيب مطلقاً الى فعل الحرام ، سواء أكان مورده النجس أم غيره ، وسواء أكان الحرام الأكل والشرب أم غيرهما ، لكنه يختص بصورة التسبيب الموجب لقوة إسناد الفعل الى السبب ، ولا يشمل غيرها.

هذا وقد يستدل على حرمة التسبيب : بأن فيه تفويتاً لغرض الشارع وإيقاعاً في المفسدة. وفيه ـ مع أن لازم ذلك عدم الفرق بين التسبيب وغيره ـ : أن تفويت الغرض إنما يكون حراماً على من توجه اليه الخطاب بحفظه ، لا على من لم يتوجه اليه الخطاب به ، كما هو محل الكلام.

[١] تفريع وجوب الاعلام على حرمة التسبب باعتبار أن تمكين البائع أو المعير من العين للمشتري أو المستعير فعل وجودي يترتب عليه استعمال النجس ، وإن كان الاعتماد في طهارة المأخوذ من البائع أو المعير لم يكن على فعله ، وإنما كان اعتمادا على أصالة الطهارة. هذا ولكن في كون هذا المقدار من فعل الفاعل كافياً في صدق التسبب اشكالا. نعم يتضح ذلك في مثل الجلد ونحوه مما كان الأصل فيه النجاسة لو لا أخذه من المسلم. فتأمل جيداً.

[٢] قد عرفت أن مقتضى الصحيح وجوب الاعلام فيما يؤكل ويشرب‌

[٣] الظاهر أنه مما لا إشكال فيه ، كما استفاضت به النصوص. ففي‌

٥٢٤

بل يجب ردعهم وكذا سائر الأعيان النجسة إذا كانت مضرة لهم [١] ، بل مطلقا [٢]. وأما المتنجسات فان كان التنجس من جهة كون أيديهم نجسة فالظاهر عدم البأس به [٣] وان كان من جهة تنجس سابق فالأقوى جواز التسبب لأكلهم [٤] ، وان كان الأحوط تركه. وأما ردعهم عن الأكل أو الشرب‌

______________________________________________________

خبر أبي الربيع الشامي : « سئل أبو عبد الله (ع) عن الخمر‌ ... [ الى أن قال ] (ع) : ولا يسقيها عبد لي صبيا صغيرا أو مملوكا إلا سقيته مثل ما سقاه من الحميم يوم القيامة » (١) ، ونحوه خبر العجلان‌ ، وغيرهما.

[١] وجوب الردع على الولي عن مثل ذلك ظاهر ، فإنه مقتضى ولايته. أما وجوبه على غيره فغير ظاهر ، لعدم الدليل على وجوب دفع الضرر عن كل أحد ولو كان صبياً. وكأنه لذلك خص الوجوب بالولي في مبحث قضاء الصلاة. نعم يجوز لغيره ردعهم ، لأنه إحسان محض. وأما حرمة التسبب الى أكلهم وشربهم فأولى من وجوب الردع ، من غير فرق بين الولي وغيره ، لحرمة الإضرار بهم.

[٢] دليله غير ظاهر. بل النصوص الدالة على جواز استرضاع اليهودية والنصرانية والمجوسية والمشركة والناصبية (٢) تأباه. وان كان ظاهر المحكي عن الأردبيلي [ ره ] من قوله : « والناس مكلفون بإجراء أحكام المكلفين عليهم » يقتضي المفروغية عنه ، بل عدم الفرق بين النجس والمتنجس.

[٣] للأصل ، بل السيرة.

[٤] للأصل ، كما تقدم في المياه.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ١.

(٢) راجع الوسائل باب : ٧٦ ، ٧٧ من أبواب أحكام الأولاد.

٥٢٥

مع عدم التسبب فلا يجب من غير إشكال [١].

[ مسألة ٣٤ ] : إذا كان موضع من بيته أو فرشه نجسا فورد عليه ضيف وباشره بالرطوبة المسرية ، ففي وجوب إعلامه إشكال ، وان كان أحوط ، بل لا يخلو عن قوة [٢].

