مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

______________________________________________________

التعليل بأنه نجس ، الظاهر في سراية نجاسة النجس مطلقاً إلى الملاقي وان تكثرت الوسائط.

ومنها : ما تضمن كيفية تطهير الأواني والفرش مما لا يستعمل في شي‌ء يعتبر فيه الطهارة‌ (١) ، إذ لا موجب لتطهيرها ارتكازاً إلا الفرار عن سراية نجاستها إلى ما يلاقيها ... وغير ذلك مما لا يسع استقصاؤه في هذا المختصر ، وفيما ذكرنا كفاية في الدلالة على ما عليه الأصحاب.

نعم قد يستشهد لمذهب الكاشاني بروايات منها : موثقة حنان بن سدير « سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (ع) فقال : إني ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتد ذلك علي. فقال (ع) : إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك فان وجدت شيئاً فقل هذا من ذاك » (٢). وفيه : أن قول السائل : « ويشتد ذلك علي » إن كان من جهة خروج البول منه ، فلا دخل لعدم القدرة على الماء المذكور في السؤال في ذلك ، وان كان من جهة خروج بلل آخر فليس الوجه في الاشتداد إلا أنه إذا خرج يتنجس بمخرج البول ، وحينئذ تكون الرواية دالة على تنجيس المتنجس. وأيضاً فإن قوله (ع) : « امسح ذكرك بريقك » ليس ظاهرا في مسح خصوص مخرج البول لا غير. مع أن الرواية لا تخلو من اشكال ، إذ الريق الذي يمسح به الذكر لقلته ليس بنحو يوجب دفع العلم بخروج الخارج ، فان الخروج قد يكون محسوسا وجدانا مهما كان الريق الموضوع على الذكر ولو كثيراً ، كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة العيص : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء ، فمسح ذكره بحجر ، وقد عرق ذكره وفخذاه قال (ع) : يغسل ذكره وفخذيه. وسألته عمن مسح ذكره بيده ثمَّ عرقت‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٥ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٧٠ ، ٧٢ من أبواب النجاسات.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٧.

٤٨١

______________________________________________________

يده ، فأصاب ثوبه يغسل ثوبه؟ قال (ع) : لا » (١) وفيه : أنه لو سلم ظهور ذيلها في مسح البول الذي على ذكره بيده ، وان العرق كان في موضع المسح من اليد ، فصدرها ظاهر في تنجيس المتنجس ، والتنافي بين الصدر والذيل مانع من الأخذ بالذيل ، لأن التنافي يدل على وجود قرينة صارفة عن ظاهر أحدهما الى ما يوافق ظاهر الآخر ، ومع هذا العلم الإجمالي يسقط ظهور كل منهما عن الحجية.

ومنها : صحيحة حكم بن حكيم : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أبول فلا أصيب الماء ، وقد أصاب يدي شي‌ء من البول فأمسحه بالحائط وبالتراب ثمَّ تعرق يدي فامسح وجهي أو بعض جسدي ، أو يصيب ثوبي. فقال (ع) : لا بأس به » (٢) بناء على أن المسح بالموضع الذي فيه العرق الذي أصابه البول من اليد وأن نفي البأس بمعنى نفي نجاسة الممسوح ، لا مجرد الجواز التكليفي.

ومنها : رواية سماعة : « قلت لأبي الحسن موسى (ع) : إني أبول فأتمسح بالأحجار فيجي‌ء مني البلل ما يفسد سراويلي. قال (ع) : ليس به بأس » (٣) بناء على أن المراد نفي النجاسة لا نفي انتقاض الوضوء به ، وعلى أن خروج البلل الطاهر من الذكر يستوجب ملاقاته لحافة الذكر النجسة لكن لو سلم ذلك فظاهرها الاجتزاء بالأحجار في الاستنجاء من البول ، من دون ضرورة ، كما هو المنسوب الى جمهور المخالفين ، فلا بد أن تحمل على التقية. وحينئذ يكون عدم تنجس البلل الخارج لعدم نجاسة مخرج البول ، فلا تدل على عدم تنجيس المتنجس. مع أن سند الرواية لا يخلو‌

__________________

(١) ذكر في الوسائل صدر الحديث في باب : ٣١ من أبواب النجاسات حديث : ١ ، وذيله في باب ٦ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٤.

٤٨٢

______________________________________________________

من إشكال ، لأن فيه الحكم بن مسكين ، ولم ينص أحد على توثيقه. فلاحظ.

ومنها : رواية حفص الأعور : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الدن يكون فيه الخمر ، ثمَّ يجفف فيجعل عليه الخل؟ قال (ع) : نعم » (١) بناء على أن المراد أنه يجفف على نحو تذهب منه الأجزاء الخمرية. ولكنه بعيد. فالرواية ظاهرة في طهارة الأجزاء الخمرية المتخلفة في الدن. ولذا حملها الشيخ ـ كما في الوسائل ـ على التجفيف بعد أن تغسل ثلاثاً.

