مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

______________________________________________________

فلا يجري الاستصحاب فيها. مضافا إلى أن الكلام في الاستصحاب التعليقي والاستصحاب الجاري في الملازمة تنجيزي ، ولو جرى كان حاكما على استصحاب الحكم التعليقي والتنجيزي معا.

وقد ذكر بعض الأعاظم في درسه في توجيه الحكومة ما لا يخلو من إشكال ونظر ، وحاصل ما ذكر : أن الشك في الحل والطهارة بعد الغليان وان كان عين الشك في الحرمة والنجاسة على تقدير الغليان ، لكن الشك المذكور ناشئ من الشك في كيفية جعل النجاسة والحرمة ، وأنه هل يختص بحال العنبية ، أو يعمها وسائر الأحوال الطارية عليها كالزبيبية ، ـ مثلا ـ ولما كان الاستصحاب التعليقي يقتضي كون الجعل على النحو الثاني ، كان حاكما على استصحاب الحل والطهارة ، لأنه معه لا يبقى مجال للشك في الحل والطهارة [ فإن قلت ] : كيف يكون حاكما على الاستصحاب المذكور مع أن الشرط في الأصل الحاكم أن يكون مجراه موضوعا لمجرى الأصل المحكوم ، كما في استصحاب طهارة الماء ، الحاكم على استصحاب نجاسة الثوب المغسول به ، وليس الحل والطهارة التنجيزيان في المقام من أحكام الحرمة والنجاسة التعليقيتين [ قلت ] : هذا يختص بالأصول الجارية في الشبهات الموضوعية ، وأما الشبهات الحكمية فيكفي فيها أن يكون التعبد بالأصل السببي مقتضيا لرفع الشك المسبب ، إذ لا معنى للتعبد بالحرمة والنجاسة التعليقيتين إلا إلغاء احتمال الحلية والطهارة ، فاستصحاب الحرمة والنجاسة يكون حاكما على استصحاب الحلية والطهارة.

هذا ولكن يشكل : بأنه لم يتضح الوجه في كون الاستصحاب التعليقي مقتضياً لكون جعل الشارع للحرمة والنجاسة في العنب إذا غلى شاملا لحال الزبيبية ، ولا يكون استصحاب الحل والطهارة التنجيزي مقتضياً لكون الجعل على نحو يختص بالعنب ، ولا يشمل الزبيب. كما لم يتضح الوجه في كون‌

٤٢١

______________________________________________________

الشك في الحل والحرمة ، ناشئاً من الشك في عموم الجعل وشموله لحال الزبيبية وعدمه ، ولم لا يكون العكس؟ بأن يكون الشك في العموم ناشئاً من الشك في ثبوت الحرمة على تقدير الغليان. وأيضاً فهذا النش‌ء عقلي ، فكيف يكون الأصل الجاري في الناشئ مثبتاً للمنشإ؟!. مع أن المنشأ ليس موضوعا لأثر عملي وانما الأثر للناشئ لا غير. كما لم يتضح الوجه في الفرق بين الشبهات الحكمية والموضوعية في شرط الحكومة ، ولا في كون الأصل التعليقي رافعاً للشك في الطهارة والحلية ، ولا يكون الاستصحاب الجاري فيهما رافعاً للشك في الحرمة والنجاسة التعليقيتين ، مع كون مجريي الأصلين في رتبة واحدة ، ومقومين لشك واحد ، وكيف يكون الأصل مثبتاً لحكم ليس هو مجرى له ولا أثراً لمجراه؟! وهل الأصل المثبت إلا هذا؟!. مع أنه لو سلم فهو مطرد في كل من الأصلين. فما الوجه المميز لأحدهما عن الآخر؟! بحيث يكون الأصل التعليقي موجباً للتعبد بخلاف الأصل التنجيزي ، ولا يكون الأصل التنجيزي موجباً للتعبد بخلاف الأصل التعليقي ، مع أن دليلهما واحد ، ومورديهما طرفا شك واحد ، متقوم بهما على نحو واحد. فما ذكره مما لم يتضح وجهه ، على نحو يصح الخروج به عن القواعد المقررة بينهم ، المبرهن عليها عندهم.

هذا والأستاذ [ قده ] في الكفاية أجاب عن إشكال المعارضة : بأن الحلية الثابتة قبل الغليان ، كانت مغياة بالغليان ، لأن الغليان في حال العنبية كما كان سبباً للحرمة كان رافعاً للحلية ، فبعد حدوث وصف الزبيبية يشك في بقاء الحرمة المعلقة على الغليان ، وفي بقاء الحلية المغياة بالغليان ، وبقاء الحلية المغياة بالغليان لا ينافي الحرمة المعلقة عليه ، بل هما متلازمان ، فلا يكون الأصلان الجاريان فيهما متعارضين ، فان قوام المعارضة في الأصول أن يعلم بكذب أحدهما إجمالا ، وهو غير حاصل في المتلازمين.

٤٢٢

______________________________________________________

ولكنه يشكل : بأن ذلك يتم بالإضافة إلى حلية العنب التي كانت قبل صيرورته زبيباً ، لا بالإضافة إلى الحلية الشخصية الموجودة في عصير الزبيب قبل غليانه ، فإنها معلومة التحقق حينئذ ، فإذا غلى يشك في ارتفاعها ، ومقتضى الاستصحاب بقاؤها ، فيتعارض هو واستصحاب الحرمة التعليقية وكذا مع استصحاب الحلية المغياة ، إذ هو لا يثبت كون هذه الحلية مغياة كما أن استصحاب بقاء الكر في الحوض لا يثبت أن ماء الحوض كر ، فان استصحاب مفاد كان التامة لا يثبت مفاد كان الناقصة ، كما لا يخفي.