وكذا إذا أحضر عنده طعاما ثمَّ علم بنجاسته. بل وكذا إذا كان الطعام للغير وجماعة مشغولون بالأكل فرأى واحد منهم فيه نجاسة ، وان كان عدم الوجوب في هذه الصورة لا يخلو عن قوة ، لعدم كونه سبباً لأكل الغير [٤] ، بخلاف الصورة السابقة.

[ مسألة ٣٥ ] : إذا استعار ظرفا أو فرشا أو غيرهما من جاره فتنجس عنده هل يجب عليه اعلامه عند الرد؟ فيه اشكال ، والأحوط الأعلام ، بل لا يخلو عن قوة إذا كان مما يستعمله المالك فيما يشترط فيه الطهارة [٤].

______________________________________________________

[١] لعدم الدليل على الوجوب ، بل السيرة تنفيه. لكن كلام الأردبيلي المتقدم يقتضي ثبوت الاشكال.

[٢] لكونه من التسبيب باعتبار أن إذن المالك للضيف مقدمة لحصول الحرام. وان كان لا يخلو من اشكال ، ولا سيما في فرض نجاسة موضع من بيته بخلاف الفرض الذي بعده ، فإنه من فروض التسبيب باعتبار أن إحضار الطعام طلب منه للأكل منه ، وإن كان معذورا فيه قبل العلم ، لكنه لا يعذر فيه بعده.

[٣] لكن عرفت أن صحيح معاوية‌ (١) ظاهر في وجوب الاعلام في الفرض.

[٤] لأنه من التسبيب. ومجرد الفرق بكونه معيرا أو مرجعاً للعارية‌

__________________

(١) تقدم في مسألة : ٢٢ وأشرنا إلى مصدره.

٥٢٦

فصل

إذا صلى في النجس فان كان عن علم وعمد بطلت صلاته [١]. وكذا إذا كان عن جهل بالنجاسة من حيث الحكم [٢]

______________________________________________________

لا يوجب الفرق في تحقق التسبيب. لكن عرفت الإشكال في وجوب الاعلام إذا لم يتعلق بالأكل أو الشرب.

فصل إذا صلى في النجس‌

[١] إجماعاً محكياً نقله عن جماعة ، منهم الشيخ ، والفاضلان ، والشهيدان وغيرهم. وتقتضيه نصوص المانعية البالغة حد التواتر الآمرة بغسل الثياب والبدن من النجاسات للصلاة ، والمانعة عن الصلاة فيها‌ (١). وقد تقدم بعضها في أدلة النجاسة. مضافا إلى النصوص الخاصة بالعلم ، كصحيح ابن سنان : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم قال (ع) : إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلي ، ثمَّ صلى فيه ولم يغسله ، فعليه أن يعيد ما صلى » (٢) ، ونحوه غيره ، ويأتي بعضه.

[٢] على المشهور. لإطلاق الأدلة المتقدمة من معقد الإجماع والنصوص والتشكيك فيهما في غير محله ، بل لعل الجاهل هو المتيقن ، إذ من البعيد كون العالم موضوعا للسؤال ، لوضوح وجوب الإعادة عليه.

ودعوى : انتفاء التكليف بالطهارة في حقه ، لقبح تكليف الغافل‌

__________________

(١) تقدم في أول الفصل السابق الإشارة إليها والى مصادرها.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

٥٢٧

______________________________________________________

عقلا ، وأن المأتي به مع النجاسة لا بد أن يكون مجزيا ، لأنه مأمور به شرعا ، بشهادة استحقاق العقاب على تركه اختيارا. مدفوعة ـ وان حكيت عن المحقق الأردبيلي [ قده ] وبعض من تأخر عنه ـ : بأن الغفلة إنما تمنع عقلا عن باعثية التكليف وتنجزه ، لا عن ملاكه. ولذا ذهب المشهور الى تكليف الكفار بالفروع مع غفلتهم عنها. فالمأتي به مع النجاسة ليس مأمورا به ، ولا فردا للواجب الشرعي. ولا ينافي ذلك استحقاق العقاب على تركه ، لأن تركه ترك للواجب الواقعي اختيارا مع الالتفات الى وجوبه ـ ولو في الجملة ـ فإذا التفت في أثناء الوقت الى الوجوب الواقعي وجب عقلا امتثاله بالإعادة ، كما أنه لو التفت بعد خروج الوقت وجب القضاء لصدق الفوت. مع أنه لو سلم منع الغفلة عن ملاك التكليف ، فاقتضاء ذلك لنفي الإعادة والقضاء إنما يكون لو استمرت في تمام الوقت ، أما لو التفت في أثنائه فاللازم الحكم بوجوب الإعادة أو القضاء ، لتحقق شرط التكليف. وبمنع أجزاء المأتي به الناقص ومنع كونه مأموراً به ، إما لمنع العقاب على تركه من أصله ، أو للبناء على كونه للتجرؤ. مع أن البناء على صحة المأمور به الناقص وكونه مأمورا به لا يقتضي الاجزاء ، ولا ينافي وجوب الإعادة ، لجواز كون الوجوب على نحو تعدد المطلوب ولا دليل فيه على الاجزاء ، بل إطلاق دليل الوجوب الأولي ينفي الاجزاء ، ويقتضي الإعادة ، كما لعله ظاهر بالتأمل.