ومنها : رواية علي بن جعفر (ع) : عن أخيه (ع) : « سألته عن الكنيف يصب فيه الماء فينتضح على الثياب ما حاله؟ قال (ع) : إذا كان جافا فلا بأس » (٢). وفيه : أن من المحتمل أن يكون المراد من الكنيف الجاف ما لا يجتمع ما يقع فيه من قذر ، في مقابل ما يجتمع فيه القذر ـ كما هو الغالب في بلادنا ـ والأول مورد توارد الحالتين من الطهارة والنجاسة ، لأنه كما ينجس بملاقاة القذر ، كذلك يطهر بالماء المستعمل في الاستنجاء ونحوه من المياه الطاهرة. ولأجل ذلك يحكم على ملاقيه بالطهارة للأصل ، ومع هذا الاحتمال لا مجال للاستدلال بها على المدعى. مع أن الاستدلال بها موقوف على القول بانفعال الماء الوارد على النجاسة غير المستقر معها ، والبناء على عدمه أولى من البناء على عدم تنجيس المتنجس. وهناك روايات استدل بها على مذهب الكاشاني [ ره ] لم نذكرها ، لوضوح المناقشة في دلالتها.

وعلى هذا فالعمدة صحيحة حكم ، بناء على عدم تمامية المناقشات المتقدمة إليها الإشارة ، كما هو الظاهر. إلا أن الخروج بها عن ظاهر تلك النصوص الكثيرة القريبة من التواتر ، بل المدعى تواترها ، الواردة في موارد متفرقة مع احتمال ورودها في مقام الاجتزاء بإزالة العين في الطهارة ـ كما هو المنسوب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥١ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

٤٨٣

______________________________________________________

الى السيد المرتضى [ قده ] ـ فلا تكون منافية لقاعدة تنجيس المتنجس. بعيد عرفاً.

بل لا يمكن بعد دعوى الإجماع صريحاً أو ظاهرا ، بل والضرورة من كثير من الأجلاء على خلافها ، منهم الوحيد [ ره ] في شرح المفاتيح ، ومنهم المقدس الكاظمي في وسائله ، حيث قال : « إن استباح بسوء رأيه [ يعني : صاحب المفاتيح ] مخالفة الإجماع ، فما الذي أباح له الاقدام على مخالفة الضرورة وهو قاض بالخروج عن المذهب؟! بل ان كان إجماعاً في المسلمين وضرورة ـ كما هو الظاهر ـ خرج عن الدين ... ». ومنهم الشيخ الأكبر في محكي شرح القواعد قال ـ بعد دعوى الإجماع والضرورة على تنجيس المتنجس ـ : « وقال في المفاتيح ، واستعيذ بالله من هذه المقالة » ثمَّ حكى كلام الكاشاني ورواياته التي تشبث بها ... [ الى أن قال ] : « ثمَّ على تقدير ظهورهن فيما قال ، كيف يمكن الاستناد إليهن في مقابلة إجماع الشيعة ، بل المسلمين ، بل الضرورة ... [ الى أن قال ] : فسلام على الفقه وعلى الفقهاء بعد ظهور مثل هذه الأقوال ، ولا قوة إلا بالله ]. وقال في الجواهر في مسألة الاستنجاء من البول بالماء : « وقد تفرد الكاشاني بشي‌ء خالف به إجماع الفرقة الناجية ، بل إجماع المسلمين ، بل الضرورة من الدين مستنداً إلى هاتين الروايتين [ يعني روايتي حنان وسماعة المتقدمتين ] ونحوهما ... [ إلى أن قال ] : وهو بالاعراض عنه حقيق ، ولا يليق بالفقيه التصدي لرد مثل ذلك بعد ما عرفت أنه مخالف لإجماع المسلمين وضرورة الدين » ونحو ذلك كلام غيرهم.

ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ادعاه بعض الأكابر من مشايخنا [ قدهم ] في كتاب مصباح الفقيه ، من استقرار سيرة المتشرعة خلفاً عن سلف على المسامحة في الاجتناب عن ملاقيات المتنجس في مقام العمل ، بحيث لو‌

٤٨٤

______________________________________________________

تعدى أحد عن الطريقة المألوفة عندهم في اجتناب النجاسات ، بأن اجتنب مثلا عن أبنية البلاد معللا : بأن من عمرها استعمل في تعميرها الآلات والأدوات التي لا زال يستعملها في تعمير الكنيف من غير أن يطهرها ، يطعنه جميع المتشرعة بالوسواس ويرونه منحرفاً عن الطريقة المعروفة عندهم في اجتناب النجاسات ... إلخ كلامه [ قده ].

وجه الاشكال : أن الاجتناب في أمثال المقام ليس عن علم بالنجاسة وانما هو عن الظن والتخمين ، وترتيب مقدمات عقيمة عن الإنتاج ، لكثرة الأسباب الموجبة لقيام الاحتمال ، وانتفاء العلم بالسراية. ولذا لو سئل [ قده ] عن طهارة طعامه ، وشرابه وفراشه ، لم يشهد بالنجاسة ، ولم يدع العلم بملاقاته للمتنجس ، وكذا أكثر الناس.

ومنه يظهر الاشكال فيما ذكره [ قده ] أيضاً ، من أنه لو كان المتنجس منجساً لزم نجاسة جميع ما في أيدي المسلمين وأسواقهم ، لأنا نعلم أن أغلب الناس لا يتحرزون عن النجاسات. ويخالطون غيرهم ، فيستوي حال الجميع إذ لا يخفى أنه كما نعلم ذلك نعلم أيضاً بطروء الأسباب الموجبة للطهارة ، ولو من باب الاتفاق وذلك يوجب ارتفاع العلم بنجاسة ما يكون محل الابتلاء لكل مكلف ، والمرجع حينئذ أصالة الطهارة. نعم يعلم إجمالا بكذب أصالة الطهارة في كثير من الموارد المتعلقة بالمكلف وغيره ، أو المتعلقة به في وقائع بعضها صار خارجا عن محل الابتلاء. لكن مثل هذا العلم الإجمالي غير قادح في الرجوع الى الأصل.