وقد يستشكل في الأصل التعليقي : بأن غاية مفاده إثبات الحرمة على تقدير الغليان ، وهذا لا يثبت الحرمة الفعلية إلا بناء على القول بالأصل المثبت. وفيه : أن فعلية الحرمة لازمة لثبوت الخطاب التعليقي عند ثبوت المعلق عليه ، أعم من أن يكون ثبوته بالوجدان ، أو بالأصل ، فهي من اللوازم العقلية التي تترتب على الأعم من الواقع والظاهر ، كوجوب الإطاعة وحرمة المعصية ، فلا يحتاج في إثباته بالأصل إلى إثبات كونه من اللوازم الشرعية لمجرى الأصل.

هذا وقد يستدل على الحرمة بجملة من النصوص. كصحيح ابن سنان ـ المتقدم ـ (١) : « كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه » لكن عرفت الإشكال في شموله للمقام. وكرواية ابن جعفر (ع) : « عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتى يخرج طعمه ، ثمَّ يؤخذ الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، ثمَّ يرفع فيشرب منه السنة؟ فقال (ع) : لا بأس به » (٢). لكن لو دلت على ثبوت البأس لو لم يذهب ثلثاه ، فهي في ظرف بقائه سنة ، ومن المحتمل قريباً أنه يختمر في أثناء السنة.

__________________

(١) عند الكلام في العصير التمري.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٢.

٤٢٣

______________________________________________________

وكموثقي عمار الواردين في الزبيب كيف يحل طبخه حتى يشرب حلالا؟ وقد ذكرهما في الوسائل في باب حكم ماء الزبيب وغيره وكيفية طبخه من أبواب الأشربة المحرمة (١).

ولكن يشكل ـ مضافا إلى أن الخصوصيات المذكورة فيهما مما لا يحتمل دخلها في الحل ـ : بأنه لم يظهر من السؤال إرادة الحل في قبال التحريم الحاصل بالغليان ـ كما هو المدعى ـ أو في قبال التحريم الحاصل بالنشيش والتغير ، الملازم للبقاء غالبا ، الذي هو موردهما ، بقرينة المقادير المذكورة فيهما ، وما في ذيل أحدهما من‌ قوله (ع) : « فإذا أردت أن يطول مكثه عندك فروقه ». بل الثاني أقرب ، بقرينة ما‌ في رواية إسماعيل بن الفضل من قول الصادق (ع) : « وهو شراب طيب لا يتغير إذا بقي إن شاء الله تعالى » (٢).

وبرواية زيد النرسي في أصله : « سئل أبو عبد الله (ع) عن الزبيب يدق ويلقى في القدر ، ثمَّ يصب عليه الماء ويوقد تحته. فقال (ع) : لا تأكله حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث ، فان النار قد أصابته. قلت : فالزبيب كما هو يلقى في القدر ، ويصب عليه الماء ، ثمَّ يطبخ ويصفي عنه الماء. فقال (ع) : كذلك هو سواء ، إذ أدت الحلاوة إلى الماء ، وصار حلوا بمنزلة العصير ، ثمَّ نش من غير أن تصيبه النار فقد حرم ، وكذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد » (٣).

لكن استشكل فيها [ أولا ] : بعدم ثبوت وثاقة زيد النرسي. ورواية محمد بن أبي عمير عنه لا توجب ذلك ، وإن قيل : انه لا يروي إلا‌

__________________

(١) وهي باب : ٥ وقد ذكر الحديثان برقم : ٢ ، ٣.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٤.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٢ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ١.

٤٢٤

______________________________________________________

عن ثقة. إذ لا يبعد كون المراد منه الوثاقة في خصوص الخبر الذي رواه ـ ولو من جهة القرائن الخارجية ـ لا كون الراوي ثقة في نفسه. وإلا لأشكل الأمر في كثير من الموارد التي روى فيها محمد بن أبي عمير عن المضعفين. مضافا إلى بنائهم على عدم كفاية روايته في توثيق المروي عنه ، كما يظهر من ملاحظة الموارد التي لا تحصى ، ومنها المقام ، فإنهم لم ينصوا على وثاقة زيد بمجرد رواية محمد بن أبي عمير عنه. وأيضاً فإن الظاهر أن عدم الرواية إلا عن الثقة ليس مختصا بمحمد والبزنطي وصفوان ، الذين قيل فيهم ذلك بالخصوص ، فقد قال الشيخ [ ره ] في عدته في مبحث الخبر المرسل : « سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم ». بل الظاهر أن كثيراً من رواه الحديث كذلك ، لاختصاص الحجية عندهم بخبر الثقة ، وليس نقلهم للروايات من قبيل نقل القضايا التاريخية ، وانما كان للعمل والفتوى ، فما لم يحصل لهم الوثوق بالرواية لا ينقلونها ، بل يطعنون على من ينقلها. فلاحظ ما حكي عن أحمد بن محمد بن عيسى من إخراجه البرقي من قم ، لأنه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ، فلو كان هذا المقدار كافيا في البناء على وثاقة الراوي لم يبق لنا رأو إلا وهو ثقة إلا نادرا. نعم الرواية عن شخص تدل على الوثوق بروايته لكن ذلك قد لا يوجب الوثوق لغيره.