نعم يمكن أن يقال : مقتضى إطلاق‌ حديث : « لا تعاد الصلاة ... » (١) عدم وجوب الإعادة ، وهو حاكم على أدلة الجزئية والشرطية [ وفيه ] : أنه يتوقف على كون المراد من الطهور فيه الذي هو أحد الخمسة ، خصوص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الوضوء حديث : ٨. وينقله بتمامه في باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة ، وباب : ٢٩ من أبواب القراءة بأسانيد متعددة.

٥٢٨

بأن لم يعلم أن الشي‌ء الفلاني مثل عرق الجنب من الحرام ـ نجس ، أو عن جهل بشرطية الطهارة للصلاة. وأما إذا كان جاهلا بالموضوع ـ بأن لم يعلم أن ثوبه أو بدنه لاقى البول مثلا ـ فان لم يلتفت أصلا ، أو التفت بعد الفراغ من الصلاة.

______________________________________________________

الطهارة من الحدث ، لا ما يعم الطهارة من الخبث ، والا كان مقتضاه الإعادة ، بل ويتوقف على عمومه للجاهل بالحكم ، وإلا فلا مجال له في المقام مضافاً الى أن حكومته إنما هي بالإضافة إلى أدلة تشريع الجزئية والشرطية لا بالإضافة إلى ما دل على وجوب الإعادة في المقام ، كصحيح ابن سنان المتقدم‌ ونحوه ، لوحدة اللسان فيهما ، بل تكون نسبة مثل الصحيح اليه نسبة العام الى الخاص ، فيختص به.

اللهم إلا أن يقال : حديث : « لا تعاد ... » لما لم يشمل العالم بالحكم يكون بينه وبين الصحيح عموم من وجه ، لعموم الحديث لغير الطهارة من الخبث وعموم الصحيح للعالم بالحكم. لكن عليه يكون المرجع في الجاهل بالحكم إطلاقات الشرطية المقتضية للإعادة. مع أن خروج العالم عن حديث : « لا تعاد ... » لا يوجب انقلاب النسبة ، إذ المدار في تعيينها على ما هو ظاهر الكلامين مع قطع النظر عن دليل آخر ، كما حقق في محله.

إلا أن يقال : خروج العالم بالحكم عن حديث : « لا تعاد ... » ليس لدليل آخر ، وانما هو لقصوره عن شموله لأن قوله (ع) : « لا تعاد ... » يراد منه نفي الإعادة في مقابل حدوث الداعي إليها ، وهذا لا يصدق في حق العالم ، لتحقق الداعي إلى الإعادة فيه من أول الأمر. لكن هذا جار بعينه في الصحيح ، فيكون غير شامل للعالم ، ويكون أخص من الحديث. ثمَّ إنه لا فرق فيما ذكرنا كله بين صورتي الجهل عن قصور أو تقصير.

٥٢٩

صحت صلاته ، ولا يجب عليه القضاء [١] ، بل ولا الإعادة في الوقت [٢] ، وان كان أحوط [٣].