ونظير هذا الاشكال وارد في النقود التي يأخذها السلطان الجائر ثمَّ يعطيها في كل سنة مرات متعددة ، أو تؤخذ بالمعاملات الفاسدة أو بالسرقة أو الغيلة أو بدون دفع الخمس أو الزكاة ، ويجري عليها الأخذ والإعطاء في كل سنة أو في كل شهر مرة أو مرات ، واختلاط بعضها بالمملوك يوجب قصور سلطنة المالك عن القسمة ، وعدم جواز التصرف في الجميع إلا بمراجعة‌

٤٨٥

كالنجس ، لكن لا يجري عليه جميع أحكام النجس [١] ، فاذا تنجس الإناء بالولوغ يجب تعفيره ، لكن إذا تنجس إناء آخر بملاقاة هذا الإناء ، أو صب ماء الولوغ في إناء آخر لا يجب‌

______________________________________________________

المالك أو الحاكم الشرعي عند جهل المالك ، فالصراف الذي يأخذ هذه النقود في كل يوم يخلطها مع أمواله ولا يزال يختلط بعضها ببعض. وهكذا الحال في الاملاك القديمة الثابتة من الدور والبساتين ، فان تهاون الناس في أموال القاصرين والضعفاء والغائبين وغيرهم والعمل بحكم قضاة الجور أمر معلوم ، وذلك يستوجب العلم ـ في الجملة ـ بتحريم تلك الأموال بعد مضي مدة طويلة قد توارد فيها هذه الطوارئ وأمثالها مما يستوجب حرمة المال فلو استوجب مثل ذلك رفع اليد عن القواعد الشرعية لاستوجب رفع اليد عن جملة من القواعد المسلمة في باب تحليل المال. والوجه في دفع الإشكال في ذلك ما عرفت ، من أن ذلك لا يوجب خروج مورد الابتلاء عن مجرى أصالة الحل أو اليد أو نحوهما. فلاحظ وتأمل.

هذا وقد كتب بعض الأجلاء المعاصرين قدس‌سره (١) رسالة في هذه المسألة رد فيها على بعض الأجلة من المعاصرين قدس‌سره (٢) حيث ذهب الى عدم تنجيس المتنجس الجاف. وقد اشتملت الرسالة المذكورة على مطالب مهمة وفوائد جمة. جزاه الله تعالى خير جزاء المحسنين ، كما نسأله الهداية والتوفيق إنه حسبنا ونعم الوكيل.

[١] يعني : النجس الذي تنجس به ، لأن أدلة تلك الاحكام جعلت موضوعها النجس الخاص ، فلا موجب لثبوتها لما تنجس به ، لعدم ثبوت انطباقه عليه.

__________________

(١) المتبحر الشيخ محمد جواد البلاغي.

(٢) الشيخ محمد مهدي الخالصي.

٤٨٦

فيه التعفير [١] وان كان الأحوط ، خصوصا في الفرض الثاني [٢]. وكذا إذا تنجس الثوب بالبول وجب تعدد الغسل [٣] ، لكن إذا تنجس ثوب آخر بملاقاة هذا الثوب لا يجب فيه التعدد [٤]. وكذا إذا تنجس شي‌ء بغسالة البول ـ بناء على نجاسة الغسالة ـ لا يجب فيه التعدد.

[ مسألة ١٢ ] : قد مر أنه يشترط في تنجس الشي‌ء بالملاقاة تأثره [٥] ، فعلى هذا لو فرض جسم لا يتأثر بالرطوبة أصلا ، كما إذا دهن على نحو إذا غمس في الإناء لا يتبلل أصلا ، يمكن أن يقال : إنه لا يتنجس بالملاقاة ولو مع الرطوبة المسرية. ويحتمل أن تكون رجل الزنبور ، والذباب ، والبق من هذا القبيل.

[ مسألة ١٣ ] : الملاقاة في الباطن لا توجب التنجيس.

فالنخامة الخارجة من الأنف طاهرة وإن لاقت الدم في باطن‌

______________________________________________________

[١] لأنه حكم للإناء الذي تنجس بالولوغ ، ولا ينطبق ذلك على الإناء الذي تنجس بإناء الولوغ ، وهو واضح.

[٢] بل لعله الأقوى كما عن العلامة في النهاية ، والمحقق الثاني. لظهور دليل وجوب التعفير في كون موضوعه الإناء الذي هو ظرف لماء الولوغ وخصوصية كونه ظرفا لنفس الولوغ أيضاً ملغاة عرفا. فلاحظ صحيح الفضل ، وتأمل.

[٣] كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

[٤] لما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ من عدم لزومه في تطهير المتنجس بغير البول.

[٥] مر ذلك في أول الفصل فراجع.

٤٨٧

الأنف. نعم لو أدخل فيه شي‌ء من الخارج ، ولاقى الدم في الباطن ، فالأحوط فيه الاجتناب [١].

فصل

يشترط في صحة الصلاة [٢] واجبة كانت أو مندوبة [٣] إزالة النجاسة عن البدن حتى الظفر ، والشعر [٤] ، واللباس [٥] ،

______________________________________________________

[١] تقدم الكلام في هاتين الصورتين وغيرهما في أول مسألة من مبحث نجاسة البول والغائط.