وبذلك اتضح الفرق بين الشهادة بوثاقة الراوي والرواية عنه ، فتكفي الأولى في قبول خبره ، ولا تكفي الثانية في قبوله ، فضلا عن إثبات وثاقة الراوي في نفسه ، لأن الظاهر في الأولى الاستناد إلى الحس أو ما يقرب منه ، فيكون حجة ولا يظهر من الثانية ذلك. ولذلك نجد أكثر الروايات‌

٤٢٥

______________________________________________________

الضعيفة غير مقبولة عند الأصحاب وفي سندها الثقات والأجلاء ، لعدم حصول الوثوق لهم من مجرد ذلك ، لاحتمال كون وثوق رجال السند حاصلا من مقدمات بعيدة يكثر فيها الخطأ. ومن ذلك يظهر الإشكال في إثبات وثاقة زيد النرسي برواية جماعة من الأجلاء لكتابة ، كما قيل.

ومثله في الاشكال ما قيل من أن محمد بن أبي عمير من أصحاب الإجماع ، والمعروف بينهم أن المراد به الإجماع على قبول الرواية ، إذا كان أحدهم في سندها ، وان رواها بواسطة المجهول ، كما يدل على ذلك عبارة العدة المتقدمة ، فإن المراد من غيرهم من الثقات ما يشمل أصحاب الإجماع قطعاً. ولأجلها يضعف احتمال أن المراد من الإجماع المتقدم صحة روايتهم فقط. وعلى هذا فرواية النرسي يجب العمل بها ، لرواية محمد بن أبي عمير إياها وان لم تثبت وثاقة النرسي.

وجه الاشكال : أن الإجماع المذكور وإن حكاه الكشي [ ره ] وتلقاه من بعده بالقبول ، لكن ثبوته وحجيته بهذا المقدار محل تأمل. كيف وجماعة من الأكابر توقفوا عن العمل بمراسيل ابن أبي عمير؟! وأما غيره من أصحاب الإجماع فلم يعرف القول بالاعتماد على مراسيله ، حتى استشكل بعضهم في وجه الفرق بينه وبين غيره في ذلك ، وما ذكره الشيخ [ ره ] في عبارته المتقدمة غير ظاهر عندهم. وأيضاً فإن الظاهر أن الوجه في الإجماع المذكور ما علم من حال الجماعة من مزيد التثبت ، والإتقان ، والضبط ، بنحو لا ينقلون إلا عن الثقات ـ ولو في خصوص الخبر الذي ينقلونه ـ فيجي‌ء فيه الكلام السابق من أن الوثوق الحاصل من جهة القرائن الاتفاقية غير كاف في حصول الوثوق لنا على نحو يدخل الخبر في موضوع الحجية كلية [ وبالجملة ] : لو كان الإجماع المدعى ظاهرا في ذلك ، فكفايته في وجوب العمل بالخبر الذي يرويه أصحاب الإجماع ، مع عدم‌

٤٢٦

______________________________________________________

ثبوت وثاقة المروي عنه ، أو ثبوت ضعفه ، لا يخلو من إشكال. فلاحظ وتأمل.

ومثل ذلك دعوى ثبوت وثاقة النرسي بعد كتابه من الأصول ، كما في الفهرست وغيره. إذ فيه عدم وضوح كون المراد بالأصل الكتاب الذي يجوز الاعتماد عليه والعمل بما فيه ، لاحتمال كون المراد معنى آخر. فلاحظ كلماتهم في الفرق بين الكتاب والأصل ، فقد ذكروا فيه وجوهاً واحتمالات ليس على واحد منها شاهد واضح. وأيضاً فإن المحكي عن الصدوق في فهرسته ـ تبعاً لشيخه محمد بن الحسن بن الوليد ـ أن أصل زيد النرسي ، وأصل زيد الزراد ، وكتاب خالد بن عبد الله بن سدير ، موضوعات ، وضعها محمد بن موسى الهمداني. وهذه الدعوى وان غلطهما فيها ابن الغضائري وغيره بأن الأصلين الأولين قد رواهما محمد بن أبي عمير ، لكنها توجب الارتياب ، إذ من البعيد أن يكون الصدوق وشيخه مما خفي عليهما ذلك ، فجزما بالوضع. ومما يزيد الارتياب أن الشيخ [ ره ] في الفهرست ـ مع اعترافه بأن زيدا النرسي له أصل ، وأنه رواه محمد بن أبي عمير عنه ـ لم يرو عن زيد النرسي في كتابي الاخبار ـ على ما قيل ـ إلا حديثا واحدا في باب وصية الإنسان لعبده ، رواه عن علي بن الحسن بن فضال عن معاوية بن حكيم ، ويعقوب الكاتب عن ابن أبي عمير عنه ، والظاهر من عادته أنه أخذ الحديث المذكور من كتاب ابن فضال لا من الأصل المذكور. وكذلك الكليني [ ره ] فإنه لم يرو عنه إلا حديثين أحدهما في باب التقبيل‌ عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي ، عن علي بن مزيد صاحب السابري. قال : « دخلت على أبي عبد الله (ع) ... » ، والثاني في كتاب الصوم في صوم يوم عاشوراء‌ عن الحسن بن علي الهاشمي ، عن محمد بن عيسى ، قال : حدثنا محمد ابن أبي عمير عن زيد النرسي. قال : « سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبد الله‌

٤٢٧

______________________________________________________

عليه‌السلام ... ». ولا يظهر منه أنه أخذ الحديثين المذكورين من أصل النرسي ، أو من أصل غيره ممن روى عنه. فلو كان كتاب النرسي من الأصول المعول والمعتمد عليها عنده لما كان وجه للاعراض عن الرواية عنه ، كما لا يخفى.