______________________________________________________

[١] إجماعا محكياً صريحاً وظاهراً ، عن جماعة كثيرة. ويدل عليه‌ خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « عن الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ فقال (ع) : إن كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلي ولا ينقص منه شي‌ء ، وان كان رآه وقد صلى فليعتد بتلك الصلاة ، ثمَّ ليغسله » (١). وصحيح العيص : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل صلى في ثوب رجل أياما ، ثمَّ إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلي فيه. قال (ع) : لا يعيد شيئاً من صلاته » (٢). فتأمل. مضافا إلى نصوص نفي الإعادة الآتية ، فإنها دالة على نفي القضاء ، إما بإطلاقها ، أو بضميمة عدم القول بالفصل أو بالأولوية.

[٢] على المشهور للنصوص الكثيرة ، كصحيح عبد الرحمن : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته؟ قال (ع) إن كان لم يعلم فلا يعيد » (٣) ، ونحوه غيره ويأتي بعضه.

[٣] لذهاب جماعة كثيرة اليه ، كالشيخ في مياه النهاية ، وابن زهرة في الغنية ، والمحقق في النافع. والعلامة في القواعد ، وغيرهم في غيرها على ما حكي. لصحيح وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله (ع) : « في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه ، فيصلي فيه ثمَّ يعلم بعد. قال (ع) : يعيد إذا لم يكن علم » (٤). وخبر أبي بصير عنه (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب النجاسات حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

٥٣٠

« عن رجل صلى وفي ثوبه بول أو جنابة. فقال (ع) : علم به أو لم يعلم فعليه الإعادة إعادة الصلاة إذا علم » (١). ولأجلهما حملوا الأخبار المتقدمة على نفي القضاء. وما قيل من أنه جمع بلا شاهد. مدفوع : بأنه بعد تقييدهما بالإجماع ، والروايتين المتقدمتين في نفي القضاء يدور الأمر بين طرحهما وتقييد الأخبار السابقة بهما ، بحملها على خصوص نفي القضاء ، والتقييد أولى من الطرح ـ كما هو محقق في محله ـ ولا يتوقف شاهد الجمع على كونه موجباً للتصرف في الدليلين معاً ، كما في الجواهر.

نعم يشكل ذلك لإباء نصوص نفي الإعادة مطلقاً عن حملها على خصوص نفي القضاء. فلاحظ‌ صحيح محمد بن مسلم : « في الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلي. قال (ع) : لا يؤذنه حتى ينصرف » (٢). ورواية أبي بصير : « في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمَّ علم. قال (ع) : عليه أن يبتدئ الصلاة. قال : وسألته عن رجل صلى وفي ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثمَّ علم. قال (ع) : مضت صلاته » (٣) وصحيح زرارة المعلل عدم الإعادة : بأنه كان على يقين فشك ... (٤) فإنك تجد أن حمل نصوص الإعادة على الاستحباب أولى من حمل هذه النصوص وغيرها على خصوص نفي القضاء.

بل من التعليل في الصحيح الأخير ، وما فيه أيضاً من‌ قوله (ع) « قلت : فهل علي إن شككت أنه أصابه شي‌ء أن أنظر فيه؟ قال (ع) : لا ، ولكنك إنما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع من نفسك » يظهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب النجاسات حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٥٣١

وان التفت في أثناء الصلاة ، فإن علم سبقها وأن بعض صلاته وقع مع النجاسة ، بطلت مع سعة الوقت للإعادة [١] ،

______________________________________________________

ضعف ما عن الذكرى احتماله من التفصيل بين من اجتهد في البحث عن طهارة ثوبه فلا يعيد وغيره فيعيد. وعن الحدائق تقويته ، وحكايته عن ظاهر الشيخين في المقنعة والتهذيب ، وظاهر الصدوق في الفقيه. للمرسل في الأخير : « ‌روي في المني أنه إن كان الرجل حين قام فنظر وطلب ولم يجد شيئاً فلا شي‌ء عليه ، وإن كان لم ينظر ولم يطلب فعليه أن يغسله ويعيد الصلاة » (١) ، ونحوه خبر منصور [ ميمون. خ ل ] الصيقل‌ (٢). ولعله هو المرسل بعينه. وقد يظهر أيضاً من‌ صحيح ابن مسلم عن الصادق (ع) : « إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك الإعادة إعادة الصلاة وان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمَّ صليت فيه ثمَّ رأيته بعد فلا اعادة عليك. وكذلك البول » (٣) فان التعليل المذكور يستوجب التصرف فيها بالحمل على الاستحباب. مضافا الى إباء بعض نصوص نفي الإعادة عن التقييد بذلك. مع ضعف الأولين واعراض الأصحاب عن الجميع. فالعمل بإطلاق نفي الإعادة متعين.