فصل‌

[٢] إجماعا محققا ، والنصوص به متجاوزة حد التواتر‌

[١]. وسيذكر بعضها في شرح المسائل الآتية إن شاء الله تعالى.

[٣] لإطلاق الأدلة.

[٤] بلا إشكال ظاهر. ويستفاد مما دل على مانعية نجاسة الثوب لو فرض قصور أدلة مانعية نجاسة البدن عن إفادته.

[٥] وكأنه المراد من الثوب المذكور في كثير من الفتاوى ، إما لأنه مرادف اللباس ـ كما يظهر من القاموس ـ أو لأن ذكر الثوب بالخصوص من باب المثال ، لأنه الغالب. ويشير الى ذلك استثناء مالا تتم به الصلاة‌

__________________

(١) راجع الوسائل في الأبواب الآتية من : ١٨ الى : ٢٢ ، و٣٠ ، ٣١ ، ومن ٤٠ الى : ٤٧ و٦١ من أبواب النجاسات ويوجد في كثير من الأبواب الأخر وفي أبواب لباس المصلى ومكانه وغيرها ما يدل عليه ولو بالالتزام.

٤٨٨

ساتراً كان أو غير ساتر [١] عدا ما سيجي‌ء [٢] من مثل الجورب ونحوه مما لا تتم الصلاة فيه. وكذا يشترط في توابعها من صلاة الاحتياط [٣] وقضاء التشهد والسجدة المنسيين [٤]. وكذا في سجدتي السهو على الأحوط [٥]. ولا يشترط في ما يتقدمها من الأذان والإقامة ، والأدعية التي قبل تكبيرة‌

______________________________________________________

فإنه ليس من الثياب عرفا. ويشهد لذلك من النصوص ما ورد في المنع عن الصلاة في جلد الميتة والصلاة في النجس ، كما سيأتي في مبحث المحمول النجس. فلا فرق بين الثوب وبين الفرو والدرع وغيرهما من أصناف الملبوس.

[١] إجماعا. لإطلاق النص والفتوى.

[٢] وسيجي‌ء دليله.

[٣] إجماعا. لإطلاق النص والفتوى.

[٤] إجماعا ، فإن القضاء متحد مع المقضي في جميع الخصوصيات ، جزءاً كانت ، أو شرطا ، وجودياً ، أو عدميا. وانما الاختلاف في الزمان لا غير ، وكون الطهارة شرطا للصلاة ليس معناه إلا كونها شرطا لاجزائها ومنها التشهد والسجدة.

[٥] بل عن السرائر والنهاية والألفية وغيرها : أنه الأقوى ، للاحتياط وانصراف دليلهما الى ذلك ، وأنها جابرة لما يعتبر فيه الطهارة ، ولغير ذلك مما لا يخفى ضعفه. ولذا حكي عن التحرير وجواهر القاضي العدم ، بل لعله ظاهر كل من لم يتعرض لذكرها في شرائطها ، كالمحقق وغيره. نعم قد يستفاد مما دل على أنهما قبل الكلام قدح جميع منافيات الصلاة فيهما ، ومنها الحدث. وان كان لا يخلو من تأمل واشكال. وتمام الكلام في مباحث خلل الصلاة فراجع.

٤٨٩

الإحرام [١] ، ولا في ما يتأخرها من التعقيب. ويلحق باللباس ـ على الأحوط ـ اللحاف الذي يتغطى به المصلي مضطجعاً إيماء ، سواء كان متستراً به أولا ، وإن كان الأقوى في صورة عدم التستر به ـ بأن كان ساتره غيره ـ عدم الاشتراط [٢]. ويشترط في صحة الصلاة أيضا إزالتها عن موضع السجود [٣].

______________________________________________________

[١] لإطلاق أدلتها ، وكذا ما يتأخر. نعم يشكل ذلك في الإقامة ، كما سيأتي في محله.

[٢] حيثية التستر ليس لها دخل في اشتراط الطهارة ، لما سبق من عدم الفرق بين الساتر وغيره. وحينئذ فإذا لم يكن في صورة عدم التستر به داخلا في اللباس الواجب فيه الطهارة ، لم يكن داخلا فيه في صورة التستر به أيضاً ، كما هو الظاهر. نعم إذا كان ملتفاً فيه بنحو يصدق أنه صلى فيه وجبت طهارته وإلا فلا ، للأصل.

[٣] إجماعا ، كما عن ابن زهرة ، والفاضلين ، والشهيد ، والمحقق الثاني والأردبيلي ، وغيرهم. ولا يقدح فيه ما عن الوسيلة والراوندي من الخلاف فيه فان نسخ الوسيلة مختلفة. ففي بعضها ما هو ظاهر في موافقة الأصحاب ، كما حكاه في مفتاح الكرامة ، وفي الجواهر في مبحث مطهرية الشمس ، وحكياه عن نسخة الذخيرة. والنسخة التي يظهر منها المخالفة ظاهرة في اعتبار تجفيف الشمس ، ولعله لكون التجفيف بمنزلة التيمم بدلا عن الطهارة. ومن هذا يظهر لك حال المحكي عن الراوندي. ويشهد للمشهور من النصوص‌ صحيح زرارة : « سألت أبا جعفر (ع) : عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه. فقال (ع) : إذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر » (١). لكن في كون المسجد مما يصلى فيه إشكال‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٤٩٠

دون المواضع الأخر [١] ، فلا بأس بنجاستها إلا إذا كانت‌

______________________________________________________

ظاهر. وصحيح ابن محبوب عن الرضا (ع) : « أنه كتب إليه يسأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب (ع) اليه : إن الماء والنار قد طهراه » (١). لكن العمل بظاهره متعذر. وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في مبحث مطهرية الشمس ، ومبحث السجود ، ما له نفع في المقام.