واستشكل فيها [ ثانيا ] : بعدم صحتها عن أصل النرسي ، لأن العلامة المجلسي [ قده ] ـ وهو الذي رواها في باب العصير من أواخر كتاب السماء والعالم ـ ذكر في مقدمة البحار أن كتاب زيد النرسي أخذه من نسخة عتيقة مصححة بخط الشيخ منصور بن الحسن الآبي ، وهو نقله من خط الشيخ الجليل محمد بن الحسن القمي ، وكان تاريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، ومنصور بن الحسن الآبي غير معلوم الحال. نعم ذكر المامقاني [ قده ] في كتابه تنقيح المقال منصور بن الحسين الآبي ، وحكى عن منتجب الدين أنه فاضل عالم فقيه ، وله نظم حسن ، قرأ على شيخنا المحقق أبي جعفر الطوسي. واحتمال أنه صاحب النسخة ينفيه أن تاريخها لا يناسب ذلك ، فان المذكور في ترجمة الشيخ الطوسي [ قده ] أن ولادته كانت في خمس وثمانين وثلاثمائة ، وذلك لا يناسب تاريخ كتابة النسخة المتقدم. وكأنه لذلك توقف في الوسائل عن النقل عنه ، وإلا فالمعلوم من طريقته ـ كغيره من المحدثين ـ جواز النقل عنه لو صحت النسخة ، وإن كان المحكي عن السيد صدر الدين العاملي في تعليقته على منتهى المقال في ترجمة زيد النرسي : أنه وجد بخط الحر العاملي ما صورته : « زيد النرسي روى عن أبي عبد الله (ع) وأبي الحسن (ع) : له كتاب يرويه جماعة. أخبرنا علي بن أحمد بن علي بن نوح ، قال : حدثنا محمد بن أحمد الصفواني. قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن زيد النرسي بكتابه. قاله النجاشي ». اللهم إلا أن يكون المانع عن‌

٤٢٨

وان كان الأحوط الاجتناب عنهما أكلا ، بل من حيث النجاسة أيضاً [١].

[ مسألة ٢ ] : إذا صار العصير دبساً بعد الغليان ، قبل أن يذهب ثلثاه فالأحوط حرمته ، وإن كان لحليته وجه [٢].

وعلى هذا فاذا استلزم ذهاب ثلثيه احتراقه ، فالأولى أن يصب عليه مقدار من الماء ، فاذا ذهب ثلثاه ، حل بلا إشكال.

______________________________________________________

النقل عدم العثور على الأصل المذكور.

هذا ولو فرض الغض عما ذكرنا كله كفى في وهن الرواية ، وعدم صلاحيتها للحجية ، إعراض المشهور عنها ، وما تقدم عن العلامة الطباطبائي [ قده ] من دعوى شهرة الحرمة عند القدماء مبني ـ كما قيل ـ على أن رواية القدماء لأخبار التحريم تدل على اعتقادهم بمضمونها. وهو كما ترى ، لما عرفت من منع دلالة الاخبار على التحريم. ولو سلمت فمجرد الرواية أعم من اعتقاد مضمونها ، لجواز عدم وضوح دلالتها على ذلك في نظر الراوي ، كما لا يخفى.

ومن ذلك كله يظهر لك أن القول بحرمة عصير الزبيب إذا غلى ضعيف ، لمخالفته لاستصحاب الحل أو قاعدته ، أو عموم ما دل على حل ما ليس بمسكر ، وعموم الحل المطلق ، بلا موجب ظاهر. والله سبحانه أعلم.

[١] فإن ظاهر من ألحقه بالعصير العنبي إلحاقه حتى في النجاسة ، بناء عليها فيه. كما أن مقتضى الاستدلال على الحرمة بالاستصحاب ذلك أيضاً ، بناء على نجاسة العصير العنبي.

[٢] قال في المسالك : « لا فرق مع عدم ذهاب ثلثيه في تحريمه بين أن يصير دبساً وعدمه ، لإطلاق النصوص باشتراط ذهاب الثلاثين ...

٤٢٩

[ مسألة ٣ ] : يجوز أكل الزبيب ، والكشمش ، والتمر ، في الامراق والطبيخ ، وان غلت [١] ، فيجوز أكلها بأي كيفية كانت على الأقوى.

العاشر : الفقاع [٢].

______________________________________________________

[ الى أن قال ] ويحتمل الاكتفاء بصيرورته دبساً قبل ذلك ـ على تقدير إمكانه ـ لانتقاله عن اسم العصير ، كما يطهر بصيرورته خلا لذلك ». وفيه : أن الطهارة بالانقلاب خلاف الإطلاق ، وثبوتها بالانقلاب خلا كان بالإجماع ، وهو غير حاصل هنا. ويحتمل أن يكون الوجه دعوى كون المقصود من ذهاب الثلاثين حاصلا بصيرورته دبساً. وضعفها ظاهر ، لعدم وضوح ذلك ، وإطلاق الأدلة ينفيه. وأما دعوى انصراف مطهرية ذهاب الثلاثين الى ما لم يصر دبساً ، فلا تجدي في إثبات الطهارة بصيرورته دبساً ، لأن الانصراف المذكور وان أوجب سقوط الإطلاق الدال على النجاسة عن الحجية ، لكن الاستصحاب كاف في إثبات النجاسة.

[١] هذا ظاهر بناء على القول بحل عصير الزبيب والتمر إذا غلى. بل وكذا بناء على حرمته ، لعدم صدق العصير على المرق والطبيخ والدهن الذي يغلي فيه المذكورات. نعم لو كان غليانها يؤدي الى صدق العصير على قليل مما حولها من المرق أو الدهن تنجس ، وسرت نجاسته إلى جميع المائع. وحينئذ لا يطهر بذهاب ثلثيه ، لعدم الدليل عليه ، بل تبقى نجاسته إلى أن يستهلك ، كما في سائر المائعات المتنجسة.