[١] كما عن جماعة. لصحيح ابن مسلم‌ ، ولرواية أبي بصير‌ ، المتقدمين في الجاهل الى ما بعد الفراغ. ولصحيح زرارة الطويل وفيه : « قلت : ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة. قال (ع) : تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ، ثمَّ رأيته ، وان لم تشك ثمَّ رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ، ثمَّ بنيت على الصلاة ، لأنك لا تدري لعله شي‌ء أوقع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٤١ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤١ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

٥٣٢

______________________________________________________

عليك ... » (١). وبها يخرج عما دل على نفي الإعادة في الجاهل ، سواء اكان دالا على حكم المقام بالإطلاق أم بالأولوية.

نعم يعارضها ما‌ عن مستطرفات السرائر من رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « إن رأيت في ثوبك دما وأنت تصلي ولم تكن رأيته قبل ذلك ، فأتم صلاتك ، فاذا انصرفت فاغسله. قال (ع) : وان كنت رأيته قبل أن تصلي فلم تغسله ثمَّ رأيته بعد وأنت في صلاتك فانصرف فاغسله وأعد صلاتك » (٢). وموثقة ابن سرحان عنه (ع) : « في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دما. قال (ع) : يتم » (٣). لكن الجمع العرفي بينها يقتضي حمل الأخيرتين على صورة ما لو احتمل وقوع النجاسة في الأثناء حين الرؤية ، كما تشير إليه الفقرة الثانية من صحيح زرارة المتقدم‌. مضافاً الى أن ظاهرهما جواز الإتمام بلا تبديل ولا تطهير وهو مما لم يقل به أحد.

هذا والمشهور تخصيص وجوب الإعادة بما إذا لم يمكن نزع الثوب أو تطهيره أو تبديله ، وإلا فعل ذلك وأنتم صلاته ، حملا للنصوص الأول على الأول ، والأخيرة على الأخير ، بشهادة‌ حسن بن مسلم : « قلت له : الدم يكون في الثوب علي وأنا في الصلاة. قال (ع) : إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل في غيره ، وان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقل من ذلك فليس بشي‌ء رأيته قبل أو لم تره ... » (٤) ، فيقيد بمنطوق الشرطية الأولى ـ الدالة على صحة الصلاة مع إمكان الطرح ـ الروايات الأول وبمفهومها ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

٥٣٣

وان كان الأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة [١]. ومع ضيق الوقت‌

______________________________________________________

الدال على البطلان مع عدم إمكان الطرح ـ الروايتان الأخيرتان.

بل يكفي في ثبوت الجمع العرفي تقييد الروايات الأول ، لأنه بعد حملها على صورة عدم مكان الطرح تكون أخص مطلقاً من الروايتين الأخيرتين ، فيجب تقييدهما بها لئلا يلزم الطرح ، كما عرفت.

هذا ولكنه يتوقف على كون مورد الشرطية الأولى الدم الكثير ، وكون مورد الثانية مطلق الدم ، الأعم من القليل والكثير وجعل قوله (ع) : « ما لم يزد ... » قيداً للثانية لا غير ، ويكون (ع) قد اكتفى عن بيان مفهوم الشرطية بالمفهوم المستفاد من القيد ، حيث يدل التقييد على وجوب الإعادة إذا لم يكن عليه غيره ، وقد زاد الدم على مقدار الدرهم. وذلك كله خلاف الظاهر ، فان الظاهر كون الشرطية الثانية تصريحاً بمفهوم الأولى والقيد راجع إليهما معاً ، فيتعين حمل الأمر بالطرح في الشرطية على الاستحباب بقرينة قوله (ع) : « وما كان أقل ... » ، فتكون الرواية أجنبية عما نحن فيه ، لأن موردها الدم المعفو عنه. مضافاً الى رواية الشيخ [ ره ] لها عن الكليني [ ره ] بزيادة الواو فيها قبل القيد ، وإسقاط قوله (ع) : « وما كان أقل من ذلك » [١] فيكون قوله (ع) : « وما لم يزد ... » كلاما مستقلا ، وما قبله من الشرطيتين اللتين ثانيتهما تصريح بمفهوم أولاهما موضوعهما الدم الكثير. وعليه فمحمل الشرطية الأولى محمل روايتي ابني سنان وسرحان. وأما الشرطية الثانية فقد حكي الاتفاق على خلافها وسيأتي إن شاء الله.