[١] على المشهور ، كما عن جماعة. وعن السيد [ ره ] اعتبار طهارة ما يلاقيه بدن المصلي. وعن الحلبي اعتبار طهارة مساقط الأعضاء السبعة. ويشهد للأول‌ موثق ابن بكير : « عن الشاذكونة (٢) يصيبها الاحتلام أيصلى عليها؟ قال (ع) : لا » (٣). وموثق عمار : « عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره ، فلا تصيبه الشمس ، ولكنه قد يبس الموضع القذر. قال (ع) : لا يصلى عليه » (٤). لكن الأول معارض بصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) ، وبخبر محمد بن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع) (٥) المتضمنين نفي البأس في الصلاة على [ الشاذكونة ] تصيبها الجنابة. والثاني معارض‌ بصحيح ابن جعفر (ع) : « عن البيت والدار لا يصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما من الجنابة أيصلى فيهما إذا جفا؟ قال (ع) : نعم » (٦). فيتعين إما الحمل على الكراهة ، أو على خصوص موضع السجود بقرينة الإجماع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨١ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) بفتح الذال ثياب غلاظ مضربة تعمل في اليمن. القاموس.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب النجاسات حديث : ٣ ، ٤.

(٦) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٤٩١

مسرية الى بدنه [١]. أو لباسه [٢].

[ مسألة ١ ] : إذا وضع جبهته على محل بعضه طاهر وبعضه نجس صح إذا كان الطاهر بمقدار الواجب ، فلا يضر كون البعض الآخر نجساً ، وان كان الأحوط طهارة جميع ما يقع عليه [٣]. ويكفي كون السطح الظاهر من المسجد طاهراً ، وان كان باطنه أو سطحه الآخر أو ما تحته نجساً ، فلو وضع التربة على محل نجس ، وكانت طاهرة ولو سطحها الظاهر ، صحت صلاته [٤].

______________________________________________________

وأما القول الثاني فلم نجد له شاهدا سوى ما يتوهم من كون المراد من طهارة المسجد في معاقد الإجماعات ما يعم مواضع سائر المساجد. ولكنه كما ترى بعد كون العدم فيها هو المعروف.

[١] إجماعا مستفيض النقل. والظاهر ـ كما اعترف به جماعة ـ كون المورد من صغريات قاعدة وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن ، فلا بأس بالنجاسة المتعدية إذا كانت معفوا عنها. نعم عن الإيضاح حكاية الإجماع عن والده [ ره ] على المنع حتى في المعفو عنها ، وأن ذلك شرط في مكان المصلي. لكن ظاهر المحكي عن النهاية والتذكرة من أنه يشترط طهارة المكان من النجاسات المتعدية ما لم يعف عنها إجماعا ، خلاف ذلك.

[٢] إذا كان مما تتم به الصلاة ، حسب ما عرفت.

[٣] لإطلاق معاقد الإجماعات على اشتراط طهارة محل الجبهة ، وان كان الظاهر منها المقدار المعتبر ، إذ المقام نظير وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه.

[٤] كما في الجواهر ، وعن كشف الغطاء. والظاهر أنه من المسلمات‌

٤٩٢

[ مسألة ٢ ] : تجب إزالة النجاسة عن المساجد [١]

______________________________________________________

لاختصاص دليل الطهارة بالسطح الماس للجبهة.

[١] عن جماعة نقل الإجماع عليه ، كالشيخ ، والحلي ، والفاضلين ، والشهيد وغيرهم. ويشهد له قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) (١) بضميمة عدم الفصل بين المسجد الحرام وغيره من المساجد. والمناقشة في دلالة الآية الشريفة على النجاسة تقدم دفعها في مبحث نجاسة الكافر. وقد يستدل أيضاً بما‌ رواه في السرائر ، عن نوادر البزنطي ، عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له (ع) : إن طريقي الى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربما مررت فيه وليس علي حذاء فيلصق برجلي من نداوته. فقال (ع) : أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت بلى. قال (ع) : فلا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضاً » (٢). لكنه يشكل باحتمال كون المقصود نفي البأس من حيث الصلاة كما قد يظهر ذلك من ذيل الرواية. وكذا الكلام في موثقته الأخرى‌ (٣).

وأما النبوي المروي في كتب أصحابنا ـ كما‌ في الوسائل ـ : « جنبوا مساجدكم النجاسة » (٤). فيشكل : بأن من المحتمل أن يكون المراد منه مسجد الجبهة ، كما قد يشهد به إضافته إلى ضمير الجمع. مع ضعف سنده وانجباره بالعمل غير معلوم. هذا ومقتضى إطلاق الآية عدم الفرق بين الدفع والرفع. كما أن مقتضاه عدم الفرق بين أرض المسجد وسقفه ، وجدرانه ، وغيرها مما يعد جزءاً منه.

__________________

(١) التوبة : ٢٨.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب النجاسات حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب أحكام المساجد حديث : ٢.