[٢] إجماعا ، كما عن جماعة ، كالسيدين ، والشيخ ، والعلامة ، والمقداد وغيرهم [ قدهم ]. ويدل على ذلك‌ موثق ابن فضال : « كتبت الى أبي الحسن (ع) أسأله عن الفقاع. فقال : هو الخمر ، وفيه حد شارب‌

٤٣٠

______________________________________________________

الخمر » (١). وموثق عمار : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الفقاع. فقال (ع) : هو خمر » (٢) ‌، ونحوه روايات الوشاء‌ ، وحسين القلانسي‌ ، ومحمد بن سنان‌ ، وهشام بن الحكم‌ ، وغيرهم‌ (٣). وفي خبر الحسن بن الجهم وابن فضال : أنه خمر مجهول‌. وظاهره أنه خمر حقيقي ، فالتنزيل حقيقي ، وثبوت النجاسة عليه ظاهر. وكذا لو كان التنزيل ادعائياً فإنها مقتضى إطلاقه. بل‌ في خبر هشام : « وإذا أصاب ثوبك فاغسله » (٤). ولا ينافيه ما‌ في خبر زكريا بن آدم : « قلت : والفقاع هو بتلك المنزلة إذا قطر في شي‌ء من ذلك؟ قال (ع) : أكره أن آكله إذا قطر في شي‌ء من طعامي » (٥). لإمكان حمل الكراهة على الحرمة ، وان كان اختلاف التعبير فيه مع التعبير في الخمر والنبيذ والدم بالفساد ربما يوجب الظهور في الكراهة الاصطلاحية ، ولكن لا مجال للأخذ به في قبال ما عرفت من النصوص والإجماعات ، مع ما هو عليه من ضعف السند.

هذا والمحكي عن غير واحد اعتبار النشيش في التحريم والنجاسة ، وفي محكي كلام بعضهم اعتبار الغليان ، بل عن حاشية المدارك : « صرحوا ـ يعني : الأصحاب ـ بأن الحرمة والنجاسة يدوران مع الاسم والغليان دون الإسكار ». ويشهد له‌ مصحح ابن أبي عمير عن مرازم ، « قال : كان يعمل لأبي الحسن (ع) : الفقاع في منزله. قال ابن أبي عمير : ولم يعمل فقاع يغلي » (٦). فإن قول مرازم‌ « كان يعمل ... ». ظاهر في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٤.

(٣) راجع الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٤) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٩.

(٥) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ١.

(٦) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٤٣١

وهو شراب متخذ من الشعير على وجه مخصوص [١] ،

______________________________________________________

الاستمرار ، فيدل على الحل ، لبعد الضرورة المقتضية للجواز لو كانت ممكنة في حقه (ع). ويشهد له اعتذار ابن أبي عمير الذي هو حجة. وما‌ رواه عثمان بن عيسى قال : « كتب عبد الله بن محمد الرازي الى أبي جعفر الثاني (ع) : إن رأيت أن تفسر لي الفقاع ، فإنه قد اشتبه علينا ، أمكروه هو بعد غليانه أم قبله؟ فكتب (ع) : لا تقرب الفقاع إلا ما لم تضر آنيته ، أو كان جديدا. فأعاد الكتاب اليه : كتبت أسأل عن الفقاع ما لم يغل. فأتاني أن أشربه ما كان في إناء جديد أو غير ضار ، ولم أعرف حد الضراوة والجديد ، وسأل أن يفسر ذلك له ، وهل يجوز شرب ما يعمل في الغضارة والزجاج والخشب ونحوه من الأواني؟ فكتب (ع) يفعل الفقاع في الزجاج وفي الفخار الجديد إلى قدر ثلاث عملات ، ثمَّ لا يعد منه بعد ثلاث عملات إلا في إناء جديد ، والخشب مثل ذلك » (١). وفي مصحح علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي (ع) : « سألته عن شرب الفقاع الذي يعمل في السوق ويباع ولا أدري كيف عمل ، أيحل أن أشربه؟

قال (ع) : لا أحبه » (٢).

[١] كما صرح به جماعة ، منهم السيد في الانتصار ، وحكاه عن أبي هاشم الواسطي ، وفي مجمع البحرين : « الفقاع كرمان شي‌ء يشرب يتخذ من ماء الشعير فقط » ، ونحوه ما عن غيرهم. نعم في سؤال المهنا بن سنان : أن أهل بلاد الشام يعملون من الشعير ، ومن الزبيب ، ومن الرمان ومن الدبس ، ويسمون الجميع فقاعا. وظاهره كونه حقيقة في الجميع. إلا أن يحكم بحدوث هذا الاصطلاح جمعا بينه وبين ما سبق. بل لعل ظاهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٣.

٤٣٢

ويقال : إن فيه سكراً خفيا [١]. وإذا كان متخذا من غير الشعير فلا حرمة ، ولا نجاسة ، إلا إذا كان مسكراً.