[١] لاحتمال صحة الصلاة وحرمة قطعها واحتمال بطلانها ، وبالإتمام‌

__________________

(١) كما ذكره في الوافي في ذيل الحديث الأول من باب التطهير من الدم من أبواب الطهارة من الخبث.

٥٣٤

إن أمكن التطهير أو التبديل ـ وهو في الصلاة من غير لزوم المنافي ـ فليفعل ذلك ويتم ، وكانت صحيحة [١] ، وان لم يمكن أتمها وكانت صحيحة. وان علم حدوثها في الأثناء مع‌

______________________________________________________

والإعادة يحصل العمل بكل المحتملات.

[١] لانصراف نصوص وجوب الإعادة في الجاهل إذا التفت في الأثناء المتقدمة ، عن المورد ، والأصل يقتضي عذرية الجهل. أو لما دل على أهمية الوقت من الطهارة الخبثية ، فيسقط اعتبار الطهارة إذا أدى الى فوات الصلاة في الوقت. لكن دعوى انصراف نصوص الإعادة بنحو يعتد به ممنوعة ، ولذا لا يظن الالتزام به في غير الفرض من موارد الجزئية والشرطية. ولأجل ذلك لا مجال للرجوع إلى أصالة عذرية الجهل. على أن مجرد عذرية الجهل لا تقتضي الصحة. والتزاحم في أول الصلاة غير ثابت ، لإمكان الصلاة حينئذ بالثوب الطاهر ، والتزاحم حين الالتفات وان كان حاصلا بالإضافة الى ما وقع من الاجزاء ، لكنه إنما يقتضي الاجتزاء بالبدل الاضطراري لا تصحيح الجزء الباطل والاجتزاء به.

فان قلت : الجهل بالنجاسة موجب لانتفاء القدرة على الطهارة من الخبث ، فلا مانع من اعمال التزاحم من أول الأمر [ قلت ] : موضوع التزاحم الذي يقدم فيه الوقت العجز لا من جهة الجهل ، كمرض أو برد أو غيرهما ، فيبقى العجز من جهة الجهل باقياً تحت القاعدة المقتضية للبطلان معه عملا بعموم الشرطية. اللهم إلا أن يقال : التعدي عن الأعذار المذكورة إلى المقام مما يساعده المذاق العرفي فالبناء على اجراء حكم التزاحم من أول الأمر أظهر. ومن ذلك تعرف الوجه أيضاً في قول المصنف [ ره ] : « أتمها وكانت صحيحة ».

نعم بناء على وجوب الصلاة عاريا إذا لم يتمكن من التستر إلا بالنجس‌

٥٣٥

عدم إتيان شي‌ء من أجزائها مع النجاسة ، أو علم بها وشك في أنها كانت سابقاً أو حدثت فعلا ، فمع سعة الوقت وإمكان التطهير أو التبديل يتمها بعدهما [١] ، ومع عدم الإمكان يستأنف [٢]

______________________________________________________

ينبغي تقييد الحكم في المقام بما إذا لم يمكن النزع والصلاة عاريا ، وإلا تعين عليه ذلك إذا لم يمكن التبديل أو التطهير.

[١] إذا الطهارة من الخبث ليست شرطاً في المصلي ، بحيث يقدح انتفاؤها في أثناء الصلاة ولو مع عدم الاشتغال بفعل من أفعالها ، إذ لا دليل على ذلك بل الدليل على خلافه ، كالنصوص الواردة في الرعاف في أثناء الصلاة‌ (١). مضافاً الى صحيح زرارة المتقدم‌ (٢) الآمر بغسل الثوب والبناء على ما مضى من الصلاة.