٤٩٣

داخلها ، وسقفها وسطحها ، وطرف الداخل من جدرانها ، بل والطرف الخارج على الأحوط [١]. إلا أن لا يجعلها الواقف جزاء من المسجد. بل لو لم يجعل مكانا مخصوصا منها جزاء لا يلحقه الحكم [٢]. ووجوب الإزالة فوري [٣] فلا يجوز التأخير بمقدار ينافي الفور العرفي. ويحرم تنجيسها أيضاً [٤]. بل لا يجوز إدخال عين النجاسة فيها ، وان لم تكن منجسة ، إذا كانت موجبة لهتك حرمتها [٥] ، بل مطلقا على الأحوط [٦].

______________________________________________________

[١] كأنه لدعوى الانصراف عنه. لكنه بدوي لا يجوز لأجله رفع اليد عن الإطلاق.

[٢] للأصل.

[٣] كما نص عليه غير واحد ، بل عن المدارك والذخيرة نسبته إلى الأصحاب. ويقتضيه ظاهر النهي. بل وظاهر معاقد الإجماعات على وجوب الإزالة ، إذ ليس المقصود وجوب الإزالة ولو بعد حين ، وفي وقت من الأوقات بل الإزالة على الفور ، ولو بقرينة مناسبة الاحترام والتعظيم ، كما لا يخفى. نعم ظاهر النهي في الآية الفور الحقيقي. إلا أن يكون إجماع على خلافه.

[٤] لما عرفت من ظهور الأدلة فيما هو أعم من الرفع والدفع.

[٥] لحرمة هتكها إجماعاً ولو بغير التنجيس.

[٦] بل عند جماعة أنه الأقوى ، وعن اللوامع نسبته الى الحلبيين ، وعن الكفاية نسبته إلى المشهور. لظاهر الآية الشريفة. وعن الشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم ـ بل عن روض الجنان نسبته إلى الأكثر ـ الاختصاص‌

٤٩٤

وأما إدخال المتنجس فلا بأس به [١] ما لم يستلزم الهتك.

______________________________________________________

بالمتعدية للإجماع على جواز دخول الصبيان والحائض مع عدم انفكاكهم عن النجاسة ـ غالباً وقد ذكر الأصحاب [ قدهم ] جواز دخول المسلوس والمستحاضة مع أمن التلويث ، وجواز القصاص في المسجد للمصلحة مع فرش ما يمنع التلويث بل دخول الحائض والمستحاضة مورد النصوص (١) ، بل السيرة على دخول المجروح والمقروح ونحوهما ممن تلوث بدنه أو لباسه بشي‌ء من عين النجاسة. لكن إن تمَّ دليل على ذلك أمكن الاقتصار عليه ، والرجوع في مورد الشك الى عموم الآية الشريفة المانع عن المتعدية وغيرها ، لا تخصيص النجاسة بالمتعدية ، لأنه من غير مخصص. ومجرد ثبوت الجواز في الموارد المذكورة ونحوهما مما كانت النجاسة من توابع الداخل ، وكونها قليلة غير ملتفت إليها ، لا يقتضي التخصيص المذكور ولا يقتضي حمل النهي في الآية على العرضي ، لأجل ما يترتب على دخول المشرك من تلويث المسجد ، فان ذلك خلاف الظاهر.

[١] عند جماعة. لاختصاص الدليل بعين النجاسة ، والأصل في غيره الجواز. [ فان قلت ] : مورد الآية الشريفة وان كان المشرك ، وهو نجس ذاتا لا متنجس لكن قوله تعالى ( نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا ) ظاهر في كون موضوع الحكم النجس ، وهو أعم من النجس بالعرض وهو المتنجس. [ قلت ] : النجس لما كان مصدراً وحمله على العين لا يصح إلا على وجه المبالغة ، فالموضوع للحكم هو النجس على نحو المبالغة ، وصدقه على المتنجس غير واضح. بل لو أمكن الفرق بين النجاسات أشكل الاستدلال بالآية الشريفة على المنع من كل نجاسة. نعم ظاهر السرائر الإجماع على عموم الحكم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ ، ١٧ من أبواب الجنابة ، وباب : ٣٥ من أبواب الحيض وباب : ٩١ من أبواب الطواف.

٤٩٥

[ مسألة ٣ ] : وجوب إزالة النجاسة عن المساجد كفائي [١]. ولا اختصاص له بمن نجسها [٢] أو صار سببا ، فيجب على كل أحد.

[ مسألة ٤ ] : إذا رأى نجاسة في المسجد وقد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها مقدما على الصلاة مع سعة وقتها ، ومع الضيق قدمها. ولو ترك الإزالة مع السعة ، واشتغل بالصلاة ، عصى لترك الإزالة. لكن في بطلان صلاته اشكال [٣] ،

______________________________________________________

للمتنجس حيث قال [ ره ] : « لا خلاف بين الأمة كافة في أن المساجد يجب أن تنزه وتجنب النجاسات العينية ، وقد أجمعنا بلا خلاف في ذلك بيننا على أن من غسل ميتاً له أن يدخل المسجد ويجلس فيه ، فضلا عن دخوله ومروره ، فلو كان نجس العين لم يجز له ذلك » وكذلك ظاهر المعتبر فإنه ـ بعد ما حكى ذلك ـ أقره على الإجماع الأول وأنكر عليه الإجماع الثاني. فقال : « فانا لا نوافقك على ذلك ، بل نمنع الاستيطان ، كما نمنع من على جسده نجاسة » ، لكن العمل بمثل هذا الإجماع بعد ما تقدم عن روض الجنان من مخالفة الأكثر غير ظاهر. لكن بناء على الإشكال في دلالة الآية على عموم الحكم للمتنجس يشكل الأمر في دلالتها على حرمة تلويث المسجد بالمتنجس ، فلا بد أن يكون الوجه فيه الإجماع. وأما الرواية فقد عرفت الإشكال في دلالتها.