[ مسألة ٤ ] : ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء في‌

______________________________________________________

العبارة حدوث الاصطلاح في خصوص بلاد الشام ، فلا إشكال حينئذ ، لكن في كشف الغطاء : « الفقاع كرمان وهو شراب مخصوص غير مسكر يتخذ من الشعير غالبا ، وأدنى منه في الغلبة ما يكون من الحنطة ، ودونهما ما يكون من الزبيب ، ودونهما ما يكون من غيرها » ، وفي روض الجنان : « والأصل في الفقاع ما يتخذ من ماء الشعير كما ذكره المرتضى في الانتصار لكن لما ورد النهي عنه معلقا على التسمية ثبت له ذلك سواء عمل منه أم من غيره ، إذا حصل فيه خاصيته ، وهي النشيش » ، ونحوه عن الروضة والمسالك. ويشكل : بأنه يتم لو كان المسمى لوحظ فيه معنى وصفي ـ وهو النشيش ـ وهو غير ظاهر ، بل ممنوع ، لا أقل من الشك الموجب للرجوع إلى أصالة الحل والطهارة. ونقل العموم ضعيف في مقابل نقل الخصوص لأنه أشهر. وقد يشهد لذلك ما في الانتصار : « ‌روى أصحاب الحديث بطرق معروفة إن قوما من العرب سألوا رسول الله (ص) عن الشراب المتخذ من القمح. فقال رسول الله (ص) : يسكر؟ قالوا : نعم فقال (ص) : لا تقربوه ، ولم يسأل (ص) في الشراب المتخذ من الشعير عن الإسكار ، بل حرم ذلك على الإطلاق ».

[١] كما قد يظهر من بعض النصوص المتضمنة أنه خمر ، أو خمر مجهول ، أو خمرة استصغرها الناس. لكن عن جماعة : أنه ليس بمسكر بل لعله ظاهر من عطفه على الخمر والمسكرات في النجاسة. ولعل ذلك لخفاء إسكاره ، وعدم ظهوره كغيره.

٤٣٣

معالجاتهم ليس من الفقاع ، فهو طاهر حلال [١].

الحادي عشر : عرق الجنب من الحرام [٢] ،

______________________________________________________

[١] كما صرح به جماعة ، منهم كاشف الغطاء معللا له : بأن الظاهر أنه يحصل منه فتور لا يبلغ حد السكر ، وليس ذلك في ماء الشعير. انتهى. والعمدة أن الفقاع متخذ على نحو خاص من العمل ، لا مجرد غليان الشعير كما في ماء الشعير.

[٢] على المشهور بين المتقدمين ـ كما قيل ـ وحكي عن الصدوقين والمفيد في المقنعة ، والشيخ في الخلاف والنهاية والقاضي وغيرهم ، بل عن الأمالي : « من دين الإمامية الإقرار بأنه إذا عرق الجنب في ثوبه وكانت من حلال حلت الصلاة فيه ، ومن حرام حرمت » ، وعن الخلاف نقل الإجماع على النجاسة. ويدل عليه مرسل المبسوط حيث قال فيه : « وان كانت الجنابة من حرام وجب غسل ما عرق فيه ، على ما رواه بعض أصحابنا » (١). وما‌ في الذكرى من رواية محمد بن همام بإسناده إلى إدريس ابن زياد الكفرثوثي : أنه كان يقول بالوقف ، فدخل سر من رأى في عهد أبي الحسن (ع) وأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أيصلي فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره (ع) إذ حركه أبو الحسن (ع) : بمقرعة ، وقال ـ مبتدئاً ـ : « إن كان من حلال فصل فيه. وان كان من حرام فلا تصل فيه » (٢) ، ونحوه ما في مناقب ابن‌

__________________

(١) ذكر في المبسوط في الفصل السابع من كتاب الصلاة في التطهير ، قبيل فصل الأذان والإقامة ، صفحة : ٢٧ ما نصه : « فان عرق فيه وكانت الجنابة عن حرام روى أصحابنا انه لا تجوز الصلاة فيه ». ولم نعثر على العبارة التي نقلها الشارح قدس‌سره. ولعله أخذها من بعض المصادر التي نقلتها بالمعنى.

(٢) ذكره في الذكرى في ملحقات النجاسات صفحة : ١٤ وفي الوسائل باب : ٢٧ من أبواب النجاسات حديث : ١٢.

٤٣٤

______________________________________________________

شهر اشوب عن كتاب المعتمد في الأصول للشيخ المفيد عن علي بن مهزيار‌ (١) وما في البحار عن كتاب يظنه مجمع الدعوات لمحمد بن موسى بن هارون التلعكبري ، عن أبي الفتح غازي بن محمد الطرائفي ، عن علي بن عبد الله الميموني ، عن محمد بن علي بن معمر ، عن علي بن يقطين بن موسى الأهوازي ، عنه (ع) (٢). وضعف السند منجبر بالعمل.

لكن المنسوب إلى أكثر المتأخرين ـ بل المشهور بينهم ـ الطهارة ، بل عن الحلي دعوى الإجماع عليها ، وأن من قال بالنجاسة في كتاب رجع عنه في كتاب آخر. انتهى. وكأنه لقصور سند الروايات المذكورة عن الحجية بنحو يجوز لأجلها رفع اليد عن عموم ما دل على طهارة عرق الجنب. [ وفيه ] : ما عرفت من انجبار الضعف بالعمل. نعم هي قاصرة الدلالة على النجاسة ، إذ هي إنما تضمنت المنع من الصلاة في الثوب الذي أصابه عرق الجنب من الحرام ، وهو أعم من النجاسة ، بل ذلك ظاهر عبارة الأمالي المتقدمة ، وعبارة الفقيه ، ورسالة ابن بابويه ، على ما حكي وحينئذ تشكل نسبة القول بالنجاسة إليهم. نعم عبارة المبسوط المتقدمة ظاهرة في النجاسة ، ونحوها عبارة النهاية ، ومختصر ابن الجنيد.