[٢] كما يستفاد من الأمر بتطهير الثوب في صحيح زرارة‌ (٣) ، والتطهير من الرعاف في النصوص الكثيرة‌ (٤) ، فإن ظاهر الأمر الإرشاد إلى اعتبار التطهير في صحة الأجزاء اللاحقة. بل هو مقتضى إطلاق أدلة مانعية النجاسة. مضافاً إلى ما دل على وجوب الاستيناف مع عدم التمكن من التطهير من الرعاف. ففي مصحح الحلبي : « وان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته (٥) ». وفي صحيح ابن أذينة : « فان لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة » (٦) ونحوهما غيرهما.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢ من أبواب قواطع الصلاة.

(٢) تقدم قريبا في أول الكلام فيمن رأى النجاسة في أثناء الصلاة.

(٣) تقدم قريباً في أول الكلام فيمن رأى النجاسة في أثناء الصلاة.

(٤) راجع الوسائل باب : ٢ من أبواب قواطع الصلاة.

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٦.

(٦) الوسائل باب : ٢ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

٥٣٦

ومع ضيق الوقت يتمها مع النجاسة ولا شي‌ء عليه [١]. وأما إذا كان ناسيا فالأقوى وجوب الإعادة [٢] ،

______________________________________________________

[١] هذا بناء على صحة الصلاة في الثوب النجس مع عدم التمكن من غيره ، أما بناء على وجوب الصلاة عاريا يتعين إلقاء النجس والصلاة عاريا إن أمكن.

[٢] على المشهور ، بل حكي عليه الإجماع عن الغنية ، وشرح الجمل للقاضي. وعن السرائر : نفي الخلاف فيه ممن عدا الشيخ في الاستبصار خاصة. والنصوص به مستفيضة.كصحيح زرارة الطويل عن أبي جعفر (ع) : « أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من المني فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء ، فأصبت وحضرت الصلاة ، ونسيت أن بثوبي شيئاً وصليت ثمَّ إني ذكرت بعد ذلك. قال (ع) : تعيد الصلاة وتغسله ... » (١). وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه وان هو علم قبل أن يصلي فنسي وصلى فيه فعليه الإعادة » (٢). وموثق سماعة عنه (ع) : « عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلي. قال (ع) : يعيد صلاته كي يهتم بالشي‌ء إذا كان في ثوبه ، عقوبة لنسيانه » (٣) ، ونحوها صحيح ابن سنان‌ (٤) ، وخبر الحسن بن زياد‌ ، وابن مسكان‌ (٥). ومنه ما ورد في ناسي الاستنجاء حتى صلى ، المتضمن للأمر بالإعادة‌.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب النجاسات حديث : ٦ ، ٤.

٥٣٧

أو القضاء [١] مطلقا ،

______________________________________________________

هذا وربما نسب إلى الشيخ القول بالصحة ونفي الإعادة ، وظاهر المعتبر الميل اليه ، وفي المدارك الجزم به ، ووافقه عليه غيره. لصحيح العلاء عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء ينجسه ، فينسى أن يغسله فيصلي فيه ، ثمَّ يذكر أنه لم يكن غسله ، أيعيد الصلاة؟ قال (ع) : لا يعيد. قد مضت الصلاة وكتبت له » (١) ، ونحوه جملة واردة في ناسي الاستنجاء‌ (٢) ، فان مقتضى الجمع العرفي حمل النصوص السابقة على الاستحباب ، كما تقدم نظيره.

ويشكل بإباء تلك النصوص عن الحمل على ذلك ، كما يظهر من ملاحظة التعليل في الموثق ، إذ العقوبة لا تكون بالأمر الاستحبابي. وكذا التفصيل بين الجاهل والناسي ، فإنه لا يناسب الاستحباب أيضاً ، إذ الجاهل أيضاً تستحب له الإعادة كما تقدم. وإعمال قواعد التعارض بينها يوجب الأخذ بالنصوص السابقة ، لأنها أصح سنداً وأشهر مضموناً. وكأنه لذلك قال في محكي التهذيب : « إن رواية العلاء شاذة لا تعارض الأخبار التي ذكرناها ».