[١] فان ظاهر الآية الشريفة عموم الخطاب للجميع ، ولما لم يمكن فيه التكرار تعين كونه كفائيا.

[٢] وعن الذكرى الاختصاص به. وهو غير ظاهر ، ولا سيما مع عجزه عن الامتثال ، فإنه يلزم سقوط الخطاب رأساً.

[٣] الكلام في هذه المسألة يقع في أمور : [ الأول ] : وجوب المبادرة‌

٤٩٦

______________________________________________________

إلى الإزالة ، على نحو لو تركها واشتغل بالصلاة عصى في ترك المبادرة إلى الإزالة. [ الثاني ] : أن الأمر بالإزالة فوراً هل يقتضي النهي عن الصلاة أو لا؟ [ الثالث ] أنه على تقدير اقتضائه النهي هل يقتضي مثل هذا النهي الفساد أو لا؟ [ الرابع ] : أنه على تقدير عدم اقتضائه النهي فهل يمنع من الأمر بالصلاة على نحو الترتب أو لا؟ [ الخامس ] : أنه على تقدير المنع من ذلك فهل تصح الصلاة بفعلها بداعي الملاك أم لا؟.

أما الكلام في الأول : فالظاهر أنه لا إشكال عندهم في حصول العصيان بترك الإزالة ولو مع الاشتغال بالصلاة ، لأن ذلك مخالفة لدليل الفورية. لكن يظهر من كلام المستند : العدم ، حيث قال : « ولا يبطل واجب موسع أو مضيق لو فعله قبل الإزالة ، ولو قلنا باقتضاء الأمر بالشي‌ء للنهي عن ضده. بل لم يثبت الإجماع على الوجوب الفوري حين دخول واجب موسع أو مستحب كذلك فلا يحكم ببطلانه إذا فعله على القول بالاقتضاء المذكور أيضاً. ولا يختص ذلك بما إذا كان دليل وجوب الإزالة الإجماع ، بل وكذا لو كان دليله الآية والاخبار لاستناد الفورية معهما إلى الإجماع ، لعدم دلالة الأمر بنفسه على الفور. بل وكذا لو قلنا بدلالته على الفور أيضاً ، لحصول التعارض بين دليل وجوب الإزالة المستلزم للنهي عن غيرها ، وبين تلك العبادة بالعموم من وجه ، ولو فقد المرجح يحكم بالتخيير المستلزم للصحة ... ».

وفيه : أنك عرفت ظهور الإجماع في الوجوب الفوري ، وأن دلالة الآية على الفورية من باب دلالة النهي على الفور التي لا خلاف فيها ، لا من باب دلالة الأمر على الفور التي هي محل الخلاف. بل الأمر بالإزالة الذي هو مفاد النبوي المتقدم مما لا ريب في أن المراد به الفور ـ وان قلنا بأن الأمر لا يدل على الفور لأن الدلالة في المقام بقرينة مناسبة الحكم والموضوع. وعلى تقدير الدلالة فالمقام من باب تزاحم الواجبين ، لإحراز‌

٤٩٧

______________________________________________________

مناط الوجوب فيهما معاً ، فلا بد من إعمال قواعد التزاحم ، المقتضية لترجيح المقتضي التعييني على المقتضي التخييري ، كما في جميع موارد تزاحم الواجبين إذا كان أحدهما مضيقاً والآخر موسعاً. لا من باب التعارض الذي لا يحرز فيه المناط في الطرفين ، كي يرجع الى المرجح أو التخيير مع عدمه.

مع أنه لو سلم ذلك فالظاهر تعين الجمع العرفي بينهما بتقديم دليل الفورية على دليل التوسعة ، نظير موارد تعارض دليل الاقتضاء واللااقتضاء فان العرف في مثل ذلك يقدم الأول على الثاني. مع أن المرجع في مورد المعارضة بين العامين من وجه الأصل ، وهو يقتضي البطلان وعدم المشروعية مع أنه لو بني على الرجوع الى التخيير فالتخيير المذكور تخيير في المسألة الأصولية ، فلا يحكم بصحة العبادة إلا إذا اختير دليل التوسعة ، لا تخيير في المسألة الفرعية كي تصح العبادة مطلقاً.

وكيف كان فلا ينبغي التأمل في وجوب المبادرة إلى الإزالة في الفرض وفي حصول العصيان بتركها ، بناء على ما عرفت من كون المقام من باب التزاحم لأن مقتضي الإزالة في الزمان الأول تعييني ، ومقتضي الصلاة في الزمان الأول تخييري والمقتضي التخييري لا يصلح لمعارضة المقتضي التعييني ، لأنه لا اقتضاء له في التعيين ، وما لا اقتضاء له لا يصلح لمزاحمة ماله الاقتضاء.

وأما الكلام في الأمر الثاني : فهو أنه لا موجب لاقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده ، إذ ليس فعل الضد مانعاً عن ضده ، ولا عدمه شرطاً لضده لأن الضدين في رتبة واحدة ، فيمتنع أن يكون كل منهما مانعاً عن الآخر ، لأن المانع يكون في رتبة سابقة على الممنوع ، لأنه نقيض عدمه ، الذي هو شرط وجود الممنوع ، المقدم رتبة على المشروط ، والنقيضان في رتبة واحدة ، فلو كان الضد مانعاً عن وجود الضد الآخر كان متقدما عليه رتبة ومتأخراً عنه ، وهو ممتنع.