اللهم إلا أن يقال : ظاهر الروايات المتقدمة المنع من الصلاة في الثوب الذي أصابه عرق الجنب من الحرام وان جف وذهبت عينه ، ومقتضى الجمود على ذلك المنع من الصلاة في الثوب المذكور دائما وإن غسل ، لعدم الدليل على زوال الحكم المذكور بالغسل ، ولأجل عدم إمكان الالتزام بذلك تعين إما الحمل على صورة وجود العرق حال الصلاة ، أو الحمل على عدم الغسل بالماء. والثاني أقرب ، بقرينة أن الظاهر من السؤال ـ بمناسبة الارتكاز‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٢٠ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٢٠ من أبواب النجاسات ملحق حديث : ٥.

٤٣٥

سواء خرج حين الجماع أو بعده من الرجل أو المرأة ، سواء كان من زنا ، أو غيره ، كوطء البهيمة ، أو الاستمناء ، أو نحوهما مما حرمته ذاتية [١]. بل الأقوى ذلك في وطء الحائض والجماع في يوم الصوم الواجب المعين ، أو في الظهار قبل التكفير [٢].

______________________________________________________

العرفي ـ السؤال عن النجاسة والطهارة لعرق الجنب ، كما يظهر ذلك من الروايات الواردة في نفي البأس عن عرق الجنب‌ (١). وعلى هذا فالروايات تكون دالة على النجاسة. وكأنه لذلك لم يفرقوا في نسبة القول بالنجاسة بين التعبيرين المتقدمين.

هذا وأما ما ورد في النهي عن غسالة الحمام ، معللا بأنه يغتسل فيه من الزنا وولد الزنا والناصب‌ (٢). فهي أجنبية عن المقام ، لأنها إن دلت على النجاسة فهي نجاسة بدن الزاني ، لا عرقه ، وليست هي محل كلام.

[١] كل ذلك للإطلاق. نعم لو كان خارجا قبل الجماع فهو طاهر ، لخروجه عن الإطلاق.

[٢] في المنتهى : « أما الوطء في الحيض والصوم فالأقرب الطهارة وفي المظاهرة إشكال » ، وفي طهارة شيخنا الأعظم [ ره ] : « لعل وجه الحكم بالطهارة في الوطء في الصوم والحيض : أن المتبادر من الجنابة من الحرام كون الحرمة من جهة الفاعل ، أو القابل ، لا من جهة نفس الفعل ». ويشكل : بأن الحرمة في الحيض من جهة القابل ، وفي الصوم من جهة الفاعل ، والحرمة من جهة الفعل تختص بصورة نذر ترك الوطء ، أو كونه مضرا أو نحوهما. ولعل منه وطء المظاهرة ، لأن الظهار نحو من العهد أمضاه الشارع على نحو خاص. ومن ذلك يظهر أن وطء المظاهرة‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢٧ من أبواب النجاسات.

(٢) راجع الوسائل باب : ١١ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

٤٣٦

[ مسألة ١ ] : العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس [١]. وعلى هذا فليغتسل في الماء البارد ، وان لم يتمكن فليرتمس في الماء الحار ، وينوي الغسل حال الخروج [٢] ، أو يحرك بدنه تحت الماء بقصد الغسل.

[ مسألة ٢ ] : إذا أجنب من حرام ثمَّ من حلال ، أو من حلال ثمَّ من حرام ، فالظاهر نجاسة عرقه [٣] أيضا ، خصوصا في الصورة الأولى.

[ مسألة ٣ ] : المجنب من حرام إذا تيمم لعدم التمكن من الغسل فالظاهر عدم نجاسة عرقه [٤] ، وإن كان الأحوط‌

______________________________________________________

أظهر في الطهارة من الوطء في الحيض والصوم ، لا العكس ، كما تقدم في المنتهى. وكيف كان فمقتضى إطلاق الروايات عدم الفرق بين الحرمة من جهة الفاعل والقابل ونفس الفعل ، وإن كانت دعوى الانصراف إلى خصوص الزنا لا تخلو من وجه. فتأمل.

[١] لكونه جنباً حينئذ ، وإنما ترتفع جنابته بتمام الغسل.

[٢] سيأتي في مبحث الغسل أن الغسل الارتماسي إنما يكون في حال التغطية تحت الماء ، ولا يكون حال الخروج.

[٣] لا يخلو من إشكال في الصورة الثانية ، لعدم الدليل على تحقق الجنابة من الحرام بالوطء الحرام ، وظاهر أدلة تحقق الجنابة بالوطء أو الإنزال كونهما ملحوظين بنحو صرف الوجود ، لا الطبيعة السارية ، ولذا لا يظن الالتزام بتحقق جنابتين من حلال أو من حرام. اللهم إلا أن يتمسك بإطلاق أدلة السببية مع الاختلاف في الآثار والاحكام ، كما في المقام.

[٤] لإطلاق دليل بدلية التيمم.

٤٣٧

الاجتناب عنه ما لم يغتسل. وإذا وجد الماء ولم يغتسل بعد فعرقه نجس ، لبطلان تيممه بالوجدان.

[ مسألة ٤ ] : الصبي غير البالغ إذا أجنب من حرام ففي نجاسة عرقه إشكال [١] والأحوط أمره بالغسل ، إذ يصح منه قبل البلوغ ، على الأقوى [٢].

الثاني عشر : عرق الإبل الجلالة [٣] ، بل مطلق ، الحيوان الجلال على الأحوط.