[١] وعن الشيخ في الاستبصار ، والفاضل في بعض كتبه ، نفيه. حملا لنصوص نفي الإعادة عليه ، بشهادة‌ صحيح ابن مهزيار : « كتب اليه سليمان بن رشيد يخبره أنه بال في ظلمة الليل وأنه أصاب كفه برد نقطة من البول ، لم يشك أنه أصابه ولم يره ، وأنه مسحه بخرقة ، ثمَّ نسي أن يغسله ، وتمسح بدهن فمسح به كفيه ووجهه ورأسه ، ثمَّ توضأ وضوء الصلاة فصلى. فأجاب بجواب قرأته بخطه : أما ما توهمت مما أصاب يدك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٨ من أبواب نواقض الوضوء ، وباب : ١٠ من أبواب أحكام الخلوة.

٥٣٨

سواء تذكر بعد الصلاة أو في أثنائها [١]

______________________________________________________

فليس بشي‌ء إلا ما تحقق ، فان حققت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها ، وما فات وقتها فلا اعادة عليك لها من قبل ، إن الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت ، وإذ كان جنباً أو صلى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته ، لأن الثوب خلاف الجسد. فاعمل على ذلك إن شاء الله » (١).

لكن يشكل : بأن ذيله وإن كان صريحاً في التفصيل بين الوقت وخارجه ، لكنه غير ظاهر في الناسي ، ومورده وان كان هو الناسي ، لكنه لا يظهر منه كون الذيل حكما له ، لما فيه من الاضطراب في المتن ، فان ظاهر صدره أن الخلل كان من الوضوء ، لا من مجرد النجاسة ، وذيله ظاهر في كون الخلل من جهة النجاسة ، ومع هذا الاضطراب لا يحصل الوثوق النوعي بعدم طروء الخلل من جهة الزيادة أو النقيصة. بل قيل : إنه يشبه أن يكون وقع فيه غلط من النساخ. وحينئذ يشكل الاعتماد عليه في الشهادة على التفصيل المذكور.

[١] ففي صحيح ابن سنان في الدم : « وان كنت رأيته قبل أن تصلي فلم تغسله ، ثمَّ رأيته بعد وأنت في صلاتك فانصرف فاغسله وأعد صلاتك » (٢). ومثله في ذلك صحيح ابن جعفر (ع) (٣) ، وخبره‌ (٤) الواردان في ناسي الاستنجاء. ويمكن أيضاً استفادته مما دل على الإعادة في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٤.

٥٣٩

أمكن التطهير أو التبديل أم لا [١].

[ مسألة ١ ] : ناسي الحكم تكليفاً أو وضعاً كجاهله في وجوب الإعادة والقضاء [٢].

[ مسألة ٢ ] : لو غسل ثوبه النجس وعلم بطهارته ، ثمَّ صلى فيه ، وبعد ذلك تبين له بقاء نجاسته ، فالظاهر أنه من باب الجهل بالموضوع [٣] ، فلا يجب عليه الإعادة أو القضاء. وكذا لو شك في نجاسته ثمَّ تبين بعد الصلاة أنه كان نجساً [٤]. وكذا لو علم بنجاسته فأخبره الوكيل في تطهيره بطهارته [٥]

______________________________________________________

الجاهل إذا علم في الأثناء.

[١] للإطلاق.

[٢] لإطلاق دليل الإعادة على العالم. وقد تقدم الكلام في عموم‌ حديث : « لا تعاد ... » للجاهل بالحكم. ومثله الكلام في ناسي الحكم.

[٣] لصدق كونه لا يعلم بالنجاسة ، الذي أخذ موضوعا لنفي وجوب الإعادة في النصوص. ومجرد العلم بها قبل الغسل لا يجدي في دخوله تحت‌ قوله (ع) : « إن كان علم. » لأن المراد به العلم حين الصلاة. ولا ينافيه وجوب الإعادة على الناسي ، لأنه من أفراد العالم أو لقيام الدليل عليه بالخصوص. ومثل الفرض من علم بالنجاسة ، ثمَّ تردد بنحو الشك الساري فصلى ، فانكشف ثبوت النجاسة.

[٤] فإن صدق عدم العلم فيه واضح. نعم لو علم نجاسته سابقا كان استصحابها بمنزلة العلم ، ولذا يقوم مقام العلم المأخوذ موضوعا في الحكم على نحو الطريقية.

[٥] فان حجية خبر الوكيل وكونه بمنزلة العلم يستوجب كون الفرض‌

٥٤٠