٤٩٨

______________________________________________________

وأما الكلام في الأمر الثالث : فهو أنه لا فرق بين النهي النفسي والغيري في كون مخالفته مبعدة عن المولى ، فمن سل سيفه ليقتل مولاه كان سل سيفه بقصد قتل المولى مبعداً عنه ، لأنه تمرد عليه ، كما لا يخفى. وحينئذ يمتنع أن يكون عبادة ، لأن العبادية متقومة بصلاحية الفعل للمقربية ، والمبعد لا يصلح لذلك.

وأما الكلام في الأمر الرابع : فهو أن الأمر بالضدين إنما يمتنع إذا كان الأمر بأحدهما مدافعاً ومطارداً للأمر بالآخر ، وذلك يختص بما إذا كان الأمران في عرض واحد. لأنهما لما لم تسعهما قدرة المكلف وانما تسع واحداً منهما ، فالأمر المتعلق بأحدهما يستوجب صرف قدرة المكلف الى متعلقه ، والأمر المتعلق بالآخر يستوجب صرف قدرته اليه ، والمفروض أن القدرة لا تسعهما معاً ، فيلزم محذور المدافعة بينهما. أما لو كانا على نحو الترتب : بأن كان الأمر بأحدهما مطلقاً والآخر مشروطاً بعدم امتثال الأول فلا يلزم المحذور ، لأن الثاني لا يستوجب صرف القدرة من متعلق الأول إلى متعلقه ، لأن الأمر المشروط لا يقتضي حفظ شرطه ، وانما يقتضي صرف القدرة إلى متعلقه على تقدير حصول شرطه ، فلا يكون منافيا للأول كما أن الأول وإن كان يقتضي صرف القدرة من متعلق الثاني إلى متعلقه ، لكن صرفها على النحو المذكور ليس إبطالا لمقتضي الثاني ، بل هو رفع لشرط وجوده ، وقد عرفت أنه لا يقتضي حفظ شرطه ، فلا يكون أحد الأمرين منافياً لمقتضي الآخر ولا مدافعاً له.

ولأجل ذلك لا يبنى على سقوط الأمر بالمهم بالمرة إذا زاحمه الأمر بالأهم ، لأن ذاته لا تزاحم ذلك الأمر ، وانما المزاحم إطلاقه ، فيسقط وتبقى ذات الأمر بالمهم مقيدة. وبذلك يجمع العقل بين الأمرين.

ومثله ما لو كان الضدان في مرتبة واحدة في الاهتمام ، فان تزاحمهما‌

٤٩٩

______________________________________________________

لا يوجب سقوط أمريهما معاً ، لعدم التدافع بين ذاتي الأمرين ، وانما التدافع بين اطلاقيهما فيسقطان معا ، وتبقى ذاتا الأمرين مقيدتين ، فيجمع العقل بينهما بتقييد كل من الأمرين بعدم امتثال الآخر ، ولازم ذلك سقوط الأمرين عند فعل أحد الضدين. أما سقوط أمر الضد المأتي به فبالامتثال وأما سقوط أمر الآخر فبانتفاء شرطه ، وثبوت الأمرين معا بترك الضدين معاً ، لحصول شرط كل من الأمرين ، ولازم ذلك استحقاق عقابين عليهما معاً.

وأما الكلام في الأمر الخامس : فهو أن الملاك [ تارة ] : يراد به المصلحة الموجبة لترجح الوجود على العدم ، أو المفسدة الموجبة لترجيح العدم على الوجود. [ وأخرى ] : يراد به نفس الترجح النفساني الموجب للميل الى الوجود أو النفرة عنه ، وان لم يكن هناك ارادة ولا كراهة ، إما لعدم الالتفات إلى الشي‌ء ، أو لوجود المانع عن تعلقهما به. فان كان المراد به الأول فالظاهر أنه لا يوجب عبادية العبادة فلو جي‌ء بالعبادة لأجل المصلحة ، لم تكن عبادة للمولى ، ولا إطاعة له ولا منشأ لاستحقاق الثواب ، كما سيجي‌ء ـ إن شاء الله تعالى ـ في مباحث نية الوضوء وان كان المراد به الثاني ، فالظاهر صحة العبادة لو كان هو الداعي إلى فعلها. بل الظاهر أن عبادية العبادات كلية إنما تكون لذلك ، وقصد الأمر إنما يصحح العبادة بلحاظ طريقيته الى الملاك المذكور ، لا من حيث هو هو. ولذا لو علم بخلو الأمر عن الملاك لم يكن أمرا حقيقياً ، بل كان صورياً ، ولم تجب موافقته. ولو علم بوجود الملاك بالمعنى المذكور وجب الفعل وان علم بعدم الأمر لمانع منه. فلو علم العبد أن ولد المولى قد غرق وجب إنقاذه وان لم يعلم المولى بذلك ، أو علم ولم يأمره بإنقاذه لجهله بوجود من يقدر على إنقاذه. فهذا الدوران دليل على كون المعيار في صحة العبادات هو الملاك ـ بالمعنى المذكور ـ من دون دخل فيها للأمر. وتحقيق هذه المباحث موكول الى مبحث الضد. وقد‌

٥٠٠