______________________________________________________

[١] كما في الجواهر وعن المنتهى. ينشأ من عدم الحرمة في حقه ، لحديث رفع القلم عن الصبي ، ومن ثبوت الحرمة في حد ذاته. لكن الأقوى الطهارة ، وارادة الحرمة في حد ذاته ممنوعة جدا. ولذا لا يظن الالتزام في مثل وطء الشبهة. بل لازمه النجاسة في وطء الزوجة ، لأنه حرام في حد ذاته ، وإنما صار حلالا بالعرض بطروء عنوان الزوجية. فتأمل.

[٢] لأن مقتضى أدلة التكاليف ثبوت المناطات في فعل الصبي كفعل البالغ وحديث رفع القلم إنما يقتضي رفع الإلزام ، فيبقى المناط الموجب للمشروعية بحاله كما تقدم غير مرة.

[٣] كما عن الشيخين والقاضي والمنتهى ، وعن الأردبيلي ، وتلميذه في المدارك ، وتلميذه في الذخيرة : الميل اليه ، بل نسب إلى مشهور القدماء. لمصحح حفص بن البختري عن أبي عبد الله (ع) : « لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة وان أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله » (١). وصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) : « لا تأكلوا لحوم الجلالة ، وأن أصابك من عرقها شي‌ء فاغسله » (٢) والمحكي عن المتأخرين الكراهة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٤٣٨

______________________________________________________

لما دل على طهارتها وطهارة سؤرها ، الملازم لطهارة عرقها. المؤيد باستبعاد الفرق بينها وبين سائر ما لا يؤكل لحمه ، بل بين سائر الحيوانات الجلالة ، لعدم الخلاف في طهارة عرقها ، إلا ما حكي عن نزهة ابن سعيد. بل بين باقي فضلات نفسه عدا البول والغائط. هذا ولكن العموم مخصص ، والاستبعاد لا يدخل في أدلة الأحكام الشرعية. نعم الإجماع على طهارة غير الإبل من الجلال ربما يوجب حمل الأمر في الصحيح على الاستحباب ، حتى في الإبل ، لوحدة السياق ، فيحمل الأمر في المصحح عليه. لكنه ليس بلازم ، إذ من الممكن حمل الأمر في الصحيح على الأعم من الوجوب والاستحباب ، فلا ينافي الأخذ بظاهر الأمر في المصحح. مضافا إلى إمكان حمل الجلالة في الصحيح على العهد ، ويكون المعهود خصوص الإبل الجلالة أو أن الجلالة كما تستعمل وصفاً مؤنت الجلال ، تستعمل اسماً بمعنى الإبل الجلالة أيضاً. وهذا وان كان خلاف الظاهر ، لكن احتماله كاف في عدم جواز رفع اليد عن ظاهر المصحح فالعمل به متعين.

هذا مضافا إلى أن الإجماع المذكور مما لم يتضح جواز رفع اليد به عن ظاهر الصحيح المقتضي لنجاسة عرق الجلال مطلقاً ، فإن القائلين بالطهارة مطلقاً ـ كأكثر المتأخرين ـ قد عرفنا خطأهم ، كما سبق. والقائلون بالنجاسة في الإبل لم يتضح لنا وجه تخصيصهم الحكم بالإبل ، والخطأ جائز عليهم فلا يكون تخصيصهم حجة. نعم لو ثبت إجماع تقديري ـ بأن كان القائلون بالطهارة مطلقاً يقولون بتخصيص النجاسة بالإبل على تقدير عدولهم عن الطهارة ـ أمكن حينئذ لزوم رفع اليد عن ظاهر الصحيح. لكنه غير ثابت. اللهم إلا أن يقال : يكفي في وهن الصحيح اعراض القدماء عن ظاهره ، لأنه يوجب ارتفاع الوثوق المعتبر في حجيته. وكأنه لعدم وضوح ذلك لم يجزم المصنف [ ره ] بالطهارة في غير الإبل.

٤٣٩

[ مسألة ١ ] : الأحوط الاجتناب عن الثعلب ، والأرنب والوزغ والعقرب ، والفأر [١].

______________________________________________________

[١] ظاهر المحكي عن المقنعة في باب لباس المصلي ومكانه : نجاسة الثعلب والأرنب ، وفي موضع آخر منها : نجاسة الفأرة والوزغة. وكذا عن النهاية والوسيلة في الأربعة كلها. وعن مصباح السيد : النجاسة في الأرنب. وعن الحلبيين ذلك فيه وفي الثعلب. وعن القاضي ذلك فيهما وفي الوزغ. وعن موضع من الفقيه والمقنع ذلك في الفأرة. ويشهد للنجاسة في الأولين وعامة السباع‌ مرسل يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) : « سألته هل يحل أن يمس الثعلب والأرنب أو شيئاً من السباع حيا أو ميتاً؟ قال (ع) : لا يضره ، ولكن يغسل يده » (١). وللنجاسة في الفأرة‌ صحيح ابن جعفر في الفأرة تقع في الماء وتمشي على الثياب. قال (ع) : « اغسل ما رأيت من أثرها » (٢). وفي صحيحه الآخر في الفارة والكلب إذا أكلا من الخبز أو شماه ، قال (ع) : « يطرح ما شماه » (٣) ، وفي خبره فيما إذا أكلا من الخبز ، قال (ع) : « يطرح منه ما أكل » (٤) ، ونحوه حديث عمار (٥). وللنجاسة في الوزغ‌ خبر هارون بن حمزة الغنوي ، قال (ع) فيه : « لا ينتفع بما يقع فيه » (٦). وصحيح معاوية بن عمار في الفأرة والوزغة تقع في البئر ، قال (ع) : « ينزح منها ثلاث دلاء » (٧).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ٩ من أبواب الأسئار حديث : ٤.

(٧) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الماء المطلق حديث : ٢.

٤٤٠